عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 28-07-2007, 12:06 AM
المسافر المسافر غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
المشاركات: 461
معدل تقييم المستوى: 20
المسافر is on a distinguished road
رد: مقالات الجاسم (متجدد)

"أقضب مينونك"!



على الرغم من "التطمينات" المتكررة التي صدرت في مناسبات عدة حول حرص النظام على المحافظة على الدستور الحالي وعدم وجود "نوايا" للقيام بالانقلاب الثالث على الدستور، إلا أن التصريحات الأخيرة لرئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي التي دعا فيها إلى الحرص على الديمقراطية وعدم الإساءة إليها تكشف، حسب ظني، معلومات متوفرة لديه، وربما لدى آخرين، حول "تجدد" نوايا الانقلاب الثالث. وقد ترددت أنباء مفادها أنه تمت مناقشة ذلك فعلا في اجتماع عقد مؤخرا.

وفي اعتقادي أن من يفكر في الانقلاب على الحكم الديمقراطي واستبداله بحكم تسلطي إنما هو يعبر من خلال هذا التفكير عن عجزه وفشله هو لا فشل النظام الديمقراطي. ولست هنا بصدد تعداد مزايا النظام الديمقراطي ومساوئ التفرد بالحكم، إنما أود أن أوجه رسالة إلى كل من يفكر من أبناء الأسرة الحاكمة بتعديل الدستور من أجل تعزيز قبضة الأسرة الحاكمة وأقول أنكم تسيرون عكس التيار وتتسببون في هدم الأساس الذي قام عليه حكم الأسرة في الكويت.

وليأذن لي القراء أن أنشر هنا بعض ما أورته في كتابي الأخير "روح الدستور" حول طبيعة العلاقة التي تربط بين أسرة الصباح والشعب الكويتي والتي تشكل الأساس الذي قام عليه حكم الأسرة. ورد في الكتاب ".. أما الحقيقة الثالثة فهي تستفاد من طريقة تعيين الحاكم الأول للكويت. فبصرف النظر عن أسباب اختيار صباح الأول بالذات، فإن حكم أسرة مبارك الصباح الحالي تأسس من قبل الأهالي لا من قبل عائلة الصباح ذاتها. فالحقيقة الراسخة هي أن صباح الأول كان الحاكم المختار من قبل الأهالي، وهذا الاختيار هو أصل الحكم. وليس هناك ثمة رواية تاريخية تقول عكس هذا الأمر. فحكم عائلة الصباح تأسس من دون أي استخدام للقوة، ومن دون عنصر الإكراه. ولم يستند الحكم على قاعدة الزعامة القبلية، وليس له أساس ديني على الإطلاق، كما لم يعتمد على النفوذ أو الثراء أو القوة الاقتصادية.

أما الحقيقة الرابعة فهي تتعلق بانتقال الحكم، ومفادها أن انتقال الحكم لم يكن مسألة خاصة بعائلة الصباح، كما أنه ليس من اختصاصات الحاكم تعيين ولي للعهد، كما أن انتقال الحكم من الأب إلى الابن لا يتم بشكل تلقائي بل لابد من موافقة الأهالي. وهذا الأمر يعني بوضوح شديد أن الحكم ليس حقا خالصا لعائلة الصباح تنفرد به لا بالمفهوم الواسع للعائلة ولا بالمفهوم الضيق للأسرة، بل هو شأن عام. فلا يتولى الحاكم سلطاته إلا بموافقة الأهالي.

نخلص من جميع ما سبق إلى أن المجتمع الكويتي تشكل أساسا من مجموعة من المهاجرين جمع بينهم الود والتآلف بحثا عن حياة أفضل، ولم تكن لديهم نزعة العنف أو الاعتداء ولا منهج القوة والإجبار، اختاروا لسكناهم أرضا لم يكن فيها مجتمعا مستقرا ولا سلطة قائمة، فأسسوا مجتمعهم واختاروا سلطتهم التي عهدوا إليها إدارة شؤونهم. وكان أساس السلطة بينهم الرضا والقبول، وعمادها التشاور. ولم يكن للسيف أو البارود حاجة ولا أثر باستثناء فترة امتدت نحو خمسة وعشرون عاما هي فترة حكم مبارك الصباح وابنه جابر وابنه الآخر سالم. ولم تكن هذه الفترة كافية للتخلص من أصل الحكم وأساسه، بل كانت مرحلة شذوذ سياسي مؤقتة لم تفلح في تغير هوية المجتمع الذي ما أن تحرر من قبضة التفرد بالقرار حتى فرض شروطه مجددا على الحاكم وأوصل كلمته بوسائل متنوعة.

وعلى ذلك يمكن القول أن روح المجتمع الكويتي تفرض مشاركة الشعب في اختيار الحاكم وترفض الاستبداد. كما تفرض على الحاكم مشاورة الشعب وترفض القمع والتسلط، بل تأبى ما هو أقل من ذلك كالانفراد في القرار حتى وإن لم يكن مقترنا بالقمع. أما عن حكم أسرة الصباح فهو جزء لا يتجزأ من روح المجتمع وهويته السياسية. كما تفرض هذه الروح اقتراب الحكام من الشعب واستماعهم إليه وخضوعهم لمحاسبته ومراقبته.

إن حكم الصباح لم يفرض بالسيف ولم يحمى بالبارود، ورأي الشعب لا يمكن قمعه ولا مصادرته ولا إقصائه." (انتهى الاقتباس)

لقد مللنا ونحن ننبه الأسرة الحاكمة إلى خطورة المساس بالدستور، ومللنا ونحن ننبههم أيضا إلى أن المادة الرابعة من الدستور التي تشير إلى حكم ذرية مبارك الصباح هي مجرد جزء من الدستور وأن الجزء الآخر هو ديمقراطية هذا الحكم التي أشارت إليها المادة السادسة من الدستور.. فيا شيوخنا الكرام لكم الاختيار بين المحافظة على ثوابت حكمكم (المادة 4 والمادة 6) وبين التفريط فيها، وكل ما عليكم إدراكه هو أن الوقت تغير والناس تغيرت ولن يمكنكم تحمل مظاهرة واحدة.. واحذروا من ارتكاب خطأ تاريخي يجعلكم تتحسرون على "أيام الدستور"، ولا تراهنوا على مواقف حركة "الاخوان المسلمين"!!

ملاحظة:ينشر هذا المقال يوم السبت 28 يوليو في صحيفة عالم اليوم.

رد مع اقتباس