الأدب : هل شوه صورة المرأة؟! 2 - 2
وعدت في ختام الحلقة الماضية أن أتحدث عن مرحلة ما بعد تسلم "الرواية والقصة"مشعل الريادة الأدبية .. ولكن كتابا،أو محاضرة في كتاب وقعت بين يدي جعلتني أواصل الحديث عن الشعر،ولكن ليس عبر ما أسميته "الصورة السلبية للمرأة"ولكن عبر زاوية أخرى للموضوع . فكثيرا ما قرأت عن موضوع "الدكتورة والممرضة"وجود عزوف لدى البعض عن الزواج بهما .. إلخ.
الكتيب الذي قصدته عنوانه "المضيفات والممرضات في الشعر المعاصر"،وهو عبارة عن محاضرة ألقاها الأستاذ عبد الرحمن المعمر،في نادي الطائف الأدبي سنة 1396هـ
النص الأول من المحاضرة :
(في عام 11959 سافر إلى دمشق طائفة من شعراء مصر لحضور مهرجان الشعر الذي أقيم بسورية،وفي جوف الطائرة كانت المضيفة الحسناء"فاندا"تخطر بين الصفوف بهندامها البديع وقوامها الممشوق وثغرها البسام،فتنشئ جوا رقيقا مشبعا بالأريج المسكر وتهاويل الأحلام المبهجة (..) وأخرج أحدهم ورقة وكتب فيها الشاعران محمد نوري العنتيل،ومحمد على قصيدة مشتركة :
يا حلوة كالسكر وغضة كالزهر
تخطري تخطري فوق الربيع الأخضر (..) ومرت الورقة على جماعة آخرين من الشعراء فأضاف إليها علي أحمد با كثير ::
رحماك شاعر هنا جودي له بالنظر
جودي بنصف قبلة تنقذه من سقر (..) ومرت الورقة على الأستاذ علي الجندي فنظم قصيدة طويلة نختار منها (..) و فكبرنا وسجدنا وأزجينا له الحمدا
وقلنا هذه حوراء شاهدنا بها "الخلدا"){ ص 10 - 11}.
يقول المحاضر :
( نترك "فاندا"وحزبها لنلتقي مع الشاعر السعودي محمد بن علي السنوسي في قصيدته التي عنوانها "شد الحزام" (..) فإذا انفك من أسر الحزام والمقعد وقع في أسر آخر وقيد معنوي،ذلك هو فتنة المضيفات الحسناوات (..) شد الحزام ،تقولها وأقول لست أجيد حزمه
أنا خصم كل يد سواك تشده وتفض ختمه
مدت أناملها تزيح خصائلا كالليل ظلمه){ص 13}.
ويقول المحاضر أيضا :
(وللشاعر السعودي السيد علي حافظ غرام بالسفر يعرفه أصحابه ،وإعجاب بالمضيفات ملحوظ يقول فيهن :
مثل غصن البان تمشين بيمناك الصحيفة
وإذا قلنا تعالي في مناجاة خفيفة
لا نرى إلا دلالا وابتسامات طريفة){ص 14}.
ومن التغزل في المضيفات،انتقل المحاضر إلى الوقوع في هوى "الممرضات" ،بدأ بالشاعر أحمد الصافي النجفي :
(بخديك أحببت زور الورود وفي مقلتيك عشقت الذبولا (..) عليلك ليس يريد الشفاء لئلا يكابد عندك الرحيل){ص 15}.
ونقل عن الشاعر محمود سليم الحوت قوله :
(ممرضتي كدت أنسى المرض وكسرا بضلعي وشرخا أرض ){ص 16}.
ومن"الحوت"إلى إبراهيم طوقان :
(يا حلوة العينين يا قاسية سرعان ما أصبحت لي ناسية (..) وإبرة الآسي على نفعها أفضل منها نظرة شافية
(..9 سيدتي ذنبك مهما يكن تغفره أعذارك الواهية ){ص 17}.
في الهامش أقول .. إذا خرجنا من روضة الشعر والأدب . . إلى غلظ الطبع .. والتشدد . . وسألنا : ماذا لو أن تلك الممرضة التي تعالج شاعرا معروفا .. كانت متزوجة .. وقرأ زوجها .. – أهلها – ذلك الحديث عن تلك"الأعذار الواهية"؟!!
نعود إلى بساتين الأدب اليانعة .. فهذا الشاعر المدني الشيخ إبراهيم الأسكوبي يخاطب ممرضته،بفتح الميم الثانية،وسكونها :
(يا دعد أين غدا قبلي وقد ذهبا (..) إن تسأليني عن أسباب حبي أو عن ذا الهوى فاطلبي من حسنك السببا){ص 21 -22}.
وإلى طاهر زمخشري :
(أحن إليها وهي ملء نواظري وأرجو لقاها وهي همسة خاطري (..) وفي صدرها الرجراج موج معربد وفي قدها الممشوق سطوة آسر
وفي طرفها الوسنان سحر وآية إذا ما رنت يسطو،فيسبي بفاتر){ص 27}.
وبطرف ممرضة "الزمخشري" نكتفي بهذا القدر .. وقد ختم المحاضر "الكُتيب"بما وصله من"تقريظات" .. وكلها في الإشادة بالمحاضرة . ثم ذكر أن المربي الشيخ عثمان الصالح نشر ردا على المحاضرةجاء تحت عنوان :"هجاء المضيفات والممرضات في الشعر المعاصر".
مما جاء في الرد جزء م قصيدة،في ذم المضيفات،لا يعرف الكاتب قائلها :
(لمضيفة فاقت بدل فاتن وتبذل أبدي لكل مفاتن
الوسط أبرز بالحزام ثديها والعجز باد – لم يزل – لمعاين
تبدو المضيفة في ابتسام تكلف في خدمة وعناية "بزبائن" (..) فكأنها تعطيك فيها"معرضا" والعرض يجلب كل شخص خائن (..) الغرب أوفد من بضائعه لنا ما لم يكن لفتاتنا بالزائن ){ص 38 -19}.
ثم أورد "الصالح"قصيدة طويلة،في ذم الممرضات :
(بي ما يقوض ناصح الأبدان نصحوا بأن أوي إلى "لبنان" (..) نحر الفضيلة في رباها واضح لتلاحم الفتيات والشبان (..) ولقد رأيت – وما رأيت فمؤلم ضدين في الخلوات يجتمعان
تلك الممرضة التي في حسنها بصباغها بعدت عن الإحسان(..) إن الممرضة التي في حسنها وجمالها ودلالها الفتان
ما ست بمستشفى لعرض مفتان بتصنع تغزو لكل جنان (..) لحم على وضم يباع رخيصة للعابثين بأبخس الأثمان
كبضاعة في متجر معروضة للناس من قاص بها ودان (..) أترى فتاة لا ترد للامس كفا لها كل العيون رواني){ ص 40 - 43}.
والقصيدة طويلة.
ثم تسلمت الرواية – والقصة – مشعل الأدب .. فهل تغير الأمر؟
لم يتغير .. بل كنا نجد – في الشعر – حديثا عن المرأة التي تتحرش بابن أبي ربيعة .. أو تدخله بيتها ..إلخ. وكلها تتحدث عن"امرأة"دون أن تخبر،فضلا عن أن تركز،على كون تلك المرأة "أُما"وهذا سيعيدنا إلى ما أشرنا إليه في مستهل الكلام،من كون"التعميم"يكاد أن يكون "غريزة"في البشر!!
فإلى النوبلي العتيد ،أو الوحيد – بالنسبة للعرب – نجيب محفوظ .. والذي جعل بطله (ياسين) وهو ابن السيد أحمد عبد الجواد،يذهب إلى جارتهم الأرملة ( الست بهيجة) ليخطب لنفسه ابنتها(مريم) ... فوجدها بمفردها ومعها شغالتها فقط .. ولم يخرج من عندها إلا بعد أن وعدته بأن تحضر إلى بيته ... وعبر الصفحات من 123 حتى 133 يتمدد حديث عن تلك العلاقة،والتي تنتهي بملل (ياسين) من عشيقته،فعاد وخطب البنت – زعم أنه قابلها صدفة فسألته لماذا لم يحضر ليخطبها – وهنا (تصفعه) الأم ... وتشتمه هو وأبوه – والذي كان على علاقة بها في حياة زوجها – ثم يتزوج البنت .. وفي خضم الكر والفر بين ياسين وبهيجة،وهو يجس نبضها ... يطلق نجيب محفوظ .. عفوا أقصد ياسين أحمد عبد الجواد .. هذا الحكم :
(ليرحم الله من يحسنون الظن بالنساء،لا يمكن أن يكون في رأس هذه المرأة عقل،جارة العمر ولا تعرفها إلا اليوم؟ .. مجنونة .. مراهقة في الخمسين){ص 132( قصر الشوق) / نجيب محفوظ}.
هكذا .. بغض النظر عن الخيال الروائي .. سلوك لامرأة واحدة،تم،بسببه، وصم "جنس النساء" !!
وعبر الرواية المصرية أيضا نجد التالي :
أولا : الأستاذ بهاء طاهر :
(عمي مولر كان باستمرار طبيبا ناجحا. واعتاد أن يأتي إلى البيت كثيرا في وجود أبي وفي غيابه. في الحقيقة كان يأتي أكثر في غيابه،دائما يحضر لي الحلوى ويحملني ويقبلني. ويسأل أمي التي كانت صحتها عليلة دائما : كيف تشعر سيدتنا اليوم؟ يمسك معصمها ويمسك يدها ويتحسس صدرها. ويأخذها إلى الداخل ليواصل هذا الكشف أو يصرفاني إلى الخارج بحجة ما. وكنت على ما أذكر في الثامنة من عمري عندما واجهتما وأخذت أضربه في بطنه ورجليه بقبضتي معا وأنا أصرخ : اذهب .. اذهب .. أنا لا أريد أن أراك .. لا أريد الحلوى التي تحضرها .. اذهب! أنا لا أحبك! وقف لا ينطق بحرف وكانت أمي أيضا تقف خلفي تضع راحتها على فمها وقد اتسعت عيناها. وبعدها لم يعد مولر يأتي. ولكن أمي هي التي أصبحت تخرج كثيرا){ ص 60 -61 : رواية "الحب في المنفى" / بهاء طاهر / روايات الهلال 1995}.
ثانيا : الأستاذ عبد المنعم الجداوي :
(فهي رغم أنها تجاوزت الأربعين،,رغم أن لها زوجا وأولادا .. فإنها تعطي لنفسها حرية الاستمتاع ... ما دام ذلك لن يؤثر على حياتها كزوجة فهي تدرك جديا أن طلاقها بعد هذه السن لا يجدي،وأنه لا مناص من حياتها مع أولادها فهم في حاجة إليها،وهي في حاجة إليهم،ولكنها أيضا في حاجة إلى الترفيه.){ص 35 – 36 : رواية : "نساء من باب الشعرية" / عبد المنعم الجداوي / روايات الهلال}.
وفي نفس الرواية،عن ابنة السيدة السابقة :
(إن سميرة إما أن تكون مخدوعة تظن أنها تحبه والحقيقة أنها لا تعجب فيه إلا بصورة الأب الحاني التي حرمت منها رغم وجود الأسطى عيده على قيد الحياة،وإما أن تكون مدفوعة بحبها لوالدتها ،تقلدها في التعليق بغير زوجها حتى تتساويا في الخطأ حرصا منها على مشاعر والدتها){ ص 97}.
ثالثا : لكي لا يظن أحد أن أمر الإساءة للنساء – عبر الرواية تحديدا – خاص بالأدب العربي،فهذه لقطة من "قصة"أمريكية ،حديثة :
الكلام يُبث خلال المذياع،ويستمع له سائقوا الشاحنات في الخطوط الطويلة.. والحديث كالعادة عن"جنس النساء" :
(أنت تعرف أحوال النساء؟ فأنت تراهن في مواقف سيارات النقل وهن يصببن القهوة.كل أولئك من أمثال "بيلي رايس"و"بوبي سونر"و"ديبي"و"آنتا" كل ذلك الصنف من ذوات ؟؟ المرتجة اللواتي نتزوجهن ونحاول أن نصونهن في بيت. أنت تعرف كيف هن. أنهن لم يخلقن لرجل واحد.أيها الشبان. هذه حقيقة من حقائق الطبيعة. هذا ما أريدكم أن تفكروا فيه برهة. وأن تلوكوه وتذكروا خر مرة رأيتم فيها نساءكم. ولتصور كل منكم كم سيمضي من الوقت قبل أن يراها مر أخرى. فكروا في هذا يا أيها الشبان (..) (وليعنونه { رايدرب موسى صاحب الإذاعة – محمود} ويتهدودنه،ولكن ما من أحد منهم يتحول عن قناته. وقد يفكر بعضهم فيما قال. عل نحو ما فكر كثيرا من قبل. مرتابين بدليل أو بغير دليل. مائة ميل من الوحدة والبرانويا. كيف يمكنهم أن يعرفوا بالتأكيد أن نساءهم مختلفات عن سائر النساء اللواتي يجدونهن مستعدات لأي شيء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ إنه موسم الغزل،فماذا يفعلن طول هذا الوقت الذي يمضونه في الركوب؟
أنا أتخيل – وأنا أسحب الأحمال.
أنك وراء هذا الحمل عند محطة الوصول.
في نهاية الطريق.
ولكن فيما أنا أنتظر ترحيبك
لا يوجد أي صوت.
وأشرع في البكاء.
أنت لست نائمة
بل تنامين مع خلق الله هنا وهناك){ ص 288 – 290/ كتاب ( 23 قصة قصيرة من روائع القصص الأمريكية المعاصرة) / تحرير : وليام إبراهامز / ترجمة : نظمي لوقا : قصة"آي – 80// نبراسكا / أم – 490،م،205) / جون سيلز/ نشر المؤلف هذه القصة أول مرة سنة 1975م. }.
ومن الولايات المتحدة الأمريكية ،نعود إلى المملكة العربية السعودية،ورواية الأستاذ يوسف المحيميد "الحمام لا يطير في بريدة". في الرواية نجد "علاقة"بين بطلها"فهد" وبين (ثريا) وهي امرأة متزوجة .. و(أم) .. وقد ألحت الرواية بشكل عجيب على تأكيد أمومتها!!
جاء في الرواية :
(وعطرها يغمر أنفه وروحه،وروحها الشابة ترفرف بعشق تلك التي لو لم تقل أنها أم لستة،وأن أكبرهم في عمره تقريبا، ولولا صوتها المتهدج قليلا،لما استطاع أن يخمن أن عمرها في نهاية الثلاثينات،تزوجت وهي صغيرة ){ص 141 "الحمام لا يطير في بريدة" / يوسف المحيميد}.
وفي الرواية أيضا،كتبت "ثريا"لـ"فهد"على خلفية بطاقة :
(أحبك يا فهد،لكن أخشى ترفض حبي لك وجنوني بك،لأنني أكبر منك،يمكن بعمر أمك!){ص 143}.
وبعد أن أنهى معها مكالمة تحاول فيها أن تقابله،بينما حاول هو أن يتملص .. قال صديقه "سعيد":
(مشكلة القروي إذا أحب عجوزا،يا عم هذي في مقام أمك!){ص 143}.
يقول الراوي عن "ثريا" :
(كانت في أواخر الثلاثينات،قالت إن أولادي جاءوا في زمن مبكر،تزوجت في السادسة عشرة،وها أنا معي ستة أكبرهم في الجامعة!يمكن في سنك أو أكبر){ص 145}.
وتقول"ثريا"لـ"فهد" :
(احتفظتُ ببطاقة العمل خاصتك في صدري،صحيح أنني وضعتها في حقيبتي اليدوية،لكنني حين مشيت وابتعدت أخرجتها دون أن يتبنه أطفالي ووضعتها في صدري،هل أردت أن أخفيها عن زوجي وولدي الأكبر الذي يفتش حقيبتي وجوالي دائما){ص 161}.
أليس مريبا هذا الإلحاح على تذكير القارئ بأن(ثريا) أما؟!!
عبر الرواية أيضا نجد شخصية أخرى هي "نهى":
(نهى صغيرة ولعوب،ليس فهد هو الأول ولا الأخير،ليس وحده فحسب،بل تجمع حولها رجالا تغسل بأصواتهم الخشنة ومشاغباتهم الموحية ليلها الطويل،أما أمها التي تحاول أن تغير قنوات الشوتايم كلما دخلت نهى عليها الغرفة،فهي وجلة جدا على بناتها){ص 136 (الحمام لا يطير ..}
ونختم من هذه الرواية،بالإشارة إلى شخصية أخرى – لها مواقف كثيرة،ذكرناها في دراسة"ضلالات الرواية" الحمام لا يطير في بريدة"أنموذجا" – هي"طرفة"بطلة الرواية،والتي .. (تشعر في لحظات كثيرة وهي صغيرة،أنها ليست ابنتهم،وأنها في العائلة الخطأ (..) بل حتى سمرتها بجانب أخواتها الأربع البيضاوات،تجعلها تشك بالأمر كثيرا،وحين كبرت ورحل أبوها كانت تسأل : "هل سوتها أمي مع أحد ثاني؟"){ص 238 (الحمام لا يطير ..}.
وبعد .. كما قلت في البداية أخشى ما أخشاه أن أكون قد وقعتُ تحت سطوة"فكرة"وضعتُ هنا "نقطة"من بحرها .. ولو فتحتنا باب الحديث عن إساءة "النكتة"للمرأة،أو رسمها صورة سيئة عنها .. لطال،وطال بنا المسرى.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني