بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وَفُـتـِّحَت لكم أبواب الجنة فهل أنتم مُـقبلون!؟
( والسـابقـون السابقـون )
اٍلحق الركب .. أدرك القافلة .. اركب معـنا سفينة النجاة .. حث الخطى ،
أسرع في السير عـلّـك أن تنجو من الهلاك .
منذ أن تستيقظ من النوم وأنت في مصارعة مع الشيطان ، ومطاردة مع قرناء السوء من الدنيا ،
والهوى ، والأمل الكاذب ، والخيال المجنّـح .
أفتح دفترك بعـد الفجر ونظم ساعات اليوم ، ملازمة للصف الأول ، وهـو رمز العهد والميثاق ،
وحفظ آية من القرآن أو أيتين أو ثلاث ، وهـو دليل الحب والرغـبة ، وتجديدي التوبة والاستغـفار،
وهـما بريد القبول والدخول ، وطلب مسألة نافعة ، وهي علامة الحظ السعـيد ، وصدقة لمسكين ،
وركعـتان في السحر ، وركعـتان في الضحى زلفى الى علام الغـيوب ، والزهـد في الحطام الفاني ،
وطلب الباقي شاهـد على عـلو الهمة .
{ أولئـِكَ الذين هَـداهُم اللهُ وأولئكَ هُم أولوا الألبَـاب }
التـوبـة
هلمّ إلى الدخـول على الله ، ومجاورته في دار السلام ،
بلا نصَب ولا تعـب ولا عـناء ، بل من أقرب الطرق وأسهـلهـا .
وذلك أنك في وقت بين وقتين ، وهـو في الحقيقة عمرك وهـو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقـبل .
فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغـفـار . وذلك شيء لا تعـب عليك فيه ولا نصَـب ولا معاناة عمل شاق ،
انما هـو عمل قلب .
وتمتـنع فيما يستقبل من الذنوب ، وامتناعك ترك وراحة ، ليس هـو عملاً بالجوارح يشق عـليك معاناته ،
وانما هـو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقبلك وسرّك .
فما مضى تصلحه بالتوبة ، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعـزم والنية .
ليس للجوارح في هذين نصّب ولا تعـب ،
ولكن الشأن في عمرك هـو وقتك الذي بين الوقتين ؛
فاٍن أضعـته أضعـت سعادتك ونجاتك ،
وان حفظته مع اٍصلاح الوقتين اللذين قبله وبعـده بما ذكر نجَوتَ وفـُزتَ بالراحة واللذة والنعـيم .
وحفظه اشق من اصلاح ما قبله وما بعـده ؛ فان حفظه أن تلزم نفسك بما هـو أولى بها وأنفع لها
وأعظم تحصيلاً لسعادتها .
وفي هـذا تفاوتَ الناس أعظم تفاوُت ؛ فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك :
اٍما الجنة ، واٍما النار ؛ فاٍن اتخذتَ اليها سبيلا الى ربك بلغـتَ السعادة العـظمى والفـوز الأكبر
في هـذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها الى الأبد . وان آثَـرتَ الشهوات والراحات واللهو واللعـب،
انقضت عنك بسرعة ، وأعـقبـتك الألم العـظيم الدائم ، الذي مُـقاساته ومعاناته أشق وأصعـب وأدوم
من معاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفته الهوى لأجله .
منـافع تـرك الذنوب
سبحان الله رب العـالمين !
لـو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي اٍلا اقامة المروءة ، وصَـون العِـرض ،
وحـفظ الجاه ، وصيانة المال الذي جعـله الله قِواما لمصالح الدنيا والآخرة ،
ومحبة الخلق وجواز القول بينهم ، وصلاح المعاش ، وراحة الأبدان ، وقوة القـلب ،
وطيب النفس ، ونعـيم القـلب ، وانشراح الصدر ، والأمن من مخاوف الفساق والفجار ،
وقـلة الهم والغـم والمعصية ، وحصول المخرج له مما ضاق على الفساق والفجار ،
وتيسير الرزق عليه من حيث لا يحتسب ، وتيسير ما عسر على أرباب الفسوق والمعـصي ،
وتسهيل الطاعات عليه ، وتيسير العـلم والثناء الحسن في الناس وكثرة الدعاء له ،
والحلاوة التي يكتسبها وجهه والمهابة التي تـُلقى له في قلوب الناس وانتصارهم وحميتهم له
اٍذا أوذي وظـُـلِـمَ وذَبــُّهم عـن عـرضه اذا اغـتابه مغـتاب ، وسرعة اجابة دعائه ، وزوال الوحشة
التي بينه وبين الله ، وقرب الملائكة منه وبُـعـد شياطين الانس والجن منه ، وتنافس الناس على خدمته
وقضاء حوائجه ، وخِطبيتهم لمودته وصحبته ، وعـدم خوفه من الموت ، بل بفرح به لقـدومه على ربه
ولقائه له ومصيره اليه ، وصغـر الدنيا في قلبه ، وكبر الآخرة عنده ، وحرصه على المـُلك الكبير ،
والفـوز العـظيم فيها ، وذوق حلاوة الطاعة ، ووجد حلاوة الايمان ، ودعـاء حَـمَـلة العَـرش ومن حوله
من الملائكة له ، وفرح الكاتبين به ودعـاؤهم له كل وقت ، والزيادة في عـقله وفهمه وايمانه ومعـرفته ،
وحصول محبة الله له واقباله عليه ، وفرحته بتوبته ،
وهـكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبة له الى فرحه وسروره بالمعـصية بوجه من الوجوه .
فهـذه بعـض آثار ترك المعاصي في الدنيا . فاذا مات تلقـَّـته الملائكة بالبشرى من ربه بالجنة ،
وبأنه لاخوف عليه ولا حزن ، وينتقل من سجن الدنيا وضيقهـا الى روضة من رياض الجنة ينعـم فيها الى يوم القيامة .
فاذا كان يوم القيامة كان الناس في الحر والعَـرق ، وهـو في ظل العـرش .
فاذا انصرفوا من بين يدي الله أخـَـذَ به ذات اليمين مع أولـيائه المتقين وحزبه المفـلحين .
{ ذلك فضـلُ اللهِ يُـؤتيه مَـن يشاء والله ذو الفضل العـظيم }
النـواهي والأوامـر في الأعـضـاء
لله على العـبد في كل عـضو من أعضائه أمرٌ ، وله عليه فيه نهيٌ ، وله فيه نعمة ،
وله به منفعة ولذة . فاٍن قـام لله في ذلك العـضو بأمره ، واجتنب فيه نهـيَـه ،
فقـد أدى شكر نعمته عليه فيه ، وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به .
وان عطـَّل أمر الله ونهيه فيه ، عطَّله الله في انتفاعه بذلك العضو ، وجعله من أكبر أسباب ألَـمِـه ومضـرّته .
وله عليه في كل وقت من أوقاته عبوديةٌ ، تقـدمه اٍليه وتقـربه منه ؛ فاٍن شغَـل وقته بعبودية الوقت تقدم ربه ،
وان شغله بهوى أو راحة وبطالة تأخر . فالعبد لا يزال في تقدم أو تأخر ، ولا وقوف في الطريق البتة .
قال تعالى : " لِـمَـن شـاء مِـنكُـم أن يتقـدّمَ أو يتأخـر " [ المدثر: 37 ]
أنواع المواساة للمؤمنين
المواساة للمؤمنين أنواع : مواساة بالمال ، وموساة بالجاه ،ومواساه بالبدن والخدمة ،
ومواساة بالنصيحة والارشاد ، ومواساة بالدعـاء والاستغـفار لهم ، ومواساة بالتوجع لهم .
وعلى قـدر الايمان تكون هـذه المواساة ؛ فكلما ضعُـفَ الايمان ضعـفت المواساة ، وكلما قَـوِي قَـويت .
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس مواساة لأصحابه بذلك كله ،
فلأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له .
ودخلوا على بشر الحافي في يوم شديد البرد وقـد تجرّد وهـو ينتفض ، فـقالوا له : ما هـذا يا أبا نصر ؟
فـقال : ذكرت الفـقراء وبردهم وليس لي ما أواسيهم به ، فأحببت أن أواسيهم في بردهم .