مجالس العجمان الرسمي


المجلس العــــــام للمناقشات الجادة والهادفة والطروحـــات العامة والمتنوعة

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 26-04-2015, 11:20 AM
محمود المختار الشنقيطي محمود المختار الشنقيطي غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
المشاركات: 968
معدل تقييم المستوى: 12
محمود المختار الشنقيطي is on a distinguished road
حياة أميرة عثمانية في المنفى"1"

حياة أميرة عثمانية في المنفى"1"
صحيح أن مسلسل (طعام .. صلاة .. حُب)،لم يحقق ذلك النجاح الكبير،أو لم يكسر الأرقام القياسية،إلا أن متعة السياحة في الكتب،وفكرة (تمرير) عدد كبير من الصفحات تحت غطاء (المسلسل)،مما يعني أن (المتصفح)،قد قرأ – في المسلسل الماضي – 38 صفحة!! بطبيعة الحال،هذا إذا كانت الحيلة قد انطلت عليه فقرأ 38 صفحة،تمثل سياحة في 470 صفحة ... ما سبق دفعني – أو دفع بي – إلا السياحة في كتاب آخر،ولكن هذه المرة لن نصحب (المقداد) وهو يجمع مهر (المياسة)،كما لا نكون مع زرقاء العينين،(مطلقة)،بل سنكون مع (موعظة)،ليس بالمعنى المباشر للكلمة.
يستطيع المرء أن يتخيل حياة سليلة الخلفاء العثمانيين،وحياتها المترفة،ثم ينظر – بعين الاعتبار – إلى نمط حياتها بعد ذلك في المنفى.
الكتاب – كما جاء في العنوان – هو (حياة أميرة عثمانية في المنفى)،لمؤلفته كينيزي مراد،وقد نقل الكتاب عن الفرنسية حافظ الجمالي،ونشرته دار طلاس في دمشق،سنة 1990م،في طبعته الأولى.
اهتم كثيرا بالسير الذاتية،وبالرحلات،ويكمن سر ذلك في أنني أعتبرهما (مادة أولية) للتأريخ،فمن يكتب سيرة حياته،أو يسجل رحلته لا يحمل نفس التصورات التي يحملها (كاتب التأريخ)،ومن هنا فإن الأول يخبرك بمشاهداته،أو بمعلومة اطلع عليها بكل بساطة ... وتستطيع أنت – أو من يقرأ التأريخ بعد ذلك – أن يقارن بين معلومة (شاهد العيان)وبين ما كتبه المؤرخ.
قبل أن نبدأ الرحلة،يبدو لي عنوان الكتاب وكأنه يحمل نوعا من (التداخل) – إن صح التعبير – فهو يشير إلى حياة (أميرة). صحيح أن الأميرة المقصودة هي (سلمى) و قبل أن تصبح هي الشخصية الرئيسة،أي قبل أن تتزوج - وهي في لبنان - وتذهب إلى الهند ثم إلى أوربا،كانت هناك أمها (السلطانة خديجة) والتي عاشت المنفى في لبنان،فنحن إذا أمام سيرة (أميرتين) عثمانيتين في المنفى.
يبدو أنني قد عرفتكم – قبل أن نبدأ السياحة – على (سلمى) و(خديجة)،ومع ذلك فلا بأس أن أقول بأن السلطانة خديجة هي بنت السلطان مراد الخامس (خلعه السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1876م)،ابن السلطان عبد المجيد الأول (1839 – 1861)،ابن السلطان محمود الثاني (1808 – 1829) إلى آخر السلسلة الممتدة في تأريخ العثمانيين.
القسم الأول : تركيا
تبدأ القصة من موت السلطان عبد الحميد الثاني،ولكنها تعطي – أيضا – صورة لحياة الأميرتين :
(وصلت،بعد أن أرهقها الجهد إلى الباب الضخم،باب الحرملك،الذي يقوم على حراسته خصيان سودانيان،على رأس كل مهما طربوش فاقع الحمرة. (..) ومن غير أن تنظر إليهما،اجتازت العتبة،ووقفت لحظة أمام المرآة الفينيسية،لتتحقق من حسن ترتيب خصل شعرها الأحمر،وثوبها الحريري الأزرق،ثم لما راقها منظرها،دفعت ستارة البروكار ودخلت إلى الصالة الصغيرة،التي اعتادت أمها أن تبقى فيها بعد الظهر،بعد الحمام.(..) وكانت السلطانة المتمددة على الديوان،تنظر إلى سيدة القهوة الكبيرة،تصب سائلها في فنجان موضوع في كؤيس مطعّم بالزمرد.
وكأنما داخل البنيّة فورة من كبرياء،فتجمدت وأخذت تتأمل أمها وهي في قفطانها الطويل. ومن عادة السلطانة(الأم)،متى ظهرت بين الناس،أن تتقيد بالموضة الغربية،التي أدخلت إلى إستانبول،منذ نهاية القرن التاسع عشر. أما في بيتها،فإنها تؤثر أن تعيش على "الطريقة التركية". ففي هذه الحالة لا نراها تستخدم مشدات البطن،ولا الأكمام المنفوخة،ولا التنورات الضيقة،بل تضع على جسمها الثياب التقليدية،بمتعة ظاهرة،وتتمدد بشكل مريح على الصوفات اللينة التي تُفرش بها صالات القصر الكبرى.
- اقتربي،يا سلمى السلطانة.
بهذه الكلمات تخاطب الأم ابنتها الصغيرة،ذلك أن البلاط العثماني لا يقبل إهمال تقاليده،ويخاطب الآباء أبناءهم،مضيفين إليها {هكذا! : ولعل المقصود يخاطبون أبناءهم بأسمائهم مضيفين ..} كل مالهم من الألقاب،حتى ينشأ الأبناء،منذ أصغر العمر،على تقاليد المرتبة التي يملكونها بحكم مولدهم،ويشعروا بكامل حقوقها وواجباتها. (..) سلمى تقبل بسرعة أصابع الأميرة المعطرة،وتحملها إلى جبهتها،كإشارة احترام،وأخيرا،بلغ بها الهيجان أقصى حدوده،ولم تعد تصبر على حبس الكلام أكثر من ذلك،وهتفت تقول :
أيندجيم { : يا أمي العزيزة المحترمة} إن العم "حميد"قد مات!
وظهر شيء من البريق على العينين الرماديتين – الخضراوين. مما حمل البنيّة على الظن بأن ذلك الألق علامة نشوة،ولكن سرعان ما انطلق صوت شديد البرودة يعيدها إلى النظام،إذ تقول :
- كأنك تشيرين إلى جلالة السلطان عبد الحميد،على ما أظن. فليقبله الله في جناته. لقد كان سلطانا عظيما. ولكن من أين جاءك هذا الخبر الحزين؟
- أهو خبر محزن؟ قالت البنيّة ذلك مندهشة،وهي تنظر إلى أمها. أو محزن موت هذا العم الكبير شديد القسوة،الذي أزاح أخاه عن العرش،أخاه الذي هو جد سلمى،وأشاع أنه مجنون؟
والحقيقة أن مرضعتها كثيرا ما روت لها قصة مراد الخامس،وهو أمير محبب،كريم،ومن المؤسف أن "مراد الخامس"لم يحكم إلا ثلاثة أشهر ... ذلك أن أعصابه الرقيقة هُزّت هزا عنيفا بدسائس البلاط،والاغتيالات التي رافقت وصوله إلى السلطة. فأصيب بانهيار نفسي عميق. لكن الطبيب النمساوي،المختص الكبير لييديرسدروف Liedersdorf كان قد أكد أنه إذا خلد إلى الراحة،فسيبرأ خلال عدة أسابيع. لكن المجموعة التي كانت حوله،لم تحسب أي حساب لهذا الرأي. فخلع مراد،وحبس مع أسرته كلها في قصر تشيراغان.
ولقد عاش السلطان ثمانية وعشرين عاما في هذا الأسر،محاطا باستمرار بجواسيس أخيه الذي كان يخشى تدبير مؤامرة،تهدف إلى إعادته إلى العرش. وكان عمره ستا وثلاثين سنة،عندما دخل سجنه هذا،ولم يخرج منه إلا عندما مات. (..) ومن المستحيل أن تكون الأيندجيم قد شعرت ببعض الأسى،وهي التي بقيت خمسة وعشرين عاما سجينة في قصر تشيراغان،ولن تستطع استعادة حريتها إلا عندما قبلت ذلك الزوج الفظيع،الذي فرضه السلطان عبد الحميد.
فلِم تكذب؟
لكن هذه الفكرة الكافرة نبهت سلمة فجأة،وجعلتها تتخلى عما كانت تعيش فيه من أحلام. إذ كيف استطاعت أن تتخيل للحظة واحدة أن هذه الأم الكاملة إلى هذا الحد،تتدنى بنفسها إلى الكذب؟ إن الكذب أمر يناسب العبيد الذين يخشون العقاب،ولكن هل يناسب سلطانة؟ ومع حيرتها هذه،أجابت أخيرا :
كنت أمر في الحديقة. وسمعت الأغوات يقولون ذلك.
وفي نفس اللحظة ظهر في العتبة خصيّ،سمين بعض الشيء. وعلى يديه قفازان أبيضان،وعلى جسمه ذلك الثوب الأسود الكلاسيكي،ذو الياقة الشبيهة بياقة لباس الضباط،أي ما كان يسمى بالاستانبولين. وبعد أن انحنى أمام سيدته مرات ثلاثا،استوى واقفا،ويداه متصالبتان تواضعا فوق بطنه،ليقول بصوت حاد :
سيدتي السلطانة العظيمة الاحترام ..
فقاطعته الأميرة قائلة : إني أعلم. إذ لقد كانت سلمى أسرع منك. فقل ذلك لأختيّ،الأميرة فهيمة،والأميرة فاطمة،وكذلك أخبر أبناء الإخوة،الأميرين نهاد وفؤاد،أني أنتظرهم هنا هذا المساء.) {ص 14 - 16}.
وحضرت الأميرتان :
(فاطمتها الرقيقة العذبة،التي تلبس ثوبا من التفتا العاجية اللون،يُبرز حسن عينيها السوداوين وكذلك تتأمل فهيمتها المتألقة،التي تبرز قامتها الناعمة من داخل ثوب ذي ذيل،تناثرت عليه صور الفراشات،وكأنما قد أتى به مباشرة من عند أدلر موللر،أحسن خياط في فيينا – أما روائع باريس فإنها لم تعد تصل،مع الأسف،منذ أن خطر ببال الدولة،في آب / أغسطس / عام 1814،ذلك الخاطر بإعلان الحرب على فرنسا.
(..) وفي أعلى السلم كانت السلطانة خديجة قد تقدمت. إنها تبدو أطول من أختيها،ولها مشية منزلقة،شهوانية،مغرية،وعلى شيء كبير من العظمة. ونراها تفرض نفسها على أكثر الناس بعدا. وعندما يتحدثون في الأسرة عن السلطانة،على الرغم من أن الأخوات كلهن سلطانات،فإنهم إنما يتحدثون عنها هي،بصورة مؤكدة. وتجمدت فاطمة،أمام أختها الكبرى،من غير أن تخفي إعجابها،ولكن فهيمة،المستاءة،والتي هي تبعا لمعايير الموضة،الأجمل بين أخواتها،أسرعت فقضت على السحر :
- ما ذا يحدث يا أختي العزيزة حتى تستدعينا بمثل هذه السرعة؟ لقد اضطررت لإلغاء الأمسية التي دعيت إليها لدى سفير النمسا – هنغاريا. تلك الأمسية التي كنا نقدر أنها ستكون مسلية جدا.
- إن الذي يحدث،هو أن عمنا السلطان عبد الحميد،قد قضى نحبه. هكذا قالت السلطانة بلهجة أكثر رسمية من المألوف،لاسيما وأنها لم تقرر بعد السلوك الذي عليها أن تعتمده في هذه المناسبة. واكتفت فهيمة برفع حاجبيها.
لم يكن لموت هذا ... الطاغية،أن يحملني على العدول عن حضور البال (حفلة الرقص). ..) { ص 19 - 20}.
وأسرة السلطانة خديجة تستعد لجنازة السلطان عبد الحميد،انتهت هذه الحلقة،فإلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
س/ محمود المختار الشنقيطي المدني
س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب

 

التوقيع

 

أقول دائما : ((إنما تقوم الحضارات على تدافع الأفكار - مع حفظ مقام"ثوابت الدين" - ففكرة تبين صحة أختها،أو تبين خللا بها .. لا يلغيها ... أو تبين "الفكرة "عوار"الفكرة"))

 
 
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
•.★* "أميرة الإحساس "*الف مبروك "*★.• الغروب مجلس الترحيب والتهاني 25 05-09-2010 11:11 AM
"" الله .. ما أحــلاها من حياة .."" سمو الرووح المجلس الإســــلامي 13 18-04-2007 03:33 PM
وزير الشؤون الدينية التونسي: حجاب المرأة دخيل ونشاز و"لباس طائفي" أبو مسعود المجلس السياسي 7 15-01-2006 01:29 AM
الجانب الإنساني في حياة " محمود شاكر" يرويه ابنه "فهر" ابومحمد الشامري بوح المشاعر 8 30-07-2005 03:41 PM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 06:09 PM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع