حول تطوير ثقافة الطفل وتنشئته الإجتماعيةأدب الطفل كنموذج
مقدمة:إن التغيرات السريعة التي تشهدها المجتمعات المعاصرة يجعل الإهتمام بثقافة الطفل هدفا استراتيجيا وتنمويا. فالأطفال هم مستقبل الأمة وحملة إرثها وهويتها، كما هم حاضرها الذي يعكس درجة تقدمها ومكانتها بين مصاف الأمم.إن الإهتمام بثقافة الطفل لا يعني فقط إحياء الماضي أو استشراف المستقبل، بل لابد أيضا أن ينبع من الحاضر ويتعامل معه. ومن ثم تظهر أهمية وضع تصور متكامل لخطة تربوية تنموية للوصول الى أهداف عليا مشتركة، من شأنها أن ترتقي بواقع الطفل وتخطط لمستقبله وتحي تراثه. لا يختلف اثنان على أن الأمة العربية تعيش مرحلة حاسمة من تاريخها، وهي بحاجة الى ساعد كل فرد فيها، بما في ذلك السواعد الصغيرة. ولا بد من هبة حاسمة جادة للعمل على إحداث تغييرات فعلية في ثقافة الطفل، ومن هنا تأتي أهمية مبادرة وزارة الثقافة والإعلام في إقامة الملتقى الأول للمثقفين السعوديين بهدف وضع تصور استراتيجي شامل وخطة تترجم الى برامج وأنشطة تنفذ على أرض الواقع في كل المجالات الثقافية، بما في ذلك ثقافة الطفل.مفهوم ثقافة الطفل:الحديث عن ثقافة الطفل يطول...بدءا لابد أن نحدد ماذا نقصد بثقافة الطفل؟ هل هو المفهوم الإجتماعي والذي تشير الثقافة فيه الى مجمل جوانب الحياة المادية والمعيارية في مجتمع بعينه؟ أم نستخدم مصطلح الثقافة لنتحدث عن العلم والأدب والفنون وما شابه ذلك؟سأستند الى المفهوم الاجتماعي في هذه الورقة، ومن ثم تصبح قضية تطوير ثقافة الطفل قضية مجتمعية يتحمل المجتمع بكافة قطاعاته ومؤسساته مسؤوليات تجاهها.من المهم أيضا توضيح من هو الطفل؟ هل هو طفل الريف أم المدينة؟ ومتى تبدأ الطفولة ومتى تنتهي؟الطفل هنا هو أي طفل في المملكة، في أي بيئة جغرافية واجتماعية، ذكرا كان أم أنثى. ومرحلة الطفولة تمتد من لحظة الميلاد الى سن الثامنة عشر وفقا لمفهوم الأمم المتحدة.ولأن ثقافة الطفل تصب فيها روافد كثيرة تصبح القضايا متعددة والمشاكل متشعبة، لدرجة تبدو المسألة هلامية لا نعرف من أين نمسك بها ومن أين نبدأ! من الأسرة، المدرسة، أم الإعلام؟ وكيف نبدأ؟ بتدريب المعلمين، أم بتوعية الأسرة، أم بإغلاق أجهزة التلفاز ومراقبة صفحات الإنترنت؟ أم بكل ذلك معا؟ وهو رأي قد يوافق عليه الأغلبية، ولكن كيف نضمن أن تكون الأهداف واضحة ومشتركة لجميع الأطراف التي تتعامل مع الطفل، وأن تكون خطة العمل سائرة باتجاه واحد؟ هذه أسئلة هامة تبحث عن أجوبة واقعية تطبيقية.انطلاقا من المفهوم الشمولي لثقافة الطفل، وللمسؤولية المشتركة بين مؤسسات المجتمع المختلفة، سأتقدم ببعض المقترحات حول آليات تطوير ثقافة الطفل في المجتمع السعودي، مرتكزة بشكل أساسي في ذلك على مناقشة وضع أدب الطفل وأهم التحديات التي تواجهه، باعتبار أن الأدب مرآة المجتمع بما في ذلك أدب الطفل، والذي هو أحد العناصر الأساسية التي تشكل ثقافة الطفل، وفي الوقت ذاته تعكس درجة ونوعية الإهتمام بهذا الأدب مكانة الأطفال في المجتمع وأسلوب تقييمهم.ثقافة الطفل والمجتمع:هنالك جملة من العوامل الاجتماعية والمادية التي تؤثر على استراتيجية ومنهجية التعامل مع الأطفال وثقافتهم، ويدخل في ذلك أدب الأطفال. يمكن تقسيم هذه العوامل كالتالي:العوامل الاجتماعية: وهي عوامل ترتبط بمفهوم الطفولة ومكانة الأطفال في المجتمع وطبيعة علاقة الراشدين بالأطفال والأدوار المعطاة لهم. تنتج العوامل الاجتماعية المؤثرة على في أدب الطفل العربي عدة إشكاليات، منها: إشكالية علاقة الراشد بالطفل -إشكالية المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة- وإشكالية التركيز على الماضي أو المستقبل وتهميش الحاضر. وسنلاحظ أن هذه الإشكاليات تؤثر على أسلوب الكتابة للطفل كما تؤثر على أساليب التربية، وبشكل عام على موقف المجتمع من الأطفال.العوامل المادية: وتشير الى الظروف الواقعية المرتبطة بطبيعة التغير في المجتمع، وبكيفية توظيف الموارد المادية المخصصة لتطوير ثقافة الطفل وفلسفة التغيير وآلياتها، وتوزيع الأدوار والمسؤوليات بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص في ذلك.في مجال أدب الطفل العربي يمكن تصنيف العوامل المادية المؤثرة على الإنتاج الأدبي كالتالي: إشكالية مواصفات الكتاب بين المؤلف والناشر - إشكالية توزيع الكتاب- إشكالية التواصل بين المكتبات العامة والجمهور- إشكالية الكتاب داخل الأسرة والمدرسة- وإشكالية إخراج الكتاب.ويلاحظ أن العوامل المادية تعكس العوامل الاجتماعية وتتداخل معها في كثير من الأحيان.ويمكن تلخيص أهم معوقات تطوير ثقافة الطفل، بما في ذلك أدب الطفل كالتالي:طبيعة علاقة الراشدين بالأطفال ومفاهيم الطفولة السائدة في المجتمع. ولو أخذنا أدب الطفل كمثال، سنجد أن إشكاليات هذا الأدب واخفاقاته جزء كبير منها يرتبط بموقع الأطفال في المجتمع وعلاقة الراشدين بهم. فأدب الطفل العربي غالبا يعبر عن كاتبه وليس عن جمهوره (الأطفال)، ويعكس مشاكل وإشكاليات الراشدين لا الأطفال، بدليل أن جزءا كبيرا مما كتب هو محاولة للمزواجة بين الأصالة والمعاصرة ويركز على الماضي أو المستقبل مع تهميش الحاضر. إن معظم الأعمال الأدبية للأطفال في المجتمع العربي تعبر عن وجهة نظر الراشدين. سواء من حيث الأفكار المتضمنة في العمل، أو من حيث حجم النص، أو المفردات اللغوية المستخدمة، وحتى إخراج العمل الأدبي ونشره وتوزيعه. ولما كان إدراك الطفل، عموما، يتفاوت مع إدراك الراشد، فإنه لا يتوقع من الطفل استيعاب المعاني التي قصد بها الراشد عند كتابة النص الأدبي أو طرح العمل الإبداعي (خليفه 2004).إن العلاقة بين الراشد والطفل تحكمها عدة ظروف، منها اختلاف القدرات الجسدية والعقلية، وحاجة الطفل الى رعاية الراشد. ولذلك فإن التدرج الهرمي في هذه العلاقة يصبح لصالح الراشد وعلى حساب الطفل. ويعامل الأطفال عموما على أنهم متلقيين سلبيين، وناقصين عقليا وإراديا واجتماعيا. كما وينظر إليهم عموما على أنهم امتداد للأسرة بل وملكية لها. تشير بعض الدراسات إلى ظهور هذه العلاقة عند التعامل مع قضايا الطفل العربي بشكل عام، فمثلا تكشف القراءة التحليلية لبحوث حاجات الطفولة العربية الى أن هناك تصور عام للطفل في هذه الدراسات يعيق تحقيق الأهداف التنموية. فالطفل يعامل في هذه البحوث باعتباره طرفا سلبيا متلقيا، يجب تشكيلة من خلال عملية التنشئة المجتمعية التي تقوم الأسرة ثم المدرسة بأدوار بارزة فيها. كما أن دور الراشدين في إشباع حاجات الأطفال تمتزج فيه الشهامة بالإحسان وبفعل الخير، ويغيب اعتبار أن إشباع حاجات الأطفال حقا من حقوقهم، كما هو حقهم في التمتع بطفولتهم وأنها أساس ضروري لإعدادهم لأدوارهم التنموية والمستقبلية (99:1996). إن الراشد هو الوسيط بين الطفل والكتاب. ولذلك تظل علاقة الراشد بالأطفال عامل أساسي في علاقة الأطفال بالنص الأدبي. هذه العلاقة هي غالبا جزء من التركيبة الاجتماعية، فالمكانة الاجتماعية للأطفال من حيث موقعهم في سلم التدرج الاجتماعي، وتصنيف إمكانياتهم وقدراتهم ومن ثم أدوارهم في المجتمع تنعكس في كيفية تعامل الكاتب مع الأطفال من خلال النص الأدبي. وتحتوي كتب الأطفال عموما على تصورات الراشدين لما يفهمه الأطفال، وما يجب أن يفهموه. كما أن الوسيط الراشد له دور في نقل النص الأدبي للأطفال، وبذلك يعتبر هذا النقل أحد المتغيرات التي تؤثر في تفاعل الأطفال مع الكتاب، ليصبح مناسب أو غير مناسب (جعفر: 1992).وتحتل قضية الحفاظ على الهوية مكانة بارزة في تربية النشء، وفي تحميلهم مسؤولية نقل التراث من جيل الى جيل. ولقد انعكست هذه الاشكاليه على أدب الأطفال وثقافتهم، فظهرت محاولة المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة في كثير من الأعمال الأدبية، وجاء غالبيتها ليعكس رؤية الراشدين ويهمش أهمية الظروف المتغيرة التي يعيشها أطفال اليوم (الخطة الشاملة للثقافة العربية: 1986) (محمود: 1995). وترى كثير من الدراسات إن واقعنا الحاضر، بما في ذلك التعامل مع أدب الأطفال، لا يدل على فهم صحيح للتراث ولا للحاضر وبالتالي يحجب إمكانية تصور رؤية واقعية للمستقبل. فهو يعمل على اسر الحاضر وتكبيله، ويعطل نمو أجنحة تنقلنا للمستقبل (علواني، 1995).ومن العوامل الأخرى التي تؤثر على أدب الطفل العربي إشكالية التركيز على الماضي أو المستقبل. إذ يلاحظ ندرة الأعمال الأدبية المقدمة للأطفال في المجتمع العربي والتي تتعامل مع واقع الطفل وتحاور حياته اليومية. كما ويغلب على معظم الكتابات الطابع التلقيني والذي يلغي دور الطفل في التحليل والاستنتاج، وبالتالي يقلص إمكانية غرس التفكير الموضوعي لدى الأطفال، بالرغم من أن العمل على تنمية هذه القدرات قد ظهر كتوصية أساسية انتهت إليها معظم الدراسات والندوات التي تناولت ثقافة الطفل العربي. بالمقابل يلاحظ شيوع الكتابات التي تتناول الماضي أو المستقبل في أدب الطفل العربي. ففكرة تمجيد الماضي تتردد بشكل واسع، ويطرح المستقبل إما ليكون استكمالا للدور الذي بدأته الأجيال السابقة في الماضي، أو أن يكون اقتحام للفضاء في سفن فضائية مشابهة لما تقدمه أفلام الكرتون اليابانية. بين الماضي والمستقبل كثيرا ما تنحسر المساحة المتاحة لحاضر الطفل.غياب وجود هيئة رسمية تشرف على ثقافة الطفل وتتمتع بصلاحيات تخطيطية وتنفيذية. تبرز أهمية هذه الهيئة لإمكانية كونها مظلة للتنسيق بين الجهات المختلفة المسؤولة عن الطفل، وكذلك عن توفير الدعم المادي والمعنوي وحماية وتوجيه وتدريب العاملين في هذا القطاع. وعلى سبيل المثال نجد أن كتاب الطفل يعانون من عدم وجود رابطة تجمع بينهم وتتخذ إجراءات قانونية ورقابية للحفاظ على حقوقهم وعلى مستوى الإنتاج الأدبي والترويج له، وترتبط هذه المعاناة بتناقض مصلحة الكاتب في إنتاج كتاب بمواصفات جيدة على الأقل من الناحية الشكلية وبين المصلحة المادية لدور النشر. إن التقييم الاجتماعي لأدب الطفل والذي يضعه في مكانة أقل من أصناف الأدب الأخرى يؤثر على حركة التأليف والنشر والتوزيع، فمن يكتب للأطفال لا يوازي في مكانته الكتاب الآخرين، وبالتالي فإن الإنفاقٌ والدعم المادي للمؤلفين محدود. و يعتبر غياب المؤسسات والمنظمات المؤهلة أدبيا والقادرة ماديا على تبني الإشراف على التأليف والنشر والتوزيع عائقا أساسيا يحول دون قيام مشاريع أدبية طويلة المدى، ولذلك تظل حركة التأليف في مجال أدب الأطفال تعتمد على مبادرات فردية وقلما تعتمد كحركة أدبية. كما أن عدم وجود رقابة تحفظ حقوق المؤلفين وكاتبي أدب الأطفال أسهم في تعامل كثير من مؤسسات النشر والطباعة مع كتب الأطفال من منطلق تجاري وقد أدى ذلك إلى تدني مستوى المطبوعات وبخس حق المؤلفين. ولما كانت تكاليف طباعة كتب الأطفال مرتفعة نسبيا، إذا ما روعي فيها شروط الكتاب الجيد من حيث الورق والطباعة والألوان و التصميم، فإن تحمل الأفراد لهذه التكاليف، بما فيهم المؤلفين، يطرح مشروع كتابة قصيرة الأمد (جريدة الرياض 1995،: العدد 15254،15253). وفي ظل هذه الظروف يصبح الإنتاج الأدبي على حساب القارئ، ولا ينجح الكتاب بمواصفاته المتواضعة في جذب الأطفال إلى القراءة.وبينما تتقاذف عملية الكتابة للأطفال وقضايا أدب الأطفال تيارات فكرية وثقافية في المجتمع العربي، ويتأرجح إنتاج كتب الأطفال بين الاعتماد على النقل أو الترجمة، والمصالح التجارية، وسيطرة عالم الكبار على الصغار، تتسع الفجوة بيننا وبين العالم المتقدم في مجال أدب الطفل. لقد دخلت بعض كتب الأطفال موسوعة الأرقام القياسية من حيث المبيعات مع بداية القرن الحادي والعشرين وتم تحويلها الى أفلام سينمائية، من بينها كتاب (هاري بوتر Harry Potter)، تأليف رولينج (J.K.Rowling). وكان التلفزيون البريطاني قد أذاع في نشرة أخبار الصباح خبرا ظهر فيه طابور طويل من الأطفال ينتظرون عند باب المكتبة التي لم تفتح بعد، حتى يتمكنوا من شراء الإصدار الجديد من سلسلة هذا الكتاب.لا يزال الأمل كبيرا، أن نمد الجسور بيننا وبين الأطفال وأن يكون الكتاب هو الوسيط. ماضينا زاخر، وحاضرنا ومستقبلنا يمكن له أن يكون امتدادا لذلك الماضي إذا ما توخينا السبل، ويكفينا أن نذكر أن قرطبة كان فيها سبعين مكتبة عامة في القرن التاسع الهجري.تدني دور الإعلام في رفع مستوى الوعي العام بقضايا الطفولة، ومن ذلك القضايا المرتبطة بأدب الطفل وبرامج التشجيع على القراءة والمسرح والتمثيل وغيرها، وضعف الإطلاع على الأدب العالمي للطفل. يتزامن مع ذلك سطوة الإعلام الإستهلاكي واستيراد النسبة الأكبر من برامج الأطفال لاسيما أفلام الكرتون وضعف البرامج المقدمة للأطفال المنتجة محليا واستمرارية تقديم الأطفال كمتلقيين سلبيين ناقصين عقليا وإراديا واجتماعيا. وبالرغم من تزايد فعالية الإعلام عالميا في نقل المعلومات ونشر الثقافات مع الألفية الثالثة، إلا إن الإعلام العربي بشكل عام متهم بأنه يكرس تفريغ مجتمعاتنا من ثوابتها ويمسح الذاكرة الجماعية ويغزو عقول الأطفال والشباب بأحلام يقظة ليغمضوا أعينهم عن الحقيقة، وبذلك تتعمق الفجوة بين الأجيال وبين الدول المتقدمة والدول العربية.تدني حجم ونوعية الخدمات والنشاطات الثقافية المقدمة للأطفال، وتمركزها في أحياء محدودة من المدن مما يعيق استفادة قطاع عريض من أفراد المجتمع من هذه الخدمات، من مظاهر ذلك محدودية مكتبات الأطفال وغياب المسرح والمتاحف لاسيما العلمية. وبينما تنتشر لوحات الإعلان التي تروج للوجبات والسلع الإستهلاكية التي تستهدف الطفل نادرا ما يعلن عن نشاط ثقافي أو مسرحي أو عن كتاب. من العوامل التي تعيق تطور أدب الطفل إشكالية توزيع الكتب، إذ يتم التوزيع بشكل أساسي في المدن الرئيسية حيث تتواجد المكتبات التجارية والمراكز الثقافية. هذا الوضع يحد من إمكانية تداول الكتب بين أطفال الأرياف والمناطق النائية، ولما كان التعامل مع الكتاب يسيطر عليه الحس التجاري فإن فكرة المكتبات المتنقلة لا تلقى اهتماما كبيرا. وتعتبر إصدارات المؤسسات الخاصة هي الأقل توزيعا ولذلك تظل الاستفادة منها متاحة للفئة التي تتعامل مع هذه المؤسسات بشكل مباشر. ويشمل هذا الوضع الدراسات والأبحاث التي تقدم في الندوات والمهرجانات الثقافية (العبد: 1992).ويلاحظ أن من العوامل الأخرى المؤثرة سلبيا على أدب الطفل إشكالية التواصل بين المكتبات العامة والجمهور. فالمكتبات العامة في العالم العربي بشكل عام تؤدي دورا متواضعا في الحركة الثقافية وتبقى فعاليتها محدودة لتخدم فئات قليلة من أفراد المجتمع. أما الوضع بالنسبة لمكتبات الأطفال فهو أكثر قتامة، فمن حيث العدد هي محدودة جدا، وإن وجدت فإن الدور الذي تقوم به غالبا لا يبرح عن كونه امتداد للأسلوب المدرسي التلقيني والذي يهمش الفكر والإبداع. ويبقى هذا الدور خارج إطار الحياة اليومية للفرد العربي ومقحما عليها إلا فيما ندر (السالم: 1997).ويعيق ارتياد الأطفال للمكتبة العامة في مدينة الرياض جملة من الأسباب، مثل كثافة الواجبات الدراسية اليومية، وإنشغال الأسرة والأطفال بنشاطات ترفيهية في عطلة الأسبوع، وكذلك لأسباب تتعلق بالمواصلات نظرا لحاجة الأطفال لتوقيت حضورهم إلى المكتبة بما يتوافق مع ظروف الأسرة، لا سيما وأن الأسرة تعتمد غالبا على سائق خاص في عملية التنقل (Khalifa:2001). يعكس هذا الوضع هامشية تفاعل الجمهور مع المكتبات العامة، فهي تبقى خارج إطار الحياة اليومية للأسرة والأفراد.ضعف أداء المؤسسات التي تتعامل مع ثقافة الطفل وكذلك عدم الإهتمام بتدريب العاملين مع الأطفال في القطاعات المختلفة، بما في ذلك الأدب والمسرح والتلفزيون والصحافة وغيرها من مجالات. ويعكس هذا الوضع هامشية مكانة الأطفال في المجتمع والاعتقاد الخاطئ بأن أي شخص بالغ يمكن له أن يكتب للأطفال أو يعمل في أي من مجالات ثقافة الطفل. ويلاحظ أن ضعف أداء المؤسسات الاجتماعية من أهم معوقات تطوير القراءة عند الأطفال، فعلى سبيل المثال التعامل مع الكتاب والقراءة داخل الأسرة وفي المدرسة له دور في عزوف الأطفال عن القراءة. فبينما يجد التلفزيون جمهورا عريضا، ويمكن للأسرة العربية أن تجتمع أمام شاشته فإنه نادرا ما يتشارك أفراد الأسرة في انتقاء كتب أو قراءتها أو حتى مناقشتها. وتبقى أرفف الكتب، إن وجدت، هامشيه في معظم البيوت (أبو النصر: 1985). ولقد أدى التطور السريع في السنوات الأخيرة في وسائل الاتصال والقنوات الفضائية الى تزايد الإقبال على شراء أجهزة التلفزيون والفيديو وغيرها من أجهزة اتصال حديثة، اذ تعتبر دول الخليج العربي من أكثر الدول استيرادا للأجهزة الإلكترونية في العالم، فتبلغ قيمة مبيعات أجهزة الحاسب الآلي بليون دولار سنويا، وخمسة بليون للأجهزة الأخرى والتي تشكل أجهزة الأطفال نسبة كبيرة منها (المشيقح:1997). ولقد أسهم هذا الوضع في تهميش دور القراءة في الأسرة، كما أنه أبرز خطورة الدور الذي تلعبه وسائل الإتصال في تعريض أفراد المجتمع الى قيم تتنافى مع مبادئ المجتمع العربي الإسلامي.أما في المدرسة فإن الكتاب غالبا هو وسيلة للتلقين لا للتفكير، والقراءة طريق للإتباع لا للإبداع. في دراسة أجريت لاستطلاع آراء مجموعة من طالبات الصفوف العليا في المرحلة الابتدائية في مدينة الرياض، وجد أن 90% من العينة لا يزاولون القراءة كنشاط حر، و5% فقط من العينة يقرءون كتب عربية وهم أطفال أسر تمارس القراءة وسرد الحكايات الشعبية فيها كنشاط أسري. وكانت الفئة الأخيرة والتي أيضا شكلت نسبة 5% تقرا باللغة الإنجليزية، ويرجع ذلك إلى أن بعضا من هؤلاء الأطفال عاشوا فترة من طفولتهم في دول أجنبية ولازالوا يستخدموا هذه اللغة في حياتهم اليومية، كما أنهم أكدوا على أن جاذبية الكتب الأجنبية من حيث المواضيع والطباعة هو عامل آخر يؤثر على ميولهم للقراءة باللغة الإنجليزية (Khalifa:2001). وتلعب حصص القراءة وارتياد مكتبة المدرسة دورا هامشيا في تنمية ميول الأطفال وقدراتهم نحو القراءة وتذوق الأدب بشكل عام. إذ يقتصر استخدام المكتبة في كثير من المدارس على حصص الفراغ وفي حالة تغيب معلمة مادة أساسية، كما ظهر في نتائج الدراسة المذكورة أعلاه و دراسات أخرى (ابو النصر: 1985).آليات تطوير ثقافة الطفل:إن تطوير ثقافة الطفل مسألة معقدة لعدة أسباب، من بينها تعدد مصادر الثقافة وضرورة التزامها جميعا بفلسفة ومنهجية متناسقة، كما سبقت الإشارة الى ذلك. نتناول هنا بعض المقترحات حول آليات تطوير ثقافة الطفل مع الاستشهاد بأدب الطفل لإبراز أهمية آليات التغيير المقترحة:أولا: لا بد أن تكون نقطة الإنطلاق هي العمل على تغيير مفهوم الطفولة ومكانة الأطفال في المجتمع. ويمكن للإعلام بوسائلة المتعددة أن يؤدي دورا خطيرا في هذا المجال بأساليب متنوعة، من ذلك الرسائل الإعلامية القصيرة والمسلسلات التلفزيونية التي تكسر الصورة النمطية للعلاقات الأسرية وتطرح مفاهيم جديدة للأدوار بما في ذلك دور الأطفال، وينطبق ذلك على أدب الطفل والمناهج التعليمية. ولكي يتحقق ذلك يتعين وضع استراتيجية شاملة تترجم الى أهداف قصيرة وبعيدة المدى، وتترافق مع آليات تطبيقية في كافة أجهزة المجتمع ومؤسساته وعلى مستوى الفرد والجماعة.ثانيا: تأسيس هيئة عليا لتطوير ثقافة الطفل، تعمل تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام وتتشكل من المتخصصين في الطفولة تربويا وإعلاميا واقتصاديا وسياسيا، أومن يتم تدريبهم ليتأهلوا للعمل في هذا المجال. على أن تتبنى هذه الهيئة إستراتيجية شمولية للعمل، وتعتمد في ذلك على المبادئ التالية:تحالف وتعاون المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، الأهلية منها والرسمية، في وضع أهداف عليا مشتركة والعمل على تحقيقها.التنسيق والتشبيك بين كافة المؤسسات والوزارات التي تتعامل مع الطفل، على سبيل المثال وزارة التربية والتعليم واللجنة الوطنية السعودية لرعاية الطفولة ووزارة الصحة والشؤون الاجتماعية وأمانات المدن... وغيرها. ومن ثم تصبح هذه الهيئة حلقة وصل بين المؤسسات التي تخدم الطفولة، وكذلك بين الطفل ومؤسسات المجتمع: الأسرة، المدرسة، المكتبة، المتحف، المسرح. وتؤدي دورا في بث الوعي بأهمية الطفولة وبالأدوار المتجددة والمتغيرة التي لابد لهذه المؤسسات أن تمارسها في ظل متغيرات العصر.العمل على إحداث تغيير فعلي وخلق بيئة تنافسية إيجابية تسعى بصدق لإحداث تغييرات نوعية في مسار الروافد المختلفة التي تصب في ثقافة الطفل.تفعيل الخطط والإستراتيجيات العديدة التي تم وضعها نظريا ولم تطبق عمليا، بما في ذلك الإتفاقيات الدولية التي من شأنها أن تحمي الطفل وترعى مصالحة.توثيق العلاقة بين المؤسسات المحلية والمنظمات الدولية للطفولة لتبادل المعرفة والمعلومات وتدريب الكوادر الوطنية للعمل في مجال الطفولة، وكذلك دعم البحث العلمي والدراسة في هذا المجال ومناقشة قضايا ومشكلات الطفولة في المجتمع السعودي.المهام التي يمكن أن تقوم بها الهيئة العليا لتطوير لثقافة الطفل:تقديم الدعم المادي والمعنوي، ومن ذلك دعم أدب الطفل من خلال تشجيع الكتاب والمؤلفين وحمايتهم وحماية الكتاب من خطر التحول الى سلعة استهلاكية. ومن ذلك إيجاد رابطة أو اتحاد لأدباء الأطفال من الكتاب والتربويين المتخصصين تعمل للإرتقاء بأدب الطفل ومواصفات الكتاب واختيار الكتب المناسبة لضمها الى مكتبات المدارس وكذلك اختيار النصوص الجيدة من الأدب العالمي لترجمته وإضافته الى مكتبة الطفل.إعادة صياغة فلسفة الإعلام في المجتمع، لاسيما الإعلام المرئي الموجه للطفل، ليصبح الإعلام وسيلة فعالة للتعبير والإبداع وتأكيد الهوية وبث الثوابت. إن اقتران الثقافة بالإعلام دليل على خطورة الدور الذي يؤديه الإعلام في نشر ثقافة بعينها، والإعلام بحاجة إلى توظيف وسائله المتعددة في إعادة تشكيل مفاهيم الطفولة وموقع الأطفال في المجتمع، و تعزيز صورة الأطفال كمواطنين وطرح فكرة المواطنة كوجهين لعملة واحدة: المسؤولية في مقابل الحقوق. كذلك نشر الوعي بقضايا الطفولة ومشكلاتها وتعزيز أهمية دور الفرد والمؤسسات في حل مشكلات الطفولة، وإعادة صياغة الخطاب الموجه للأطفال ليتناسب مع ظروف العصر ومع قدراتهم العقلية التي طالما استخف بها الخطاب التقليدي. كذلك لابد من العمل على تعزيز الفكر الموضوعي والبحث العلمي عند الأطفال من خلال البرامج والأنشطة الإعلامية التي تعتمد على الخيال العلمي والعمل على تعزيز وتفعيل دور المناهج الدراسية والمتاحف في تأسيس الفكر العلمي عند الأطفال.إنشاء مراكز ثقافية في الأحياء تقدم خدمات ثقافية وتربوية وترفيهية. وتشكل هذه المراكز أماكن تجمع لسكان الحي تتوافق مع ثقافة وعادات المجتمع وتعيد شيئا من دور المجتمع المحلي/الحي والذي كان مهما في المجتمع التقليدي. ومن أهم عناصر المراكز الثقافية مكتبات الأحياء، والتي من شأنها أن تسهم في تشجيع القراءة وإقامة النشاطات والدورات التدريبية وبث الوعي بقضايا الطفل والأسرة. وتشجيع وتيسير السبل لمشاركة سكان الحي في الأنشطة الثقافية كبرامج القراءة للجميع والقراءة للأطفال واكتشاف الموهوبين والنشاط المسرحي وإقامة الندوات والدورات التدريبية. وتصبح هذه المراكز ضرورة أساسية خلال الإجازات والعطل الدراسية.العمل على توزيع الخدمات والفعاليات الثقافية بشكل عادل بين مناطق وفئات المجتمع المختلفة. كذلك تنويع وسائل نشر الثقافة لتشمل المسرح بما في ذلك المسرح المفتوح والمتاحف والمكتبات العامة والمتنقلة والتي يمكن أن تصل إلى المناطق النائية وللفئات المحرومة والمراكز الثقافية والفنية وغير ذلك.العمل على وضع برامج تطبيقية لتطوير أداء المؤسسات المختلفة وتدريب الكوادر للعمل في مجالات ثقافة الطفل المتعددة، كالكتابة والمسرح والفنون التشكيلية والبرامج التلفزيونية وأفلام الكرتون وغيرها.خاتمة:تناولت ورقة العمل أهم العوامل الإجتماعية والمادية المؤثرة على ثقافة الطفل العربي السعودي، مع التركيز على أدب الطفل بإعتباره مرآة لثقافة الأطفال ومكانتهم في المجتمع، وأحد العناصر الأساسية التي تتشكل منها هذه الثقافة. كما طرحت الورقة مقترحات حول آليات تطوير ثقافة الطفل والمباديء التي يمكن الإستناد إليها في التطبيق، كذلك تمت مناقشة المهام المطلوب أخذها في الإعتبار عند العمل على تطوير ثقافة الطفل.و ينتهي الحديث هنا عن ثقافة الطفل وأدبه وآليات التطوير ليؤكد من جديد على كثافة الروافد التي تصب في هذه الثقافة. وتتضح أهمية المنهج الشمولي قي قراءة إشكاليات ثقافة الطفل، وفي تحديد أهداف التطوير واستراتيجيات العمل. وتبرز أهمية إعادة صياغة المفاهيم والعلاقات وتغيير الصور والأساليب النمطية بإعتماد أسلوب الشراكة لا التلقين، بما في ذلك شراكة الأطفال أنفسهم في تجديد الخطاب الموجه لهم.