المصدر : مجلة العصر
* أهم ما يميز اللحظة التاريخية الراهنة، أن الأجنبي الأوروبي والأمريكي يعبث بمصائرنا كما يعبث الطفل بلعبته. فالأجنبي القادم من الولايات المتحدة وأوروبا يعبث بنا هذه الأيام، وأهم ما يشغلنا نحن أبناء الجزيرة العربية، هو كيف نطهر بلادنا من هذه الجرثومة التي تغير عليها.
ثمة حالة من الاستلاب للإرادة العامة في الجزيرة العربية، حيث كلنا يخضع لهذا الأجنبي القادم إلينا بجيوشه وأساطيله وجنوده المرتزقة وأفكاره، التي تحاول أن تقتلعنا من تراب هذه الجزيرة العربية المباركة.
لقد تحولنا إلى ممر لهذه القوات المتحالفة إلى الشرق الأقصى، وأصبح الحلفاء الغربيون يتعاملون معنا كالدخلاء في المنطقة، نحن الدخلاء وهم أصحاب الأرض، هذه القضية ينبغي أن ننتبه إليها، وهم يحاولون اقتلاع اللغة العربية من بلادنا، ويحاولون أن يجعلونا في حالة اغتراب عن لغتنا وعن تراثنا وعن سر القوة فينا.
* إن نظام الأولويات في الجزيرة العربية تعبث به أياد خارجية، فأولوياتنا ينبغي أن نحددها نحن وليس ليز تشيني ابنة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، التي قدمت إلى المنطقة، وفي يدها مجموعة من الفرمانات الصادرة من البيت الأبيض التي هي مكلفة منه بالطواف في العالم العربي والإسلامي، ومعها جدول أعمال تم تحديده لها في البيت الأبيض ولجانه المتخصصة، وتتجول في دول مجلس التعاون الخليجي للحديث عن إلغاء عدد من الآيات الكريمة التي كانت تحفظ للأطفال والصبايا في المدارس حول اليهود ومشكلاتهم معنا، بحجة أن هناك قوانين صدرت في أمريكا تمنع بث الكراهية بين الشعوب.
وتعتقد ليزتشيني أن هذه الآيات تبث الكراهية بين الشعوب، وللأسف شكلت لجان داخل وزارات التربية والتعليم ليس لاستبعاد هذه الآيات التي تتحدث عن اليهود وأدوارهم الدنيئة في تاريخنا، ولكن تطالبنا بأشياء لا تقوى عليها مجتمعاتنا، ومن هنا أنادي بضرورة استقلال الإرادة عندنا.
* يعاني الغرب من مشكلة كبيرة الآن، ولا أدل على ذلك ما جاء في كتاب بوكانن "موت الغرب"، الذي يعرض فيه مشكلة لدى الغرب، حيث يؤكد أن الغرب يفتقد الاستشراف المستقبلي، إذ لا يوجد لدى الغرب الحماس الذي يوجد في الشعوب الإسلامية في موضوع الاستشهاد والدفاع عن الأرض، وأن أوروبا أصبحت لا تنجب أطفالا، وكل الأزواج هناك لا ينظرون إلى الذرية بعين من الأمل، لذلك فالوعاء السكاني في أوروبا بدأ يضمر وبدأت الأجيال تهلك، وليس ثمة تجدد للحياة الأوروبية، هذا في الوقت الذي نلحظ فيه هجرة العرب والمسلمين إلى أوروبا ويتناسلون بشكل طبيعي، مما يعني أن الأمم الغربية تاريخيا وبيولوجيا متسارعة إلى الهلاك، إضافة إلى أن مغامرات أمريكا في العالم أجمع، وهذه الترسانات الضخمة التي تخزنها في كل مكان وهذا الهدر في الخارج، دون أن يرافق ذلك بناء داخلي، سوف يضعف الغرب في المستقبل أمام صعود الشعوب الإسلامية.
ما عدنا نملك قرارنا بأيدينا، إنما القرار الإستراتيجي بيد الأمريكان، وهذا الوضع ينطبق على شريط النفط كله من الكويت حتى مسقط.
* وما حصل في أحداث سبتمبر، فإنه ينطلق من قناعة أصبحت تتضح شيئا فشيئا الآن، بأنه لابد من نقل الصراع من دول الأطراف إلى دول المركز، وإذا كان هناك من نجاح لتنظيم القاعدة، فهو قدرة هذا التنظيم على نقل المعركة من الأطراف إلى المركز، وهذا هو الذي يثير حفيظة ومخاوف دول المركز سواء كانت الولايات المتحدة أو المجموعة الأوروبية.
وبدون مبالغة، فإن عام 2001 أحدث انقلابا فكريا لدى الشعوب الغربية، مهما كانت مؤاخذاتنا على ما حدث في تفجيرات الأبراج، ولكنها أحدثت هزة تاريخية في الفكر الأوروبي والأمريكي، لم يتضح إلا بعد فترة طويلة من الزمن، وأصبح الحلف الأطلسي والمجموعة الأوروبية ينظران إلى الأمة العربية والإسلامية نظرة أخرى غير التي كان ينظر بها قبل أحداث سبتمبر، نظرة فيها الكثير من الندية والكثير من الاحترام والمراقبة المتأنية، مفادها أن هذه شعوب لديها القدرة على المواجهة في المستقبل.