في قوله تعـــــــــــــــــالى ( إنا كل شـــــيء خلقناه بقــــــــــــــدر )

[عجمي و الوفا طبعي 1]

بسم الله الرحمن الرحيم




في قوله تعـــــــــــــــــالى ( إنا كل شـــــيء خلقناه بقــــــــــــــدر )


قال سفيان : عن زياد بن إسماعيل المخزومي : ثنا محمد بن جعفر , ثنا أبو هريرة , قال : جاء مشركون قريش إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخاصمون في القدر . فنزلت هذه الآية :


إن المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوهم ذقوا مس سقر * إنا كل شيء خلقناه بقدر ) " سورة القمر : 47 ـ 49 " " رواه مسلم "



وقد روي الدار القطني من حديث حبيب بن عمرو الأنصاري , عن أبه , قال : قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين خصماء الله ؟ وهم القدرية ) ولكن حبيب هذا ـ قال الدار القطني ـ : ـ مجهول ـ والحديث مضطرب الإسناد ولا يثبت .



والمخاصمون في القدر نوعان :

1 / من يبطل أمر الله ونهيه بقضائه وقدره , الذين قالوا : قال تعالى : ( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ) " سورة الأنعام : 148 "


2 / من ينكر قضائه وقدره السابق .
والطائفتان خصماء الله .
قال عوف : من كذب بالقدر فقد كذب بالإسلام , إن الله تعالى قدر أقدارا , وخلق الخلق بقدر , وقسم الآجال بقدر , وقسم الأرزاق بقدر , وقسم البلاء بقدر , وقسم العافية بقدر , وأمر ونهى .
قال الإمام أحمد : القدر قدرة الله .
واستحسن ابن عقل هذا الكلام جدا , وقال : هذا يدل على دقة علم أحمد وتبحره في معرفة أصول الدين . وهو كما قال أبو الوفاء , فإن إنكار القدر إنكار لقدرة الرب على خلق أعمال الخلق وكتابتها وتقديرها . وسلف القدرية كانوا ينكرون علمه بها وهم الذين اتفق سلف الأمة على تكفيرهم .
وفي تفسير علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عن ابن عباس في قوله تعالى :

( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) " سورة فاطر : آية 28 "


قال : الذين يقولون : إن الله على كل شيء قدير .
وهذا من فقه ابن عباس وعلمه بالتأويل ومعرفته بحقائق الأسماء والصفات , فإن أكثر أهل الكلام لا يوفون هذه الجملة حقها , ولو كانوا يقرون بها , فمنكرو القدر وخلق أفعال العباد لا يقرون بها على وجهها , ومنكرو أفعال الرب القائمة به لا يقرون بها على وجهها , بل يصرحون أنه لا يقدر على فعل ما يقوم به .
ومن لا يقر بأن الله سبحانه كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء لا يقر بأن الله على كل شيء قدير .
ومن لا يقر بأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء , وأنه سبحانه مقلب القلوب حقيقة , وأنه إن شاء أن يُقيم القلب أقامه , وإن شاء أن يزيغه أزاغه , لا يقر بأن الله على كل شيء قدير .
ومن لا يقر بأنه استوي على عرشه بعد أن خلق السموات والأرض , وأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ويقول : من يسألني فأعطيه , ومن يستغفرني فأغفر له , وأنه نزل إلى الشجرة فكلم موسى ـ عليه السلام ـ كلمة منها , وأنه ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة حين تخلو من سكانها , وأنه يجيء يوم القيامة فيفصل بين عباده , وأنه يتجلى لهم يضحك , وأنه يُريهم نفسه المقدسة , وأنه يضع رجله على النار فيضيق بها أهلها وينزوي بعضهم إلى بعض , إلى غير ذلك من شؤونه وأفعاله التي لم يقر بها لم يقر بأنه على كل شيء قدير .
فيا لها كلمة من حبر الأمة وترجمان القرآن . وقد كان ابن عباس شديدا على القدرية . وكذلك الصحابة .







المرجع / شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل .
تحقيق / خالد عبد اللطيف السبع العلمي .
منقول