الرفـق.. وحُسـن الخُلـق والسلـوك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله بارئ البريات وعالم الخفيات المطلع على الضمائر والنيات
نحمده سبحانه ونشكره وسع كل شيء رحمة وعلما وقهر كل
مخلوق عزة وحكما اللهم صلِّ على سيدنا محمد المؤيد بالمعجزات
والبراهين الواضحات وعلى إلهِ السادات وأصحابه ذوي الفضل
والمكرمات والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسموات.
أخواني أخواتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أبصر عيوب نفسه سلم من تـتبع مساوئ الناس ومن ظن بمسلم
فتنة فهو المفتون وإذا كان العلم خير ميراث فإن حسن الخلق خير
قرين وحسن الخلق لا يتم إحكامه إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة ..
حسن الخلق حديث واسع وموطئ أنيس ومن العسير الإحاطة به في
كلمة أو حصره في مقام غير أن ثمت صفة عظيمة جامعة لمكارم
الأخلاق ضابطة لحسن السلوك حاكمة للتصرفات ..
صفة طالما تحدث الناس عنها واستحسنتها نفوسهم وامتدحها
منتدياتهم .. ولكنها السلوك الغائب والخلق المفقود لدى كثير من
الناس غير قليل بل إنها غائبة عند بعض الناس حتى في أنفسهم ..
صفة كريمة وخلق جميل .. فيه سلامة العرض وراحة الجسد
واجتلاب المحامد خلق من أشهر ثمار حسن الخلق وأشهاها ومن
أظهر مظاهر جميل التعاملات وأبهاها خلق يقول فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
( ما كَانَ في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم
فالرفق تحكّم في هوى النفس ورغباتها وحمل لها على الصبر
والتحمل والتجمل وكف لها عن العنف والتعجل وكظم عظيم لما قد
يلقاه من تطاول في قول أو فعل أو تعامل ..
الرفق أخذ للأمور بأحسن وجوهها وأيسر مسالكها وهو رأس
الحكمة ودليل كمال العقل وقوة الشخصية والقدرة القادرة على ضبط
التصرفات والإرادات واعتدال النظر ومظهر عجيب من مظاهر
الرشد بل هو ثمرة كبرى من ثمار التدين الصحيح ..
الرفق : لين الجانب ولطافة الفعل والأخذ بالأيسر والأسهل فيه
سلامة العرض وصفاء الصدر وراحة البدن واستجلاب الفوائد
وجميل العوائد ووسيلة التواصل والتواد وبلوغ المراد ..
الرفق يلين سورة عناد المعاندين ويقهر عريكة ذوي الطغيان وفي
حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله
محمد صلى الله عليه وسلم :
( إن الله عز وجل لَيعطِي على الرفقِ ما لا يعطي على الخرق ( أي الحمقِ)
وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق وما كان أهل بيت يحرمون
الرفق إلا حرموا الخير كله )
في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله محمد صلى
الله عليه وسلم :
( إن الله رفيق يحب الرفق ويعطِي على الرفقِ ما لا يعطي على
العنف وما لا يعطي على سواه )
وعنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
( ياعائشة ارفقِي فإن الله إذا أراد بأهلِ بيت خيرا دَلهم على باب الرفق )
الرفق هو منهج نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
منحه ذلك ربه وامتن به عليه :
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ
حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }أل عمران/159
{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } الشعراء /215
فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى والأسوة
الأولى في أفعاله وأقواله ومعاملاته رقة وحبا وعطفا ورفقا ..
يقول أنس رضي الله عنه :
خدمت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال
لي أُفاً قط ولا قال لشيءٍ لِم فعلت كَذا وهلا فعلت كذا
الرفق سلوك كريم في القول والعمل وتوسط في المواقف واعتدال
وتوافق واختيار للأسهل والألطف ليس للرفق حدود تضيقه ولا
مجالات تحصره بل هو مطلوب في كل الشؤون والأحوال وفي
الحياة كلها وفي شأن المسلم كله ..
الله سبحانه وتعالى رفيق بخلقه رؤوف بعباده كريم في عفوه رفيق
في أمره ونهيه .. لا يأخذ عباده بالتكاليف الشاقة قال في محكم كتابه الكريم:
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } التغابن/ 16
وقال:
{ َلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً}الطلاق/7
وقال سبحانه:
{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }البقره/185
وقال:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }الحج/ 78
وتأتي الصلاة وهي عمود الإسلام وأم التكاليف خفف فيها نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم من أجل بكاء الصبي خشية أن تفتتن أمه عليه ..
قال عليه الصلاة والسلام :
( إذا صلى أحدكم للناسِ فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير
وذا الحاجة ) رواه مسلم
ومن أعظم صور الرفق : الرفق بالأهل والأسرة من الآباء
والأمهات والأطفال والزوجات ..
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
شدة الوطأة على النساء مذموم لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم
أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم وترك سيرة قومه
على الأبناء أن يرفقوا بآبائهم وأمهاتهم ويحسنوا الصحبة ويلينوا في
المعاملة ..
قال تعالى:
{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا
رَبَّيَانِي صَغِيراً /الأسراء/ 24
وعلى الآباء و الأمهات أن يرفقوا بأبنائهم وبناتهم الله سبحانه وتعالى
يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وإذا أراد الله بأهل بيت
خيرا أدخل عليهم الرفق ..
ترفقوا بالخدم والعمال ولا تكلفوهم ما لا يطيقون وأحسنوا مخاطبتهم
وأعطوهم أجرهم طيبة بها نفوسكم في مواعيدها وإذا طلبوها
وأطعموهم مما تطعمون ..
ارفقوا وترفقوا فالرفق والإحسان أسرع قبولا وأسرع أثرا فهذا هو
المعلم الأول وسيد الدعاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين بال
الأعرابي في المسجد وتناوله الناس فقال لهم:
( لا تزرِموه دعوه وأَهرِيقوا على بوله سجلا من ماء أو ذَنوبا من
ماء فإنما بعِثتم ميسرِين ولم تبعثوا معسرِين ) أخرجه البخاري
من أحب الأعمال إلى الله :
العفو عند المقدرة..
تسكين الغضب عند الحدّة..
الرفق بعباد الله ..
وما رفق عبد بعبد في الدنيا إلا رفق الله به يوم القيامة
يكون المسلم على قدر عال من الأخلاق الحسنة والتعامل الرفيق
والمسلك الراقي حين يكون متسامحا وحين يتجنب المشاحة وغلظ
المشاكسة .. يمهل المعسر ويتجاوز عن المسيء ..
فما أحسن الإيمان يزينه العلم .. وما أحسن العلم يزينه العمل .. وما
أحسن العمل يزينه الرفق..
بالتصبر والحلم بالتحلم والعلم بالتعلم والرفق بالترفق وحسن الخلق
كله بالتخلق ومن يتوخى الخير يعطه ومن يتوقى الشر يوقه..
وأول المودة : طلاقة الوجه ..
والثانية : الرفق والتودد ..
والثالثة : قضاء حوائج الناس ..
{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ
الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ
طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُبْصِرونَ} الأعراف /199ـ201
.....
اللهم أجعل قلوبنا بيضاء صافيه نظيفه لا تحمل غلاً ولا حقدا
وأرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأجعل قلوبنا تشفق وترفق
وإصلح لكل منا أولاده ووسع لكل منا رزقه والذنب الذي بيننا وبينك
أغفره لنا يا رب العالمين...