مجالس العجمان الرسمي

مجالس العجمان الرسمي (http://www.alajman.ws/vb/index.php)
-   مجلس الدراسات والبحوث العلمية (http://www.alajman.ws/vb/forumdisplay.php?f=41)
-   -   مـكـتـبــــــة مـجـالـس العجمـــــان (( كتب + دراسات + مقالات )) ( الجزء الثالث ) (http://www.alajman.ws/vb/showthread.php?t=7375)

سهيل الجنوب 10-11-2005 07:10 AM

مـكـتـبــــــة مـجـالـس العجمـــــان (( كتب + دراسات + مقالات )) ( الجزء الثالث )
 

العولمة : المواجهـة بالاقتنــاع والإقنــاع

جدة -نورة خالد السعد(رئيس قسم الاجتماع /جامعة الملك عبدالعزيز )
رغم اختلاف الآراء حول مفهوم (العولمة) إلا أن هناك إجماعاً على تعزيز المتغير الاقتصادي من متغيرات هذا المفهوم؛ لأن العولمة كانت وليدة النظام الرأسمالي كما كانت الرأسمالية إحدى ثمرات الثورة الصناعية وما واكبها من تغيرات اجتماعية واقتصادية. إذا توقفنا عند تحليل أحد التعريفات العديدة للعولمة فنجد أنها (ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي؟ بل هي أيضاً بالدرجة الأولى أيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم). وكما يذكر الأستاذ سيد ياسين؛ أنه لا يمكن اختيار تعريف واحد للعولمة، وإسقاط باقي التعريفات. ذلك أن كل تعريف منها يلمس الواقع في أحد جوانبها (بصفتها ظاهرة مركبة ومعقدة) فالعولمة تجمع بين جوانبها متغيرات عديدة كونها تمثل حقبة تاريخية هامة، فهي هيمنة للقيم الغربية بوجه عام والقيم الأمريكية بوجه خاص، وهي أيضاً ثورة تكنولوجية واجتماعية. إن العولمة بصفتها تياراً اقتصادياً وفكرياً ساحقاً يجتاح العالم النامي بشكل خاص، هي صورة حديثة من صور هيمنة الأقوى على الأضعف، التي اكتسحت المجتمعات المهزومة في الحروب السابقة. ولكن هذه الصورة الحديثة تجيء وفق متغيرات هذا العصر بتقنيته الحديثة.. وثورة الاتصالات ولهذا حملت الجانبين السلبي والإيجابي. وبما أن الجوانب السلبية للعولمة تأخذ عمقاً ربما أكثر حدة من الجوانب الإيجابية التي لا تزال محدودة بالقيود الخاصة بالنسق الاقتصادي. ولهذا تولد هذا القلق الاجتماعي الذي يدفع كل قارئ للحدث التارخي أن يسأل: نحن والعولمة: من سيربي الآخر؟ إن العولمة ظاهرة عالمية غربية تحمل تحدياً حقيقياً لهوية الإنسان المسلم وكينونته الحضارية خصوصاً في عالمنا النامي، في ظل ضعف الدور التنموي الفعال، وعدم تجسير الفجوة بين الجانبين الثقافي والمادي في الإطار الحضاري للوجود البشري. وبما أن خطر العولمة - إذا تحدثنا عن جوانبها السلبية - يتضح أكثر في المجال الثقافي ذلك أنها تتدخل مباشرة في صياغة الفكر والقيم، وتؤثر في السلوك الإنساني، وتملك الهيمنة الطاغية على هذه المتغيرات المتعددة، وبالتالي يصبح من الصعوبة تجاهلها أو محاربتها؛ لأننا شئنا أم أبينا نقع في مجال هيمنتها، ولهذا لابد من إحداث وعي بمفهوم (العولمة) وتعريفاته المتعددة واستيعاب جوانبها الإيجابية بموضوعية، والسلبية هذه موضوعية لابد من استحضارها تفرضها علينا متطلبات الدور الاستخلافي للإنسان على الأرض. إذ إن متطلبات هذا الدور المحوري لم تتغير، ومضمون «الدور الاستخلافي» لم يتغير، حتى في حالة تغير المنوط بهم هذا الدور من خلال تغير الظروف المحيطة بهم، وانهزامهم في دوائرها. فما حدث من تغير في آلية التطبيق لوصف { كنتم خير أمة أخرجت للناس} عبر مراحل تاريخية مرت بالعالم الإسلامي كانت سبباً في تغيير الصورة المثالية، التي كان ينبغي علينا الوصول إليها والحفاظ عليها. ولهذا مطلوب منا- حالياً- بصفتنا مسلمين، أن نوضح أنه لا حجة على هذا الدين بخطأ أولئك الأفراد والجماعات، ومن الإنصاف أن تكون هذه المتغيرات في الناس وفي آلية التطبيق محررة وواضحة في ذهن المسلم «الذي يواجه العولمة» لأن الغفلة عنها بصفتها حقائق سوف يضر بمبدأ إبلاغ الدعوة وأداء رسالته في كل زمن، لأنها رسالة مستمرة لا تتوقف عند مرحلة تاريخية، ولا عند أشخاص معينين.. من كل هذا لابد من تنقية ذواتنا المسلمة أولاً من هذه الضبابية حتى يكون واضحاً ما المقصود «بالدور الاستخلافي»، أي واجبنا تجاه أنفسنا أولاً بكل المقاييس العقدية والاجتماعية والحضارية، ثم تجاه الآخرين من حولنا. من هذا لابد أن يتحول استيعابنا لمفهوم «العولمة» كما هي في الواقع المعاصر، وكما ستكون عليه في المستقبل خطوة مبدئية وضرورية، ومعرفة آثارها على أنماط حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، يتحول هذا الاستيعاب وهذا الوعي إلى مواجهة موضوعية نعترف فيها بضعفنا أن نكون «خير أمة». أمام هذه التحديات، والاعتراف هنا هو المفتاح لمعرفة كيف يمكن أن نواجه العولمة؟ هذه المواجهة كي تنجح لابد من استحضار جدلية الاقتناع والإقناع لدى الإنسان - محور الاهتمام - فالاقتناع هو الخطوة المبدئية لميلاد الإرادة الإنسانية كي تقف في وجه إرادة الهيمنة، فالمسلم له رسالة عالمية، ولابد من استعادة عظم مسؤولية هذه الرسالة كي نستثير داخله كوامن الهدوء والاستسلام والانهزام السائدة في عالمه حالياً. لابد من الاقتناع بأن هذا الإنسان له دور حضاري عليه أن يؤديه، ومن خلاله يواجه تحديات العولمة. وكي يتحقق هذا الاقتناع ثم الإقناع لابد أيضاً من استراتيجية شاملة نعيد فيها صياغة متطلبات بناء الإنسان ذهنياً وثقافياً قبل البناء الاجتماعي - من خلال هذه الاستراتيجية التي يجب أن يعاد من خلالها صياغة متفاعلة مع المتغيرات المعاصرة، والعولمة تشكل أهمها. لأن من نتائج جدلية الاقتناع والإقناع توافر إمكانية (الدور الانتقائي) المتوقع الذي سيسهم في أن يرتفع بهذا الإنسان إلى مستوى المعادلة الحضارية (مع) وليس (دون)! ما أعنيه أنه لابد من تعزيز قوي للقيم الإسلامية وتحويلها إلى واقع معاش وليس فقط مثاليات في صفحات الكتب لا يتمكن الجميع من تمثلها في حياتهم كما ينبغي. إن الانتقال الإجرائي بهذه المفاهيم في شموليتها في نسق الحياة اليومية.. ثقافياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وسلوكياً.. من الجانب شبه النظري إلى المستوى الواقعي الفعلي لابد منه خطوة مبدئية وأساسية إذا كنا نرغب في إيجاد الفرد الذي يحقق الدور الانتقائي لآثار العولمة.. ولابد من تهيئة الإمكانات الاجتماعية والاقتصادية في تعدد احتياجات الفرد في المجتمع حتى لانحتاج إلى غيرنا.. ونقع مرة أخرى في موقع المهزوم والأضعف في مساحات تأثير العولمة، وفرض القيود الاقتصادية، وتعزيز متتابع للقيم الغربية في النسيج الاجتماعي كل مجتمع يعيش على فتات الموائد الغربية.. من يربي الآخر في جدلية العولمة والنحن؟ إجابة السؤال، هي الإجابة التي يبحث عنها كل من يعي حقيقة (السنن الإلهية) فالبدء في الإنسان.. وكما هي المراحل التاريخية التي مرت بها المجتمعات الأخرى التي استطاعت أن تقف إلى مستوى (الندية) مع تيارات العولمة.. ذلك أن الهوية الوطنية للمجتمع -أي مجتمع- هي إرث حضاري يرفض كل إنسان ينتمي إليه المساس بمقوماتها أو تجريح تراثها الحضاري. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (48) بتاريخ (ربيع الأول 1420هـ -يونيو/يوليو 1999م)

سهيل الجنوب 10-11-2005 07:11 AM

العولمة .. حينما تفترس التماسيح أسماك البحيرة !
 
الرياض - إحسان علي بوحليقة (اقتصادي سعودي- عضو مجلس الشورى)

أدبيات العولمة صريحة في تبجيلها للقوة الاقتصادية، والدول المحبة للعولمة هي الدول المالكة لتفوق اقتصادي يمكنها من فرض مصالحها على العالم. ومن ذلك، فقد شهد التاريخ البشري عبر ستة آلاف سنة من التجارة الدولية حروباً طاحنة لفرض تلك المصالح ولو بالقوة. فقد نكصت قوى العالم على عهود ومواثيق عالمية مرات كثيرة. والقاسم ثابت في كل تجارب -التطاحن- السابقة التي بدأت في العصر الحجري الحديث في حروب روما وفينيقية، وتحديداً الحرب الثالثة التي أبيدت على إثرها قرطاجية عن بكرة أبيها: أن يتأكد للدول الكبرى أن «العولمة» لا تخدم مصالحها وهكذا.. فبإمكاننا القول أن العولمة هي عربات تقطرها مصالح الدول الكبرى. لوم ليس في محله! وسيسير القطار، مادامت القوى الدافعة له تحقق مكاسب متوازنة ومقبولة من وجهة نظر القوى الاقتصادية الكبرى، لكن القطار عرضة دائماً للتوقف، بل وللاختطاف وللتفجير إذا ما اختل التوازن في المصالح ، مصالح الدول الكبرى. وفي وقتنا المعاصر، اكتشف الاقتصاديون العرب ذلك ونادوا منذ الأربعينيات الميلادية وقبل ذلك بجسد اقتصادي عربي واحد، يحقق لنا ميزة في بحر تحركه المصالح الكبيرة، وترهق فيه المصالح الصغيرة. لكن مُسخ المشروع مسخاً، حتى أصبح بعد خمسين عاماً حلماً متواضعاً بأن تكون لنا منطقة تجارة حرة عربية كبرى.. ليس أكثر.. إذاً لم يبخل جيل الأساتذة من الاقتصاديين العرب في نصح أمتهم والتنظير لمستقبلها الاقتصادي تنظيراً محكماً، لكن تسويف الساسة كان هو الرد عبر نصف قرن من الزمن، فضاعت من بين أيدينا أن نشيد اقتصاداً عربياً ضخماً. وعلى النقيض من ذلك ها نحن نقف على الأعتاب يتامى في عصر «العولمة» في حين أننا جديرون بقصر منيف، وصوت مسموع. قد لا يدرك كثيرون أن المنطقة العربية تمثل أكثر من 10% من مساحة العالم، وأنها تضم أكثر من ربع مليار عربي، لديها قوة عمل تعدادها 80 مليوناً. بداية، لا يمكن لوم الآخرين على تتبعهم لمصالحهم. فهذه طبيعة الأمور. ولعل مثالية بعض الكتاب جعلتهم يخضعون العولمة لصنوف من التناول غريبة عجيبة. وإن كان لابد من لوم أحد، فالبداية المناسبة هي أنفسنا؛ لقد بلغتنا أهمية الاجتماع والتقارب لكننا لم نفعل، وأدركنا أهمية التكتل اقتصادياً لكننا زهدنا فيه لأسباب لا يمكن أن تقنع أحداً، ثم يخرج بعض كتابنا ليلوم هذه الدولة أو تلك، ثم إن مايسمى عولمة لم يبدأ فجأة ولم تلعب فيه استراتيجية المباغتة دوراً، وليس أدل على ذلك من أن مجموعات عدة من الدول التقت على أهمية الترابط للحفاظ على مصالحها، فكونت تكتلات اقتصادية أبرزها الاتحاد الأوروبي، والآسيان، إذاً: علينا أن نتحمل قسطاً من مسؤولية تبعثر المشهد العربي. حصان طروادة وليس من الإنصاف تبسيط أمر العولمة وتغليفه بلبوس من النبل والبراءة، وبالمقابل ليس مناسباً تقديم العولمة على أنها المؤامرة الكبرى، أما ما لا يمكن أن نتجاوزه فهو: كيف بإمكاننا توظيف التغيرات من حولنا؟ لعل من الضروري توضيح أن الاقتصاد العالمي يمر بحالة صعبة بالفعل، يصورها بعض الاقتصاديين بالمرحلة التي مهدت للكساد العظيم في الثلاثينيات عندما ارتدت الدول الكبرى «تحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا» عن انفتاحها التجاري وأخذت تضع العوائق فتبعتها الدول الأخرى الواحدة تلو الأخرى. ومع هذا وبعيداً عن السرد التاريخي فالعالم عانى في السنوات الأخيرة لأسباب تذكرنا بانتهازية شركة الهند الشرقية، التي أسستها ملكة بريطانيا في العام 1600م لكسر الاحتكار الهولندي- البرتغالي لتجارة أوروبا مع الهند، ثم ما لبثت أن تحولت الشركة لحصان طروادة الذي مهد لاستعمار بريطانيا للهند لاحقاً. وبعيداً عن القرون الغابرة، لنسترجع تجربة حديثة هي ما عرف بكارثة آسيا التي تجسدت في منتصف العام 1997م بانهيار العملة التايلندية. فقد بدا في وقت من الأوقات كما لو أن لا حياة للمستثمرين دون آسيا، لكن سرعان ما تنكروا لها، فتقلصت تدفقات المستثمرين إلى آسيا بمقدار مائة مليار دولار تقريباً خلال عام واحد. وإقليمياً، فما حدث في العام السابق للاقتصاديات النفطية، وتحديداً في دول مجلس التعاون، يستحق التقصي. فنحن مازلنا نذكر حياتنا قبل النفط، لكن كيف ستكون بعد النفط؟! وليس القصد مجرد التساؤل بل وضع الخيارات غير النفطية موضع التنفيذ. وليس الهدف استعداء أحد، لكن القول أن لا أحد يرانا إلا من خلال مصالحه. فهم محلي للعولمة إن اقتصاديات الدول تماماً كبصمة الواحد منا، فريدة لا مثيل لها. وهناك من يتعرف على البصمات، لكن لايوجد من يمكن أن يصف حلولاً عامة ناجعة تصلح للاقتصادات جميعاً بتنميطها في قوالب جاهزة. ورغم ترابط اقتصادات الدول، غير أن المجتمعات تتمايز في أسواقها وتركيبتها الاجتماعية وتقاليدها المرعية مما يساهم في نحت سمة لكل مجتمع تؤثر على مجريات الاقتصاد فيه. وهكذا .. نجد أن محاولة الإصلاح الاقتصادي لا تنجح إن لم ترتكز إلى اقتناع محلي. ومع ذلك ستجد من يتبرع من المؤسسات أو المراكز الخارجية لعرض وجهات نظر حول الأوضاع الاقتصادية لبلد أو لآخر، عاقدين مقارنات تمثل اهتماماتهم في معظم الأحيان، إذ لا يمكن تجاوز أن ليس بالإمكان قياس اقتصادات الدول المختلفة على مسطرة واحدة دون التضحية بعمق المعالجة. والمقارنات الخارجية ضرورية لأهداف محددة لكنها تصلح أكثر ما تصلح للمستثمرين والتجار الوافدين، فعلاقتهم بالاقتصاد ليست دائمة بل تتمحور حول إتمام صفقة مربحة وليس الحفاظ على مستقبل أجيال متعاقبة. ويبقى الفهم المحلي أعمق حتى عندما يتعلق الأمر بتأثير الظواهر العالمية على الاقتصاد المحلي، ويتبادر إلى الذهن مثالان حديثان الأول سعودي يتعلق بالنفط والتكتل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون، والثاني مصري يتناول بوادر تفلت الدول الصناعية من وعود العولمة. فقد تلمست شرائح عريضة قضايا اقتصادية لصيقة في خطاب الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في أبوظبي في قمة دول مجلس التعاون في ديسمبر الماضي 1998م، فقد تناول فيه انتهاء الطفرة، والأزمة الاقتصادية، والتحول في القطاع الخاص المحلي، وتأثير أداء سوق النفط العالمية على الاقتصادات في دول مجلس التعاون. ومؤخراً في مؤتمر دافوس ورغم إطلاق بالونات اختبار وظهور تصريحات أننا لسنا بحاجة إلى تقنيات واستثمارات، كان للرؤية العربية حضور في دافوس، حيث برزت كلمة الرئيس المصري حسني مبارك، فأضفت رونقاً فكرياً على التواجد العربي في هذا الملتقى الاقتصادي المؤثر، فقد طرحت الكلمة تساؤلات ناضجة حول العولمة من منظور محلي: فهل العولمة ملزمة لطرف دون طرف.. وهل على الدول النامية أن «تتعولم» فما يكون من الدول الصناعية إلا أن ترتد عن دعواتها الانفتاحية؟! التلون العولمي ويبدو أن احتلال العولمة حيزاً عريضاً من الاهتمام في دافوس هذا العام جاء نزولاً عند رغبة الدول الصغيرة. فقد عاتبت دول وشركات العالم الثالث الدول الاقتصادية الكبرى على أسلوب «التلون العولمي» الذي تمارسه: فهي أحياناً عولمية وفي أحيان أخرى غير عولمية. والأمر الذي يحكم تلون الدول الصناعية إجمالاً هو عدم الثبات على أسس عالمية بل إصرارها الاحتفاظ بأسباب ذاتية لتقلب توجهاتها تبعاً لمصالحها، ولتذهب- بعد ذلك- بقية العالم إلى الجحيم! وحتى تتخلص الدول الصناعية من ضغوط سياسية، فهي لم تعد معنية بكرسي «شيخ التجار» بل تريد أن تبيع وتشتري وتكسب بمنأى عن الوجاهة المكلفة. ومن هذا المنطلق تخلصت من كل عطف تمتلكه وجيرته في منظمة يقولون لا أحد يتمتع فيها بحق النقض، وهي تفصل في النزاعات بحزم، كما يقولون . ويبدو أن الدول الصناعية ستكون غاية في الاطمئنان بأن يكون أحد مواطني الدول «الطفرانة» أميناً عاماً لمنظمة التجارة العالمية. وإمعاناً في بيان حقيقة اهتماماتها أخذت القوى الاقتصادية الكبرى «تتعارك» فيما بينها على الصغيرة والكبيرة، وليس أتفه من الشد المحتدم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول الموز. وكم كان الصراع مقنعاً لو كان حول النفط مثلاً، فالنفط سلعة استراتيجية تمنح مصانع الاقتصاديين العظيمين في أوروبا وأمريكا الطاقة، وتمنح خزائنهما الضرائب، أما الموز فهو المصدر المفضل التقليدي لمد لاعبي التنس بالطاقة بين الأشواط وليست القضية قضية موز فقط، بل إن اليابان تستعد لتشكو الولايات المتحدة إلى منظمة التجارة العالمية لعرقلتها الصادرات اليابانية من الحديد! وبالمقابل فإن هيئات أمريكية عدة تقاضي روسيا واليابان والبرازيل بدعوى إغراقها السوق الأمريكية بالحديد المدرفل، وهكذا نجد أن «التفاصيل» أخذت بتلابيب العمالقة، ونحن ننهك أنفسنا في تفسير أبعاد العولمة، ونبحث عن مستقبلنا فيها وسط حيرة شديدة، فمنا من يقول إن القطار قد فات وثان يطمئننا بأن القطار لم يفتنا بعد، وآخر يقول: إن ليس ثمة قطار. غاية الأمر أن القوى الاقتصادية تريد غزو الأسواق تحت غطاء قانوني من الاتفاقات والمعاهدات! لكن هذه القوى الاقتصادية هي تماسيح تريد أن تحتفظ بكل سمك «بحيرة» العولمة لنفسها، أو لمن يدفع إتاوات وضرائب. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (46) بتاريخ (محرم 1420هـ -أبريل/مايو 1999م)

سهيل الجنوب 10-11-2005 07:14 AM

العولمة والعالم الإسلامي حقائق وأرقام
 

http://www.bab.com/admin/articles/48...s/nimg7967.jpg

الكتاب: العولمة والعالم الإسلامي حقائق وأرقام
المؤلف: عبد سعيد عبد إسماعيل
الناشر: دار الأندلس الخضراء
بدأ المؤلف بالحديث عن مفهوم العولمة ونشأتها، ثم عن مظاهرها وأسبابها وقد حصرها في أربعة محاور وهي: تحرير التجارة الدولية، وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتقدم العلمي والتكنولوجي، والشركات متعددة الجنسيات، ثم تناول الكلام عن مفهوم وواقع العالم الإسلامي، وفرق بين العالم الإسلامي والأمة الإسلامية ثم تحدث عن الواقع الاقتصادي للأقطار الإسلامية، وما يعانيه العالم الإسلامي من فقر وانخفاض الدخول، وارتفاع المديونية، وأزمة الغذاء والإنفاق العسكري وأزمة المياه ومشكلة التعليم وغيرها . ثم ختم المؤلف كتابه بالحديث حول موقفنا من العولمة، وذلك من خلال مشروع حضاري إسلامي يقوم على تكامل في الاقتصاد، وتنمية بشرية شاملة، وشفافية، ومحاربة الفساد .

ماهي العولمة؟
العولمة تعني اصطباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة لجميع أقوامها وكل من يعيش فيها، وتوحيد أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان والثقافات والجنسيات والأعراق . وقد عرض الكاتب تعريفات متعددة للعولمة، ثم وصل إلى أنه ليس هناك تعريف جامع مانع لها، فهو مصطلح غامض في أذهان كثير من الناس، وقد نشأت العولمة في التسعينات بعد انهيار المعسكر الشيوعي، واستفراد أمريكا بالعالم، ولا سيما عندما طالبت أمريكا دول العالم بتوقيع اتفاقية التجارة العالمية بقصد سيطرة الشركات العابرة للقارات على الأسواق العالمية. مما يؤكد أن العولمة بثوبها الجديد أمريكية المولد والنشأة .

الإسلام والعولمة :
يذكر الكاتب أن هناك فرقا بين عالمية الإسلام وعولمة الغرب، فعولمة الغرب اقتصادية الأساس تسعى إلى الهيمنة على العالم برفع القيود عن الأسواق والبضائع ورؤوس الأموال، وهذا يفضي إلى تعميق النزاعات والصراعات. أما عالمية الإسلام فتقوم على أساس التعارف والانفتاح على الثقافات الأخرى بلا نفي أو إقصاء أو إكراه "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".
وألمح الكاتب هنا إلى عدم اتفاق الباحثين على تعريف معين للعالم الإسلامي، ويرجع ذلك إلى اختلافهم في تحديد المعيار الذي يستخدم في التعريف: هل هو عدد السكان، أم الدستور الذي ينص على أن دين الدولة هو الإسلام، أم هو تنظيمي أي الدول التي تنتسب إلى منظمة المؤتمر الإسلامي؟ وعلى رغم هذا الاختلاف الذي يجعل تحديد المفهوم صعباً فإن الإسلام في توسع ديناميكي، وهو دين المستقبل، ويرجع ذلك لبساطة عقيدته، ويسر فرائضه.
ويمتد العالم الإسلامي على مساحة واسعة تضم أجناساً وقوميات، وثقافات، ولغات، وعادات، وهذا الاختلاف لا يشكل عقبة تذكر أمام الهوية الإسلامية التي تجعل من المسلمين وحدة متماسكة .
أما الأمة الإسلامية فهي كيان يجمع كل مسلم يقر بالشهادتين، وبناء على هذا فإن مفهوم الأمة الإسلامية أشمل من مفهوم العالم الإسلامي، فالعالم الإسلامي مفهوم جغرافي، وهو كيان يضم الأرض والناس، وأما الأمة الإسلامية فهو كيان يحتوي الناس فقط .
الواقع الاقتصادي للأقطار الإسلامية :
من خصائص الوضع الاقتصادي للعالم الإسلامي أنه متخلف، وإنجازاته التنموية متواضعة مع التشابه النوعي في مشاكله .
وهذه بعض خصائص ومظاهر الاقتصاد في العالم الإسلامي:
1- الفقر وانخفاض الدخول: يشكل الفقر وانخفاض نصيب الفرد من الناتج القومي سمة بارزة في معظم الأقطار الإسلامية – عدا بعض الدول المصدرة للنفط – وهي مشكلة متزايدة ومضطردة. والأقطار الإسلامية ليست فقيرة، ولكنها غير عادلة، ففي معظم أقطاره ينقسم المجتمع إلى شريحتين أغنياء متخمين وفقراء محرومين، وما يترتب على هذا الفقر من ذل وضعف، وفقدان للحرية وتدن للسوية التربوية والأخلاقية، والتقنية .. الخ، أما شريحة الأغنياء والمترفين، فتتميز بالمظهرية الزائفة، والإنفاق التفاخري في الحاجيات والكماليات .
2-هيكل التجارة الخارجية واتجاهاتها: للتجارة الخارجية دور مهم في حياة الأمم من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، وذلك من خلال تنظيم الموارد الاقتصادية، وتسيطر السلع الأولية مثل : الوقود، والمعادن، والمنتجات الزراعية على الجزء الأكبر من صادرات الدول الإسلامية.
وقد أورد المؤلف أرقاماً لحجم صادرات الدول الإسلامية إلى دول العالم، وحجم الصادرات بين الدول الإسلامية، والتي يستخلص منها قلة صادرات العالم الإسلامي عموماً قياساً إلى إجمالي الصادرات العالمية من جهة، وضعف التبادل التجاري بين الدول الإسلامية نفسها من جهة أخرى، ويرجع ذلك إلى عوامل عدة أهمها: اختلاف السياسات الاقتصادية العامة، وتشابه الإنتاج، وضعف التنوع في الاقتصاد، وتخلف البنية التحتية، في مجال النقل والمواصلات وغيرها من العوامل .
3- انخفاض نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي: إن التنمية الصناعية تعتبر الطريق والأساس الوحيد للإفلات من التبعية الاقتصادية، وهي وسيلة لزيادة فرص العمل المنتج وتوليد دخل أعلى .
ورغم ذلك فلاتزال جميع الدول الإسلامية متخلفة صناعيا، إذ تتميز اقتصادياتها بصفة عامة بانخفاض نسبة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي .
4- ارتفاع حجم المديونية الأجنبية وازدياد أعباء خدمتها: دخلت كل الدول الإسلامية نادي المديونية، واستمرار ذلك يشكل مصدر تهديد للأمن الاقتصادي والاجتماعي لسرعة تراكمها على مر الأعوام، وقد أورد المؤلف أرقاماً تبين حجم المديونيات للأقطار الإسلامية، وتصاعدها، ونسبة ذلك إلى الإنتاج المحلي.
5- أزمة الغذاء: بالرغم من أهمية القطاع الزراعي في اقتصاديات البلدان الإسلامية – عدا الخليجية – إلا أن العجز عن تلبية الطلب المحلي المتزايد على السلع الغذائية جعل معظم الدول الإسلامية تصبح منطقة عجز غذائي كبير ومتزايد، ولا سيما في السلع الأساسية، والاستراتيجية التي لا غنى عنها مثل القمح . وهي تنفق مبالغ كبيرة لاستيراد تلك الموارد، الأمر الذي يشكل استنزافاً لاقتصاد الدول الإسلامية، إضافة إلى التبعية الغذائية للدول المتقدمة المصدرة للغذاء .
6- أزمة المياه: يعتبر مورد المياه من المقومات الأساسية للتنمية، وتتركز مشكلة المياه في الأقطار الإسلامية بسبب توزيعها غير المتكافئ، فهو بين توفره بشكل كاف في بعض الأقطار إلى ندرة شديدة في بعضها الآخر، وما يترتب على ذلك من جفاف وتصحر ، إضافة إلى أن تكلفة وأسعار المياه سوف تشهد ارتفاعاً كبيراً بالمقارنة بمستواها الحالي .
7- الإنفاق العسكري: إن التسلح والإنفاق العسكري والخسائر الباهظة التي تسببها الصراعات العسكرية ( الإسلامية ) قوضت استجابة الحكومات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، ففي عالمنا الإسلامي غلب مفهوم ( الأمن ) في إطاره الضيق على مفهوم التنمية الشاملة .
8- التعليم: واقع التعليم في الأقطار الإسلامية واقع مؤلم ومأساوي، وتتجلى أزمة التعليم هذه في الجوانب التالية: غياب فلسفة تربوية واضحة المعالم، وانتشار الأمية، والوضع التعليمي للمرأة المسلمة، والاهتمام بالتعليم النظري دون التعليم الفني، وهجرة العقول المسلمة، وقد دعّم المؤلف كلامه بالأرقام والجداول الإحصائية التي تعبر عن حقيقة الأزمة وحجمها .
9- وسائل الاتصال: إن معظم الدول الإسلامية تعاني من قصور فاضح في الاتصالات والمواصلات، وذلك إذا قورنت بالدول الصناعية، وقد أكد المؤلف هذه الحقيقة بالأرقام والجداول المفصلة .

مظاهر وأسباب العولمة :
يقول المؤلف: العولمة اقتصادية في مظهرها العام، وعلى رغم التطورات والتغيرات المتسارعة التي حدثت في النصف الأخير من القرن العشرين والتي كان لها الأثر الكبير على مجريات اقتصاديات العالم فإن معظم الكتاب يجمعون على أن هناك أربعة عناصر أساسية يعتقدون أنها أدت إلى بروز تيار العولمة وهي :
- تحرير التجارة الدولية .
- تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة .
- الثورة المعرفية .
- تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات .
ويمكن إجمال الحديث عن هذه العناصر على النحو التالي :
1- تحرير التجارة الدولية : ويقصدون به تكامل الاقتصاديات المتقدمة والنامية في سوق عالمية واحدة مفتوحة لكافة القوى الاقتصادية في العالم وخاضعة لمبدأ التنافس الحر، وبعد الحرب العالمية الثانية رأت الدول المنتصرة ضرورة قيام نظام اقتصادي عالمي يخدم بالأساس مصالحها، ومصالح البلدان الصناعية بصفة عامة، وقد مهد مؤتمر ( بريتون ودز ) عام 1944م الطريق لتأسيس النظام الاقتصادي العالمي الحديث حيث تم بموجبه إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة ( الجات).
ومع الانتقال من (الجات) إلى منظمة التجارة العالمية التي تسعى إلى إلغاء كل الحدود التجارية في العالم انتقل الاقتصاد العالمي إلى مرحلة اشتراكية السوق، أو دكتاتورية السوق، وأن الفوائد المرتقبة للعولمة ستكون موزعة توزيعاً غير عادل وغير متكامل في داخل الدول النامية. وفيما بينها وبين المتقدمة، بل وبين المتقدمة نفسها .
2- تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة: حدثت تطورات هامة خلال السنوات الأخيرة تمثلت في ظهور أدوات ومنتجات مالية مستحدثة ومتعددة، إضافة إلى أنظمة الحاسب الآلي ووسائل الاتصال والتي كفلت سرعة انتشار هذه المنتجات، وتحولت أنشطة البنوك التقليدية إلى بنوك شاملة تعتمد إلى حد كبير على إيراداتها من العمولات المكتسبة من الصفقات الاستثمارية من خارج موازنتها العمومية، ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين هما :
أ/ تحرير أسواق النقد العالمية من القيود .
ب/ الثورة العالمية في الاتصالات الناجمة عن الأشكال التكنولوجية الجديدة .
3- التقدم العلمي والتكنولوجي : وهو ميزة بارزة للعصر الراهن، وهذا التقدم العلمي جعل العالم أكثر اندماجاً، كما سهل حركة الأموال والسلع والخدمات، (وإلى حد ما حركة الأفراد)، ومن ثم برزت ظاهرة العولمة، والجدير بالذكر أن صناعة تقنية المعلومات تتركز في عدد محدود من الدول المتقدمة أو الصناعية دون غيرها .
4- الشركات متعددة الجنسيات: إذا صح وصف هذا العصر بأنه عصر العولمة، فمن الأصح وصفه بأنه عصر الشركات متعددة الجنسيات باعتبارها العامل الأهم لهذه العولمة .
ويرجع تأثير هذه الشركات كقوة كبرى مؤثرة وراء التحولات في النشاط الاقتصادي العالمي إلى الأسباب التالية:
أ/ تحكم هذه الشركات في نشاط اقتصادي في أكثر من قطر، وإشاعتها ثقافة استهلاكية موحدة .
ب/قدرتها على استغلال الفوارق بين الدول في هبات الموارد .
ج/ مرونتها الجغرافية .
ويأخذ بعضهم على هذه الشركات ما يلي :
1- تناقضها بين وجهها التوحيدي للعالم، ووجهها الأخر وهو كونها رمزاً للسيطرة الاقتصادية ومن ثم السياسة.
2- عدم وجود قواعد وضوابط قانونية أو اتفاقات دولية ملزمة لها مما شجعها على انتهاك قوانين العمل وحقوق الإنسان.
4- إن قادة هذه الشركات من كبار الراشين على مستوى العالم.
وأما المدافعون عن هذه الشركات فيشيرون إلى مساهمتها في العملية التنموية حيث توفر فرص التدريب والعمل وتدفع الضرائب التي يمكن استخدامها في البرامج الاجتماعية، كما أنها تنقل التكنولوجيا المتطورة، وتعود بالقطع الأجنبي، وتساعد في بناء قاعدة صناعية في البلدان الفقيرة .. الخ .
ويرى المؤلف أن هذه المزاعم مبالغ فيها، وأن أهدافها الأساسية هو تعظيم وتراكم أرباحها، وهذه لا يتحقق عادة إلا على حساب شعوب الدول الفقيرة.

سهيل الجنوب 10-11-2005 07:15 AM

العولمة : الاتجاهـات المضادة ..!
 
القاهرة - عبدالعظيم حماد ( مساعد رئيس تحرير صحيفة الأهرام)


مازلت أتذكر كم هاج، وماج زملاؤنا الماركسيون في مقاعد الدراسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في أواخر الستينيات، عندما أخذ أستاذنا د.حامد ربيع- رحمه الله- على النظرية الماركسية -في سياق نقده لها- خطأ منهجياً صارخاً هو أن هذه النظرية خالفت المنهج العلمي بتعميمها لحظة معينة في تاريخ التطور السياسي للدول الصناعية الغربية على التاريخ الإنساني كله، ماضياً، وحاضراً ومستقبلاً، وكان يقصد بهذه اللحظة السنوات التي أنفجر فيها الصراع الطبقي بسبب تراكم مظالم الرأسماليين للعمال في أعقاب الثورة الصناعية الأولى. ومازلت أذكر ابتسامة د.حامد ربيع الساخرة برقة، وهو يقول إن الماركسيين هنا سوف يقف شعر رؤوسهم عندما أقول: نعم كان هناك صراع طبقي في القرن 19، لكن الصراع الطبقي ليس أزلياً ولا أبدياً كما أدعى ماركس وأنجلز. لماذا أقص هذه الحكاية في بداية هذا الحديث الذي يتناول أسباب رفضنا للإيمان بأن العولمة بمعناها السياسي المتمثل في أبدية ما يسمى بالنظام العالمي الجديد هي قدر البشرية الذي لافكاك منه؟ الرهان على النظام العالمي الجديد! بالطبع قصدى هو أن أقول لأولئك المستسلمين لدعوى العولمة على أساس الليبرالية الغربية، بوصفها حتمية تاريخية، أو بوصفها «نهاية التاريخ» كما بشر المفكر فرانسيس فوكوياما في نظريته الشهيرة... إن موجبات العولمة التي تبدو حالياً قاهرة ليست إلا لحظة في سياق التطور السياسي للإنسانية لا ينبغي تعميمها على المستقبل مثلما لم تكن حقيقة في الماضي، برغم كل ما شهده العالم من تطورات أدت إلى تعميق تواصله ثقافياً وسياسياً واقتصادياً.. وكما عاش تلاميذ حامد ربيع ليروا بأعينهم انهيار الماركسية، وتبخر طغيانها الفكري مثل قطرة ندى في يوم قائظ، ربما يعيشون ليروا أن العولمة نفسها بمعنى سيادة النمط الغربي في الثقافة والاقتصاد والحكم والسياسة في المجتمعات البشرية كلها في إطار ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، ليست هي قدر الإنسانية.. فإن لم يكونوا هناك ساعتها.. فسوف يكون أبناؤهم هناك. لعله أصبح واضحاً الآن أن حديثنا سوف ينصب على استكشاف فرص بقاء أو زوال النظام العالمي الجديد بوصفه الإطار السياسي لدعوى العولمة، ونكتفي باستعراض أهم الاتجاهات العامة في السياسة العالمية التي يعمل منها لصالح ديمومة هذا النظام العالمي الجديد، أو الذي يعمل لتقويض هذه الديمومة مع الموازنة بين الكفتين. إن المراد بالنظام العالمي الجديد هو.. عالم القطب الأمريكي الواحد. والسؤال الذي لابد أن يتبادر إلى الأذهان الآن هو إلى متى سيستمر نظام القطب الواحد؟ لكي تكون الدولة قطباً عالمياً فإنه يلزمها قاعدة اقتصادية راسخة ودائمة النمو، ونظام سياسي مستقر ومفتوح للتطور، وكتلة سكانية كبيرة ذات مستوى فني مرتفع، فضلاً عن التقدم التكنولوجي، وأخيراً استراتيجية عسكرية عالمية بمعنى القدرة على الحرب في كل الأماكن المهمة من العالم، سواء كانت الحرب بالأسلحة التقليدية أو بالأسلحة النووية. هذا هو الوضع المثالي للقطب العالمي، ولكن يمكن أن تكون الدولة قطباً عالمياً، ولا تتمتع بالمستوى نفسه من القدرات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية، ولا حتى القدرة على الحرب التقليدية في معظم أنحاء العالم، لأن الاتحاد السوفيتي كان قطباً عالمياً، بينما كانت قواته البحرية أقل كفاية من القوات الأمريكية، ولم يكن يحتفظ بقواعد خارج حدوده وحدود أتباعه في أوروبا الشرقية، مثلما كانت الحال بالنسبة للولايات المتحدة. ويعني ما تقدم أنه على الولايات المتحدة لكي تحافظ على وضعها المتميز بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم أن تحتفظ بالمزايا السابق ذكرها وتواصل تنميتها، وتحاول منع المنافسين المحتملين من الوصول إلى المستوى نفسه حتى لا يزاحموها إلى أبعد مدى زمني ممكن. وهكذا ندخل إلى قلب الاستراتيجيات الأمريكية للمحافظة على هذا الوضع المتميز. أولاً : مبدأ كلينتون العالمي: ونستعرض الآن ما بدأ يعرف في أدبيات السياسة الخارجية الأمريكية باسم «مبدأ كلينتون»، ومبدأ كلينتون يلخصه السيد ستروب تالبوت وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ومستشار الرئيس بيل كلينتون في الشؤون الروسية فيقول: إنه كلما أتسع نطاق جماعة الدول التي تختار الديمقراطية نظاماً لحكمها.. وازداد توثق العلاقات بين الدول المكونة لهذه الجماعة.. كلما كان الأمريكيون أكثر أمناً ورخاء، لأن الدول الديمقراطية تحافظ على التزاماتها الدولية وتكون أقل ميلاً لإثارة الحروب. ففي أمريكا اللاتينية تجعل إدارة كلينتون هدفها الأول توسيع نطاق اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) لتشمل جميع دول الفناء الخلفي وعددها 34 دولة بلا استثناء سوى كوبا انتظاراً لسقوط الشيوعية فيها، وهذا هو الذي يفسر لنا لماذا تدخلت السياسة الأمريكية لوقف نمو مجموعة التجارة الحرة لدول أمريكا اللاتينية التي كانت تقودها البرازيل. أما في أوروبا فإن الهدف الاستراتيجي للسياسة الأمريكية سيبقى هو توسيع حلف الأطلنطي شرقاً بهدف إقامة منطقة عازلة بين ألمانيا وروسيا من ناحية وبهدف إخضاع دول شرق ووسط أوروبا لآلية مؤسسة تسيطر عليها الولايات المتحدة لموازنة الاتجاه الاستقلالي لدى بعض دول الأتحاد الأوروبي من ناحية أخرى. وفي آسيا يشير لنا قرار الرئيس كلينتون برفع مستوى اجتماعات منظمة (آبيك) وهي منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي إلى مستوى القمة ليحضرها بنفسه مرتين إلى طبيعة الاستراتيجية الأمريكية في هذه القارة، فهي استراتيجية تقوم أيضاً على التوسع الاقتصادي في ظل علاقة تفاهم سياسي مع الصين تسمى الشراكة الاستراتيجية أملاً في تغيير الصين من الداخل، كما حدث بنجاح في حالة الاتحاد السوفيتي، كما أن هناك تفسيرات للأزمة الاقتصادية الأخيرة في شرق آسيا تقول إنها من تدبير الولايات المتحدة للقضاء على منافسة الاقتصاديات الآسيوية للاقتصاد الأمريكي. إننا إذاً أمام سياسة خارجية أمريكية تهدف إلى دمج العالم كله في الاقتصاد الأمريكي. وفيما يتعلق بتوسيع الأطلنطي. فإن الأهداف المعلنة لا تكفي لإظهار الحقيقة كلها. ثانياً: الأطلنطي يصارع الحضارات: الأهداف المعلنة هي ضمان التطور السلمي على أسس الليبرالية السياسية والاقتصادية في دول وسط وشرق أوروبا بالتحرر من شبح الحروب السياسية والاقتصادية في دول وسط وشرق أوروبا والحروب الأهلية، والكابوس الروسي معاً في وقت واحد، ولو كان ذلك هو الهدف فقط لما امتنع الرئيس الأمريكي عن التعهد لنظيره الروسي في قمة هلسنكي بعدم ضم دول كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق إلى حلف الأطلنطي في المراحل التالية وبخاصة الدول الآسيوية، ولو كان هذا هو الهدف أيضاً لكانت تكفي سلسلة من الترتيبات التعاقدية في إطار منظمة الأمن والتعاون الأوروبي تنص على عدم الاعتداء، وعلى احترام الإنسان والالتزام بالانتخابات طريقة لتولي السلطة. إذاً هناك مصالح أو أهداف أهم للاستراتيجية الأمريكية في توسع الأطلنطي منها بالطبع دمج اقتصاديات أوروبا الشرقية في الاقتصاديات الأوروبية الغربية والاقتصاد الأمريكي، والدليل الدامغ على ذلك هو أن خطط توسيع الأطلنطي تتطابق مع خطوط الدوائر الحضارية المتصارعة التي رسمها هانتيجتون، فهذه الخطط تستبعد روسيا زعيمة الحضارة السلافية الأرثوذوكسية، كما تستبعد أيضاً الصين الكونفوشوسية، وأيضاً تستبعد الدائرة العربية الإسلامية، أما ضم دول صغيرة تتبع الدائرة الحضارية المستبعدة أو تلك فهو استثناء لا يلغي القاعدة، والمقصود به حرمان الدول القائدة للدائرة الحضارية المستبعدة من تبعية بقية مكونات الدائرة لقيادتها ودمج هذه المكونات تدريجياً في النموذج السياسي والاقتصادي والثقافي الغربي المهين. وتبقى ملاحظة مهمة وهي أن القول بصراع الحضارات ليس معناه الصراع المسلح الشامل، فهذا لم يحدث أصلاً في الطور الأول لنشأة حلف الأطلنطي، وإنما الذي حدث هو أن الحلف عمل بكفاءة كقوة حصر وردع للاتحاد السوفيتي وأتباعه.. وهذا بالضبط هو ما سيفعله الأطلنطي في طوره الجديد في صراعه مع الحضارات. يبدو لي هذا المفهوم بمنزلة أيديولوجية ذراعية.. بمعنى أنها أيدلوجية مخترعة اختراعاً تعسفياً لتوفير ذريعة تستبقي بها الولايات المتحدة تحالف أوروبا الغربية معها، وتحت قيادتها، وبما يكفل لها دائماً الحق المشروع في التدخل في الشؤون الأوروبية، فلا شك أن المخطط السياسي الأمريكي أصبح لديه ما يشعر بالقلق من احتمال بات وارداً بقوة يتمثل في اتجاه أوروبا للاستقلال عن الولايات المتحدة وربما منافستها مستقبلاً بعد أن زال خطر التوسع السوفيتي الشيوعي الذي جمع بين أوروبا الغربية والولايات المتحدة بعد الانتصار على ألمانيا النازية، ولكي تبقى أوروبا متحالفة وتابعة للاستراتيجية الأمريكية، فلابد من وجود خصم مشترك جديد، وإذا لم يكن هذا الخصم موجوداً فعلى المخطط السياسي الأمريكي أن يخترعه، وهكذا اخترع هانتينجتون الخصوم المشتركة للولايات المتحدة وأوروبا الغربية وهم أصحاب الحضارات الأخرى المغايرة للحضارة الأوروبية الكاثوليكية ووليدتها البروتستانتية أي الحضارة الصينية الكونفوشيوسية، والحضارة الهندية البوذية، ثم الحضارة العربية الإسلامية. وهكذا تقضي هذه الأيديولوجية مقدماً على فكرة البيت الأوروبي الواحد التي طرحها الرئيس السوفيتي السابق جورباتشوف، كبديل للحرب الباردة، وهي فكرة لقيت استحساناً واضحاً في أوروبا الغربية قبل أن يسقط الاتحاد السوفيتي ومعه جورباتشوف. وبالطبع ظهرت نظريات كثيرة تدعم أيديولوجية صراع الحضارات أو تمهد لها، مثل نظرية نهاية التاريخ التي اخترعها أيضاً مخطط سياسي أمريكي من أصل ياباني هو فرانسيس فوكوياما وملخصها أن تطور التاريخ الإنساني وصل إلى نهايته بسيادة النظام الليبرالي في الحكم والاقتصاد، وكما نعلم فإن هذا هو النظام السائد في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. القوى المضادة للعولمة الأمريكية؟ هل تبقى هذه الاستراتيجيات ناجحة إلى مالا نهاية في إبقاء الولايات المتحدة في مركز القيادة المنفردة للنظام العالمي؟ هناك قوى واتجاهات كثيرة تعمل ضد هذه الاستراتيجيات بكفاية واضحة. 1- العامل الاقتصادي: إن المؤرخ الأمريكي بول كيندي الذي اشتهر بكتابه «قيام وسقوط الإمبراطوريات» يضع قانوناً لسقوط الدولة المهيمنة عالمياً من هذا المركز، هو «أن الدولة العظمى تبدأ في الانسحاب من دورها العالمي عندما يشرع متوسط الدخل الفردي في الداخل في الانخفاض بسبب نفقات الاحتفاظ بهذا الدور» وهو مقتنع بأن الولايات المتحدة دخلت هذا الطور، بدليل اتجاهها المتسارع لخفض معوناتها الاقتصادية للدول الأجنبية، وبحثها المتزايد عن شركاء إقليميين في عمليات حفظ السلام في مناطق العالم المختلفة، وحثها كل من اليابان وألمانيا على زيادة المخصصات المالية للأغراض العسكرية، لمساعدتها في دور رجل الشرطة العالمي، وفي سبيل ذلك تتبنى الولايات المتحدة نفسها مشروع منح هاتين الدولتين مقعدين دائمين في مجلس الأمن. في الوقت نفسه فقد أصبحت الولايات المتحدة أكثر اعتماداً على الخارج في النواحي الاقتصادية، وليس ذلك مقصوراً فحسب على الأغلاط التقليدية للاعتماد الاقتصادي على الخارج أي على أسواق التصدير، ومصادر المواد الأولية، ولكن يمتد ليشمل الاعتماد المالي على الخارج، وأذكر أن السيد تشورونجي رئيس وزراء الصين قال في حديث لصحيفة الأهرام المصرية إن اليابان بوسعها أن تدمر الاقتصاد الأمريكي ومعه أقتصاد العالم كله إذا باعت فجأة حصة كبيرة من الأوراق المالية الأمريكية بحوزتها والتي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار، معنى ذلك أن العولمة الاقتصادية تحت القيادة السياسية والمالية للولايات المتحدة هي سلاح ذو حدين، فبينما هي تضمن التفوق للولايات المتحدة فإنها في الوقت نفسه تجعلها أكثر عرضة لأن ينال الآخرون منها، بل يضربونها في مقتل. 2- العامل القومي: الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديجول هو أول من صك تعبير، أن القومية لا تزال هي محرك التاريخ، وستظل تفعل ذلك لمدة مائة عام قادمة على الأقل، وقد نجحت القومية حتى الآن في تدمير الماركسية التي كانت فلسفة أممية كما نعلم، وليس هناك ما يجعلنا نفترض أن العولمة وهي صيغة جديدة للأممية سوف تكون أفضل حظاً من الأممية الماركسية أمام القومية، وهكذا فإن القوميات الكبرى أخذت ضد هذا النظام العالمي الجديد. الخلاصة هي أنه بفعل العوامل الأمريكية الذاتية والعوامل التابعة من تحدي الآخرين.. فليس هناك ما يبرر افتراض أن الولايات المتحدة سوف تتمكن إلى مالا نهاية، ولا حتى لعدة عقود من الاحتفاظ بنظامها العالمي الجديد الذي يشكل الإطار السياسي لدعوى العولمة على مستوى العلاقات الدولية.. وأنها عاجلاً أو أجلاً سوف تلحق بما سبقها من إمبراطوريات ظنت أن التاريخ توقف تحت سطوتها، ولكنها سرعان ما تخلت عن مكانها لغيرها بدءاً من إمبراطورية روما، وحتى الإمبراطورية التي لم تكن تغيب الشمس عنها مروراً بامبراطورية الأرامادا الإسبانية.. وكما قلنا فالنظام العالمي ليس نظاماً تثبت فيه العلاقات الوظيفية بين وحداته، ولكنه نظام قابل دائماً للتغير، لأنه نظام دائم الحركة. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (46) بتاريخ (محرم 1420هـ -أبريل/مايو 1999م)

سهيل الجنوب 10-11-2005 07:17 AM

العولمة .. ليست نهاية المطاف
 
عمَّان - إبراهيم العجلوني

إن مما نخشاه أن يكون مَثَلُنا مع العولمة كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، فحيثما وجهنا أنظارنا في المنبسط العربي وجدنا أقواماً قد حُمّلوا أوزاراً من بهرج العولمة، واستغرقهم حديثها، وملأ عليهم آفاقهم؛ حتى ليصبح لنا توكيد أننا في قول مختلف فيها، يؤفك عنه من أفك، وفي مخاضة لا نتبين لها ضفافاً، ونخبط ذاهلين فيها، ثقالاً وخفافاً. ولئن كانت حالنا، في جملتها، لا تخرج عن معنى المضاهأة الحضارية: {يضاهئون قول الذين كفروا}، وكان معظمنا يقارب العولمة تحت إحساس ساذج بأنه إنما يتوقّل الحداثة ويُصعَّدُ في آفاقها؛ لنحن أولى الناس بأن نتناولها بمنهج في النظر مستقل، نصدر فيه عن وعي غير ملتبس، وعن فهم ذاتي أصيل غير موحى به، وعن خصوصية حضارية ربما كانت الرد الشافي على كل استلاب. إننا لا ننازع في أن العولمة موضوع مفروض - ضربة لازب - علينا في أشد أيامنا عسراً، ولكننا ننازع في حقنا في مَوْضعتها تاريخياً في سياق التطور الرأسمالي الغربي على نحو يحصر دلالتها فيه من جهة، ثم في حقنا في دفع «حتميتها» التي يريدنا بعضهم على اعتقادها من جهة أخرى! لقد سلخت الرأسمالية من عمرها عقوداً والدولة القومية فيها تضبط حركة السلع والبضائع وتراقبها جمركياً، وكان ذلك بعض ماتحمي نفسها به وتحافظ على خصوصيتها، ثم اقتضى تطورها أن يكون ثمة نقلة نوعية كبرى «من المحدود المراقب إلى اللامحدود الذي ينأى عن كل مراقبة». واللامحدود كما يقول محمد عابد الجابري هو «العالم» أو الكرة الأرضية حيث تصبح العولمة هي «ما بعد الاستعمار» أو امتداداً له، وحيث «تطرح أيديولوجيا العولمة - بدلاً من الحدود الوطنية القومية - حدوداً أخرى غير مرئية ترسمها شبكات الهيمنة العالمية على الاقتصاد والأذواق والثقافة» (قضايا في الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية 1997م، ص 136). إن نظامنا العالمي القائم اليوم هو الواجهة الأمامية لنظام آخر تحدد أطره القوى الاقتصادية الكبرى أو المجموعات الاقتصادية التي تخترق حدود الدول، وتتجاوز قوانينها، وتشكل خريطة مختلفة للعالم ومراكز جديدة للقوى فيه، ثم تمضي إلى ما وراء ذلك من ألوان التحكم، والاحتكار السافر، والتلاعب في مقدرات الأمم والشعوب! إنها، لا ريب، اللحظة الأكثر سطوة وقسوة في صعود الرأسمالية،وقد أعطيت اسم «العولمة» خدعة وكيداً وذرًّا للرماد في الأعين، أو تخريجاً - أيديولوجياً في صميمه - لمطامع الغرب في السيطرة على العالم كله، كما نادت بالاعتماد المتبادل أسلوباً معلناً ومصطلحاً خادعاً، تدعي به المساواة بين الغالب وبين المغلوب، وبين القوي وبين الضعيف، وكأن عقولنا في غطاء عن أن المقصود بهذا «الاعتماد المتبادل» هو ذلك الفعل والانفعال بين دولتين أو أكثر على غير معنى التكافؤ والعدالة أو على معنى الهيمنة والتحكم بين قوي ضار مستوحش وبين ضعيف مأسور مقهور! بيد أنها، في الوقت نفسه، لحظة من زمان، لحظة لا غير، لحظة سبقتها لحظات وستعقبها لحظات؛ فهي ليست آخر المطاف ولا آخر الكلام، ولا مقطع اليقين فيه، ولا فصل الخطاب، وإن علينا إزاءها أن نتمتع بِنَفَسٍ مقاوم طويل وعميق، وأن نترقب انهيارها الذاتي واضطرابها الوظيفي، وأن نعلم علم اليقين أن الغرب وإن تعاظم وتفاقم فهو ضيق العطي، ونزق، ويتنكب المواطن التي يجد مقاومة فيها إلى ما يكون سيره فيه رهواً أو هيناً ميسوراً. إن هذه المقاومة، سواء أكانت من باب توكيد الهوية والتمايز أم من باب الرفض الحيوي لاكتساح الآخر أو ما قد نسميه دفاع الحياة عن نفسها، هي القلعة التي تصد رياح هذه العولمة. ولعل ذلك أن يكون وراء دعوة «صموئيل هنتنجتون» إلى أن «يتخلى الغرب عن وهم العولمة، وأن ينمي قوة حضارته وانسجامها وحيويتها في مواجهة حضارات العالم» بما يتطلبه ذلك، حسب رأيه من «وحدة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ورسم حدود العالم الغربي في إطار التجانس الثقافي» (الهوية والعولمة، د. عبدالعزيز التويجري، منشورات الأيسيسكو، 1997م)، كما أن هذه المقاومة الباسلة هي التي دفعت هنتنجتون إلى الاعتراف بأن «شعوب العالم غير الغربية لا يمكن لها أن تدخل في النسيج الحضاري للغرب، حتى وإن استهلكت البضائع الغربية، وشاهدت الأفلام الأمريكية، واستمعت إلى الموسيقا الغربية. فروح أي حضارة - وهذا هو قوله حرفياً - هي اللغة والدين والقيم والعادات والتقاليد» أي أن هذه هي عناصر المقاومة التي تبديها الشعوب، والتي تدفع فيلسوف صراع الحضارات إلى القول - ربما رغماً - بأن «التحديث والنمو الاقتصادي لا يمكن أن يحققا التغريب الثقافي في المجتمعات غير الغربية، بل على العكس يؤديان إلى مزيد من التمسك بالثقافات الأصلية لتلك الشعوب» (المرجع السابق). خلاصة ما نرمي إليه هنا أن العولمة إلى زوال فكرة وتطبيقاً، وأن سنن الله هي الغالبة، بما اقتضته من اختلاف الأمم والشعوب وتمايزها، وأن قليلاً من الصبر والمقاومة كفيل بإقناع الغرب بالبحث عن لعبة أخرى من ألعاب التغلب والمصاولة، وأن الله غالب على أمره ولو كره الكافرون. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (47) بتاريخ (صفر 1420هـ -مايو/يونيو 1999م)

سهيل الجنوب 10-11-2005 07:18 AM

العـــرب فـي مواجهة العولمـة
 
بيروت - سمير مصطفى الطرابلسي(مفكر لبناني)

منذ بداية التسعينيات، شهدت المنطقة العربية والعالم حملة واسعة رفعت شعار «العولمة»، ودارت به باعتباره حقيقة العصر النهائية وسمته البديهية التي ينبغي تقبلها والتكيف مع مقتضياتها، كشرط ضروري لمواكبة العصر ومتغيراته. وفي مراجعة سريعة لمعظم أدبيات تلك الحملة، التي يمكن تصنيفها في إطار «القهر الدعائي»، يجد المرء أن مصطلح العولمة يختزل جملة أفكار يراد لنا التسليم بها، واستراتيجيات يراد لنا أن ننخرط فيها، نوجزها على النحو التالي: أ- إن ثورة الاتصالات والمواصلات وتطور تكنولوجيا المعلومات، حوّل العالم إلى قرية كونية تضاءلت فيها تأثيرات حواجز الجغرافيا والتاريخ والسياسة حتى التلاشي. وبات العالم متداخل النسيج خاضعاً لتأثيرات معلوماتية وإعلامية واحدة. وسوف يفضي هذا إلى نتائج أولها: تقويض التنوع الحضاري المتراكم تاريخياً لحساب نمط حضاري عالمي واحد، وسيادة اتجاهات عالمية واحدة على حساب القناعات المستقرة والولاءات الإيديولوجية. وثانيها: اندثار القوميات لترثها حالة تفتت عرقي وديني ولغوي. وثالثها: ضمور سلطة الدولة وتراجعها تحت ضغط الشركات متعددة الجنسيات التي تقفز فوق كل حدود الدول السياسية من جهة، وضغط النزعات العرقية والدينية داخل مجتمعاتها من جهة أخرى. ب- إن سقوط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشيوعي إذ يشكل من جهة انتصاراً حاسماً ونهائياً للرؤية الرأسمالية الليبرالية للعالم كما بلورتها الحضارة الغربية، فهو من جهة أخرى دليل على أن هذه الرؤية هي الصيغة الوحيدة الصالحة لأن تكون المرجعية الفكرية لكل البشر يكيفون حياتهم وفق مفاهيمها وآلياتها باعتبارها أرقى صيغة تطور يمكن أن يصل إليها الإنسان وينتهي بها التاريخ، كما عبر عن ذلك فرانسيس فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ». جـ- إن الدولة النامية لا تملك إلا طريقاً وحيداً لتجاوز تخلفها الاقتصادي والتكنولوجي، وهو سلوك الطريق الرأسمالي الغربي الذي سبقها الغرب عليه، فحقق تقدمه وازدهاره. وهذا يقتضي التسليم بقوانين السوق كمنظم وضابط للاقتصاد، والتخلي عن «الفكرة - الخطيئة» بأن للدولة مهمة اقتصادية ودوراً اجتماعياً تجاه شعبها، والانصياع لتوجيهات وقرارات المراجع الاقتصادية الدولية، وأبرزها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومنظمة التجارة العالمية، وبذلك تتدفق الاستثمارات ويتحقق النمو الاقتصادي ويعم الرفاه وتنتقل التكنولوجيا ويخرج العالم الثالث من فقره وتخلفه. د- إن اللحاق بالعصر، كما حددت ملامحه مفاهيم العولمة، يستلزم تصفية أفكار بالية كالفكرة القومية التي تجاوزها الزمن، ومواجهة عقائد دينية خطيرة معوقة للتطور كالإسلام. وهنا ينقسم دعاة العولمة بين تيارين: تيار متفائل يرى أنه بات ممكناً اختراق العالم الإسلامي بالأفكار الغربية، كما يرى فوكوياما، وأنه ينبغي تشجيع الإسلام العلماني بنموذجه التركي، كما اقترح ريتشارد نيكسون، في مواجهة إسلام الإرهاب ودعاة القومية. وتيار متشائم يعبر عنه صموئيل هنتنجتون الذي يرى أن الإسلام شكّل خطراً على كل حضارة واجهها، وأن الصراع حتمي معه خصوصاً في ظل الزيادة الهائلة في عدد المسلمين في كل أقطار الأرض، والتمرد على السيطرة والثقافة القادمتين من الغرب الذي يبديه أتباعه، وصحوة الإيمان الديني في نفوسهم. وبتكامل هذه الأفكار، تتضح حقيقة العولمة بأنها الرؤية الاستراتيجية لقوى الرأسمالية العالمية وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، والرامية إلى إعادة تشكيل العالم وفق مصالحها وأطماعها، سائرة نحو ذلك الهدف علي ثلاثة مسارات متوازية: الأول، اقتصادي وغايته ضغط العالم في سوق رأسمالية واحدة يحكمها نظام اقتصادي واحد وتوجهه القوى الرأسمالية العالمية (الدول الصناعية السبع - الشركات المتعددة الجنسيات - والمؤسسات الاقتصادية العالمية: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة العالمية)، وتضبط حركته قوانين السوق وآلياته. والثاني، سياسي ويهدف إلى إعادة بناء هيكليات أقطار العالم السياسية في صيغ تكرس الشرذمة والتشتت الإنسانيين، وتفكك الأوطان والقوميات إلى كيانات هزيلة قائمة على نزعات قبلية عرقية أو دينية طائفية أو لغوية ثقافية، بغية سلب أمم العالم وشعوبها القدرة على مواجهة الزحف المدمر للرأسمالية العالمية والتي لا تستقر إلا بالتشتت الإنساني. وأخيراً المسار الثقافي الذي يهدف إلى تقويض البنى الثقافية والحضارية لأمم العالم، بغية اكتساح العالم بثقافة السوق التي تتوجه إلى الحواس والغرائز وتشل العقل والإرادة وتشيع الإحباط والخضوع. وتشهد منطقتنا العربية ترجمة لهذه التوجهات من خلال مشاريع الشرق أوسطية والمتوسطية. إن المروجين للعولمة والداعين لها لا يملون من تكرار القول بأنها القدر المحتوم للبشر الذي لا فكاك منه ولا بديل عنه، بسبب ثورة الاتصالات والمعلومات. وبالرغم من أن اندفاعة الرأسمالية المتوحشة المعاصرة ما تزال في عنفوان قوتها، غير أن مؤشرات عديدة برزت وتبرز عاكسة تململ أمم وشعوب العالم من نظام عالمي جائر يستهدف تأمين رخاء قلة من الشعوب الغنية على حساب حرية وحقوق وبؤس زهاء 85 بالمئة من مجموع البشر. ولا يخفي دعاة العولمة، ومن ورائهم القوى الرأسمالية العالمية، شعورهم بالقلق من المستقبل تخوفاً من نهوض مستقبلي لشعوب العالم الثالث ضد مخططات العولمة واستراتيجيتها. وتتركز مخاوفهم من مقاومة العالم الإسلامي بشكل عام وفي القلب منه الوطن العربي بشكل خاص، قناعة منهم بأن الشخصية العربية القائمة على العروبة والإسلام تحمل عقائد وقيماً ومفاهيم تمثل النقيض للعقائد والمفاهيم الغربية الاستعمارية والرأسمالية. فالإيمان بقوة الحق واعتبار الجهاد لإحقاقه ولردع الظلم فريضة دينية، والأخوة بين البشر، والتمييز بين الكسب الحلال والمال الحرام، والحث على الاتفاق فيما ينفع الناس والنهي عن التبذير.... إلخ، كلها قيم تناقض العولمة في منطلقاتها وغايتها. وهذا ما دفع بكثير من دعاة العولمة إلى تبني الفكرة الصهيونية القائلة بضرورة إقامة جبهة عالمية ضد الإسلام، تكون مهمتها الأولى إخضاع الوطن العربي، ومن ثم العالم الإسلامي عبر تعاون ثلاثي بين قوى الاستعمار الرأسمالي والصهيونية والشعوبيات. إزاء ما تنطوي عليه العولمة من أخطار، وما تحمله من مخططات واستراتيجيات، فإن التساؤلات تثور حول ما ينبغي القيام به عربياً وإسلامياً لدرء أخطارها ومواجهة مخططاتها، وحول ماهية الإمكانيات المتاحة في مواجهة هجومها الكاسح. إن نقطة الانطلاق في الإجابة عن هذه التساؤلات تكمن في تقديرنا لرؤية العولمة على أنها عملية إنتاج نظام هيمنة شامل ومعاصر، ركيزته الأساسية اقتصادية في طبيعتها، لكن تجلياته في المجالات السياسية والأمنية والثقافية والإعلامية لا تقل خطورة وأهمية عن تجلياته الاقتصادية، الأمر الذي يحول التعامل مع ظاهرة العولمة إلى مواجهة تستهدف حماية وجود الأمة واستغلالها القومي، وشخصيتها الحضارية المتميزة، وحقها في صياغة حياتها وحاضرها ومستقبلها استناداً إلى قيمها وعقائدها، وبما يصون حقوقها ويحقق مصالحها. واستناداً إلى دروس الماضي القريب والبعيد، التي أثبتت أن الاستقلال ليس مظاهر خارجية (علم ونشيد ومقعد في الأمم المتحدة... إلخ) ولكنه القدرة على التحرر من القيود التي تفرضها القوى الخارجية ومواجهة ضغوطاتها توفيراً لأكبر قدر من حرية الفعل للإرادة الوطنية. واستناداً إلى ما أثبتته وقائع تاريخنا القريب والمعاصر من أن العمل القطري في المنطقة العربية، مهما توفرت له إمكانيات ومهما حسنت نوايا القيّمين عليه، عاجز عن مواجهة التحديات الخارجية إذا لم يتكامل مع بقية الطاقات العربية فإننا نرى أن مواجهة تحديات العولمة ومشاريعها تستلزم العمل على أربعة مسارات متكاملة: أ- إعادة بناء نظام عربي سياسي وأمني على قواعد التضامن والتكامل بديلاً عن واقع التناحر والتفكك السائد حالياً، وما يترافق معه من شلل في القدرات العربية واستباحة للأمن العربي على الصعيدين القومي والقطري. وهذا يستلزم تطويق العصبيات القطرية المنفلتة من كل عقال وسياساتها، والتصدي لمشاريع الشرق أوسطية والمتوسطية وتكريس ثلاثة توجهات أساسية: أولاً: التسليم من كل قطر عربي بالكيانات العربية والاعتراف بخصائصها الوطنية، وتحريم أي تدخل سلبي في شؤونها الداخلية، واعتماد جامعة الدول العربية ومحكمة العدل العربية مرجعيتين لحل كل الخلافات. وثانياً: استنهاض مؤسسات العمل المشترك لتكون إطاراً يحقق التكامل العربي من أدنى درجاته إلى أعلى مراتبه. وثالثاً: بناء نظام أمني عربي هدفه تأمين الوطن العربي وأقطاره بالقوى الذاتية العربية ضد المخاطر الخارجية وتهديداتها وضغوطها، واعتبار وحدة وسلامة كل قطر عربي مسؤولية عربية قبل أن تكون حاجة وطنية لأبناء القطر. ب- تحقيق تكامل اقتصادي عربي تكون السوق العربية المشتركة منطلقه، وتكون غايته تحقيق تنمية عربية مستقلة. وإذا كانت مواجهة ضغوطات قوى الرأسمالية العالمية ومصالحها تضعف حتى التلاشي في ظل التجزئة والتفكك، فإن التنمية المستقلة لا يمكن تحقيقها في ظل التجزئة، كما أنه يستحيل تحقيقها في ظل الاستسلام لمطالب دعاة العولمة بتقليص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والاستسلام لاقتصاد السوق الذي يحركه دافع الربح ويقاس نموه بحجم الريع العائد من استثماراته. إن إعادة الاعتبار لدور فاعل للدولة، في ظل تكامل عربي بغية بناء اقتصاد يحركه السعي لإشباع الحاجات الأساسية للإنسان ويقاس النمو فيه بمقدار النجاح في توفير هذه الاحتياجات والعدالة في توزيعها، تمثل ركيزة تحقيق تنمية اقتصادية عربية مستقلة. جـ- مواجهة الغزو الثقافي والإعلامي لقوى العولمة، مؤسسة على ثوابت الهوية العربية وسماتها الإيمانية والحضارية الجامعة، ومسلحة بعقلية انفتاحية على كل منجزات الفكر والعلم والتكنولوجيا، تقرأها قراءة نقدية وتتفاعل معها لتطويعها بما يتناسب مع قواعد وضوابط فكرنا، فلا نرفضها بداعي الخوف والعداء لكل ما هو أجنبي، ولا نذوب فيها بتأثير عقد النقص تجاه الآخرين. إن السبيل الأسلم للتصدي لدعوات اعتماد الغرب الاستعماري والرأسمالي مرجعية فكرية والتسليم بكل ما يصدر عنه، لا يكون بالانغلاق على الذات، وإنما يتحقق بالتجدد الثقافي من داخل الشخصية الحضارية العربية، والعمل على ولوج عصر العلم والتكنولوجيا كفاعلين مشاركين وليس فقط كمستقبلين مستهلكين. وكما أن الأمن العربي لا يمكن بناؤه على التجزئة، والتقدم العربي لا يمكن تحقيقه في أجواء التفكك، فإن صيانة الهوية الثقافية والحضارية العربية تستلزم تكاملاً ثقافياً وعلمياً عربياً قادراً على بناء مؤسسات ترعى النشاط العلمي والفكري وتحقق الاتصال والتفاعل بين العاملين في حقله وتنشر ابداعاته وتستثمر انجازاته. د- إطلاق حرية قوى الشعب العربي، وتكريس حقه في المشاركة في العمل الوطني والقومي على قاعدة الشورىة، والالتزام الكلي بالحقوق الشـوريـة. فالإنسان العربي هو أمضى أسلحة المواجهة مع العولمة ومخططاتها وتوجهاتها. وتبقى ملاحظة أخيرة، وهي إن العولمة ظاهرة تداهم كل شعوب العالم الثالث وقطاعات واسعة من شعوب العالم المتقدم الذي يحذر كثيرون فيه من تنامي مشكلتي الفقر والبطالة بتأثير من العولمة الاقتصادية. وتخشى الأمم الأوروبية التأثيرات السلبية الناتجة عن «الأمركة» على هويتها الثقافية والحضارية. وبالرغم من ذلك فإن الحديث اقتصر على عرض تصور لكيفية قيام مواجهة عربية للعولمة، والسبب في ذلك أن الأمة العربية تمثل قلب العالم الإسلامي والعالم الثالث معاً، وكثير مما يمكن أن يحدث في العالم الإسلامي أو العالم الثالث، مرهون بحركة الأمة العربية وتوجهاتها. وصدق الرسول العربي الكريم محمد ص الذي يروى عنه أنه قال: «إذا عزّ العرب عزّ الإسلام وإذا ذلّ العرب ذلّ الإسلام». نشر في مجلة (المعرفة) عدد (47) بتاريخ (صفر 1420هـ -مايو/يونيو 1999م)

سهيل الجنوب 10-11-2005 07:19 AM

العولمـة : «التقنية» هــي الخطــر..!
 
القاهرة - جــلال أمــين( مفكر وجامعي مصري)


نحن إزاء العولمة كالعميان إزاء الفيل، في تلك القصة الشهيرة التي يلمس فيها كل من العميان جانباً من الفيل، فيصفه على أنه الفيل بأكمله، دون أن يعرف أن للفيل جوانب أخرى كثيرة. كل منا في وصفه للعولمة على صواب تماماً، لولا أن معظمنا لا يريد أن يعترف بأن بقية العميان على صواب أيضاً. وكلنا مستعد للإقرار بأن للعولمة تأثيراً على الهوية الثقافية، ولكن الطبيعي أن كلاً منا لا يرى إلا هذا الأثر الذي يصدر عن ذلك الجانب من العولمة الذي يلمسه بيده، ومن ثم كان من الطبيعي أن يختلف المحللون لظاهرة العولمة حول تحديد ذلك الأثر على الهوية الثقافية: ما هو بالضبط؟ هل هو مهم أم غير مهم؟ مرغوب فيه أم غير مرغوب فيه؟ من السهل تجنبه أم من الصعب؟ هناك من لا يرى في العولمة إلا اتجاهاً متزايداً نحو تقسيم العمل وانتشار التكنولوجيا الحديثة من مراكزها في العالم المتقدم اقتصادياً، إلى أقصى أطراف الأرض، ومن ثم زيادة الإنتاج أضعافاً مضاعفة، وهو في سبيل ذلك مستعد لأن يغفر للعولمة أي تأثير سلبي يمكن أن ينتج عنها على الهوية الثقافية، بل هو مستعد للقول بأن هذا الأثر السلبي على الهوية تافه أو بسيط، بل قد يذهب إلى حد القول بأن الهوية الثقافية سوف تفيد من العولمة بدلاً من أن تضار. هناك أيضاً المفتونون بالحضارة الغربية بوجه عام، ليس فقط بكفاءتها المنقطعة النظير، في الإنتاج المادي، بل وفي نقل المعلومات وتخزينها وتوفيرها لمن يريد الانتفاع بها، وبما حققه الغرب في مضمار التنظيم السياسي والاجتماعي والإنتاج الثقافي، أولئك المفتونون بالديمقراطية الغربية، وبالعلاقات الاجتماعية الغربية، وبغزارة ونوع الإنتاج الثقافي في الغرب، ويتمنون لشعوبهم سرعة اللحاق بكل هذه الإنجازات ويجدون في العولمة السبيل إلى ذلك. ومن هؤلاء من لا تثير لديهم مسألة الهوية الثقافية إلا السخرية والاستهزاء. إذ ما هي تلك الهوية التي تبدو قلقاً عليها كل هذا القلق؟ هل تعني هذه الهوية شيئاً آخر غير التخلف والجهل والفقر والعقم، والقعود التام عن الحركة، والاستسلام للخزعبلات والتقاليد التي لم يعد لها دور في العالم الحديث؟ هناك أيضاً الكارهون للعولمة، ولكن هناك مائة سبب محتمل لهذه الكراهية. هناك من يكرهونها لأنها تتضمن مزيداً من الاستغلال الاقتصادي. ألا ترى مثلاً ما تفعله الاستثمارات الأجنبية الخاصة عندما تترك العالم في البلاد الرأسمالية نهباً للبطالة، وتذهب لاستغلال العمل الرخيص في البلاد الأقل نمواً؟ أولا ترى أيضاً شركات الأدوية العملاقة تضغط من أجل أن تفتح لها كل بلاد العالم أبوابها لتحقق مزيداً من الربح على حساب مستهلكي ومنتجي هذه الأدوية داخل هذه البلاد الأقل نمواً؟ نعم، الهوية الثقافية لابد أن تعاني من جراء ذلك، ولكن المعاناة هنا ليست إلا نتيجة الاستغلال الرأسمالي، إذ تحمل كل هذه الاستثمارات الأجنبية وهذه السلع المستوردة في طياتها ثقافة مغايرة تسحق ثقافات الأمم المستوردة لها، لا لغرض إلا لتحقيق مزيد من الأرباح، وحماية الهوية الثقافية واجبة في نظر هؤلاء، كوسيلة للتصدي لهذا الاستغلال، إذ إن إثارة الحمية الوطنية والحماس للثقافة الوطنية قد يعطلان هذا الاتجاه لدى الرأسمالية العالمية للانتشار. وهناك من يكره العولمة لا لسبب اقتصادي، بل لسبب ديني. فالعولمة آتية من مراكز دينها غير ديننا، بل هي قد تنكرت للأديان كلها، وآمنت بالعلمانية التي لا تختلف كثيراً، في نظر هؤلاء، عن الكفر. ومن ثم ففتح الأبواب أمام العولمة هو فتح الأبواب أمام الكفر، والغزو هنا في الأساس ليس غزواً اقتصادياً، بل غزو من جانب فلسفة للحياة معادية للدين. والهوية الثقافية المهددة هنا هي في الأساس دين الأمة وعقيدتها، وحماية الهوية معناه في الأساس الدفاع عن الدين. هناك من ناحية أخرى، من يرى أن العولمة ليست غزواً اقتصادياً أو غزواً علمانياً، بل غزو قومي، بمعنى تهديد هوية أمة أخرى. صحيح أن هذا الغزو يتضمن استغلال اقتصاديات، وصحيح أنه يهدد دين الأمة التي يجري غزوها، ولكن هذا وذاك ليسا إلا جزءين من ظاهرة أوسع، وهما مرفوضان لسبب أكبر وأشمل. فالاستقلال الاقتصادي ليس مطلوباً فقط لمنع الاستغلال، بل مطلوب لتحقيق نهضة شاملة للأمة، وتحقيق استقلال إرادتها. وهي كذلك تهديد للدين والعقيدة، والعقيدة جزء من نمط الحياة بأسره. ولقيم الأمة بصفة عامة، التي يعتبر الدين جزءاً منها ولكنه لا يستوعبها كلها، وذلك لصالح نمط الحياة في تلك المراكز التي تولد هذا الاتجاه نحو العولمة. في نظر هؤلاء، تعتبر حماية الهوية الثقافية هي الهدف الأصلي، وليس مجرد وسيلة للتصدي للاستغلال الاقتصادي، كما أنها هدف أشمل من هدف حماية الدين من العلمانية. إن كلاً من المواقف المؤدية والمضادة للعولمة يحمل في رأيي جزءاً من الحقيقة، وهو جزء لا يمكن الاستهانة به. نعم، العولمة تؤدي إلى تعظيم الإنتاج، على الأقل من وجهة نظر العالم ككل، والعولمة تمثل تقدماً لا يمكن إنكاره في بعض القدرات المهمة للإنسان، في المعرفة وفي السيطرة على الطبيعة، وفي بعض أنواع الإنتاج العلمي والفني. والعولمة تتضمن، بلا شك اتجاهاً نحو مزيد من الاستغلال الاقتصادي من جانب الشركات العملاقة للمستضعفين في الأرض، وتتضمن قهراً لمعتقدات ومقدسات بعض الأمم، لصالح نظرة تتخذ على الأقل موقف اللامبالاة من العقائد الدينية. والعولمة، بلا شك، تهدد أنماط الحياة الخاصة بالأمم التي كانت أكثر انعزالاً عن العالم، لصالح نمط معين للحياة هو السائد في الدول الأكثر سطوة. ولكن هذه المواقف المرحبة بالعولمة والمضادة لها، قد لا تستوعب كل المواقف الممكنة من العولمة، ومن ثم قد لا تستوعب كل المواقف الممكنة من قضية حماية الهوية الثقافية. إن هناك موقفاً يزيد ميلي إليه كلما أمعنت التفكير في ظاهرة العولمة، والهوية الثقافية، وقد يمثل جانباً يستحق الاهتمام، وقد لا يقل أهمية عن مختلف الجوانب التي ذكرتها، سواء من حيث مساعدتنا على فهم حقيقة العولمة، أو على اتخاذ الموقف الصحيح منها. كما أنه يؤدي إلى نظرة إلى الخطر الذي يهدد الهوية الثقافية، قد تختلف اختلافاً مهماً عن النظرات الأخرى. هذا الموقف من ظاهرة العولمة يدور حول النظر إليها كما لو كانت مرادفة لانتشار ما يسمى أحياناً بـ«المجتمع التكنولوجي الحديث». إن هذه الظاهرة ظاهرة انتشار «المجتمع التكنولوجي الحديث» ليست هي بالضبط انتشاراً للاستغلال الرأسمالي، وليست مجرد انتصار للعلمانية على العقائد الدينية، وليست بالضبط قهراً من جانب هوية أمة لهويات أمم أخرى، بل هي ظاهرة قد تكون أخطر بكثير من كل هذا. ومن ثم فإن الموقف الذي تستوجبه قد يكون أصعب بكثير مما نظن. وسوف أحاول شرح هذه النظرة إلى العولمة التي قد لا تزيد في الحقيقة عن محاولة إضافية من شخص آخر ضعيف البصر، إلى محاولات أخرى من جانب أشخاص آخرين ضعاف البصر إيضاً، للإحاطة بحقيقة الفيل. العولمة قديما :الغزو الثقافي سبق أن ذكرت أن الاتجاه نحو العولمة قديم جداً، ولابد أن الإنسان قد شعر بأن العالم قد أصبح «قرية واحدة كبيرة» أو بشيء شبيه بهذا عدة مرات من قبل. لابد أن الإنسان الأوروبي قد شعر بشيء من هذا عندما وطئت قدماه القارة الأمريكية لأول مرة، منذ خمسة قرون، وعندما أبحرت أول سفينة بخارية منذ أقل قليلاً من قرنين، وعندما نظر رجل الفضاء لأول مرة إلى كوكب الأرض منذ نحو أربعين عاماً. كل ذلك قبل أن يخرج إلينا الإنسان المعاصر مزهواً أو مندهشاً من بزوغ ظاهرة الشركات متعددة الجنسيات التي يفوق حجم مبيعات كل منها، حجم الناتج القومي لعدة دول مجتمعة. لابد أن ماركس وإنجلز كانا يتكلمان عن هذه الظاهرة نفسها، ظاهرة العولمة، منذ 150 عاماً، عندما كتبا في البيان الشيوعي أن السلع التي تخرج من مصانع الرأسمالية ستأخذ في الانتشار شرقاً وغرباً ولن يفلح في صدها أي سور ولو كان بمناعة سور الصين العظيم. إذن فكثرة الكلام عن العولمة في العشر سنوات الأخيرة لابد أن يكون سببها ليس نشأة الظاهرة، بل نموها بمعدل متسارع (فضلاً عن وجود مصلحة لبعض الناس، في الإلحاح على أسماعنا بأن شيئاً جديداً وطيباً للغاية، اسمه العولمة، آخذ في اكتساح الكون). ومن أي زاوية نظرنا إلى العولمة، سواء من زاوية معدل انتقال الأشخاص أو معدل انتقال السلع أو رؤوس الأموال والمعلومات أو الأفكار، نجد وراء هذا تطوراً في التكنولوجيا أو «تقدماً» فيها كما هو شائع على الرغم من أن اعتبار ما حدث من تطور تكنولوجي «تقدماً» في جميع الأحول هو محل نظر وقابل للجدل فالعولمة بنت التطور أو (التقدم) التكنولوجي، سواء تمثل هذا التطور في اختراع العجلة أو البوصلة أو المطبعة أو الآلة البخارية أو التلغراف أو الطائرة أو التليفزيون أو الكمبيوتر.. إلخ. والاعتقاد الشائع أن العولمة ظاهرة حتمية لا يمكن صدها أو الوقوف في وجهها، سببه الاعتقاد أن التطور (أو التقدم) التكنولوجي هو كذلك ظاهرة حتمية. ولكن العولمة أيضاً تحمل دائماً في طياتها نوعاً آخر من «الغزو الثقافي» أي من قهر الثقافة الأقوى لثقافة أخرى أضعف منها. فالذي فعله المهاجرون الأوائل إلى القارة الأمريكية بالهنود الحمر كان نوعاً من «الغزو الثقافي» وإن كان بالغ القسوة. وقل مثل ذلك عما فعله المهاجرون الأوروبيون إلى أستراليا لسكانها الأصليين، وسائر صور الاستعمار الأخرى، التي هي أيضاً صور للعولمة وللغزو الثقافي في الوقت نفسه. كل هذه الصور للغزو الثقافي كان من الممكن دائماً أن ننظر إليها نظرات متعددة، فقد كان من الممكن دائماً أن نصف ظاهرة الغزو الثقافي بأنها اعتداء رأسمالي على الهوية الثقافية للأمة المعتدى عليها من أجل استغلالها اقتصادياً. كما يمكن أن نصفها بأنها غزو دين لدين، أو إحلال ثقافة أمة محل ثقافة أخرى، كما أن من الممكن أن يوجد (وقد وجد بالفعل) المدافعون عن هذا الغزو الثقافي باسم تعظيم الإنتاج ونشر الحضارة. بحجة نشر الحضارة جاء نابليون إلى مصر، وبالحجة نفسها قهر الاستعماريون الأوائل مختلف الأمم الأقل تقدماً. وبحجة زيادة الإنتاج غزت الولايات المتحدة أمة بعد أخرى متخفية وراء المعونات الاقتصادية، واستخدمت حجة زيادة الإنتاج أيضاً وتعمير الأرض من جانب الصهاينة لتبرير استيلائهم على فلسطين، وبالحجة نفسها انتشر موظفو البنك الدولي وصندوق النقد في مختلف أنحاء الأرض. وقد قامت حركات المقاومة ضد كل هذا باسم الدين مرة، وباسم القومية مرة، وباسم الاشتراكية ومقاومة الاستغلال الرأسمالي مرة.. إلخ. العولمة قديمة إذن، وكذلك الغزو الثقافي، وكذلك مقاومة هذا الغزو الثقافي، وكل الشعارات التي ترفع لتبرير العولمة أو لمقاومتها قديمة أيضاً. إن من المفيد بالطبع لفت النظر إلى التسارع الهائل الذي حدث في معدل العولمة في العقود الأخيرة، ولكن من المفيد أيضاً (من حين لآخر) لفت النظر إلى أنه مجرد تسارع حديث لظاهرة قديمة ومستمرة. ولكن من الضروري أيضاً التأكيد على العامل الأساسي المسؤول عن نشأة هذه الظاهرة، ظاهرة العولمة، واستمرارها وتسارعها، وهو التقدم أو التطور التكنولوجي. ذلك أنه من بين كل العوامل الدافعة أو المساعدة أو المصاحبة للعولمة، يكاد التطور التكنولوجي أن يكون أكثر هذه العوامل استقلالاً، بحيث لا يكاد يحتاج المرء إلى البحث عن العوامل المسببة له، أو بالأحرى إنه أكثر العوامل المتصلة بالعولمة اكتفاء بنفسه، إذ لا يعتمد في وجوده إلا على ذلك الميل الطبيعي لدى الإنسان لتخفيف ما يبذله من جهد وما يتحمله من مشقة في سبيل البقاء على قيد الحياة، أو من أجل الإنتاج والاستهلاك. الإنسان يطور التكنولوجيا باستمرار، وكأنه مدفوع «بيد خفية» إلى ذلك، من أجل أن يشبع حاجاته بأقل جهد ممكن، وهو في خلال تطويره للتكنولوجيا يندفع دون أن يكون هذا بالضرورة جزءاً من مخطط واع ومدبر، نحو المزيد من العولمة. بهذا نفهم لماذا تقترن العولمة دائماً بدرجة أو أخرى من القهر الثقافي. ذلك أن هذا التقدم التكنولوجي، الذي يدفع الإنسان دفعاً إلى مزيد من العولمة، ينطوي بطبيعته على تهديد للهوية الثقافية. إن هذا التقدم التكنولوجي الذي يظنه الكثيرون شيئاً محايداً تماماً إزاء الهوية الثقافية، يحمل دائماً خطراً يهدد هذه الهوية. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (47) بتاريخ (صفر 1420هـ -مايو/يونيو 1999م)

سهيل الجنوب 10-11-2005 07:20 AM

العولمة ..كي لانتحـول إلى حيوانات مستهلكـة!
 
بقلم: عــــــابد خزندار( كاتب وناقد سعودي)

يذهب العالم الهندي أبادوراي «Appadorai» الأستاذ بجامعة شيكاغو إلى أن العولمة تواصلية أو تبادلية، أي لا تتسم بالسيطرة الكاملة لطرف واحد هو الولايات المتحدة على سبيل المثال، ولو أنها الدولة الأقوى في النظام العالمي الجديد. والعولمة لا تقتصر في رأيه على الجانب أو المشهد الاقتصادي، فهناك عدة مشاهد: 1- المشهد الأثني أو عالم الأشخاص الذين يشكلون الكون المتغير الذي نعيش فيه. 2- المشهد التقني: الوضع العالمي للتكنولوجيا المتنقلة بسرعة هائلة عبر حدود كانت قبل ذلك مقفلة. 3- المشهد المالي: انتقال رؤوس الأموال من بلد إلى آخر والمضاربات في العملة. 4- الميديا، أو وسائل الاتصال وأدواته، وسرعة انتقال المعلومات والصور وانتشارها. 5- المشهد الأيدولوجي، أو الأيدولوجيا المضادة التي تقوم كل دولة بإقامة بنيانها السياسي عليها. فكل هذه مظاهر مختلفة للعولمة التي يصبح معها الاحتفاظ بالتقاليد والهوية مستحيلاً. على أن هناك ما هو أخطر من العولمة لبعض دول العالم، فالكوريون مثلاً يخشون اليابانية أو الهيمنة أو العولمة اليابانية وسيرلانكا تخشى من الهيمنة الهندية وشعوب الاتحاد السوفيتي السابق يخشون من الهيمنة الروسية، وكل هذه العولمات المصغرة تتسم بالظاهرة نفسها التي تتسم بها العولمة الكونية، أي أنها مالية وتكنولوجية، إلى آخره. ونحن في العالم العربي يجب أن نخشى العولمة أو الهيمنة الإسرائيلية وهو ما سيحدث إذا اكتمل التطبيع الكامل بيننا وبين إسرائيل. على أن الكثير من الباحثين بالإضافة إلى أبادوراي قد تحدثوا عن مخاطر العولمة فساكي ساسين «Sassen» تنبأت في كتابها «Globalization and Discontent» وهو من منشورات «The New Press» بظهور المدينة العالمية أو الكونية «The Global City» كبديل للدولة أو الدول، التي ستتركز فيها البنى الأساسية للتجارة العالمية وخصوصاً وسائل الاتصال والمؤسسات المالية، أي أن المركز سينتقل من الدولة أو الدول إلى المدن، والمدن المرشحة لهذا الدور هي: نيويورك ولوس انجيليس ولندن وطوكيو وبومباي، وسيترتب على ذلك هجرة الملايين من البشر وخصوصاً من الدول الفقيرة التي ستتخلف عن قطار العولمة وبالذات في أفريقيا إلى هذه المدن الأمر الذي سيترتب عليه بدوره نشوء الصراع بين الأقليات وضدها في هذه المدن والمشكلات التي تنشأ في الوقت نفسه عن التمييز العنصري...إلخ، وقد رأينا أن أبادوراي قد تحدث قبل قليل عن العولمة والمشهد الأثني. وهناك أيضاً كتاب مهم يتحدث عن أخطار العولمة وجرائرها من تأليف «Fredric jameson and Masao Miyoshi»هو «The Culture of Globalization»، وأهمها سيطرة النمط الاستهلاكي أو ما يعرف بالمجتمع الاستهلاكي على طريقة الحياة التي يحياها الإنسان، أو بكلمات أخرى تحويل الإنسان إلى مجرد حيوان مستهلك، وهذا يعني إلغاء الذات ومحو الشخصية، أي أن الذي سيزول من الوجود ليس الدولة أو الأمة بل الذات أو الفرد. وهناك أيضاً خطر تسيد دولة واحدة وسيطرتها على العالم وهذه الدولة هي الولايات المتحدة التي يرمز إلى سيطرتها بانتشار مطاعم الماكدونالدز فيقال على سبيل المثال أن دول ما تحت الصحراء الكبرى في أفريقيا لم تدخل بعد عصر العولمة لأنه لا يوجد فيها مطعم ماكدونالدز واحد، وهذه توجد في شمال أفريقيا وجنوب أفريقيا فحسب، وهناك كتاب مهم في هذا الصدد عنوانه: Golden Arches East:Mcdonald,s in East Asia » وهو من تأليف «James Watson» ومن منشورات جامعة ستانفورد. والكتاب يشرح بالتفصيل كيف أصبحت مطاعم الماكدونالدز طريقة للحياة في شرق آسيا وكيف انحسرت أمامها واختفت المطاعم الوطنية التقليدية، أي أننا نشهد هنا ليس انتصار نظام اقتصادي فحسب، بل انتصار ثقافة هي في التحليل الأخير ثقافة المجتمع الاستهلاكي. وهذا يقودنا في النهاية إلى الطريقة أو الكيفية التي تمكننا من التصدي للهيمنة الثقافية، وهذا لن يتحقق إلا بالمحافظة على الفروق الثقافية، وأمامنا تجربة ناجحة في هذا الصدد فالغرب ممثلاً في أوروبا احتل مناطق آسيا وأفريقيا قبل الحرب العالمية الأولى، وفي يوم من الأيام استولى على 80% من مساحة المعمورة، وحاول أن يفرض ثقافته على هذه المناطق، ولكن المبدعين في هذه المناطق كنجيب محفوظ في مصر وفرانتز فانون وبول سوينكا في أفريقيا استطاعوا أن يجذّروا ثقافة أوطانهم، ويؤسسوا أدباً جديداً أصبح يعرف بما بعد الكولونيالية، وعلينا أن نحافظ على هذا الأدب لكيلا نغرق في تيار العولمة ونتلاشى فيه، ونحن قادرون على ذلك متى صحت النية وانعقد العزم. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (48) بتاريخ (ربيع الأول 1420هـ -يونيو/يوليو 1999م)

سهيل الجنوب 10-11-2005 07:21 AM

العولمــــة: حينما تختبىء الشياطين في التفاصيل !
 
الرياض - أنــــور عشــــقي (مفكر سعودي)


ليس ما نواجهه اليوم من عولمة يندرج في الأحداث الطارئة، وليس ما نواجهه اليوم من عولمة يصنف في عدات التداعيات التاريخية، إن العولمة التي تفرض نفسها على الأمم والشعوب هي شكل من أشكال التحديات الحضارية وهي لون من ألوان الإمبريالية الثقافية من شأنها فرض الحضارة الغربية على الفكر الإنساني. لقد عرف العالم عولمة عربية في ظل الإسلام سادت ثمانية قرون، وتداعت بسقوط غرناطة عام 1492 عندما طرد المسلمون واليهود من الأندلس. لم تكن العولمة العربية قهراً لبقية الحضارات بل كانت مداً ثقافياً استوعب باقي الحضارات وحافظ على هويتها الثقافية، بعد أن أصّلها بقيم إسلامية وعربية لخدمة الإنسان، وليس لاستغلاله وقهره. لكن العولمة اليوم بدأت تطل علينا بوجهها الاستعماري إثر سقوط الحائط الفاصل بين «الأيديولوجيتين» الاشتراكية والرأسمالية في برلين عام 1989م، لقد كانت العولمة العربية الإسلامية إثراء للفكر الإنساني، لكن العولمة الغربية تشكل اليوم قهراً لفكرة الإنسان، فهي حضارة ترفض كل الحضارات كما أنها تسعى إلى توظيف القوة الحضارية في استغلال الشعوب والهيمنة على مقدراتها، وهذا ما سوف يؤدي إلى تحويل العالم إلى فريقين، شعوب مستِغِلَّة، وشعوب مسَتغلة، أمم قاهرة وأمم مقهورة. لقد قال أحد الفلاسفة المعاصرين في الغرب محذراً من العولمة الحديثة: «إذا كانت الملائكة الأبرياء تظهر في عموميات العولمة فإن الشياطين تختبئ في تفاصيلها». لقد بدأ الاستعمار الأوروبي بإرسال الأساطيل إلى آسيا وأفريقيا، لمطاردة التجار العرب، فدمروا سفنهم وهدموا قلاعهم، ثم تحولوا إلى استعمار أوطانهم، لكن الاستعمار أخذ في التراجع مكتفياً بالهيمنة السياسية، وبعد الحرب العالمية الثانية اكتفى بالسيطرة الاقتصادية، واليوم نجد الاستعمار الغربي يعود بكل صوره من خلال الإمبريالية الثقافية. لقد أخذ الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي، يفرض هيمنته الحضارية على العالم الثالث، من خلال الشؤون السياسية، والاقتصادية، والثقافية، موظفاً في ذلك الاتفاقات الدولية، ووسائل الإعلام من فضائيات ومحليات، وإنترنت، وسرعة الاتصالات والمواصلات. واليوم نجد عولمة أوروبية تنافس العولمة الأمريكية، بعد أن ظهرت ملامح الطريق الثالث في نهج أحزابها اليسارية، التي استطاعت أن تصل إلى سدة الحكم، كما اعتمد الأوروبيون العملة الجديد التي توحدهم في المجال الاقتصادي، والتعددية الحزبية التي توحد مفهومهم السياسي، في مواجهة الثنائية الحزبية الأمريكية. لقد أخذت فرنسا على عاتقها مقاومة المد العولمي الأمريكي فبادرت بعدة إجراءات؛ خصوصاً في الميدان الثقافي، فعلى صعيد اللغة أصدرت فرنسا قانوناً يعاقب على استخدام مفردات اللغة الإنجليزية طالما يوجد ما يمكن التعبير عنه باللغة الفرنسية، وعلى صعيد البث التلفزيوني فقد بدأت فرنسا بتحديد نسبة المسلسلات والأفلام الأمريكية حتى لا تطغي على الإنتاج الفرنسي. أما الحكومة الكندية، فقد دعت إلى مؤتمر دولي عقد في يوليو الماضي عام 1998م، يدعو إلى تكوين جبهة عالمية لمواجهة الغزو الثقافي الأمريكي، فشاركت فيه اثنان وعشرون دولة ممثلة في وزراء الثقافة، كلهم أكدوا تراجع الثقافات القومية لصالح الثقافة الأمريكية بسبب الفضائيات ووسائل الاتصال والمواصلات. لقد دعا المؤتمر إلى الحد من بث البرامج الترفيهية الأمريكية في التلفزيون، مع رفع الضرائب على المسلسلات الأمريكية. لقد اندفعت كندا في مواجهة العولمة الأمريكية، وعندما رفعت نسبة الضرائب على المجلات الأمريكية تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية باحتجاج لدى الحكومة الكندية، مؤكدة أن هذه الضرائب تعتبر انتهاكاً لاتفاق منظمة التجارة الدولية الحرة، وفازت الولايات المتحدة وتراجعت كندا عن قرارها، لأن واشنطن أدخلت الثقافة ضمن السلع التجارية في الاتفاق، بينما كانت فرنسا وكندا تنكران هذا المفهوم. لقد عبرت وزيرة الثقافة الكندية «شيلاكوبي» عن انزعاجها من الهيمنة الثقافية الأمريكية، وتدخلها قائلة «من حق الأطفال في كندا، أن يستمتعوا بحكايات جداتهم، ومن غير المعقول والمقبول أن تصبح 60% من برامج التلفزيون الكندي مستوردة، وأن يكون 70% من موسيقانا أجنبية، و95% من أخلاقنا ليست كندية» إن العولمة الغربية وإن تحلت ببريقها الأخاذ إلا أنها لا تحمل في جوانبها قدسية البراءة، أما الذين يهرولون إلى العولمة، بدعوى عالمية القيم فهؤلاء هم الذين استسلموا للغزو الثقافي، فأصبحوا أول الضحايا وليسوا بأوائل الشهداء. لقد وصف الكاتبان الألمانيان «بيترمارتين»و«هاران شومان» الدور الذي تؤديه العولمة بأنه عمل له خطورته التدميرية، ومع هذا فإنهما قد ركزا على الجانب الاقتصادي في كتابهما «فخ العولمة». إنني لا أنادي بمواجهة العولمة ومحاربتها أو التصدي لها تصادمياً، بل أدعو إلى إعادة بناء الشخصية الثقافية للأمة العربية والإسلامية، وذلك عن طريق تحديد الفكر القومي، وتحويله من الانتماء العرقي إلى الانتماء الثقافي، كما أنادي بإعادة النظر والعودة إلى تراث الأمة وثوابتها الثقافية القائمة على الكتاب والسنة، عنذئذ نستطيع أن ندخل في حوار مع العولمة واستيعابها والتأثير فيها وعدم التأثر بها. * كاتب سعودي نشر في مجلة (المعرفة) عدد (48) بتاريخ (ربيع الأول 1420هـ -يونيو/يوليو 1999م)

سهيل الجنوب 10-11-2005 07:23 AM

نحـن والعولمــة: لامجـال لـ«الفهـلـوة»
 
أبها (السعودية )- د.عبدالكريم بكار(جامعة الملك خالد)
تمنح تقنيات الاتصالات وشبكات المعلومات المتوفرة الآن الأمم المختلفة فرصاً عظيمة لتبادل الخبرات وتجديد الوعي،وتحرير العقل والنفس من البرمجات الثقافية العليلة والمتأسّنة... ونحن المسلمين لا نخشى من الاتصال بالآخرين؛ فقد زجّ الإسلام بأبنائه في خضم الصراع العالمي، وخرجوا منتصرين عسكرياً، وشيدوا حضارة وطيدة الأركان شامخة البنيان، بل إنني أقول: إنه كان الأليق بالمسلمين أن يكونوا هم وراء ثورة الاتصالات، حتى يتواصلوا فيما بينهم عبر القارات، وحتى ينشروا النور الذي أكرمهم الله به، ولكن... من الذي يقود العولمة؟ لو كان المفكرون والعلماء هم الذين يقودون العولمة، لأمكن أن نعثر على فرص عظيمة للحوار والنقاش والتلاقح الثقافي... ولو أن الساسة كانوا هم الذين يقودونها؛ لأمكن عقد صفقات دولية كبرى، يعود نفعها على الجميع... نعم العولمة تستخدم منتجات العلم، وتتبدّى أحياناً في بعض صور النشاط السياسي- كما يظهر ذلك في سلوك أمريكا الدولي مثلاً- لكن لا الفكر ولا النظم السياسية هي التي تتحكم في الإخراج النهائي للعولمة. إن الذي يقود حركة «العولمة» هو «نظام التجارة» وهو نظام أعمى أصم، لا يعرف سوى الربح وتكديس الأموال. وهو نظام غلاّب بطبعه، ما نازل نظاماً آخر إلا غلبه، لكن بطشه مستمد من ضعفه، فهو أقل النظم الاجتماعية اهتماماً بالرمزيات الوطنية، وأقلها اكتراثاً بالقيود الأخلاقية، وأبعدها عن النزعة الإنسانية. المستفيدون من العولمة هم الذين يقومون بترسيخ وجودها، وهم صفوة الأثرياء، وأصحاب الشركات المتعددة الجنسية، حيث تتضاعف أرباح القلة على حساب شقاء الكثرة الكاثرة من البشر. وتذكر بعض الإحصائات أن «358» مليارديراً يملكون ثروة تضاهي مايملكه ملياران ونصف المليار من البشر، أي ما يقرب من نصف سكان المعمورة. وهذا الثراء المتزايد دائماً يتم بسبب تضخم «الاقتصادي» وتهميش «السياسي» والذي يدفع الثمن هم الفقراء الذين بدؤوا يفقدون حماية الدول لهم من مخالب اقتصاد السوق، ويعانون تراجع الخدمات الرخيصة التي تقدم إليهم، وذلك بسبب التهرب من الضرائب، وبسبب الإمكانات المتسعة لنقل الأموال والأعمال من بلد إلى آخر على ما تقتضيه مصلحة أصحابها وهكذا. ففي العالم اليوم تبخر مستمر للطبقة الوسطى حيث ينضم جمهورها الأعظم إلى طبقة الفقراء والعاطلين عن العمل، وتنضم فئة منها لا تزيد على 20% إلى صفوف الطبقة الثرية، ولا يناظرها في مسيرة التدهور المتصاعد سوى «البيئة الطبيعية» التي يتم تدميرها بشكل منتظم من أجل تحقيق الأرباح، ولو أدى ذلك إلى وجود خراب لا يمكن إصلاحه. تفكيك الثقافات المحلية: يدور حول الأرض اليوم أكثر من خمسمائة قمر صناعي، تبث في كل اتجاه الصور والأفكار والنماذج والنظم.. لكثير من جوانب الحياة التي يعيشها العالم الصناعي المتمكن. وهذا الفيض الهائل من رموز الحداثة أربك «الوعي» لدى السواد الأعظم من أبناء الشعوب النامية، فمن خلال الدعاية المكثفة صار للناس أحلام جديدة، توجه سلوكاتهم، وتصوغ تطلعاتهم على نحو تعجز إمكاناتهم عن تحقيقها، كما أن «العولمة» أدت إلى تسريع التحولات الهيكلية في أسواق العمل، مما جعل الكثير من الشباب يجد نفسه دون تأهيل مناسب لمتطلبات التنمية الحديثة. وبهذا وذاك يتم الآن تفكيك الثقافات المحلية، وضرب الجذور لكثير من المفاهيم والتقاليد الوطنية، وزج مئات الملايين من الناس في وسط هلامي زاهد في القديم، وعاجز عن التعامل مع الجديد! مدخل العولمة: يصور لنا المستفيدون من الأوضاع الجديدة أن العولمة أشبه ما تكون بمصير كوني جاءت به تطورات منطقية محتومة، ولذا فليس أمامنا سوى الاستسلام ومحاولة الحصول على جزء من كعكة العولمة. ويتضايق كثير من مثقفينا حين يسمعون غير ذلك، ويغضُّون الطرف عن بعض الحقائق الصارخة التي تشير بأصبع الاتهام إلى حركة العولمة برمتها!. إن من الواضح أن العولمة ماهي سوى استثمار مكثف لكل أشكال التفوق الغربي، وهذا الاستثمار مجرد من أي معنى إنساني، وهو يستخدم مداخل غير أخلاقية وغير عقلانية أو علمية في حصد المزيد من المكاسب للغرب الظافر، حيث يتم «تنميط العالم» من خلال تدمير «التنوع الثقافي» العالمي بنية تسهيل السيطرة، وإزالة كل الحواجز التي تقف في سبيل هيمنة الشركات الكبرى على توجهات الناس وسلوكاتهم. والوسائل لذلك شهوانية استهلاكية في المقام الأول في «هوليود» وأشباهها فتحت كل أبواب غرف نوم الغرب، وكل أبواب مو اخيره، وكل أبواب مباذله ولهوه، وسوّقت كل الرموز والصور التي يوحيها ذلك باعتباره جزءاً من مجهود ضخم لصياغة كونية جديدة، يُهمش فيها الفقراء والضعفاء، ويقادون من خلال رغباتهم إلى الوضعيات التي تخدم صنّاع العولمة. أما أسرار التقنية- ولاسيما في مستوياتها العليا- فهي مخزونة وراء سبعة أبواب، لأنها ليست مما يعرض للبيع أو التصدير!. هل لنا من موقف؟ كانت الشعوب الضعيفة تحمي ثقافاتها من بطش الثقافة الغالبة بالعزلة والتقوقع، أما اليوم فإن هذا أضحى غير ممكن، فثورة الاتصالات وضعت الناس فيما يشبه الخلاطة الكبيرة، و جعلت الكل يراقب الجميع. لكننا نعتقد أن كل أزمة تمنح فرصة، وليست هناك وضعية يمكن أن نعدها شراً خالصاً. العيش على هامش العصر، لا يختلف في السوء عن الاندماج في ثقافة أجنبية منحرفة، فكلاهما مصدر للتحلل الذاتي. وأود القول: أن أي تحسين لمستوى تعاملنا مع آثار العولمة وتحدياتها، والاستفادة من فرصها، لا بد أن ينطلق من تحسين«ذواتنا» إذ لا هامش هناك لـ«الفهلوة» والمناورة. إن «العولمة» ظاهرة شديدة التعقيد والتداخل، وإن التعامل معها ينبغي أن يرتكز على مجموعة من «الحلول المركبة» وأعتقد أننا بحاجة إلى أن نوزع جهودنا في هذا الشأن على ثلاثة محاور أساسية، هي: 1- المزيد من الالتزام: إن العولمة تحمل- على نحو عام- روحاً علمانية مادية، وهي بالإضافة إلى كونها تؤسس لنفسية استهلاكية دنيوية، تهوّن من شأن المحرّمات الثقافية، وتنزع الاعتبار عن كثير من القيم والمعايير الأخلاقية... وهذا يوجب علينا أن نهتم بتحسين مستوى الالتزام لدى أشبالنا وشبابنا، كي نساعدهم على البقاء داخل الأطر الإسلامية السمحة، وحتى نحميهم من تيار الشهوات الجارف الذي تغذيه العولمة، وتمكن له في كل الأرجاء، وعلى كل المستويات. لا يعني الالتزام ترك المحرمات، والقيام بأداء الواجبات فحسب، وإنما يعني إلى جانب ذلك إنعاش القيم التي يفرضها العيش في عصر العولمة، مثل قيمة الشورى والحرية والانفتاح والحوار والتعاون والتضامن الأهلي والنزاهة.... حيث إن هذه القيم هي التي تجعل ثقافة أكثر جاذبية من ثقافة أخرى، وهي التي تساعد على الصمود في وجه الثقافة الغربية الغازية. إذا لم نفعل ذلك فسيكون من غير المستغرب أن نرى مجتمعاتنا تذوب بين أيدينا ونحن مشدوهون دون أن نفعل أي شيء!. 2- المزيد من التفوق: إنه ما التقى ضعيف بقويّ إلا كان اللقاء- غالباً- في مصلحة القويّ، وإذا أخذنا اتفاقية «الجات» نموذجاً للعلاقات التي تؤسس لها العولمة أيقنا أن العالم كله يتجه إلى الاستغناء عن خدمات الضعفاء والعاديين، فـ«الأتمة» الآخذة بالتوسع، وخطط ضغط النفقات- من أجل القدرة على المنافسة- وإعادة تنظيم الأعمال الكبيرة... كل ذلك سيجعل أرباب العمل يستغنون عن معظم الأعمال التي يقوم بها أشخاص عاديون، وستقتصر الحاجة على نحو من 30% من طاقات العمل المتوفرة، هذا بالإضافة إلى أن سد الفجوة الحضارية القائمة بيننا وبين الغرب، ليس له من سبيل سوى التفوق في المجال العلمي والتقني من خلال تعليم أفضل، وتدريب أرفع مستوى وأكثر انتشاراً، وبحث علمي أكثر رصانة، ومن خلال تربية أسرية واجتماعية، يتعود فيها الفرد لدينا التفكير المعقد والعمل الشاق، وطول النفس في الإنجاز والبناء. 3- التحول من التأثر إلى التأثير: إن ثورة الاتصالات- التي مازالت في بدايتها- أتاحت لمن عنده شيء يود أن يقدمه أن ينشره على أوسع مدى، ونحن أمة لها رسالة عالمية، وخصوصية ثقافية وحضارية وطموحات نحو قيادة العالم وتوجيهه، ولايليق بنا أن نتجاهل كل ذلك لننشغل ببعض الإنجازات الصغيرة أو التطلعات المحدودة، وإن أي مواجهة صحيحة لآثار العولمة، يجب أن تعتمد- فيما تعتمده- على التحول من الاهتمام بالشأن الخاص إلى الاهتمام بالشأن العام، ومن الصلاح إلى الإصلاح، ومن الخطاب المحلي إلى الخطاب العالمي، إذ إن أفضل وسيلة لحماية حدودنا الثقافية أن نبني خطوطاً متقدمة في ثقافة الآخرين، نبلّغ من خلالها رسالتنا، ونضفي على أنفسنا مسحة التألق واللياقة الحضارية. وإن على مثقفينا أن يوضحوا للناس ما عليهم أن يفعلوه في هذه السبيل، فذاك هو جوهر الريادة الاجتماعية، وهو استحقاقها. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (48) بتاريخ (ربيع الأول 1420هـ -يونيو/يوليو 1999م)


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 03:32 AM .

مجالس العجمان الرسمي