مجالس العجمان الرسمي


مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #21  
قديم 27-05-2005, 01:36 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الوعـد

من خيبـر إلى القدس



تأليف :

مخلص برزق




" وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعُلنَّ علواً كبيرا (4) فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا ( 5 ) ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ( 6 ) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ( 7 ) عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا( 8 ) "





( سورة الإسراء )

فهرست المواضيع

مقدمة
1 قتال اليهود شرف لا يحوزه أي شخص
2 النصر على اليهود وعد إلهي لا يخلف
3 قتال اليهود يجلب الانتعاش الاقتصادي
4 قتال اليهود يدعم قدرات الأمة العسكرية
5 قتال اليهود يجلب النصر على باقي الأعداء
6 لا عبرة بعدد اليهود وعدتهم وعتادهم ووقوف الرأي العام المنافق معهم
7 قتال اليهود يتطلب استنفار كافة طاقات الأمة وفي جميع الظروف
8 قتال اليهود سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم
9 القتال مع اليهود يفتح باباً للشهادة
10 قتال اليهود يتطلب تجرداً وترفعاً عن زخارف الدنيا
11 قتال اليهود يتطلب رجالاً أشداء
12 التعذيب لا يكون إلا لليهود
13 لا تفاوض مع اليهود إلا من منطق القوة
14 اليهود خدم وعبيد لنا وأرضهم للمسلمين
15 ثأرنا من اليهود لا يمكن أن يمحى مع مرور الزمان

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 27-05-2005, 01:40 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الأصولية اليهودية في إسرائيل

عرض/ إبراهيم غرايبة
يقول المؤلفان إن الكتب والدراسات حول الأصولية الإسلامية كثيرة جدا, ولكن القليل جدا خارج إسرائيل يعرف عن الأصولية اليهودية, برغم أنها لا تختلف عن غيرها من الأصوليات في سماتها العلمية والاجتماعية, وبرغم خطورتها ونفوذها في إسرائيل والولايات المتحدة، وقد وصلت خطورتها إلى درجة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين.


غلاف الكتاب
-اسم الكتاب:الأصولية اليهودية في إسرائيل
-المؤلف:إسرائيل شاحاك ونورتون متسفينسكي ترجمة: ناصر عفيفي
-الطبعة: الأولى 2001
-الناشر: روز اليوسف - مصر


والمؤلفان يهوديان أحدهما إسرائيلي وكان يعمل أستاذا في الجامعة العبرية (توفي العام الماضي) والآخر أميركي، ويعتقدان أن الأصولية اليهودية هي أكثر الاتجاهات تأثيرا وخطورة في إسرائيل، وأن هذه القضية تعتبر من أكثر القضايا خطورة في إسرائيل.

والكتاب كما يصفه المؤلفان سياسي تحليلي يشتمل على بعض البحوث الأصيلة لكنه يعتمد إلى حد بعيد على بحوث الآخرين، ويورد الكثير من الاقتباسات الوفيرة من الصحف الإسرائيلية الناطقة بالعبرية، كما يقتبس من النسخة العبرية من التلمود بعض الفقرات التي تتضمن مواقف متطرفة في عنصريتها تجاه الآخرين (الأغيار) أو الغوييم كما يسميهم اليهود، وقد اختار المؤلفان الاقتباس من النسخة العبرية لأن نسخته الإنجليزية لا تحتوي على تلك العبارات المتطرفة.

ويتعامل الكتاب أساسا مع الأصولية الحديثة لكنه يتتبع جذورها في التاريخ، ويعرض مراجعة شاملة موجزة للتاريخ اليهودي، ويبرر المؤلفان منهجهما هذا لأن الأصولية في كل الأديان في رأيهما ترغب في العودة بالمجتمع إلى الأزمنة القديمة الطيبة الخالية من الشرور والآثام الحديثة.

التاريخ اليهودي
يقسم الكتاب التاريخ اليهودي إلى أربعة أقسام رئيسية هي الحقبة البابلية: والتي شهدت كتابة معظم الكتاب المقدس عند اليهود (العهد القديم) واستمرت هذه الفترة حتى القرن الخامس قبل الميلاد.

أما القسم الثاني من ذلك التاريخ فهو حقبة "الهيكل الثاني": وتمتد من القرن الخامس قبل الميلاد وحتى عام 70م, وهي الفترة الرسمية لليهود بكل خصائصها اللاحقة، وشهدت هذه الفترة تكريس مصطلحي "يهود" الذي يشير إلى الشعب الذي يتبع الديانة اليهودية، و"يهودا" الذي يشير إلى الأرض التي سكن فيها اليهود.

كما شهدت هذه الحقبة انغلاق المجتمع اليهودي وانفصال اليهود عن الأمم الأخرى، وفيها أيضا احتل الإسكندر الأكبر فلسطين التي خضعت للنفوذ الهليني ما يقرب من ألف عام، وقد أثرت الفترة الهلينية على اللغة العبرية والمجتمعات اليهودية حتى أن اليهود كانوا يتحدثون ويصلون باللغة اليونانية.

وتبدأ الحقبة الثالثة من عام 70م, ولكن بعض المؤرخين يعتقد أنها تبدأ من عام 135م حينما انتهى آخر تمرد يهودي ضد الإمبراطورية الرومانية، لكن المؤرخين الذين اختلفوا في بدايتها يتفقون على أنه ليس لهذه الفترة نهاية واحدة وإنما تختلف نهايتها من بلد إلى آخر لأنها مرتبطة بنشوء الدول القومية الحديثة، وانتهاء نفوذ الحاخامات على المجتمع الداخلي لليهود وتحولهم إلى مواطنين مدنيين مثل سائر المواطنين، فقد حدث ذلك في الولايات المتحدة وفرنسا في القرن الثامن عشر وتأخر في روسيا إلى عام 1917 وفي اليمن إلى منتصف القرن العشرين، وفي هذه الفترة أيضا تزايدت أهمية الدياسبورا (يهود الشتات) وتناقصت إلى حد التلاشي أهمية يهود فلسطين، وقد ساهم الحكم الذاتي الذي كان يعطى لليهود في نشوء الأصولية الحديثة، ونشأت الفلسفة اليهودية والشعر والعلوم، ويعتقد الكاتبان أن الحقبة (الثالثة) هي الفترة الذهبية لليهود وبخاصة الفترة بين منتصف القرن السادس عشر ومنتصف القرن الثامن عشر.

أما الحقبة الرابعة والأخيرة فهي الفترة المعاصرة القائمة والتي تختلف بداياتها من بلد إلى آخر بالنسبة لليهود.


التمييز العرقي والاضطهاد دفعا اليهود الشرقيين لتنظيم صفوفهم، والتحول إلى قوة سياسية ودينية يحسب لها حساب، لكن محاولات العلمانيين الشرقيين باءت بالفشل في اجتذاب أنصار لمحاولاتهم تشكيل قوة سياسية شرقية


التقسيم الديني والسياسي للأصوليين
ينقسم اليهود من حيث علاقتهم بالدين إلى ثلاثة أقسام: العلمانيون ويشكلون ما بين 25 و30% من اليهود، والتقليديون ويشكلون 50 – 55% من المجتمع، والمتدينون ويشكلون حوالي 20% من السكان، وينقسم المتدينون إلى قسمين: المتطرفون الحريديم (والحريديم هي جمع حريدي وتعني التقي) ويمتاز هؤلاء بارتداء القبعات السوداء غير المشغولة والملابس السوداء، أما القسم الثاني من المتطرفين اليهود فهم المتدينون القوميون، وهم ذوو الطواقي المشغولة.

ويتوزع تأييد الحريديم السياسي على حزبين رئيسيين هما يهدوت هاتوراه (يهودية التوراة وهو حزب الحريديم الأشكناز القادمين من أوروبا الشرقية، أما الحزب الثاني فهو حزب السفارديم (حراس التوراة) الشهير باسم شاس, وهو حزب الحريديم الشرقيين أو السفارديم الذين قدموا إلى فلسطين من الدول العربية.

أما المتدينون القوميون فينتظمهم بشكل أساسي الحزب الديني القومي (المفدال)، وهو الحزب الأنشط في مجال الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية.

صعود الحريديم
أدى النجاح السياسي المدوي للحريديم في انتخابات عام 1988 إلى ظهور هؤلاء باعتبارهم قوة سياسية تأكدت وترسخت في التسعينيات بسبب نجاحاتهم المتواصلة في الانتخابات، ولفت ذلك الانتباه إليهم وبخاصة في الولايات المتحدة، ونشرت عنهم الكثير من الكتب والدراسات باللغة الإنجليزية.
ويتساءل الكاتبان: كيف حصلت الأحزاب الحريدية على نفوذها السياسي؟ وما هو البناء التنظيمي الذي استخدمه الحريديم من أجل تحقيق نجاحهم السياسي؟.


التعليم شكل الركيزة الأساسية لنمو وصعود التيارات الدينية على المسرح السياسي


وهما يعتقدان أن الاهتمام بالتعليم يقدم الإجابة على السؤالين السابقين، فقد سيطر الحريديم مباشرة أو على نحو غير مباشر على شبكات تعليمية كبيرة في إسرائيل، مما مكنهم من الانتقال من الهامش السياسي إلى قلب الحلبة، وتجدر الملاحظة هنا إلى أن الثقل السياسي للحريديم يتركز في اليهود الشرقيين.

فقد كان اليهود المتدينون حتى عام 1948 يعتبرون الصهيونية وهجرة اليهود إلى فلسطين بدعة أشكنازية، ولذلك فإن مؤسسي إسرائيل هم من الأشكناز العلمانيين أو التقليديين، ويلاحظ كذلك أن التدين والفقر والتهميش كانت من السمات الغالبة على اليهود الشرقيين في مرحلة التأسيس، بينما هيمنت العلمانية على الأشكناز الذين شكلوا الطبقة الحاكمة والغنية والمتنفذة في الدولة الناشئة.

وشجع التمييز والإهمال اليهود الشرقيين على إنشاء مدارس دينية خاصة بهم شكلت فيما بعد قاعدة لحزب شاس الذي حصل على دعم مالي كبير استخدم في بناء المدارس، وتمويل المنقطعين للدراسات الدينية، وبناء مجموعات كبيرة من المؤيدين والمتطوعين في العمل السياسي لصالح الحزب، واستطاع شاس أن يكون الحزب السياسي الشرقي الوحيد في الوقت الذي فشلت فيه محاولات العلمانيين الشرقيين في الحصول على تأييد الإسرائيليين.

ويعبر عن اليهود القوميين الأشكناز الحزب الديني القومي، وجماعة غوش إيمونيم الاستيطانية التي حصلت على دعم كبير من وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في حكومة إسحق رابين الأولى (1974- 1977) وتحولت الجماعة الاستيطانية إلى قوة سياسية واستيطانية كبيرة ومؤثرة.


يعتقد الحاخام أفنيري أحد منظري القوميين المتدينين "أن قتل الطفل غير اليهودي الذي يلقي الحجارة على سيارة لليهود هو أمر ضروري لإنقاذ حياة يهودية"


وتقوم فكرة الحزب على تعاليم القبالاة (الصوفية اليهودية) التي تبلورت بين اليهود الأشكناز في القرن السابع عشر الميلادي والتي تتضمن أفكارا مبالغا في عنصريتها تجاه غير اليهود.

ومن أمثلة تلك التعاليم ما كتبه الحاخام غينسبرغ في صحيفة "Jewish week" التي تصدر في نيويورك باللغة الإنجليزية، فقد كتب ذلك الحاخام يقول "إذا كان هناك يهودي يحتاج إلى كبد فهل يمكنك أن تأخذ كبد شخص غير يهودي بريء يمر بالصدفة من أجل إنقاذه؟ إن التوراة تجيز ذلك، فالحياة اليهودية لا تقدر بثمن، إن هناك شيئا أكثر قداسة وتفردا بشأن الحياة اليهودية أكثر من الحياة غير اليهودية".

أما الحاخام أفنيري أحد منظري هذه الحركة فيقول "إن قتل الطفل غير اليهودي الذي يلقي الحجارة على سيارة لليهود هو أمر ضروري لإنقاذ حياة يهودية" وفي مكان آخر من كتابه "ردود الانتفاضة" الذي نشر بالعبرية عام 1990 يقول "إن إنزال عقوبة الموت بالعرب الذين يلقون الحجارة ليس جائزا فقط ولكنه واجب".

وعلى عكس جماعات اليهود الشرقيين المتدينين فإن الحزب القومي الديني وذراعه الاستيطانية غوش إيمونيم يشجعون منتسبيهم على الانخراط في الجيش، وكان ضباطهم وجنودهم الأكثر تميزا في القتال، وأقاموا جامعة بار إلان التي تدرس إضافة إلى التعليم التخصصات الأكاديمية الأخرى.

الاستيطان
تعتبر المستوطنات في الفكر الأصولي قلاعا للأيديولوجية اليهودية، ويمكن أن تكون نواة للمجتمع الإسرائيلي الذي يرغب القادة الأصوليون في بنائه في الضفة الغربية، وتؤيد الغالبية العظمى لأعضاء الكنيست الاحتفاظ بالمستوطنات، ففي أوائل عام 1999 صوت مائة عضو من بين 120 عضوا في الكنيست بمن فيهم أعضاء حزب العمل للاحتفاظ بالمستوطنات، فإذا استثني النواب العرب من العشرين عضوا المعارضين في الكنيست فإن عددا ضئيلا جدا من النواب الإسرائيليين يعارض المستوطنات.

والواقع أن معظم المستوطنين (250 ألفا) يقيمون في القدس, وأما الجزء الباقي (مائة ألف) فإن عشرين ألفا منهم يقيمون في مستوطنتين هما أرييل قرب رام الله وكريات أربع القريبة من الخليل، وينتشر الباقون في مئات المستوطنات بمعدل 100 شخص لكل مستوطنة، فالغالبية العظمى من الإسرائيليين مازالت ترفض العيش في المستوطنات خارج القدس برغم الإنفاق الكبير والتسهيلات التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية. ويعطي المستوطنون (عدا سكان القدس) أصواتهم في الانتخابات للأحزاب الدينية الأصولية.

ويقول الوزير العمالي السابق يوسي بيلين الذي يعد أكثر قادة إسرائيل اعتدالا "إن أسخف اتهام يوجه إلينا هو أننا تخلينا عن المستوطنات والمستوطنين، فقد أجل اتفاق أوسلو عدة شهور من أجل ضمان أن كل المستوطنين لن يلحق بهم ضرر وأنهم سوف يتمتعون بأقصى درجات الأمن، وهذا يعني تقديم استثمار مالي ضخم لهم، والوضع في المستوطنات لم يكن أبدا أفضل مما هو عليه الآن بعد توقيع اتفاق أوسلو".

ورغم هذه التأكيدات من أحد صناع اتفاق أوسلو إلا أن الأصوليين اليهود يعتبرون اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية كارثة حلت بإسرائيل جعلت لزاما عليهم أن يحاربوا بلا رحمة "الكيان الكنعاني الفلسطيني" الجديد، وتحولت معركتهم من صراع سافر مع العلمانيين إلى عمل هادئ صامت لاختراق المؤسسات الإسرائيلية العسكرية والقضائية والتعليمية وإعادة صياغة الدولة وتوجيهها.


تحول باروخ غولدشتاين من جندي عاص للأوامر العسكرية إلى قديس بمجرد ارتكابه مذبحة المصلين في الحرم الإبراهيمي


غولدشتاين نموذجا
يمثل باروخ غولدشتاين نموذجا للتفكير والسلوك الأصولي اليهودي، فهذا اليهودي القادم من الولايات المتحدة اقتحم المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1994 وقتل 29 شخصا من بينهم أطفال أثناء أدائهم صلاة الفجر.

وكان غولدشتاين طبيبا في الجيش الإسرائيلي، وقد رفض مرات عدة معالجة العرب حتى الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وقد فشلت محاولات محاكمته لرفضه الأوامر العسكرية مرات كثيرة, وبعد خلاف كبير مع المسؤول الطبي للجيش نقل للعمل في مستوطنة كريات أربع برغم أن سلوكه يعد تمردا وخيانة.

وكان رغم عصيانه مرشحا للحصول على ترقية شرف من كابتن إلى ميجور، وكان مفترضا أن يمنحه رئيس إسرائيل الترقية في 14 أبريل/ نيسان 1994، ذكرى قيام إسرائيل، لكنه قتل بعد تنفيذه المذبحة على يد المصلين الذين اندفعوا لمنعه من مواصلة جريمته.

ولم تعتذر الحكومة الإسرائيلية عن المذبحة، وجرى تبرير وقح لما قام به غولدشتاين مثل أنه تعرض لضغوط لا تحتمل وأن المسؤول عن المذبحة هم العرب!!.

وقد رتبت جنازته بعناية فائقة لم يكن فيها إنكار للمذبحة، وغطيت جدران كثير من الأحياء بالملصقات التي تمجد غولدشتاين وتأسف لأنه لم يقتل المزيد من العرب، وكان الأطفال يرتدون قمصانا كتب عليها "غولدشتاين شفى أوجاع إسرائيل" وتحولت الكثير من الحفلات الموسيقية الدينية والمناسبات الأخرى إلى تظاهرة لتحية غولدشتاين, وسجلت الصحف العبرية هذه الاحتفالات بتفصيل ممل. وأعلن الكثير من المستوطنين والأعضاء في الحركات الأصولية تأييدهم لما فعله غولدشتاين في مقابلات صحفية وتلفزيونية, وأثنوا عليه كشهيد ورجل قديس. وقام الجيش بتوفير حرس شرف لقبره، وأصبح القبر مكانا يحج إليه الإسرائيليون من كل مكان.



المصدر: الجزيرة

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 27-05-2005, 02:05 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

من هو اليهودي..؟ قراءة في كتاب المؤرخ اليهودي البولوني إيزاك دويتشر ـــ نصر الدين البحرة

بين الأعمال التي تركها الكاتب السوري الراحل نجاة قصاب حسن، كتاب أهداني نسخة منه عنوانه "من هو اليهودي". وقد كتب على غلاف هذا الكتاب الذي ترجمه عن الفرنسية أن مؤلفه هو اليهودي "الماركسي" اسحق دويتشر. وكنت أعرف أن هذا الكاتب هو يهودي بولوني كان عضواً في الحزب الشيوعي البولوني بين سنتي 1927 و1932، ذاك أنه طرد من الحزب بعد خمس سنوات.‏

وقد عرفت دويتشر في الأصل "1907-1967" من خلال كتابه المشهور الذي ترجم إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة بينها العربية بعنوان: "ستالين. سيرة سياسية" ويذكر الأستاذ قصاب حسن في المقدمة التي وضعها للكتاب أنه "مختارات مما كتبه دويتشر نشرتها بعد وفاته قريبة له هي تمارا دويتشر" ويوضح أن ما دفعه إلى ترجمة هذا الكتاب أنه "يحمل وجهة نظر في القضية اليهودية، مهما يكن موقفنا منها فإنها جديرة بأن تقرأ" وذلك من أجل "إطلاع القارئ العربي على وجهة نظر في القضية اليهودية، كتبها يهودي معاصر، لا هو صهيوني، ولا هو نجا من الانحياز للحركة الصهيونية في بعض المواقف".‏

وعلى الرغم من صعوبة التمييز عندي بين اليهودي المؤمن بالتوراة والتلمود، وبين الصهيوني وعلى الرغم من قناعتي بأن الشخص لا يمكن أن يكون صهيونياً في بعض المواقف ولا صهيونياً في مواقف أخرى، فهو صهيوني أو غير صهيوني فحسب، فإنني أود أن أتساءل من جانب آخر هل في المستطاع أن يكون المرء ماركسياً ويهودياً، وصهيونياً في بعض المواقف؟ ذاك هو مضمون السؤال الذي نهض في نفسي، وأنا أقلب صفحات هذا الكتاب.‏

ضوء.. من طفولة دويتشر‏

لا بأس، على كل حال في أن ننظر قليلاً في طفولة دويتشر، في مقتطف آخر من مقدمة الكتاب، فهو "من الجيل المخضرم الذي عرف في صغره تربية دينية كانت تؤهله ليكون رجل دين، ربانياً "حاخاماً" للمؤمنين بالمذهب الحّيدي من اليهود، ثم انتقل من هذا الموقف إلى موقف ملحد يستطيع الحديث عن اليهودية بأقل ما يمكن من التأثر بتقاليدها الراسخة. وكان في حدوده ومقاييسه واحداً من أولئك اليهود اللايهود، الذين وصفهم هو نفسه، بأنهم وقفوا على مصلّبة الحضارات والثقافات واللغات والأديان، ونالوا شهرتهم لهذا السبب بالذات." وهو يعني بالطبع أمثال سبينوزا، وهايني وفرويد وتروتسكي وروزا الوكسمبورغ.‏

لننظر إذاً، في شأن هذا اليهودي "الماركسي" أولاً، واليهودي -اللايهودي ثانياً، واليهودي المنحاز في بعض المواقف إلى جانب الصهيونية ثالثاً، واليهودي الواقف على مصلّبة - أو: تقاطع الحضارات والثقافات والأديان واللغات رابعاً.‏

شاعر يستوحي تاريخ اليهود‏

لقد بدأ دويتشر فعاليته الثقافية بكتابة الشعر، كما تقول تمارا دويتشر كاتبة سيرته وكان في هذه الأشعار- يقدم في صياغة جميلة مستعارة من تاريخ اليهود "وكان يمزج الرومانسية البولونية بالفولكلور الشاعري اليهودي، ليقيم جسراً يصل بين الثقافة البولونية وبين ثقافة اليديش" واليديش هي لغة يهود شرق أوروبا- ويتكلم بها بعض يهود الولايات المتحدة، وبينهم ايزاك- اسحق باشيفيز سنجر الذي نال جائزة نوبل عام 1978، وهي خليط من العبرية والألمانية القديمة -وبعض المفردات السلافية ومفردات محلية أخرى- ثم هجر الشعر وانصرف إلى النقد الأدبي ودراسة الفلسفة والاقتصاد. وبعد أربع سنوات من انتسابه للحزب الشيوعي البولوني عام 1927، قام برحلة كبيرة إلى الاتحاد السوفييتي، في الوقت الذي كانت فيه الدولة الوليد تعاني من صعوبات كثيرة.. بعد الحرب الأهلية الضارية التي عاشتها.‏

في هذه الأثناء بدأ التعارض بين أفكار دويتشر وبين ما يقول به الشيوعيون في بلاده، وأدى ذلك إلى طرده من حزبهم عام 1932.‏

وبعد سنوات قليلة سافر إلى لندن مراسلاً لصحيفة يهودية بولونية، كان يعمل فيها مصححاً قبل أربعة عشر عاماً من مغادرته وارسو في نيسان 1939.‏

وبدأت رحلته الطويلة، مع الكتابة والتجوال في البلدان الأوروبية حتى توفي في روما عام‏

1967.‏

ما الذي يصنع اليهودي‏

لا يرى دويتشر في حديثه عمن هو اليهودي شيئاً مشتركاً بينه وبين يهود الـ "مياشاريم" مثلاً، أو بينه وبين أي جماعة أخرى من القوميين الإسرائيليين، لكنه يتعاطف مع اليسار الماركسي في إسرائيل" وفي الآن ذاته يرفض أن يكون "العِرْق" هو ما يصنع اليهودي، فما الذي يصنعه إذاً؟! يستطرد قائلاً:‏

"الدين؟ أنا ملحد. القومية اليهودية؟ أنا مؤمن بالأممية، ولذلك فأنا لست يهودياً في أي من المعنيين. ومع ذلك فأنا يهودي بفعل تضامني غير المشروط مع الناس الذين يطاردون ويبادون. أنا يهودي لأنني أحس أن الفاجعة اليهودية هي فاجعتي الشخصية، لأنني أحس تحت أصابعي نبض التاريخ اليهودي، لأنني أريد أن أصنع كل ما في وسعي لأوفر لليهود أماناً واحتراماً للذات أصيلين لا مزيفين".‏

هذا إذاً، هو اعتراف مبدئي، نلاحظه بادئ ذي بدء.. لدى دويتشر.. على أن دويتشر، في دفاعه عن اليهودي "اليهودي" يمضي أبعد من هذا، فيدافع عن جريمة قتل يهودية بدافع ديني، تشبه تماماً الجريمة اليهودية التي وقعت في دمشق، وكان ضحيتها الراهب المسيحي توما الكبوشي "لمزج دمه بخبز الفصح" عام 1840.‏

الجريمة التي يشير إليها دويتشر، وقعت عام 1912، ودارت حولها في "كييف" بأوكرانيا محاكمة، عرفت الجريمة فيها باسم "بايليس" ويوضح أن موضوعها كان جريمة قتل بدافع ديني" إنه يكتفي في تعليقه على هذه الجريمة بكلمتي: "قيل" و"اتُّهم": "قيل إن يهودياً هو بابليس اتهم بقتل طفل مسيحي ليمزج دمه بخبز الفصح"‏

دفاعاً عن قاتل طفل‏

ويمضي دويتشر وهو يصف المجرم بأنه ضحية قائلاً: "وانقض على الضحية رجال "المئة السود" وهم جماعات من الرجعيين والشاذين، وانقض معهم الروم الأرثوذكس الذين أثارتهم القيصيرية" ثم ينتهي إلى الحديث عن "اللاسامية" في روسيا، مقارناً بينها وبين اللاسامية في أوروبا، من خلال مسألة اليهودي الفرنسي "دريفوس" الذي اتهم بالخيانة العظمى، والاتصال بالعدو الألماني، وهو ضابط في الجيش الفرنسي عام1898.‏

ومع أن دويتشر يستطيع التمييز جيداً بين أوروبا والأمم الأوروبية وبين النظام النازي في ألمانيا، فإنه يحمّل أوروبا مسؤولية ما فعله هتلر باليهود -ساخراً من الأمم الأوروبية "المتمدنة" التي لم يخطر ببال "اليهود غير المؤمنين" أنها "يمكن أن تنحط في القرن العشرين إلى هاوية من البربرية، عميقة إلى حد يجعل كلمة التضامن الإنساني- ترن في الآذان اليهودية كشتيمة وسخرية".‏

ويردد دويتشر الأكذوبة نفسها التي حوكم المفكر الفرنسي روجيه غارودي لأنه دحضها وفنّدها، عنيت أكذوبة "الملايين الستة" من يهود أوروبا الذين يقول إنهم ذبحوا على يد النازيين. ولست أرمي بالطبع إلى نفي الوقائع التي قتل في أثنائها هؤلاء الناس -فأنا أريد أن أشير فحسب إلى المبالغة في تعداد الضحايا.. فهم في حدود مليوني إنسان، كما يقدر بعض مؤرخي اليهود أنفسهم، مما ذكره غارودي في دفوعه.‏

كأن اليهودي ترك حرفته التاريخية‏

إن دويتشر في حماسته في الدفاع عن "اليهود لا يتوقف عند شتم الأوروبيين الذين "لم يترك مصير اليهود الأوروبيين إلا القليل من الأثر" عليهم، بل يعود إلى النغمة القديمة في حكاية اليهودي "فما هو فاجع أكثر من غيره في الوضع اليهودي هو أن الجماهير في أوروبا تعودت، نتيجة تطور تاريخي طويل، على أن تنظر إلى اليهودي من جهة، وإلى التجارة والمضاربة والربا والربح من جهة أخرى، على أنهم شيء واحد" كأن اليهودي في أوروبا خاصة توقف عن ممارسة حرفته التاريخية في التجارة والمضاربة والربا والربح!‏

وفي تضليل فكري واضح Demagogy يبرر أولاً انعزالية اليهود الأوروبيين الذين "بقوا كجماعة منفصلة، أي كونهم يمثلون اقتصاداً تجارياً في وسط أناس يعيشون في نطاق اقتصاد طبيعي" ويأسف -نيابة عن اليهود- لأنْ "تكون الأمم الأوروبية وهي تتخذ موقفاً ضد الرأسمالية، لم تفعل ذلك إلا بصورة بالغة السطحية خاصة في النصف الأول من هذا القرن".‏

ويتابع هذا الخط التضليلي حين يرى أن الأمم الأوروبية -وليست طبقات معنية منها- "لم تهاجم ما يشكل نواة الرأسمالية، أي علاقات الإنتاج ونظام الملكية والعمل وإنما هاجمت مظهرها الخارجي والعتيق جداً، وكان يهودياً في الواقع والغالب، ههنا عقدة الفاجعة اليهودية".‏

ويدافع عن إقامة الكيان الصهيوني‏

لقد لاحظه دويتشر نفسه تناقضه وذاته فيما هو يحاول الفصل بين اليهود الرأسماليين، وبين نواة الرأسمالية، فإذا هو يعتمد التضليل من جديد، ويستعير من علم النفس مفهوم "العقدة" ليبرر به هذا التناقض: عقدة الفاجعة اليهودية ودون أي ترابط موضوعي بين ما تقدم، وبين النتيجة العجيبة التي انتهى إليها، يقول: "كل هذا قاد اليهود إلى أن يروا في إيجاد دولتهم الخاصة بهم المخرج الوحيد المحتمل".‏

إذاً، فإنه يدافع أيضاً عن قيام الكيان الصهيوني في فلسطين، دون أن يذكر كلمة واحدة "كماركسي.. على الأقل" عن الصهيونية وارتباطها بالرأسمال العالمي عامة واليهودي -الصهيوني خاصة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.‏

وفي هذا السياق يندفع نحو الوقوع في تناقض آخر. إنه يشيد بالعدمية القومية "في عصر تصغّر فيه الطاقة الذرية مقاييس العالم بصورة مستمرة، وبدأ العالم فيه رحلته بين الكواكب، ويكفي فيه دقيقة على الأكثر، بل بضع ثوانٍ على الأكثر، ليمر قمر صناعي فوق بلاد واسعة، أليس واضحاً أن التكنولوجيا في مثل هذا العصر تجعل وجود الدولة- الأمة مضحكة وشيئاً بالي الطراز- كما كان شأن الإمارات الصغيرة الأوروبية في القرون الوسطى في عهد الآلة البخارية" ويرى أن الدولة الناشئة -بعد تحررها من الاستعمار- تشكل "مرحلة" لا غنى عنها في تاريخ بعض الشعوب، ولكنها مرحلة، وعلى هذه الشعوب أن تتجاوزها لتعطي لوجودها إطاراً أوسع مع ذلك فإن شأن دولة إسرائيل مختلف في هذا المجال. لماذا؟‏

"لأن العالم أجبر اليهودي على اعتناق مبدأ الدولة -الأمة، وأن يجعلها أمله وفخره، في الوقت عينه الذي لم يعد يجد فيه أبداً، أو تقريباً بذرة الأمل، وليس اليهود هم الذين يجب أن يلاموا على ذلك، ولكن العالم هو الذي يجب أن يحمل الملامة".‏

.. بماذا يختلف حديث اسحق دويتشر هذا عما كان يقوله بن غوريون أو غولدا مئير أو مناحيم بيغن.. أو هرتزل نفسه؟‏

سبينوزا: اليهود استجروا كراهيتهم‏

ويستشهد دويتشر بكلمة لا لبس فيها ولا غموض ذكرها الفيلسوف اليهودي الهولاندي سبينوزا -باروخ (1632-1677) إذ قال متحدثاً عن اليهود "إنهم قد استجروا كراهية العالم بأسره، بانفصالهم عن جميع الشعوب الأخرى". ثم لا يجد حرجاً في العودة إلى التأكيد مرة أخرى أنه "لو لم تكن اللاسامية قد ظهرت راسخة الجذور -شديدة الاستمرار- عظيمة القوة في الحضارة المسيحية في أوروبا، لما كان اليهود قد ظلوا موجودين كجماعة متميزة، ولكانوا ذابوا في غيرهم تماماً".‏

إن أكثر من ثلاثة قرون تفصل بين ما قاله سبينوزا، مؤكداً مسؤولية اليهود أنفسهم عن "انفصالهم عن جميع الشعوب الأخرى" وبين ما يقوله دويتشر عاكساً به الواقع تماماً.. فإذا كان في القرن السابع عشر "لاسامية" ضد اليهود، فلماذا اعتبر سبينوزا أنهم هم المسؤولون عن الانفصال إن لم يكونوا هم بالفعل المسؤولين عن ذلك؟ وفي هذه الحال يبقى كلام دويتشر مغالطة.. ودون معنى..‏

ثم يصل إلى ماركس‏

ومع أن موقف كارل ماركس كان واضحاً من اليهود.. وخاصة في كتابه "المسألة اليهودية إذ رأى أن إله اليهودي الحقيقي هو المال، فإن دويتشر -ما دام يرى أنه ماركسي- يلجأ إلى نوع من المداهنة والتضليل والتلاعب بالحقائق، أكثر منه تلاعباً بالكلمات، فهو يكتب "أن ما جعل ماركس يقول إن إله اليهود الحقيقي هو المال ليس روحاً شريرة من "المسحوماد"، فلا ينبغي أن نرى في هذه الجملة إدانة معنوية لليهودي، وإنما هي تأكيد مؤسس على الوقائع، يتناول وظيفته الخاصة في المجتمع المسيحي. وكان ماركس يعلن بعد ذلك أن المجتمع المسيحي، بمقدار ما كان يصبح رأسمالياً أكثر فأكثر، فهو يصبح يهودياً أكثر فأكثر".‏

ألا يبدو التناقض بيّناً أكيداً في كلام دويتشر؟ إن ماركس لم يربط بين اليهودي وبين عبادته المال فحسب- بل توقف ملياً عندما يمكن أن نسميه: مسألة الممارسة وهذا ما عناه عندما قال: "يجب ألا نبحث عن سر اليهودي في دينه، بل.. عن سر الدين في اليهودي الواقعي".‏

حتى الهرطيقي اليهودي: يهودي‏

ويقدم دويتشر برهاناً مدهشاً، على احتفاظ اليهودي بيهوديته في مختلف الأحوال الفكرية التي يمكن أن يمر بها، حتى "الهرطيقي" اليهودي الذي يجدف، ويظهر أنه حاد عن سبيل الديانة اليهودية.. يظل يهودياً، فهو يقول:‏

"إن الهرطيقي اليهودي الذي يجاوز اليهودية جزء من تقليد يهودي. يمكن إذا أردتم أن تعتبروا الـ "آخر" كنموذج لهؤلاء الثوريين الكبار في الفكر الحديث: سبينوزا وهايني وماركس وروزا لوكسمبورغ وتروتسكي وفرويد. ويمكن لمن يشاء أن يضع هؤلاء الآخرين في قلب تقليد يهودي".‏

وبعد أن يتساءل إن كان الأثر الذي تركوه في الفكر الإنساني بسبب "عبقريتهم اليهودية الخاصة" ينفي اعتقاده "بذكاء ينفرد به عرق مهما كان" ثم يستطرد قائلاً: "ومع ذلك فإنني أرى من بعض وجهات النظر أنهم كانوا بالفعل يهوداً جداً" فما هو بعض وجهات النظر هذه؟!‏

يواصل دويتشر حديثه عن هؤلاء الرجال قائلاً: "لقد عاشوا على الحدود أو في الأحياء اليهودية "الغيتو" في قومية كل منهم. وكان كل واحد منهم، في الآن نفسه، ضمن محيطه وخارجه، عضواً في وسطه، وغريباً عنه"‏

حديث عن سبينوزا وأجداده‏

ولست أدري تماماً، ما إذا كان حديثه هذا عن عقدة اغتراب اليهودي التاريخية Alienation، قد جاء عفوياً أو مقصوداً، إلا أنه بعد سطور قليلة، يكرس واحداً من أولئك اليهود "غير اليهود" يهودياً خالصاً، هو سبينوزا كما جاء في شهادة مؤرخ انكليزي بروتستانتي كتب سيرة سبينوزا فقد قال: "لا يمكن إلا ليهودي أن يثير في فلسفة زمانه مثل هذه الزعزعة" إذاً، فإن عبقريته الفلسفية ترجع إلى كونه يهودياً قبل أي اعتبار آخر، كما يرى دويتشر.‏

وربما كان في حديثه عن الازدواجية الدينية التي عاشها أجداد سبينوزا، ما يساعدنا في إلقاء ضوء آخر على نفسية اليهودي، يقول دويتشر:‏

"كان أجداده -سبينوزا- قبل وصولهم إلى البلاد الواطئة، من "المرّان" وهم يهود متخفون، يهود القلب، ومسيحيون في الظاهر، كالكثير من أبناء دينهم الاسبانيين الذين فرض عهد التفتيش عليهم المعمودية. وما إن أقاموا في هولاندا حتى عادوا إلى اليهودية.‏

ويستعرض دويتشر سمات عامة مشتركة بين أولئك المفكرين اليهود "غير اليهود" كإيمانهم بالحتمية فقد كانوا "جميعهم يؤكدون أن العالم تقوده قوانينه النابعة منه. ولم يكونوا يرون في الواقع مجرد تشابك من الحوادث. ولم يعتقدوا أن التاريخ تصنعه أهواء الحكام ونزواتهم" ففرويد على سبيل المثال يقول: "ليس هناك شيء عارض في أحلامنا وشطحات جنوننا" الخ..‏

من هذه السمات أيضاً أن أولئك المفكرين كانت "طريقتهم في التفكير جدلية Dialectical وبدت لهم الحقيقة متحركة لا ساكنة" وكانوا يؤمنون "أن المعرفة لكي تكون واقعية فيجب أن تكون فعالة" ومن هنا استنتج دويتشر قاسماً مشتركاً بين سبينوزا وماركس، هو محصلة الأطروحة السابقة:‏

عقدة دويتشر اليهودية‏

"كان سبينوزا هو الذي قال: أن تكون معناه أن تعمل. وأن تعلم معناه أن تعمل. وليس هناك سوى خطوة واحدة بين هذا القول وجملة ماركس التي تقول: حتى الآن فسّر الفلاسفة العالم. ومنذ الآن يتعين عليهم أن يغيروه".‏

بعد كل هذا تلح على دويتشر عقدته اليهودية، وهي أشبه بداء "الجرب" الذي يدفع المصاب به إلى أن يحك جلده بين وقت وآخر، فإذا هو ينعى على أولئك المفكرين اليهود غير المؤمنين كما يصفهم تفاؤلهم الذي منعهم من تخيل ما تخبئه الأيام ليهود أوروبا. يقول دويتشر:‏

"كانوا متفائلين في جوهرهم. ولقد بلغ تفاؤلهم ذرى ليس من السهل علينا أن نرتقيها في الوقت الحاضر. فلم يكن يخطر لهم أن أوروبا "المتمدنة" يمكن أن تنحط في القرن العشرين إلى هاوية من البربرية عميقة إلى حد يجعل كلمة التضامن الإنساني في الآذان اليهودية كشتيمة" هايني وحده استطاع بحدس الشاعر -يقصد دويتشر الذهنية التنبئية اليهودية- أن يتنبأ بالكارثة "عندما حذر أوروبا من عودة قوة الآلهة الجرمانيين القدامى التي كانت تنبعث" وكانوا يضحكون مما يقول "عندما كان يصرّح مستنكراً أن مصير اليهودي المعاصر فوق كل تعبير، وفوق كل فهم".‏

حين يتعلق الأمر باليهود‏

بلى.. إن دويتشر الذي يزعم أنه ماركسي، لا يستطيع أن يميز بين السلطة الطبقية الحاكمة في ألمانيا النازية- وليست أوروبا كلها كما يزعم- وبين الجماهير الكادحة المذلة المهانة، المضطهدة، المسحوقة، والتي سحقتها النازية أيضاً حين يتعلق الأمر باليهود.‏

وينتقل دويتشر إلى دفاع مباشر عن الصهيونية، مميطاً اللثام عن وجهه، يهودياً وصهيونياً في الآن ذاته، ففي حديثه عن الصهيونية بعد ثورة أكتوبر 1917 في روسيا يعترف بأن "الحركة الصهيونية كانت تدير ظهرها للثورة، أو تحاول في أحسن الأحوال أن تتجاهل الثورة، غير أنه لم يكن في هذا موضوعياً، ما يدين الصهيونية كمذهب خطر وضار. وكان القول بأن الصهيونية تهدد الثورة الروسية بالخطر، قولاً خاطئاً ومضحكاً، بالنظر إلى ما تتصف به جميع التنظيمات اليهودية في روسيا من عجز كامل.‏

لقد كتب دويتشر هذا الكلام قبل أكثر من ثلث قرن، من انهيار الدولة السوفييتية، فهل في الكرة الأرضية كلها، من يجادل اليوم في الدور الذي لعبته المعاول اليهودية والصهيونية في تحطيم وتدمير هذه الدولة؟‏

لماذا هاجم الستالينية‏

ولم يهاجم دويتشر الستالينية لممارستها القمعية في الاتحاد السوفييتي، بل لأنها لم تكن متعاطفة مع اليهود.. فهو يقول "وفي هذه الفترة بدأت في الاتحاد السوفييتي، في فترة إبعاد تروتسكي- اليهودي الآخر- عن الحزب والقيادة تلميحات عن "الأخلاط مقطوعي الجذور. وكانت الازدواجية تتجلى في أن أحداً لم يلفظ أبداً كلمة "يهودي" ولكن الناس كانوا يفهمون تماماً، من هم هؤلاء: الأخلاط مقطوعو الجذور".‏

.. مع ذلك فإنه اضطر إلى الاعتراف بالدور التخريبي الذي لعبه اليهود في الدولة الجديدة "ففي المدينة كانوا يطاردون على أنهم "أخلاط بلا جذور" يعارضون تقدم الاشتراكية في روسيا. وفي الريف كانوا محل بغضاء الفلاحين الذين يرون في اليهودي البلشفي كاغانوفيتش المسؤول الرئيسي" الذي أدار حملة فرض المزارع الجماعية بالقوة.‏

ويستطرد إلى الحديث عن كراهية الروس لليهود العاملين في التجارة قائلاً "فاليهود من صاحب الدكان الصغير إلى المحتكر والمتعيّش، كانوا يطفون دائماً على أمواج التقلبات الكبرى. وكل منهم يجتذب إلى نفسه النفور العميق من جانب الأهلين الروس" ثم ما يلبث دويتشر أن يفسر أسباب نفور الأهلين الروس من اليهود، في الوقت الذي يريد فيه تبرير سلوكهم التجاري، وما فيه من جشع وتكالب على المال. ذلك أن اليهود الروس بادروا إلى الإسراع في الابتعاد عن المدن الروسية متجهين نحو الشرق خلال الحرب العالمية الثانية وهناك لم يمنعهم شيء من العودة إلى أصولهم في التجارة والاحتكار والابتزاز. يقول دويتشر:‏

"والمليونان والنصف من اليهود الذين رحلوا إلى كازاكستان وأوزبكستان وجمهوريات آسيا الوسطى وهم مفعمون رعباً، ويائسون، ارتموا في وسط لا يعرفونه، وبذلك وجدوا أنفسهم يُقتلعون من جذورهم مرة جديدة. وحين أُجبروا -هم أجبروا أنفسهم- على أن يعيشوا في منطقة تسود فيها مجاعة وفقر لا يصدقان، عادوا فأظهروا كفاءتهم في السوق السوداء، وتحولوا إلى متعيشة.‏

ويبرر سلوكهم .. اللاأخلاقي‏

ويمعن دويتشر في تبرير سلوك هؤلاء اليهود اللاأخلاقي، في أثناء الأزمات الطاحنة التي عاشها الاتحاد السوفييتي، إبان الحرب العالمية الثانية، واستغلال احتيازهم القدرات المالية، للتلاعب بالمواد الغذائية الأساسية واحتكارها وبيعها بأسعار فاحشة فيرى "أن من الظلم أن نلوم هؤلاء اليهود اللاجئين الذين لم يكونوا مزارعين ولا فلاحين، وبالتالي، فهم عاجزون عن أن ينتزعوا من الأرض أي شيء" ويضيف قائلاً: "كانت عقلية التجار التي بقيت لديهم ولم تذهب بعد، قد مكنتهم من أن يخفوا "قليلاً" من الشاي والسكر وبضعة أكياس من البطاطا والقمح ليعودوا فيبيعوها من ثم بأغلى الأسعار، بينما تموت من حولهم جموع الشغيلة من الروس جوعاً".‏

إن اسحق دويتشر لم يخجل وهو يكتب في وصف ما احتكره اليهود: "قليلاً" ذاك انه يعلم قبل سواه أن المليونين ونصف المليون من اليهود في جمهوريات آسيا الوسطى، -وما زالت بقاياهم حتى الآن هناك وقد رفعوا رؤوسهم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي- لا يمكن أن يحتكروا.. إلا.. كثيراً.. كثيراً.. جداً.‏

وكأني به، بعد أن أخذته العزة بالإثم يرتد. وقد لاحظ تناقضه الكبير مع نفسه، فيعترف بأن ذلك أدى إلى إعطاء دفعة جديدة لموجة اللاسامية".‏

..إن الأستاذ قصاب حسن، مترجم هذا الكتاب، لم يملك في نهاية هذا الفصل سوى أن يعلق مدهوشاً مستغرباً، من عقلية هؤلاء اليهود "التي استمرت من عام 1917 حتى 1942 دون أن يدخل عليها النظام الاشتراكي أي تعديل".‏

بين اليهودي.. وبين الإسرائيلي‏

في أحد فصول الكتاب يتساءل دويتشر "ما هو الإسرائيلي، وما هو اليهودي"‏

-وكان الأحرى بالمترجم أن يقول: من هو. لأن حرف الاستفهام: ما هو لغير العاقل -ونفاجأ -في الواقع: لا نفاجأ -بأنه يطرح وجهة النظر الصهيونية ذاتها في تبرير احتلال اليهود الصهاينة فلسطين واستيطانها. إنه يتحدث عن يهود الشتات "الدياسبورا" الذين هاجروا، إلى فلسطين، وعن أولئك اليهود الذين خلقوا فيها "الصابرين" فيجعلهما يلتقيان في نقطة واحدة: أنهم باتوا جميعاً إسرائيليين وها هو ذا يتكلم في لهجة تذكرنا بما سبق أن تحدث به بن غوريون حين قال: إن الصهيوني هو اليهودي الذي يريد العودة إلى جبل صهيون. هو اليهودي الذي يحس أنه إذا كان يعيش في أي بلد آخر غير إسرائيل فهو يعيش في منفى، وأنه آن الأوان لانتهاء عصر النفي والتشرد، ولا بد من العودة إلى أرض إسرائيل. ثم ينتهي بن غوريون إلى القول: "إن ما ربط بين اليهود، وجعل تلك الصفات الأخرى، كالدين والعنصر واللغة- صفات قابلة لأن تجمعهم من جديد، هو صفة أخرى أساسية، هي: رؤيا العودة. الإيمان بأن الخلاص هو في العودة إلى جبل صهيون، حيث أقام داود معبده الأول، أي إلى أرض إسرائيل.‏

إسرائيليون.. وليسوا يهوداً"(!)‏

ويقول دويتشر: إن كثيرين من الصهيونيين يؤمنون بالكيبوتز هاغالوت، أي بعودة جميع اليهود العائشين في بلاد المهجر، فهم يرون أن كل يهودي يقيم خارج إسرائيل، هو بالضرورة شخص منفي، إن عليه التزامات حيال الدولة الجديدة، لأن واجبه الأسمى هو أن يصبح مواطناً إسرائيلياً. وبالمقابل فإن الشباب الإسرائيليين، ولا سيما الـ "صابرا" الذين ولدوا ونشؤوا في البلاد لا يحسون بأنهم ينتمون إلى اليهودية العالمية وبالتالي فإنهم لا يرون أن "اليهودية العالمية" تنتمي إلى إسرائيل. بل يذهب بعضهم إلى حد التصريح بأنهم إسرائيليون وليسوا يهوداً.‏

إذاً فإنه يشير صراحة دون مواربة إلى قومية جديدة ناشئة هي القومية الإسرائيلية، وهو يعلم قبل سواه -ما دام قد عدّ نفسه ماركسياً- أن للقومية نشأة تاريخية وشروطاً موضوعية لا تنطبق على هذه القومية التي يتكلم عنها.‏

ويدافع صراحة عن الكيان الصهيوني‏

وها هو ذا يعرض الفكرة نفسها- بعد سطور معدودة- رافعاً صوته أعلى وأقوى قائلاً: "في إسرائيل شكّل أقدم شعب في العالم أحدث دولة بين الدول القومية. وهو يرمي بكل حرارة إلى استدراك الزمن الذي فات. وفي إسرائيل كان اليهود تقريباً يفكرون بأنهم من أجل الوصول إلى سعادتهم الفردية والجماعية المثلى، عليهم أن يبنوا درعاً متينة من الحماية الوطنية، مما يفرض عليهم واجب الخلاص من الهجرة والتشتت، ومن ذكرياتها وعاداتها وأذواقها، ومن روائح المنفى، آلاف سنين المنفى".‏

كان دويتشر يعرب عن عميق إعجابه "بهؤلاء المزارعين الذين يقاتلون الصحراء ويجبرونها على أن تنتج كروماً وأشجار زيتون، وهؤلاء الجنود الذين يراقبون في برود العرب الموجودين على الطرف الآخر من الحدود" عندما التفت ليقول باسمهم:‏

"ويسألون زائرهم: "أفلست تشعر بأن جذورنا نحن اليهود موجودة هنا؟" ويستطرد قائلاً: الجذور والناس الذين اقتلعوا من جذورهم، كلمات لا تفتأ تتكرر في المناقشات. فالناجي من معكسرات الاعتقال النازية، والذي تألم من اللاسامية البولونية القديمة، أو تعرض لعسف الحرس الحديدي الروماني، يحس أخيراً أنه في بيته وفي مأمن، ويعبر عن رضاه، وعن ارتياحه وعن فخاره.‏



ماركسيته.. قشرة رقيقة‏

مهما يكن من أمر، فإن ماركسية اسحق دويتشر التي اتضح وتأكد أنها ليست سوى قشرة رقيقة، يمكن أن تزال بطرف ظفر طفل، ذكرتني بتلك السيدة التي التقيت بها عام 1972، في مهرجان "كارلوفي فاري" السينمائي في تشيكوسلوفاكيا. ما زلت أذكر اسمها: "أوليفافا" وكانت مسؤولة عن سينما العالم الثالث في المهرجان. استقبلتني في حفاوة وحرارة، والتقيت بها عدة مرات في مناسبات مختلفة، فتجاذبنا أطراف الحديث في شؤون فكرية وسياسية وفنية مختلفة كانت وجهات نظرها في الأمور توحي بأنها تقدمية يسارية.. بل ماركسية. إلى أن أخذنا الحوار مرة مأخذاً مختلفاً، فقد رسونا على شواطئ فلسطين والاحتلال الصهيوني وتشريد شعب بكامله لإحلال مهاجرين يهود، أتوا من مختلف أطراف الأرض، محل أهل البلاد الأصليين.‏

بعدئذ أحسست أنني أمام امرأة أخرى غير التي عرفتها، امرأة اندفعت بكل عواطفها بتبرير الاحتلال والاستيطان والمذابح التي أقامها الصهاينة في فلسطين منذ عام 1947 هنا عرفت جيداً من هي محدثتي، فقد خرجت اليهودية الصهيونية من جلدها مثلما خرج اليهودي الصهيوني من إهاب.. دويتشر، فسقطت عنه مزاعمه.‏

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 27-05-2005, 02:10 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

مــخـتـصــر

اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم

لشيخ الإسلام ابن تيمية


--------------------------------------------------------------------------------

- مـقـدمـة -

مُصنف الكتاب : هو شيخ الإسلام الإمام العالم الرباني المجاهد الصابر أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني مولداً الحنبلي مذهباً المتوفي سنة 728 هـ بسجن دمشق، وله في مقاومة البدع ودحضها وقمع أصحابها الفضل الأعظم الذي شَهِدَ له به كل مُصنف.

موضوع الكتاب والغرض منه : ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه كتب قبل تصنيف هذا الكتاب ما يَسره الله تعالى له في بيان نهي الشرع عن التشبيه بالكفار في أعيادهم، وبين أن مخالفة الكفار قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة كثيرة الشُعَب وأصل جامع من أصولها كثير الفروع، ولكن بعض الناس استغرب ذلك واستبعده لمخالفته للعادة التي نشأ عليها، وأنهم تمسكوا في ذلك بعمومات وإطلاقات اعتمدوا عليها، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الناس قد عم كثيراً منهم الابتلاء بذلك حتى صاروا في نوع جاهلية، وأنه كتب ما حضره في تلك الساعة، وأنه استوفى ما في ذلك من الدلائل وكلام العلماء واستقراء الآثار لكتب أكثر مما كتبه.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن هذه القاعدة قطعية لا شك فيها عند من وقر الإيمانُ في قلبه وخَلُص إليه حقيقة الإسلام، ثم تعوذ بالله من رَين القلوب وهوى النفوس اللذين يصدان عن معرفة الحق واتباعه، ثم ذكر فصلا في بيان حال البشر قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد بعثته والغرض من الكتاب بين نهي الشرع عن التشبه بالكفار عموماً والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع ثم بيان نهي الشرع عن التشبه بهم خصوصاً في أعيادهم والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع والآثار والاعتبار وتعرض في أثناء ذلك لكثير من القواعد الهامة وتفرع إلى بعض المسائل كما هي عادة شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.

أصل كفر اليهود والنصارى: وصَفَ الله تعالى اليهود بالغضب منه سبحانه وتعالى عليهم في قوله تعالى: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت}، والضمير عائد على اليهود كما دل عليه سياق الكلام، وكذلك في قوله: {ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم؟} وهم المنافقون الذين تولوا اليهود باتفاق المفسرين وذلك كثير في كلامه تعالى، فدائماً يصف الله اليهود بأنهم مغضوب عليهم، أما النصارى فَوَصفُهُم بالضلال ملازم لهم في كتاب الله تعالى فهم المعنيون بقوله: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلُوا من قبل وأضلوا كثيراً عن سواء السبيل}، ولهذا يتعوذ المسلم كل يوم من سلوك سبيل المغضوب عليهم والضالين ويسأل الله الثبات على سبيل الذين أنعم الله عليهم حين يقرأ في فاتحة الكتاب: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، وهم النصارى، فاليهود عرفوا الحق ولم يعملوا به فغضب الله عليهم، والنصارى اجتهدوا في أصناف العبادات بغير علم فضلوا، ولهذا قال بعض السلف ((من فسد من علمائنا شبه من اليهود ومن فسد من عُبادنا شبه بالنصارى)).

الباب الأول : الفصل الأول
في ذكر أدلة الكتاب العزيز الدالة على النهي عن التشبه بهم

1- قال الله تعالى: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات . . .} إلى قوله {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} (الجائية).

ووجه الدلالة في هذه الآيات أن الله تعالى أخبر عن إنعامه على بني إسرائيل بنعم الدنيا والدين، ولكنهم اختلفوا بعد مجئ العلم بغيا بينهم، ثم أخبر سبحانه أنه جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وهم كل من خالف شريعته صلى الله عليه وسلم، وأهواء الذين لا يعلمون هي ما يهوونه ويحبونه من الهدي الظاهر أو الباطن على السواء.

2- قوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق} (الرعد).

ووجه الدلالة في هذه الآية أن الضمير في ((أهواءهم)) عائد على ما تقدم ذكره في الآية التي قبلها وهم الأحزاب الذين ينكرون بعض الكتاب، فنهانا جل ذكره عن اتباع أهواءهم.

3- قوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة).

ووجه الدلالة في هذه الآية أن الله سبحانه أخبرنا أن اليهود والنصارى لا يرضون إلا باتباع ملتهم، ثم زجرنا سبحانه عن اتباع أهواءهم في قليل أو كثير لئلا نوافقهم في شئ من ملتهم الباطلة.

4- قوله تعالى: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضعم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين} إلى قوله: {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} (البقرة)

ووجه الدلالة في هذه الآيات أن الله تعالى بين أن الحكمة من تغيير القبلة هي أن لا يكون للناس على المسلمين من حجة إلا الظالمون منهم أي لكيلا يقول اليهود: وافقونا في قبلتنا فيوشكون أن يوافقونا في ديننا والظالمون هم أهل قريش في هذه الآية، فبين سبحانه أن حكمة نسخ القبلة هي مخالفة المشركين في قبلتهم، لأن مخالفتهم أقطع لما يطمعون فيه من الباطل.

ومعلوم أن هذا المعنى يتعدى أمر القبلة إلى سائر أمور الشريعة، فكلما ازددنا من مخالفتهم كان ذلك أقطع لما يطمعون فيه من الباطل.

5- قوله تعالى لموسى وهارون: {فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} (يونس).

6- وقوله تعالى: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} (الأعراف).

7- وقوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم} (النساء).

ومَا أشبه هذه الآيات التي فيها الأمر باتباع سبيل المؤمنين والنهي عن اتباع سبيل المشركين.

ووجه الدلالة منها أن ماهم عليه -أي المشركون- من العمل ليس من سبيل المؤمنين بل من سبيل المفسدين، ومن سبيل الذين لا يعلمون فيجب علينا أن نجانب سبيل المشركين، ونحرص على سلوك سبيل المؤمنين في الهدى الظاهر والباطن على السواء.

8- قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} (آل عمران).

ووجه الدلالة من هذه الآية أن الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات هم اليهود والنصارى، الذين افترقوا على بضع وسبعين فرقة، والآية خاصة في النهي عن مشابهتهم في التفرق والاختلاف، وعامة في النهي عن مشابهتهم في عامة أمورهم، وإلا لما كان لذكرهم فائدة في الآية، ولنهانا سبحانه عن التفرق مباشرة، ولكن لما ذكر الله تعالى اليهود والنصارى، وأنهم اختلفوا ثم أمرنا بمخالفتهم، تبين من ذلك أن الآية عامة في النهي عن مشابهتهم في عامة أمورهم.

9- قوله تعالى: {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} (المائدة).

ووجه الدلالة من هذه الآية أن الله تعالى بين بعد ما نهانا عن مشابهة المشركين، واتباع أهوائهم، أن لكل منا ومنهم شريعة ومنهاجاً غير شريعة الآخر ومنهاجه، فعلينا أن نلزم شريعتنا ومنهاجنا ولا نشاركهم في شريعتهم ولا في منهاجهم.

10- قوله تعالى بعد ماذكر صنيعه بأهل الكتاب، الذين حرفوه وبدلوه من كونهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين قال تعالى عقب ذلك: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر).

ووجه الدلالة هو أن الاعتبار أن نقيس حالنا بحالهم وأننا لو فعلنا مثل فعلهم لا ستحققنا من العذاب مثل الذي استحقوه.

11- قوله تعالى بعدو ذكر صفات المنافقين، وأنه وعدهم جهنم ولعنهم: {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم . . . . . . الآية} (التوبة).

والمعنى يحتمل أن يكون وعد الله المنافقين النار كوعد الذين من قبلكم، ولهم عذاب مقيم كعذاب الذين من قبلكم، أو يكون المعنى إن فعلتم كما فعل الذين من قبلكم من استمتاعهم بخلاقهم، أي اتباعهم شهواتهم وخوضهم، أي في الشبهات لعنكم الله كما لعنهم ووعدكم النار كما وعدهم.

12- قوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ} (الأنعام).

ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى وصف نبيه بالبراءة من المشركين، وأنه ليس منهم في شئ فكل من شابه المشركين في شئ فإنه يبعد عن مشابهة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر مشابهته للمشركين، ومن كان متابعاً لرسول الله صلى الله عليه وسمه فلا بد أن يتبرأ من المشركين كتبرئه صلى الله عليه وسلم منهم.

13- قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} (المائدة).

14- وقوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} (المجادلة).

15- وقوله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} (الأنفال).

16- وقوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة).

- والآيات التي تتحدث في الموالاة كثيرة جداً في كتاب الله تعالى، وفيها يثبت الله الموالاة بين المؤمنين بعضهم لبعض وبين الكافرين بعضهم لبعض، وينهى عز وجل أشد النهي، ويتوعد من يتولى الكافرين، ويصفه بأنه منهم وبأنه من الظالمين، وينفي عنه الإيمان.

- والموالاة والموادة وإن كانت متعلقة بالقلب، لكن المخالفة في الظاهر سبب يؤدي إلى قطع هذه المودة الباطنة وهي الطريق المؤدية إلى بغضهم وبغض موالاتهم.

وكذلك فإن مشاركتهك في الظاهر تؤدي إلى نوع مودة وموالاة في الباطن ونحن منهيون عن ذلك.

17- قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} (الحديد).

وفي هذه الآية أمر الله المؤمنين بالخشوع لذكره سبحانه، ونهاهم عن مشابهة الكافرين في طول الأمد وقسوة القلب، ولكنه سبحانه لم ينه عن طول الأمد وقسوة القلب مباشرة، بل ذكر أنها من صفات أهل الكتاب، ونهانا عن مشابهتهم فعلمنا من ذلك قبح سبيلهم عموماً، وأن مشابهتهم في أي شئ تؤدي إلى طول الأمل وقسوة القلب والعياذ بالله تعالى. [استطرد شيخ الإسلام في شرحه لهذه الآية فتحدث عن قسوة القلب وأنها من ثمرات المعاصي، وتحدث عن الرهبانية وأنها ليست من الإسلام، وأن الإسلام ينهى عن الغلو وعن التفريط في كل الأمور لا سيما في العبادات].

18- قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم} (البقرة).

وسبب نزولها مشهور في كتب التفاسير، وهو أن اليهود كانوا يقولون (راعنا) استهزاءً، وكان المؤمنون يقولونها يقصدون بها (انظرنا)، ولا يقصدون إلا المعنى الحسن فكره الله تعالى للمؤمنين أن يتلفظوا بها، ولو كان قصدهم حسناً إمعاناً في مخالفة اليهود وأمرهم أن يستبدولوا بها لفظة أخرى.

19- قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض . . . . . . .} (البقرة).

ووجه الدلالة من هذه الآية أنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((اصنعوا كل شئ إلا النكاح)).

وكان اليهود إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجالسوها ولم يجامعوها في البيوت فلما بلغهم قول النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: ((ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه)). وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهود فلم يعترض عليه صلى الله عليه وسلم فهذا دليل على كثرة ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم من مخالفات لليهود ولسائر المشركين، والحديث كاملاً رواه مسلم في صحيحه.

الباب الأول : الفصل الثاني
في ذكر أدلة السنة المطهرة الدالة على النهي عن التشبه بالمشركين

1- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((سمعت رجلاً قرأ آية سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فعرفت في وجهه الكراهية وقال: ((كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)) (رواه مسلم).

أفاد هذا الحديث شيئين:

الأول: تحريم الاختلاف الذي يكون كل من طرفيه محسناً وعلى حق.

والثاني: الاعتبار بمن كان قبلنا، والحذر من مشابهتهم في اختلافهم خصوصاً وفي سائر أمورهم عموماً، فيكون ذلك سبباً في هلاكنا كما كان سبباً في هلاكهم من قبلنا. [تعرض شيخ الإسلام أثناء شرحه لهذا الحديث لمسألة الاختلاف وأسبابه وأنواعه، وقسمه إلى اختلاف تنوع وهو إما أن يكون اختلافاً في اللفظ والمعنى واحد، أو يكون كل أطرافه على حق كالاختلاف في القراءات، وفي صفة الأذان، وتكبيرات العيد ونحوها، وإلى اختلاف تضاد وهو إما في الأصول وإما في الفروع، وهو استطراد خارج موضوع الكتاب لذا اكتفينا بالتنبيه عليه].

2- عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه قال: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يارسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن))]. (رواه البخاري).

ووجه الدلالة من الحديث أنه خرج مخرج النهي والتحذير من مشابهتهم، ويدل على ذلك تشبيهه صلى الله عليه وسلم أفعالهم القبيحة بجحر ضب، وهو مشهور بنتن ريحه.

فيستفاد من الحديث العمل على مخالفة المشركين، وترك مشابهتهم في القليل والكثير، لكيلا نصل إلى الحالة التي أخبر عن وقوعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3- قوله صلى الله عليه وسلم ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم))، وفي لفظ ((غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود))، قال الترمذي حسن صحيح.

هذا الحديث نص صريح في الأمر بمخالفة اليهود والنصارى عموماً، ولا سيما في صبغ اللحية الذي هو سبب اللفظ العام، ويستفاد العموم من عدة وجوهٍ؛ منها: العدول بالأمر بالصباغ عن لفظ الفعل الخاص به إلى لفظ أعم منه وهو المخالفة، وذلك لأن العلم بالعام يقتضي العلم بالخاص المندرج تحت هذا العموم، فإذا عرفت أن مخالفة المشركين مطلوبة، عرفت أن مخالفتهم بصياغ اللحية مطلوب، لأنه داخل في عموم المخالفة ومنها أنه رتب الحكم على الوصف بحرف الفاء، فيدل هذا الترتيب على أن علة الأمر بهذه المخالفة كون اليهود والنصارى لا يصبغون، فبالتالي كل فعل فعله المشركون تحققت فيه هذه العلة التي كانت سبباً في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصباغ مخالفة لهم.

ومنها أنه لو لم يكن لقصد مخالفتهم تأثير في الأمر بالصبغ لم يكن لذكرهم فائدة ولا حسن تعقبه به، وهذا -وإن دل على أن مخالفتهم أمر مقصود للشرع-فذلك لا ينفي أن تكون في نفس الفعل الذي خولفوا فيه مصلحة مقصودة، مع قطع النظر عن مخالفتهم. وسيأتي -إن شاء الله- تفصيل هذه المسألة فيما بعد.

4- حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعاً وفيه ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد)) (رواه البخاري).

وبالجملة فإن الكفر هو أشد أمراض القلوب فبالتالي تصير سائر أجساد المشركين وما يترتب عليها من أفعالهم في فساد كبير نتيجة لفساد قلوبهم، ولا يجوز لصحيح القلب أن يشابه فاسد القلب في أي فعل من أفعال الجسد لئلا يجر ذلك إلى مشاركته في فساد القلب.

5- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا المشركين: أخفوا الشوارب وَأعفُوا اللحى)) ) (متفق عليه).

فأمر صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين مطلقاً، ثم أمر بإعفاء اللحى، فلفظ (خالفوا المشركين) دليل على أن جنس المخالفة أمر مقصود للشارع.

6- عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)) ) (رواه أبو داود).

وفيه أمر صريح بمخالفة اليهود.

7- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعاً: ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب إكلَةُ السحر)) (رواه مسلم).

وفيه أن الفصل بين عبادتنا وعبادة أهل الكتاب أمر مقصود للشارع.

8- عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون)) (رواه أبو داود).

وهذا صريح في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر سببه مخالفة اليهود والنصارى، أي أن مخالفتهم سبب لظهور الدين، وهو المقصود بإرسال الرسل فيُعلَم من هذا أن نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة.

9- عن عبد الرحمن الصنابحي مرفوعاً: ((لا تزال أمتي على مُسكَة مَالم ينتظروا بالمغرب اشتباك النجوم مضاهاة لليهودية، وما لم ينتظروا بالفجر محاق النجوم مضاهاة للنصرانية)) (رواه الإمام أحمد).

ومعنى الحديث أن الناس لا يزالون على تمسكهم بما هم عليه ما داموا حريصين على ترك مشابهة اليهود في تأخيرهم المغرب والنصارى في تأخيرهم الفجر.

ويستفاد من الحديث أن مشابهة اليهود والنصارى تصرف الناس عن تمسكهم بدينهم.

10- حديث عمرو بن عبسة بطوله في مواقيت الصلاة عند المسلم، وفيه تعليل كراهية الصلاة في بعض الأوقات بأن المشركين يسجدون لأصنامهم فيها.

ومعلوم أن المسلم حين يصلي لا يقصد السجود إلا لله، ولكن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الأوقات حسماً لمادة المشابهة بكل طريق.

11- حديث جابر رضي الله عنه عند أبي داود وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالساً، فأراد بعض الصحابة أن يصلي خلفه صلى الله عليه وسلم وهم قائمون، فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال عقب الصلاة: ((إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً وإن صلى قائماً فصلوا قياماً ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها)) (رواه أبو داود وغيره).

فعلل صلى الله عليه وسلم أمره بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة بترك مشابهة أهل فارس.

12- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللحد لنا والشق لغيرنا)) ) (رواه أهل السنن الأربعة) وفي رواية أحمد ((والشق لأهل الكتاب)).

وفيه التنبيه على مخالفتنا لأهل الكتاب، حتى في وضع الميت في أسفل القبر.

13- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية ومُحل دم امرئ بغير حق له ليريق دمه)) ) (رواه مسلم).

والشاهد من الحديث هو الصنف الثاني من الثلاثة الذين يبغضهم الله، وهو الذي يبتغي في الإسلام سنة جاهلية، والسنة هي العادة التي كان عليها الجاهليون، ولفظ الجاهلية يشمل كل شريعة غير الإسلام والآيات والأحاديث في ذم الجاهلية وأخلاق أهلها والنهي عن التشبه بهم، والأمر بمجانبة طريقهم كثيرة في الكتاب والسنة. [استطرد شيخ الإسلام في الكلام عن الجاهلية ومعناها في الشرع وذَكَرَ بعض النصوص التي وردت فيها لفظة الجاهلية موضحاً للمقصود بها في كل نص من النصوص].

14- عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من بئارها ولا يستقوا منها، فقالوا قد عجنا منها واستقينا فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا الماء)) (رواه البخاري).

- وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: (( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم)).

فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى أماكن المعذبين إلا مع البكاء، خشية أن يصيب الداخل ما أصابهم، ونهى عن الانتفاع بمياههم والعجين الذي عجنوه به رغم أنهم كانوا في غزوة تبوك التي تسمى غزوة العسرة، وكانت أشد غزوة على المسلمين، وكذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ديارهم في في أحاديث أخر، فإذا كانت الشريعة قد جائت بالنهي عن مشاركة الكفار في أماكنهم التي حل بهم فيها العذاب، خشية أن يصيبنا الذي أصابهم فكيف بمشاركتهم في الأعمال التي يعملونها، واستحقوا عليها العذاب؟

15- حديث -ركانه- الذي صرعه النبي صلى الله عليه وسلم -قال رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس)) (رواه أبو داود).

وهو حسن عند أبي داود، وهذا الحديث بَين في أن مفارقة المسلم للمشرك في اللباس أمر مطلوب في الشرع، إذ الفرق بالاعتقاد الباطن حاصل قطعاً ولو بدون عمامة، ومع ذلك حث الشرع على المفارقة في الظاهر والباطن أيضاً.

16- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: ((يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع)) (رواه مسلم).

وفي رواية سعيد بن منصور قال صلى الله عليه وسلم: ((صوموا التاسع والعاشر خالفوا اليهود))، فلما كان صيام عاشوراء مشروعاً للمسلمين، وعَلِمَ صلى الله عليه وسلم بأن اليهود تعظمه أمر بمخالفة اليهود في صفة هذا الصيام بأن يصام معه يوم قبله إمعاناً في مخالفة اليهود.

17- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن له إلا ثوب فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود)) ) (رواه أبو داود وغيره بسند صحيح).

فإضافة المنهي عنه إلى اليهود دليل على أن لهذه الإضافة تأثيراً في النهي.

18- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل موته: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم وصالحيهم مساجد -يحذر ما صنعوا-)) (متفق عليه). وله لروايات كثيرة عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم.

فيه دلالة على أن اتخاذ اليهود والنصارى القبور مساجد كان سبباً لنهينا عن ذلك، وتحذيره صلى الله عليه وسلم من صنيعهم يشمل عامة أمورهم.

19- عن جابر رضي الله عنه قال في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: (وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال حين خطب في يوم عرفة: ((ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع)) ) (رواه مسلم).

فقوله صلى الله عليه وسلم كل شئ من أمر الجاهلية يشمل كل ما كانوا عليه من عبادات وعادات.

20- حديث عمر رضي الله عنه في الصحيحين في صفة الأذان والرؤيا التي رآها عبد الله بن زيد.

وفي معنى هذا الحديث كره النبي صلى الله عليه وسلم الإعلان عن الصلاة بالناقوس لأنه من فعل النصارى، وكره استعمال البوق لأنه من فعل اليهود، وكره استعمال النار في الإعلان عن الصلاة لأنه من فعل المجوس، ففيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره أفعال المشركين من سائر الملل.

21- حديث عمرو رضي الله عنه أن أهل الجاهلية كانوا لا يفيضون من جَمع حتى تطلع الشمس، قال عمر: ((فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأفاض قبل طلوع الشمس، وكانوا يفيضون من عرفات قبل الغروب فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإفاضة بعد الغروب))، ففي الحديث بيان قصد النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة المشركين في هديهم.

22- حديث حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) (متفق عليه).

وفيه تعليل النهي عن استعمال آنية الذهب والفضة، بأنها لهم أي للمشركين في الدنيا.

23- حديث جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الله ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفار لا تلبسها)) (رواه مسلم).

24- روى أبو داود بإسناد على شرط الشيخين عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: ((من تشبه بقوم فهو منهم)).

قال شيخ الإسلام: (وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم) أ هـ.

قال شيخ الإسلام: (ولو تتبعنا ما في هذا الباب مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما دل عليه كتاب الله لطال بنا القول) أ هـ.

ومن تأمل بعض ما أرودنا من الأحاديث، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلل النهي عن كل قبيح بأنه من فعل أهل الكتاب، ويأمر في غير موطن بمخالفتهم حتى صاروا علامة على الفساد والقبح -اتضح جلياً من موجوع الأدلة، وتكرر وجه الدلالة فيها تحريم التشبه بهم في سائر أمورهم، وإن على المسلم أن يجانب طريقهم بقدر استطاعته.

الباب الأول : الفصل الثالث
في وجوه تقرير إجماع الصحابة فمن بعدهم على تحريم التشبه بالمشركين

1- الوجه الأول : هو الشروط التي اشترطها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه على أهل الذمة، ووافقه عليها سائر الصحابة، وعامة الأئمة بعدهم، وسائر الفقهاء الذين تكلموا عن عهد الذمة ذكروا هذه الشروط، وألزموا بها كل إمام أراد معاهدة الذميين، ولم ينقل عن أحد من العلماء أو الصحابة الاعتراض على هذه الشروط في الجملة، بل هي مجمع عليها، وهي أشهر شئ في كتب الفقه والعلم، وهذا يقتضي إجماع الصحابة وسائر الأئمة على العمل بهذه الشروط؛ ومنها: على لسان النصارى الذين وقعوا هذه الشروط: ((أن نوقر المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم في شئ من ملابسهم: قلنسوة أو عمامة أو نعلين أو فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئا من السلاح، ولا نحمله، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا، وأن نلزم زينا حيثما كنا وأن نشد الزنانير على أوساطنا وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا . . . إلى آخر الشروط)).

فهذه الشروط المذكروة المقصد منها تمييز المسلم عن الكافر لئلا يشتبه أحدهما بالآخر، ولم يرض عمر رضي الله عنه بأصل التميز بل بالتمييز في عامة الهدى في الشعور واللباس والأسماء والمراكب والكلام وغير ذلك، ولقد كان أمراء الهدى بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحرصون ويبالغون في الحرص على تطبيق هذه الشروط، كما روى أبو الشيخ بإسناده أن عمر بن عبد العزيز دخل عليه الناس من بني تغلب، وعليهم العمائم كهيئة العرب، فقال: ((من أنتم))، قالوا: ((نصارى))، فقال: ((علي بجلم)) -أي مقص- فأخذ من نواصيهم وألقى العمائم وشق رداء كل واحد منهم شبراً يحتزم به، وقال: ((لا تركبوا السروج، واركبوا على الأكُف، ودلوا أرجلكم من شق واحد))، ثم أرسل عمر بن عبد العزيز إلى أمراء الأمصار يأمرهم بمتابعة النصارى، لأن بعضهم ترك التقصيص ولبس المناطق على أوساطهم، وقال في خطابه ((ولعمري إن كان يُصنَعُ ذلك فيما قبلَك إن ذلك بك ضعف وعجز فانظر كل شئ نهيتُ عنه وتقدمتُ فيه إلا تعاهدته وأحكمته ولا ترخص فيه ولا تعد عنه شيئاً)).

2- الوجه الثاني : هو ما نقل عن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، وكثير من الصحابة في أماكن مختلفة وأزمنة مختلفة في مواقف متعددة يأمرون فيها بمخالفة المشركين، ويعللون نهيهم عن أشياء بمخالفة المشركين، فكان ذلك إجماعاً منهم على لزوم مخالفتهم، لا سيما ولم ينقل عن أحد ممن حضر تلك المواقف أو ممن لم يحضرها اعتراض على ذلك أو إنكار له، بل كل ما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم جميعاً هو التحذير من مشابهة المشركين، وحرصهم رضي الله عنهم على مخالفتهم.

وإليك أمثلة من كلام بعض الصحابة رضي الله عنهم:

1- دخل أبو بكر الصديق -رضي اله عنه- على امرأة في الحج فرآها لا تتكلم، فقال: ((مالها لا تتكلم))، فقالوا: ((حجت مصمتة))، فقال لها: ((تكلمي فإن هذا لا يحل. هذا عمل الجاهلية))، روى الحديث بطوله البخاري فأخبر أبو بكر رضي الله عنه أن الصمت المطلق لا يحل، وعقب ذلك بقوله هذا من عمل الجاهلية قاصداً بذلك عيب هذا العمل وذمه، وتعقيب الحكم بالوصف دليل على أن الوصف علة فدل ذلك على أن كون العمل من عمل الجاهلية يوجب النهي عنه والمنع منه.

2- كتب عمر -رضي اله عنه- إلى أهل فارس-المسلمين منهم- يقول: ((إياكم وزي أهل الشرك)) رواه البخاري. فهذا نهي منه للمسلمين عن كل ما كان من زي أهل الشرك.

3- روى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: ((قلت لعمر رضي الله عنه: إن لي كاتباً نصرانياً فقال ما لك قاتلك الله أما سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهَود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} ألا اتخذت حنفياً؟ قال قلت: ((يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه)) فقال عمر: ((لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله))، فغضب عمر رضي الله عنه غضباً شديداً حين اتخذ أبو موسى رضي الله عنه كاتباً نصرانياً، وذلك لأن هذه الوظيفة تنافي الذلة التي فرضها الله عليهم والصغار الذي أوجبه الله عليهم.

- وقد كان لعمر رضي الله عنه في باب إذلال المشركين ماهو مناسب لسيرته المرضية التي أعزت الإسلام والمسلمين، وكان رضي الله عنه وقافاً عند كتاب الله ممتثلاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، مستشيراً في كل صغيرة وكبيرة للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم جميعاً

3- أما عثمان رضي الله عنه فقد أقر ما كان قرره عمر رضي الله عنه من السنن، والأحكام، والحدود، وجرى على سننه فقد عُلم موافقة عثمان رضي الله عنه في هذا الباب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

5- روى سعيد بن منصور بسنده أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج فرأى قوماً قد سدلوا فقال: ((ما لهم؟ كأنهم اليهود قد خرجوا من فورهم -أي مدارسهم-)) رواه ابن المبارك وغيره، والغرض هنا أن علياً رضي الله عنه شبه السادلين باليهود مبيناً بذلك كراهة فعلهم، فعُلم أن مشابهة اليهود أمر قد استقر عنده كراهته.

6- في الصحيح أن معاوية رضي الله عنه حين قدم المدينة خطب الناس، فكان مما ذكر في خطبته، أنه أخرج كبة من الشعر فقال(( ما كنت أرى أحداً يفعله إلا اليهود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور)).

فقول معاوية فيه دليل على أن ما كان من زي اليهود فليس من زي المسلمين، وفيه نهيه رضي الله عنه عن مشابهة اليهود في زيهم.

7- ورى الخلال بسنده إلى ابن عباس أنه قال لرجل سأله عن الاحتقان فقال رضي الله عنه: ((احتقن، لا تبد العورة ولا تستن بسنة المشركين))، وهذا عام في كل ما عليه المشركون من الهدي الظاهر والباطن.

8- روى أبو داود بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أنه دخل عليه غلام، وله قصتان فمسح رأسه، وبرك عليه، وقال: ((احلقوا هذين أو قصوهما فإن هذا زي اليهود))، فنهى أنس بن مالك رضي الله عنه عن التشبه باليهود في زيهم.

9- روى أبو داود بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة فقال له: ((لا تجلس هكذا فإن هكذا يجلس الذين يعذبون))، وفي رواية ((تلك صلاة المغضوب عليهم))، فعلل ابن عمر رضي الله عنه نهيه عن هذه الجلسة بأنها جلسة المعذبين وهذه مبالغة في مجانبة هديهم.

10- روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تكره أن يجعل المصلى يده في خاصرته وتقول: ((إن اليهود تفعله)) فعُلمَ بذلك أن فعل اليهود قبيح عندها، ولا يجوز للمسلمين فَعله.

11- روى ابن أبي عاصم بسنده إلى معاوية رضي الله عنه أنه قال: ((إن تسوية القبور من السنة وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تشبهوا بهم))، فنهى رضي الله عنه عن التشبه بهم.

12- روى البيهقي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: ((من بني ببلاد المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم حتى يموت، حشر معهم يوم القيامة)). قال شيخ الإسلام: ((وهذا يقتضي أنه جعلها من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهر لفظه فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية)).

13- روى سعيد بن منصور بسنده إلى ابن مسعود أنه كان يكره الصلاة في الطاق وقال: ((إنه من الكنائس، فلا تشبهوا بأهل الكتاب))، وهذا نهي من ابن مسعود رضي الله عنه عن التشبه بهم.

14- روى البخاري عن القاسم -من أئمة التابعين وفقهاء المدينة السبعة- أنه كان يمشي بين يدي الجنازة، ولا يقوم لها، ويخبر عن عائشة أنها قالت: ((كان أهل الجاهلية يقومون لها))، فاستدل بقول عائشة رضي الله عنها أنه من فعل الجاهلية على كراهة القيام للجنازة.

تنبيه:

هذا الباب فيه نقول كثيرة عن الصحابة وهذه القضايا بعضها في مظنة الاشتهار، وما علمنا أحداً من الصحابة ولا التابعين خالف ما ذكرناه من كراهة التشبه بالكفار والأعاجم في الجملة سواء كانت المخالفة في الهيئة واللباس وغيرها، فعلم إجماع الصحابة على ذلك.

- وإن كان بعض هذه المسائل المعينة فيها خلاف وتأويل وليس هذا موضعه.

كما أنهم متفقون على اتباع الكتاب والسنة، وقد يختلفون في بعض أعيان المسائل لتأويلات ونحوها.

3- الوجه الثالث : من وجوه تقرير الإجماع على مخالفة المشركين -ما ذكره علماء الإسلام من المتقدمين، والأئمة المتبوعين، وأصحابهم في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار، أو الأعاجم، وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه.

قال شيخ الإسلام: (وما من أحد له أدنى نظر في الفقه إلا وقد بلغه من ذلك طائفة، وهذا بعد التأمل والنظر يورث علماً ضرورياً باتفاق الأئمة على النهي عن موافقة الأعاجم والأمر بمخالفتهم).

فمن ذلك على سبيل المثال -وليس المراد أعيان المسائل وإنما إثبات قاعدة المخالفة للمشركين- :

1- عند الأحناف: تكلم كثير من أصحاب أبي حنيفة في تكفير من تشبه بالكفار في لباسهم وأعيادهم.

- الأصل المستقر في مذهب أبي حنيفة أن تأخير الصلوات أفضل من تعجيلها عموماً إلا صلاة المغرب، فيستحب تعجيلها لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود.

- قالوا يكره السجود في الطاق لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب.

- قالوا إن صام يوم الشك ينوي أنه من رمضان كره، لأنه تشبه بأهل الكتاب الذين زادوا في صومهم.

- أباح الإمام أبو حنيفة افتراش الحرير، وتعليقه، والستر به، فاحتج عليه أبو يوسف ومحمد بأن ذلك من زي الأكاسرة، والتشبه بهم حرام.

2- عند المالكية: قال بعض أصحاب مالك من ذبح بطيخة في أعيادهم فكأنما ذبح خنزيراً.

- قالوا يكره ترك العمل يوم الجمعة لما فيه من التشبه باليهود الذين يتركون العمل يوم السبت.

- روى ابن القاسم في المدونة عن الإمام مالك أنه قال: لا يُحرم بالأعجمية ولا يدعو بها ولا يحلف.

- قال الإمام مالك قيام المرأة لزوجها حتى يجلس من فعل الجبابرة.

3- عند الشافعية: تكلم الشافعية عن شروط أهل الذمة، وفيها منعهم من التشبه بالمسلمين، ومنع المسلمين من التشبه بهم في لباسهم وغيرها تفريقاً بين علامة المسلمين وعلامة الكفار.

- وبالغ طائفة من الشافعية فنهوا عن التشبه بأهل البدع مما كان شعاراً لهم، وإن كان في الأصل مسنوناً، فعلى الرغم من أن مذهب الشافعي أن الأفضل تسطيح القبور، وغيره من الأئمة مذهبهم أن الأفضل تسنيمها، فاستحب طائفة من الشافعية تسنيم القبور لأن تسطيحها صار شعار الرافظة.

وقالت طائفة أخرى بل نحن نسطحها فإذا سطحناها لم يكن التسطح شعاراً لهم، فاتفقت الطائفتان على ذم التشبه بأهل البدع وإنما تنازعوا في عين المسألة هل هي تشبه بهم أم لا؟

4- عند الحنابلة: أما الحنابلة فكلامهم في ذلك كثير جداً أكثر من أن يحصر.

- كره الإمام أحمد حلق القفا لأنه من فعل المجوس، وكره شد الحبل على القميص لأنه من فعل اليهود، وكره تسمية الشهور بالأعجمية والأشخاص بالفارسية، وكره النعال السندية لأنها ليست من زي المسلمين، وكره أن لا تكون العمامة تحت الحنك، وقال إنما يعتم بمثل ذلك اليهود والنصارى، ودعي الإمام أحمد إلى وليمة فلما دخل رأى في الدار كرسياً عليه فضة فخرج، ونفض يده في وجه صاحب الدار، وقال زي المجوس، زي المجوس، وسائر الحنابلة في ذلك على هدي إمامهم فمن ذلك قول القاضي أبي يعلى: ((إذا امتنع أهل الذمة من لبس الغيار لم يجز لأحد من المسلمين صبغ ثوب من ثيابهم)).

بعدما ذكر شيخ الإسلام أدلة الكتاب والسنة والإجماع على حرمة التشبه بالمشركين عقد ثلاثة فصول في التشبه بالشياطين والأعاجم والأعراب لما في التشبه بهم من نوع مشابهة للتشبه بالكفار؛

فأما التشبه بالشياطين فلأنهم من رؤوس الكفر فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم.

- كما روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بها فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بها)) فعلل صلى الله عليه وسلم النهي عن الأكل والشرب بالشمال بأنه من فعل الشياطين فعُلم قبح التشبه بهم.

وأما الأعراب فليسوا مذمومين بنفس الأعرابية بل أخبر تعالى أن منهم مَن يتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول، وأخبر تعالى أنه سيدخلهم في رحمته، وقد كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأعراب الذين وفدوا عليه، وكانوا أفضل من كثير من القرويين.

ولكن الأعراب الذين لم يهاجروا إلى المدينة في دينهم نقص مع ما يغلب على طبعهم من الجفاء ، والغلظة ، وعدم الادب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكثير من الأخلاق الفاسدة الناشئة من طبيعة معيشتهم بعيدا عن المدن ، وهؤلاء الذين عناهم الله بقوله : (( الأعراب اشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله )) فلذا نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم في تسمية ( العشاء ) بالعتمة و( المغرب ) بالعشاء . كما في صحيح البخاري وغيره ، فكره النبي صلى الله عليه وسلم موافقتهم في التسمية لأنها تجر إلى مشابهتهم في أخلاقهم .

وكذلك الأعاجم وهم من سوى العرب من الفرس والروم والترك والبربر والحبشة وغيرهم ، منهم المؤمن ومنهم الكافر ، وهم ليسوا مذمومين بنفس الأعجمية بل لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ، وقد كان كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من اصل غير عربي كسلمان الفارسي وبلال الحبشي كانوا رضي الله عنهم أفضل من كثير من العرب ، وصح في فضل بلاد فارس بعض الأحاديث في فضل المؤمنين من أهلها ، ولذا كان كثير من أئمة التابعين فمن بعدهم من بلاد فارس وغيرها .

ولكن كان قول عامة أهل العلم تفضيل العرب في الجملة على جنس العجم في الجملة ، وعدوا تفضيل العجم على جنس العرب ، نفاقا والعياذ بالله تعالى ، وكذلك تفضيل جنس القرشيين على جنس العرب وتفضيل جنس الهاشميين على جنس القرشيين قال به جماهير العلماء .

فلهذا ينبغي على المسلم أن يوالي العرب ويحبهم ماداموا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم محافظين ، ويحرص على التشبه بهم والبعد عن التشبه بالعجم ، وهيآتهم ، وافعالهم ، ويجب عليه قبل ذلك أن يوالي المؤمنين سواء كانوا عربا ، أو عجما ، ويعادي المشركين عربا كانوا أو عجما ، فالمؤمن يحب أخاه المؤمن ولو كان في أقصى بلاد الأرض ويبغض الكفار ولو كانوا آباءه أو إخوانه أو بنيه .

الباب الأول : فصل
أعمال المشركين ثلاثة أقسام

أعمال المشركين ثلاثة أقسام : قسم مشروع في ديننا وهم يفعلونه ، وقسم كان مشروعا لهم فنسخه شرع القرىن ، وقسم لم يكن مشروعا بحال وإنما أحدثوه ، وكل قسم من هذه الاقسام إما في العبادة ، وإما في العادة ، وغما فيهما معا :

1- فما هو مشرع في ديننا والكفار يفعلونه ونخالفهم في صفة الفعل لا في أصله ( كصوم عاشوراء ، نصوم يوما قبله ، وصلاة المغرب نعجلها ، والسحور نؤخره ، ونصلي في النعلين ) .

2- وما كان مشروعا لهم ثم نسخ في شرعنا فلا يجوز لنا فعله قطعا ( كترك العمل يوم السبت ، وانواع صلواتهم ، وصيامهم ، وكتحريم كل ذي ظفر وشحوم البقر والغنم ) .

3- ما أحدثوه فهو اقبح واقبح فإنه لو فعله المسلمون لكان بدعة ، وحراما فما بالك بما لم يشرعه نبي قط بل أحدثه الكافرون فلا شك أنه ظاهر القبح .

الباب الثاني : مقدمة
موافقة المشركين في أعيادهم لا تجوز من طريقين

الطريق الأول : وهو الطريق العام فبعدما تقدم ان مشابه المشركين عموما في أي فعل من أفعالهم لا تجوز ، فموافقتهم في أعيادهم - وهي ليست ديننا ولا عادة سلفنا - لا تجوز لذلك .

أولا : لو كانت موافقة المشركين امرا اتفاقيا وليس فيه تعمد مشابهة لكان المشروع لنا مخالفتهم لان نفس مخالفتهم مصلحة لنا ، فمن وافقهم فقد فوت على نفسه تلك المصلحة ، وإن لم يكن قد اتى بمفسدة فكيف إذا جمعهما معا ؟

ثانيا : أعيادهم من البدع المحدثة في الدين ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وكذلك التشبه بالمشركين دلت كثير من الآثار على تحريمه كقوله صلى الله عليه وسلم : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) فهذا يقتضي تحريم التشبه بهم .

فإذا اجتمعت مشابهة المشركين والإحداث في الدين كان ذلك في غاية القبح ، وأعياد المشركين من هذا القبيل فلا يجوز الاحتفال بها لذلك .

الطريق الثاني : وهو الطريق الخاص في نفس أعياد المشركين من الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار .

الباب الثاني : الفصل الأول
في أدلة الكتاب العزيز الدالة على النهي عن التشبه بهم في أعيادهم

1- قوله تعالى : (( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما )) ( الفرقان ) .

فمدح الله تعالى عباده الذين يمتنعون عن شهود أعياد المشركين فهذا يقتضي الندب غلى ترك شهودها ، وتسمية الله تعالى لها زورا تقتضي تحريم فعلها ، ولأن الله تعالى ذم الزور ، وقول الزور فه غير موضع من القرآن فلا شك أن فعل الزور أشد في الذم .

الباب الثاني : الفصل الثاني
في أدلة السنة الدالة على النهي عن التشبه بهم في أعيادهم

1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ((ما هذان اليومان؟)، قالوا: ((كنا نلعب فيهما في الجاهلية))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر)) (رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم، ورواه الإمام أحمد والنسائي).

ووجه الدلالة من الحديث أن اليومين الجاهلييَن لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تركهم يلعبون فيهما على عادتهم بل قال صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين، والإبدال عن الشئ يقتضي الإقلاع عن المبدل منه، فلا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما كقوله تعالى: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب}.

وأيضاً لفظ الإبدال يدل على النهي عن هذين العيدين، لأن الصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا ليتركوا الأعياد الشرعية، ولكن أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله أبدلهم بأيامهم أياماً خيراً منها، خشية أن يُجَوَزَ مَن بعدهم الجَمعَ بين الأعياد الشرعية والأعياد الجاهلية.

2-عن ثابت بن الضحاك بن خليفة رضي الله عنه قال: (( نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببُوَانَة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إني نذرت أن أنحر إبلاً ببُوَانَة))، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد))، قالوا: ((لا))، قال: ((فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟))، قالوا: ((لا)) فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم)). (رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم، وأصله في الصحيحين.

وهذا الحديث يدل على أن الذبح بمكان عيدهم معصية لله من وجوه:

أحدها: أن قوله ((فأوف بنذرك)) تعقيب للوصف بالحكم بحرف الفاء، وذلك يدل على أن الوصف هو سبب الحكم فيكون سبب الأمر بالوفاء هو خُلو النذر من هذين الوصفين، فيكون وجود أحدهما مانعاً من الوفاء بالنذر ولو لم يكن النذر في نفسه معصية.

ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا وفاء لنذر في معصية الله))، دليل على أن الذبح بمكان فيه عيد للمشركين معصية لله، لأنه هذا اللفظ العام ورد على سبب مخصوص فلا بد من اندراج هذا السبب تحته.

ثالثها: لو كان الذبح بمكان فيه عيد للمشركين جائراً لسوغ النبي صلى الله عليه وسلم للسائل أن يذبح هناك، ولما كان هناك داع للسؤال عن أعياد المشركين التي تقام في هذا المكان.

* وهذا النهي عن الذبح بالبقعة التي يقيمون فيها عيدهم إما من أجل تخصيص بقعة عيدهم وهذا تعظيم لها فكيف بنفس عيدهم؟

وإما أن يكون لأن الذبح هناك موافقة لهم في عيدهم، وموافقتهم في عيدهم لا تجوز لأن النذر ليس فيه محذور آخر سوى كونه في بقعة فيها عيد.

(فائدة) العيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد إما بعود السنة، أو الأسبوع، أو الشهر، وقد يختص العيد بمكان معين فيكون عيداً زمانياً ومكانياً وقد يكون زمانياً فقط.

3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخَل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان -وليستا بمغنيتين- وذلك يوم عيد فنهاهما أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا)) (رواه البخاري ومسلم).

والدلالة من هذا الحديث من وجوه:

أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم ((إن لكل قوم عيداً فهذا عيدنا))، يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم.

ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم ((وهذا عيدنا))، يقتضي حصر عيدنا في هذا فليس لنا عيدٌ سواه.

ثالثها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في لعب الجواري بالدف وغنائهن معللاً بأن لكل قوم عيداً، وأن هذا عيدنا، وذلك يقتضي أن الرخصة معللة بكونه عيد المسلمين، وأنها لا تتعدى إلى أعياد الكفار فلا يرخص في اللعب في أعياد الكفار كما يرخص باللعب في أعيد المسلمين.

4- عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أضل الله عن الجمعة مَن كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدنا ليوم الجمعة)) (رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم).

وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة عيداً في غير موضع.

وفي هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا، والسبت لليهود والأحد للنصارى، واللام تقتضي الاختصاص فكل فريق مختص بيومه لا يشركه فيه غيره فإذا نحن شاركناهم في الاحتفال بعيدهم الأسبوعي كنا مخالفين لهذا الحديث فكيف بالعيد الحولي؟، لا شك أنه لا فرق بينهما إن لم يكن العيد الحولي أعظم في الإثم ولا سيما إذا كان يحسب بالشهور القبطية.

5- حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((كان صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم)) (رواه أحمد والنسائي وصححه بعض الحفاظ). وهذا نص في شرع مخالفتهم في عيدهم.

وليس الغرض بيان حكم صيام السبت والأحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى في حديث آخر عن صيام السبت والأحد، وعلل النهي بمخالفة أهل الكتاب. ولذا اتفق العلماء على شرع مخالفتهم في عيدهم، وإنما اختلفوا هل مخالفتهم في عيدهم بالصوم، فيه أو بإهماله حتى لا يقصد بصوم ولا فطر، أو بالتفرقة بين العيد العربي والعيد العجمي على ثلاثة أقول.

الأحاديث السابقة وغيرها تدل على أن للناس في الجاهلية أعياداً كانوا يحتفلون بها، ويجتمعون فيها، وكذلك كان في الجزيرة العربية يهود ونصارى حتى أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته، وكانت لهم أعياد.

ومعلوم أن هذا الأعياد لم يبق منها شئ بل محاها الله تعالى فلم يعد لها ذكر بعد الإسلام، ومعلوم أن المقتضي لفعل هذه الأعياد وما فيها من الأكل، والشرب، واللباس، والزينة، واللعب، والراحة، ونحو ذلك قائم في النفوس كلها إذا لم يوجد مانع خصوصاً في نفوس الصبيان والنساء والفارغين من الناس، فلولا المانع القوي لما درَسَت تلك الأعياد

وهذا يوجب العلم اليقيني بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمنع أمته منعاً قوياً عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها وطموحها بكل سبيل.

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن كثير من المباحات، وبعض صفات الطاعات لئلا يكون ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، فلا شك أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن أعيادهم كان أقوى وأشد، واعلم أنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أهل الجحيم كان أبعد لك عن أعمال أهل الجحيم. وهذا بعد التأمل بين جداً.

الباب الثاني : الفصل الثالث
في وجوه الإجماع على مخالفة الكفار في أعيادهم وبعض أقوال السلف في ذلك

الوجه الأول : وجود اليهود والنصارى والمجوس الذين كانوا في امصار المسلمين يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون ، ومعلوم أن هؤلاء كانت له اعياد يحتفلون بها والمقتضى لبعض ما يفعلونه قائم في نفوس كثير من الناس ، ثم لم يكن على عهد السلف من المسلمين من يشاركهم في شيء من ذلك ، فلولا قيام المانع في نفوس الأمة كراهة ونهيا لوقع ذلك كثيرا .

الوجه الثاني : ما تقدم في شروط عمر رضي الله عنه التي اتفقت عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم ، وفيها أن اهل الذمة لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام ، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها ؟

الوجه الثالث : ما جاء من الآثار وأقوال السلف في مواضيع متفرقة ، وحوادث متعددة ينهون فيها عن مشاركة المشركين في أعيادهم ، تدل على أنه أمر متقرر عندهم ، ولم ينقل عن أحدهم خلاف هذا ، ولا أنكر عليهم أحد ممن سمع كلامهم فدل على اتفاقهم على ذلك ، فمثلا :

1- روى البهيقي بسند صحيح عن سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار عن عمر رضي الله عنه قال : (( لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم )) .

2- وروى بالسند السابق عن الثوري عن عوف عن الوليد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : (( من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة )) .

3- وروى البهيقي بسنده إلى الإمام البخاري بسنده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (( اجتنبوا أعداء الله في عيدهم )) .

4- وروى البهيقي بسند صحيح إلى هشام بن محمد ابن سيرين قال : (( أتي علي بن أبي طالب بمثل النيروز - لعله طعام يصنعونه يوم النيروز أو ما شابه ذلك - فقال : ماهذا ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز ، قال : فاصنعوا كل يوم نيروزا )) قال ابو اسامة : (( كره رضي الله عنه أن يقول النيروز ، قال البهيقي : وفي هذا الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصا به .

قال شيخ الغسلام ابن تيمية عقب هذه الأحاديث ما ملخصه : أما قول عمر : (( فإن السخطة تنزل عليهم )) .
فإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم في بعض العمل أليس يعتعرض للعقوبة ؟
وأما قوله : (( اجتنبوا أعداء الله في عيدهم )) فكيف بمن عمل عيدهم ؟
وأما قول عبد الله بن عمرو فإنه يقتضي أنه جعله كافرا بمشركتهم في مجموع أمورهم .
فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية .
واما علي رضي الله عنه فكره موافقتهم في اسم العيد الذي ينفردون به فكيف بموافقتهم في العمل ؟

ذكر شيخ الإسلام أن المنع من حضور اعياد المشركين هو المنصوص عن الإمام أحمد بن حنبل وعن أصحابه ، قال القاضي أبو يعلي : (( مسألة في المنع من حضور أعيادهم )) ، وقال الخلال : (( باب كراهة خروج المسلمين في أعياد المشركين )) ، وقال الحسن الآمدي : (( فصل : لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود )) .

ثم ساق شيخ الإسلام فصلا في التكلم بالأعجمية لمن يقدر على التكلم بالعربية محصله أنه لا يشرع لأنه تشبه بهم ، ونحن قد نهينا عن ذلك إلا أنه يجوز التلفظ بكلمة أو كلمتين لتفهيم المخاطب ونحوه .

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 27-05-2005, 02:18 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

المسأله اليهوديه..... مقالة غابت منذ 1895م وظهرت بعد 99 سنه



ديستويفسكي يتساءل كيف ومن اين وقعت في زمرة الكارهين كشعب وامه



أنتم لا تعرفون الشعب اليهودي ولا حياته ولا روحه ولا تاريخه ذا الأربعين قرنا في النهاية
هم الذين يتحكمون في البورصات مما جعلهم يتحكمون في سياسة الدول وشؤونها الداخلية وقيمها
كان اليهود يتجنبون الروس ويرفضون الأكل معهم وينظرون إليهم باستعلاء ويبدون اشمئزازهم ونفورهم منهم
يتصفون بالإحساس بالاغتراب والعزلة والإيمان بأنه لا يوجد في العالم سوى الشخصية اليهودية


موسكو: أشرف الصباغ
لعل فصل "المسألة اليهودية" الذي كتبه فيودر ميخائيلوفيتش ديستويفسكي في "يوميات كاتب" من أهم الوثائق التاريخية/الأدبية في التركة العظيمة لهذا الكاتب العالمي على الرغم من الاختلافات الكثيرة حوله، وحول إبداعاته وتوجهاتها. وبالبحث في المكتبة المركزية الروسية -مكتبة لينين سابقا- عثرنا على نسخة من طبعة أ. ف. ماركس ـ سانت بطرسبورج ـ لعام 1895م باللغة الروسية القديمة، ووجدنا فصل "المسألة اليهودية" يمثل الفصل الثاني من "يوميات كاتب" عن شهر مارس 1877م، ويقع في الجزء الأول من المجلد الحادي عشر بالأعمال الكاملة. وقد نُشِرَت تلك اليوميات في مقالات بملحق مجاني لمجلة "نيفا" عام 1895م. أما الكتاب نفسه فقد أجازته رقابة سانت بطرسبورج في 23 يونيو 1895م.
وإذا كان يبدو أننا هنا نَتَّبِع منهجا رياضيا في دقته بالنسبة لتحديد التواريخ والأسماء، فالسبب يعود إلى عوامل كثيرة هامة وجدية وإن كانت غير جديدة بالنسبة لآثار الكبار بداية من وليم شكسبير حتى العديد من كتابنا ومؤرخينا الكبار مرورا بآخرين من أمثال تورجينيف وشولجين وبلينسكي وجونتشاروف وحتى بوريس باسترناك الذي رفض جائزة نوبل عن قناعة شخصية.
إن مقالة "المسألة اليهودية" تحديدا لم تظهر إلى النور بعد عام 1895م في أي من الطبعات التالية لطبعة أ. ف. ماركس المشار إليها أعلاه. وقد ظهرت فقط بعد 99 عاما بالضبط، أي في عام 1994م، في كتيب صغير الحجم ضم مقالات أخرى وملخصات لكتب -كانت ممنوعة أو مهملة عمدا- من أهمها ملخص لكتاب فاسيلي شولجين "ما لا يعجبنا فيهم" عن دار نشر "فيتز". وتكررت نفس الطبعة عام 1995م (أي بعد مئة عام بالتمام والكمال) عن نفس الدار، وحتى الآن لم تظهر بعد ضمن الأعمال الكاملة بصورتها التي كتبها عليها ديستويفسكي. وعلى الرغم من أن الظروف لا تسمح في هذه المقدمة البسيطة بتناول أسباب المنع -أو الإهمال- لهذه المقالة طوال تلك الفترة، إلا إنه يمكننا أن ندرك ظروف وملابسات المنع وأسبابه من خلال قراءتها. مع العلم بأن الفترة التي كُتِبَت فيها كانت مليئة بأحداث تاريخية هامة انعكست في مجملها على بعض الأعمال الإبداعية عند تورجينيف على سبيل المثال في قصة "اليهودي" (1846م)، وعند تشيخوف في قصة "كمان روتشيلد" (1894م)، وأدت على نحو ما -إلى جوار أسباب وأحداث أخرى كثيرة- إلى مشاكل بين الروس واليهود، في روسيا، بداية من عام 1897م حتى عام 1906م، قادت في جزء منها إلى انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عـام 1897م، ثم إلى ثورة 1905م.
أما الأمر الذي لفت انتباهنا إلى هذه الوثيقة التاريخية/الأدبية الهامة، فهو تلك الموجة الجديدة-بعد انهيار الاتحاد السوفييتي- التي حملت معها تغيرات جذرية في مجمل العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتحديدا في العلاقات القومية والإثنية والدينية لشعوب روسيا الكثيرة. إننا هنا لسنا بصدد تحليل أو حتى إلقاء الضوء على ظروف وملابسات هذه الوثيقة. ولكن حركة القوميين الروس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي هبت من رقدتها بشكل مثير للانتباه. وعلى الرغم من شراستها لا يمكن إطلاقا اتهامها بذلك المصطلح الابتزازي المسمى بـ "معاداة السامية". لأنه مع سقوط وتحلل الاتحاد السوفييتي طفت على السطح نزاعات وصراعات دينية وقومية وإثنية وجد الروس أنفسهم فيها في وضع خطير. فهم فعليا لا يملكون في هذه الصراعات والنزاعات ناقة أو بعير، لأنهم بطبيعتهم شعب متسامح ليست لديه أية رواسب قومية أو دينية، وليست لديه أية تعصبات قبلية أو إثنية أو انفعالات متطرفة ضد أي من الأقليات الموجودة في روسيا. ولكن تدني الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وانهيار أحلام الرخاء والوعود البراقة بالازدهار والثراء قد وَلَّت مثل أشياء كثيرة أخرى، وظهرت على الساحة نزاعات قبلية وطائفية (كان البعض منها خاملا وغير فعال حيث تمكنت السلطة السوفييتية من التعامل معه وإدارته بشكل يضمن القضاء عليه تدريجيا، والبعض الآخر كان مستترا وهو الجزء الذي تم استغلاله بعد رفع شعارات الـ "بيريسترويكا" ليحدث ما يحدث في السنوات الأخيرة، ونراه عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة) من الأقليات الشيء الذي دفع مجموعات ودوائر القوميين الروس -وهم قلة، ولكنها فعالة جدا، بل وتمثل جزءا لا يستهان به من "الإنتلجنسيا" الروسية عميقة الثقافة- إلى التعامل مع هذه المشاكل على طريقتها. ولما كان اليهود في روسيا، قبل قيام الاتحاد السوفييتي، قد استطاعوا أن يلعبوا لعبتهم الشهيرة ويسيطروا على مجمل المجالات الحيوية مثل الاقتصاد والإعلام (راجع كتاب فاسيلي شولجين "ما لا يعجبنا فيهم" الذي صدر في فرنسا عام 1930م، وفي روسيا لأول مرة عام 1994م) فقد جاءت ثورة 1917م لتزيح تماما العامل القومي-القبلي، ونجحت بالفعل في ذلك، إلا أنه بمجيء سياسة الـ "بيريسترويكا"، ثم انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام روسيا الاتحادية-الجديدة، ظهر اللوبي الصهيوني مرة أخرى أقوى وأمكر، فسيطر تماما على البنوك ووسائل الإعلام، وبالتالي -بديهيا- على السلطة، ووجد الروس أنفسهم مرة أخرى في ذيل القائمة يتسولون على محطات المترو ويتشردون في الحارات والأزقة المظلمة مع إصرار وسائل الإعلام التي يملكها -جميعا- المليارديرات اليهود على تصوير الروس الجدد بأنهم واجهة المجتمع الروسي، ولا يخفى على أحد أن هذه الواجهة معظمها، إن لم يكن كلها من اليهود، أما الروس منهم فهم إما يعملون بأموال وتوجيهات اللوبي الصهيوني، أو يقومون بغسل أموال المافيا الروسية الشرسة.
نعود فنكرر بأن هذه الهجمة الصهيونية الشرسة التي لا تتردد في الإفصاح عن ذلك والمجاهـرة به، والفخر أيضا بكل إنجازاتها في تخريب كل شيء بروسيا، قد كتلت ضدها تيارا لا يقل عنها سوء، وهو تيار القوميين الروس المتطرفين أيضا. فقاموا منذ بداية التسعينات بإصدار كتب ومطبوعات كثيرة عن الماسونية والصهيونية وبروتوكولات حكماء صهيون، وأحيوا النعرة القومية والقبلية. وما يهمنا في كل ذلك هو قيام التيار القومي الروسي المتطرف بإصدار هذا الفصل من يوميات ديستويفسكي مشوها، وانتزعوا منه 5 صفحات كاملة (أشرنا إليها في هوامش مع الترجمة الكاملة من النسخة الأصلية) بل وسمحوا لأنفسهم بإزالة أقواس ووضع أخرى في أماكن مختلفة. ومع ذلك يبقى كل هذا مجرد رد فعل متطرف على توجهات وسلوكيات أكثر تطرفا في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية متدنية، ويبقى أيضا ديستويفسكي كما عرفناه بتناقضاته وإشكالياته الشخصية والفنية والتاريخية. والأهم من هذا وذاك هو إمكانية الحصول على الوثيقة في آخر طبعاتها قبل المنع. ولتكن هذه الوثيقة إحدى زوايا النظر إلى القدرة الديستويفسكية الفذة رغم ما يتعرض له من حقد شديد وخاصة من جانب اليهود، واحتقارهم لأعماله. ولكن الحكم الأخير للتاريخ وللناس على ديستويفسكي وشكسبير وتورجينيف وباسترناك وجونتشاروف وبلينسكي وشولجين يبقى هو الأساس حيث لا محل هنا للأحقاد الشخصية أو القبلية، أو إطلاق ألفاظ ومصطلحات ابتزازية مثل "معاداة السامية"!.
وعلى الرغم من مرور أكثر من مئة عام على تلك الوثيقة، سنرى بالفعل أنها كما لو كانت قد كُتِبَت منذ عهد قريب، وربما الآن، وكأن ديستويفسكي كان يرى كل شيء عبر الزمن، عبر مئة عام، عبر قيام إمبراطوريات وانهيار أخرى. إنها وثيقة ديستويفسكية أدبية، ربما تكون عاطفية نسبيا، ولكنها على كل حال تظل تمتلك قيمتها التاريخية/الإنسانية.
المسألة اليهودية
لا تعتقدوا بأنني أغامر فعليا بإثارة "المسألة اليهودية"! لقد كتبتُ هذا العنوان على سبيـل الدعابة، لأنه ليس في طاقتي فتح قضية ضخمة مثل وضع اليهود في روسيا التي تمتلك بين أبنائها 3 ملايين يهودي. هذا الأمر ليس بمقدوري، إلا أنني ما زلت أمتلك رأيا ما. ويبدو أن بعض اليهود قد أصبحوا فجأة مهتمين برأيي. منذ فترة وجيزة بدأتُ أتلقى منهم رسائل يوجهون إليَّ فيها اللوم بجدية ومرارة لأنني أهاجمهم[1]، وأنني "أكره اليهودي"[2] ليس بسبب رذائله، "ليس كمُسْتَغِل"، وإنما تحديدا كأصل، أي كما درج عليه القول بأن: "يهوذا هو الذي خان المسيح". يكتب ذلك يهود "متعلمون"، أي من هؤلاء الذين (لاحظتُ ذلك، لكنني لا أود إطلاقا تعميم ملاحظتي، مع التحفظ مسبقا) يحاولون دائما إعطاءنا تصورا بأنهم مع تعليمهم قد أصبحوا منذ زمن بعيد لا يشاركون أمتهم "أباطيلها"، ولا يؤدون الطقوس الدينية مثل الآخرين من اليهود البسطاء، ويرون ذلك أدنى من مستوى ثقافتهم، علاوة على زعمهم بأنهم لا يؤمنون بالرب. وأشير هنا، بالمناسبة، بين قوسين إنه من الإثم على جميع هؤلاء السادة من "علية اليهود" الذين يناضلون هكذا من أجل أمتهم أن ينسوا ربهم ويتخلوا عنه. وذلك بعيد تماما عن كونه إثما يخص فقط المشاعر القومية، وإنما لأسباب أخرى ذات بعد عميق للغاية. إنه لأمر غريب: يهودي بدون رب شيء ما غير مفهوم. يهودي بدون رب أمر يستحيل تصوره. لكن ذلك من الموضوعات الواسعة، لذا سندعه مؤقتا. إن كل ما يثير دهشتي أكثر من أي شيء هو: كيف، ومن أين، وقعتُ في زمرة الكارهين لليهود كشعب، وكأمة؟. فنفس هؤلاء السادة يسمحون لي جزئيا بإدانة اليهودي كمُستَغِل، واستنكار بعض عيوبه ورذائله، ولكن هذا مجرد كلام: ففي الواقع إنه من الصعب إيجاد من هو أكثر تدقيقا وتهيجا وغضبا من اليهودي المثقف كيهودي. ومع ذلك، فمـرة أخرى: متى وكيف صَرَّحتُ بالكره لليهودي كإنسان؟ إن قلبي لم يعرف قط ذلك الكره، ويعرف هذا البعض من أولئك اليهود الذين تعرَّفوا إليَّ وكانوا معي في علاقات، ومنذ البداية، وقبل أية كلمة، أُبعدُ عن نفسي هذا الاتهام مرة واحدة وإلى الأبد كي لا أتذكَّر أي شيء عن ذلك بعد الآن. فهل حقا يتهمونني بـ "الكراهية" لأنني أسمي اليهودي أحيانا "جيدا"؟ لكنني، أولا، لا أعتقد أن ذلك مهينا، وثانيا فكلمـة "جيد" على ما أذكر كنتُ أذكرها دائما للإشارة إلى فكرة سائدة: "يهودي، يهودية، مملكة اليهود"[3] وخلافه. وهذا ما أُطْلِق على ما هو معروف من مفاهيم واتجاهات وصفات في هذا العصر. ويمكن مناقشة هذه الفكرة، بل وعدم الاتفاق معها، ولكن من غير الممكن أن تكون الكلمة سببا للإهانة. وسأورد جزءاً من رسالة أحد المثقفين اليهود الذي كتب إليَّ رسالة طويلة ورائعة في أشياء كثيرة تهمني للغاية.. وهذا أحد أهم الاتهامات الخاصة لي بكراهية اليهودي كإنسان. وبدهي أن اسم السيد ن. ن.، الذي كتب إليَّ الرسالة سوف يظل طي الكتمان.
… ولكنني نويتُ تناول أحد الموضوعات التي لا أستطيع تفسيرها لنفسي إطلاقا، وهو كراهيتكم لـ "الجيد " التي تظهر تقريبا في كل فصل من "يومياتكم". وكم أود معرفة لماذا تقفون ضد الـ "جيد" وليس ضد المُستَغِل بشكل عام.إنني لا أقل كراهية عنكم تجاه خرافات وأباطيل أمتي ـ فما عانيته منها لم يكن قليلا ـ لكنني لن أوافق أبدا إنه في دماء هذه الأمة يجرى استغلال بلا ضمير. هل حقا لا يمكنكم التوصل إلى القانون الأساسي لأية حياة اجتماعية حيث جميع مواطني الدولة الواحدة دون استثناء، لو قاموا بجميع واجباتهم اللازمة لوجود الدولة، يجب أن يتمتعوا بجميع الحقوق والمنافع، كما يجب أن يكون هناك إجراء عقابي واحد وعام للجميع، لمن يخالفون القانون، ولأعضاء المجتمع المضرين؟… إذن فلماذا يجب أن يكون جميع اليهود مُنْتَقَصين في حقوقهم، ولماذا يجب أن تُسَن من أجلهم قوانين تأديبية خاصة؟. وما وجه الأفضلية في استغلال الأجانب (إذ أن اليهود على كل حال من الرعايـا الروس): الألمان والإنجليز واليونانيين الموجودين بتلك الكثرة في روسيا عن الاستغلال اليهودي[4]؟. وما أفضلية مالك الأرض الأرثوذكسي الروسي والمستثمر والبائع أو جابي الإتاوات ومصاص الدماء الموجودين هكذا بكثرة في روسيا كلها عن أمثالهم من اليهود[5] الذين على كل حال يعملون في دائرة محدودة. ما أفضلية هذا عن ذاك.
(هنا يقارن صاحب الرسالة الموقر بعض ملاك الأرض الروس المعروفين بأمثالهم من اليهود، بمعنى أن الروس لا يقلون في ذلك. ولكن على أي شيء يدلل هذا ؟ فنحن لا نتفاخر بملاكنا الروس، ولا نضعهم مثلا للاقتداء، بل على العكس فنحن نتفق بدرجة عالية أن هؤلاء وأولئك سيئون).
ويمكنني أن أطرح عليكم الآلاف من هذه الأسئلة.
إنكم عندما تتحدثون عن الـ "جيد" تسحبون هذا المفهوم على كل الجماهير الفقيرة بشكل فظيع للثلاثة ملايين يهودي من السكان في روسيا، والذين من بينهم 2900000 على الأقل يخوضون نضالا يائسا من أجل وجودهم الذليل، والذين هم أطهر أخلاقا ليس فقط من القوميات الأخرى، وإنما أيضا من الشعب الروسي الذي تعظمونه. إنكم تُضَمِّنُون في تلك التسمية ذلك العدد الموقر من اليهود الذين حصلوا على تعليم عال، والذين يتمايزون في جميع ميادين حياة الدولة. خذوا ولو…
(يورد مرة أخرى هنا بعض الأسماء التي أرى أنه لا يحق لي ذكرها هنا باستثناء جولدشتاين، وذلك ربما يكون كريها للبعض منهم أن يقرؤوا أنهم من أصول يهودية).
جولدشتاين (الذي مات ببطولة في الصرب من أجل الفكرة السلافية)، الذي عمل لصالح المجتمع والبشرية؟. إن كراهيتكم للـ "جيد" تمتد حتى إلى دزرائيلي الذي ربما لا يعلم هو نفسه أن أجداده في زمن ما كانوا يهودا إسبان، والذي لا يقود بالطبع الآن السياسة الإنجليزية المحافظة من وجهة نظر "جيد"؟… للأسف أنتم لا تعرفون الشعب اليهودي ولا حياته ولا روحه ولا تاريخه ذا الأربعين قرنا في النهاية. للأسف، لأنكم على كل حال إنسان مخلص وشريف جدا، ولكنكم تلحقون الضرر دون وعي منكم بجماهير غفيرة من الشعب الفقير ـ أما الـ "جيد" الأقوياء باستقبالهم أقوياء هذا العالم في صالوناتهم، لا يخشون بالطبع لا الصحافة، ولا حتى الغضب العاجز للمُسْتَغَلين. ويكفي الكلام حول هذا الموضوع!. فمن المشكوك فيه أن أقنعكم بوجهة نظري ـ وكم كنتُ أتمنى أن تقنعوني أنتم.
هذا هو الجزء المُقتَطَف. وقبل أن أُجيبُ بشيء ما (إذ أنني لا أود أن أتحمَّل تبعة مثل هذا الاتهام الخطير) ـ أوجه الاهتمام إلى ضراوة الهجوم ودرجة الحساسية. فطوال عام من صدور الـ "يوميات" لم تكن لدىَّ إطلاقا مقالة بهذا الحجم من الضراوة والحساسية ضد الـ "جيد"، والتي كان يمكنها أن تستدعي قوة الهجوم هذه. وثانيا، من المستحيل إغفال أن الراسل الموقر الذي تناول الشعب الروسي في سطوره القليلة تلك، لم يحتمل ولم يتماسك فأخذ يتعامل مع الشعب الروسي المسكين باستعلاء وغطرسة أكثر من الحد اللازم. وفي الحقيقة، في روسيا ومن الروس لم يتبق مكان واحد لم يُبْصَق عليه (كلمة شيدرين)، أما لليهودي فكل شيء "مغفور". وعلى أية حال فهذه القسوة تفصح بوضوح عن كيف ينظر اليهود ذاتهم إلى الروس. لقد كتب هذا بالطبع إنسان متعلم وموهوب (فقط، لا أعتقد أنه بدون أباطيل وخرافات). إذن فماذا ننتظر بعد ذلك من اليهودي غير المتعلم، وما أكثرهم، وأية مشاعر لديه نحو الروس؟. إنني أقول ذلك ليس اتهاما، فكل ذلك شيء طبيعي: أود فقط الإشارة إلى أن الشعب الروسي ليس وحده المذنب في أسباب ودوافع فصلنا عن اليهود، وإنما قد تراكمت تلك الأسباب والدوافع، بالطبع، من الجانبين معا، وليس من المعروف أي طرف قد ساهم بدرجة أكبر. وبعد أن نَوَّهتُ بذلك، سأقول بعض الكلمات لتبرئة نفسي، وكيف أنظر بشكل عام إلى هذه القضية على الرغم من أنني ما زلتُ أكرر أن هذه المسألة ليست بقدر طاقتي، ولكنني على كل حال يمكنني أن أدلي برأي ما.
( 2 )
مع وضد[6]
لنفترض إنه من الصعب تماما معرفة تاريخ الأربعين قرنا لهذا الشعب كيهود، إلا أنني للوهلة الأولى أعرف شيئا واحدا وهو إنه ربما لا يوجد في العالم ككل ذلك الشعب الآخر الذي في كل دقيقة، وفي كل خطوة، وفي كل كلمة من كلماته قد تَشَكي وتَظَلَّم من مصيره، ومن ذله وعذاباته وآلامه، حتى إنك لا تتصور إنهم هم الذين يسودون في أوروبا، وهم الذين يتحكمون في البورصات هناك، الأمر الذي جعلهم يتحكمون في سياسة الدول وشؤونها الداخلية وقيمها. وليكن جولدشتاين النبيل قد مات من أجل الفكرة السلافية، لكن على أية حال لو لم تكن الفكرة اليهودية في العالم بهذه القوة، لأمكن منذ زمن بعيد حل تلك القضية "السلافية" (في العام الماضي) لصالح السلافيين وليس لصالح الأتراك. إنني مستعد للاقتناع بأن اللورد بيكونسفيلد نفسه ربما يكون قد نسى انحداره في زمن ما من اليهود الإسبان (إلا إنه على الأرجح لم ينس). أما إنه قد "قاد السياسة الإنجليزية المحافظة" إلى حد ما من وجهة نظر يهودي[7]، فهذا على حد اعتقادي لا يمكن الشك فيه. وبالطبع فالـ "إلى حد ما" هذه يجب ألا نسمح بها أبدا.
لكن لنعتبر أن كل ذلك من جانبي بلا حجة، نبرة جوفاء وكلام فارغ، وأسلِّم لهم بذلك. إلا أنني على أية حال لا أستطيع أبدا تصديق صراخ اليهود وصياحهم بأنهم إلى هذا الحد مظلومون ومعذبون ومهانون. وفي رأيي أن الفلاح الروسي، بل الإنسان الروسي البسيط عموما يتحمل أعباء أكثر من اليهودي. ويكتب لي مراسلي في رسالة أخرى: "قبل كل شيء يجب منحهم (اليهود) جميع الحقوق المدنية (ولتتصوروا أنهم حتى الآن محرومون من حقهم الأساسي ذاته: الاختيار الحر لمكان الإقامة، الأمر الذي نجم عنه العديد من القيود والمضايقات لكل جماهير اليهود) الممنوحة لجميع الشعوب الغريبة الأخرى في روسيا، وبعد ذلك فقط يمكن مطالبتهم بالقيام بالتزاماتهم نحو الدولة، والسكان الأصليين".
ولكن تخيلوا أيها السيد الراسل وأنتم تكتبون لي في نفس الرسالة، على صفحة أخرى، إنكم "تحبون جماهير الشعب الروسي الكادحة، وتشفقون عليها أكثر بكثير من الجماهير اليهودية" ـ (وهذا أشد ما يمكن أن يقال لليهودي) ـ تصوروا فقط أنه عندما كان اليهود "يعانون من الاختيار الحر لمكان الإقامة"، كان هناك 23 مليونا من "الجماهير الكادحة الروسية" يعانون من نظام الرق والعبودية الذي كان بطبيعة الحال أشد وطأة من "الاختيار الحر لمكان الإقامة". فهل أشفق عليهم اليهود آنذاك؟. لا أعتقد ذلك: فالوضع في أطراف روسيا الغربية وفي جنوبها يمكنه الإجابة على هذا. آنذاك كان اليهود كالعادة يصرخون مطالبين بالحقوق التي لم تكن لدى الشعب الروسي نفسه، كانوا يصرخون ويتشكون بأنهم مقهورون ومعذبون، وبأنه عندما يمنحونهم حقوقا أكثر "عندئذ فقط اطلبوا منا القيام بالتزاماتنا تجاه الدولة والسكان الأصليين "ثم أتى المُحَرِر، محرر الشعب الأصلي، فانظر ماذا حدث، مَنْ كان أول المنقضين عليه كمن ينقض على فريسة، مَنْ في الغالب استغل علله ومشاكله، مَنْ أحاطه بالأكاذيب وخدعه بحرفته الذهبية الأبدية، ومَنْ حل في كل مكان، حيثما استطاع وأدرك، محل الإقطاعيين الذين أُلْغِيَ نظامهم، مع فارق أن الإقطاعيين كانوا رغم استغلالهم الشديد للناس، حاولوا دائما ألا يهلكوا فلاحيهم، على الأرجح من أجل مصالحهم كي لا يستنزفوا القوى العاملة، أما اليهودي فلم يكن يعنيه استنفاد ونضوب القوى العاملة الروسية، وحصل على ما يبغيه ورحل.
إنني أعرف أن اليهود بمجرد قراءتهم لهذا سوف يبدؤون في الحال صراخهم بأن ذلك ليـس صحيحا، وبأنه افتراء ووشاية، وبأنني أكذب إذ أُصَدِّق جميع هذه الحماقات، وأنني "لا أعرف تاريخ الأربعين قرنا" لهؤلاء الملائكة الأطهار الذين دون مقارنة "أطهر أخلاقا ليس فقط من القوميات الأخرى، وإنما من الشعب الروسي" (حسب ما جاء في كلمات الراسل أعلاه). وليكن، ليكن أنهم أطهر أخلاقا من جميع الشعوب في العالم، ومن البدهي طبعا الشعب الروسي، ومع ذلك فقد قرأتُ لِتَوِّي في عدد مارس من مجلة أخبار أوروبا أن اليهود في أمريكا، في الولايات الجنوبية، قد انقضوا دفعة واحدة على ملايين الزنوج الذين تحرروا، وامتلكوهم على طريقتهم "بحرفتهم الذهبية" السرمدية مستغلين عدم خبرة هذه العشيرة المُسْتَغَلَّة ومشاكلها. تصوروا أنني عندما قرأتُ ذلك، تذكرتُ في الحال إنه قد ورد على ذهني منذ خمس سنوات مضت، وعلى وجه التحديد أن الزنوج برغم تحررهم من أصحاب العبيد لا مفر لهم، إذ إنه بطبيعة الحال سوف ينقض اليهود الكثيرون جدا في العالم على تلك الفريسة الصغيرة الطازجة. وأؤكد لكم أنني فكرتُ أكثر من مرة، ووردت خلال تلك الفترة على ذهني فكرة: "لكن لماذا لم تُسْمَع أخبار عن اليهود، ولماذا لا تنشر الصحف، إذ إن هؤلاء الزنوج كنز لليهود، فهل من المعقول أن يغفلوا عنه؟" وفي النهاية حدث وكتبوا في الصحف، وقرأت. ومنذ 10 أيام قرأتُ في جريدة "العصر الحديث" (رقم 371) خبرا واردا من كوفنو[8]: "وصل الأمر إلى إن اليهود قد انقضوا على السكان الليتوانيين الأصليين وكادوا يقضون عليهم جميعا بالفودكا، ولم ينقذ هؤلاء السكارى المساكين سوى القساوسة الكاثوليك حيث هددوهم بعذاب الجحيم وأقاموا بينهم جمعيات الامتناع عن تعاطي الخمور". وفي الحقيقة فقد أبدى المراسل الصحفي المثقف خجله بشدة من مواطنيه، ومع ذلك فقد ذكر إن الاقتصاديين المثقفين قد هبوا في أثر رجال الدين، وبدؤوا في إقامة بنوك قروية لإنقاذ الشعب تحديدا من المرابي اليهودي، كما قاموا بإنشاء الأسواق الريفية حتى تتمكـــن "الجماهير الفقيرة الكادحة" من الحصول على متطلباتها الضرورية بالأسعار الحقيقية، وليس بالسعر الذي يحدده اليهودي. لقد قرأتُ كل ذلك، وأعرف إنهم سيبدؤون بالصراخ في لحظة واحدة بأن كل هذا لا يعني ولا يثبت أي شيء، وإنما هو بسبب أن اليهود أنفسهم مضطهدون ومساكين، وكل ذلك ما هو إلا "صراع من أجل الوجود"، وأن الأحمق فقط هو الذي لا يمكنه إدراك ذلك، وأنه لو لم يكن اليهود ذاتهم فقراء، وإنما على العكس أغنياء، لأظهروا أنفسهم في الحال من أكثر الجوانب إنسانية حتى ليصاب العالم كله بالدهشة والعجب. إلا إن جميع هؤلاء الزنوج والليتوانيين بالطبع هم أشد فقرا من اليهود الذين يبتزونهم، وبالرغم من ذلك (اقرؤوا الخبر) فقد أعرضوا عن التجارة التي يمارسها اليهود. وثانيا فليس من الصعب أن يكون المرء إنسانيا وأخلاقيا حينما يحيا هو فقط حياة الرغد والسعادة، ولكن عندما يصل الأمر إلى "الصراع من أجل الوجود" فلا تمسه. وأعتقد أن هذه الصفات ليست على الإطلاق هي الصفات الملائكية. وثالثا فلن أطرح بالطبع هذين الخبرين من جريدتي أخبار أوروبا والعصر الحديث كحقائق أساسية ودامغة. فلو تم البدء في كتابة تاريخ هذه القبيلة العالمية، لأمكن العثور في الحال على مئة ألف حقيقة مثل هذه، بل وأضخم منها. وبالتالي فحقيقة أو حقيقتان على سبيل الزيادة لا تضيفان أي شيء جديد، إذ إنه ومع ذلك هناك طرافة في الأمر: الطريف إنك إذا احتجت لمعلومات عن اليهودي وأعماله خلال النقاش أو في لحظة تقليبك الذاتي للأمور، فلا تذهب إلى المكتبة من أجل القراءة، ولا تتعب نفسك في تَصَفُّح الكتب القديمة أو مراجعة ملاحظاتك الخاصة، ولا تجهد نفسك ولا تبحث أو تتوتر، ولا تتحرك من مكانك، ولا تنهض حتى من مقعدك، ولكن مد يدك فقط إلى أول صحيفة بالقرب منك، ثم ابحث في الصفحة الثانية أو الثالثة: ستجد في الحال شيئا ما عن اليهود، وفي الحال سيكون هو بالذات ما يهمك، وسيكون قطعا مميزا، وحتما على نفس المنوال ـ أي نفس المآثر والحركات ! معنى ذلك إنه يعني شيئا ما، يشير إلى شيء ما، ويكشف عن شيء ما حتى وإن كنت لا تفقه أي شيء في تاريخ الأربعين قرنا لهذه القبيلة. من البدهي إنهم سيجيبونني بأن كل ذلك من منطلق الحقد، ولذا فالكل يكذب. بالطبع، يمكن تماما أن يحدث ويكذب الجميع دون استثناء، ولكن في هذه الحالة يُطْرَح سؤال آخر: إذا كان الجميع يكذب دون استثناء، وأن كل ذلك من منطلق ذاك الحقد، إذن فمن أين جاء هذا الحقد. إذن فهذا الحقد الجماعي العام يعني شيئا ما، و "أن كلمة الجميع تعنى شيئا ما!" كما هتف يوما بلينسكي.
"الاختيار الحر لمكان الإقامة!" ولكن هل الإنسان الروسي "الأصلي" هكذا لديه الحرية المطلقة في اختيار مكان الإقامة؟ أ ليست حتى الآن موجودة تلك القيود المرفوضة الباقية من مرحلة الرق على الحرية الكاملة لاختيار مكان الإقامة للمواطن الروسي، والتي استرعت اهتمام الحكومة منذ زمن؟ أما بشأن اليهود، فمن الواضح للجميع أن حقوقهم في اختيار مكان الإقامة قد توسَّعت بدرجة كبيرة خلال العشرين سنة الأخيرة. على الأقل أنهم قد ظهروا في روسيا بالأماكن التي لم يرهم أحد فيها من قبل. ومع ذلك فاليهود طوال الوقت يتشكون من الحقد والقيود. ولنفترض إن معرفتي غير جيدة بالحياة اليهودية، إلا أنني أعرف تماما شيئا واحدا، ومن الممكن أن أجادل الجميع، وتحديدا هو: إنه لا يوجد لدى عامة شعبنا أي كره ديني متحامل وغبي وغير مبني على التجربة تجاه اليهود من قبيل "يهوذا هو الذي خــان المسيح"، فإنني أُكرر أن شعبنا كله ينظر إلى اليهودي دون أي كره متحامل. وقد رأيتُ ذلك طوال خمسين عاما، حتى لقد حدث وعشتُ مع الشعب، بين عامته وجماهيره، في نفس العنابر، ونمتُ على نفس الأرضية الخشبية، وكان هناك بعض اليهود ـ لم يحتقرهم أحد، ولم يستثنيهم أو يطردهم. وعندما كانوا يصلون (مع إن اليهود يقومون بالصلاة مع الصراخ مرتدين ملابس خاصة)، لم يجد أحد في ذلك أية غرابة، ولم يضايقهم أحد أو يسخر منهم، وهو الشيء الذي كان بالضبط يمكن توقعه بالذات من شعب خشن، بمفهومنا نحن، مثل الشعب الروسي. ولكن على العكس، فعندما كنا ننظر إليهم، نقول: "هكذا هو دينهم، وهكذا يصلون"، ثم نمر بهم في هدوء، بل وتقريبا باستحسان. ولكن انظر ماذا يحدث، اليهود كانوا يتجنبون الروس في الكثير، يرفضون الأكل معهم، وينظرون إليهم باستعلاء (وأين كان ذلك ـ في السجن!)، بل وكانوا يبدون تقززهم واشمئزازهم ونفورهم بشكل عام من كل ما هو روسي، ومن الشعب "الأصلي". ونفس الشيء في معسكرات الجنود، وفي كل مكان في أنحاء روسيا: اذهبوا بأنفسكم واسألوا، هل يهينون اليهودي في المعسكرات كيهودي، كـ "جيد"، بسبب الديانة والعادات؟ لا يضايقونهم في أي مكان، وهكذا الحال بين أفراد الشعب. على العكس، أؤكد لكم إنه في المعسكرات كما في أي مكان، الروسي البسيط يرى الكثير ويفهم جيدا (اليهود أنفسهم لا يخفون ذلك) إن اليهودي يرفض الأكل معه، يشمئز منه، يتجنبه ويحتاط منه قدر المستطاع. ولكن بدلا من أن يغضب الروسي ويتضايق من ذلك، يقول في هدوء ووضوح: "هكذا هو دينه، وهو الذي يفرض عليه ألا يأكل معنا، وأن يتجنبنا" (أي لا لأنه شرير)، وحين يدرك الروسي هذا السبب السامي، يغفر لليهودي من أعماق روحه. ومع ذلك فقد راودتني أحيانا فنتازيا: ماذا لو لم يكن اليهود في روسيا هم الثلاثة ملايين، وإنما الروس، بينما كان اليهود هم الثمانين مليونا ـ ففي أي شيء كان الروس سيلجؤون إليهم فيه، وكيف كان اليهود سيستخفون بهم؟ هل كان من الممكن أن يمنحونهم حقوقا متساوية مقارنة بأنفسهم؟[9] هل كان من الممكن أن يتيحوا لهم فرصة الصلاة بينهم في حرية؟ أم إنهم كانوا سيحولونهم إلى عبيد لديهم؟ والأسوأ من ذلك أن يسلخوا جلودهم تماما؟ وربما ضربوهم ليصل الأمر إلى الجلد، إلى الإبادة التامة كما فعلوا مع الشعوب الأخرى قديما، في تاريخهم هذا القديم؟ لا، أنني أؤكد لكم إنه لا يوجد لدى الشعب الروسي أبدا كره متحامل تجاه اليهودي، ولكن من الجائز أن يكون هناك عدم تعاطف معه، وخاصة في بعض الأماكن المتفرقة، وحتى من الممكن أن يكون ذلك شديدا. لا شك في أن هذا موجود فعلا ولا يمكن نفيه، ولكنه يحدث عموما ليس بسبب كون الإنسان يهوديا، وليس من منطلق كره ما قبلي أو ديني، ولكن لأسباب أخرى قد أذنب فيها ليس الشعب الأصلي، وإنما اليهودي نفسه.
( 3 )
[10]Status in Statu
أربعون قرنا من الوجود
الكره المبنى على الادعاءات والأباطيل ـ هذا ما يطلقه اليهود على السكان الأصليين مـن اتهامات. لكن إذا كان الحديث يتناول الادعاءات والأباطيل، إذن فماذا تعتقدون: هل يناصب اليهود ادعاءات وأباطيل للروس أقل من التي يناصبها الروس لليهود؟ أ ليس أكثر؟ لقد قدمتُ لكم أمثلة عن مواقف الروس البسطاء تجاه اليهود. وأمامي الآن رسائل يهود ليسوا بسطاء، وإنما من اليهود المتعلمين ـ كم من الكراهية والحقد في هذه الرسائل تجاه "السكان الأصليين" ! والأهم أنهم يكتبون ولا يلاحظون ذلك بأنفسهم.
هل تتصوروا، هذا الشعب الممتلئ بالحيوية، القوى النشيط بصورة غير عادية، والذي ليس له نظير في العالم، يُضَيِّع حدوده واستقلاله السياسي وقوانينه أكثر من مرة، وحتى دينه ـ فقده، وفي كل مرة يعود فيتحد، ثم يُبْعَث من جديد بنفس الأفكار، وإن كان في صورة أخرى، فيصنع لنفسه قوانين وديانة ثم يعود فيُضَيِّع كل شيء. هذا الشعب لا يستطيع أن يحيا بدون الدولة داخل الدولة[11] والتي حافظ عليها دائما في كل مكان خلال سنواته الألفين من المطاردات والتشتتات. إنني حينما أتحدث عن الجيتو، لا أود إطلاقا توجيه أي اتهام، إلا إن كل ما هنالك هو فيما يكمن مغزى الجيتو؟ وفيم تتمحور فكرته؟ وما جوهر هذه الفكرة؟.
إن التعرض لهذا الموضوع كان على الدوام صعبا، ويستحيل ذلك في مقالة قصيرة على وجه الخصوص. وأحد أسباب الاستحالة هنا هو إنه لم يحن بعد الوقت والموعد المناسبين، على الرغم من مرور الأربعين قرنا الماضية، وإن الحكم النهائي للبشرية على هذه القبيلة العظيمة لم يزل بعد قيد المستقبل. ولكن من دون التغلغل في جوهر الموضوع وعمقه، يمكن وصف ولو بعض ملامح هذا الجيتو، أو على الأقل ما يظهر منه. هذه الملامح : الإحساس بالاغتراب والعزلة على مستوى التحجر الديني، وعدم القدرة على الاندماج، والإيمان بأنه لا يوجد في العالم سوى شخصية قومية واحدة ألا وهى الشخصية اليهودية، وحتى إن كان الآخرون موجودين، فالأمر سيان، يجب النظر إليهم وكأنهم غير موجودين. "أُخرج من بين الشعوب، وشَكِّل ذاتك، واعلم إنك الوحيد حتى الآن لدى الإله، اسحق الآخرين أو خذهم عبيدا، أو استغلهم. ثق بانتصارك على العالم كله، وثق بأن كل شيء سيخضع لك. تجنب الجميع في حسم، ولا تشترك مع أحد في معاشك. وحتى عندما تُحْرَم من أرضك، ومن شخصيتك السياسية، حتى عندما تتشتت على وجه الأرض، بين كل الشعوب ـ سيان ـ ثق بأنك موعود بكل ذلك إلى الأبد، ثق بأن كل شيء سيكون. أما بعد، فَعِشْ، وتجنب، واتحد، واعمل، واستغل، و ـ انتظر، انتظر" …
ها هو جوهر فكرة الجيتو، وبعد ذلك طبعا توجد قوانين داخلية، وربما سرية تحدد هذه الفكرة. إنكم أيها السادة اليهود والمدافعون المتعلمون تقولون بأن كل هذا هراء، وإنه " لو كان يوجد جيتو (أي إنه كان، أما الآن فلم يتبق منه سوى آثار ضئيلة)، فالمطاردات الدينية وحدها منذ العصور الوسطى وقبلها هي التي قادت إليه، وهى فقط التي وَلَّدَته. لقد ظهر هذا الجيتو فقط من إرادة البقاء، وإذا حدث واستمر ذلك، وخاصة في روسيا، فإنه فقط بسب أن اليهود حتى الآن غير متساوين في الحقوق مع السكان الأصليين". ولكن يبدو لي أن اليهودي لو كان حتى متساويا في الحقوق، فلن يتخلى بأي حال من الأحوال عن الجيتو. فضلا عن ذلك فالتصميم على الإشارة بأن المطاردة وإرادة البقاء هما السبب في وجود الجيتو شيء غير كاف أو مقنع، كما لو أن الإصرار على إرادة البقاء لم يكن كافيا طوال أربعين قرنا، فكم من المضجر والممل ذلك الإصرار على الحفاظ على النفس طوال هذه الفترة. وكم من أقوى الحضارات في العالم لم يصل عمرها حتى إلى نصف الأربعين قرنا وفقدت قوتها السياسية ومظاهرها القبلية. إذن فليست إرادة البقاء وحدها هي السبب الرئيسي، ولكنها فكرة أخرى متحركة ومسيطرة، شيء ما كوني ربما لا يكون بوسع البشرية بعد إصدار حكمها النهائي عليه كما قلتُ آنفا، حيث أن الطابع الديني في الغالب موجود ـ وهذا مما لا شك فيه. وأن يهوا لا يزال يقود شعبه نحو الهدف الأكيد ـ وهذا بالطبع واضح تماما. إنني مازلتُ أكرر إنه من المستحيل حتى تصور يهودي بدون إله، فضلا عن أنني لا أثق حتى في المثقفين اليهود الملحدين: إنهم جميعا ليسوا إلا جوهرا واحدا، ولا يعلم إلا الله ماذا ينتظر العالم من اليهود المثقفين! لقد قرأتُ في طفولتي وسمعتُ أسطورة عن اليهود تحكي بأنهم ينتظرون في إصرار حتى الآن المسيح المُنْتَظَر، كلهم على حد سواء، بداية من أبسط "جيد" حتى أرفع العلماء والفلاسفة والحاخامات، وإنهم جميعا مازالوا يؤمنون بأن المسيح المنتظر سوف سيجمعهم ثانية في القدس، وسيلقى بسيفه جميع الشعوب تحت أقدامهم، الأمر الذي يجعل اليهود، أو في أبعد الأحوال غالبيتهم العظمى، لا يفضلون إلا مهنة واحدة ـ تجارة الذهب وصناعته بكثرة من أجل ألا يملكوا وطنا، وألا يكونوا مرتبطين بأرض غريبة، كل ما في الأمر أن يكون كل ما لديهم، وكل ممتلكاتهم مجرد ذهب ومجوهرات. وهذا كله لحين ظهور المسيح المنتظر حتى يسهل حمل ونقل كل شيء وقتئذ"
حينما يتلألأ شعاع الفجر
ويضطرم، وتعزف المزامير
والآلات النحاسية والدفوف
سنحمل الفضة والخير
والمقدسات إلى البيت القديم
إلى فلسطين.

كل ذلك، أكرر، سمعته كأسطورة. إلا أنني واثق بأن جوهر الأمر موجود حتما، وبالذات داخل مجمل جماهير اليهود على شكل ميل غريزي يستحيل مقاومته. ولكن من أجل الحفاظ على جوهر هذا الموضوع فلابد طبعا من الحفاظ على أدق وأصرم أشكال الجيتو، وهذا ما تم الحفاظ عليه، ومن ثم فأسباب وجوده لم تكن أبدا المطاردات وحدها، وإنما فكرة أخرى كانت ومازالت…
أما إذا كان يوجد في الحقيقة لدى اليهود ذلك النظام الخاص الصارم الذي يربطهم ببعضهم البعض في كتلة واحدة لها خصوصيتها، إذن فمن الممكن التفكير في موضوع المساواة الكاملة في جميع حقوقهم مع حقوق السكان الأصليين. وبطبيعة الحال فكل ما تتطلبه الإنسانية والعدالة، وكل ما تمليه القوانين الإنسانية والمسيحية يجب أن يُقَدَّم كله إلى اليهود. ولكن إذا كانوا يطالبون بالمساواة الكاملة في كل الحقوق الممكنة مع السكان الأصليين، وفي نفس الوقت يظلون متسلحين بنظامهم وخصائصهم، وعزلتهم الدينية والقبلية، وقواعدهم ومبادئهم التي تتعارض تماما مع تلك الفكرة التي طرحها، أو على الأقل تطور على أساسها العالم الأوروبي بأكمله، إذن ألا يحدث وأن يحصلوا حينئذ على شيء ما أزيد، شيء ما خاص وأعلى حتى من السكان الأصليين ذاتهم؟ وبالطبع فسوف يشيرون عندئذ إلى الأجانب الآخرين زاعميـن: "إنهم متساوون، أو تقريبا متساوون في الحقوق، أما اليهود فحقوقهم أقل من جميع الأجانب. وذلك لأنهم يخشوننا نحن اليهود كما لو إننا أكثر ضررا من جميع الأجانب. ومع ذلك ففي أي شيء يعتبر اليهودي مضرا؟ لو كانت هناك صفي دنيئة في الشعب اليهودي، فهذا يعود وبشكل محدد إلى أن الشعب الروسي نفسه هو المتسبب فيها بجهله وفظاظته وانحطاط ثقافته، وانعدام إمكانيته على الاستقلالية، وضعف تطوره الاقتصادي. إن الشعب الروسي نفسه بحاجة إلى السمسار والمدير، وولي الأمر لأحوالـه الاقتصادية، والمرابي، وهو نفسه الذي يدعوهم ويُسَلِّم لهم. فها هي أوروبا على العكس من ذلك: هناك شعوب قوية مستقلة روحيا ذات تطور وطني شديد، معتادة منذ زمن بعيد على العمل مع القدرة على بذل الجهد، وبالتالي فهم هناك لا يخشون منح اليهودي جميع الحقوق! فهل يُذْكَر في فرنسا أي شيء عن الضرر من جيتو اليهود المحليين؟".
هذا الكلام يبدو مقنعا، ولكن قبل كل شيء تتجلى ملاحظة بين قوسين، وبالتحديد: "فاليهودية تزدهر في تلك الأماكن التي يكون فيها الشعب جاهلا فظا أو غير حر، أو متخلف اقتصاديا ـ هناك فقط يصيرون سادة وأحرارا، وتصير أمورهم على ما يرام!" وبدلا من أن يحدث العكس، بأن يرفعوا بنفوذهم مستوى التعليم، ويعملوا على زيادة المعرفة، وتوليد القدرة الاقتصادية لدى السكان الأصليين. بدلا من كل ذلك نجد اليهودي أينما حل وأقام، أذل الشعب وأفسد فيه أكثر فأكثر، وازدادت البشريـة ذلا وخنوعا، وتدنى مستوى التعليم أكثر، بل وانتشر بشكل أفظع فقر محكم غير إنساني ينمو معه اليأس ويترعرع. اسألوا السكان الأصليين في أنحاء بلادنا، ماذا يحرك اليهود، وماذا حركهم طوال القرون الماضية؟ ستحصلون على إجابة واحدة: عدم الرحمة، "لقد حركهم طوال القرون الماضية شيء واحـد فقط، هو عدم الرحمة تجاهنا، وفقط الارتواء بعرقنا ودمائنا". وبالفعل فمجمل نشاط اليهود في جميع أرجاء بلادنا لا يتركز إلا في وضع السكان الأصليين قدر المستطاع في حالة تبعية مطلقة لهم وذلك باستغلال القوانين المحلية، حيث تحايلوا على الدوام لإيجاد الثغرات في اللوائح والقوانين. وكانت لديهم دوما القدرة على نسج العلاقات مع هؤلاء الذين بأيديهم مقدرات الشعب، حتى إنه لم يعد يحق لهم أن يتذمروا أو يهمهموا بأي شيء عن حقوقهم القليلة بالمقارنة بالسكان الأصليين. لقد حصلوا لدينا على حقوق كثيرة إذا ما قورنت بما لدى السكان الأصليين. إن تاريخ أنحاء روسيا يشهد بما جرى للشعب الروسي خلال عشرات ومئات السنين حيثما حل اليهود. وماذا بعد، هل بوسعكم أن تتذكروا أية قبيلة أخرى من القبائل الغريبة في روسيا يمكن أن تتساوى بهذا المفهوم في نفوذها مع النفوذ الفظيع لليهود؟ لن تجدوها، فاليهود يتفردون بشذوذهم وأصالتهم في هذا المجال أمام جميع القوميات الروسية، والسبب يعود بالطبع إلـى الجيتو، وإلى روحه التي تبث فيهم عدم الرحمة تجاه كل ما هو غير يهودي، وعدم احترام أي شعب أو قومية، أو أي جوهر إنساني آخر ما لم يكن يهوديا. ولكن ما هذا التبرير الذي يقول بأن شعوب أوروبا الغربية لم تسلم نفسها لليهود، وأن ما حدث للروس هم أنفسهم المذنبون فيه؟ هل هذا لأن الشعب الروسي في أنحاء روسيا كان أضعف من الشعوب الأوروبية (ومن هنا فقط كان وضعه السياسي الصعب طوال قرون)، وبالتالي يجب سحقه تماما والقضاء عليه بالاستغلال، وليس مساعدته؟ وإذا كانوا يشيرون إلى أوروبا، إلى فرنسا على سبيل المثال، فمن المشكوك فيه أن الجيتو هناك لم يكن هكذا غير مضر. وبالطبع فتدنى وانهيار المسيحية وفكرتها هناك ليس بسبب اليهود، وإنما بذنبهم هم، غير إنه من المستحيل عدم الإشارة إلى الانتصار القوى لليهودية في أوروبا، والتي حلت محل الكثير من الأفكار السابقة فيها. علما بأن الإنسان كان دائما وفي جميع العصور يمجد النزعة المادية، وكان ينزع لرؤية الحرية وفهمها على إنها مجرد تأمين حياته بالأموال التي يكدسها بكل ما أوتى من قوة، ويختزنها بكل الطرق والوسائل. ومع ذلك فلم تسمُ هذه الطموحات هكذا بشكل واضح وإرشادي إلى مستوى المبدأ البدهي إطلاقا، كما ارتفعت وسمت في قرننا التاسع عشر. "كل إنسان من أجل نفسه، وفقط من أجل نفسه. كل العلاقات بين الناس من أجل المصلحة الخاصة فقط" ـ هذا هو المبدأ الأخلاقي لغالبية الناس الحاليين[*]، ليس فقط للسيئين، وإنما على العكس للكادحين أيضا، الذين لا يقتلون ولا يسرقون. فعدم الرحمة تجاه الجماهير المعدمة، وتداعى روح الأخوة، واستغلال الأغنياء للفقراء كان كله موجودا في السابق وعلى الدوام، لكنه لم يرتفع أبدا إلى مستوى الحقيقة العليا والعلم، بل كانت المسيحية نفسهـا تدينه. أما الآن فعلى العكس، يعتبر كل هذا من أعمال الخير. ولم يكن عبثا أن اليهود يسيطرون طوال الوقت وفي كل مكان على البورصات هناك، وليس عبثا أنهم يحركون رؤوس الأموال ويسيطرون على القروض، وليس عبثا أنهم يتحكمون في السياسة الدولية كلها، وماذا بعد ـ بالطبع فمملكة اليهـود تقترب… مملكتهم الكاملة! ستحل بانتصار كامل لتلك الأفكار التي ستنهار أمامها مشاعر حب الإنسانية، والتعطش للحقيقة، والكرامة القومية، بل وحتى الوطنية للشعوب الأوروبية. ستقبل، على العكس، النزعة المادية، والرغبة الشهوانية الحسية لتأمين الحياة المادية الخاصة، والتعطش الشخصي لتكديس الأموال بكل السبل والوسائل ـ هذا ما سوف يصبح الهدف الأسمى والذكاء والتعقل والحرية بدلا من أفكار الخلاص، الوسيلة الوحيدة للترابط الأخوي والأخلاقي الوثيق بين الناس. سوف يسخرون ويقولون إن كل هذا ليس بسبب اليهود أبدا. طبعا ليس بسبب اليهود وحدهم، لكن إذا كان اليهود قد انتصروا وازدهروا بشكل حاد في أوروبا تحديدا عندما انتصرت تلك المبادئ الجديدة إلى ذلك الحد الذي جعلها في مستوى المبادئ الأخلاقية، فمن المستحيل إغفال أن اليهود قد قاموا بممارسة تأثيرهم هناك، ولعل أصحابنا المدافعين يذكرون أن اليهود على العكس فقراء في كل مكان وخاصة في روسيا، وأن علية اليهود فقط هم الأغنياء، أصحاب البنوك وملوك البورصة، أما التسعة أعشار من اليهود الباقين فهم بكامل المعنى معدمون، يعانون ويقاسون من أجل الحصول على لقمة العيش، يتوددون ويتملقون ويسمسرون ويبحثون من أين يمكنهم الحصول على كوبيك من أجل لقمة الخبز. نعم، هذا صحيح، ولكن على ماذا يدلل، ألا يعنى ذلك تحديدا أن هناك شيئا ما في ممارسات اليهود (أي الغالبية العظمى منهم على أسوأ الفروض)، وأن هناك شيئا ما غير صحيح وشاذ في استغلالهم، شيئا ما غير طبيعي هو بالذات الذي يحمل لهم في طياته العقاب؟ إن اليهود يمارسون التجارة والسمسرة بجهـود الآخرين! ورأس مالهم هو الجهد المتراكم، إنهم يحبون المتاجرة بجهود الآخرين! ولكن على أية حال فهذا لا يغيِّر في الأمر شيئا حتى الآن: على هذا الأساس فعلية اليهود تتعالى وتتسيد البشرية، تسعى بشكل أكثر قوة وصلابة لتفرض على العالم كله مظهرها وصفاتها وجوهرها. إلا إن اليهود مازالوا يصرخون بأن بينهم أناس طيبين. يا إلهي، هل القضية في ذلك؟ إننا لا نتحدث الآن إطلاقا عن الناس الطيبيـن والخبثاء، أ ليس بين أولئك الناس هناك بشر طيبون أيضا؟ وهل كان المرحوم جيمس روتشيلد في باريس شريرا؟ إننا نتحدث عن المجموع، عن فكرته. نتحدث عن الروح اليهودية "الجيدية"، وعن الأفكار اليهودية "الجيدية التي سيطرت على العالم كله بدلا من المسيحية" التي ساء حظها…
( 4 )
ولكن… فلتحيا الأخُوَّة ![12]
لكن ماذا أقول، ولماذا؟ أم أنني عدو لليهود؟ هل صحيح، كما تكتب إليَّ فتاة يهودية لا شك إنها (كما هو واضح من رسالتها، ومن مشاعرها الحارة المخلصة في هذه الرسالة) متعلمة وشريفة ـ أنني عدو لهذه القبيلة "المنكوبة" والتي على حد قولها "أنتهز أية فرصة مناسبة للهجوم القاسي عليها". "إن كرهكم، من البدهي، لمجموعة اليهود التي لا تفكر إلا في نفسها". لا، أنا ضد هذه البدهية حيث إنني أناقش الأمر ذاته، وفي جوهره. على العكس، إنني تحديدا أتحدث وأكتب أنه "يجب العمل على منح اليهود كل ما تتطلبه الاعتبارات الإنسانية والعدالة، وكل ما يستوجبه القانون الإنساني". لقد كتبتُ هذه الكلمات السابقة، والآن أضيف إليها إنه بصرف النظر عن كل الأفكار التي طرحتها، أناصر بشدة التوسيع الكامل لحقوق اليهود في التشريعات الرسمية، ومساواتهم قدر الإمكان في الحقوق مع السكان الأصليين (وإن كانوا في حالات أخرى يملكون الآن، وحاليا، حقوقا أكثر، أو من الأفضل القول بأن لديهم الإمكانيات على الانتفاع بهذه الحقوق أكثر من السكان الأصليين ذاتهم). وبالطبع تَرِدُ على ذهني الآن هذه الفكرة الخيالية: ماذا لو انهارت، على نحو ما ولسبب ما، الجمعية الزراعية التي تحمى فلاحنا المسكين من أخطار عديدة؟ ماذا لو اجتاح اليهود هذا الفلاح المتحرر لِتَوِّه، والذي لا يملك الخبـرة الكافية، أو يمكنه مقاومة الإغراءات التي قامت بحمايته منها الجمعية الزراعية؟ سوف تكون لحظـة نهايته: ستنتقل في الحال أملاكه وقواه جميعا إلى قبضة اليهودي، وسيحل ذلك الزمن الذي لا يمكن مقارنته بزمن نظام الرق والعبودية، بل وحتى بزمن الاحتلال التتري.
ولكن على الرغم من كل هذه الفنتازيا والخيالات، ومن كل ما كتبتُ سابقا، فأنا على أية حال مع المساواة الكاملة والنهائية للحقوق. ولكن إذا كان الأمر كذلك، إذن فلماذا قمتُ بكتابة كل هذه الصفحات، وماذا أردتُ أن أقول! إذا كنتُ هكذا أناقض نفسي؟ ومع ذلك، تحديدا، فأنا لا أناقض نفسي. إنني، من وجهة نظر روسية، وجذرية، لا أرى أية عوائق في توسيع الحقوق اليهودية، وأؤكد أن هذه العوائق موضوعة بلا ريب من جانب اليهود أنفسهم أكثر مما هي من جانب الروس. وفي حالة إذا لم يتحقق ما تمنيته من صميم قلبي، فسوف يكون ذنب الإنسان الروسي بلا شك أقل بكثير من ذنب اليهودي ذاته. وذلك مثلما أشرتُ إلى اليهودي البسيط الذي لم يكن يريد التعامل أو الأكل مع الروس الذين لم يغضبوا فقط أو ينتقموا منه لذلك، وإنما على العكس فكروا باتزان وتعقُّل، وسامحوه قائلين: "هكذا هو، لأن دينه كذلك" ـ هذا الأمر بالنسبة لليهودي البسيط، أما بالنسبة لليهودي المثقف فكثيرا ما نرى ذلك التعالي الشديد على الروس، في نفس الوقت الذي يصيحون فيه بأنهم يحبون الشعب الروسي، لدرجة أن أحدهم كتب إليَّ بأنه من المؤسف له تحديدا أن الشعب الروسي ليس له دين، ولا يفقه شيئا في مسيحيته. وهذا حديث شديد الوطأة بالنسبة لليهودي، ويطرح سؤالا هاما: هل يفقه هذا اليهودي المتعلم نفسه شيئا ما في المسيحية؟ ولكن صفتي الصلف والاستعلاء لدى اليهود من أثقل وأقسى الصفات بالنسبة لنا نحن الروس. فمَنْ مِنَّا نحن الروس أو اليهود أقل قدرة على فهم الآخر؟ أُقْسِمُ بأنني أقرب إلى تبرئة الروس وعذرهم: فلدى الروس على أية حال لا يوجد (وهذا شيء غير إيجابي!) أية كراهية أو تعصب ديني ضد اليهود. إذن فأين الأفكار الأخرى، ولدى مَنْ أكثر؟ اليهود يصرخون بأنهم طوال قرون عديدة كانوا مُطَارَدين ومُضطَهَدين، مُطَارَدين ومُضطَهَدين، وهذا ما يجب أن يأخذه الروس في كل الأحوال في اعتبارهم عند الحكم على الطابع اليهودي. حسنا، سنأخذ ذلك في حسابنا، بل ويمكننا أيضا إثباته: كم من مرة تلاقت وارتفعت أصوات المثقفين الروس دفاعا عن اليهود، ولكن هل يأخذ اليهود في اعتبارهم، رغم شكواهم من الروس واتهامهم لهم، القرون العديدة التي عانى فيها الشعب الروسي نفسه؟ هل من الممكن إثبات أن هذا الشعب قد عانى "في تاريخه كله" ظلما وشرا أقل مما عاناه اليهود أينما كانوا؟ وهل يمكن التصديق على أن اليهودي ليس هو الذي كثيرا ما اتحد مع ظالمي هذا الشعب، وكثيرا ما تعهد لهم بضبط الشعب الروسي، ومن ثم تحول هو نفسه إلى ظالم له؟ لقد حدث كل ذلك بالفعل، وهذا تاريخ، وحقيقة تاريخية، ومع ذلك فلم نسمع أبدا أن الشعب اليهودي قد ندم على ذلك، وفي ذات الوقت ما زال يتهم الشعب الروسي بأنه لا يحبه.
"ولكن كفي! كفي!" فلتكن الوحدة الروحية الكاملة لكل الشعوب والأقوام، فلا أي فارق في الحقوق! ومن أجل ذلك، وقبل كل شيء، أرجو من اليهود الذين يعارضونني، والذين يرسلون إليَّ الرسائل أن يكونوا على العكس متسامحين وعادلين تجاهنا نحن الروس. وإذا كان اشمئزاز اليهود الكئيب الدائم وتعاليهم تجاه الروس وليد التحامل "الرواسب التاريخية" وليست أمورا مستترة في أحد الأغوار الخفية العميقة لقوانينهم ونظامهم، فلسوف يزول كل ذلك سريعا، وسنخطو معا في روح واحدة، وأُخُوَّة كاملة تجاه عون متبادَل وخدمة عظيمة لأرضنا ودولتنا ووطننا! ولتتوقف الاتهامات المتبادَلة، وتزول سورة الحماس الدائمة لتلك الاتهامات، والتي تعوق الفهم الواضح للأمور. وبالنسبة للشعب الروسي يمكن التأكيد بأنه سوف يتقبل اليهودي في علاقة أُخُوَّة كاملة بصرف النظر عن اختلاف الدين، وباحترام كامل للحقيقة التاريخية لهذا الاختلاف. ولكن من أجل التآخي، والتآخي الكامل، يجب أن يتم ذلك من الجانبين على السواء. وليُعَبِّر اليهودي للروسي حتى ولو عن القليل من المشاعر الأخوية لكي يشجعه هو أيضا على ذلك. إنني أعرف إنه من الممكن حاليا أن نجد بين الشعب اليهودي العديد من الأشخاص الباحثين عن مواضع الخلل، والمتعطشين لإزالتها والتخلص منها. كما أن بينهم أناس يحبون البشر، ولن أصمت أبدا عن ترديد ذلك حتى لا أخفي الحقيقة. فمن أجل ألا يُحْبَط هؤلاء النافعون والمحبون للإنسانية من اليهود، ومن أجل تخفيف تحاملهم، ومن أجل تيسير أمورهم للشروع في بذل الجهود، أتمنى لو يحدث توسيع كامل في حقوق الفئة اليهودية، ولو بقدر الإمكان، وتحديدا بقدر ما يبرهن الشعب اليهودي نفسه عن قدرته على الاستفادة من هذه الحقوق دون إلحاق الضرر بالسكان الأصليين، وحتى يمكننا أيضا أن نتقدم إلى الأمام، وأن تكون هناك خطوات أكثر من جانب الشعب الروسي… والسؤال يكمن في: هل سيتسنى لأولئك الناس الجدد الطيبين من اليهود أن يقوموا بأمور كثيرة، وإلى أي حد هم قادرون على التعامل مع الجديد الرائع من أجل الارتباط الأقوى الحقيقي مع بشر مختلفين عنهم في الدين والدم؟.
-------------------------------------
[1] الأقواس موجودة في طبعتي 1994م، 1995م، ولكنها غير موجودة في طبعة 1895م.
[2] لم يكتب ديستويفسكي هنا كلمة يهودي بالروسية، ولكنه استخدم كلمة "جيد" بتعطيش الجيم المأخوذة بدورها من الكلمة الإنجليزية "Judas" التي تقال عادة في روسيا لتحقير اليهود.
[3] استخدم ديستويفسكي هنا التسمية الشعبية السائدة " جيد ". وبهذه الفقرة تم اختتام الجزء الأول من المقال في طبعتي 1994م، 1995م. وما سيأتى بعد ذلك موجود فعليا في النص الأصلي، وذلك حتى بداية الجزء الثاني.
[4] كاتب الرسالة يستخدم أيضا الصفة من كلمة "جيد".
[5] يستخدم أيضا جمع كلمة "جيد".
[6] في طبعتي 1994م، 1995م تم حذف هذا العنوان وبدا كما لو كان ديستويفسكي يواصل كلامه بفقرة جديدة. إلا إنه في طبعة 1895م يوجد هذا العنوان مع الكلمات اللاتينية حيث يفصلها حرف ( ? ) الروسي بدلا من ( And ) الإنجليزية. انظر الهامش رقم 3.
[7] لم يكتبها ديستويفسكي يهودي بالروسية، وإنما كتبها " جيد ".
[8] مدينة فيلنوس حاليا ـ عاصمة جمهورية ليتوانيا.
[9] من البدهي أن ديستويفسكي أثناء كتابته لهذه المقالة لم يكن يعرف إطلاقا أن اليهود سوف يقومون بعد سبعين عاما بتشريد شعب بأكمله واحتلال وطنه. ولكن في قضية " ألبرت ماكاشوف " في نهاية القرن العشرين، كانت تلك النقطة التي يتحدث عنها الآن ديستويفسكي هي أحد الأسباب التي فجرت الأزمة في روسيا حيث ضرب ماكاشوف مثلا بدولة إسرائيل الحالية قائلا : إذا كانت السلطة في روسيا تتكون من 95% من الأقلية اليهودية التي تعيش بين مئة وسبعين مليونا من الروس في نفس الوقت الذي نرى فيه ( دولة إسرائيل الديمقراطية المراعية لحقوق الإنسان ! ) لا تتضمن السلطة فيها ممثلين عن الشعب الفلسطيني على الرغم من عدد السكان الفلسطينيين الذين يفوقون أعداد اليهود في تلك الدولة.
[10] جاءت في النص الأصلي بطبعة 1895م باللاتينية دون ترجمة حيث استخدمها ديستويفسكي إلى جانب العنوان الروسي. وقد ترجمت إلى الروسية في طبعتي 1994م، 1995م بمعنى " دولة داخل الدولة " في حين تم حذف العنوان " أربعون قرنا من الوجود " المكتوب بالروسية في النص الأصلي لعام 1895م.
[11] جاءت باللاتينية ( Status in Statu )، وأقرب معنى لها في النص هو " الجيتو ".
[12] هذا الجزء تم حذفه ( أو إغفاله ) تماما من طبعتى 1994م، 1995م.[*] هي الفكرة الأساسية للبرجوازية التي حلت محل النظام العالمى السابق في نهاية القرن الثامن عشر، والتي وضعت الأفكار الرئيسية لمجمل القرن التاسع عشر في العالم الأوروبي كله.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 27-05-2005, 11:28 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

اليهود هم اليهود..

والصهاينة هم الصهاينة

مرشد إبراهيم



في 23/11/2001، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت مقالاً بعنوان: "العرب هم العرب" عبر فيه الصحفي الصهيوني ميرون ربابورت عن دهشة الجمهور في الكيان الصهيوني إزاء تراجع المؤرخ الصهيوني الكبير بني موريس عن أفكاره التي كان قد عبر عنها في كتابه المنشور عام 1988، بعنوان "ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين".

لقد عاد بني موريس بعد 13 سنة على نشر كتابه الأول إلى نقض أفكاره السابقة. فبعد أن عرض عام 1988 للمظالم التي تعرض لها الشعب الفلسطيني وعرض الوثائق التي تؤكد أن الفلسطينيين قد أجبروا على ترك مدنهم وقراهم تحت الإرهاب والسياسات الصهيونية العنصرية. إذ به يعود ليصدر طبعة جديدة من الكتاب تبرئ الصهاينة من مسؤوليتهم عن صنع مأساة اللاجئين الفلسطينيين وتحمل هذه المسؤولية للعرب.

هذا الفصام الصهيوني الذي جسده بني موريس، يعكس طبيعة هذا الكيان الذي ما زال يجبن عن مواجهة حقيقته، ويحارب كل من يجرؤ على ملامسة هذه الحقيقة.

القراءة التالية، تسعى إلى إلقاء الضوء على قضية بني موريس من واقع كونها تمثل جانباً من الصراع المحتدم داخل الكيان الصهيوني، بين حقيقة هذا الكيان وبين الصورة الملفقة للتجربة الصهيونية التي يسعى الصهاينة إلى تصديرها للعالم.



بني موريس

من مراجعة الصهيونية إلى إعادة إنتاجها

قضية بني موريس عميد "المؤرخين الجدد" في الكيان الصهيوني، تستحق وقفة تأمل ودراسة متأنية، فالنقاش الخطير الذي ولدته هذه القضية على المستويات الفكرية والسياسية والأكاديمية في الكيان الصهيوني يكاد يختزل كامل أبعاد المشروع الصهيوني، ويمس في الصميم. مشروعية هذا الكيان ومصداقية المقولات الأساسية التي أنشئ عليها.

وتزداد أهمية هذا النقاش من كونه نقاشاً داخلياً يتناول قضايا حساسة للغاية، كانت حتى الأمس القريب تعتبر ضمن المحرمات، أو على أقل تقدير جزءاً من أسرار الدولة التي لا ينبغي أن يطلع عليها الآخرون، أو أن تكون موضوعاً للتداول على المستوى العام.

ملخص قضية بني موريس، أنه نشر في عام 1988 كتابه: "ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، والذي أثبت فيه من خلال الوثائق والشهادات الحية، أن عملية ترحيل الفلسطينيين خلال حرب 1948 قد تمت وفق أسس مدروسة ومتعمدة، وأن جملة الإجراءات العسكرية والإدارية التي اتخذها القادة الصهاينة بهذا الصدد كانت تهدف إلى إجلاء الفلسطينيين بالقوة عن ديارهم، وإجبارهم على مغادرة المناطق التي يسيطر عليها الصهاينة، ومن ثم عدم السماح لهم تحت أي شرط من الشروط بالعودة إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم التي أجبروا على الرحيل عنها.

لم يكن بني موريس يسعى من خلال إصداره ذلك الكتاب إلى أن يصبح بطلاً أو ضحية، بل إنه لم يكن مدفوعاً إلى ذلك بأي أيديولوجيا أو موقف سياسي محدد. لقد تم الأمر بمحض الصدفة: كان بني موريس يعمل على تأليف كتاب حول سيرة "البالماخ"، ومن خلال تصفحه للوثائق اكتشف حكاية اللاجئين الفلسطينيين. وقد فوجئ بالفارق الشاسع بين ما تظهره هذه الوثائق وبين ما تم تسويقه رسمياً حول قضية اللاجئين الفلسطينيين. وكان قد أتيح للكاتب زيارة لبنان في أعقاب الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، حيث التقى بالعشرات من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان, واستمع منهم إلى العديد من الروايات حول ظروف ترحيلهم من مدنهم وقراهم في فلسطين، وما رافق ذلك من أعمال بطش وإرهاب وإجراءات صهيونية قسرية حملتهم على مغادرة بلادهم. وقد تقاطعت تلك الروايات مع ما اكتشفه من وثائق في الأرشيفات المفرج عنها في دوائر الكيان الصهيوني مثل أرشيف الدولة وأرشيف الجيش وغيرها.

الحقيقة والعقاب

كانت دوافع بني موريس لإنجاز كتابه حول اللاجئين الفلسطينيين أكاديمية بحتة، غير أن ما ولده كتابه من ردود فعل عاصفة داخل الكيان الصهيوني تجاوزت كثيراً الإطار الأكاديمي. لقد حطم بني موريس، ربما عن غير قصد، ولكن بصورة علمية موثقة، واحدة من أهم الأساطير التي قام على أساسها الكيان الصهيوني، ونسف الرواية الصهيونية الرسمية حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي تزعم أن الفلسطينيين غادروا بلادهم بملء إرادتهم، أو تلبية لنداءات وجهت لهم من قبل الزعماء العرب، وليس نتيجة لأي ضغط أو إكراه من الجانب الصهيوني، مما يترتب عليه تبرئة ساحة الجانب الصهيوني من المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه مأساة اللاجئين الفلسطينيين.

تلك القنبلة التي فجرها بني موريس، في ذلك الوقت، أثارت ضده عاصفة من النقد اللاذع والاتهامات الشنيعة التي وصلت إلى حد اتهامه بالخيانة، وبوصفه بأنه "عدو الشعب". وفقد بني موريس على إثر ذلك وظيفته في صحيفة "جورزالم بوست"، ولم يتمكن طوال عشر سنوات بعد نشر كتابه من الحصول على عمل له في الوسط الأكاديمي في الكيان الصهيوني، على الرغم من أنه يحمل درجة بروفيسور في التاريخ.

لقد كانت جريمة بني موريس أنه كشف جانباً من الحقيقة. وفي كيان مثل الكيان الصهيوني، فإن كشف الحقيقة يعتبر جريمة يستحق مرتكبها العقاب، خاصة إذا كانت تلك الحقيقة لا تختلف في جوهرها كثيراً عن الجريمة. لكن قصة بني موريس لا تنتهي عند هذا الحد، بل لعلها تبدأ من هنا بالذات.

الأصل والصورة

فبدءاً من عام 1979، ورغبة في تقليد الدول الأوروبية العريقة، قام الكيان الصهيوني بالإفراج عن الملفات والوثائق الرسمية، التي مضى عليها ثلاثون سنة، والتي تنتهي بنهاية العام 1949. وهكذا أصبح بين يدي الباحثين ملفات ضخمة تغطي أحداث عامي 1948 ـ 1949. وهما العامان الأخطران في عمر المشروع الصهيوني.

كان أبرز الوثائق المفرج عنها متضمناً في أرشيف مؤسسات اكتنف عملها لسنوات طويلة طابع السرية مثل: أرشيف الهاغاناه، الأرشيف الصهيوني المركزي، أرشيف حزب العمل. أرشيف الكيبوتس الموحد. أرشيف بن غوريون في سديه بوكر، الأرشيف المركزي لتاريخ الشعب اليهودي، أرشيف يادفيشم (الكارثة والبطولة). أرشيف الجيش، أرشيف مدينة القدس، وأرشيف الدولة.. الخ.

والمفارقة هنا، أن الكيان الصهيوني في تقليده الأعمى لهذا التقليد الغربي، فاته الفارق الجوهري في محتوى التاريخ بين الدول القومية الأوروبية ذات النشأة الطبيعية وبين الكيان الصهيوني. فالتاريخ الطويل لكل دولة أوروبية يتألف من مراحل متعددة تعبر عن سياق تطوري متكامل لتاريخها، على الرغم من تميز كل مرحلة من تلك المراحل بسمات خاصة تميزها عما قبلها وما بعدها من المراحل. مما يعني أن إدانة مرحلة معينة من تاريخ دولة من تلك الدول لا يعني إدانة تاريخها بمجمله أو المس بشرعية وجودها.

أما بالنسبة للكيان الصهيوني، فالأمر مختلف تماماً، حيث إن تاريخ هذا المشروع ما زال يتألف من مرحلة واحدة لم تكتمل بعد، وهي مرحلة الصراع لفرض وجوده بالقوة على المنطقة. ومن المنظور الاستراتيجي، فإن ما أحرزه المشروع الصهيوني من نجاحات، حتى هذه الأيام، وخاصة فيما يتصل باحتلال الأرض الفلسطينية وتهجير قسم كبير من الشعب الفلسطيني، فإن مثل هذه النجاحات لا يمكن النظر إليها إلا من حيث كونها نتائج تكتيكية مؤقتة تعكس الخلل السائد في موازين القوى على الأرض الفلسطينية وحولها.

إن أسس الصراع على أرض فلسطين ما زالت قائمة اليوم، كما كانت قبل قرن من الزمن. وهي لا تزال تتفاعل ضمن مسار تاريخي يعمقها ولا يلغيها أو يغيرها.

إن حرب 1948، لا تشكل نهاية مرحلة تاريخية بالنسبة للكيان الصهيوني، ولا بداية مرحلة جديدة، بل نقطة تطور نوعي في الصراع ذاته الذي بدأ مع بداية الغزوة الصهيونية، منذ مطلع القرن الماضي. فالكيان الصهيوني، على الرغم من اعتراف العديد من الدول به، إلا أنه لا يمتلك بعد حدوداً سياسية مرسمة شأن أية دولة أخرى. كما أنه لم يخرج عدوه الرئيس، أي الشعب الفلسطيني من ميدان الصراع، مما يعني أنه لم يستطع أن يغلق هذا الصراع، وبالتالي أن يكرس وجوداً دائماً وثابتاً ضمن علاقة طبيعية مع المحيط الجغرافي والثقافي والسياسي للمنطقة.

الصراع، هو الحقيقة الثابتة الوحيدة التي تصف ماهية وطبيعة المشروع الصهيوني، وبنتيجة هذا الصراع، وبعد توقفه فقط، ستولد الحقائق التاريخية الثابتة والدائمة على أرض فلسطين.

قضية اللاجئين الفلسطينيين، هي البرهان الأوضح على أن الصراع لم يغلق بعد وأنه لم يسفر عن نتائج نهائية بعد، على الرغم من مضي أكثر من نصف قرن على بعض تلك النتائج. فلقد استغل الصهاينة، أحداث الحرب عام 1948 ليهجروا 750 ألف فلسطيني. بالإكراه وباستخدام الحرب النفسية من خلال المجازر الرهيبة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية خلال تلك الحرب. كما تم طرد عشرات الألوف بصورة مباشرة وتم إجلاؤهم بالقوة عن قراهم وتم نقل العديد منهم بالشاحنات إلى ما وراء الحدود الفلسطينية.

وعندما تقدم الصهاينة في أواخر عام 1948 إلى الأمم المتحدة للاعتراف بكيانهم، فقد ضمنت الأمم المتحدة في قرار اعترافها بالكيان الصهيوني عدة اشتراطات عليه الالتزام بتحقيقها ليكون الاعتراف به ناجزاً وفي مقدمة تلك الاشتراطات الالتزام بتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين.

لكن الصهاينة، وبمجرد اعتراف الجمعية العمومية بكيانهم في آذار 1949، تراجعوا عن مواقفهم على تطبيق قرار الأمم المتحدة بخصوص اللاجئين الفلسطينيين، وتنصلوا من أية مسؤولية عن تهجير الفلسطينيين إلى خارج ديارهم. وصدروا للعالم تلك الرواية الرسمية التي تزعم أن الفلسطينيين غادروا مدنهم وقراهم برضاهم أو بتأثير نداءات وجهت لهم من زعمائهم العرب. وبالمحصلة فقد نظر الصهاينة إلى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها مشكلة عربية وليست مشكلة يتحمل مسؤولية حلها المتسبب الحقيقي وهو الكيان الصهيوني.

وبالعودة إلى بني موريس، فإن كتابه "ولادة قضية اللاجئين الفلسطينيين" لم ينطو على إبداع كبير، على الرغم من أنه كان سبباً في حمل مؤلفه لقب "عميد المؤرخين الجدد". لقد استفاد بني موريس من كنز المعلومات والوثائق الجديدة التي تم الإفراج عنها، وكان جل إبداعه ينحصر في كشفه عن هذه الوثائق وتضمينها في كتابه، الأمر الذي شكل انقلاباً خطيراً في الرواية الرسمية الصهيونية التي تم الترويج لها طوال أربعة عقود، وبالتالي، فإن العديد من الصهاينة أنفسهم قد صدموا لما تضمنه الكتاب من حقائق ومعلومات جديدة تتصل بقضية حساسة للغاية مثل قضية اللاجئين الفلسطينيين. لقد نشر بني موريس كتابه عام 1988 بالإنكليزية عن دار كامبردج خارج الكيان الصهيوني، بحيث لم يتح للصهاينة فرض أي رقابة على ما ورد فيه من معلومات من جهة، كما يسر له أوسع انتشار على المستوى العالمي من جهة أخرى، الأمر الذي زاد من حنق الصهاينة على مؤلفه.

لقد انهارت الرواية الرسمية الصهيونية حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، ولم يعد الصهاينة قادرين على التنصل من مسؤوليتهم المباشرة في صنع مأساة اللاجئين الفلسطينيين، ولكن كان على بني موريس أن يتحمل أيضاً مسؤولية هذه الورطة التي أوقع فيها الكيان الصهيوني. وهكذا بدأت رحلة المعاناة والنبذ التي عاشها بني موريس طيلة عشر سنوات، والتي اضطر في نهايتها إلى العودة إلى حضن الصهيونية، من خلال إصدار طبعة جديدة معدلة من كتابه حول اللاجئين الفلسطينيين.

اكتشف عميد المؤرخين الجدد، بعد طول معاناة، أن تاريخ كيانه يتألف من مرحلة واحدة لم تكتمل بعد، وأن إدانة ماضي هذا الكيان هي إدانة لحاضره، حيث ينضوي الماضي والحاضر ضمن حيز هذه المرحلة غير المكتملة، وأن ما فعله الصهاينة بالأمس يتوجب عليهم دفع استحقاقاته اليوم أو غداً، وهكذا فقد حاول بني موريس في طبعته الجديدة المعدلة من كتابه أن يلوي عنق الحقيقة بطريقة مبتكرة. لقد ثبت بني موريس كل الحقائق الواردة في الطبعة الأولى من كتابه والتي تؤكد مسؤولية الصهاينة المباشرة عن تهجير الفلسطينيين، بل زاد عليها ما تيسر له تالياً من تلك الحقائق والوثائق. ولكنه أضاف إلى الطبعة الجديدة إضافات ملفقة تتصل بالاستنتاجات المترتبة على الحقيقة الأولى.

يزعم بني موريس في كتابه المعدل أنه لم تكن هناك سياسة مبرمجة واضحة لطرد الفلسطينيين من ديارهم، وأن المبادرة إلى ذلك جاءت من القادة الميدانيين، الذين أدركوا أنه من الأفضل قتل الفلسطينيين أو طردهم حتى لا يكون هناك طابور خامس وراء ظهورهم. أما القرار المنهجي فقد كان، حسب رأيه، عدم السماح للعرب بالعودة، فهذا كان قراراً حكومياً اتخذ في تموز 1948. وموريس يعتبر أن هذا القرار كان أحد أهم قرارين أو ثلاثة قرارات في تاريخ الدولة.

يعترف بني موريس (الجديد) أن ما حدث عام عام 1948 كان "تطهيراً عرقياً جزئياً"، ولكنه لا يعتقد أن هذا المصطلح سلبي. "فما حدث في عام 1948 كان مسألة لا مفر منها" وهو لا يرفضه أخلاقياً "فلولا طرد السكان الفلسطينيين لما ظهرت هنا دولة يهودية، وإنما دولة مع جالية عربية كبيرة وطابور خامس، كما أطلق عليه وبحق، موشيه شاريت وغيره من القادة".

الانقلاب الأخطر في موقف موريس يتمثل في رؤيته الجديدة للمسؤولية عن قضية اللاجئين. لقد وجه له صحفي صهيوني السؤال المحدد التالي:

أنت الشخص الذي كشف لنا مسؤوليتنا عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، فهل تطلب منا، الآن، تجاهل ما كشفته؟.

ويجيب موريس: أنا كشفت الحقيقة بعد ما حدث في عام 1948، كشفت الحقائق التاريخية، ولكن العرب هم الذين بدؤوا الحرب، وهم الذين بدأوا إطلاق النار، فلماذا يتوجب علينا تحمل المسؤولية؟ العرب بدأوا الحرب وهم المسؤولين.

وحسب وجهة نظر بني موريس الجديدة، يعتبر أي ذكر لحق العودة كارثة، ووصفة لتدمير الكيان الصهيوني، وهو يعارض حتى مجرد الاعتراف بالمسؤولية الصهيونية عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين، حتى لو كان ثمن ذلك تنازل الفلسطينيين عن تجسيد حق العودة. بل إن بني موريس يذهب إلى أبعد من ذلك كثيراً في رؤيته لحل مشكلة الوجود الفلسطيني داخل المناطق المحتلة عام 1948. فهو يدعو إلى الترانسفير، دون أن يسمي ذلك صراحة، فمن وجهة نظره الراهنة، ثمة إمكانيتين لحل هذه المشكلة: "إما ضم تجمعات عربية للدولة الفلسطينية أو لدولة عربية مجاورة. أو أن "يرغبوا" هم بمغادرة البلد، وهذه مسألة يمكن أن تحدث".

إزاء ما يولد مثل هذا الانقلاب في المواقف والرؤى من ذهول لدى الصهاينة أنفسهم، يتساءل الصحفي الصهيوني الذي أجرى الحوار مع بني موريس: "من هو بني موريس إذن؟ هل هو المؤرخ الذي كشف النقاب عن مظالم اليهود ضد العرب في عام 1948، أم أنه الشخص الذي يقوم اليوم بتبرير هذه المظالم؟". بني موريس يقول إنه قد يكون منفصماً مثل النفس الصهيونية المنقسمة والمتناقضة، التي تكون إنسانية من جهة، وهدامة من جهة أخرى.

المراجعة أم التماثل

لكن المشكلة تبدو أعمق من ذلك بكثير، إنها ليست مشكلة شخص بقدر ما هي مشكلة التجمع الصهيوني بكامله، والتجربة الصهيونية منذ بدايتها. لقد تشكلت التجربة الصهيونية في فلسطين وفق مخطط مسبق، رسمت تفاصيله وخطوطه على بعد آلاف الأميال من فلسطين، ومن قبل أشخاص لم يقيض للعديد منهم الوصول إلى فلسطين ومعاينة واقعها البشري أو الاقتصادي أو السياسي. كان مجرد مشروع نموذجي لإقامة مستعمرة كولونيالية في فلسطين أو أوغندا أو الأرجنتين، أو غيرها، وهو بصورة عامة، يركز على الجوانب الميكانيكية لإقامة المشروع، ويلحظ بصورة أساسية جدوى المشروع ومصالح القائمين عليه، دون أن يضع في الاعتبار أية مصلحة للمستهدفين به.

عند المباشرة بتطبيق المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، لحظ العديد من قادة هذا المشروع الميدانيين التباينات الواسعة بين المخطط الصهيوني الجاهز وبين الواقع على الأرض الفلسطينية.

التباين الأخطر، تمثل في وجود شعب عريق يعمر البلد منذ آلاف السنين، وليس كما ورد في المخطط، حول "الأرض المهجورة التي تنتظرنا منذ ألفي عام" أو وجود بعض البدو الرحل الذين لن يشكلوا عقبة أمام المشرع الصهيوني. لقد تبين بجلاء للرواد الصهاينة الأوائل أن أي إنجاز لصالح هذا المشروع ينطوي على ظلم مماثل في الجانب الآخر، وأن تحقيق هذا المشروع لا يمكن أن يتم بالانسجام مع متطلبات العدل والحقوق الإنسانية، بل في مواجهتها تماماً.

الصهاينة الذين أطلقوا على أنفسهم تسمية الصهاينة العمليين، قرروا المضي بمشروعهم الاستعماري بمعزل عن العدالة والأخلاق وكان شعارهم وما زال: إن الحقيقة هي تلك التي تخدمنا وليست التي توجهنا. كانوا يدركون أن استجابتهم لأي نزعات أخلاقية أو إنسانية تعني انهيار مشروعهم، ولذلك فقد وقفوا بحزم في مواجهة مثل هذه النزعات والميول، التي برزت خلال العملية الاستعمارية الصهيونية في فلسطين.

وهكذا أفرز المشروع الصهيوني ديناميات داخلية لنبذ وقمع الأصوات المعارضة للطابع العدواني لهذا المشروع. ويمكن استعراض مئات الأصوات التي تم قمعها أو إسكاتها أو تطويقها خلال التجربة الصهيونية، والتي كان أصحابها يوصفون عادة بـ "اليهودي المرتد، اليهودي اللاسامي، اليهودي المصاب بعقدة كره الذات، اليهودي المندمج.. الخ".

وفي حالات كثيرة وصلت المواجهة مع هؤلاء المعارضين إلى حد التصفية الجسدية، كما حدث مع حاييم أورلوزورف الذي اغتالته جماعة جابوتنسكي عام 1933، لأنه طالب بدولة ثنائية القومية للفلسطينيين واليهود معاً. ولعل تصفية رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أسحاق رابين يمثل شاهداً قريباً على ذلك.

بني موريس يمثل النموذج الأضعف بين المعارضين للمقولات الصهيونية، فهو لم ينطلق في معارضته أصلاً من موقف سياسي أو رؤية أيديولوجية مختلفة، لذلك فقد تراجع تحت الضغوط الصهيونية عن الأفكار التي طرحها عام 1988 حول قضية اللاجئين واضطر للتكيف مجدداً مع السياق الرسمي الصهيوني. وعلى الرغم من أنه لا زال يعلن إيمانه بصوابية المعلومات التي ضمنها في الطبعة الأولى من كتابه، إلا أنه خرج منها باستنتاجات معاكسة في الطبعة الجديدة المعدلة. لقد كان هذا هو الثمن الذي لابد من دفعه ليستعيد موقعه كمدرس للتاريخ في جامعة بئر السبع.

لكن بني موريس لا يشكل ظاهرة مستقلة، بل هو جزء من ظاهرة ما زالت تتفاعل داخل الكيان الصهيوني وخارجه. فالوثائق الرسمية الصهيونية المفرج عنها كانت المرجع الرئيسي لعدد كبير من المؤلفات التاريخية التي خرجت إلى النور في أواخر عقد الثمانينات، وهي بمجملها تعارض جوانب جوهرية من المقولات الصهيونية الرسمية الرائجة. منها كتاب سمحا فلابان: "ولادة إسرائيل" الذي نشر في نيويورك عام 1987، وكتاب آفي شلايم: "تواطؤ عبر نهر الأردن" الذي صدر عن أكسفورد عام 1988، وكتاب إيلان بابه": "بريطانيا والصراع العربي ـ الصهيوني" الذي صدر في لندن في العام ذاته.

لقد أطلق الصهاينة على مجموعة المؤرخين الذين أصدروا تلك الكتب تسمية المؤرخين الجدد، لتمييزهم عن المؤرخين الصهاينة التقليديين، الذين التزموا بالرواية الرسمية الصهيونية. وهي تسمية لا تنطوي على تقييم إيجابي للموصوفين بها، بل تعبر عن اتهام مسبق لهم بالخروج عن الثوابت الصهيونية.

لكن الأمر لم يعد يقتصر على حقل التاريخ وحده، بل تجاوزه إلى مؤلفات من النمط ذاته تتناول القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها، بحيث لم تعد تسمية المؤرخين الجدد تتسع للجميع، فأطلق على هذا الطيف الواسع من الكتاب المتنوعي الاهتمامات والاتجاهات "ما بعد الصهيونية" وهي تسمية تعني في الواقع الكتاب المعادين للصهيونية.

على امتداد سنوات طويلة من عمر المشروع الصهيوني، نجح الصهاينة في الحفاظ على مسافة محددة تفصل بين حقيقة المشروع الصهيوني، وبين صورته المتداولة داخلياً وخارجياً.

لقد كانت المقولات الرسمية الصهيونية ـ التي ثبت زيفها بعد كشف الوثائق ـ تشكل أساس البرنامج التربوي والثقافي والتدريسي داخل الكيان الصهيوني، بنفس القدر الذي كانت تشكل فيه أساس البرنامج الدعاوي الصهيوني في الخارج.

وعندما انهار الجدار الفاصل بين صورة الكيان الصهيوني المروجة، وبين حقيقته التي كشفتها وثائقه الرسمية، فقد اكتسب الوضع طابع الفضيحة، وهو ما يفسر الهجمة العنيفة التي تشنها الدوائر الرسمية الصهيونية ضد من تدعوهم "ما بعد الصهيونيين"، والتي تتهم هؤلاء الكتاب بأنهم يعملون على التشهير بالكيان الصهيوني ونسف الأسس الأخلاقية التي أقيم عليها والتشكيك في مصداقية وجدوى المشروع الصهيوني بكامله.

إن حركة ما بعد الصهيونية لا تزال محصورة، حتى الآن، في حدود الجامعات، والمؤسسات البحثية والأكاديمية، وقد بدأت بعض تأثيراتها تتسرب في وسائل الإعلام. غير أن أخطر ما تجابهه المؤسسة الرسمية الصهيونية. هو تأثير ما بعد الصهيونية بدأ يمتد إلى المستوى التربوي في الكيان الصهيوني. يقول إيلان بابه: "إن أكثر ما أرعب الذين يهاجموننا هو حقيقة أن مؤلفي الكتب المدرسية بدؤوا يتأثرون بما بعد الصهيونية".

عندما تتطابق صورة هذا الكيان مع حقيقته، فإنه بلا شك سيفقد الكثير من بريقه في الداخل والخارج، كما سيفقد المدافعون عنه الكثير من ذرائعهم. لكن ما هو أخطر من ذلك، أن هذه المواجهة مع الحقيقة لن تنتهي بدون خسائر جسيمة.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 27-05-2005, 11:54 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

السنة السابعة عشرة * العدد 190*جمادى آخرة 1424هـ * أغسطس 2003م



مناهج التعليم الإسرائيلية

والصراع العربي ـ الإسرائيلي بين حقبتي الحرب والسلام

(1948 ـ 1996م)

(1 ــ 2)

مركز دراسات الشرق الأوسط ـ الأردن



تمثل مناهج التعليم الإسرائيلية دوراً مهماً في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ويمكن القول إن التسلسل التاريخي لليهود وفق المرويات التوراتية أخذ ثلاثة مصطلحات لمعنى واحد: (العبرانيين) حين بدأ بإبراهيم ـ عليه السلام ـ، والإسرائيليين نسبة إلى إسرائيل «يعقوب» ـ عليه السلام ـ، ثم (اليهود) من بقايا العبرانيين وسبط يهوذا المشهور. أما فيما يخص المسمى الأول فلم يبق منه سوى العبرية كلغة يتكلم بها اليهود وتستخدم في أديانهم، بينما ارتبط المسمى الثاني بغزو أرض كنعان والاستيطان في الأرض وتوزيعها على الأسباط الاثني عشر.

أما المسمى الثالث: (اليهودية) فله ارتباط وثيق بإسرائيل الذي تحول من اسم إنسان هو يعقوب إلى مجموعة من الأتباع، وأخيراً تحول إلى بقعة من الأرض أصبحت رمزاً للاستيطان.



وفي ضوء هذا التسلسل التاريخي لليهود، فقد قُسِّم التاريخ الإسرائيلي حسب المرويات التوراتية إلى عهود يرتبط كل عهد بحدث معين أو تاريخ ذي مغزى له أثر كبير في هذه الحقبة الزمنية، وقد قسم على النحو التالي:

1 - عهد الآباء «البطريركية» إبراهيم، إسحق، ويعقوب.

2 - مرحلة العبودية في مصر.

3 - الخروج من مصر في القرن 13 ق. م بقيادة موسى ـ عليه السلام ـ، والتيه في صحراء سيناء.

4 - غزو أرض كنعان وتدمير المدن الكنعانية مثل أريحا، والاستيطان في الأرض بعد توزيعها على الأسباط.

5 - عهد القضاة من موت يشوع بن نون ـ عليه السلام ـ إلى النبي صموئيل.

6 - الملكية الموحدة وقد مثلها ثلاثة ملوك: شاؤول - داوود - سليمان 1050 ـ 953 ق. م.

7 - انقسام المملكة إسرائيل وعاصمتها السامرة في الشمال وتضم عشرة أسباط، ويهوذا في الجنوب وتضم سبط يهوذا وبنيامين وعاصمتها القدس.

8 - تدمير مملكة إسرائيل على يـد سرجون الملك الآشوري 722 ق. م.

9 - دمار مملكة يهوذا على يد نبوخذ نصر عام 586 ق. م ومرحلة السبي.

10 - العودة من السبي بناءً على أمر قورش الفارسي، وإعادة بناء الهيكل وتجديد العبادة بعد سقوط بابل عام 535 ق. م في يد الفرس.

11 - عهد «أستير» اليهودية التي أصبحت ملكة فارس بعد زواجها من الملك «أحشويرش» ودورها في إنقاذ اليهود من حملة الإبادة التي نظمها "هامان" القائد الأرمني لجيش الفرس.

12 - المرحلة المكابية والتي بدأت عام 175ق. م وانتصار (يهودا المكابي) على سلوقس نيفا كتسو عام 160 ق. م وقصة مقتل يهودا المكابي وما يقال عن السعي للاستقلال اليهودي عن السلوقيين إلى أن جاء القائد الروماني بومبيوس عام 63 ق. م وقضى على الأسرة المكابية المعروفة بالحشمونية في عام 37 ق. م.

ونلاحظ أن كتب التربية والتاريخ والعلوم الاجتماعية تركِّز على هذه المرحلة لتظهر روح التحدي عند اليهود والتصدي للبطالسة وإظهار البطولة لليهود.

13- خراب الهيكل الثاني وتدميره على يد الإمبراطور تيطس الروماني عام 70م.

14- بداية العصيان على الرومان ونهايته عام 132م بالقضاء على الثائر (باركوخبا) أو انتصاره في قلعة بيتار التي عرفت تاريخياً بـ (متسادا) وتبرز هذه القصة بشكل كبير لتربي الأجيال على التنازل عن ما يحتل حتى لو كان صغيراً ومهما كانت الظروف والمسوِّغات.

وقد أسهمت العوامل التاريخية من استثمار غربي ونشوء الدول القومية في أوروبا والأفكار التحررية التي شملتها الثورتان الأمريكية عام 1776م والفرنسية 1789م، في بروز فكرة التحرر الذاتي لدى اليهود وخاصة المفكرين، وفي مقدمتهم اليهودي ليوبنسكر. وقد سارعت القوى اليهودية إلى العمل على تكوين مؤسسة يهودية دولية تتولى ذلك العمل وتعمل على تنفيذه، فأقيمت المنظمة الصهيونية العالمية في سويسرا عام 1897م لتطبق المشروع اليهودي القديم بدعم مطلق من الدول الاستعمارية مستغلة الفوضى السياسية والاجتماعية التي سادت أقطار الإمبراطورية العثمانية المتداعية، والسيطرة تدريجياً على كامل الأراضي الفلسطينية بعد قيام عصبة الأمم عام 1919م وإصدار صك الانتداب عام 1921م واحتلال فلسطين كاملة خلال 19عاماً منذ عام 1948م حتى عام 1967م ثم محاولة الامتداد إلى المناطق المجاورة كما حصل في الجولان وسيناء وجنوب لبنان.

وبما أن التعليم والتربية في إسرائيل يعبران عن ممارسات عملية يومية امتداداً للتطبيق السلوكي العدواني اللاإنساني للفرد اليهودي عسكري أو مدني لذلك، فإن تحليلنا لنماذج العملية التربوية الإسرائيلية سيكون وفق ثلاث مراحل تاريخية متعاقبة تشابهت فيها طبيعة الممارسات أو النظرة إلى فلسطين الأرض والإنسان الفلسطيني مالكها ووارثها مع فارق الزمن والظروف.

ü وهذه المراحل هي:

1 - 1881 ـ 1948م فترة اليشوف «الاستيطان».

2 - 1948 ـ 1977م إنشاء الكيان الإسرائيلي.

3 - 1977 ـ 1995م مراحل التسوية السلمية.

ü المرحلة الأولى 1881 ــ 1948م:

إن تحديد العناصر الرئيسة لقانون التعليم الإسرائيلي الصادر 1953م الذي جاء مكملاً لقانون التعليم الإلزامي الإسرائيلي الصادر في أيلول 1949م تستلزم العودة إلى المنابع والأصول التي استقى منها القانون أبرز نصوصه التي شكلت المسار العملي للتربية الصهيونية، ويعتبر التناخ وكذلك التلمود المصدرين الأساسيين لروح ومضمون هذه التربية، وكذلك فإن الدعاوى والفلسفات الصهيونية الحديثة والمعاصرة والممارسات العملية على الأرض التي تلت إنشاء الكيان الصهيوني. وأهم معاني ومرتكزات الصهيونية الحديثة التي تنهل منها الفلسفة التعليمية الإسرائيلية هو «تحقيق المعنى القومي لليهودية الممتزج بالدين اليهودي امتزاجاً عضوياً من خلال جمع شتات اليهود في دولة واحدة، وصهر سائر العناصر اليهودية في بوتقة واحدة على أساس الثقافة والروح اليهودية».

وقد أكدت المنظمة الصهيونية العالمية على هذه المعاني في المؤتمر الأول المنعقد في بازل ـ سويسرا عام 1897م. وقد ترسمت لديها الاتجاهات السياسية والفلسفية لآباء الصهيونية المحدثين في خطين متوافقين هما:

أولاً: الخط السياسي.

ثانياً: الخط الفلسفي الفكري.

أولاً: ومن أبرز من كتب في الخط السياسي قبل وبعد الإعلان عنه رسمياً:

1 - موشيه هس «موسى هس» 1812 ـ 1875م في كتابه (روما والقدس) حيث يدعو صراحة إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين، والتي تعتبر الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تتبلور عبرها القومية اليهودية تبلوراً كاملاً.

2 - ليوبنسكر 1821 ـ 1891م الذي يلخص في رسالة التحرر الذاتي أهم مشاكل اليهود بعدم وجود دولة موحدة لهم، وهو أهم شيء ينقصهم وتكون ملكاً خاصاً لهم.

3 - ثيودور هرتزل الذي شرح في كراسه دولة اليهود عام 1886م أن قضية اليهود قائمة في كل مكان يعيش فيه اليهود بأعداد كبيرة، وتشتد حيث توجد طبقة مثقفة، وأهم ما يميز أفكار هرتزل أنه أضفى النظرة السياسية للمسألة اليهودية إضافة إلى النظرة السياسية الدولية لها، واقترح لحل مشكلة اليهود ما يلي:

أ - إنشاء منظمة لليهود وينضم لها كل اليهود الموافقين على فكرة الدولة.

ب - إنشاء الوكالة اليهودية، وهي عبارة عن الهيئة القانونية الاقتصادية الفعلية المتعلقة بنقل اليهود إلى دولتهم في فلسطين.

ثانياً: الخط الفلسفي، ويقسم إلى فترتين زمنيتين:

1 - (1750-1850م) ويمثلها مردخاي عمانوئيل 1785 ـ 1878م الذي دعا إلى إقامة دولة يهودية على جزء من أراضي الولايات المتحدة، إلا أنه تراجع وقال إن دولة اليهود لا بد أن تقوم في فلسطين فقط.

2 - يهودا القلعي 1798 ـ 1878م الذي أسس جمعية لتشجيع الاستيطان، ومن أبرز كتبه (طريق النعمة وسلام أورشليم) وكتاب (الحياة عام 1856م).

3 - الراف (تسفي كم يشير) الذي أكد على الاستيطان في فلسطين وفق وصايا التوراة، وأسس في ألمانيا جمعية الاستيطان في فلسطين ورأسها حاييم لوريا، ودعا إلى سرعة الاستيطان وعدم انتظار قدوم المسيح المخلِّص.

وتمثل هذه المرحلة بداية تطبيق المشروع الصهيوني على طريق إقامة إسرائيل كنواة للدولة اليهودية الكبرى، ويمثل هذه المرحلة ثلاثة من فلاسفة اليهود الكبار:

أ - ايهود هعام 1856 ـ 1927م صاحب الفلسفة الصهيونية الثقافية.

ب - أهرون دافيد غوردون صاحب فلسفة دين العمل.

ج - فلاديمير زئيف جابوتنسكي صاحب فلسفة القوة.

وتؤكد كتابات هؤلاء الفلاسفة على ما يلي:

1 - فلسفة الاضطهاد وترمي إلى تحقيق ما يلي:

أ- إثارة العطف والشعور بالذنب لدى سائر شعوب الأرض لمؤازرة اليهود في حل مشكلتهم؛ وذلك بالتركيز على «اللاسامية» باعتبارها أحد مظاهر فلاسفة الاضطهاد.

ب - إقناع اليهود بضرورة الوحدة والتنظيم من أجل التخلص من حياة الذل.

2 - إحياء القومية اليهودية، وجمع شتات اليهود في وطن واحد، وتكوين الدولة اليهودية؛ لأن الاضطهاد أفقد اليهود شعورهم بالاستقلال الذاتي القومي. ويرى أحد هعام أن قادة إسرائيل إذا لم يكونوا مزودين ومسلحين بالثقافة اليهودية فإنه مهما بلغ إخلاصهم لدولتهم ومصالحهم فإن مقياس هذه المصالح سيكون وفقاً للحضارات الأجنبية؛ لأنهم اقتبسوها. ويدل هعام على ذلك بدولة هيرودوس في فلسطين الذي كان يعتبر ممثلاً لدولة اليهود في الوقت الذي تفتقر فيه هذه الدولة إلى الثقافة القومية؛ لأنها كانت مستعمرة ومضطهدة.

3 - ربط الدين بالقومية. وقد سخرت الصهيونية لذلك وبحثت عن مسوغات وجودها في الدين اليهودي والكتاب المقدس وكتب التلمود فكل الأعمال التي يقوم بها اليهود جاءت وفقاً لنصوص دينية مقدسة عند اليهود.

4 - العرقية ـ التمييز العنصري والقوة المقرونة بالعدوانية والاستعلاء والتحقير، وهذا الأمر يستند إلى نصوص من الكتاب المقدس أو آراء للفلاسفة اليهود الكبار توضح تفوق اليهود على سائر الشعوب الأخرى، وأن الله هو الذي اختارهم لعبادته فقط، وباقي البشر عبيد عندهم.

5 - فلسفة احتلال العمل وتقوم على تهميش العمل العربي، وإحلال العمل اليهودي مكانه؛ وهذه الفلسفة من أهم أركان الثقافة والتوجيه التربوي التي ركز عليها زعماء الصهيونية، ولقد تصدى العمال العرب لأعداد المهاجرين من العمال اليهود الذين تنقصهم الدراية والخبرة، لذلك كان إنتاج العامل اليهودي أقل من العربي؛ لذا كان لا بد للمهاجرين من أبناء الهجرة الثالثة تحقيق ثلاث غايات هي:

أ - إحلال العمل العبري بالسيطرة على العمل العربي لضمان مصادر المعيشة لجماعات العمال اليهود.

ب - تكوين طبقة عمالية عبرية ذات انتماء للعمل تعتمد عليه في معيشتها.

ج - بعث الثقافة واللغة العبرية. وأبرز دعاة هذه الفلسفة هم موريش هيرش 1795 ـ 1874م، وموسى هس، وقد نادى دافيد أهرون غوردون علانية بتطبيق فلسفة احتلال العمل واعتبارها مبدأً أساسياً من شأنه أن يبلور الشخصية الطبيعية لليهودي، ونادى بأن يعمل اليهود بشتى المجالات ولا يقتصر على عمل واحد.

ومن جانب آخر شرعت الحركة الصهيونية في تأسيس المنظمات العسكرية لتعزيز العمل الاستيطاني وحمايته في أعقاب الحملات العربية بعد اتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916م. كما اشتعلت ثورات فلسطينية عدة ضد الاستيطان الصهيوني والدعم الاستعماري مثل ثورة القدس أثناء الاحتفال بعيد النبي موسى يوم 20/4/1920م، وطالبوا بإلغاء وعد بلفور ووقف تنفيذ مشروع التهويد. وأطلقت الشرطة البريطانية النار على العرب مما أدى إلى استشهاد اثنين منهم، وتوالت بعد ذلك ثورات العرب ضد هذا الوجود اليهودي.

وكان أول مندوب سامي بريطاني يهودي هو هربرت صموئيل في أيلول 1922م. وتنافست القوى الصهيونية في إنشاء المنظمات العسكرية الإرهابية؛ ففي عام 1920م تشكلت الهاغاناه، ثم تلتها هاغاناه حلتومين «الهاغاناه القومية» عام 1921م، ثم منظمة إتسل ومنظمة لحمي بقيادة أبراهام شتيرن، وكلها شكلت نواة الجيش الإسرائيلي الذي أوكلت إليه مهمات الاحتلال والعدوان على الأراضي العربية.

وقد شكلت هذه الفلسفة أساساً مرجعياً لفلسفة التربية الإسرائيلية المعاصرة، بل منهجاً ثابتاً تلتزم به في تطبيق مكونات هذه الفلسفة، وقد جاء قانون تعليم الدولة الصادر عام 1953م متضمناً بعض القيم الإنسانية على عكس الإجراءات اللاإنسانية التي تمارسها السلطات ضد العرب أصحاب الأرض منذ اللحظة الأولى لتأسيس الدولة، وقد ورد في المادة الثانية من القانون ما يلي: «قيم الثقافة اليهودية وتحصيل العلوم وصحبة الوطن والولاء لدولة إسرائيل والشعب اليهودي والتدرب على العلم الزراعي والحرفي وتحقيق مبادئ الريادة والكفاح من أجل الحرية والمساواة والتسامح والمنفعة المتبادلة ومحبة الجنس البشري».

إن المطلع على كتب الأدبيات الإسرائيلية الحرة ومقارنتها بالكتب التعليمية الإسرائيلية المقررة رسمياً يلاحظ أنه لا فرق مطلقاً في الوجهة التربوية بين نظرة اليهودي الإسرائيلي إلى نفسه ونظرته إلى الأغيار وخاصة العرب، ويرى نفسه متقدماً وغيره خدماً ومتخلفين؛ في حين يسعى هو إلى نقلهم إلى حالة الرقي والتقدم. ويلصقون بالعربي العبارات السيئة مثل: الغباء والفشل والقذارة والتوحش والسطو وميله إلى التخريب؛ لذا يجب اقتلاع العرب.

إن القارئ لبعض النماذج من الأدب العبري المعاصر يرى أن اتجاهات هذا الأدب لم تخرج عن أدب الهجرة والاستيطان المقترن بالريادة، ويلاحظ أنه يدعو علانية إلى احتلال كل المقــومــات الحياتية القائمــة على أرض فلسطين وتهــويدها، ولا يختلف أدب الصابر «أي الجيل الذي ولد ونشأ في فلسطين» عن الأدب السابق، وقد حمل هذا في طياته الدعوة بشكل مباشر لاحتلال الأرض والترحيل للسكان العرب.

ونلاحظ أن الأدب العبري انتقل من أدب التجند في ظل الانتداب إلى أدب الحروب: حرب 1948م، وحرب 1956م، وحرب حزيران 1967م، ويوم الغفران 1973م، إضافة إلى الحروب المتلاحقة مثل احتلال لبنان 1982م. ولعل من أبرز الأمثلة على هذا الأدب قصص الصواريخ 612 وبداية الصيف لعام 1970م، وذكرى الأشياء.

ü صورة العربي في أدبيات الطفولة والناشئة اليهود:

في أول كتاب حول أدبيات التعليم والثقافة العبرية للبروفسور أومير كوهين أستاذ التربية في جامعة حيفا بعنوان: «وجوه قبيحة في المرآة» عام 1985م، يركز الكتاب على مسألة الصراع العربي الإسرائيلي في أدب الناشئة؛ حيث يعترف كوهين أنه حتى نهاية عام 1984م لم تتغير النظرة المشوهة إزاء الإنسان العربي؛ فالنظرة عدائية ولم يحل محلها نظرة احترام أو قيم. وقد تأثر الأدب الصهيوني الطفولي بالفكر الصهيوني العنصري القائم والموغل في القومية العرقية والاستعلاء المغلف بمفاهيم وتعاليم توراتية وتلمودية، ونظم وأحكام المشنا والجمارا. وقد شرعت القيادات الصهيونية بتسخير أحلامها وتجنيد طاقاتها الفكرية لصياغة أدب جديد يلائم المرحلة القادمة، قوامها العودة إلى أرض الميعاد، وقد ارتكز هذا الأدب على عدد من المرتكزات، هي:

1 - استعلائي «عرقي».

2 - استيطاني استعماري احتلالي.

وفي القسم الأول يعتبر الأدباء أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وشعبها ليست له هوية، وأن سكانها بدو متوحشون احتلوا البلاد وخربوها؛ لذا يجب أن يعودوا إلى الصحراء وأن يستولي اليهود على الأرض؛ لذلك فالحرب مستمرة بين العرب واليهود إلى أن يتم طرد العرب الذين صوروا بأقبح الصور وأنهم قُطَّاع طرق وقذرون، وثيابهم رثة، ويمشون وهم حفاة الأقدام.

أما المبحث الثاني الاستيطاني الاستعماري فينظر إلى العرب على أنهم أشجار بلا جذور يتحتم اقتلاعها عاجلاً أم آجلاً، وأنهم عصابات سرعان ما يهربون من الأرض؛ وهذا دليل على عدم الانتماء للأرض التي يعيشون عليها؛ لذا فالعرب مجرد لصوص يسرقون المياه من أرض الأمة العبرانية. والعربي الذي يعيش في نابلس والخليل وباقي المدن يشكل قلقاً لليهودي وللسائح الأجنبي وهدفه البقشيش فقط وابتزاز السائح. ومن أبرز ما كتب وألف في هذين المحورين كتاب «الدين والقومية في المجتمع الإسرائيلي» الذي صدر 1986م، وهناك العديد من القصص التي ألفت للأطفال اليهود هدفها غسيل الدماغ للأطفال اليهود وتصوير العربي بأبشع الصور وإنه قاتل ومخادع ويصور العرب أنهم هم الذين بدؤوا بقتل اليهود في المستوطنات، وأن اليهود ردوا عليهم؛ لذلك هرب العرب من المدن إلى الدول المجاورة، وهذه صورة استعلائية عدائية للعربي يرسمها أليعازر شموئيلي في كتابه «رجال في التكوين» الصادر عام 1933م؛ إذ إنه طويل القامة عريض المنكبين يلمع في عينيه بريق الغضب، ووجهه قاس تحت جبين ضيق وصغير، وشاربه مدبب .. وفي كتاب آخر لنفس الكاتب يصف العربي بوصف بشع ويثير في نفوس الأطفال اليهود الرعب والخوف حتى يترسخ الحقد على العربي بعد أن يكون قد شوه صورته. وهنالك العديد من الكتب التي تؤكد على نفس الصورة السابقة، وتصف الجندي اليهودي بأنه مسالم لا يحب الدم والقتل، والذي يدفعه لذلك هو العربي المتعطش للدماء والقتل.

وبعد توقيع اتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيلية في كامب ديفيد يصور العربي بأنه يمارس تجارة جنسية تنتهي عند التهريب والتجسس وخطف الطائرات والعمالة للدول الأجنبية.

وينتقل الكتّاب اليهود إلى نوع آخر من الأدب وهو إثبات أن اليهود عاشوا في كل البلاد، وأنهم أينما حلوا كان لهم أثر كبير في تلك البلدان؛ ولعل أبرز كتاب يدل على ذلك هو كتاب «مواقع وأماكن في الأردن» الذي صدر عام 1991م، ويبحث هذا الكتاب في الأماكن الأثرية في الأردن التي يعتبرها اليهود جزءاً من أرض إسرائيل وتاريخها ومرتبطة عضوياً بتاريخ اليهود؛ حتى إن بعض سكانه وعشائره من أصول يهودية. أما آخر الكتب صدوراً فهو كتاب «القرن» «تأليف مردخاي تئور الصادر عن مؤسسة عام عوفيدا تل أبيب عام 1996م، وهو بمثابة ملف تاريخي وثائقي للصهيونية وإسرائيل عبر مائة عام من 1901م، ولغاية منتصف 1996م وتوظَّف فيه الوقائع التاريخية لصالح الحركة الصهيونية وإسرائيل على اعتبار أن فلسطين اسم عابر في التاريخ والعرب ليسوا إلا دخلاء بفعل الحملات العسكرية.

المرحلة الثانية «1948 ـ 1977م» وهي المرحلة التي بدأت منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي العام الذي سبق توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، أو ما يعرف باتفاقية كامب ديفيد. وسنتحدث هنا عن فلسفة التربية الإسرائيلية في العلوم الإنسانية وذلك من خلال تحليل النصوص الأدبية والتثقيف الصهيوني ومدى الترابط بين القصص والآداب والشعبية الإسرائيلية وبين مناهج التعليم الإسرائيلية التي تتبناها وزارة المعارف، وتصور هذه المناهج فلسفة الكيان الصهيوني المبينة أصلاً على مستويات الاحتلال والاستيطان.

ومن خلال تحليلنا لبعض النصوص في الكتب الإسرائيلية يلاحظ أن مؤلفي هذه الكتب قد أجمعوا على عدد من الأمور منها:

1 - اعتبار اليهود أساس التطور في فلسطين، وبغيرهم لن يحدث لها تطور وتقدم.

2 - اعتبار فلسطين والجولان أرضاً يهودية، والأقطار المجاورة غريبة عنها تاريخياً وعقدياً.

3 - اعتبار العرب محتلين للأرض، والفتح العربي ما هو إلا غزو تاريخي.

4 - وصف العرب بأنهم بدو رحل جاؤوا إلى فلسطين على أنهم غزاة، وقد هدموا حضارة اليهود وعمرانهم.

5 - التركيز على تعرض اليهود للظلم بشكل دائم.

6 - الادعاء بوجود ممتلكات لليهود خارج فلسطين «الأردن، والجولان، وجنوب لبنان».

7 - مساعدة الإنجليز لليهود ليست سوى رد جميل لليهود مقابل خدمات اليهود للإنجليز.

8 - التركيز في كل موقع على بدعة الفناء والكارثة التي تعرض لها اليهود من قِبَل الألمان.

9 - وصف العرب أصحاب الأرض بالمعتدين وقطاع طرق.

10 - ردة فعل اليهود ضد الفناء الأوروبي والإرهاب الغربي كانت بإقامة المزيد من المستوطنات.

11 - القول بأن سلطات الانتداب مارست الإرهاب ضد اليهود المستعمرين لمنعهم من الإقامة في فلسطين.

12 - إظهار قدرة الجندي اليهودي أمام الجندي العربي، والبطولات التي قدمها اليهود مقابل العرب.

13 - الادعاء أن الفلسطينيين هم الذين هربوا من ديارهم ولم يُطرَدوا منها.

4 1- اتهام العرب بالعدوان على إسرائيل.

15 - الدعوة الدائمة لإقامة المستوطنات رداً على العرب ودفاعاً عن أرض إسرائيل.

16 - تصوير الاحتلال الإسرائيلي بأنه نعمة للعرب وليس نقمة من خلال التقدم والعلم الذي حصل مع مجيء اليهود لفلسطين.

17 - عدم الاعتراف بجنسية اليهود في البلدان المختلفة، والاعتراف بالقومية اليهودية فقط.

18 - حتى يحافظ اليهود على استقلالهم وهويتهم تجمعوا في مراكز خاصة بهم في كل الدول التي عاشوا بها.

بعد هذا العرض لأهم مرتكزات الفلسفة اليهودية في التربية والتعليم لدى النشء اليهودي نلاحظ أن هذه التربية وضعت مرتكزات وقيم تربوية خاصة بمدينة القدس من خلال التنكر للوجود العربي الإسلامي في المدينة، واعتبارها مدينة يهودية خالصة ولم ينقطع الوجود اليهودي فيها، واعتبار سائر المساجد والكنائس والمعابد أماكن أثرية يهودية دائمة بناها المسيحيون والمسلمون على أنقاض المعابد اليهودية كما هو حال الحرم القدسي الشريف الذي بني على أنقاض الهيكل، وتمثل القدس رمز الاستعلاء اليهودي والتفوق العرقي على بقية الشعوب. ويرى اليهود من مؤلفي الكتب أنه لا عيب أو نقص في الإشادة بفكرة الاحتلال التي تطبقها الصهيونية في حروبها؛ فهم يعتبرون يوشع بن نون ممثلاً وكذا داود .. وأما الفتح العربي فهو احتلال عربي، والخليفة عمر بن الخطاب كان قائداً للمحتلين، ووصف العرب بأنهم مخربون ومحتلون، ويعتبر احتلال إسرائيل للقدس نعمة؛ حيث نلاحظ مدى التقدم والعمران الذي شهدته المدينة في عهد اليهود، وأن اليهود كانوا دائماً متغلبين على العرب ديموغرافياً في القدس.

ويدعو المؤلف إلى تطويق القدس بشكل دائم بالمستوطنات لضمان السيطرة اليهودية. وتحاول الصهيونية زرع الفتنة دائماً كلما سنحت الظروف؛ فهي تقول إن القائد صلاح الدين طرد وقتل الصليبيين عند فتح القدس عام 1187م، ولكنه أعاد لليهود معبدهم والقدس هي مركز عبادة اليهود وقد تأثر بذلك كل من المسلمين والمسيحيين.

بعد هذه المقدمة عن فلسفة التعليم في إسرائيل وما في الحقائق التي تسعى الصهيونية لتزويرها لإثبات الأكاذيب التي قامت عليها استناداً إلى الأساطير التوراتية المدعمة بالأكاذيب التلمودية يعرض لنا المؤلف نموذجاً تطبيقياً لهذه الكتب، ومدى التزوير الذي لحق بهذه المؤلفات تحت سمع ونظر وزارة المعارف وهي السلطة المشرفة على تأليف الكتب الدراسية لطلاب المدارس الإسرائيلية.

أول هذه النماذج هو كتاب «يروشلايم يهودا فشورمدون» لمؤلفه أليعازر فيكتين، والذي صدر عام 1984م بتكليف من وزارة المعارف والثقافة، وقد سار المؤلف في هذا الكتاب على منهج المؤلفين الصهاينة في الكتب المدرسية في التنكر للوجود العربي الإسلامي اسماً ومحتوى، وأراد الكاتب أن يصل بالطالب إلى حقيقة استمرار وديمومة الوجود اليهودي في فلسطين. ونرى أن المؤلف يضع صوراً لمعالم يهودية موجودة في القدس لإثبات الحق اليهودي في القدس؛ فغلاف الكتاب يكرس حقيقة الوجود اليهودي من خلال إظهار صورة برج داوود وإحدى المستوطنات واليهودية التي أحاطت بالقدس .. ونلاحظ أن المؤلف أبرز صورة الكنيس في قلب القدس كرمز يمثل جمع منتخب الأمة اليهودية القائم في أورشليم. ويحرص المؤلف على فكر يبين مبدأ الاحتلال من خلال فكرة أنه منذ أن احتل داوود أورشليم خصها وجعلها عاصمة لمملكة إسرائيل، وبنى فيها سليمان هيكله المقدس وقصده. ويؤكد على ملكية اليهود للقدس دون غيرهم، ويتحدث المؤلف عن تطور المدينة في عهد ملوك إسرائيل ويقدم لذلك بعض الاكتشافات الأثرية الملفقة محاولاً إثبات حقهم في القدس. ويعتبر المؤلف أيضاً أن جبل الزيتون جبل يهودي أطلق عليه اسم جبل المدافن والقبور اليهودية. ويعرض المؤلف العديد من الصور والرسومات التي يقول إنها تعود لعهود يهودية وجدت في القدس، ويربط ذلك بمفهوم العودة إلى أرض صهيون.

أما عن الوجود العربي فلم يخصص المؤلف سوى خمس صفحات لهذا الوجود، ويرى فيها أن الفتح العربي كان احتلالاً لهذه المدينة ،وأن الخليفة عمر بن الخطاب كان قائداً لجيش المحتلين وأن المسلمين أقاموا مسجدهم الأقصى على أنقاض الهيكل وخاصة مبناهم الرائع قبة الصخرة، وأنهم استخدموا العديد من بقايا المباني اليهودية والمعابد لبناء هذه المعابد الإسلامية، وأن قصور الأمويين الموجودة هناك بنيت على حساب معابد يهودية، وأن قدسية المدينة جاءت للمسلمين تأثراً باليهود حتى الصخرة المقدسة هي عند اليهود قبل أن تكون عند المسلمين.

وفي الفصل السادس من الكتاب يتحدث الكاتب عن التطور الذي حصل للقدس بفعل اليهود، ومدى الخدمات التي قدموها لهذه المدينة. ولا يغيب عن بال المؤلف اتهام الجيش الأردني بأنه قام بهدم كنيسين لليهود في القدس هما «حورخوت يهودا حيسر ونفئيرت يسرائيل» بهدف تشويه الحكم العربي، وأراد أن يثبت مدى ديمقراطية اليهود وهمجية العرب بالنسبة للطالب الإسرائيلي. ويورد المؤلف العديد من المنشآت التي وجدت بفضل الحكم الإسرائيلي للمدينة المقدسة، ويورد خاتمة للتعداد السكاني يظهر فيها مدى التفوق السكاني اليهودي على العربي على مدى العصور؛ فاليهود عام 1948م كانوا يشكلون ثلثي عدد السكان، والعرب الثلث الآخير.

وعن التطور في مدينة القدس يقول المؤلف إن القسم العربي لم يحصل عليه تطور حتى بعد 1967م؛ في حين تطور الجزء اليهودي بشكل ملحوظ إلى أن بلغ هذا التطور أوجه بعدما يسمى عملية التوحيد للقدس، ويتناسى المؤلف عمليات الطرد والترحيل التي عملتها الصهيونية ضد المواطنين العرب، وأن الجيش احتل الأحياء العربية فلم يعد أمام السكان سبيل من التوسع العمراني، وكذلك المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق السكان العرب مثل مذبحة دير ياسين 9/4/1948م، وأن الصهيونية دفعت السكان العرب للهجرة وأحلت محلهم المهاجرين اليهود. ويقارن المؤلف بين القسم العربي واليهودي محاولاً إظهار وإبراز التفوق اليهودي على العربي، وإثبات التخلف العربي. ويذكر لذلك العديد من المنشآت اليهودية مثل الكنيست ورئاسة الوزراء والجامعة العبرية، ويعتبر المؤلف العرب المسلمين محتلين ومخربين.

أما عند الحديث عن احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة فقد أفرد المؤلف لذلك أربعة فصول ليؤكد على مبدأ الاستيطان ويفصل فيه تطور الاستيطان ويركزه في أذهان الطلاب علماً وعملاً، ولم يشر إلى العرب السكان الأصليين، ويعرض العديد من الخرائط للمدن الفلسطينية موضحاً فيها التجمع اليهودي ليثبت بذلك تاريخ الوجود اليهودي منذ القدم ويتجاهل المؤلف العرب ويطلق عليهم اسم غير اليهود، ويعرض إلى العديد من المستوطنات المنتشرة في الضفة بشكل كبير، ويقارن عدد السكان اليهود مع العرب ليظهر مدى التفوق اليهودي في ذلك.

أما عن الصهيونية ونعمة الاحتلال فهو يورد العديد من الأمثلة التي توضح مدى التطور الذي حصل بسبب اليهود؛ ومنها ارتفاع الدخل للعائلة، وتزويد القرى بالكهرباء والماء، وإيجاد الطرق المعبدة ونظم الزراعة الحديثة.

أما عن البدو العرب فيقول إنهم غزاة وبقايا الجيش المحتل الذي جاء مع عمر بن الخطاب.

ويتحدث الكاتب في معرض حديثه عن السياسات الإسرائيلية في التعليم عن كتب منهجية تنكر الحق العربي التاريخي والحضور العربي والإسلامي في فلسطين، ويورد مثلاً على ذلك سلسلة من الكتب الأخرى لتحمل اسم «للمجموعة الرائعة عن الأرض الطيبة» «يقط حميد على هآرتس هطوف» الصادر عن وزارة المعارف والمخصص للمدارس الدينية اليهودية وصدر عام 1986م، وهو بمثابة التوجيهات الدينية والشعر والقصة اليهودية. ويورد في الكراس الأول من الكتاب تحت عنوان «لمن تخص وتنتمي أرض إسرائيل؟» مناظرة بين الآباء الأوائل لليهود وبين بعض الشعوب التي حاولت احتلال أرض إسرائيل، وهذه الشعوب هم أبناء إسماعيل «الإسماعيليون» أي العرب ومعهم الكنعانيون والمصريون، ولكن يتصدى لهم الأجداد من اليهود ويثبتون أحقية اليهود في أرض فلسطين بناءً على عهد ووعد من الله لبني إسرائيل.

وفي قطعة نثرية أخرى يدور حوار بين تلميذ ومعلم حول سكان الأرض فيجيب المعلم أن السكان هم اليهود، وعندما يسأله عن الفلسطينيين يجيبه بقوله: «لا يوجد اليوم فلسطينيون؛ كل المدن سكانها يهود، وكلهم يتكلمون العبرية».

وعندما يتحدث عن العرب يقول: إنهم قليلون ولا يأتون إلا يوم الخميس من أجل السوق للشراء والبيع. ويلاحظ القارئ لقصة هدية الحياة الصغيرة تأليف رفقا النيسور صفحة 14 أن الكاتب يؤكد مرة أخرى على مبدأ الاحتلال، وكتب: عادت القدس ومعها حائط المبكى واندفاع اليهود لحائط المبكى والقدس. ومن الكتب المنهجية الأخرى سلسلة كتب أرض الوطن وهما عبارة عن جزئين صادرين عن مركز التلفزيون التربوي التعليمي التابع لوزارة المعارف، ويتحدث عن فلسطين قبل مؤتمر بال وغالبية التعداد اليهودي الموجود في الأرض، وأن عددهم يفوق عدد العرب.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 27-05-2005, 11:56 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

السنة السابعة عشرة * العدد 191*رجب 1424هـ * سبتمبر 2003م








مناهج التعليم الإسرائيلية

والصراع العربي ـ الإسرائيلي

بين حقبتي الحرب والسلام (1948 ـ 1996م)

(2 ـ 2)



مركز دراسات الشرق الأوسط ـ الأردن

للإطلاع على الجزء الأول

عبر ثلاث مراحل تاريخية (الاستيطان ـ إنشاء الكيان ـ التسوية السلمية) تقدم هذه الدراسة عرضاً تحليلياً للعملية التربوية الإسرائيلية في مناهج التعليم، بإلقاء الضوء على أهم مرتكزاتها وأبعادها، مع كشف أهدافها وآثارها، وذلك بعرض نماذج من الكتب والمؤلفات التربوية والتعليمية اليهودية، والتي يتواصل الحديث عنها في هذه الحلقة.

ـ البيان ـ



ويعرض الكاتب لنموذج آخر من المؤلفات الصهيونية عن الأراضي العربية هو كتاب (الجولان والجليل بأقسامه والكرمل وشمال البلاد) لمؤلفه أليعازر بنكتين 1982م، ويعتبر المؤلف أن الجولان جزء من شمال أرض إسرائيل، ويورد صوراً عدة للتزلج على الجليد في جبل الشيخ «حرمون»، ويتحدث عن مستوطنات الجليل، ويتناسى بشكل متعمد الاسم التاريخي لهذه الأرض وهو (فلسطين)، وعندما يتحدث عن قطاع غزة يعرض لصور عدة من المخيمات والقرى العربية، وما هي الحال التي يعيشها السكان.

كما يعرض لعدد من الصور للجرافات الإسرائيلية وهي تقوم بهدم بعض البيوت لبناء غيرها؛ في محاولة منه لطمس معالم قضية اللاجئين، ويعتبر المؤلف أن سيطرة الجيش المصري على قطاع غزة بمثابة احتلال، وأن الجيش الإسرائيلي رده على أعقابه. والسبب في رفض إسرائيل عودة اللاجئين هو رفض اللاجئين العيش في ظل حكمها، ويتحدث الكاتب أن الاحتلال لغزة كان نعمة حين يظهر التطور والتقدم الصناعي، وأن إسرائيل سمحت للعمال بالعمل في المصانع الإسرائيلية.

ويدعي المؤلف أن العرب هم الذين باعوا الأرض من خلال سرده لقصة قرية أم خالد، وكيف أن شيخ القرية هو الذي باع هذه الأراضي لليهود، وعندما اقترب من الموت قرر إعادة الأرض لأصحابها اليهود على اعتبار أنهم هم أصحابها الحقيقيون.

ويعرض الكاتب لنموذج آخر من المؤلفات اليهودية ذات الطابع المدرسي، وهو كتاب (يروشلايم يهودا فشومرون) لمؤلفته رنا هفرون 1983م، ويتطرق الكتاب للضفة الغربية تحت هذا الاسم المهود ليبين مدى العلاقة بين اليهود وبين هذه المناطق، وأنها علاقة تاريخية أزلية. والملاحظ أن وضع الكتاب بهذا الاسم يثير في نفوس الطلاب ذكريات تاريخية حول هذه الأرض؛ لكي يتم ربطها بالحاضر. وتوضح الكاتبة مدى الأعمال التي قام بها اليهود عندما سكنوا هذه الأرض، وتورد الأسماء العبرية للمناطق الموجودة؛ ليرسخ عند الطالب أن هذه هي أرض الآباء والأجداد، ويشد ذلك الطلاب إلى التمسك والالتصاق بهذه الأرض والاستيطان فيها. وتناولت الكاتبة مواضع عدة؛ مثل أورشليم القدس، والجليل الأوسط، أو التمبل المركزي، والقلاع والمدن التاريخية التي تشكل الصلة الوثيقة لربط الناشئة اليهود بأرضهم، وعند حديثها عن القدس ركزت على البنية العمرانية والتنظيم اليهودي لها، وتوضح هذه المؤلفة الحدود الجغرافية لمنطقة الجبل المركزي.

وفي الفصل الذي يتحدث عن القدس تستهل المؤلفة حديثها عن القدس بعبارة من سِفْر الجامعة، توضح فيها مدى حاجة القدس لليهود، وأنها لا تمتلئ ولا تمل مهما كان عددهم مثل النهر الذي يصب في البحر.

وتأتي المؤلفة على قصة عدد من الحاخامات الذين زاروا القدس ووصلوا حائط المبكى، وأتبعت ذلك بمجموعة من الأشعار التي تتحدث عن المدينة، وتعرض لقصة الحاخام الذي زار القدس ومات تحت أقدام فرس رجل عربي، وذلك لتثير الحقد لدى الناشئة اليهود ضد العرب.

وتقول المؤلفة إن قدسية القدس في المسيحية والإسلام تأثرت باليهودية، وإن هذه المناطق المقدسة عند المسلمين والمسيحيين هي في الأساس أماكن مقدسة يهودية؛ مثل موقع الحرم القدسي الشريف، وقبة الصخرة التي دفع داود ثمنها عندما كانت بيدر حتى تكون للأسباط الاثني عشر وليس لسبطين.

وحتى تؤكد على وحدة اليهود؛ أوردت الكاتبة قصة أن الملك داود قام بجمع الأسباط الاثني عشر ضمن شعب إسرائيل، وتحت قيادة ملك واحد الملك داود صاحب النبوة والقائد العسكري الذي جعل أورشليم عاصمة له.

وتركز المؤلفة على المداخل التاريخية في تحويل القدس إلى عاصمة يهودية لإسرائيل منذ عهد داود، وكيف حافظت على يهوديتها وطابعها اليهودي. ونلاحظ أن هذه المؤلفة شأنها شأن المؤلفين اليهود الآخرين تناست التاريخ العربي للمدينة والبصمات التي تركها العرب في تاريخ هذه المدينة، وركزت المؤلفة على موضوع التهويد المتبع في المدينة بعد نقل سائر الدوائر الرسمية وغير الرسمية إلى المدينة المقدسة.

وتورد الكاتبة مقارنة بين القرية العربية والكيبوتس اليهودي الذي بني على أساس مخطط وهادف، وبالإضافة إلى الادعاء السائد عن أن الضفة الغربية جزء من أرض إسرائيل لذلك لا بد من بناء مزيد من المستوطنات، وأن الاحتلال اليهودي لهذه المناطق نعمة وليست نقمة؛ بسبب التطور الذي حدث بفعل هذا الاحتلال. وتتحدث الكاتبة عن العديد من القلاع والحصون التي جاء ذكرها ليؤكد للطالب مدى علاقته بهذه الأرض وتتحدث الكاتبة عن احتلال العرب والصليبيين للقدس، وكيف تراجعت المدينة بعهدهم وتأخرت على اعتبار أنهم بدو رحل لا حضارة لهم.

وفي كتاب (الجولان والجليل والغور الشمالي والكرمل)، من تأليف أليعازر بنكتين عام 1982م، ويسعى فيه إلى تحقيق الأهداف الإسرائيلية، وهو بمستوى الصفوف الإلزامية العليا، ويقسم الكتاب إلى عدة فصول:

يتحدث الفصل الأول عن التطور الذي قام به الصهاينة وعمليات الإصلاح الزراعي في منطقة الشمال الفلسطيني.

والفصل الثاني يتحدث فيه بإسهاب عن المنطقة وينسبها لليهود، ويعتبر العرب المجاورين أجانب وغرباء عن هذه الدولة. ويتحدث الكتاب عن المناخ، وكيف يعتبر شمال إسرائيل (فلسطين) مصدراً مهماً للغذاء وعمليات استغلال الأرض، ويتحدث عن كيفية تقسيم الأرض إلى أسباط متعددة، وكيف قاتل اليهود من أجل حماية هذه الأرض.

وفي الفصل السابع يتحدث الكاتب عن بداية الاستيطان والإعمار الذي أوجده اليهود في فلسطين، وكيف امتلك الصندوق القومي اليهودي أراضي في شرق الأردن وغربه، وما هو التأثير الذي حصل لليهود بسبب الثورات التي حصلت في روسيا ودفعت السكان إلى الهجرة إلى فلسطين والعمل الزراعي.

ويتحدث في فصل آخر عن الهجرات المتعاقبة لليهود، وكيف تم استيعابها، وكيف أدت إلى التطور الصناعي والتغير النوعي في معيشة السكان وأسلوب الحياة وإنشاء المدن الجديدة مثل تل أبيب، وكيف واجه العرب هذا الأمر بقتل اليهود وتخريب مصالحهم؟ ولذلك تطوع عدد من اليهود للدفاع عن مصالح اليهود، وكانت ردة الفعل اليهودية بأن تم بناء العديد من المستوطنات وخاصة على الحدود الفلسطينية «الإسرائيلية»، وكيف وقفت هذه المستوطنات في وجه الجيوش العربية، وكيف أن سكان الجولان وبعض المناطق الشمالية من فلسطين هاجروا وخرجوا مع الجيوش العربية الغازية، وأصبحت هذه الأراضي ملكاً لإسرائيل. وفي مواضع أخرى من الكتاب يصف الكاتب سكان بعض القرى بالجهلة المصابين بالأمراض المعدية، وكيف أنعمت عليهم إسرائيل حينما دخلت وطورت حياتهم.

أما كتاب (من حرب 1918م إلى حرب 1945م) الذي وضع للمدارس الرسمية 1981م، فهو بمثابة توجيه موسع للطلاب في مادة التاريخ والتربية الوطنية، ومن أبرز الادعاءات الكاذبة والظلم الذي وقع على اليهود أن الحرب العالمية الثانية نشأت من أجل القضاء على اليهود؛ لذلك كان من واجب العالم إيجاد وطن قومي لهم في فلسطين!

وركز الكتاب على الأقلية اليهودية، وجعلهم قومية أينما وُجدوا، ويتناسى ذلك فيما يخص العرب، ويتحدث عن الأوضاع المزرية لليهود في شرق أوروبا ووسطها وخاصة التجار والمزارعين، وإن هذه الإجراءات دفعت اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين، وللدفاع عن حقوق اليهود نظموا أنفسهم في أحزاب خاصة لهم، ويؤكد أنه كان لليهود مدارسهم الخاصة التي تدرس بالعبرية للتأكيد على الاستقلال اليهودي الثقافي، ويتحدث الكاتب عن القوانين التي يقول إنها سُنَّت فقط للتمييز ضد اليهود مثل قوانين نورمبرغ الألمانية العنصرية التي حرّمت على اليهود العمل، ولاحقتهم ومنعتهم من رفع علمهم القومي، ويتحدث عن الأعمال التي قام بها النازيون، وأنها كانت ضد اليهود، وهدفها طردهم من ألمانيا وسائر البلدان التي احتلها هتلر، وأن غرف الغاز حقيقة وليست خيالاً، وأنها حصلت لليهود على يد النازية الألمانية.

وكل هذه الآراء التي يوردها الكاتب هدفها أن يصل الطالب إلى حقيقة أن فلسطين هي الأرض الآمنة بالنسبة لليهود ولا بلد سواها.

أما كتاب (تحولات في جغرافية الشرق الأوسط) لمؤلفه البروفيسور أرنون سوفير 1984م، والذي يعتقد أنه معد لطلاب المدارس الثانوية والكليات والجامعات، ويعتبر مرجعاً للجهات المختصة في إسرائيل، في هذا الكتاب نجد أن الكاتب لا يتطرق إلى ذكر العرب إطلاقاً إلا من خلال التقليل من شأنهم ووصفهم بصفات سيئة، ويتعمَّد التنكر للوجود العربي في هذه المناطق، فالخليج العربي يُطلق عليه اسم الفارسي، وعندما يتحدث عن البلاد يصفها بصفات سيئة؛ فمثلاً يقول إن الفلاح المصري لم يتطور منذ أيام الفراعنة حتى الآن؛ فالرسوم الفرعونية نجد لها واقعاً في حياة الإنسان المصري اليوم، وحالته الصحية سيئة جداً، ومصاب بالأمراض المعدية.

ويرى الكاتب أن الزيادة السكانية العالية في مصر تقلق إسرائيل لإمكانية إقامة جيش قوي، وعندما يتحدث عن نفط الخليج العربي، يقول إن هذا النفط قدم مساعدات للعرب خاصة الدول المجاورة لإسرائيل، وخاصة السعودية والعراق لدعمها الكبير للأردن ومصر وسوريا، وإن علاقة إسرائيل بالخليج العربي (الفارسي) ازدادت بسبب الطرق والمواصلات الحديثة.

وفي الفصل المخصص للأردن يصفها بأنها منطقة صحراوية قاحلة، وهي عبارة عن جزء من أراضي إسرائيل لكن الأمير عبد الله سيطر عليها وقام بإنشاء مملكة بها، وإن سكانها غزوا أجزاء من أرض إسرائيل وامتلكوها، وأن سكانها عبارة عن بدو رحل يعملون بتجارة السلاح. وعندما يتحدث عن الزيادة السكانية التي حصلت في الأردن يتغاضى عن سببها وهي الهجرة القسرية التي حصلت بسبب الحروب الإسرائيلية، وإن قرب الأردن من إسرائيل ساعد في نقل التكنولوجيا وخاصة الزراعية.

أما نظرته لسوريا فهي سلبية، ويصف الفتح العربي لها بأنه احتلال، وتسود في دمشق ظاهرة الفقر والبؤس، وتشهد سوريا حالياً تخلفاً في المجال الزراعي والصناعي، ومواصلاتها قديمة جداً، ويتهم سوريا بشن الحروب المختلفة على إسرائيل؛ مثل حرب يوم الغفران 1973م، وقسم سكانها إلى طوائف متعددة مثل السنة والعلويين والدروز.

ويتحدث الكاتب أيضاً عن معارضة سوريا لكثير من المشاريع الصهيونية؛ مثل تجفيف بحيرة الحولة، واستغلال مياه نهر الأردن. ويرى أن العداء مستمر بين الدولتين منذ تأسست إسرائيل حتى اليوم.

وعندما يتحدث المؤلف عن لبنان يسهب في الحديث عن التقسيمات الطائفية في هذا البلد، وما هي أسباب نشوء ذلك، وأن الدولة العثمانية ركزت على ذلك، وكانت تفضل السنة على الشيعة، وتحارب المسيحيين، وأن بعض الأقليات اضطرت للرحيل من لبنان لهذا السبب.

والحرب الأهلية في لبنان في نظره هي بسبب الأطماع السورية في لبنان، وذلك بسبب دعوات بعض المنظمات للوحدة مع سوريا لتكوين سوريا الطبيعية، ويقول أيضاً إن المنظمات الفلسطينية كانت السبب المباشر في احتلال إسرائيل لجنوب لبنان بسبب توسعها وسيطرتها على المنطقة الجنوبية الشرقية للبنان وتعرضها دائماً للدولة اليهودية. ويتحدث كذلك عن بعض المشاريع المتعلقة بسياسة إسرائيل وأمنها؛ مثل محاولة إسرائيل السيطرة على منابع الليطاني.

وعندما يتحدث عن العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني؛ يصفه بأنه عملية تحررية من أجل الدفاع عن إسرائيل بسبب سياسة المنظمات الإرهابية الفلسطينية.

ولدى حديثه عن العراق لا يتورع بوصفه بصفات سيئة؛ مثل أن العراق ما يزال يبحث عن هويته السياسية، وأنه يعاني من الفقر والبؤس والجهل، وأن حالة الفلاح العراقي أسوأ من الفلاح المصري. وعن صناعة العراق يقول المؤلف لا يوجد سوى صناعات نفطية.

أما عن رأي أرنون سوفير في الاستيطان؛ فيرى إنه لا بد من طرد الفلسطينيين من فلسطين وإحلال سكان يهود مكانهم كما حصل في 48 والهجرات المتلاحقة؛ حتى يكون هناك توازن ديمغرافي؛ لأن زيادة العرب بهذا الحجم ستؤثر على يهودية الدولة، وفي رأيه أن هذه الفكرة أكثر أخلاقية؛ لأنها ستحول دون حصول صدامات متلاحقة بين العرب واليهود.

أما فيما يخص السياسة التربوية الإسرائيلية - والدعائم الصهيونية في تهويد العملية التربوية، وكيف تطورت الاتجاهات التربوية في مرحلة الصراع العربي الصهيوني؛ فيقول الكاتب إن الكتب المقدسة مثل التوراة والمشنا والجمارا وغيرها، حتى الكتب الدينية والشروح؛ شكلت الاتجاه والمنطلق الذي تتركز عليه العملية التربوية وتوجهاتها، وكذلك في توجهات وقرارات الزعماء اليهود، وتشكلت عند الطالب اليهودي ثقافة مفادها أن كل أرض تطأها قدم اليهودي هي أرض يهودية يجب طرد السكان منها، وحتى تحقق الصهيونية هذا الأمر وضعت مؤلفات وشروحاً تعتمد على المنهج السابق؛ سواء كان في رياض الأطفال أو المرحلة الأساسية والثانوية حتى الجامعية؛ بهدف غرس القيم اليهودية في نفوس هؤلاء الطلبة.

أما تاريخ بداية هذه الاتجاهات فهو يعود إلى بداية إنشاء المستعمرات والمستوطنات اليهودية على أرض فلسطين عام 1870م، وكذلك كتابات بعض الكتاب اليهود؛ مثل هس وبنسكر، وجهود زعيم الصهيونية ثيودور هرتسل.

ويركز المفكرون اليهود على ضرورة إيجاد ثقافة خاصة باليهود لتميزهم عن غيرهم أينما وجدوا، ويجب أن يسود ذلك بشكل كبير في فلسطين، وأن تكون الثقافة العبرية هي السائدة، ويتلخص جل الفكر الصهيوني في قول المفكر اليهودي أحد هعام: «من الضروري إقامة المدارس ليتخرج منها جيل يهودي سليم الروح والعقل والجسم، ومن الضروري تجديد العمل العبري لتقوية الانتماء لهذه الأمة»، ويركز المفكرون على مفاصل معينة مهمة في تاريخ اليهود؛ مثل الخروج من مصر، والسبي البابلي.

ويتفق مفكرو اليهود، سواء المسؤولون عن الكتب المدرسية أو مؤلفو الكتب الثقافية والقصص، على مبادئ عدة؛ منها الاستعلاء اليهودي والإغراق في العنصرية والنظرة القومية للجوييم عند اليهود، والإقرار بمبدأ النهب تحت اسم العودة إلى الأرض.

ويرى باحثون يهود عملوا في مجال الكتب والقصص الموجودة بين يدي الناشئة اليهود أن هناك أكثر من 1500 كتاب من أصناف عديدة تؤكد على مفاهيم بارزة ومهمة؛ مثل الاستعلاء والقومية والتحقير للعرب والمسلمين، وهذه الكتب موجودة ومنتشرة في كل أنحاء البلاد.



ويمكن تصنيف الكتب الموجودة والمخصصة للناشئة حسب الآتي:

1 - كتب مخصصة للطلبة اليهود، ويلاحظ أن الأدب في هذه الكتب يعبر عن وجهة نظر عسكرية تخلو من النظرة الإنسانية للإنسان العربي الفلسطيني، ويقول بعض المؤلفين إن الكتب المتداولة بين المعلمين تحوي عنصرية وتطرفاً أكثر مما هو موجود بين يدي الطلاب، ويلاحظ على هذه الكتب عدم تجددها بشكل مستمر، وإنما يعاد تصويرها دون النظر إلى معلومات حديثة قد تكون حدثت، وهذا هدفه الإبقاء على الصورة السلبية للعربي في نظر الناشئة اليهود.

ويمارس الكتّاب اليهود تزويراً أدبياً من خلال غسل الأدمغة للناشئة الصغار بتلقينهم معلومات خاطئة منذ الصغر حول اعتداءات العرب المتكررة على الأراضي اليهودية والمستعمرات، والأعمال التخريبية التي يقوم بها العرب ضد اليهود ليست فقط في إسرائيل وإنما في كل البلاد العربية التي يعيش فيها يهود؛ مثل مراكش التي يورد بعض الكتاب أنه مات فيها عام 1899م حوالي 2500 يهودي بسبب الجدري الذي أصاب أحياء اليهود، وأن اليهود كانوا يُجْبَرون على ارتداء لباس معين، وأن سبب هجرة اليهود من أكثر البلاد العربية عائد إلى السياسة التي اتبعتها الحكومات المختلفة ضد اليهود، كما حصل مع يهود العراق. ويلاحظ أن المؤلفين تجاهلوا المؤامرات اليهودية مع المستعمر الغربي ضد البلاد العربية، ويعترف الكتاب أن هجرات اليهود من بعض البلاد العربية حصلت بسبب التعاون مع الاستعمار؛ كما حصل ليهود اليمن، وبالأسلوب نفسه يتم الحديث عن مختلف المناطق التي كان يعيش فيها اليهود سواء تونس أو الجزائر أو سوريا..

ويؤلف المفكرون والكتاب اليهود كتباً كثيرة تجسد العودة إلى الأرض، ويضمنونها قصصاً مستوحاة من التوراة والحنين إلى الأرض المقدسة، وأن اليهود أعطوا هذه الأرض لذلك لا يمكن التنازل عنها بأي شكل من الأشكال.

ولعل من أهم المرتكزات التي تحرص عليها الصهيونية: هي تشويه الدعوة والفتوح الإسلامية في أذهان الناشئة اليهود؛ فهي تصور المسلمين بأنهم غزاة خرجوا من الجزيرة العربية غازين لهذه البلاد، وأن السيف والقتال كان شعار الدولة، وأن الإسلام هو دين المحاربين. ويصور الكتاب مصير القبائل اليهودية في الجزيرة زمن الرسول، وأنها وقعت في ظلم، ووصفت كتب عدة أن الفتح هو عبارة عن فناء وإبادة، وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- قاد حرب فناء، وأباد قسماً كبيراً من يهود شبه الجزيرة.

ويرى المفكرون اليهود أن العرب عبارة عن قبائل بدوية رحل لا يعرفون شيئاً من الحضارة، وهم يعتمدون على النهب والسلب، وأن النبي محمداً -صلى الله عليه وسلم- عندما جاء بذل جهداً لمطابقة دينه مع دين اليهود، وعندما أدرك أن اليهود لم يستجيبوا له تحول عن كثير من أمورهم فحوَّل القبلة إلى مكة، وفرض عليهم صيام رمضان بدل يوم الغفران، وأمر بالصلاة خمس مرات، وفرض على المسلمين عدم تناول لحم الخنزير. ويتنافس المؤلفون اليهود بوصف العرب بأبشع الصور؛ مثل المحتلين، والمخربين، وعديمي الحضارة.

وفي كتاب (هذا موطني) للصف الخامس؛ يروي المؤلف بعض الأحداث المزورة التي يريد أن يثبت من خلالها أن العرب المسلمين يحاربون اليهود ويمنعونهم من زيارة الأماكن المقدسة عندهم؛ مثل مغارة المكنيلا والحرم الإبراهيمي.. وأن العرب مارسوا سياسة إجرامية ضد اليهود. ويرى كثير من المؤلفين أن الاحتلال الإسلامي أدى إلى خراب العديد من المدن؛ مثل مدن النقب ويافا.

ويرون أن المسلمين قاموا بإفناء قبائل عدة سكنت البلاد التي احتلها العرب. وعندما يتحدثون عن مكانة المرأة عند العرب يصورها الكتاب بأبشع صور، وأن مكانتها متدنية، ولا تقرأ، وتحرم من الميراث.

أما في كتاب (الأقليات في إسرائيل: مسلمين، ومسيحيين، وبهائيين، ودروز)، فيصور العرب أنهم لم يسكنوا البلاد إلا بعد الفتح الإسلامي وبالتالي هم غرباء عنها، وأنهم لم يؤسسوا مراكز حضارية، واقتصروا على بناء العديد من المساجد. ولم يتورع اليهود عن وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأمور لا تليق بنبي عظيم وجليل مثله عليه الصلاة والسلام، فهم يقولون إن زواجه من خديجة ـ رضي الله عنها ـ هو الذي جعل منه رجلاً ذا شأن، وأنه ـ عليه السلام ـ كان يأمل في أن ينضم إليه اليهود، وعندما رأى بروداً منهم حوَّل القبلة!!

ويرون أيضاً أن السبب في بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة يعود إلى اعتماد المسلمين على المعتقدات اليهودية، والتي تقدس جبل الهيكل، ويصورون الخلفاء المسلمين بأنهم غارقون في شرب الخمر، وإقامة الحفلات الموسيقية.

2 - أما الجانب الثاني من سياسة التربية الصهيونية؛ فهو الموجه نحو التلاميذ العرب في الأراضي المحتلة عام 1948م (عرب 1948)، وهو الذي يسعى إلى تهميش الأدب العربي بإبعاد المفاهيم والصور القومية الرصينة في هذا الأدب عن ذاكرة الطفل العربي، ويحاول المفكرون ومؤلفو الكتب سلخ الطفل العربي ما أمكن عن تراثه العربي والإسلامي. ويلاحظ من بعض الكتب التي ألفت في الأدب العربي تركيزها على جمع قصائد شعرية لا تحمل معنى، ولا تركز على القومية العربية وروح الانتماء للوطن والإسلام واستهجان الحرب والدعوة إلى السلام، ومثال على ذلك كتاب (تاريخ الأدب العربي) لمؤلفه اليهودي مراد ميخائيل، وكتاب (سنابل من حقول الأدب) إعداد سامي هبز، ويلاحظ عليها الركاكة في الألفاظ، والعجز عن إعطاء التسمية الصالحة والصحيحة للظواهر الأدبية، فمثلاً لدى شرحه (الأمة العربية) يركز على معاني القتل والتخريب، وأن هذه الصفات هي العنصر الأهم في حياة العربي.

إن الملاحظ لمؤلفات الصهاينة للمدارس سواء العربية أو اليهودية؛ يجد أنها تركز على العصبية وسمو القومية اليهودية والتفوق اليهودي مع إهمال التاريخ العربي وإعطاء معنى واضح، وهو أن الاحتلال شيء مفيد لرفعة إسرائيل واستعادة الأرض الموعودة، وهو واجب ديني.



• الجزء الثاني من الدراسة: وهو الذي يتحدث عن مناهج التعليم الإسرائيلية في فترة السلام:

وهي الفترة التي بدأت بتوقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979م في زمن الرئيس أنور السادات، يتطرق الكاتب إلى هذه المرحلة ويعتبرها امتداداً للمرحلة السابقة؛ بحكم التداخل الفكري واستمرار العمل بالمناهج الإسرائيلية السابقة، ولم يطرأ أي تغيير على مناهج التعليم اليهودية فالنظرة إلى العروبة والإسلام وإلى من هو غير يهودي؛ لم تتغير سواء قبل أو بعد السلام، فالمفاهيم اليهودية لا يمكن أن تتغير عند اليهودي؛ لأنها من المسلمات في صراعه مع العربي.

ويورد المؤلف بعض الكتب الخاصة في هذه المرحلة الزمنية، ويوضح مدى بقاء كثير من المفاهيم اليهودية دون تغيير.

من هذه الكتب رغم توقيع اتفاقيات سلام مع الدول العربية:

كتاب (ديمقراطية إســرائيل) لمؤلفـه راحيل غرومان وموشيه يلغ 1994م، ويستهل بوصف ديمقراطية إسرائيل، وأنها هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ولكن هناك من المفكرين الإسرائيليين من ينتقد هذه الديمقراطية ويصفها بأنها ديمقراطية التماسيح، وهي التي تسمح لفئة معينة بعمل ما تريد وتمنع الفئة الأخرى من ذلك، ويقصد بذلك العرب، ويرى أنه لو كانت إسرائيل دولة ديمقراطية صحيحة لمنح العرب كامل حقوقهم، ولألغيت قوانين الطوارئ الانتدابية التي هي سيف على رقاب العرب.

أما فيما يخص يهودية الدولة فهناك صراع فكري بين أكثر من مفكر حول يهودية الدولة؛ هل هي خالصة لليهود أم أن الأقليات الأخرى يمكن أن تعيش وبنفس الحقوق، لذلك يوجد ثلاثة تيارات حول هذا الموضوع:

أ - التيار العلماني، ويقسم إلى عدة أقسام:

1 - قسم يؤمن بيهودية الدولة، وأنها لليهود فقط دون غيرهم.

2 - قسم آخر يعتقد أن إسرائيل دولة علمانية، ويجب أن تكون محطة لمختلف اليهود في كل دول العالم، وعلى الدولة تغذية العلاقات بين اليهود في أنحاء العالم.

3 - القسم الثالث يدعو لفصل الدين عن الدولة، والتي يجب أن يكون للدولة طابع معين يميزها؛ أي أن تكون على غرار الدول الغربية.

ب - التيار الديني القومي، وهو الذي ينادي ببناء دولة إسرائيل على أساس ديني بحت، وأن الدين يجب أن يتدخل في كل أرجاء الدولة، وأن دولة إسرائيل هي بداية الخلاص بالنسبة لليهود.

ج - التيار الديني المتعصب «الأتقياء»، وهو تيار غير صهيوني ومضاد للصهيونية العلمانية وإسرائيل، تشكل نقطة تجمع لليهود دون أن يكون لذلك أهمية دينية.

والمتطرفون فيه لا يعترفون بدولة إسرائيل، ومن أبرزهم جماعة نطوري كارتا، والمعتدلون يعترفون بالدولة؛ مثل أغودات إسرائيل وحزب شاس، ويشاركون في النشاطات السياسية لها.

وإذا أردنا أن نعرف النظرة الإسرائيلية التربوية للعرب الذين يعيشون داخل الدولة على اعتبار أنهم مواطنون لهذه الدولة؛ فإنه لا بد من معرفة مكونات هذه السياسة التربوية، وأبرز مكونات هذه السياسة التربوية:

1 - أثر الدين اليهودي.

2 - تأثير تراث وتقاليد الطائفة اليهودية في الشتات.

3 - قوة فعالية الحركة الصهيونية.

4 - النشاط الذي يمارسه السيشوف منذ بداية عهد الاستيطان.

5 - الاستيطان والانتداب.

6 - دولة إسرائيل دولة يهودية في تشريع الكنيست.

ويورد الكاتب نموذجاً آخر لمؤلفات يهودية، وهو كتاب (تحولات في جغرافية الشرق الأوسط) تأليف البروفيسور أرنون سوفير أستاذ الجغرافيا بجامعة حيفا 1995م الطبعة الخاصة. ويركز على التحولات التي حصلت في الشرق الأوسط ومدى علاقة إسرائيل فيها وتأثيرها فيها، وهو مدعم بعشرات الخرائط، ويتطرق الكتاب إلى طبيعة العلاقة بين إسرائيل والدول العربية ذات اتفاقية السلام أو الدول العربية التي لم توقع سلاماً مع إسرائيل، وما هي النظرة المستقبلية لهذه العلاقة، ويورد الكاتب نظرة إسرائيل للدول العربية منفردة؛ فعندما يتحدث عن علاقات مصر وإسرائيل؛ يقول إن النمو السكاني المصري يهدد وجود إسرائيل.

وينبه المؤلف إلى خطر تجاوز إسرائيل، ويقصد به العلاقة المتنامية بين ميناء طابا والعقبة ومدينة حقل السعودية، والسفن الإسرائيلية يمكن أن تسلك قناة السويس للوصول إلى ميناء إيلات، وهذا يمثل خطراً على الميناء. ويرى أن هناك زيادة في عدد السكان في سيناء وخليج السويس بسبب حقول النفط والغاز، وهذا سيؤثر على إسرائيل؛ فوجود تجمع سكاني عربي كبير بالقرب من إسرائيل يهدد أمن الدولة اليهودية؛ لأنه يولد نزاعات على طول الحدود المصرية ـ الإسرائيلية، أما نظرة إسرائيل للخليج العربي، والذي يصفه بالفارسي، ويرى الكاتب أن إسرائيل لها علاقة مباشرة بما يحدث بالخليج، وخاصة مسؤولية التنقيب عن البترول والنفط، وهي تنظر بعين الشك لتحسين الطرق البرية الواصلة بين الدول العربية، وتنظر بشك أيضاً لزيادة ثروات دول الخليج، وخوفها من استغلالها عائدات النفط لدعم الدول العربية على خط المواجهة الإسرائيلية.

ويرى المؤلف أن ارتباط العالم العربي بالنفط يؤمن لدول الخليج مصدراً مالياً هائلاً يساعد في تطور البلاد؛ لذلك فإن إسرائيل لا بد أن تنظر إلى العديد من الدول الخليجية وتجعلها محايدة في هذا الصراع، وخاصة بعض الدول الإفريقية التي تحصل على مساعدات خليجية يجب أن تقدم لها إسرائيل مساعدات مالية وعلمية يجعلها على الحياد. ويرى الكاتب أن الأموال التي تنفق على مجال الوعظ والإرشاد الإسلامي يمكن أن تحقق صحوة دينية إسلامية تؤثر في وجود الدولة الإسرائيلية.

أما عن علاقة إسرائيل بتركيا؛ فيرى سوفير أنه من الصعب النظر إلى طبيعة العلاقة بين تركيا وإسرائيل في المستقبل؛ لأن الشعب التركي بدأ يتوجه نحو الأمور الدينية، وهناك صحوة إسلامية لدى الأتراك وميل لدعم المنظمات الإسلامية.

أما الأردن؛ فيرى أنه متخوف دائماً من الحرب بسبب اعتبار اليهود لشرق الأردن جزءاً من أرض الميعاد اليهودية، وأن إسرائيل لها الفضل في نقل التكنولوجيا إلى الأردن وخاصة الزراعية.

أما نظرته لسوريا؛ فيرى أن إقامة المشاريع السكانية السورية بالقرب من الجولان المحتل يمكن أن يؤثر في يهودية الدولة، ويورد مقولة للرئيس السوري حافظ الأسد تقول إن الطريق لتحرير الجولان يتم بتنفيذ مشاريع الإسكان على طول الحدود مع إسرائيل؛ لإحياء المنطقة ومواجهة إسرائيل سكانياً.

أما لبنان؛ فيرى أنه يمثل مشكلة بالنسبة لإسرائيل؛ لأنه يسيطر على أهم رافد من روافد نهر الأردن، وهو الليطاني؛ لذلك تتخوف إسرائيل من تحويل هذا الرافد بشكل مباشر ليصب في نهر اليرموك؛ حيث تقتسم الأردن وسوريا مياه النهر، وسيؤثر ذلك سلباً في مشاريع إسرائيل الزراعية في الشمال.

وفي نظرته للعراق؛ يقول يجب أن تعامل العراق كدولة حدودية؛ لأنها تدعم الأردن، والجيش العراقي كان مشاركاً في كل الحروب العربية ضد إسرائيل، وكذلك في حرب الخليج 1991م ضرب الرئيس العراقي السابق صدام حسين إسرائيل بـ 39 صاروخاً.

ومن مظاهر التغيير التي تخوف إسرائيل مستقبلاً ـ كما ينظر إليها سوفير ـ ما يلي:

1 - التزايد السكاني الهائل في المنطقة بالنسبة للعرب.

2 - التحول من الريف إلى المدينة بشكل متسارع، وكذلك من البادية إلى المدينة، وهذا الأمر مثير للهلع عند اليهود بسبب اتصال المدن وقربها بشكل كبير من الحدود الإسرائيلية؛ فإحدى ضواحي عمان لا تبعد عن الحدود أكثر من 25 كم، وهذا يشكل تحدياً لليهود، وكذلك كثير من المدن السورية والمدن اللبنانية، وكثير من التجمعات السكانية، ويتخوف الكاتب بشكل كبير من التطور الحاصل في ميناء العقبة ونويبع المصري ومدينة حقل السعودية، ويقول إنه تم لأول مرة في التاريخ إنشاء جسر بري بحري ليربط الشرق بالغرب، وهذا الأمر له آثار اقتصادية بالغة الأهمية دون أن يكون له أثر في إسرائيل.

وتتخوف إسرائيل أيضاً من أمور عدة أهمها نقص المياه والمشاكل الناتجة عنه، وتعاظم تضخم السكان في المدن وآثاره على الوطن العربي وإسرائيل، والتحسن الملموس في طرق المواصلات ووسائل الاتصالات. ونمو الحركات الإسلامية وآثارها في المجتمع العربي المحيط بإسرائيل.

أما كتاب (الأقلية العربية في إسرائيل) لراحيل غرومان 1995م؛ فهو مادة تعليمية مقررة وفقاً لمنهاج التعليم الخاص بوزارة المعارف، حيث يورد الكتاب بعض المغالطات التي يهدف من وراءها سلخ الطالب العربي عن جذوره العربية؛ مثل اعتبار الضفة الغربية وغزة أراضي تابعة لدولة إسرائيل، ويحمل المؤلف مواطني فلسطين 48 مسؤولية هروبهم منها عام 1948م، ويؤكد الكتاب على حقيقة الاحتلال العسكري؛ فيرى أن دولة إسرائيل احتلت هذه المناطق بناء على وعد رباني للشعب اليهودي، وعندما يتحدث عن الفتح العربي الإسلامي يصفه بالمحتل والمخرب، وأن أرض فلسطين لم تعان من دمار كما عانته أثناء الحكم العربي الإسلامي لها، يوحي الكتاب للطالب العربي أن الإسلام محرف ومشوه لعدة طوائف؛ مثل السنة، والشيعة، والدروز، وحضر وبدو، وفلاحين، ويعتبر الدروز أقلية مختلفة عن العرب.

أما عن الجانب القانوني للأقلية العربية في إسرائيل؛ فيرى المؤلف أن حقوق الأقلية العربية تمت صياغتها في وثيقة الاستقلال للدولة اليهودية وفق مكونات ثلاث:

1 - دولة إسرائيل دولة يهودية.

2 - دولة إسرائيل دولة ديمقراطية.

3 - دولة إسرائيل لها احتياجات أمنية.

ويتخوف العرب بشكل كبير من الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل لترسيخ هذا المفهوم؛ خاصة إذا لقي دعماً وتأييداً من قبل المواطنين، ففي استطلاع للرأي العام جرى عام 1987م ظهر أن 54%من اليهود يؤمنون بأن على إسرائيل ترسيخ طابعها اليهودي.

إن ما يقال عن الديمقراطية أمر بعيد عن الصدق، وليس الهدف منه إلا الدعاية الإعلامية، فالسلطات الإسرائيلية كممثلة تنفيذية لهذه الدولة لا تسمح للعرب بممارسة حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك فإن المؤسسات اليهودية تنظر إلى العرب على أنهم معضلة أمنية تقف في وجه الدولة، ويورد الكاتب العديد من القوانين التي تنتقص من حقوق العرب؛ مثل قانون العودة الصادر عام 1950م، والذي يمنح الجنسية لليهودي وبمجرد العودة إلى فلسطين، أما غير اليهودي فله طرق عدة وصعبة للحصول على الجنسية، وهو قانون عنصري، فالعربي الذي عاد إلى وطنه منع من الجنسية، أما اليهودي الذي لم يعش يوماً واحداً على أرض فلسطين فيمنح الجنسية مباشرة عند العودة.

وهناك قانون يميز المشاريع اليهودية عن العربية؛ مثل قانون (مكانة أو منزلة الهستدروت والوكالة اليهودية) الصادر عام 1954م، والذي يمنح الأفضلية لهذه المؤسسات في المشاريع الاقتصادية والسكانية، وبما أنها يهودية فإن المستفيد الأول منها هو اليهودي فقط. أما قانون أراضي إسرائيل عام 1960م؛ فقد اعتبر غالبية الأراضي ملكاً للدولة وملكاً لسلطة التطوير أو الصندوق القومي اليهودي؛ لذلك فإنه يمنع بيع أو نقل ملكيته الأرض لغير اليهود، ومعنى ذلك أن مساحة الأرض التي يسيطر عليها اليهود تزيد بينما العربية تقل. أما قانون الكنيست لعام 1985م؛ فهو يمنح الأحزاب التي تعارض وجود الدولة من الترشح للانتخابات أو إذا كانت هذه الأحزاب تنكر قيام الدولة اليهودية. أما التناقض بين الديمقراطية نظرياً وتعبيرياً، فهو كثير فهناك خطوط حمراء للعرب لا يمكن أن يتعدوها، وإذا حدث ذلك؛ فإن الصحيفة أو الحزب أو المجلة تغلق بأمر وزير الداخلية، كما فعل وزير الداخلية بإغلاق صحيفة الاتحاد لمدة أسبوع على خلفية التحريض ضد دولة إسرائيل.

أما حرية السكن والإقامة في المدن والمستوطنات فهي معقدة، فالمواطن العربي لا يجوز له السكن أو ليس حراً في تحديد مكان السكن الذي يريده، فهناك مدن لا يمكن أن يسكنها عرب؛ مثل صفد وطبريا وبيسان. ويورد الكتاب مقارنة بين التعليم في عهد الدولة اليهودية وكيف تتطور بشكل سريع بسبب الدعم المقدم للتعليم العربي، ولكنه لا يتعرض لمدى الصعوبات التي تواجه الطالب والمعلم العربي في المدارس العربية في إسرائيل؛ مثل التهديد بفصل المعلم إذا خالف آراء الدولة أو منع الطالب من إكمال التعليم.

ويرى الكاتب أن مصادرة مساحات من الأراضي العربية كان لأهداف اقتصادية أي للمصلحة العامة؛ متناسياً الأثر السلبي على هذه المصادرات؛ مثل تناقص المساحات المزروعة من قبل العرب؛ مما أدى إلى قلة الاعتماد على الزراعة كمورد اقتصادي أساسي للعرب، وهذا هدف مدروس حتى يتم سلخ المواطن العربي من الأرض العربية، ويرى المفكرون اليهود أن الاستيلاء على الأراضي العربية هو حتمية صهيونية عليا، وهدفها هو توطين الشعب المختار مكان العرب؛ لأن هذه هي الأرض الموعودة لليهود. ويورد المؤلف نماذج من الصراع العربي الفلسطيني مع الحكومات الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة حول مصادرة الأراضي حسب العديد من الذرائع.

ويتحدث المؤلف عن أثر الأحداث السياسية في تربية الناشئة العرب بين عامي 1948 وعام 1994م، ويوضح أن المواطن العربي أصبح محاطاً بمجموعة من الدوائر تحيط بهويته وتحدد طبيعة انتمائه، ومن أبرز ذلك:

1 - الدائرة الفلسطينية التي يشعر بانتمائه إليها إلى جانب دعم النضال العربي في الضفة والقطاع.

2 - الدائرة الإسرائيلية؛ حيث مطلوب منه المحافظة على قوانين الدولة التي يخضع لها سياسياً وإدارياً حيث يتكلم العبرية. ويدرس في الجامعات العبرية.

3- الدائرة العربية ذات الانتماء القومي للأمة العربية لغة وحضارةً

4 - الدائرة الإسلامية التي ينتمي لها عقدياً ويعبر عنها من خلال التزامه بتعاليم الإسلام في مختلف المجالات والقيام بالعبادات المكلف بها.



في ضوء الأحداث السابقة والتأثيرات يمكن أن تحدد تطور الهوية العربية في إسرائيل؛ بالشكل التالي:

1- المرحلة الأولى مرحلة الهوية الجنسية الإسرائيلية منذ 1948 - 1966م.

2 - المرحلة الثانية الهوية القومية الفلسطينية 1967 - 1995م.

وهناك مؤثرات خارجية أثرت في الهوية لدى عرب إسرائيل؛ منها:

1 - عدوان حزيران وحرب الأيام الستة عام 1967م.

2 - أثر تصاعد التطرف العنصري اليهودي.

3 - بروز منظمة التحرير الفلسطينية على الساحة الدولية؛ حيث أصبح ينظر لها المواطن العربي بأنها تتحدث عن الشعب الفلسطيني كله داخلاً وخارجاً؛ خاصة بعد اختيار ثلاثة من عرب الداخل أعضاء في منظمة التحرير.

4 - الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة عام 1967م، والذي أدى إلى إعادة الاتصال بالعرب مرة أخرى بعد عزلة طويلة.

5 - حرب تشرين 1977م عندما استخدم العرب سلاح البترول، وشعروا أن لهم قوة ونظرة في تغيير الواقع، ويستطيعون الضغط من خلاله.

6 - حرب لبنان 1982 - 1985م أكدت على وحدة الشعب أينما وجد، وأعلمت العرب أن إسرائيل كانت مسؤولة مباشرة عن المذابح التي وقعت بحق العرب في المخيمات جنوب لبنان.

7 - الانتفاضة الفلسطينية 1987 - 1993م؛ حيث نظر العرب في الداخل بأنها حرب تحرر قومي؛ ولذا من واجبهم دعمها خاصة أنها تحدث في أماكن ليست بعيدة عن منازلهم.

أما المؤثرات الداخلية فهناك جملة منها أخذت تعرف المشاعر القومية العربية لدى المواطنين العرب الإسرائيليين، والتي ساهمت في إبراز الشخصية العربية، ومنها:

1 - الشعور بالتزايد السكاني لدى العرب؛ حيث أصبحوا أقلية ذات عدد كبير تمثل 21% من مجموع السكان.

2 - القهر والتمييز الاجتماعي من قبل الدولة والمواطنين اليهود.

3 - بروز قيادة وطنية قطرية، والذي تمثل وتجسد بيوم الأرض في 3/3/1976م.

لقد أفرزت الظروف والأحداث المتعاقبة منذ 1948م ثلاث اتجاهات لدى المواطنين الذين خضعوا للاحتلال وحملوا الهوية، ويرى المستشرق اليهودي أوري تندل أنها تلخصت فيما يلي:

1 - التطرف.

2 - الاندماج.

3 - الأسرلة.

أما الاتجاه الأول؛ فسبب ظهوره رغبة العرب بتحقيق ذاتهم رغماً عن السلطة، بينما الاتجاه الثاني؛ فإنه يدعو إلى العيش داخل إسرائيل مع المحافظة على الطابع العام للشعب العربي، أما الاتجاه الثالث (الأسرلة)؛ فهي شبيهة بالثانية بتعاطف أقل مع الفلسطينيين، ولكنها على استعداد للتضامن مع العرب الفلسطينيين؛ بحيث لا يتعارض هذا مع إسرائيليتهم.

ويورد المؤلف فصلاً حول الأردن في نظر مؤسسة أرئيل من كتاب مواقع وأماكن في الأردن، حيث يطرح هذا الكتاب اسم الأردن كجزء من أرض إسرائيل؛ حيث يعتبرون شرق الأردن مكملاً لإسرائيل من حيث التاريخ والجغرافيا، وأن اليهود استقروا في مناطق عدة من شرق الأردن، ومع نشوء إمارة شرق الأردن فُصل الأردن نهائياً عن الوطن اليهودي.



• التربية والثقافة الفكرية بعد عملية السلام:

إن المتتبع للكتب الفكرية التي تصدر في إسرائيل سواء كانت منهجية (مدرسية أو جامعية) أو تطرح في الأسواق؛ لا يلحظ أي تغير في نمط تفكير المفكرين سواء قبل السلام أو بعده، فالعرب ما زالوا يوصفون بالأغيار، وأنهم رعاة لا يعرفون من الحضارة شيئاً، وإنكار الحق العربي حتى في البلاد التي وقَّعت معها إسرائيل اتفاقيات السلام، واعتبار شرق الأردن مثلاً حتى اليوم جزءاً من أرض إسرائيل، وما زالوا يقومون بذكر كثير من المواقع الأثرية الموجودة في الأردن ووصفها بأنها مناطق يهودية استقر فيها اليهود؛ مثل جلعاد ومكاور، وأن يهود الأردن كان لهم علاقات مع يهود فلسطين، وكان لهم تجمعات سكانية كبيرة لم يبق منها في العصور الوسطى إلا القليل، وأن آخر اليهود المتبقين في الأردن غادروها في نهاية الانتداب، ومع بداية الحركة الصهيونية كانت هناك مشاريع كبيرة للحركة الصهيونية في شرق الأردن، ولكنها لم تتحقق بسبب قيام إمارة شرق الأردن عام 1921م.

ولم ينفك مؤلفو الكتب اليهودية يذكرون بماضي اليهود في هذه البلاد، ويحاولون ربط الماضي بالحاضر، ويتم الإحياء من خلاله بتواصل الوجود اليهودي التاريخي في شرق الأردن منذ القدم من عهد الانتداب، وأن لهم آثاراً متعددة في مناطق مختلفة؛ مثل جرش، ومادبا، وأم قيس «جدارا» التي وجدت فيها طائفة يهودية متميزة في نظرهم، أما فحل أو فيلا فهي إحدى المدن الإسرائيلية القديمة ومن أكثرها قدماً.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 28-05-2005, 12:01 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

«بعد الرعب» كتاب جديد يثير حفيظة اليهود
تيد هوندريتش لـ مجلة الجزيرة : الفلسطينيون لديهم حق أخلاقي في نضالهم

إعداد وحوار : محمد داود « لندن هاتفيا »
أثار أحدث مؤلفات البروفيسور تيد هوندريتش بعنوان «بعد الرعب» الذي صدر الشهر الماضي، الرعب في نفوس اليهود كما حقق صدى واسعا في العديد من الدوائر الغربية.
فقد اعتبر بعضهم الكتاب الذي يتناول قضية الارهاب ويُحمِّل الغرب وبصفة خاصة الولايات المتحدة المسئولية عنه وعن ما حدث في 11 سبتمبر تشجيعا للارهاب أو على الأقل تعاطفا معه. واكد المؤلف في حديث ل«مجلة الجزيرة» انه لا يحاول إيجاد مبررات لممارسة العنف انما يعتقد فقط أن لدى الفلسطينيين حقاً أخلاقياً في نضالهم سعيا لتحرير شعبهم.
بعض الدوائر الغربية ذات الصلة بالصهيونية اعتبرت الكتاب «أسوأ ما كتب» غير أن البعض الآخر اعتبره «أفضل تعبير عن 11 سبتمبر».
للبروفيسور هوندريتش وهو كندي الأصل مؤلفات عديدة يتناول أحدثها قضية الإرهاب من خلال «بعد الرعب» الذي لا يتناول فقط إرهاب 11 سبتمبر وإنما أيضا الأشكال المحتملة التي يمكن تصورها للإرهاب بما فيه إرهاب الدولة. محور الحديث مع البروفيسور هنرنيش ركز على ردود الفعل التي أثارها الكتاب والتهديدات التي توجه إليه وتراجع منظمة «أوكسفام» الخيرية في بريطانيا عن قبول ريع الكتاب تحت ضغوط صهيونية. وفيما يلي نص الحوار الذي تحدثنا فيه إلى البروفيسور تيد هوندريتش استاذ فلسفة العقل والمنطق بكلية لندن الجامعية والأستاذ الزائر بجامعة ييل ومركزالدراسات العليا في كوني وكلية بروكلين:
مؤلف الكتاب تيد هوندريتش
غلاف الكتاب
* أثار كتابك الأخير ردود فعل واسعة هل لك أن تحدثنا عن بعضها؟
في 11 سبتمبر قدمت ورقة حول الكتاب تضمنت مزيدا من الأفكار أمام شعبتي الفلسفة بجامعتي كولومبيا ونيو إسكول في نيويورك «ويوجد فيهما عدد كبير من اليهود عاملين وطلاباً» ثم قدمت ورقة أمام جامعة تورنتو وشاركت في مؤتمر حول الكتاب نظمته شعبة العلاقات الدولية بجامعة براون تحمل الورقة وكذا الكتاب افتراضا يقول إن لدى الفلسطينيين حقاً أخلاقياً في نضالهم لا تتضمن الورقة أو الكتاب تبريرا بأي شكل للعنف غير أن فلسطين تبقى حالة خاصة أو استثناء خاصا. كانت المناقشات التي دارت حول الكتاب في هذه الجامعات مطولة ومنفعلة أحيانا بيد أنها لم تكن عدوانية في جامعتي براون وكولومبيا حاولت بعض العناصر الصهيونية إحداث تشويش وبلبلة غير أن ذلك لم يتطور لماهو أسوأ يكون الأمر أيسر حين يكون الحديث بين فلاسفة ودارسي فلسفة لا ينفي هذا أنني لم أكن هدفا لانتقادات وخطابات همجية مثال تلك التي أوردتها صحيفتان في تورنتو.
وكان هنالك أيضا قدر من العدائية «أعترف بأنها كانت متبادلة» في حديث مع التلفزيون الكندي قام بإدارته أحد اليهود العاملين فيه أعتقد أنني لم أر في حياتي مطلقا مقدم لقاءات تلفزيونية يتسم بالعدوانية والتحيز والتخبط وسوء الاقتباس مثل ذلك الشخص.
وفي جامعة براون تضمنت صحيفة الطلاب على ثلاث رسائل عنيفة ضدي غير أن موقعهم على الشبكة العالمية لم يخل من دعم لي .
تهديدات
* يقال أنك تلقيت تهديدات بعد صدور كتابك الأخير!؟
تصلني العديد من رسائل الكراهية التي يصدرها الصهيونيون لبريدي الإلكتروني ويبدو من إسلوبها أنها عمل منظم وليست مبادرات فردية. في بريطانيا وصفت صحيفة «صنداي تلغراف» الموالية للصهيونية الكتاب بكونه أسوأ كتاب غير أن «الغارديان» قامت بالثناء عليه واعتبرته «التايمز» أفضل تعبير عن 11 سبتمبر.
* ما الذي حدث مع منظمة «أوكسفام»؟.
كنت قد رتبت مع منظمة «أوكسفام» الخيرية منحها ريع كتابي «بعد الرعب» لم تكن هذه هي المرة الأولى التى أقدم فيها تبرعات للمنظمة فقد ظللت أفعل هذا كل عام وقبل عامين قدمت لها منحة مالية كبيرة لاحقا وتحت ضغوط صهيونية قررت أوكسفام رفض منحتي الأخيرة وهي قامت بإعلان رفضها عبر صحيفة «غلوب آند ميل» الكندية.
والواقع أنني فوجئت بقراءة موقفها مع القراء الآخرين للصحيفة كانت الصحيفة قد انتقدت في مقال رئيسي لها المنظمة على قبولها منحتي وجاء في مقالها: «بالنظر إلى الرسالة الإنسانية المناطة بالمنظمة والأفكار المشينة لهوندريتش فإننا نعجب من قبول هذه المنظمة تمويلا من هذا القبيل» من الواضح أن «أوكسفام» رضخت للضغوط والتهديدات الواضحة لها بأن قبولها للمنحة سيعني تلقي أموال من جهات متعاطفة مع الارهاب. ليس عندي موقف معاد تجاه «أوكسفام» غير أن لدي بعض التساؤلات منها ما إن كانت ستتبع السياسة التي اتبعتها معي تجاه التبرعات الصهيونية أيضا أشك بالطبع في ذلك وسبب شكي بسيط هو أنه لا شيء يناظر الضغوط الصهيونية.
ونستعرض فيما يلي مقتطفات لما جاء في كتاب «بعد الرعب»:
«بعد الرعب» .. وقفة أمريكية صادقة مع النفس تتجاوز عقدة 11 سبتمبر إلى ما هو ابعد لجهة اعادة تقييم ل «الكارثة» والاشكال المحتملة القادمة للارهاب وذلك وفق فلسفة اخلاقية يطرح خلالها المؤلف البروفيسور هوندريتش عدة تساؤلات من وجهة نظر أمريكية تجاه «أولئك القادمون» من الشرق الاوسط.
«بعد الرعب» يطرح الاسئلة الصعبة امام المجتمع الامريكي حول اولئك الذين ضحوا بحياتهم من اجل قضية يعتقدون انها عظيمة !! .. يضع المؤلف التساؤلات على النحو التالي : هل أخطأنا بحقهم؟؟ .. هل نقترف بحقهم الاخطاء الآن؟؟..وغيرها من التساؤلات ومن بينها ما اسماه الكاتب بالمزايدة الأمريكية ب«الديمقراطية الكهنوتية»، يمضي البرفيسور هوندريتش ابعد من ذلك ليقول ان «الارهاب» ليس هو فقط ما حدث في 11 سبتمبر الامر الذي يتطلب وقفة صادقة أمريكية (كما يقول) ليدق جرس انذار لمجتمعه الغربي بأن عليه محاولة الالمام بكافة الحقائق على تنوعها ليس فقط من من منظوره بل ومن منظور الآخرين بمن فيهم اولئك الذين يتخذون موقفا معاديا منه، فيما يلي عرض لأبرز ما تضمنه كتاب البروفسيور هوندريتش «بعد الرعب» الصادر في سبتمبر 2002 عن مطبوعات جامعة أدنبره في بريطانيا.
الحياة السعيدة
ما هي الحياة السعيدة؟
بداية، الحياة السعيدة هي تلك التي تستمر طويلا بما يكفي، قد تكون هنالك سعادة في حياة قصيرة، كذكرى جميلة لدى الآخرين، غير أن حياة مقتطعة إلى نصفها لا يمكن اعتبارها حياة سعيدة، قد تكون الحياة السعيدة طويلة بقدر ما يعرف المرء أو يستذكر، ربما كحياة أبي الذي قضى نحبه في هدوء أثناء سباته ذات قيلولة ، قد تبلغ هذه الحياة 75 عاما،أن يعمر المرء ل 75 عاما لا يعني وحده بالطبع حياة سعيدة، قد يفعل المرء ما هو أكثر من التعجب متى كانت هنالك فائدة مرتجاة أكثر من قصر حيوات بعضهم وليس في استطالتها..
هل هنالك أمثلة معاكسة لهذه الافتراضات الخاصة بالخير العظيم في الحياة لأمد أطول؟ أول ما يتبادر إلى الذهن هو اولئك الذين قادوا الطائرات المدنية داخل برجي مركز التجارة، إنهم لم يختاروا فقط أن يقضوا على أرواح كثيرين غيرهم، وإنما اختاروا أيضا أن يقصروا من حياتهم.
يتعين الاعتراف بكل هذه الوقائع، غير أنها متسقة مع حقيقة أن الحياة لأمد أطول، والاستمرار في الوجود، هي شيء عظيم مرغوب فيه لذاته من قبلنا جميعا تقريبا.
يتمتع بعض الناس، بمتوسط حياة يبلغ نحو 78 عاما، ويتمتع البعض الآخر، بمتوسط حياة يبلغ نحو 40 عاما.
يعني هذا القول أن افراد المجموعة الأولى يتمتعون بأعمار متفاوتة متوسطها 78 عاما، بعض أفراد هذه المجتمعات تتجاوز أعمارهم المتوسط العام، وآخرون منهم تقصر أعمارهم عنه، ينطبق نفس الأمر على المجموعة الثانية فأفرادها يتمتعون بأعمار متفاوتة متوسطها العام 40عاما.
من الضروري بالطبع ألا ننساق نحو التفكير في مجموعتين من الناس، يموت أفراد احدها عند ال 78 فيما يموت أفراد المجموعة الأخرى عند سن ال 40.، فالمجموعتان يتم تعريفهما باعتبار المتوسط العام لأعمار أفرادهما مع ادراك أن بعضهم قد يعيش لأعمار تزيد أو تقصر عن ذلك المتوسط، ما يمكن أن نخلص إليه هو أن القليلين من أفراد المجموعة الثانية يمرون بمراحل الحياة المختلفة، مثال الطفولة، الصبا، الابوة، الكد والعمل، والتقاعد المبكر.
وما يمكن أن نخلص إليه هو أيضا أن كثيرين من أفراد المجموعة الثانية، اولئك الذين ينخفض متوسط أعمارهم ل 40 عاما، يعيشون نصف حياة على أفضل تقدير، يمثل ذلك تلخيصا مناسبا لاختلافهم عن المجموعة الأولى.
يعتبر الفارق بين متوسط الأعمار في المجموعتين كبيرا، وحين الحديث عن فارق بين 78 عاما و 40 عاما قد يعتقد شخص ما إنه لم يحسن الإنصات للحديث ويظن أنه يتناول نوعين مختلفين من الأحياء، كالفيل والحصان مثلا إن كنت ملما بهذا النوع من المقارنات، كما أن عدد البشر الذين نتحدث عنهم هائل، إذ إن نحو 44 مليون شخص ينتمون للمجموعة التي يعيش أفرادها نصف عمر، ويعيش نحو 736 مليون شخص في المجموعة الأولى،تمثل المجموعة الأولى سكان الولايات المتحدة، كندا، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اسبانيا، الدنمارك واليابان، وتمثل المجموعة الثانية سكان الدول الإفريقية التالية: مالاوي، موزمبيق، زامبيا وسيراليون.
يتم إيلاء اهتمام خاصة للإحصائيات الخاصة بالمرحلة الأولى من الحياة، وتحمل هذه الاحصائيات بدرجة كبيرة وهامة تفسيرا للتفاوت الكبير في متوسط أعمار المجموعتين، كما ينظر إليها في بعض الأحيان باعتبارها أكثر من مجرد تفسير، وعلى كل حال، قد يعتقد القارىء أن هذه الحقيقة هامة في حد ذاتها، يعني الأمرالكثير حينما يكون متعلقا بالأطفال.
بالنسبة للمجموعة الأولى من الناس، الأمريكيون وباقي الغرب، فإن عدد الأطفال الذين يموتون دون سن الخامسة يبلغ 5 إلى 6 بين كل ألف طفل، أما بالنسبة للمجموعة الثانية من الناس، اولئك الذين في مالاوي وموزمبيق وزامبيا وسيراليون، يبدو الوضع مختلفا، فمن بين كل ألف طفل يولد حيا يموت ما لا يقل عن مائتين دون سن الخامسة.
يهدف هذا الكتاب لطرح تساؤلات وعلامات استفهام يدعى القارىء للمشاركة فيه، إنها تساؤلات حول الارهاب وحول أنفسنا، رغم أن صدمة 11 سبتمبر 2001 كانت الدافع إليه، حينما أصبح كل من يقتني تلفازا شاهد عيان على عملية القتل، يمثل هذا بدوره شرا من نوع آخر ، يصفه البعض بكونه شرا بالمعنى الأخلاقي وليس بالمعنى المألوف، ويندرج ضمن هذا الصدمات التي تلت 11 سبتمبر، تمثلت أحدى الصدمات اللاحقة في ما سمعناه من حديث هامس يلف العالم، بصرف النظر عن حالة الرعب والتلقائية التي أصابت قادتنا، قيل، ليس فقط في مدن عالمية كلندن بل وفي سوميريست أيضا، أن الأمريكيين كان لزاما أن يحيق بهم ذلك وأنهم يجنون ثمار ما غرسوه، قيل إن عليهم أن يتعلموا وأن يتغيروا، وأن ينضجوا، قيل إن السبب كان طريقة معاملة الفلسطينيين على يد اليهود في فلسطين وقيل أيضا أن لليهود في نيويورك وواشنطن يد في الأمر، كان من الأفضل أن نشير للمزيد منا وليس فقط الأمريكيين واليهود.
نحن في الواقع في حاجة لطرح تساؤلات، تساؤلات أخلاقية، تدنو من الفلسفة الأخلاقية، لا ينبغي الاكتفاء بهذا النوع وحده من التساؤل إذ إن التفكير المتمهل والحذر في مسألة الارهاب أمر مطلوب، هنالك حاجة لمؤلفات ذات صلة في السياسة والاقتصاد، وسجل الحكومات، والتاريخ والعلاقات الدولية، وأيضا لكتب يضعها الصحافيون الجيدون، وبشكل قابل للجدل تعتبر التساؤلات الأخلاقية العامة أهم نوع من التساؤلات التي نحتاج إليها، والأكثر جوهرية، إن الأشكال الأخرى للبحث والتساؤل تقود نحو الإجابة، أو تقديم افتراضات، أو مخادعات، أو قد تقوم باستسهال الاجابة، أو تناول الأمر بشكل مبتسر وجزئي.
أثناء تسطير هذا الكتاب، يحق القول إن نهايته غير معروفة بالنسبة لي، لقد وقع أمر يدعو إلى إرتداد جديد عن مفهوم كرامة الحياة البشرية، حيواتنا وحيواتهم معا، وهو ما يجعل الوضع أكثر قسوة، لا تعبر هذه الشكوك عن الأقليات وحدها، إنها أمر لا يمكن إغفاله عند قادتنا الذين يستحوذ عليهم هدف منفرد، وفي أنواع ودرجات رضوخنا لما يقولون به، وهي أمر يمكن ملاحظته في عباراتهم وفي صحفنا وعلى شاشات التلفاز، على السطور وفيما بينها وما وراءها، إنها حالة لا تزال تهيمن على التفكير، فيما يبدو لي، بالنسبة لمعظمنا ممن كان شاهد عيان من خلال التلفاز على عمليات القتل في برجي مركز التجارة وما تلا ذلك.
دعونا نتساءل ونحقق في الأمر بأفضل ما نستطيع، وكما أقول، دعونا لا نتعجل في إلقاء المسؤولية على أي منا عن العالم شديد البؤس المتمثل في انخفاض متوسط الأعمار وموت الأطفال باعتبارهم مسؤولين عن ذلك بانتفاء الانسانية عنهم، هنالك الكثير من المآسي العظيمة التي تحدث دون أن تكون نتاجا لفعل خاطىء أو ذنب اقترفه شخص شرير أو كريه، ينتج بعض هذه المآسي بإرادة الله عن كوارث طبيعية، مثل الفيضانات والحرائق.
يتعين أن يكون هدفنا محاولة الإلمام بكافة الحقائق، على تنوعها، ليس فقط من منظورنا نحن بل ومن منظور الآخرين، ويكون من الضروري بالتالي أن تتضمن هذه الحقائق على ما يقوله اولئك الذين يتخذون موقفا معاديا منا، إن ما نفترض أنها حقائق قد لا تكون كذلك، وربما تكون فقط جزءا من الحقيقة، وبالتالي لا ينبغي أن ننظر أو نتعامل معها باعتبارها أمرا ثابتا لا يداخله الشك.
سيكون من الأشمل ألا نقوم فقط بالنظر في الأخلاقيات العامة وإنفاق بعض الوقت حول التعريف العام للارهاب وغيره من الأمور الكبيرة، ولكن أيضا في التعامل ليس فقط مع الارهاب الفعلي وإنما أيضا مع أشكال أخرى محتملة يمكن تصوره اللارهاب الموجه ضدنا وبالطبع ذات الصلة بنا، أمور نستطيع أن نتعلمها عن أنفسنا، في وسعك أن تعرف نفسك ليس فقط مما يفعله بك الناس، وإنما أيضا من خلال ما يعتقده آخرون فيك، لسبب ما، سواء واجهوك بهذا الاعتقاد أو لم يفعلوا، أن نفكر في ارهاب مختلف، وأحكام مختلفة بحق انفسنا يمكن لنا تصورها، لا يعني مجرد الوصول لتوصيات ذات رؤية واسعة، إنه يعني، بداية، الوصول لما هو أكثر قابلية للتطبيق، في المستقبل المحتمل، وليس فقط في الماضي، لا يمكنك أن تكون موقنا من المستقبل، وكما نعرف، قد يكون هذا المستقبل شديد الاختلاف عن الماضي،وهنالك توصية أخرى ذات طابع عام، إنها تخبرنا بالمزيد عن 11 سبتمبر تحديدا و ما تلاه، وذلك من خلال وضع هذا الأمر في سياق أو دائرة المقارنة، وأيضا، وبنفس الطريقة، سوف تخبرنا العمومية بالمزيد عن موقفنا الأخلاقي تحديدامن 11 سبتمبر، لا يمكنك معرفة طبيعة شيء ما من دون الإلمام بأشياء أخرى مماثلة وذات صلة.
الثروة والفقر
ثمة شيء آخر يتصل بالثروة والفقر، بطريقة ما، يمكنك القول إنها تمنحنا وجدانا أفضل، مرة أخرى تأتي الولايات المتحدة على رأس القائمة، قائمة توزيع الأشياء على من يعيشون داخل كل بلد في مجموعة البلدان الثرية.
يظل الوضع في بعض البلدان الإسلامية سيئا بدوره وإن كان أقل سوءا من بلدان إفريقيا ، ويندرج بينها أفغانستان (ما قبل الحرب على طالبان وأسامة بن لادن) وأفغانستان ( ما بعدهم من أمريكيين وحلفاء ومن قد يليهم) ، في دول إسلامية أخرى مثل تركمستان، الباكستان، العراق، إيران، ودولة الإمارات العربيةالمتحدة، يبلغ متوسط الحياة نحو 68 عاما، وتبلغ نسبة الوفيات بين الأطفال دون الخامسة نحو 67 مقابل كل ألف، ويتجاوز الدخل أو الاستهلاك السنوي للفرد 4000 دولار.
القضية الفلسطينية
أحد الأمثلة البارزة في هذا الصدد مسألة فلسطين، ومن ثم مسألة إسرائيل والولايات المتحدة،إن هلاك يهود اوروبا على يد هتلر خلال الحرب العالمية الثانية لم يؤد إلى إقامة دولة يهودية خارج ألمانيا، إن شئنا توخي الإنصاف، وما ادى لإقامتها هو، بالأحرى، قرار للأمم المتحدة في شأن اقتسام معين لفلسطين، ما حدث بدلا عن التقسيم المتفق عليه كان من جانب نتيجة لأعمال الارهابيين اليهود، ومن جانب آخر نتيجة للسياسات الدولية والتآلف معها، إما من خلال التعاطف أو من خلال التمويل بشكل أساسي من اليهود الأمريكيين وسواهم، وكأنما حدث هو إعلان إسرائيل واعترافنا السريع بالدولة.
تبع هذا استخدامها للقوة والارهاب، بما فيه مجزرة راحت ضحيتها بلدة بأكملها، قاده مناحيم بيغين، الذي أصبح من بعد رئيسا لوزراء إسرائيل، بدأت الدول العربية حرب 1948، التي اعتقدوا أنهم سيستعيدون بها الأرض، واستولت إسرائيل على مزيد من الأرض، ما يقارب من نصف المساحة التي أخذتها سابقا عبر قرارالأمم المتحدة، وبقي الفلسطينيون دون دولة.
في حرب الأيام الستة في عام 1967 استولت الدولة اليهودية على فلسطين بأكملها، فعلت ذلك باستخدام السلاح الأمريكي، وظلت منذئذ تعتمد على أمريكا، بحلول هذا الوقت كان ما يزيد عن نصف عدد الفلسطينيين قد جرى طردهم من مواطنهم أو اضطروا للرحيل عنها خوفا على سلامتهم، توجهوا نحو معسكرات اللاجئين، غيرمرغوب فيهم أينما حلوا، تم تجاهل قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة، تحت زعم الحاجة إلى حدود آمنة، وبالإذعان اللازم من الولايات المتحدة والقوى الأخرى.
إثر العملية الإسرائيلية التي عرفت بسلام الجليل في عام 1982، والتي كانت غزوا للبنان، وقعت مجازر كبيرة بحق المدنيين العرب في معسكرات اللاجئين، وكانت مسؤولية هذا الارهاب على عاتق رئيس وزراء إسرائيل، آريل شارون، وفق تحقيق ارغمت الحكومات الإسرائيلية على إجرائه، وقامت هي به، في عام1987 بدأت عمليات عربية متواصلة ضد إسرائيل، جانب من الانتفاضة، ومع فترات من التفاوض والأمل، كان هنالك تراجع في أعمال المواجهة بين الجيش الإسرائيلي والمدنيين والجماعات المسلحة الفلسطينية، كانت أغلب الخسائر في جانب العرب، وكانت هنالك ثمة احتجاجات من قبل عدد من الإسرائيليين ضد دولتهم، باستثناء فترة واحدة، تواصل بناء المستوطنات على الأراضي العربية في المناطق المحتلة، وهي سياسة أدانتها الأمم المتحدة بشكل رسمي دون أن تمنعها.
و قد بلغ حجم المساعدات الرسمية الأمريكية لإسرائيل من 1949 وحتى 1967 نحو 40 بليون دولار، وهو ما يعادل 5 ،21 في المائة من مجمل المساعدات الخارجية الأمريكية،بحلول عام 1991، وأيضا وفقا للأرقام الأمريكية، بلغ حجم المساعدات 53 بليون دولار، لم تثمر قرارات الأمم المتحدة ضد إسرائيل عن شيء بسبب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، كان على المقاومة الفلسطينية، بالمقارنة، أن تعتمد ليس على الدبابات والطائرات وإنما بشكل رئيسي على الحجارة والقناصة والمفجرين الاستشهاديين.
في ربيع عام 2002، ونتيجة لتحرش رئيس الوزراء آريل شارون وما تلى ذلك من تجدد عمليات القتل الفدائية من قبل الفلسطينيين، وارهاب 11 سبتمبر كسبب إضافي في ذات السياق، بدأت إسرائيل مجددا في استخدام جيشها وسلاحها الجوي، طوقت الدبابات القرى، وجرى إذلال زعيم الفلسطينيين، واعملت المدرعات والجرافات في المنازل، واوقفت سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر عن محاولة الوصول للجرحى والمحتضرين الفلسطينيين، وسويت جثث الضحايا على يد قتلتهم دونما إحصاء، إنها مشاهدات روعت العالم، باستثناء كثيرين من الأمريكيين الذين غيبتهم وسائل إعلامهم.
قيل أن هذه هي حرب إسرائيل ضد الارهاب، ألم تكن هي نفسها إرهابا؟ هل يعد وصفها بالارهاب افتئاتا؟ نوعا من المبالغة والتهويل؟ نوعا من العاطفة المتدفقة؟ أليس الأمر من نحو ما وصف ديبلوماسي فلسطيني لمشاهد إبادة اليهود «الهولوكوست» على الشاشة بالقول إن شعبه الفلسطيني ضحية الضحايا اليهود، أو يهود اليهود في الوقت الحاضر؟ يتعين علينا أن نتريث قليلا الآن وألا نتعجل لهذا السؤال.
يعتبر التاريخ شاهدا على أن الناس يطلبون الحرية من خلال تسييرهم لأمورهم في مكان يرتبطون به تاريخا وثقافة، إنها الحرية التي طالما حارب من أجلها المغلوبون، إنها حرية تماثل تلك التي احتشدنا وتوحدنا جميعا ضد ألمانيا، للذود عنها حين تعرضت للتهديد في عام 1939، إنها حرية يجري إنكارها على الفلسطينيين الآن، إن المرارة التي يحسون بها لا تنشأ فقط من حقيقة ضياع وطنهم، وإنما أيضا من قبولهم لأخذ وطنهم منهم.
ينكر على الفلسطينيين أعداؤهم حق شعب يحاولون هم تأمينه والدفاع عنه لأنفسهم، ليس هنالك خوف أو نصف خوف أو حتى خوف مصطنع من جانب الإسرائليين، وهم يمثلون قوة نووية، ناهيك عن الحديث حول الارهاب في مواجهة الديمقراطية، يستطيع ان يمس هول هذا التناقض الأخلاقي، لا ينتقص من الدور الأساسي للأمريكيين في هذا الأمر أنه تم في حالة من غياب العقل لدى معظم الأمريكيين من غير اليهود، وبتعمد في بعض الأحيان.
يتضح هذا التناقض المريع لكل من هو غير أعمى، وهو واضح لدى الكثيرين جدا من اليهود داخل إسرائيل وخارجها، إنه أمر لا يستدعي شد الشعر تفكيرا، وهو واضح بنفس القدر لدى البعض منا الذي رأى أيضا بوجود ضرورة أخلاقية لمنح وطن لليهود بعد الحرب العالمية الثانية، في فلسطين إن لم يكن في مكان آخر.
النقطة الجوهرية في كل ما سبق، إن لم تكن الحقيقة الوحيدة فيه، هي أن حياة بضع ملايين من الناس احيلت إلى ما نسميه تعاسة بسبب الأفعال الخاطئة من قبل أناس عاشوا قبلهم معاناة فريدة في نوعها، ومن قبل من يدعمونهم في أماكن أخرى، وبشكل رئيسي في أمريكا، يصعب تصور أن تجربة الفلسطينيين لا تفتح أبواب للتساؤل حول الأعمال المروعة التي تنتج عنهم أو بالنيابة عنهم، وحول ما يتعين علينا التفكير فيه وفعله، وعلى نحو ما سبق لنا التفكير فيه حول متوسط طول الأعمارفي المواقع المختلفة، فان فلسطين تفتح الباب للتساؤل حول ما هو صواب وماهو خطأ بشكل عام، وحول مسؤوليتنا تجاه ما فسد من أمر، وحول ما يمكن قوله حقيقة في إدانة ارهاب 11 سبتمبر، وحول علاقتنا الأخلاقية الخاصة بذلك اليوم وما تلته من أيام وما يتعين فعله الآن.


المؤلف:Ted Honderich
الناشر:Edinburgh University Press

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 28-05-2005, 01:53 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

اليهود هم أعدى أعداء الأمة! وعداوتهم للإسلام والمسلمين كانت ولا زالت وستظل ما بقى مسلمون ويهود على هذه الأرض قضية مبرمة قضى فيها من أحاط عاما بما كان ، وبما هو كائن وبما سيكون .. يقول سبحانه (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود…)-الآية 82 سورة المائدة فعداوة اليهود المستمرة الدائمة للمسلمين أصبحت بشهادة القرآن الكريم و من البديهات المستقرة في عقل ووجدان وضمير كل مسلم يؤمن بهذا لكتاب وإيمانه بهذه البديهة لا يستطيع أن يغلغله أو يهزه أي شئ في العالم ، ومن هنا كانت (السخرية) و(الاستنكار) من كل العبثيات التي جرت وتجري تحت دعاوى السلام مع اليهود …والذي لن يكون!!

وأغرب ما في الأمر أن تجد أن هناك بعض من الذين يتخذون الإسلام ديناً لهم يؤمنون بضرورة تحقيق السلام مع اليهود ، وأن اليهود ما هم إلا أصدقاء وحلفاء يحبون الخير لنا‍..بل اصبحت امريكا هي حبيبت العرب وهي الأم الحنونه التي تخاف على ابنائها من الأعداء وتتمنى السلام والتقدم للعرب ، بينما العراق وبن لآدن هم أعداء هذه الأمة‍‍ ، وأن جنود حزب الله هم الإرهابيين القتلة!!

ألا يعلم هؤلاء الحمقى أن اليهود هم قتلة أنبياء لله ورسله؟‍ ألا يعلم هؤلاء السفهاء أن اليهود إغتصبوا فلسطين ويخططون لهدم المسجد الأقصى وضم القدس كعاصمة أبدية لهم؟؟؟‍

ألا يعلم هؤلاء المضللين أن اليهود يعلقون صورة السفاح باروخ جولدشتاين في منازلهم وأن قبره أصبح مزاراً دينيا-وهو سافك أرواح 24 مسلماً عند صلاتهم الفجر ، ولم يفرغ من عمليته إلاا ابعد نفاذ ذخيرته.‍!!!؟

ألا يعلمون أنه أثناء حربي البوسنة وكوسوفا تطوع المئات من اليهود للقتال بجانب الصرب والتنكيل بالمسلمين هناك؟؟ !

فأي سلام تريدون أن تعقدوه مع هؤلاء القتلة؟؟ وصدق رسولنا الكريم-عليه الصلاة والسلام- حين قال " توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها…"




www.ALARB.com Banner ما هو التلمود؟

يدعي اليهود أن موسى عليه السلام ألقى التلمود على بني إسرائيل فوق طور سيناء ،وحفظه عند هارون ، ثم تلقاه من هارون ( يوشع) ،ثم( إليعازر) وهلم جرا …حتى وصل الحاخام يهوذا حيث وضع التلمود بصورته الحالية في القرن الثاني قبل الميلاد وذلك على ما يزعمون، والحقيقة أن التلمود هو موسوعة تضم كل شئ عن هواجس و خرافات بني إسرائيل. ويعطي اليهود - عليهم لعنة الله - التلمود أهمية كبرى لدرجة أنهم يعتبرونه الكتاب الثاني ، والمصدر الثاني للتشريع ، حتي أنهم يقولون "أنه من يقرأ التوراة بدون المشنا و الجمارة فليس له إله‍‍‍‍‍" والمشناة و الجمارة هما جزءا التلمود. وكلمة التلمود كلمة عبرية تعني الشريعة الشفوية و التعاليم ، وهو كتاب تعليم الديانة اليهودية لكل ما فيها من رموز و شطحات وسفاهات وأحقاد على العالم.



بعض مما جاء في التلمود من سفاهات

جاء في تلمود أولاد الشياطين: "إن الله إذا حلف يميناً غير قانونية احتاج إلى من يحله من يمينه،وقد سمع أحد الإسرائيليين الله تعالى يقول:من يحلني من اليمين التي أقسم بها؟ ولما عَلمَ باقي الحاخامات أنه لم يحله منها اعتبره حماراً (أي الإسرائيلي) لأنه لم يحل الله من اليمين، ولذلك نصبوا مَلكاً بين السماء والأرض اسمه(مى)، لتحل الله من أيمانه ونذوره عند اللزوم".

تقدس الله عن ذلك سبحانه جل جلاله ..



وجاء كذلك افتراءً وبهتاناً من اليهود الكاذبين الشياطين في تلمودهم اللعين: "يتندم الله على تركه اليهود في حالة التعاسة حتى أنه ( وحاشا لله) يلطم ويبكى كل يوم ، فتسقط من عينيه دمعتان في البحر ، فيسمع دويهما من بدء العالم إلي أقصاه ، وتضرب المياه وترتجف الأرض في أغلب الأحيان ، فتحصل الزلازل".



"وقد اعترف الله بخطئه في تصريحه بتخريب الهيكل فصار يبكى ويمضى ثلاثة أجزاء الليل يزأر كالأسد قائلاً : تباً لي [اللهم تباً لهم عليهم اللعنة!] لإني صرحت بخراب بيتي و إحراق الهيكل ونهب أولادي…"!!!!.

"إن النهار اثنتا عشرة ساعة.. في الثلاث الأولى يجلس الله ويطالع الشريعة ، وفي الثلاث الثانية يحكم ، وفي الثلاث الثالثة يطعم العالم، وفي الثلاث الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت ملك الأسماك".

إن لله وإنا إليه راجعون ، وأستغفر الله ، تعاليت يا ربى عن ذلك علوًا كبيراً فأنت الله الكبير المتعال .. وانظر للتناقض ، والمجنون العقلي ، والشذوذ والسفالة اليهودية .. فهذا أحد مجرميهم مناحر يقول:

"إنه لا شغل لله في الليل غير تعليمه التلمود مع الملائكة ، ومع اسموديه ملك الشياطين في مدرسة السماء …". إلى هذه الدرجة من الأجرام والجرأة وصل حل اليهود .. هؤلاء اليهود ألاَ يستوجب الأمر القضاء عليهم ، واستئصال شأفتهم من الأرض ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! ‍‍اللهم عجل بنايتهم.‍‍‍

ويقول التلمود اللَعين عن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام : "يسوع الناصرى ابن غير شرعي حملته أمه وهى حائض سفاحاً من العسكري (بانذار) وهو كذاب ومجنون و مضلل وساحر و مشعوذ ووثني ومخبول ". [وحاشا لله أن يكون عبده ورسوله عيسى ابن مريم كما يفترون].

ويقول التلمود : "مات يسوع كبهيمة ودفن في كومة قمامة …". ولذلك نجد أن الله تعالى سيسلط على ملكهم المنتظر الذي يكدون ويشقون ويضحون من أجل ( ويؤمن البعض بأن هذا الملك المنتظر هو المسيخ الدجال!) تتويجه ملكاً على بني صهيون ، سيسلط الله عليه عيسى عليه السلام ، فيقتله شر قتلة عند باب لد ، ويضع هو و المسلمون السيف في اليهود حتى يقضوا عليهم بإذن الله والأمر قد قرب !!

وجاء في التلمود أيضاً‍‍ : "يحل اغتصاب الطفلة غير اليهودية متى بلغت من العمر ثلاث سنوات .. وهب الله [وحاشا الله] اليهود حق السيطرة والتصرف بدماء جميع الشعوب وما ملكت".

"ومن يسفك دم غير يهودي فإنما يقدم قرباناً للرب".

"اليهود بشر لهم إنسانيتهم ، أما الشعوب الأخرى فهي عبارة عن حيوانات".

"وبيوت غير اليهود حظائر بهائم نجسة ، بأنهم جميعاً كلاب و خنازير".

فهذا هو الشعب المبارك ، شعب الله المختار على زعمهم قربانهم لله سفك الدماء ، واغتصاب الأطفال ، وغيرهم كلاب وخنازير ، ومنازلهم حظائر قذرة .. مع أن الحقيقة المرئية أن بيوت اليهود على ما رأيت أنا شخصياً في بلاد شتى أقذر المنازل وأنتنها ، والظاهرة العالمية أنهم يسكنون الحارات الدنية الضيقة (الغوتا) ولحكمة كما يزعمون …!!

ومن السخافات الفاجرة الوقحة والكفر الصراح الوارد في التلمود أنهم يقولون : "إن الله يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة عويصة لا يمكن حلها في السماء"!

ويقولون أيضاً : "إن تعاليم الحاخامات لا يمكن نقضها ولا تغيرها حتى بأمر الله". وفي لتلمود يزعمون : أن إلههم يهوه يغفر لهم في عيد الغفران (الكيبور) كل سيئاتهم نحو الآخرين الأمميين ومقدم مغفور العام القادم ، بل هو عمل مبرر إلا أن يكون الإجرام في حق يهودي .. ولذا من يقتل يهودياً كمن قتل الناس جميعاً "

ويقول لتلمود: "إن اليهودي أحب إلى الله من الملائكة فالذي يصفع اليهودي كمن يصفع العناية الإلهية سواء بسواء"… والعياذ بالله ما أكفركم من خلق .. هؤلاء اليهود.

ويقول التلمود لعنة الله عليه وعلى من وضعوه وكتبوه : "اليهودي من جوهر الله كما أن الولد من جوهر أبيه".

ومن تعاليم اليهودية : أن المرأة اليهودية إذا خرجت من الحمام ووقع نظرها على غير يهودي ، أو كلب أو حمار أو خنزير أو برص فلابد أن ترجع وتغتسل مرة أخرى".

ومن أقبح ما جاء في التلمود البابلي قولهم : "من رأى أنه يجامع أمه فسيؤدى الحكمة .. ومن رأى أنه يجامع أخته فسيأتيه نور العقل".

ويقول التلمود : "ولولا اليهود لارتفعت البركة من الأرض واحتجبت الشمس وانقطع المطر".



والتلمود يبيح لليهودية أن تزني بغير اليهودي ، ولا حرج ولو كانت متزوجة ، كما يصرح للرجل اليهودي أن يزني بغير اليهودية ، ولم أمام زوجته ما دامت الزانية من الجوييم .. أي غير اليهود .. ولذا فهم أهل العرى والعهر في العالم ، ويروجون من خلال وسائل الإعلام لكل ما يحث على الرذيلة والفساد.

وجاء في التلمود ما افتروه كذباً وبهتاناً على أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام : "إن إبراهيم أكل أربعة وسبعين رجلاً وشرب دماءهم دفعة واحدة ولذلك كانت له قوة أربعة وسبعين رجلاً!!".

وجاء في التلمود كذلك : "إن آدم عاشر ليليا عشرة زوجيه مائه وثلاثين سنة .. وليلت شيطانه .. وقد أنجبت له شياطين وأقزاماً … وأما حواء فقد عاشرت شيطاناً مائة وثلاثين سنة معاشرة زوجية وأنجبت للشيطان ذرية".. تأملوا بالله عليكم هذا الفُجر والخيل اليهودي بما يعتقده خنازير بنى صهيون من خرافات وشركيات وإجرام .. أليس يدل على ذلك أنهم منا كير ملاعين أنجاس!!

وجاء أيضا في التلمود : "يجب على كل يهودي أن يلعن كل يوم النصارى ثلاث مرات ، ويطلب من الله أن يبيدهم ويفني ملوكهم وحكامهم ، وعلى الكهنة اليهود أن يصلوا ثلاث مرات بغضا للمسيح الناصري!"

وجاء أيضا: "والجحيم أوسع من النعيم ستين مرة ... لأن الذين لا يغسلون سوى أيديهم وأرجلهم كالمسلمين ، والذين لا يختتنون كالمسيحيين الذين يحركون أصابعهم يبقون هناك"!!

وذكر أيضا : " فإذا مات خادم ليهودي أو خادمة ، وكانا من المسحيين فلا يلزمك أن تقدم له التعازي بصفة كونه قد فقد إنسانا... ولكن بصفة كونه قد فقد حيوانا من الحيوانات لمسخرة له"!!!!.



من كتاب نهاية اليهود - أبو الفدا محمد عارف


التعديل الأخير تم بواسطة : د.فالح العمره بتاريخ 28-05-2005 الساعة 01:57 AM.
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 12:52 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع