قصة أبي بصير مع المشركين
الشبهة:
احتجاجهم بأنه ليس في عنقهم بيعة لأحد ممن أعطى هؤلاء العهد فلا يلزمنا هذا العهد بالأمان أو الذمة:
حيث قالوا : إن المجاهدين ـ أو ما تسميه أمريكا تنظيم القاعدة ـ ليس بينهم وبين أمريكا عهد، فيجوز لهم قتالهم، قال ابن القيم: "ومنها: أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام، فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم، وسواءً دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا. والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم . وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -قدس الله روحه- نصارى ملطية وسبيهم، مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين)".
الجواب:
وأجاب أهل العلم على هذه الشبهة بقولهم:
صحيح أن المجاهدين أو ما يسمى بـ"تنظيم القاعدة" ليس بينهم وبين أمريكا عهد ولا ذمة، فيجوز لهم قتال الجنود الأمريكان اللذين غزوهم واحتلوا ديارهم، ولكن لا يجوز لهم قتال الأمريكان المدنيين في بلادٍ لهم فيها عهد وأمان حتى يخرجوا منها.
أما أبو بصير -رضي الله عنه- حينما قاتل كفار قريش، فإنه لم يقاتلهم في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي محلُ أمان لمن تحيَّز إليها منهم؛ لأنهم فيها معصومون مستأمنون.
بل لم يقتل أبو بصيرٍ رسولَ قريش حين رآه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الرسول قد فرّ من أبي بصير بعد أن قتل أبو بصير صاحبَه، مع أنه لم يكن ثمة عهد بينه وبين هذا الرجل. فالذي منعه من هذا هو أن الرجل قد تحيَّز إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا التقييد مستفادٌ من النص ذاته، المنقول عن ابن القيم رحمه الله، حيث قال: "ومنها ـ أي من فوائد قصة أبي بصيرـ : أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم، وسواءٌ دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا. والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم".
فنلحظ أن ابن القيم قد قيَّد جوازَ قتلِ الطائفة التي لم تدخل في عقد الإمام وعهده (كأبي بصير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) للمعاهدين بألاّ تتحيَّز الطائفة إلى الإمام؛ إذ من مقتضى المعاهدة والأمان أن يحمي الإمام المعاهدين من أي اعتداء عليهم متى كانوا في سلطانه.
وهذا صريح في استقلال كل دولة أو جماعة بذمتها وعهودها، ولذا لم يكن مشروعاً للذين ليس بينهم وبين الأمريكان عهد أن يعتدوا عليهم في بلادٍ لهم مع أهلها عهدٌ وذمة.