كم"آذر نفيسي" عندنا؟!!

[محمود المختار الشنقيطي]

كم"آذر نفيسي" عندنا؟!!

ما إن بدأت في قراءة كتاب أو رواية (أن تقرأ لوليتا في طهران) حتى تذكرت رواية الصينية يونغ تشانغ (بجعات برية : دراما الصين في حياة نساء ثلاث 1909 – 1978).
فكلا الكاتبتين تقدم للغرب ذما لبلدها،بل و(فرجة) .. وكلتاهما ذهبت إلى الغرب .. بل إن الكاتبة الإيرانية، وهي تقدم سيلا من الشكر – شكرت أكثر من 45 شخصا – في ختام كتابها،شكرت المؤسسة الغربية التي دعمتها بسخاء لتنجز كتابها.
ذكرني الكتاب بقضية أخرى،تعرضت لها عند حديثي عن حرية الرأي،وأن (لجم) قلم كاتب أو كاتبة ما أمر لا فائدة ترجى من ورائه،بل إن من يُلجم قلمه سوف يبث أفكاره،بطرق مختلفة،وبعيدا عن القدرة على نقدها،فيما لو بُثت بشكل علني.
تذكرتُ كذلك أمرا ثالثا – وأخيرا- حين توفي الأستاذ عبد الرحمن منيف،نعته إحدى كاتباتنا – نسيت اسمها – وذكرت أن رواياته كانت تُدرس في الجامعة .. أي أن الكاتب الذي كان غير مرضي عنه على المستوى الرسمي،كانت رواياته تُدرس في إحدى جامعاتنا،ولا يتعلق الأمر هنا بإصدار حكم على ذلك الفعل،من جهة الصواب والخطأ.
جعلت الكاتبة نفسها (بطلة) الرواية .. وتقوم بدور (الراوية) أيضا .. وهي تقوم بتدريس (الأدب الروائي) أو الرواية الغربية .. ولكن ما يهمني هنا .. وهو ما يتعلق بالعنوان الذي اخترته .. وهو أن الكاتبة .. اختارت مجموعة من طالباتها النجيبات - واللاتي ينتمين إلى شرائح اجتماعية مختلفة - يلتقين في بيتها كل (خميس) – أي خميسية آذار نفيسي! – وفي ذلك اللقاء يتحاورن في الأمور العامة،و يقرأن الروايات ويتحاورن حولها ... بمعنى آخر أصبحن مع الزمن يعشن هناك في الغرب ... لدرجة أن الكاتبة خشيت عليهن من أن يتصورن أن الغرب (جنة)،لذلك – وحرصا عليهن – درست رواية (المزيد يموتون حسرة)،لـ(بيللو)،لتعطيهم بعضا من هجاء الحضارة الغريبة.
هناك عدة لمحات لفتت نظري :
اللمحة الأولى : حين ألزم الشاه النساء بخلع الحجاب،حبست جدة الكاتبة نفسها في المنزل،ثلاثة أيام،احتجاجا .. وفكرت الحفيدة أن تحبس نفسها احتجاجا على فرض الحجاب .. بعد الثورة الخمينية!!
اللمحة الثانية : إحدى الطالبات كانت محجبة أصلا،وكانت تشعر أنها متميزة بين غير المحجبات .. ولكن حين أصبح الحجاب (فرضا) .. شعرت بغربة .. أو بعم التميز!!
اللمحة الثالثة : لا مكان للدين – فيما يبدو – لدى الكاتبة،ولا مكان كذلك لـ (التشيع الإيراني) – حتى زواج المتعة أو "المؤقت"حسب الرواية صُور وكأنه شيء من اختراع "ثورة الخميني"!! - ومع ذلك يعجب الإنسان حين يجد احتفالا برواية (ميدان واشنطن) لـ(هنري جيمس)،أو الاحتفال ببطلتيه (كرستيان هارلو) و(وصفيا وسترن)،واعتبرهما بطلتين،لرفضهما الزواج من رجلين غير محببين لهما .. أي تحدي الأب والخاطب مما(فتح باب الشك في أهم مؤسسة اجتماعية في عصرهما : وأعني مؤسسة الزواج){ص 324 (أن تقرأ لوليتا في طهران ) / آذر نفيسي / ترجمة : ريم كبة / منشورات الجمل}.
مثل هذا الانبهار،وما أكثره،يعيدني دائما لحديث شريف :
(جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقالت : إن أبي زوجني ابن أخيه،ليرفع خسيسته،فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر إليها،قالت : أجزت ما صنع أبي،أردت أن تعلم النساء،أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء).
اللمحة الرابعة : تشط المؤلفة .. فتصور أحد المدرسين المتدينين بأنه قارن لطلابه – وطالباته – بين المرأة المسلمة والمرأة الغربية .. فمدح الأولى بالعفة والطهر .. بينما لم يجد شيئا يقوله في الثانية .. سوى أنها (ليست عذراء). وهنا تهمس إحدى الطالبات – منتمية إلى جماعة إسلامية – لأجل ذلك كل بوم هناك من يتحولن إلى المسيحية!!! كما أن الروائية حين سالت (بناتها) عن السعادة ... (أجابت"نسرين":لا أدري ... لم يعلمني احد ذات يوم ماهي السعادة.لقد علمونا أن المتعة هي من أكبر الكبائر،وأن الجنس للتناسل فقط.){ص 495}.
قطعا هذه ليست نظرة الإسلام،وقد جاء عن الحبيب صلّ الله عليه وسلم أنه قال : ()" فِي بِضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا أَهْلَهُ فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ ؟ قَالَ : " أَرَأَيْتَ إِنْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ " .
بين "آذر نفيسي" و"يوسف المحيميد"
رغم الفارق الكبير بين رواية "نفيسي"فهي أفضل بكثير وأمتن حبكة،وبين رواية (الحمام لا يطير في بريدة) لـ(المحيميد)،إلا أنني وجدت تشابها غريبا بين الروايتين .. سوف أثبت بعض نصوص "نفيسي"أولا :
النص الأول : عند الحديث عن الحجاب .. قالت "نسرين" أي رجل هذا الذي يُثار جنسيا لمجرد النظر إلى خصلة من خصلات شعري؟أي رجل هذا الذي يجن جنونه لمرأى أصبع من قدم امرأة؟يا إلهي!.. إن إصبع قدمي سلاح فتاك){ص 122 "أن تقرأ لوليتا في طهران"}.
النص الثاني : مجموعة من الفتيات يجلسن مع خطيب إحداهن في حديقة منزله .. وفجأة تنقض عليهم مجموع من (ميليشيات الأخلاق) – تساوي "هيئة الأمر بالمعروف"عندنا : وقد سمتها الجزائرية "عائشة لمسين"في كتابها"حُكم الأصوات : النساء العربيت يتكلمن"بـ"الميليشيات الدينية" - بعد أن وردهم (بلاغ) عن أمور غير قانونية،وحين لم يجدوا خمورا،ولا أغاني،ولا أقراص مدمجة،ومعهم : (إذن بالتفتيش لم يريدوا أن يضيع هباء،فاقتاد الحرس الجميع إلى سجن خاص بالتجاوزات الأخلاقية. ورغم احتجاجات البنات تم وضعهن في غرفة صغيرة مظلمة حيث قضين ليلتهن الأولى مع مجموعة من المومسات وإحدى مدمنات المخدرات. (..) قضين في تلك الغرفة ثماني وأربعين ساعة لم يسمح لهن الاتصال بذويهن على الرغم من طلباتهن الملحة.(..) اقتادوهن في المرة الأولى إلى مستشفى حيث خضعن لفحص العذرية الذي تم على يد طبيبة نسائية جمعت طلابها لمراقبة الفحص.ونظرا لأنهم لم يثقوا في حكم الطبيبة،فقد اقتادوهن إلى عيادة خاصة لإعادة الفحص مرة أخرى.(..) خضعن لمحاكمة صورية مختصرة،وأجبرن على التوقيع على وثيقة يعترفن فيها بذنوب لم يرتكبنها،ثم حُكم على كل منهن بخمس وعشرين جلدة.
كانت"سانزا"النحيفة ترتدي بلوزة"تي شيرت"تحت جلبابها.فتمازح سجانوها قائلين بأنها طالما كانت ترتدي كسوة إضافية فلن تحس بالألم،فقاموا بجلدها بضع جلدات إضافية "فوق البيعة!"كان الألم الجسدي قد بدا لها أكثر احتمالا من المعاملة المهينة في فحص العذرية){ص 126 - 127"أن تقرأ لوليتا في طهران"}.
النص الثالث : اكتشفت الروائية "سر"إحدى طالبتها .. (اكتشفت ما كانت تحاول"نسرين"إخفاءه.لم يكن بوسع أحد أن يرى من خلف الجادور كم كان جسدها مثيرا حقا ومليئا بالتضاريس.كان علي أن أضبط نفسي لئلا آمرها بالكف عن رفع يديها،وأعني الكف عن محاولة إخفاء صدرها.){ص 492"أن تقرأ لوليتا في طهران"}.
ثانيا بعض نصوص "المحيميد" :
النص الأول : بعد أن قبضت (الهيئة) على بطل الرواية ومعه حبيبته "طرفة" .. (كانت طرفة تفكر بصمت يشبه الغيبوبة،ماذا سيفعلان بي؟تتخيل كيف يناولهما الدفتر الكبير الذي زينت في إحدى ورقاته بصمة إبهامها،ليقوع الحارس بالقلم متسلما الغنيمة،ثم ينزلونها إلى البوابة حيث الحارسة الضخمة التي تتسلمها من معصمها الرقيق،وتيسر بها إلى موظفة سمراء تسجل معلوماتها وتحفظ ملفها،ثم تتسلم منها كل أغراضها الشخصية،وحقيبة اليد الصغيرة ذات الفرسان المهزومين،وكيس الوردة الحمراء،وهاتفها المحمول الذي يزدحم برسائل اللهفة،ووسائط متنوعة كانت تتسلمها من صديقتها ندى،وفطوم،أو طمطم كما تخزن اسمها في دفتر الأرقام بهاتفها المحمول،ثم تقودها الموظفة إلى غرفة التفتيش الذاتي،وتطلب منها أن تخلع ملابسها،فترفض،وتقول لها ببرود سجانة متأففة : اخلعي بنفسك حتى أفتشك وحدي،أو أجيب الحارسات يفتشونك معي بالقوة. ثم تخلع طرفة تنورتها وهي تبكي بحسرة،وبلوزتها أيضا،حتى تصبح عارية تماما وتفتح ساقيها قليلا،كي تتأكد الموظفة أنها لا تخبئ شيئا هناك،لترمي نحوها قمياص خاصا بالنزيلات،وتحفظ ملابسها وأغراضها في كيس تسجل عليه الرقم 201،وترمي به في نزق مع لفائف كثيرة،لتموت طرفة إلى الأبد،ويصبح اسمها : النزيلة 201،وتتحول إلى مجرد رقم صغير في غابة فوضى!
هكذا بقيت طرفة تتخيل مرعوبة في المقعد الخلفي ،قبل أن تتوقف السيارة الصغيرة داخل موقف في مبنى الهيئة كي ينزل السائق الصامت بغضب،ويقودها إلى مكتب شبه فارغ،لا يوجد فيه سوى طاولة وكرسي.بلا تلفون أو أوراق أو ملفات. يغلق الباب ،ثم يقفله،فتبقى ذاهلة تتأمل الجدران والسقف وتبكي){ص 28 - 29 (الحمام لا يطير في بريدة) / يوسف المحيميد / المركز الثقافي العربي / الطبعة الرابعة /2011}.
النص الثاني : اقترح صديق البطل تغطية أحذية الطبيبات،بغطاء مطاطي حتى لا يصدر" كعب الحذاء" صوتا .. (يا أخي الصوت يثير الانتباه إلى جسد أنثى يتحرك بغواية!
- ما فهمت!
- يعني من يسمع الصوت حتى لو ماشاف زول الطبيية،يصير يتخيلها،أردافها،صدرها يهتز،وبعدين يشتهي. وضحك سعيد بشدة.
- يعني حتى صوت الكعب صار عورة؟
- طبعا لأنه يثير الفتنة){ص 55" الحمام لا يطير في بريدة "}.
النص الثالث : الحديث عن إحدى طالبات الأكاديمية الطبية ..
(ميرة الشابة العشرينية،منذ اليوم الأول بدأت تسير في ممرات الأكاديمية بجينز كحلي،وقميص أبيض برسم عين كبيرة فوق نهديها الصغ يرين){ص 57 " الحمام لا يطير في بريدة "}.
النص الرابع : سال "فهد"بطل الرواية "طرفة"لماذا تشيرين – وهما في السيارة - بطريقة خفية؟
(إن إخوتي يحذرونني أن أرفع يدي حين أشير حتى لا يرى من في السيارات المجاورة يدي!ضحك فهد وقال بوداعة :"ما ألومهم!لو كنتِ أختي لبستك دسوس سوداء!". علقت بأن أمها وأخاها الأكبر عبد الله حاولا من قبل أن يلبسانها القفازات السوداء كي لا يرى الرجال عورة يديها،ولا كنها قاومت ورفضت.){ص 183 "الحمام لا يطير في بريدة"}.
قبل الختام .. هذا نص للسيدة"نفيسي" :

(سألت طلبتي : "ما الذي يمكن أن تحققه الرواية باعتقادكم؟ولماذا على المرء أن يتعب نفسه بقراءة الروايات أصلا؟"(..) وبينتُ لهم أننا في هذا الفصل الدراسي سندرس ونناقش الكثير من الكتاب الذين يختلفون عن بعضهم البعض،لكن الصفة التي يشترك بها جميع هؤلاء الكتاب هي صفة"الزعزعة"أو"التهديم"){ص 160"أن تقرأ لوليتا في طهران"}.
وختاما .. كم آذر نفيسي عندنا؟!!
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي : المدينة المنورة في 3/11/1433هـ.

[سمو الرووح]

لاهنت محمود المختار الشنقيطي على الاختيااار الراائع للموضوع المفيد شكرا لك.

[محمود المختار الشنقيطي]

السلام عليكم .. ولا هنتِ أختي (سمو الروح) .. وتقبلي خالص تحياتي.
دمتِ بخير.