مجالس العجمان الرسمي


مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #51  
قديم 19-05-2005, 12:39 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الإرهابُ
معناهُ وواقِعُه من منظورٍ إسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد كثر في هذه الأيام إثر الحملة الأمريكية على ما يُسمونه بالإرهاب .. استخدام الناس لكلمة الإرهاب .. وتنديدهم بالإرهاب والإرهابيين .. ورمي كل فريق لكل فريق لا يروق له بالإرهاب وممارسة الإرهاب .. رجاء تغرير المجتمع الدولي للانتقام منه ..!
فراجت هذه الكلمة بين الخاصة ـ وفي جميع وسائل إعلامهم المختلفة ـ قبل العامة من الناس .. وكثير منهم يطلِقها ولا يعرف معناها .. فيضعها في غير موضعها .. ويحملها من الأوصاف والمعاني مالا تحتمل .. حتى أصبحت هذه الكلمة ـ في عرف كثير من الناس ـ علماً على كل مسبةٍ أو وصف مشين .. وذريعةً لشن الحروب وانتهاك الحرمات .. وتحجيم الحريات .. وممارسة الإرهاب على أوسع نطاق!!
والأخطر من ذلك كله أن يُعلن الحرب على الإرهاب .. ويُعلن الاتفاق على محاربة الإرهاب قبل أن يُحدد هذا الإرهاب الذي يُريدون محاربته .. مما يجعل تحديد ساحة الحرب ضد الإرهاب خاضع لأهواء ورغبات ومصالح الساسة المتنفذين .. فيوسعونها متى شاءوا وحيث ينبغي التضييق .. ويُضيقونها متى شاءوا وحيث ينبغي التوسيع .. فيدخلون من شاءوا في ساحة الإرهاب .. وإن لم يكن على الحقيقة إرهابياً .. ويُخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب وإن كان على الحقيقة إرهابياً مجرماً ملطخاً بدماء الأبرياء من الأطفال والنساء ..!
ثم إن الاتفاق على محاربة الإرهاب قبل الاتفاق على تحديد معنى وصفة الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب .. يكون ذريعة لكل فريق أو طرف أن يُعلن الحرب ـ متى شاء! ـ على الفريق أو الطرف الآخر باسم محاربة الإرهاب .. وحق الدفاع عن النفس ضد الإرهاب الذي تم التوقيع والاتفاق على محاربته في أروقة الأمم المتحدة .. ومجالس أمنها !!
وعتبي على بني قومي أنهم جُرُّوا إلى حلف الحرب على الإرهاب .. والتوقيع على محاربة الإرهاب .. قبل أن يتفقوا مع الآخرين على معنى وصفة الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب .. مما يجعلهم يوماً من الأيام هدفاً لسهام وقنابل القوم .. تحت اسم محاربة الإرهاب الذي وقعوا ـ بأنفسهم! ـ على وجوب محاربته .. ولا أرى ذلك اليوم ببعيد!!
من هنا جاءت الضرورة الملحة للبحث في معنى وصفة الإرهاب: فما هو الإرهاب .. وما هي أسبابه ودوافعه .. ومن هم الإرهابيون .. وكيف يُمارس الإرهاب في واقعنا المعاصر .. وهل هو صفة عامة لاصقة بجميع الدول والحكومات .. أم أنه صفة خاصة لاصقة ببعض الجماعات والأفراد .. وهل للإرهاب وجه حسن ومشروع .. أم أنه كله مستقبح ومردود .. وهل يجوز للمرء أن يصف نفسه بأنه إرهابي أو غير إرهابي .. وهل هذه الكلمة تعني الذم مطلقاً ..؟!
هذه المسائل وغيرها من المسائل الهامة ذات العلاقة بالموضوع سنجتهد ـ إن شاء الله ـ أن نجيب عليها في هذا المبحث الوجيز بشيء من التفصيل .. والله المستعان.
ـ معنى كلمة الإرهاب ومشتقاتها:
قال ابن منظور في كتابه " لسان العرب ": رَهِبَ، بالكسر، يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْباً بالضم، ورَهَباً بالتحريك؛ أي خاف. ورَهِبَ الشيء رَهْباً ورَهْبَةً: خافه.
وفي حديث الدعاء:" رغبة ورَهْبَةً إليك "، الرهبة: الخوف والفزع.
وترَهَّبَ غيره: إذا توعَّده. وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه ا- هـ.
وفي " النهاية " لابن الأثير: الرَّهبَة: الخوف والفزع. وفي حديث بَهْز بن حكيم:" إني لأسمع الرَّاهبةَ " هي الحالة التي تُرهب: أي تُفْزِع وتُخوِّف. وفي روايةٍ:" أسمعك راهِباً " أي خائفاً.
والرهبانيَّة: منسوبة إلى الرَّهْبَنَة، وفيه " لا رهبانيَّة في الإسلام " هي من رهبَنَة النصارى، وأصلها من الرَّهْبَة: الخوف؛ كانوا يترهَّبون بالتخلي من أشغال الدنيا، وترك ملاذِّها والزهد فيها، والعُزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، حتى إنّ منهم من كان يخصي نفسَه، ويضع السلسلة في عنقه، وغير ذلك من أنواع التعذيب، فنفاها النبي  عن الإسلام، ونهى المسلمين عنها ا- هـ.
وإليك الآن معنى كلمة الإرهاب كما وردت في القرآن الكريم، قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ  لأنفال:60.
قال ابن كثير في التفسير: قوله  ترهبون  أي تخوِّفون  به عدو الله وعدوكم  أي من الكافرين ا- هـ.
وقال تعالى في سحرة موسى: قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ الأعراف:116.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: واسترهبوهم  أي: خوَّفوهم. وقال الزجاج: استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس ا- هـ. أي خافهم الناس.
وقال تعالى: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ  الحشر:13.
قال ابن كثير في التفسير: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ  أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله ا- هـ.
نستخلص مما تقدم أن الإرهاب يعني: الخوف .. والفزع، والإرهابي: هو الذي يُحدث الخوف والفزع عند الآخرين.
وعليه فكل من أحدث الخوف والفزع عند الآخرين ممن يريد إخافتهم فهو إرهابي، وقد مارس بحقهم الإرهاب، وهو يكون بذلك متلبساً بالإرهاب، ومتصفاً به .. سواء تسمى إرهابياً أم لم يتسمى .. وسواء اعترف بذلك أم لم يعترف.
هذا المعنى المتقدم للإرهاب لا يختلف عما تقرره اللغات الأخرى لمعنى هذه الكلمة، فقد جاء في " المورد " عن معنى الإرهاب: terror رعب، ذُعر، هول، كل ما يوقع الرعب في النفوس. و terrorism إرهاب، ذعر ناشئ عن الإرهاب. و terrorist الإرهابي. و terrorize يُرهب، يُروِّع، يُكرهه على أمرٍ بالإرهاب. و terror-stricken مُروَّع، مذعور.
وفي قاموس أكسفورد " Oxford Dictionary ": جاء في معنى terrorist: noun person using esp organized violence to secure political ends. أي الإرهابي هو بخاصة الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسة.
وهذه زيادة في توصيف الإرهابي .. سنستفيد منها عند الحديث عن واقع الإرهاب .. وكيف يُمارس من قبل قوى الظلم والاستكبار في واقعنا المعاصر!
فإن قيل: عرفنا معنى الإرهاب وصفته .. فما هو الوجه المستحسن المشروع منه .. وما هو الوجه المستقبح المذموم منه؟
الجواب: من خلال ما تقدم من تعريف للإرهاب ندرك أن الإرهاب منه ما يكون محموداً ومستحسناً ومشروعاً، ومنه ما يكون مستقبحاً وغير مشروع.
الإرهاب المستحسن المشروع: أما الإرهاب المستحسن المشروع هو الإرهاب الذي
يُحدث الخوف والفزع عند أهل الباطل والإجرام الذي يردعهم ويمنعهم عن إجرامهم واعتدائهم .. فيرهبهم قبل أن تتجاسر نفوسهم على الاعتداء .. ويمنعهم من التمادي في الاعتداء إن وقع منهم الاعتداء، كما في قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ . أي تخوفون بهذه القوة أعداء الله وأعداءكم من الكافرين المجرمين .. فيخافونكم فلا يتجاسرون على الاعتداء عليكم.
والإرهاب في هذا الموضع له فوائد عدة إضافة إلى كونه يمنع العدو ويخوفه من الاعتداء، منها: أنه يوفر على الأمة وعلى الطائفة المؤمنة المنصورة حروباً كثيرة .. إذ يكبح جماح العدو ويحقق عنده الهزيمة .. والنصر عليه .. من دون أن تُشن معه الحروب .. وتُزهق الأنفس، كما في قوله تعالى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً الأحزاب:26. فهم هُزموا بالرعب .. ووقعوا بالأسر .. وتحت حد القتل والسيف .. بما أصابهم الله تعالى من خوف ورعب .. إذ الخائف المرعوب لا يصلح للقتال في ميادين المنابذة والقتال ..!
وقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ الحشر:2. فهم يخربون بيوتهم بأيديهم .. بما تحقق عندهم من الهزيمة النفسية والمادية بسبب ما قُذف في قلوبهم من الخوف والرعب ..  وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً .
وفي الحديث فقد صح عن النبي  كما في صحيح البخاري وغيره أنه قال:" نُصرت بالرعب شهراً، يُرعب مني العدو مسيرة شهر ". أي نصرت بخوف العدو مني قبل أن أواجهه بمسيرة شهر .. حيث كان العدو يُصاب بالرعب والخوف لمجرد علمه أن جيش النبي  متوجه إليه .. وبمسيرة شهر كامل .. فهذا إرهاب للعدو .. لكنه إرهاب محمود ومشكور ومطلوب .. إذ لولاه لتجرأ الأعداء على الاعتداء فانتهكوا حرمات العباد والبلاد ..!
ونحو ذلك القصاص الشرعي؛ فإن فيه إرهاب لذوي النفوس الخبيثة والضعيفة فيزجرها ويردعها عن الإقدام على ارتكاب الجريمة .. وإنزال الأضرار بالآخرين .. فيتحقق بذلك الحياة الآمنة لجميع الناس .. كما قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة:179.
فإن قيل كيف يكون في القصاص حياة والقاتل ـ بغير حق ـ يُقتل ويفقد حياتـه،
والسارق تُقطع يده وغير ذلك ..؟!
أقول: عندما يُقام الحد على قاتل النفس بغير حق فيُقتل .. فإن في ذلك إرهاب وتخويف لكل من تحدثه نفسه بارتكاب جريمة القتل .. فينردع وينكمش على نفسه خوفاً من القصاص وإرهاباً منه .. فيُكتب بذلك الحياة لعشرات الأنفس التي كان من الممكن أن تُقتل لولا وجود إرهاب القصاص .. فبذلك يكون القصاص فيه حياة للناس، والله تعالى أعلم.
وكذلك قصاص قطع يد السارق .. فإنه يُرهب كل من تحدثه نفسه بالسرقة والاعتداء على أموال الآخرين .. فيمتنع .. فيكتب بذلك الحفاظ على أموال وحرمات الآخرين ..!
وكذلك حد الحرابة، وقاطع الطريق وغيرها من الحدود .. فإن فيها حياة حقيقية لمن تأملها .. لما تتضمنه من إرهاب رادع لذوي النفوس المريضة والضعيفة .. الذين تسول لهم أنفسهم الأمارة بالسوء بالاعتداء على حرمات الآخرين بغير وجه حق!
هذا هو الوجه الحسن والمشروع للإرهاب .. وهو إرهاب تمارسه جميع الدول والشعوب .. على مر العصور والأزمان وإلى يومنا هذا .. وإلى أن تقوم الساعة!
فما من دولة إلا ولها جيشها وعتادها التي ترهب به أعداءها .. فتخوفه به من التجرؤ على الاعتداء على حدودها، وحرماتها، ومصالحها ..!
هذا التسابق للدول على التسلح .. وعلى اقتناء وشراء الأسلحة المتطورة المتقدمة أولاً بأول .. لإرهاب بعضها البعض .. وإرهاب كل دولة أعداءها من الدول الأخرى .. هو عين الإرهاب .. بمفهومه المتقدم!
اختراع الأسلحة الذرية والنووية الفتاكة .. والتسابق على اقتنائها .. هو عين الإرهاب .. بل ويدخل فيه كل معاني الإرهاب؛ المذموم منها والممدوح .. وما أكثر الدول ـ التي تتزعم في هذه الأيام محاربة الإرهاب ـ الواقعة في هذا النوع من الإرهاب!
هذا الاستعراض العسكري السنوي لكل دولة .. فتظهر قوتها وعتادها العسكري على مرأى ومسامع الناس .. هو إرهاب .. وهو من قبيل إرهاب وإخافة أعداء تلك الدولة الداخليين المعارضين ـ إن وجدوا ـ والخارجيين سواء ..!
قانون العقوبات التي تسنه الدول لمجتمعاتها ـ بغض النظر عن فاعليته وصوابه ـ هو من قبيل الإرهاب .. وإخافة الناس .. ومنعهم من الاعتداء ..!
الشاهد مما تقدم أن هذا النوع من الإرهاب .. تمارسه جميع الدول والمجتمعات .. المتقدمة والمتخلفة منها سواء .. وهو إرهاب ممدوح ومشروع للجميع لا يمكن أن يُدرج تحت طائلة الإرهاب المذموم .. كما لا يُمكن أن يُقال أن هذا النوع من الإرهاب مسموح لجهة معينة دون
أخرى .. أو دولة معينة دون أخرى!
ومن الإرهاب المستحسن المشروع كذلك جهاد وقتال العدو المحتل لبلاد الآخرين .. وإرهابه بالقتال وغير ذلك إلى أن يخرج مذموماً مدحوراً .. وهذا لا خلاف على وجوبه وشرعيته .. حتى في قوانين الأمم المتحدة .. ومجالس أمنها .. التي تنص على أن لكل دولة أو شعب أو فرد معتدى عليه .. له كامل الحق في الدفاع عن نفسه .. وطرد المعتدي الغازي لبلاده ..!
مع التنبيه إلى أن هذه القوانين التي تدين المعتدي الغازي سرعان ما تنقلب وتنعكس ـ على مذهب الأمم المتحدة التي يهيمن عليها النفوذ الأمريكي ـ لصالح الغازي المعتدي .. حيث يُصبح اعتداء الغازي المعتدي مشروعاً وحقاً من حقوقه .. ومقاومة الشعب المعتدى عليه ـ وبخاصة إن كان من المسلمين ـ لذلك العدوان هو باطل .. ويُصنف على أنه من الإرهاب المذموم الذي يجب أن يُحارب .. كما هو حاصل تماماً في فلسطين المحتلة من قبل الصهاينة اليهود .. وغيرها من بلاد المسلمين!
ومنها: أي من فوائد هذا النوع من الإرهاب كذلك إضافة لما تقدم .. تحقيق الأمن والأمان للبلاد والعباد .. فلا يخاف أحد على نفسه ولا على أهله أو ماله .. لخوف المجرمين ودخولهم في جحورهم، وانكماشهم عن فعل الإجرام لعلمهم المسبق بما يمكن أن ينزل بهم لو أقدموا على فعل شيء من ذلك ..!
هذه بعض أوجه الإرهاب المستحسن المشروع .. فما هو الإرهاب المذموم المستقبح .. وما هي صوره وأشكاله .. وكيف يُمارس في واقعنا المعاصر ..؟
ـ الإرهاب المستقبح المذموم والغير مشروع: هو وضع الإرهاب في غير موضعه، ولغرضٍ يُراد منه إحقاق الباطل، وإبطال الحق(1).
ـــــــــــــــــ
(1) قد يرد اعتراض يقول: من الذي يُحدد الإرهاب المستحسن المشروع من الإرهاب المستقبح الغير مشروع .. فما يمكن أن تراه موضعاً مناسباً للإرهاب قد يراه غيرك موضعاً غير مناسب .. وما تراه أنت حقاً قد يراه غيرك باطلاً .. فكيف يمكن الاتفاق على مثل هذه التقسيمات والتحديدات .. ولمن الحكم فيها؟!
الجواب: نقول بكل وضوح وبساطة أن الحكم في هذه المسائل وغيرها من المسائل .. وكل ما يمكن أن يحصل فيه نزاع بين الناس هو لله تعالى وحده .. وليس للأمم المتحدة، ولا لغيرها من الهيئات والتجمعات .. وذلك لأسباب عدة منها: أن الله تعالى أمر عباده بأن يحتكموا إليه  وإلى ما شرعه من شرائع وأحكام على لسان أنبيائه ورسله صلوات الله تعالى عليهم، ولا مناص لهم من التنكب عن ذلك ما داموا يؤمنون بالله ورسله؛ فالمسألة من هذا الوجه لها بعد عقدي وإيماني كما قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ الأنعام:57. =
فقصد قتل الأنفس بغير حق .. وقطع السبيل على الآمنين والمستأمنين، والاعتداء على حرماتهم .. هو إجرام ومن الإرهاب المذموم الغير مشروع ..!
ومنه قصد إرهاب الأطفال والنساء والشيوخ .. وغيرهم ممن لا تجوز إخافتهم .. بأي نوع من أنواع الإرهاب أو الترويع .. فهو إرهاب مستقبح مذموم وغير مشروع ..!
ومنه الإسراف في القتل والانتقام والثأر .. ليطال الأبرياء الآمنين .. ومن لا دخل لهم في الأمر .. فهذا إرهاب مذموم ومستقبح شرعاً وعقلاً .. كما قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً الإسراء:33.
وقال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الأنعام:164. وهذه الآية الكريمة قد تكررت في عدة مواضع من القرآن الكريم؛ كما في سورة الإسراء، آية (15 ). وسورة فاطر، آية (18 ). وسورة الزمر، آية ( 7 ). وسورة النجم، آية ( 38 ). وما ذلك إلا للتوكيد على أهمية هذا المبدأ العظيم .. وهو أن المرء لا يؤخذ بجريرة وذنب غيره.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة ـــــــــــــــــــ
= وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يوسف:40.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً النساء:59.
ومنها: أن حكم الله تعالى هو العدل المطلق الذي لا يُحابي مخلوقاً .. بخلاف المخلوق فإنه ـ مهما اجتهد ـ لا بد له أن يقع في المحاباة وتحت طائلة الهوى، كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ غافر:20.
ومنها: أن حكم الله تعالى هو الأقرب للعقول السليمة، والفطر السوية، والأنفس المجردة عن التعصب والحقد .. وبالتالي أن ترضى به.
لذلك قلنا ونقول: أن هذه المسائل وغيرها من المسائل يجب أن تُرد لحكم الله تعالى وحده .. وليس لأحد سواه.
فإن قيل: مشكلة الإرهاب عالمية .. وهذا المنطق المتقدم لا يمكن أن تخاطب به غير المسلمين ؟!
أقول: إن كان حكم الله تعالى العليم الحكيم لا يمكن أن نجمع عليه الجميع .. فمن باب أولى أن لا يتحقق هذا الاجتماع على حكم مخلوق ضعيف جاهل ..  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ البقرة:216.
ثم إن أبى الآخرون إلا التخبط في أهوائهم وتقسيماتهم، وعدم المتابعة .. يكفي أن تكون هذه المشكلة ـ مشكلة الإرهاب ـ محسومة وواضحة المعالم .. عند أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
أخيه ". فضلاً أن يؤخذ شعب بكامله بجريرة شخص معين .. كما هو حاصل في شريعة الأمم المتحدة .. التي تمثل شريعة الإنسان الأوربي القوي!
ومن الإرهاب المذموم كذلك إرهاب الناس إلى حدٍّ يمنعهم من ممارسة حقوقهم الأساسية .. أو المطالبة بها .. كما هو حال كثير من الأنظمة السياسية الحاكمة في هذا العصر!
ومنه إكراه الناس وحملهم على المسير في اتجاه معين .. واختيار معين .. بواسطة الإرهاب والتخويف، والتجويع .. وترويع كل من يخالف أو يُعارض ..!
ومنه اتباع سياسة " الغايات تبرر الوسائل " .. فمن أجل غايات وضيعة قد تكون مادية .. وذات طابع أناني وشخصي وضيق .. يعتدون على حرمات العباد والبلاد .. وشعوب بكاملها .. بصنوف من الترويع والتخويف والتجويع والإرهاب .. فهذا كذلك من الإرهاب المذموم المستقبح والغير مشروع ..!
فهذا وجميع ما تقدم يدخل دخولاً كلياً في الإرهاب المذموم والمستقبح شرعاً وعقلاً .. وإليك الآن بعض صور هذا النوع من الإرهاب .. ومشاهده وأدلته .. كما نعايشه ونراه في واقعنا المعاصر .. عسى أن تقترب وتتضح إليك صورة هذا الإرهاب المذموم أكثر فأكثر:
نبتدئ بالحصار الأمريكي ـ ومعها المجتمع الدولي المتحضر ـ الجائر الذي كان سبباً مباشراً ـ حسب إحصائيات الأمم المتحدة ذاتها ـ في قتل أكثر من مليون ونصف المليون طفل عراقي .. تحت طائلة الجوع والمرض ..!
زعموا ـ وقد كذبوا! ـ أنهم يريدون من هذا الحصار والطوق الشائك الملفوف على أعناق شعب العراق المسلم .. تأديب ومعاقبة صدام وحزبه .. وهاهي تمر أكثر من عشر سنوات عجاف على شعب العراق .. وصدام وحزبه يزداد في كل يوم عافية وسمنة .. بينما شعب العراق وأطفال العراق .. يزدادون يوماً بعد يوم موتاً وهلاكاً ومرضاً وفقراً ..!
قتل مليون ونصف المليون طفل .. أكثرهم أعمارهم دون السنة الخامسة .. تحضر ورقي ومشروع .. مادام القاتل هو الإنسان الأمريكي أو الأوربي الراقي والمتحضر ..!!
أين الجهة القوية والمسؤولة التي تقول لأمريكا ـ التي تشن في هذه الأيام حرباً على الإرهاب زعمت! ـ أنت بقتلك لهؤلاء الأطفال تمارسين قمة الإرهاب المذموم والمستقبح شرعاً وعقلاً ..؟!!
كم من مرة تنقل لنا وسائل الإعلام عن قصف الطائرات الأمريكية والبريطانية للعراق ثم تكون ضحايا ذلك القصف ـ المركز والنظيف! ـ من الأطفال والنساء والشيوخ .. ومن دون أن يقدموا أدنى اعتذار لشعب وأطفال ونساء العراق ..؟!!
وعن جرائم وإرهاب عصابات بني صهيون في فلسطين .. حدث ولا حرج .. فإن اليهود الصهاينة ومنذ احتلالهم لأرض فلسطين وإلى الساعة يمارسون أقبح الجرائم الإرهابية البشعة بحق الشيوخ والأطفال والنساء .. وغيرهم من المدنيين ..!
فتاريخهم حافل بالجرائم وممارسة أقبح أنواع وصور الإرهاب .. وإليك هذا النذر القليل من جرائمهم الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني المسلم الأعزل:
1- مجزرة بلدة الشيخ بتاريخ 31/12/1947 م، حيث كان ضحاياها أكثر من ( 600 ) شخصاً؛ أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ ..!
2- مجزرة قرية سعسع الجليل .. وقد دمروا فيها أكثر من عشرين منزلاً .. غير الذي قتلوه من أهل القرية المدنيين .. وكان ذلك بتاريخ 14/2/1948م ..!
3- مذبحة قرية أبو كبير .. وكان ضحاياها بالعشرات من المدنيين .. وكان ذلك بتاريخ 31/3/1948م.
4- مجزرة دار ياسين الشهيرة بتاريخ 10/4/1948 م، حيث يزيد ضحاياها عن ( 360 ) شخصاً .. أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ ..!
5- مذبحة قرية أبو شوشة بتاريخ 14/5/1948 م، وضحاياها يزيدون عن الخمسين شخصاً ..!
6- مجزرة اللد بتاريخ 11/7/1948 م، وضحاياها يزيدون عن ( 426 ) شخصاً من المدنيين .. أكثرهم من الأطفال والشيوخ والنساء ..!
7- مذبحة قرية عيليون بتاريخ 30/10/1948 م … وكان ضحاياها بالعشرات!
8- مجزرة البعنة، ودير الأسد بتاريخ 30/10/1948م … وكان ضحاياها بالعشرات!
9- مجزرة قرية قبية بتاريخ 14/10/1953 .. وقد دمر فيها عشرات المنازل .. وكان ضحاياها أكثر من ( 67 ) شخصاً ..!
10- مذبحة قرية قلقيلية بتاريخ 10/10/1956م … وكان ضحاياها بالعشرات !
11- مجزرة قرية كفر قاسم بتاريخ 29/10/1956م .. وكان ضحاياها بالعشرات !
12- مذبحة مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة بتاريخ بتاريخ 3/11/1956م، وكان ضحاياها يزيدون عن ( 250 ) شخصاً ..!
13- مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا بتاريخ 18/9/1982 .. التي كان بطلها أرئيل شارون رئيس الوزراء الحالي لدولة الصهاينة اليهود .. وكان ضحايا هذه المجزرة يزيدون عـن
( 3500 ) شخصاً أكثرهم من الأطفال والنساء والشيوخ ..!
هذا قليل من كثير .. فمجازر بني صهيون بحق المدنيين الفلسطينيين يصعب حصرها في هذه الأوراق .. فهم في كل يوم يُضيفون إلى سجلهم الإرهابي والإجرامي مجزرة ومذبحة جديدة بحق شعب وأطفال فلسطين .. وما أخبار الدرة .. والطفلة إيمان .. وسياسة الاغتيالات لشركائهم في السلام والاستسلام .. وغيرهم .. عن مسامع العالم ببعيد ..!
يمارسون قمة العنف والإرهاب المسلح والمنظم ليكرهوا الشعب الفلسطيني على خيار الهجرة .. وترك الأرض .. وافتراش مخيمات الذل والضياع ..!!
هذا الإرهاب وغيره .. كله يُمارس على مرأى ومسمع من العالم .. من دون أن يقولوا فيه كلمة شجب أو استنكار .. أو أن يصفوه بمجرد كلمة إرهاب .. وذلك كله لأن أمريكا هي التي ترعاه وتدعمه وتموله وتؤيده ..!
يكفي لكي تعلم مدى تحمل أمريكا لتبعات إجرام وإرهاب عصابات بني صهيون .. أن تعلم أن أمريكا في كل عام تقتطع من خزينة شعبها ما يزيد عن ثلاث مليارات دولار أمريكي تقدمها كمساعدات نقدية .. غير المساعدات العسكرية المتطورة التي تقدمها أمريكا لعصابات بني صهيون .. لكي تمارس بهذه الآلة العسكرية الضخمة والمتطورة سياستها الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ..!
هذا كله في عرف الأمم المتحدة .. والمجتمع الدولي .. ليس دعماً للإرهاب .. ولا إيواءً للإرهاب .. بينما الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تنشط في تأمين بعض حاجيات من شردهم الإرهاب في المخيمات وعلى حدود الدول الأخرى .. هو دعم للإرهاب .. يجب أن يُصادر .. وأن تُجفف ينابيعه .. ويوقف العمل به ..؟!!
أما في أفغانستان وما يُمارس بحق الشعب المسلم الأفغاني من إرهاب دولي ومنظم فحدث عنه ولا حرج .. فالقائمة طويلة .. نجتزئ منها التالي:
ـ هذا الحصار المضروب منذ سنوات ـ وإلى الساعة ـ على أفغانستان وشعب أفغانستان .. التي كانت من ضحاياه تجويع شعب بكامله .. وبخاصة منهم الأطفال والنساء والشيوخ .. هو قمة الإرهاب المستقبح الذي يمارسه المجتمع الدولي ـ بقيادة أمريكا ـ باسم محاربة الإرهاب .. زعموا!
ـ هذا العرض العسكري الضخم للقوات الأمريكية الذي تقدم قصف أفغانستان .. والذي أدى إلى إرعاب وإخافة الناس .. فهاجر من جراء ذلك أكثر من مليون شخص أفغاني أكثرهم من المستضعفين من النساء والأطفال .. فتركوا ديارهم ومنازلهم ليفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء .. على حدود دولة باكستان .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
ـ هذا القصف الطائش للقوات الأمريكية والبريطانية على أفغانستان .. بأحدث وأطور وأخطر الأسلحة .. ليطال المئات من الأطفال والنساء والشيوخ .. وغيرهم من المدنيين .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
متى كانت مطاردة شخص بعينه .. مبرراً لإبادة وتشريد، وتجويع شعب بكامله ..؟!
إذا كان المرء لا يجوز أن يؤخذ بجريرة غيره .. فكيف يجوز أن يؤخذ شعب بكامله بجريرة شخص معين ..؟!!
متى كان الخلاف مع شخص مبرراً لانتهاك حرمات بلاد بكاملها ..؟!
لا غرابة في ذلك إذا عرفنا أن الشريعة السائدة في هذا الزمان هي العدالة الأمريكية .. وشريعة الأمم المتحدة على الإسلام والمسلمين ..؟!
إنه من الغرابة حقاً التي تستدعي السخرية .. أن تسمي أمريكا حملتها العسكرية الإرهابية هذه على شعب ومسلمي أفغانستان بـ " عملية الحرية الراسخة " ..؟!
أي حرية هذه التي تريدها أمريكا .. من إبادة وقتل شعب بكامله ..؟!
أي حرية هذه التي تريدها أمريكا .. وهي تقسّم ـ بالقوة وإرهاب السلاح ـ العالم إلى فريقين لا ثالث لهما .. فريق معها .. وفريق عليها .. وهو الفريق الذي لا يُطاوعها على حربها ضد الإرهاب .. زعمت!
فكل دولة أو شعب لا يطاوعها ولا يدخل في موالاتها في حربها الظالمة ضد شعب أفغانستان .. فهو شعب إرهابي .. ونظامه نظام إرهابي .. ستطاله الحرب والنيران الأمريكية في حملتها ضد الإرهاب ..!
أي حرية هذه التي تريدها أمريكا .. وهي تكمم الأفواه .. وترهب الإعلام من نقدها ونقد إرهابها وطغيانها .. كما حصل مؤخراً في موقفها من قناة الجزيرة وغيرها من القنوات .. إلى أن وصل بها الموصل أن تلزم وكالات الأنباء بأن ينشروا كذا؛ وهو كل ما يصب في صالحها .. وأن لا ينشروا كذا؛ وهو كل ما يصب في صالح عدوها ..؟!!
فأي إرهاب للشعوب يعلو هذا الإرهاب .. وأي كبت للحريات يفوق هذا الكبت ؟!!
أي حرية هذه التي تنشدها أمريكا .. وهي تقتلع نظاماً سياسياً ـ بوسائل العنف والتدمير والتآمر ـ ارتضاه ـ باعتراف الجميع ـ أكثر من 95 % من مجموع الناس .. لتستبدله بنظام عميل لها .. لا يمثل إلا نفسه؟!
ألم يأت في تعريف الإرهابي ـ كما تقدم في قاموسهم؛ قاموس أكسفورد ـ بأن الإرهابي هو :" بخاصة الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسية " .. وهذا الذي تفعله أمريكا وحلفاؤها الآن بحق شعب أفغانستان والنظام السياسي الذي يمثله ..!
فأمريكا إضافة إلى نشاطها العسكري العنيف والمكثف لإسقاط دولة ونظام طالبان .. فهي ـ والمجتمع الدولي معها ـ تمد قوى المعارضة في الشمال التي تمثل الفئة الأقل في أفغانستان بجميع وسائل الدعم المادي والعسكري والسياسي والإعلامي .. من أجل الوصول إلى نهاية سياسية معينة ألا وهي إسقاط دولة طالبان الحرة التي تمثل الأكثرية .. واستبدالها بدولة تمثلها المعارضة المنبوذة الخائنة العميلة .. وتكون موالية لأمريكا والغرب .. وهذا هو الإرهاب .. والإرهابي كما اتفقوا هم أنفسهم على تسميته بذلك .. وفي قواميسهم ..!
فإن قيل: كيف عرفت أن المعارضة الشمالية لا تمثل الأكثرية .. وهي منبوذة من قبل شعب أفغانستان ..؟
أقول: الجواب على ذلك سهل .. يدركه كل منصف .. ولعل أبرز ما يجعلنا نجزم بذلك أن هذه الآلاف والملايين التي اضطرت للهجرة إلى دولة باكستان لم يتوجه أحد منهم إلى المناطق الشمالية التي تستولي عليها قوى المعارضة الخائنة العميلة .. مع علمهم المسبق أن هذه المناطق لن تقصفها القوات الأمريكية .. ولن يتعرض سكانها للقصف أو أي ضرر .. وأن المعونات الدولية تخصها بالعطايا مالا تخص غيرها من المناطق .. ومع ذلك فهم آثروا القِل .. والجوع .. والموت على حدود باكستان ولا أن يذهب أحد منهم إلى مناطق تلك المعارضة المشبوهة الخائنة في شمال أفغانستان ..!
ـ ومن صور الإرهاب المستقبح كذلك .. هو ما رآه العالم من إرهاب فظيع بحق الشعب المسلم في الشيشان .. وفي البوسنة والهرسك .. وفي كشمير .. وفي كوسوفو .. وفي جزر الملوك الأندونوسية .. حيث المجازر والمقابر الجماعية لا تزال إلى الساعة شاهدة على إجرام وإرهاب القوم .. والتي حصلت ولا تزال إلى الساعة تحصل .. على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي المتحضر .. بل ومباركته ..!!
ولو أردنا أن نقف عند مجازر القوم بحق المدنيين والمستضعفين .. مجزرة مجزرة .. وذكر تفاصيل كل مجزرة لطال بنا المقام .. واحتاج ذلك منا إلى مجلدات ..!
وغرضنا هنا التمثيل لتقريب صورة الإرهاب المستقبح شرعاً وعقلاً .. والإرهابي المجرم الذي يستحق العقاب .. وليس الاستقصاء أو الإحصاء .. فهذا مجاله الأبحاث الإحصائية وهي متوفرة ـ في مكتبة الأمم المتحدة! ـ لمن يريدها ..!
خلاصة ما تقدم: من خلال ما تقدم ندرك أن الإرهاب منه ما يكون مذموماً ومستقبحاً .. ومنه ما يكون ممدوحاً ومشروعاً بحسب التفصيل المتقدم.
وبالتالي لا يستحسن أن يُطلق المرء على نفسه بأنه إرهابي ـ كما يفعل ذلك بعض الشباب المتحمس من قبيل ردة الفعل مما يُشاهده من ازدواجية في المعايير والتقييم في توصيف ومحاربة الإرهاب ـ أو غير إرهابي من دون أن يُشير إلى نوع الإرهاب الذي يثبته لنفسه، ونوع الإرهاب الذي ينفيه عن نفسه .. وبخاصة أننا في هذه الأيام نعيش حملة شعواء على الإرهاب .. مزيفة المعنى والمضمون .. والوسائل والأهداف .. مما جعل هذه الكلمة في أذهان كثير من الناس تعني السب والقبح والإجرام، والاعتداء على حرمات الآمنين .. وهذا لا بد من اعتباره عند الانتساب لهذه الكلمة .. والله تعالى أعلم.
ـ المجتمع الدولي والإرهاب:
قد أصدرت الأمم المتحدة عدة قوانين ـ وفي فترة زمنية وجيزة قياسية ـ تعلن فيها الحرب على الإرهاب .. والإرهابيين .. ومن دون أن تحدد صفة ونوعية وشكل هذا الإرهاب الذي تريد محاربته .. وتلزم الدول التوقيع على محاربته .. وهذا يشكل فراغاً قانونياً كبيراً وخللاً حقيقياً في محاربة واستئصال الإرهاب الحقيقي المذموم ..!
نراهم يصدرون عشرات القوانين ـ وبطريقة عصبية .. وحالة نفسية مضطربة غير متزنة في سويعات عدة ـ تدين الإرهاب .. وتلاحق الإرهاب .. وتجفف مصادر الإرهاب .. ومن دون أن يحددوا صفة وهوية هذا الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب أو أن تُجفف ينابيعه ومصادر دعمه .. علماً أنه قد مضى على المطالبة بتعريف محدد للإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب منذ أكثر من عشر سنوات ومن جهات عدة .. ولكن إلى الساعة لم يفعلوا ذلك .. لماذا ..؟!
هذا سؤال هام قد أجبت عليه في مقال آخر .. أعيد هنا تلخيص الإجابة عليه في النقاط التالية:
1- تعريف الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب، وتحديد معالمه وصفته .. يجعل كل ما هو خارج هذا التعريف والتوصيف ليس إرهاباً .. والمتحرك في تلك المساحة التي هي خارج ذلك التوصيف والتعريف ـ وبخاصة إن كان إسلامياً ـ لم يعد من الممكن أن يُلاحق على أنه إرهابي .. وأن ما يقوم به من أعمال كذلك لا يمكن أن تُصنّف على أنها أعمال إرهابية ..وهذا مالا يريدونه أن يقع أو يكون ..!
2- هذا التحديد لمعاني الإرهاب الذي تنبغي محاربته .. قد تستفيد منه حركات التحرر في العالم ـ وما أكثرها ـ في جهادهم ونضالهم لتحرر من هيمنة وطغيان واستعباد المستعمر المحتل .. بحيث أنها تتحرك خارج إطار الإرهاب المتفق على إدانته .. وهذا ما لا يريدونه أن يقع أو يكون ..!
3- تحديد مفهوم الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب والاتفاق عليه .. يمنع كثيراً من الدول الطاغية أن تمارس ما تشاء من صور الإرهاب بحق الشعوب المستضعفة .. وقت تشاء .. وبخاصة منها أمريكا راعية الإرهاب العالمي .. وربيبتها دولة الصهاينة اليهود .. وهذا مالا يريدونه أن يقع أو يكون ..!
فتغييب تحديد معنى الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب .. يُسهل لقوى الاستكبار والظلم في الأرض ـ على نطاق واسع ـ في أن تتدخل في شؤون البلاد والعباد .. وأن تمارس الإرهاب على أوسع نطاق .. باسم محاربة الإرهاب .. ومطاردة الإرهابيين ..!
كما أن تغييب تحديد معنى الإرهاب .. يجعل من هذا المصطلح معنى مطاطاً خاضعاً لأهواء ورغبات الساسة المتنفذين .. فيدخلون من شاءوا ـ ووقت يشاءون ـ في الإرهاب .. وتحت طائلة ملاحقة الإرهاب .. وإن لم يكن على الحقيقة إرهابياً .. ويخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب .. وإن كان إرهابياً مجرماً على الحقيقة والتحقيق!
4- تحديد مفهوم ومعنى الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب ويُحاصر .. قد يُظهر جهاد ومقاومة الشعب الفلسطيني ضد الصهاينة اليهود على أنه جهاد مشروع لا يندرج تحت مفهوم الإرهاب .. وهذا يعني اعترافاً ضمنياً بأن دولة الصهاينة اليهود دولة محتلة ومغتصبة لحقوق الآخرين، لا شرعية لها .. تستحق المقاومة والجهاد .. إلى أن يتحقق الجلاء .. وهذا مالا يريدونه أن يقع أو أن يكون شيئاً منه ..!
5- تحديد مفهوم الإرهاب .. والاتفاق عليه دولياً .. يلزم بالضرورة إدانة الدول الطاغية المتلبسة ـ كمَّاً ونوعاً ـ بجميع ضروب الإرهاب .. وعلى رأس تلك الدول أمريكا وربيبتها دولة الصهاينة اليهود .. !
فهم لو فعلوا .. وحددوا طبيعة الإرهاب الذي ينبغي أن يُدان ويُحارب، لأدانوا أنفسهم بأنفسهم .. وحاربوا أنفسهم بأنفسهم لو صدقوا !
فنحن نتحداهم أن يُخرجوا لنا تعريفاً للإرهاب يتفقون عليه .. من دون أن يرتد عليهم ويكونوا هم أول المتلبسين به قبل غيرهم .. ومن دون أن يكونوا هم قد اقترفوه ومارسوه ـ في أقبح صوره وأشكاله ـ قبل غيرهم ..!
فلو قالوا الإرهاب هو قتل المدنيين وترويعهم .. فهم أول من قتل المدنيين وروعوهم .. كما هو حاصل في أماكن عدة تقدمت الإشارة إليها!
ولو قالوا الإرهاب قتل وترويع الأطفال .. فهم أول من قتل وروع الأطفال .. وأكبر شاهد على ذلك أطفال العراق .. وأفغانستان .. وفلسطين .. والشيشان .. والبوسنة والهرسك .. وما أطول القائمة!
ولو قالوا الإرهاب هو إلقاء القنابل النووية التي تؤدي إلى قتل وترويع الأبرياء .. فهم أول من ألقوا القنابل النووية على هروشيما .. وفي أماكن عدة غيرها..!
وهاهم اليوم يروضون العالم لتقبل استخدام الأسلحة النووية ضد أفغانستان .. وضد شعب وأطفال أفغانستان .. من خلال ربطهم مرض " الجمرة الخبيثة " بأسامة بن لادن .. وبالقاعدة .. ليقولوا للناس قد اعتدي على أمريكا بالأسلحة الكيماوية .. وبالتالي من حقها ـ كما تنص على ذلك الأمم المتحدة! ـ أن ترد على الاعتداء بالمثل وبنفس السلاح .. وهذا كله سيكون في حال عجزت أمريكا وحلفاؤها من تحقيق أهدافهم القريبة والبعيدة في أفغانستان من خلال استخدام أسلحتهم المتطورة الجوية والبحرية والبرية ..!
ولو قالوا الإرهاب هو استخدام العنف لضمان نهاية سياسية معينة .. فهم أول من سلك ويسلك هذا الطريق .. فدعمهم لعصابات بني صهيون عن طريق العنف المسلح من أجل إقامة دولتهم في فلسطين .. وكذلك دعم حركات التمرد الإرهابية في جنوب السودان ضد حكومة السودان .. ودعم المعارضة العراقية وتدريبها على السلاح لتمارس عمليات الاغتيال والتفجير في العراق .. وأخيراً دعم الشرذمة القليلة المعارضة في شمال أفغانستان بقوة السلاح .. وتشجيعهم على قتل أبناء بلدهم ودينهم .. كل ذلك شاهد عليهم وعلى إرهابهم وإجرامهم .. وأنهم أول من سلك هذا الطريق .. وأول من سنَّه وشجع عليه!
ولو قالوا الإرهاب هو الاغتيالات السياسية .. فهم أول من فعل ذلك ويفعلوه ..!
فكيفما فسروا الإرهاب .. سيجدون أنفسهم أنهم أول المدانين بهذا الإرهاب .. وأن سهامهم المسمومة سترتد إلى نحورهم وصدورهم .. لذا نجزم أنهم لن يتفقوا على تعريف محدد للإرهاب يلتزمون به .. ليبقى ما هو محرم على غيرهم مباح لهم .. وليبقى شعار محاربة الإرهاب هو الشعار المناسب والمطاط الذي يسمح لهم بالتدخل في شؤون الآخرين كلما لاح لهم أهمية ذلك بالنسبة لأمنهم ومصالحهم الذاتية ..!
ويجعلنا نجزم كذلك أن هذا التنادي المحموم إلى مصادرة وتجفيف مصادر دعم الإرهاب .. ما هو في حقيقته إلا دعوة لتجفيف مصادر دعم الفقراء والمساكين المشردين في الخيام .. الذين شردهم الإرهاب الدولي المنظم الذي تتزعمه أمريكا وربيبتها دولة عصابات بني صهيون ..!
جميع الأرصدة البنكية التي تمت مصادرتها وتجميدها هي تابعة لجمعيات وجهات خيريـة
إسلامية .. لم نسمع أنهم جمدوا أو صادروا حساباً واحداً تابعاً لجهة نصرانية .. أو يهودية .. أو مجوسية وثنية .. أو علمانية .. مما يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام حول غايات هذه الحملة المسعورة على الأنشطة الخيرية الإسلامية ذات الطابع الإنساني .. باسم مصادرة وتجفيف دعم الإرهاب .. زعموا؟!!
ولو صدقوا في إيقاف ودعم الإرهاب .. لأوقفوا أمريكا عن دعم عصابات بني صهيون الإرهابية المحتلة لأرض فلسطين .. التي تقدم لها في كل عام أكثر من ثلاثة مليارات دولار تُجبى وتُقتطع كضرائب من الشعب الأمريكي المغفل .. هذا غير المعونات العسكرية المتطورة التي تقدمها لها كهبة لتقتل بها الشعب الفلسطيني الأعزل ..!
قالوا: قد نصت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على التأكيد الراسخ للفرد أو الجماعة في الدفاع عن النفس، كما هو معترف به في ميثاق الأمم المتحدة، وكما هو مؤكد في القرار [ 1362/ 2001 ](1).
نقول لهم بكل وضوح وصراحة أن الإنسان في كثير من البلدان وبخاصة منها العربية والتي تسمي نفسها بأنها إسلامية قد تسلطت عليها أنظمة فاشية طاغية خائنة عميلة لا تقيم للإنسان وزنا .. فقد قتلوا فيه كل معاني العزة والحرية والكرامة .. واعتدوا على جميع حرماته وحقوقه بكل ما تعني كلمة الاعتداء من معنى .. ومع كل ذلك فقد كمموا الأفواه ولم يسمحوا للإنسان أن يقول للجلاد مجرد قف ـ ولو للحظة ـ عن جلدي .. وعن اغتصاب حقوقي ..!
أفتونا يا أيها الأمم المتحدة ـ ولا نظنكم أهلاً للإفتاء ـ ماذا يفعل هذا الإنسان .. إن دافع عن نفسه، وعن حرماته .. وأزاح السكينة عن رقبته ورقبة أطفاله قلتم عنه إرهابي .. وطاردتموه وحاصرتموه .. وقطعتم عليه سبل العيش والرزق .. وقلتم عنه قد استخدم العنف في رد الاعتداء .. وإن سكت واستكان ضاعت الحقوق كلها .. وانتهكت الحرمات .. وقلتم عنه من حقه أن يُدافع عن نفسه..؟!!
فنحن ـ وهذا لسان حال آلاف بل وملايين الناس ممن يعيشون في الشرق الأوسط ـ في حيرة من أمرنا .. فنحن بين نارين .. بين نار سياط الجلادين الإرهابيين .. وبين نار قوانين الإرهاب الصادرة عن الأمم المتحدة التي لم تحسن التمييز بين الظالم والمظلوم .. وبين المعتدي والمعتدَى عليه .. والتي جاءت لتلبي حاجيات أمريكا وحلفائها في فترة زمنية معينة فقط ؟!
ثم هل الإنسان الأوربي لو تم الاعتداء على حقوقه .. وحرياته .. وخصوصياته .. ـــــــــــــــــ
(1) انظر نص قرار مجلس الأمن المنشور في جريدة " الشرق الأوسط " في عددها الصادر بـ 30/9/2001.
وحرماته بالصورة التي يُعتدى فيها على الإنسان العربي المسلم .. ثم هو يدافع عن نفسه .. كنتم ستصنفونه وتطاردونه وتحاصرونه على أنه إرهابي ..؟!!
القضية لا تُحسم ولا تُعالج بإصدار القوانين ضد الإرهاب .. والإكثار منها .. وإرغام الأطراف ـ من غير اقتناع ـ على التوقيع عليها .. بقدر ما تكون هذه القوانين تتسم بالعدل والإنصاف والواقعية .. وتعالج أسباب الإرهاب قبل أن تطارد وتقطف ثماره ونتائجه ..!
ـ الأسباب الداعية لظهور الإرهاب ..!
لا ينبغي والمجتمع الدولي منهمك في مطاردة الإرهاب ومحاصرته أن نغفل عن الأسباب الأساسية التي تحمل الإنسان على الوقوع في الإرهاب بشقه المذموم .. هذا إذا كنا جادين في معالجة الإرهاب واستئصاله من جذوره.
وللإرهاب ـ على مستوى الأفراد أو الجماعات ـ أسباب عدة أبرزها:
1- طغيان وفساد الأنظمة الحاكمة المتسلطة على رقاب العباد بالحديد والنار .. في كثير من البلاد .. التي تقتل في الإنسان إنسانيته وكرامته .. وتعتدي على جميع حقوقه وحرماته .. فيتحول هذا الإنسان بفعل ذلك الاضطهاد ـ رغماً عن أنفه ـ من إنسان وديع لطيف حسن العشرة .. إلى برميل من البارود .. وإلى قنبلة موقوتة تنفجر وقت أن تسنح له الفرصة بذلك .. منتقماً لحقوقه وحرماته المنتهكة .. وبطريقة قد يترتب عليها وقوع الإرهاب المحظور الذي لا يقره عقل ولا شرع!
وهنا لا نريد أن نسلط الضوء على ما يجوز ومالا يجوز من تلك الأعمال فهذا له موضع آخر .. ومباحث أخرى .. ولكن نريد أن نسلط الضوء على السبب ـ الذي قل من يتنبه إليه ـ الذي أدى لوقوع مثل هذا الإرهاب المحظور ..!
السبب هو طغيان وجبروت وإرهاب الطاغوت الحاكم ونظامه .. الذي حول هذا الإنسان بفعل ظلمه واضطهاده إلى برميل من البارود .. وإلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، وفي أي مكان!
كيف لا تريدون أن يتحول هذا الطفل في شبابه إلى برميل من البارود والمتفجرات .. وهو يرى أباه يُهان ويُضرب .. ويُساق إلى سجون الظالمين بغير حق .. وأمه تهان كرامتها وعفتها .. ومنزله يدمر ويُهدم عليه وعلى إخوانه وأخواته ..؟!!
كثير من الناس والإعلاميين ينظرون إلى ذات الحدث .. وما يترتب عليه من آثار قد تكون غير مرضية .. لا يقرها شرع ولا عقل .. من دون النظر إلى السبب الذي حمل هذا الإنسان وغيره إلى الوصول لهذه النتيجة .. وهذا خطأ في التصور والعلاج!
على سبيل المثال مصر .. فقد تناها إلى مسامعنا عن بعض الأعمال الغير مشروعة التي يمكن أن تُصنف في خانة العمل الإرهابي المذموم والغير مشروع .. ولكن لننظر في المقابل السياسة الطاغية الظالمة الغاشمة التي ينتهجها النظام المصري الحاكم بحق شعبه .. والتي قد تكون سبباً رئيسياً وكبيراً وراء تلك الأحداث أو الأعمال ..!
حرب شعواء لدين العباد .. السجون مليئة بالأبرياء .. وبصفوة الأمة من الشباب .. الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود .. الناس يؤخذون بالشبهات والظنون .. ممارسة جميع فنون التعذيب والإهانة والقهر والإذلال بحق العباد .. وانتهاك العرض والحرمات .. وبعد عشر سنوات من القهر والتعذيب والإذلال في سجون الطاغوت .. يقولون للسجين أخرج قد تبين لنا أنك بريء ..!!
هذا واقع ويحصل منه الكثير الكثير في مجتمعاتنا .. ولست أنا الوحيد الذي أشير إليه .. بل هناك كتّاب ليسوا على ملتنا يقررون ما تقدم ذكره عن سياسة طاغوت مصر وغيره .. فقد نشرت قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت بتاريخ 12/10/2001م، تحت عنوان " هجوم أمريكي على مصر والسعودية ": وجهت دوائر بحثية وإعلامية في الولايات المتحدة انتقادات شديدة اللهجة إلى كل من مصر والسعودية، واتهمت البلدين بالمسؤولية غير المباشرة عن بروز ما تسميه بالتطرف والإرهاب، وبررت ذلك بسيادة ما تصفه النظام الاستبدادي في البلدين .. وقال مارتن إنديك سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل، والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: هذه النظم فضلت التعامل مع مشكلة حرية التعبير عن الرأي السياسي في بلدانها عن طريق توجيه المعارضة ضدنا.
وأفادت صحيفة " واشنطن بوست " في عددها الصادر أمس بأن الحكومات العربية التي تدعي تأييد الحملة الأمريكية .. هي أكبر سبب للتطرف والإرهاب.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها إن مصر مثال واضح، فنظامها الاستبدادي مستنفد سياسياً ومفلس معنوياً .." ا- هـ.
ثم بعد ذلك نسمع حسني مبارك يتبجح بكل وقاحة بأنه سوف يُحارب الإرهاب .. ويُطارد الإرهابيين .. ويُطالب دول الغرب ـ باسم محاربة الإرهاب ـ بأن يُسلموه بعض الأفراد من شعبه الذين نجاهم الله من ظلمه وطغيانه .. يُطالب بإعادتهم وتسليمهم ليمارس عليهم دور الجزار والجلاد معاً .. وفاته أنه هو ونظامه الفاشي أكبر إرهابي وأكبر سبب للإرهاب في بلده .. بل وفي العالم، وهو الذي ينبغي أن يُحاكم ـ لو وجد العدل ـ قبل المستضعفين الذين نجوا من طغيانه وناره!
وما قلناه عن النظام المصري نقوله عن النظام الطائفي الدموي في سوريا، وعن النظام الليبي، وعن النظام التونسي، وعن النظام الأردني .. وعن النظام الجزائري .. وغيرها من الأنظمة الفاشية الظالمة.
وشاهدنا مما تقدم أنه عند الحديث عن الإرهاب وأسبابه وطرق علاجه .. لا ينبغي أن نغفل عن سياسة هذه الأنظمة المتسلطة .. وعن كيفية التخلص منها .. ومن طغيانها التي تعتبر أكبر سبب لظاهرة الإرهاب ..!
لكن الغريب في الأمر أن هذه الأنظمة الطاغية .. رغم فسادها وطغيانها ودكتاتوريتها .. وممارستها لجميع أنواع الإرهاب بحق شعوبها .. ورغم كونها سبباً رئيسياً لظاهرة الإرهاب في العالم .. فإننا نجد أمريكا ودول الغرب يدعمونها ويؤيدونها ويباركونها ..!!
فعلى سبيل المثال رغم ما ذكرناه وما هو معروف عن النظام المصري من طغيان وإرهاب بحق شعبه .. فإن أمريكا تتبرع سنوياً للنظام المصري ـ وليس للشعب المصري ـ ما يُعادل 2,2 مليار دولار أمريكي، ليُنفق هذا المبلغ على الجلادين، وعصابات الأمن والمخابرات التابعة للنظام!
وكذلك لما تم تنصيب بشار الأسد رئيساً وبطريقة مخالفة لجميع القوانين والدساتير، والأعراف .. بما في ذلك الدستور السوري ذاته .. ورغم ما لهذا النظام الطائفي من سجل ضخم في إرهاب وتقتيل شعبه .. حيث قتل في يوم واحد ما يزيد عن عشرين ألف شخص من المدنيين في مدينة حماه؛ أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ .. غير المساجد والكنائس التي تم تدميرها في ذلك اليوم المشهود .. ومع ذلك ورغم السجل الإرهابي الضخم لهذا النظام .. ذهب كل من وزير خارجية بريطانيا، ووزيرة خارجية أمريكا آنذاك ليباركان النظام الجديد ورئيسه .. ويعربان عن تأييد بلديهما للنظام الجديد!!
والسؤال: كيف يزعمون محاربة الإرهاب .. وهم في نفس الوقت يؤيدون ويدعمون الأنظمة الإرهابية .. والأكثر طغياناً ودموية بحق شعوبهم ؟!!
قالوا: صدام حسين إرهابي .. قلنا: صدقتم .. لكن ما الفرق بينه وبين حسني مبارك، وحافظ الأسد، والقذافي، وزين العابدين وغيرهم من حكام وطواغيت العرب ..؟!!
فلماذا صدام إرهابي .. وهؤلاء ليسوا بإرهابيين .. أم أن المسألة خاضعة للهوى وللسياسة بحسب المصالح والمكاسب .. وبحسب الخدمات التي يقدمها كل حاكم؟!!
يقول " مارتن إنديك " المذكور أعلاه والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية:" إن خطأ واشنطن الوحيد في الشرق الأوسط هو دعم نظم فشلت على نحو مستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها "!
قلت: لا مانع لواشنطن أن تدعم هذه الأنظمة الإرهابية الطاغية المتسلطة على رقاب الشعوب بالحديد والنار .. ما دامت هذه الأنظمة تسير وفق مخططات السياسة الأمريكية .. وتحقق لها أهدافها في المنطقة .. فالغايات تبرر الوسائل عند الساسة الأمريكيين!
2- تكميم الأفواه .. وكبت الحريات الأساسية والضرورية للإنسان .. كما هو حاصل في كثير من الأنظمة العربية الحاكمة .. فإنه في الغالب يولد عند الإنسان ردة فعل قد لا تُحمد عقباها .. حيث قد تنتهي بصاحبها في النهاية إلى أن يقع في الإرهاب المحظور ..!
فالذي يُمنع من التعبير عما في نفسه بحرية .. قد يلتجئ إلى وسائل عديدة سرية يُعبر من خلالها عن نفسه ومشاعره .. والذي يُمنع من الكتابة على الورق قد يكتب تحت جنح الليل على الجدران!
كثير من الشعوب المقهورة ترى الباطل أمام أعينها .. لكن لا تستطيع أن تقول له شيئاً .. ولا تملك الجرأة ـ بحكم طغيان وإرهاب الطاغوت ـ على أن توجه له كلمة نقد أو تعقيب .. فتكتم في نفسها .. وعلى مر الزمن يتراكم هذا الكبت إلى أن يولد انفجاراً يحرق الأخضر واليابس، ويقع الندم .. ولات حين مندم!
بعض المراقبين يظن الشارع العربي راضياً بالحملات الأمريكية ضد أفغانستان .. بسبب أنهم لا يخرجون مظاهرات يعبرون فيها عن معارضتهم لتلك الحرب الأثيمة .. وهؤلاء فاتتهم الحقيقة .. ولو راقبوا ما يُكتب في أندية الحوارات المنتشرة على شاشة الإنترنت من قبل الشباب بأسماء مستعارة حيث الأمان من ظلم وبطش الطواغيت .. لأدركوا أن الشارع العربي المسلم عبارة عن جمرة من نار تحترق في داخلها .. وتأكل بعضها بعضاً كبداً لما يحصل لأبناء الأمة في أفغانستان وفلسطين .. وهذه الجمرة لا بد يوماً من أن تمتد شرارتها ونارها لتحرق من حولها من الظالمين المستبدين العملاء .. وما ذلك ببعيد إن شاء الله!
ثم هاهي الجزائر اليوم ـ ممثلة في نظامه الفاشي الطاغي ـ ومنذ أكثر من عشر سنوات فإنها تدفع ضريبة باهظة من أبناء ودماء شعبها .. بسبب ظلمها وطغيانها، وغدرها للحريات المشروعة ـ بمباركة وتأييد من أمريكا وفرنسا وغيرها من دول الغرب ـ وما كان قد اختاره الشعب الجزائري .. رغم وجود تحفظنا المعروف على شرعية تلك التجربة .. وغيرها من التجارب الديمقراطية الفاشلة في بلاد المسلمين!
3- توسيع دائرة الملاحقات .. وما يتبعها من انتهاكات ومضايقات .. بحيث تشمل المتهم والبريء .. ووضع البريء في موضع المدافع الشرس عن حقوقه وحرماته .. بزعم ملاحقة الإرهاب!
فهذا التوسع في الملاحقات والمطاردات الغير مبررة .. من جملة الأسباب التي قد تؤدي إلى جنوح بعض الأفراد بل والجماعات إلى انتهاج بعض الأعمال الإرهابية الغير مشروعة .. من قبيل الدفاع عن النفس .. وطلب النجاة!
متى يلجأ الإنسان للسعي إلى الحصول على جواز سفر مزور .. أتراه يفعل ذلك ودولته تمنحه بكل سهولة ويسر تلك الوثيقة التي هي من حقه ..؟!!
عشرات الدول .. وأكثرها عربية .. تحرم شعوبها هذا الحق البسيط .. ولا تعطي مواطنيها هذا الجواز إلا بعد سلسلة من الإذلالات والمماطلات والرشاوى، والوساطات، وموافقة المخابرات، وغير ذلك من الإجراءات .. مما يجعل هذه الشعوب من باب طلب النجاة والسلامة .. وممارسة حقهم في السفر والتنقل .. يبحثون عن البديل المزور!
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنف هذه الشعوب برمتها بأنها إرهابية .. أو نلومها لكونها تفعل ذلك تحت ظروف الاضطرار والإكراه .. وإنما الصواب والعدل أن نلوم الأنظمة الطاغية الإرهابية التي حرمت هذه الشعوب أبسط حقوقها .. وألجأتها رغماً عن أنفها إلى هذه الوسائل الملتوية!
ليفرض نفسه " كوفي عنان " مكان أي مواطن يُمارَس بحقه وحق أهله جميع صنوف التنكيل والإذلال والإرهاب .. ثم مع ذلك يُمنع من الوثيقة التي تمكنه من السفر والتنقل .. ليبقى تحت رحمة الجلادين .. ثم هو في هذه الأجواء يُعرض عليه جواز سفر مزور بمئات الدولارات .. يمكّنه من السفر والنجاة .. ألا ترون أنه سيشتريه ويستخدمه ..؟!
لكن هل يمكن أن يُصنف " كوفي عنان " حينئذٍ بأنه إرهابي لكونه لجأ مضطراً إلى هذه الوسيلة ..؟!
الشاهد مما تقدم أن نلفت النظر لمن صدقت نيته في محاربة الإرهاب المحظور والممنوع شرعاً وعقلاً .. أن لا يقصروا اهتمامهم بالنظر إلى سلوك بعض الأفراد أو الجماعات التي تبدوا أنها غير قانونية .. من دون النظر إلى الدوافع أو الأسباب التي أدت إلى مثل هذه السلوكيات الشاذة .. وملاحقة من كان السبب فيها قبل الذين يُباشرونها!
وأردت كذلك أن أنبه إلى أن توسيع دائرة الاشتباه .. والاتهام .. والملاحقات .. والمطاردات .. بغير حق ولا بينة .. قد تولد جيلاً كاملاً من الإرهابيين .. وجيلاً كاملاً من المرهوبين الخائفين .. شئنا أم أبينا .. ومن حيث لا ندري!
هذا القط الوديع الناعم .. احصره في غرفة .. وأغلق عليه جميع النوافذ والمنافذ .. ثم أشعره أنك تريد قتله .. فإنه سرعان ما يتحول وينقلب عليك إلى نمر متوحش كاسر ..!
فلا تحوِّلوا الشعوب بأيديكم .. وسوء صنيعكم إلى وحوش كاسرة .. ولا تلجئوا الشعوب بظلمكم وإرهابكم .. إلى الوسائل الملتوية .. فإن حصل فلا تلوموا إلا أنفسكم!
4- ومن جملة الأسباب كذلك التي تجنح بصاحبها للوقوع في بعض الأعمال الإرهابية الغير مشروعة .. الفهم الخاطئ للدين ولغاياته ومقاصده .. والجنوح للغلو والتشدد في الدين .. وانتهاج طريق الغلاة الخوارج الأوائل .. الذين وضعوا السيف في أبناء الأمة من أهل القبلة .. وانتهكوا الحرمات بغير حق ..!
هؤلاء موجودون في زماننا .. ولكنهم شرذمة قليلون .. وهم منبوذون مرفوضون شرعاً وعقلاً .. وعلى مستوى القطاع الأعظم للشباب المسلم الملتزم .. والإسلام أول من أعلن البراء منهم ومن غلوّهم وشذوذهم .. وحذّر منهم!
وهؤلاء مشكلتهم سهل حلها لو تُرك المجال للعلماء العاملين بأن يتصدوا لهم بالتعليم والنصح .. وقيام الحجة .. ولكن أنى للطواغيت العملاء ـ وبخاصة منها العربية ـ أن يسمحوا بذلك!
ـ موقف الإسلام من العنف والشدة ..!
كنا قد بينا في أول هذا البحث موقف الإسلام من الإرهاب .. ومعنى الإرهاب .. وهانحن نبين هنا موقف الإسلام من العنف والشدة لارتباط هذا الموضوع وتعلقه بما تقدم من حديث عن الإرهاب ..!
هل الإسلام دين يدعو إلى العنف والشدة ..؟!
هذه مسألة قد جنح فيها كثير من الناس والكتاب ـ كما هو شأنهم في كثير من المسائل ـ بين الإفراط والتفريط .. ففريق منهم قال بأن الإسلام دين عنف .. ويدعو إلى العنف والشدة واستدل على ذلك بأدلة، وفريق آخر ينفى ذلك مطلقاً، واستدل بأدلة ..!
فما هو الحق والصواب في هذه المسألة ..؟!
أقول: العنف هو ما يُقابل الرفق ويُضاده، وهو في الشرع خُلُق مذموم .. لم يرد فيه نص واحد من الكتاب أو السنة بصيغة المدح .. بخلاف خُلُق " الرفق " فقد جاءت فيه نصوص عديدة تحض على التخلق والتمسك به، كما في قوله :" من يحرم الرفق يُحرم الخير كله ".
وقال :" إن الله رفيق يحب الرفق ويُعطي عليه مالا يُعطي على العنف ".
وقال :" عليك بالرفق؛ إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه ". وقال :" إن الله رفيق يُحب الرفق في الأمر كُلِّه " وهذه صيغة عامة تفيد كل شيء بما في ذلك الجهاد في سبيل الله، حيث لا بد من أن ينضبط ويتقيد بضوابط وقيود الشرع المعروفة ..
فهذا هو رفقه!
وعن قُرَّة قال: قال رجل يا رسول الله إني لأذبح الشاة فأرحمها. أو قال: إني لأرحم الشاة أن أذبحها؛ أي أمتنع عن ذبحها رحمة بها! قال :" والشاة إن رحمتها رحمك الله .. والشاة إن رحمتها رحمك الله " مرتين.
هذا فيمن يُرفق ويرحم الشاة أو البهائم فكيف بمن يرحم الناس .. فقد صح عن النبي  أنه قال:" لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناسَ ".
كما أن النبي  قد نهى عن الغلو والتشدد في الدين؛ وهو كل ما زاد عن المشروع .. فقد صح عنه  أنه قال:" عليكم هدياً قاصداً؛ فإنه من يُغالب الدين يغلبه ". وقال :" إنه من يُشاد هذا الدين يَغلبه ".
وقال :" إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ".
وقال :" سيُشَدَّد هذا الدين برجالٍ ليس لهم عند الله خلاق ".
هذا هو ديننا .. فهو دين رفق ورحمة للعالمين كما قال تعالى عن نبيه : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ الأنبياء:107.
وهذا لا يعني مطلقاً أن الإسلام يقبل أن يُعطي الدنيَّة أو الذل لأعداء الملة والدين .. أو يرضى أن يُصيبه ضيم من ملل الكفر والشرك من دون أن ينتصر لنفسه .. كما قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ الشورى:39. فهذا من أبرز خصال وصفات المؤمنين المجاهدين وهو أن ينتصروا لأنفسهم وحرماتهم إذا ما أصابهم البغي والعدوان.
وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً الفتح:29. فكما أن المؤمنين رحماء رفقاء على من يُسالمهم ويدخل في سلمهم وأمنهم أو دينهم .. فهم أشداء غلاظ على من يتجرأ على قتالهم ومنابذتهم ومحاربتهم، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ التوبة:123. أي قوة وشدة ..!
فهذا موضع يستلزم الشدة والغلظة على كل من ينابذ الإسلام والمسلمين الحرب والقتال أو يتجرأ على الاعتداء .. وذاك موضع يستلزم الرفق والرحمة على كل من يدخل في هذا الدين وسلمه، أو عهده وأمنه، وجواره .. حيث لا يجوز الخلط بين الموضعين، وحمل نصوص كل موضع على الموضع الآخر .. كما يفعل ذلك عديد من الكتاب والباحثين!
ولكن يمكننا القول أن مواطن الجهاد والقتال التي تستلزم الشدة والقوة والغلظة .. هي كذلك مقيدة بقيود وضوابط الشرع التي تمنع المجاهد المقاتل من أن يُعمل هواه في قتل وقتال من
شاء، وبالطريقة التي يشاء.
ـ خاتمة:
وفي الختام بقي سؤال لا بد من أن نجيب عليه قبل أن نختم هذا البحث، وهو: هل القوم عازمون بصدق ـ من خلال حملتهم المعلنة ـ على محاربة الإرهاب .. أم أن لهم أهدافاً أخرى غير الإرهاب ؟!
أقول: في الظاهر أنهم يريدون محاربة الإرهاب .. وفي الباطن الظاهر أنهم يُريدون محاربة الإسلام والمسلمين .. ومنعهم من أي محاولة تمكنهم من استئناف حياة إسلامية راشدة في أي قطر من الأقطار .. إضافة إلى تعزيز نفوذهم وهيمنتهم وسياساتهم السائدة في مناطق وبلاد المسلمين، وبخاصة منها منطقة الشرق الأوسط .. التي بدت تتزعزع في الآونة الأخيرة .. والذي حملنا على القول بذلك الأسباب التالية:
1- من خلال ما تقدم في طيات هذا البحث تبين لنا أن القوم هم الإرهابيون الحقيقيون .. وهم الذين يمارسون، ويدعمون ويؤيدون الإرهاب بكل أبعاده ومعانيه .. ولو صدقوا بأنهم سيحاربون الإرهاب .. لحاربوا أنفسهم بأنفسهم .. وهذا لن يكون!
2- هذه الحشود العسكرية الضخمة التي جيشتها أمريكا وحلفاؤها، والتي تكفي لغزو وتدمير عشرات البلاد .. لا يمكن أن يُصدق أنها جُيشت من أجل مطاردة أفراد معدودين متهمين بالإرهاب ..!
3- تصريحاتهم المعلنة التي ما استطاعت أن تُخفي ما في صدورهم .. كما جاء ذلك على لسان الرئيس الأمريكي " جورج بوش " بأن هذه الحملة التي يقودها ضد الإرهاب إنما هي حملة صليبية ضد الإرهاب ..!!
وهل الإرهاب لا يُحارب إلا من خلال حملة صليبية وتعبئة صليبية ..؟!
وكذلك تصريح رئيس وزراء بريطانيا ـ التي جاءت أقل صراحة من نظيره بوش ـ عندما ناشد دول الغرب بأن تتحد لمحاربة الإرهاب ..!
لماذا دول الغرب وحسب .. لماذا لم تكن دول الغرب والشرق معاً .. مما يجعلنا نجزم أنه يقصد ويريد اتحاد دول الغرب الصليبي لمحاربة دول الشرق الإسلامي مبعث الإرهاب .. كما يزعمون !
4- تصريحاتهم المتكررة بأن هذه الحرب قد تستغرق عشرات السنين .. وتطال دول عدة يتجاوز تعدادها الستين بلدا ..!
ولا نظن أن محاربة الإرهاب يستلزم هذه السنين الطوال .. وهذه البلدان العديدة ..؟!
5- حصر تهمة الإرهاب بالمسلمين فقط لتكون ذريعة لمحاربة الإسلام والمسلمين .. فهم ما إن حصل ما حصل في نيويورك وواشنطن .. إلا وأسرعوا في الإعلان بأن وراء هذا الحدث هم المسلمون .. الطالبان .. وأسامة وجماعته .. قبل أن يأخذ التحقيق مجراه ومداه .. مما يجعلنا نشعر بأنهم يرتبون لحرب طويلة ضد الإسلام والمسلمين .. ومنذ أمد .. ينتظرون الفرصة المناسبة لها .. وقد جاءتهم!
ما يقوم به غير المسلمين من إرهاب بشع .. ليس إرهاباً .. ولا يمكن أن يُصنف على أنه عمل إرهابي مهما كان العمل فظيعاً وممعناً بالإجرام والإرهاب بحق الآخرين .. والسبب أنه ليس مسلماً ..!
منذ أسبوعين تقريباً تناقلت وسائل الإعلام عن خبر مفاده أن شخصاً مسلحاً اقتحم البرلمان السويسري وقتل من أعضائه وموظفيه أربعة عشر شخصاً .. غير الجرحى الذين أصابهم .. فجاء التعليق مباشرة بأن هذا العمل ليس عملاً إرهابياً .. والتعليل أن صاحبه سويسري الأصل .. أي ليس مسلماً!
وكذلك الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام عن قيام شخص في أمريكا بقطع رأس سائق الحافلة بالسكين .. مما أدى إلى سقوط الحافلة في حفرة وقتل ستة أشخاص من الركاب .. فجاء التعليق الأمريكي الرسمي أن هذا العمل ليس إرهابياً وليس له علاقة بالإرهاب .. والسبب أن صاحبه نصراني من كرواتيا .. وانتهى الأمر وكأنه لم يكن شيئاً ؟!
ولو كان مسلماً لرأينا كيف حملوه وجميع المسلمين في الأرض تهمة الإرهاب .. وتبعات العمل بالإرهاب ..؟!
ومنذ أيام قلائل خرجت لنا أمريكا بقائمة أخطر الإرهابيين في العالم الذين جيشت مئات الطائرات .. وعشرات البوارج البحرية وراجمات الصواريخ .. وآلاف المعدات العسكرية .. من أجل محاربتهم ومطاردتهم .. وعددهم كان اثنان وعشرين شخصاً .. كلهم من المسلمين ..!!
والسؤال: لماذا كلهم من المسلمين .. ألا يوجد نصراني أو يهودي واحد في العالم قد مارس الإرهاب .. رغم أن المجازر والمقابر الجماعية للمستضعفين من المدنيين لا تزال إلى الساعة أكبر شاهد على إجرام وإرهاب قطاع كبير من اليهود والنصارى ..؟!!
فعلام لم يُدرج اسم نصراني أو يهودي واحد ضمن قائمة الإرهابيين المطلوبين ـ وما أكثرهم لو أردنا الإحصاء أو التعداد ـ هل لأن البلاد والعباد خلت فعلاً من الإرهابيين الذين ينتمون إلى اليهودية أو النصرانية .. أم أنها المؤامرة الصريحة لضرب ومحاربة الإسلام والمسلمين .. تحت ستار ملاحقة ومحاربة الإرهاب؟!
قد هالني خبر نشرته قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت بتاريخ 3/10/2001م، تحت عنوان:" تقديراً لمساندة موسكو للحرب الأمريكية، أوربا تكافئ روسيا بتجاهل ممارساتها في الشيشان "، جاء في الخبر:" توقع وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو أن يكون الاتحاد الأوربي أكثر تساهلاً في موقفه من الممارسات الروسية في الشيشان تقديراً لمساندة موسكو للحملة الأمريكية على ما يُسمى بالإرهاب .. وأوضح أن الاتحاد يراجع أيضاً الإجراءات التي اتخذت ضد موسكو بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الشيشان .. وقال للصحفيين في زيارة لواشنطن: سنتخذ موقفاً أكثر تساهلاً مما تفعله روسيا في الشيشان ..!!" ا- هـ.
يا سبحان الله ..! يباركون ويؤيدون الإرهاب الوحشي الذي يمارسه الجيش الروسي بحق الشعب المسلم في الشيشان ـ بعد أن كانوا قد أدانوه ـ لكون الإرهاب الذي يمارسه الجيش الملحد الروسي يطال فقط المسلمين الشيشانيين الذين ليس لهم بواكي ولا حرمة .. ولكون موسكو ستساند الحملة الأمريكية ضد الإرهاب .. زعموا!
فإن كان الغرض هو محاربة الإرهاب كما يدعون .. وليس محاربة الإسلام .. فعلام يؤيدون ويباركون الإرهاب الروسي المتوحش لشعب الشيشان المسلم .. مع اعترافهم المسبق بأن الذي تمارسه روسيا في الشيشان من انتهاك للحرمات واعتداء على المدنيين، والمستضعفين منهم .. يتنافى مع حقوق الإنسان .. وهو من الإرهاب ؟!!
موسكو ذو التاريخ الحافل بالإرهاب، والتعذيب، والتقتيل لعشرات الملايين من المسلمين المستضعفين من الشيوخ والنساء والأطفال .. وغيرهم من المدنيين ممن لا حول لهم ولا قوة .. والتي لا تزال إلى الساعة أيديها ملطخة بدماء مئات الآلاف من الأبرياء في أفغانستان والشيشان وغيرهم .. آلآن أصبحت ضد الإرهاب .. وأنها ستساند الحملة الأمريكية ضد الإرهاب ؟!!
كل ذلك يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام على طبيعة هذا الإرهاب الذي يريدون محاربته .. ويتحالفون على ملاحقته واستئصاله ؟!!
وما تقدم يدل كذلك على تلاعب الساسة الأوربيين بمصطلح الإرهاب وفق أهوائهم ومصالحهم الذاتية المتقلبة .. وسياساتهم الخبيثة .. فيدخلون من شاءوا في دائرة الإرهاب وقت يشاءون .. ويُخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب .. وتهمة الإرهاب وقت يشاءون .. بحسب ما تقتضيه المصلحة .. وإن كان في الحقيقة إرهابياً يُمارس الإرهاب في أبشع صوره ومعانيه ..!
فمن كان معهم ـ مهما كان إرهابياً مجرماً ـ ليس إرهابياً .. وهو منزه عن الإرهاب .. وفوق الشبهة أو الاتهام .. ومن لم يكن معهم ـ مهما كان بريئاً من تهمة الإرهاب ـ فهو إرهابي، بل وأبو الإرهابيين الذي ينبغي أن يُلاحق ويُحارب ..!!
هذا هو المقياس والضابط في تحديد الإرهابي من عدمه عند الساسة المتنفذين في أمريكا وبلاد الغرب ..!!
6- إعلانهم أكثر من مرة وبكل صراحة ووضوح أن الهدف من الحملة العسكرية الأمريكية الضخمة ضد أفغانستان ليس فقط أسامة ومن معه .. وإنما نظام الطالبان الحاكم في أفغانستان .. والتجربة الإسلامية الناشئة في أفغانستان!
بمعنى آخر أن هدفهم استئصال النظام الإسلامي الحاكم في أفغانستان الذي ارتضاه الشعب الأفغاني .. والذي يمثل 95% من أراضي وشعب أفغانستان باعتراف الجميع .. واستبداله بنظام عميل موالٍ لأمريكا ولدول الغرب .. لا يمثل إلا القلة العميلة .. يحقق لهم مصالحهم وأهدافهم في المنطقة!
وهاهي أمريكا ـ ومعها حلفاؤها ـ يترجمون اليوم هذا الهدف الخبيث بكل وضوح على أرض الواقع على مرأى ومسمع من العالم .. من خلال هجماتهم العسكرية المكثفة بالقنابل الثقيلة .. والصواريخ العابرة للقارات .. على جميع المرافق التابعة لحكومة الطالبان .. تمهيداً للغزو البري الذي يخططون له برفقة عملائهم من الأفغان المتمثل في التحالف الشمالي الهزيل ..!!
هذا الذي يحصل وجميع ما تقدم ذكره من نقاط .. يجعلنا نجزم أن الحملة الأمريكية ضد الإرهاب .. هي في حقيقتها وواقعها حملة صليبية صريحة ضد الإسلام والمسلمين .. وهي إعلان حرب على الإسلام وليس على الإرهاب كما يصورون .. وأن إعلاناتهم التي تدل على خلاف ذلك .. لا تغير من هذه الحقيقة شيئاً .. فواقع حالهم يكذب ادعاءهم وهو أصدق دلالة وتعبيراً من تصريحاتهم التي هي بمثابة ذرِّ الرماد في العيون ..!
ونحن نقول لهم بكل وضوح: أنتم تحاولون عبثا .. الإسلام لا يُحارَب؛ لأنه دين الله تعالى الذي تكفل بحفظه وحمايته .. وعلى مر العصور وإلى أن تقوم الساعة!
حاربتم الإسلام ـ عبر تاريخكم الصليبي الحاقد ـ أكثر من مرة ومرة .. وفي جميع الميادين والساحات .. فأين الذين حاربوه .. وأين الإسلام .. الذي يزداد انتشاراً واتساعاً .. وقوة .. وفي عقر داركم .. رغم حملات التشويش والمؤامرات العديدة التي تُحاك ضده من قبل ملل الكفر والشرك، وعملائهم المحليين من الزنادقة المنافقين ..؟!
فأنتم عندما تحاربون الإسلام .. فإنكم في حقيقتكم تحاربون الله .. خالق السماوات والأرض .. الذي بيده الأمر كله .. والله تعالى لا يُحارَب .. لأن الله لا غالب لأمره وقضائه ..!
فمشيئة الله تعالى هي النافذة والماضية في خلقه وعباده .. أما مشيئة العباد لا ينفذ منها شيء إلا أن يشاء الله تعالى.
يجب أن تتذكروا كل ذلك عندما تحاربون الإسلام ..!!
 وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ لأنفال:30.
 قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ آل عمران:12.
 لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الروم:4-5. وما ذلك ببعيد إن شاء الله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

28/7/1422 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
15/10/2001 م. أبو بصير

www.abubaseer.com

ـ ملاحظة: أُرسلت نسخة من هذا البحث للأمم المتحدة عن طريق عنوانها الإلكتروني .. وغيرها من المؤسسات والهيئات ذات الاهتمام بهذا الموضوع.

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس
  #52  
قديم 19-05-2005, 12:43 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

حربٌ على الإرهابِ .. أم حربٌ على الإسلامِ ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد.
فقد تناها إلى مسامعنا وأبصارنا ما تناقلته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ما حصل مؤخراً في أمريكا من تدمير لبعض منشآتها العسكرية والاقتصادية .. وقد خاض الخائضون بين مؤيد ومعارض .. وكثير منهم حكّم الهوى والعاطفة لجبن أو لارتباط بجهات حكومية مشبوهة تحتم عليهم أن يُطلقوا تصريحاتهم وأحكامهم في اتجاه معين وفق ما ترتضيه بعض الجهات أو الهيئات الرسمية الحكومية .. فضلوا وأضلوا .. وأساءوا من حيث يعلمون أو لا يعلمون .. مما حملنا على الشعور بضرورة تسجيل بعض الملاحظات حول ما حدث .. إنصافاً للحق .. وإبطالاً للباطل ولو كره المنافقون الكافرون .. والله تعالى وحده حسبنا ونعم الوكيل.
وألخص هذه الملاحظات في النقاط التالية:
1- إلى ساعة كتابة هذه الكلمات كل ما صدر عن مكاتب التحقيق الأمريكية لا يفيد أن من قاموا بتلك العمليات هم مسلمون .. أو من الجماعات الإسلامية .. وأن كل ما قيل إنما هو من قبيل الظن والتخريص، والاشتباه .. والظن والاشتباه لا يُغني من اليقين والحق شيئاً، بدليل أن كثيراً ممن اشتبه بهم، وكثر كلام الإعلام عليهم .. لم يبقوا في الحجز للتحقيق معهم سوى سويعات .. لإدراك الجهات الأمنية المختصة ببراءتهم!
إضافة إلى ذلك فإن الجهة الإسلامية التي يُشار إليها بأصابع الاتهام؛ وهي حركة الطالبان .. فقد أعلنوا أكثر من مرة إدانتهم لذلك العمل .. وأنهم برآء منه .. وكذلك الشيخ أسامة المتهم الأول في هذه القضية .. أعلن أكثر من مرة أنه لم يكن له أدنى ضلوع أو مشاركة فيما حصل .. وأن ظروف إقامته في أفغانستان لا تمكنه من القيام بمثل هذا العمل.
الذي نريده من هذه الحقائق الآنفة الذكر .. أننا لسنا مضطرين ـ كمسلمين ـ للبحث أو الخوض في مدى شرعية تلك الأعمال التي حصلت في أمريكا أو عدم شرعيتها .. إذ أن الأمر لا يعني ولا يخص المسلمين من هذا الوجه .. وبالتالي فلسنا مسؤولين أو ملزمين شرعاً وعقلاً للبحث في شرعية أعمال يقوم بها أناس مجهولي الحال والهوية .. كما أننا نجهل غايات ومقاصد وظروف من قاموا بذلك العمل!!
فالحكم الشرعي لكي يكون صائباً لا بد أولاً من الإحاطة بجميع جوانب وفروع المسألة ذات العلاقة .. وإلى حين ثبوت ضلوع طرف إسلامي بعينه في ذلك الحدث .. ومعرفة جميع أبعاد ما حصل .. فحينئذٍ يكون التأصيل العلمي الشرعي له مبرراته ومسوغاته .. وذلك أن الفتوى يلزمها أمران: معرفة النصوص الشرعية ذات العلاقة بالفتوى أو المسألة .. ومعرفة واقع المسألة على وجه التدقيق والتحقيق التي تُحمل عليها تلك النصوص .. والله تعالى أعلم.
ومن جهة فإننا لا نعمل كموظفين في دائرة الإفتاء الأمريكي .. لكي نسرع إلى إصدار الفتاوى لكل نازلة تنزل في المجتمع أو الدولة الأمريكية ..!!
2- لا بد من الاعتراف أن أمريكا .. دولة محاربة معادية للإسلام والمسلمين .. بل هي الدولة الكبرى التي ترعى عمليات قتل، وحصار، وتجويع الشعوب الإسلامية .. وما من جريمة إرهابية تحصل بحق المسلمين هنا أو هناك إلا وتجد البصمات والدعم الأمريكي من ورائها ..!
فها هي فلسطين ومنذ أكثر من خمسين عاماً تعاني من وطأة وإرهاب الاحتلال الصهيوني اليهودي .. يقتلون أبناء المسلمين .. ويهدمون بيوتهم .. ويصادرون أراضيهم وممتلكاتهم ويستحلون حرماتهم ومقدساتهم .. تحت مرأى ومسمع .. بل ودعم أمريكا ..!
كم هي المجازر الجماعية الإرهابية التي قامت بها عصابات يهود بحق المسلمين الفلسطينيين .. بأسلحة ودعم وتأييد أمريكي ..!
مجزرة صبرا وشاتيلا .. وقتل المسلمين وهم في المسجد الإبراهيمي وهم ركعاً وسجداً .. على أيدي عصابات يهود .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
أين كانت أمريكا .. والعالم الذي يتباكى على عتبات الإرهاب .. من كل ذلك .. لماذا لم تحصل ذات الحملة على الإرهاب الحاصلة اليوم .. ولماذا لم تُعبأ الشعوب والأمم على محاربة الإرهاب كما هي تُعبأ اليوم ؟!
الجواب يعرفه الجميع: وهو أن ضحايا صبرا وشاتيلا .. من المسلمين الفلسطينيين .. بينما ضحايا اليوم هم من الأمريكيين النصارى..!!
كم من مرة يدان الإرهاب اليهودي الإسرائيلي من قبل المجتمع الدولي .. ويقف الفيتو الأمريكي حائلاً دون أن يوجه إلى ربائبهم من اليهود أدنى نقد أو إدانة فضلاً عن أن تنزل بهم العقوبات التي تنزل بغيرهم لأدنى مخالفة .. وأحياناً بلا مخالفة!!
هذا الحصار الضارب على رقاب الشعب العراقي المسلم منذ أكثر من عشر سنوات .. أليس من الإرهاب الذي ترعاه وتحميه أمريكا وحلفاؤها ..!
قتل مليون طفل من أبناء الشعب المسلم العراقي جوعاً ومرضاً بسبب ذلك الحصار الجائر الذي ترعاه وتفرضه أمريكا .. أليس من الإرهاب ..؟!
كم من مرة يقتل الأمريكان أطفال ونساء العراق .. براجمات صواريخهم وطائراتهم ..
ومن دون أن يُقدموا أدنى اعتذار .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
تدمير مصانع الأدوية في السودان وقتل الأبرياء .. بصواريخ أمريكية عابرة للقارات .. وعلى أيدي الجنود الأمريكيين .. أليس هذا من الإرهاب ؟!!
قتل شعب بكامله في الشيشان .. على مرأى ومسمع ورضى من الأمريكان .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!
المقابر الجماعية التي حصلت لعشرات الآلاف من المسلمين في البوسنة والهرسك .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!
هذا الحصار الظالم على أفغانستان .. وشعب أفغانستان المسلم .. ليقتل يومياً مئات الأطفال جوعاً .. والذي ترعاه وتفرضه أمريكا .. أليس هذا من الإرهاب ؟!
هذا الدعم الأمريكي المباشر لجرائم الهندوس عبدة البقر في حق مسلمي كشمير .. أليس من الإرهاب ..؟!!
قتل المئات من المسلمين .. وحرق المساجد على من فيها من المصلين .. في جزر مولاكو في إندونيسيا .. على مرأى ومسمع ودعم من العالم الغربي والأمريكي المتحضر .. أليس من الإرهاب؟!!
من الذي يدعم الأنظمة الطاغية الدكتاتورية العميلة المنتشرة في بلاد العرب والمسلمين .. التي تقهر وترهب شعوبها بفنون من التعذيب والقتل والتنكيل .. أليس أمريكا راعية الإرهاب العالمي ..؟!!
عندما قتل الطاغية الهالك النصيري حافظ الأسد ـ عميل اليهود والأمريكان ـ أكثر من عشرين ألف من أهالي مدينة حماه وفي يوم واحد .. أليس هذا من الإرهاب .. أين كانت أمريكا يومئذٍ وحملتها هذه ضد الإرهاب ..؟!
من الذي ألقى القنابل النووية الذرية .. التي أبادت شعباً بكامله في اليابان وغيرها .. والتي لا تزال آثارها السيئة بادية على الناس إلى الساعة .. أليست أمريكا التي تتزعم اليوم الحرب على الإرهاب .. زعمت ..؟!!
هذه الجرائم الإرهابية وغيرها الكثير الكثير .. لماذا لم نسمع صوتاً لأمريكا وحلفائها من قوى الكفر والنفاق .. ينددون ويتوعدون فيه الإرهاب .. والإرهابيين الحقيقيين ؟!
الجواب ما قلناه من قبل: هو أن الضحايا كانوا من المسلمين .. الدم المسفوك كان دماً إسلامياً رخيصاً لا يستحق من أمريكا والمجتمع الغربي الصليبي المتحضر بيان تنديد للفاعلين .. فضلاً عن أن يشنوا لأجله الحروب كحالهم اليوم!!
ولو صدقت أمريكا ـ ولن تصدق ـ بأنها ستحارب الإرهاب .. ومن يدعم الإرهاب .. أو يأوي الإرهاب .. لحاربت نفسها بنفسها .. لأنها هي أم الإرهاب .. وراعية الإرهاب المنظم الدولي في العالم .. المتمثل ـ بالدرجة الأولى ـ في رعايتها وحمايتها للإرهاب اليهودي الصهيوني في فلسطين، وغير فلسطين ..؟!
وهاهي اليوم تُعلن أمريكا وبكل وضوح عن عزمها ورغبتها في إلغاء العمل بالقانون الذي يحرم الاغتيالات الشخصية .. لاحتياجها إلى الاغتيالات في حملتها الصليبية ضد الإسلام والمسلمين .. أليس هذا من الإرهاب المنظم .. أم أنه يجوز لها مالا يجوز لغيرها ؟!!
هذا وغيره يجعلنا نجزم بأن أمريكا دولة إرهابية محاربة للإسلام والمسلمين أينما كانوا .. بكل ما تعني كلمة المحاربة والإرهاب من معنى.
وبالتالي فإن أمريكا ـ بتاريخها الحافل في الإرهاب .. وفي نصرة الإرهـاب .. وإيواء إرهاب الصهاينة اليهود والدفاع عنهم ـ هي السبب والمسؤولة الأولى لما حصل لها في هذه الأيام .. فجنت على نفسها بنفسها .. وعاقبها الله تعالى من جنس أعمالها بحق الآخرين!
3- فإن قيل أمريكا ليست دولة محاربة .. وإنما هي دولة معاهدة .. تربطها عهود ومواثيق مع المسلمين ..؟!!
أقول: أي عهد وهي ترعى الإرهاب العالمي .. وتشن الحرب تلوى الأخرى على الإسلام والمسلمين ..؟!
أي عهد وهي ترعى وتحمي وتدرب عصابات الصهاينة اليهود في أراضيها .. على اغتيال وقتل وإرهاب المسلمين في فلسطين ..؟!
أمريكا لا يوجد بينها وبين أي مسلم عهد .. إلا مسلم دخل طواعية أراضي أمريكا معاهداً مستأمَنا .. فهذا العهد لا يُلزم إلا شخص المعاهد المستأمَن فقط .. فهو لا يُلزم مجموع الأمة .. أو أحداً غيره من المسلمين .. لأن أمريكا في حرب صريحة مع الأمة كل الأمة ..!
ثم هذا الفرد المستأمَن .. يتعرض للأذى في نفسه وعرضه .. مما يقلل من قيمة هذا العهد الذي بينه وبينهم ..!
فكم من مسلم .. ومسلمة .. اعتدي عليهم في أمريكا .. وفي بلاد الغرب المتحضر .. لمجرد أن سمعوا من الإعلام الذي يهيمن عليه عصابات صهيون .. بأن هذه العمليات وراءها نفر من المسلمين ..؟!
كم من امرأة اعتدي على حجابها وشرفها في الشارع .. من قبل هذا الإنسان الأمريكي .. أو الغربي المتحضر .. فهل هذا من الوفاء بالعهد والأمان ..؟!!
عشرات الآلاف من المسلمين في أمريكا .. وغيرها من بلاد الغرب .. إلى الساعة هم حبيسي بيوتهم لا يستطيعون الخروج من منازلهم خشية الاعتداء عليهم وعلى نسائهم .. فهل هذا من الوفاء بالعهد والأمان ..؟!
وكان آخر ما تناها إلى مسامعي حول هذا الأمر: أن رجلاً خليجياً يمشي في شوارع لندن وبجواره زوجته المتحجبة .. فقام أحد المتحضرين الحاقدين من أبناء البلد .. وكان بيده زجاجة خمر فكسرها وطعن بها وجه ذلك المسلم الخليجي .. فهل هذا من الوفاء بالعهد والأمان ؟!
قد لفت نظري معلق غربي صليبي .. وهو يتهكم على الثياب المهترئة التي يرتديها الإنسان الأفغاني التي توحي ـ على حسب قول هذا المعلق ـ أنه إنسان متخلف يعيش في القرون الوسطى ..!!
ولنا أن نسأل: رغم هذا الحصار الشديد الظالم على أفغانستان وعلى شعب أفغانستان الذي ترعاه وتفرضه أمريكا وحلفائها من دول الغرب .. هل يستطيع أحد أن يثبت أن أحداً من الأمريكيين أو الغربيين العاملين هناك في مجالات الإغاثة وغيرها .. قد تعرض للأذى من قبل آحاد الناس من الأفغان .. رغم أن السلاح متوفر للجميع .. ولا يصعب على أحدٍ تأمينه ..؟!
ما الذي منع هذا الأفغاني الفقير ذي الثياب الرثة أن يعتدي على الإنسان الأوربي الغني .. رغم ظلم الآخر له ظلماً حقيقياً .. واعتداء الآخر عليه وعلى بلاده وأهله، وقوت يومه اعتداء حقيقياً ..؟!
إنه دينه وعقيدته وثقافته التي تعرفه أن للمستأمَن حق يجب أن يُعطاه وإن كان عدوا..؟!
أيهما أكثر تحضراً ورقياً هذا الإنسان الأمريكي أو الغربي ذي الثياب الفخمة الجميلة .. الذي يغدر بالعهد .. ويعتدي على حرمات ونساء المستأمنين .. أم ذلك المسلم الفقير ذي الثياب المهترئة الرثّة .. الذي يُنصف الظالم المعتدي من نفسه؟!
وما قلناه عن أفغانستان وشعب أفغانستان، نقوله عن العراق وشعب العراق .. وعن فلسطين .. وشعب فلسطين ..!
فرغم أن أمريكا وراء جرائم اليهود في فلسطين .. وعلى مدار أكثر من خمسين عاماً .. فهل يعرف أحد أن الفلسطينيين المسلمين قاموا بالتعرض بالأذى لأمريكي واحد أو أوربي زائر مستأمن ..؟!
أنظر الفارق الكبير بين معاملة الأمريكيين والأوربيين السيئة لمسلمي أهل الخليج المستأمنين في بلاد الغرب في هذه الأيام .. وبين معاملة أهل الخليج للأمريكيين والأوربيين الموجودين في بلاد الخليج ..؟!!
الذي نريد قوله: أن الرقي والتقدم وكذلك التخلف لا يمكن أن يُقاس بحسب جمال الثياب وغلائها .. أو بحسب الغنى وكثرة المتاع والاستهلاك للأشياء .. وإنما بالأخلاق والقيم العليا التي يتحلى بها شعب دون الآخر .. وتحكم شعباً دون الآخر!
ونريد القول كذلك: أن هذا المسلم المعاهد المستأمَن في أمريكا وبلاد الغرب الذي يتعرض لصنوف من الأذى والإهانات .. مما يجعلنا نشك بقيمة هذا العهد أو الأمان وبمدى فعاليته وقوته .. أو شرعيته!
4- يجب العلم أن هذه الحملة التي تقودها أمريكا ضد الإرهاب هي في حقيقتها حملة صريحة ضد الإسلام والمسلمين تحت ذريعة حرب الإرهاب والإرهابيين، دل على ذلك أمران:
أولهما: التصريحات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين والغربيين: فهاهو الرئيس الأمريكي جورج بوش يعلنها بكل صراحة ووضوح ـ كما تناقلت ذلك وسائل الإعلام ـ بأنها حرب صليبية ضد الإرهاب .. ستكون طويلة الأمد .. وأن أمريكا غضبت .. ولويل كل الويل لمن تغضب عليه أمريكا وتتسخطه ..!!
وكأن أمريكا هي الرب الذي إذا غضب لا يقوم لغضبه شيء .. وهذا عين الكفر .. والطغيان .. وذروة التكبر والفساد في الأرض .. وما كان كذلك لن يدوم .. وهو أقرب ما يكون إلى الزوال والدمار بإذن الله، كما قال تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً .
وكذلك رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير يعلنها صراحة حيث يقول: يجب على الغرب أن يخوض حرباً ضد الإرهاب ..؟!
لماذا الغرب الصليبي .. لماذا لا يكون الغرب والشرق ..؟!
مما دل أنه يقصد الغرب الصليبي ضد الشرق المسلم مبعث الإرهاب الحقيقي في نظرهم!
دل على ذلك التصريحات المتكررة للمسؤولين الأمريكيين بأن الحرب ضد الإرهاب قد يطال ستين دولة .. من دول الشرق الإسلامي ..؟!!
ثانياً: هذا التبييت المسبق لضرب أفغانستان .. وقبل أن تنتهي أو حتى تبدأ التحقيقات .. فما إن حصل ما حصل إلا وعبارات الوعيد والتهديد تتوجه مباشرة إلى أفغانستان .. تلك الدولة التي تعمل بصدق على إحياء المشروع الإسلامي الشامل لجميع جوانب الحياة .. واستئناف حياة إسلامية في ربوع البلاد .. ولعل هذا مما جعلها الهدف الأول للضربات الأمريكية والغربية..!
وإلا كيف يُفسر هذا الحرص الشديد على إبادة شعب بكامله بجميع مرافق حياته .. من أجل شخصٍ واحدٍ ـ كما زعموا! ـ لم تثبت حتى الساعة إدانته فيما حصل ..؟!
لا يمكن تفسير ذلك إلا أنه حقد صليبي .. وأنها حرب صليبية شعواء على الإسلام والمسلمين .. يرتبون لها منذ أمد!
الهدف الأمريكي ليس أسامة الموجود في أفغانستان .. وإنما الإسلام .. والتجربة الإسلامية برمتها الموجودة في أفغانستان ..!!
وتسليم أسامة للسلطات الأمريكية ـ كما صرح بذلك الأمريكان أنفسهم ـ لا تنهي المشكلة .. ولا ينهيها إلا القضاء الكامل على الدولة الإسلامية الناشئة في أفغانستان !!
5- هذا الحدث الذي حصل في أمريكا يُعتبر فتنة لكثير من أبناء الأمة .. يُعرَف فيه الحق وأهله من الباطل وأهله .. يُعرف فيه المنافق من المؤمن .. ويميز فيه الخبيث من الطيب، كما قال تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ .
فهاهي دول الشقاق والنفاق كلها ومن دون استثناء تتسارع في الإعلان عن تأييدها الكامل لأمريكا في حربها ضد الإرهاب .. أي ضد الإسلام!
فدولة السعودية ـ دولة العقيدة والتوحيد كما زعموا !ـ تعلن بكل وضوح وقوفها الكامل مع أعداء الأمة ضد الأمة .. وتأييدها الكامل لأمريكا فيما تقوم به من حرب للإسلام والمسلمين .. باسم حرب الإرهاب .. زعموا!
وكذلك إيران .. تلك الدولة التي كانت تنادي في كل مناسبة " الموت لأمريكا .. الموت لأمريكا " فلما أمات الله أمريكا .. وأنزل بها سخطه .. صلوا عليها صلاة الغائب .. ووقفوا دقيقة صمت .. مما يجعلنا نجزم أن شعارات التنديد بأمريكا التي كانوا يرفعونها ما هي إلا من قبيل الاستهلاك المحلي .. وتضليل الشعوب .. من أجل ترويج عقائدهم ومذاهبهم الباطلة الضالة بين أبناء الأمة ..!
وهم لم يكتفوا بذلك وحسب .. بل ما إن شعروا باقتراب ضرب أمريكا والغرب لأفغانستان .. إلا وقاموا بإغلاق حدود إيران مع أفغانستان حتى لا يُعطوا فرصة لامرأة أو طفل أو شيخ كبير للنفاد من نيران الضربات الأمريكية .. وما ذلك إلا لأن الشعب الأفغاني شعب مسلم سني لا ينتمي إلى مذهب الرافضة الاثنى عشرية الذي تنتمي إليه إيران ..!
هل كانت إيران ستقف هذا الموقف السلبي لو كانت حركة طالبان حركة شيعية ..؟!
وكذلك القذافي ذلك الطاغية الظالم .. الذي كان دائماً يضحك على شعبه وأمته .. ويتظاهر بأنه ضد أمريكا وظلم أمريكا .. فهاهو يبيح لأمريكا بأن تنتقم لنفسها بالطريقة التي تشاء .. ويأمر شعبه ـ الذي حاصرته أمريكا لأكثر من عشر سنوات! ـ بأن يتبرع بدمه لأمريكا ..!!
ومثله عرفات .. عميل اليهود والأمريكان .. الذي يحرص في هذه الأيام على إخماد وإيقاف الانتفاضة ـ نزولاً عند رغبة الصهاينة والأمريكان ـ ليتفرغ العالم المتآمر على الإسلام ـ بأقل حرج ـ للقتال على جبهة أفغانستان ..!!
هذا على المستوى الرسمي .. أمّا على المستوى الشخصي فحدث ولا حرج:
فهاهو القرضاوي الذي كان يطالب الأمة بأن تقاطع البضائع الأمريكية .. وأن تمسك عن شراء البيبسي والكوكولا ـ يوم أن كان الحديث عن ذلك سهلاً ـ من باب إضعاف وزعزعة الاقتصاد الأمريكي .. فلما ضرب الله اقتصاد أمريكا .. واضطرب اقتصادها .. فإذا هو يناشد الأمة بأن تتبرع بدمها لأمريكا ..!
وكذلك الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى السعودي .. فقد هالنا البيان الذي صدر عنه .. وإليك بعض مقاله .. ويا ليته ما قال!
قال:" فصار الناس إثر ذلك ـ أي إثر انهيار العمارة ـ كأنما القيامة قامت وكأن الفزع فزع قيام الساعة .. وكأنما قامت قيام الساعة!! " ا- هـ.
أقول: قوله هذا فيه استهانة واستخفاف بيوم القيامة .. وبما وصف الله تعالى هول ذلك اليوم العظيم ..!
أتُشبه يا " اللحيدان " إنهيار عمارة .. بقيام الساعة .. وما أدراك ما قيام الساعة: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .
اتق الله يا اللحيدان .. هذه اللغة لا تناسب مكانتك ووظيفتك .. وهي تذكرنا بلغة أهل الشارع من عوام الناس الذين اعتادوا أن يقولوا لأي أمر مفاجئ: كأن القيامة قامت .. والعياذ بالله!!
ثم قال:" ومما أثير عما قد يُقال أو تردد في بعض وسائل الإعلام عن الشعب الأمريكي وما قد يكون ينظر للمسلمين المتواجدين في أمريكا من أصل أمريكي أو من وافدين إليها من العرب أو غيرهم، وهل هذا مما يُقبل عقلاً ؟
ذكرت وأذكر هنا أنه لا يتوقع أن الشعب الأمريكي الذي يقول عن نفسه أنه من أبرز حماة الديمقراطية، وحامل لواء العدل، لا يُعقل أن ينظر إلى مواطنيهم أو ضيوفهم من العرب والمسلمين ومن غير المسلمين من العرب أيضاً لا يمكن أن ينظر لهم الشعب الأمريكي مع ما هو فيه من مناعة وما يفترض فيهم العقل، ومعرفة التجانس، وتذكر ما قد حدث في أيام المحن لا يمكن أن ينظر إلى غير المسيء بنظرة للمسيء؛ فإنه لا يستوي المجرم مع غير المجرم، ولا يحمل مسالم موالي ذنب وجريرة معتد ظالم " ا- هـ.
نراك معجباً بأمريكا ونظامها وشعبها كثيراً .. يا اللحيدان !!
نراك معجباً بالديمقراطية الأمريكية .. وبالشعب الأمريكي أبرز حماة الديمقراطية كما قلت ..؟!!
نراك معجباً بالعدالة الأمريكية التي تنزه شعبها عن ظلم الآخرين ..؟!!
كل هذا الظلم الذي ترعاه أمريكا بحق الشعوب المستضعفة من المسلمين .. الذي يعرفه القاصي والداني .. الجاهل والعالم .. لم تر منه شيئاً ياللحيدان .. حتى تصف أمريكا وشعبها بالعدل والعقل .. وغير ذلك من عبارات الإطراء والمديح ..؟!!
ثم على أمريكا العادلة أن تميز بين المسالم الموالي .. وبين المذنب المعتدي .. كما قال اللحيدان ..!
والسؤال الذي نوجهه للحيدان: هل يجوز عندك للمسلم أن يكون موالياً لأمريكا راعية الكفر والإرهاب العالميين ..؟!!
لم يبق لك إلا أن تطالب المجتمع السعودي ليقتدي بالنموذج الأمريكي حامي حمى الديمقراطية، والعدل، والعقل ..!!
حقاً أنك قاضٍ .. ولكنك قاضٍ على الطريقة السعودية .. وفق ما يمليه عليك حكام آل سعود .. وليس على الطريقة الإسلامية وفق ما يأمرك به الله تعالى .. فقضاؤك يميل مع أهواء ورغبات الساسة المتنفذين ـ وهذا شرط عما يبدو لكي تكون رئيس مجلس القضاء الأعلى! ـ وليس مع الحق الذي يُفترض منك أن تنصره وتنصفه .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
6- فإذا عرفنا ما تقدم فاعلم أنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يدخل في موالاة ونصرة أمريكا أو غيرها من ملل الكفر على أي طرف إسلامي .. تحت أي زعم أو ذريعة كانت .. ومن يفعل ذلك فهو منهم كافر خارج من الملة .. كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
وقال تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ .
وقال تعالى: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً  فهذا لا يمكن أن يكون .. ولا يمكن أن يجتمع إيمان واتخاذهم أولياء في قلب امرئٍ .. لذا أجمع أهل العلم على أن مظاهرة المشركين على المسلمين من الكفر الأكبر، كما نقل ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وغيره من أهل العلم.
7- يجب على جميع المسلمين ـ وكل بحسب طاقته واستطاعته ـ أن يمدوا يد العون والغوث، والنصرة إلى أي طرف إسلامي تعتدي عليه أمريكا وحلفاؤها ..!
وهذا واجب شرعي لا مناص للمسلم أن يتفلت منه .. أو يتنكب عنه، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" المسلمون يد على من سواهم، يرد مُشدُّهم ـ أي قويهم ـ على مُضعفهم ".
وقال :" المؤمن من أهلِ الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان، كما يألم الرأس لما يُصيب الجسد ".
وقال :" ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ".
وقال :" المؤمنون كرجل واحدٍ إذا اشتكى رأسَه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى عينَه اشتكى كلُّه ".
وقال :" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه .." أي لا يُسلمه للظلم والقهر والعدوان ..!
هذا نداء النبي  لك يا عبد الله يا مسلم .. فلا تلتفت عنه إلى نداءات أهل النفاق والشقاق والإرجاف ـ مهما تظاهروا لك بالعلم أو الحكمة .. واتسع صيتهم وذكرهم في الأمصار ـ ممن أشربوا في قلوبهم حب الطاغوت .. فتهلك وتخسر دنياك وآخرتك، كما قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبها صبراً واحتساباً
30/6/1422 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
18/9/2001 م. أبو بصير

رد مع اقتباس
  #53  
قديم 28-05-2005, 12:43 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

أيها الاخوة ..... مضى ذلك اليوم – يوم عاشوراء – الفاضل المبارك الذي كان يوما من أيام الله تعالى , نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه {{ إن في ذلك لآيات للمتوسمين }} . ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن صامه وتُقُبل منه صيامه , إنه على كل شيء قدير .

في هذه الليلة .. ليلة الحادي عشر من شهر الله المحرم من سنة 1413 للهجرة ينعقد هذا المجلس المبارك في هذا المسجد بحي الإسكان بمدينة جدة . وعنوان هذه المحاضرة هو حقيقة التطرف. وقد عولج هذا الموضوع كثيرا بأسماء شتى سواء في محاضرات أو دروس أو في كتب قديمة أو جديدة ، ولعلي أذكر من الكتب القديمة التي عالجت جانبا من هذا الموضوع كتاب الإمام الشيخ ابن تيميه- رحمه الله - : اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ، فقد عالج فصولا من ذلك في غلو اليهود والنصارى وغلو هذه الأمة . أما من المعاصرين فإنني أشيد بكتاب ضخم صدر أخيرا بعنوان : الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة للأستاذ عبد الرحمن اللويحق ، وهذا الكتاب هو بحق من أنفس وأحسن وأجمع ما كُتِبَ في موضوع الغلو ، وسأتحدث عن هذا الموضوع في نحو ست نقاط .

الأولى : لماذا نناقش هذا الموضوع وما مناسبة طرحه في هذه الظروف بالذات ؟ فأقول ...

أولا : لأن الغلو أو ما يسمونه بالتطرف أحيانا هو واقع لا شك فيه , ولا يمكن تجاهله , و
ليس يجوز أن يكون انزعاجنا هو من الحديث عن الأخطاء أو المشاكل ، بل يجب أن يكون انزعاجنا من وجود الأخطاء أو من وجود المشاكل في المجتمع المسلم , ولهذا لست أرى حرجا قط في نقد مظاهر الانحراف في المجتمع الإسلامي بل وفي نقلها علانية وأمام المسلمين خاصتهم وعامتهم . وفي الحديث الذي رواه مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) والنصيحة تـقـتضي بأن نتصارح بأخطائنا وعيوبنا سواء كانت أخطاء الخاصة أو أخطاء العامة ، اللهم إلا أن تكون تلك الأخطاء أخطاء شخصية فحينئذ ينبغي أن تكون النصيحة فيها بينك وبين الشخص الذي صدر منه الخطأ .

ثانيا : هذا الموضوع تناوله الكثير , تحدث عنه الغرب الكافر وأطلق مصطلح الأصولية , تحدث عنه العلمانيون عبر أجهزة الإعلام من صحافة وغيرها وأطلقوا مصطلح التطرف , وتحدث عنه غير المتخصصين سواء كانوا في المراكز العلمية أو في أجهزة الإعلام أو في غيرها ، فوجب على حملة العلم الشرعي أن يتناولوا هذا الموضوع أيضا ، ولعلي أذكر لكم نموذجا واحدا فقط لمن يتحدثون في مثل هذه الأمور . قبل يومين قرأت في جريدة الحياة مقابلة مع إحدى المغنيات اللبنانيات الشهيرات , وهي في فرنسا تتجول في مسارحها ونواديها للتحكيم في بعض المسابقات الفنية , فسألوها أخيرا عن أن هناك بعض الفنانات والممثلات يعتزلن الغناء والتمثيل والفن باعتقاد أنه محرم .. فقالت هي : " أبدا الفن مش حرام وعمره ما كان حرام " , فهذه فتوى نشرت بالخط العريض تدل على أنه تكلم في مثل هذه الأمور كل أحد , وحق على أهل الإسلام وحملة الدعوة أن يتكلموا عنه .

أحرام على بلابله الدوح ****** حلال للطير من كل جنس

ثالثا : أن هذا الموضوع يتجدد عرضه مع كل حدث ، فمثلا عند مقتل الرئيس المصري السابق طُرحت قضية ما يسمى بالتطرف على أوسع نطاق ثم سكنت قليلا . في أحداث أفغانستان طُرحت , في سقوط الاتحاد السوفييتي طُرحت , في أحداث الخليج طُرحت ، في قيام الانقلاب في ثورة الإنقاذ في السودان طُرحت ، في أحداث الجزائر طُرحت ، وهكذا صارت تطرح في كل مناسبة ويتسامع الناس عن هذا وربما يكون الكثير من عامة الناس يأخذون معلوماتهم عن هذا الموضوع من خلال أجهزة الإعلام .


النقطة الثانية : الحديث عن المصطلح


التطرف كلمة وردت في العنوان , وهذا في الواقع مصطلح صحفي وإن كان صحيحا من حيث اللغة - يعني أخذ الشيء من الطرف - لكنه ليس من الألفاظ الشرعية . فهو لم يرد في القرآن ولا في السنة النبوية وإنما هو مصطلح صحفي أكثر من يستخدمه العلمانيون غالبا دون أن يلتزموا بالموضوعية في هذا المصطلح ؛ فهم لم يحددوا أولا ما هو التطرف وما معنى التطرف ؟ بل لا يريدون أن يحددوا له معنى , يريدون أن يبقى لفظ التطرف لفظا غامضا سيالا فضفاضا يحاولون إضفاءه وإلصاقه في خصومهم , سواء كانت خصومة سياسية , أو فكرية , أو شرعية دينية , أو حتى خصومة شخصية أحيانا . وهم أيضا لا يريدون أن يكون لهذا المصطلح معنى خاص حتى يسهل عليهم تقليبه كيف شاءوا , فهم اليوم يصفون به هذه الجهة وغدا يصفون به تلك الجهة , واليوم يصفون هؤلاء بالتطرف وغدا يبعدونه عنهم ويصفونهم بالاعتدال . لماذا ؟ لأن لفظ التطرف لفظ غامض فضفاض في استخدامهم .

ففي نظر هؤلاء مثلا يمكن أن يوظف مصطلح التطرف أحيانا في مواجهة بعض المواقف السياسية , فالذين ينتقدون الصلح مع إسرائيل هم متطرفون ولذلك وجدنا مجلة كالوطن العربي تنبز منظمة حماس الإسلامية الفلسطينية !! تنبزها بأنها منظمة متطرفة ، لماذا ؟ لأن موقفها من قضية السلام موقف واضح وصريح أنها ترفضه وتعتبر أن المشاركة في مؤتمرات السلام خيانة لقضية الأمة الإسلامية . وبالأمس القريب كانت منظمة حماس عند هؤلاء وغيرهم رمزا من رموز المقاومة الوطنية الناضجة التي كانت تقاوم الاحتلال الصهيوني الغاشم ، هكذا كانت عباراتهم . فبين عشية وضحاها تحولت من منظمة وطنية ومنظمة مقاومة و . . و. . . تحولت إلى منظمة متطرفة . وهكذا يبرز جانب التحالف الجديد بين العلمانيين الذين كانوا بالأمس في موقف المعارضة في الغالب فتحولوا اليوم أمام خطر ما يسمونه هم وغيرهم بالتطرف الديني , تحولوا إلى موقف التحالف مع القوى الأخرى مع السلطات ومع الغرب ومع غيرهم وسأزيد هذه النقطة وضوحا في التي بعدها . إذن قد يوظف التطرف أحيانا أو ما يسمى بذلك في مواجهة بعض المواقف السياسية .

أحيانا يوظف في مواجهة بعض المواقف السلوكية . ففي نظر العلمانيين مثلا - من الصحفيين وغيرهم - الذي يلتزم بالسنة في صلاته ، في لباسه في تجنبه للمحرمات , في حجاب زوجته , في هيئته , في سواكه , في تجنبه للربا , في تجنبه للفحش , في تجنبه للغناء ، هذا يعتبر عندهم محسوبا على المتطرفين . وكثيرا ما ترسم الكاريكاتيرات في الصحف الساخرة من أصحاب اللحى الطويلة وأصحاب الثياب القصيرة ، فكأن هذا عندهم هو رمز التطرف . فمثلا في جريدة صوت الكويت - لا حياها الله - رسمت في أحد أعدادها القريبة رجلا له لحية كبيرة وكأنها كيس
كبير يحمله , وهذه اللحية مرسومة على شكل مسدسات – إشارة إلى أنه إنسان إرهابي -
وفي يده جريدة تعلن اغتيال رئيس المجلس الأعلى في الجزائر بوضياف وهذا الرجل يقول : اللهم احمنا من الإرهاب . وفي عدد آخر من الجريدة نفسها صورت إنسانا كثيف الحاجبين , شاربه محلوق , لحيته ضخمة طويلة تصل إلى نصف الساق تقريبا , وثوبه قصير وفي يده مسبحة ، هذه المسبحة هي عبارة عن عقود من القنابل .. فيرتسم في ذهن السذج والبسطاء والمغفلين ترتسم هذه الصورة بالإرهاب ، بالتطرف , بالعنف , برفض الحوار , دون أن يتحدثوا ودون أن يستخدموا أسلوب النقاش الهادئ العلمي الموضوعي الذي يتحدثون عنه ، لكن من خلال صورة بذيئة غير مؤدبة . وبطبيعة الحال فإن الموصومين بما يسمونه بالتطرف لا شك أن منهم من يلتزم بالمظاهر الإسلامية فيعفي لحيته مثلاً أو يقصر ثوبه , لكننا نعرف الخلفية التي يستبطنها أولئك الصحفيون وهم يتحدثون أو يرسمون . لا نعرفها من باب الرجم بالغيب فالغيب
لله ولكن نعرفها من مواقف أخرى واتجاهات ومناهج يحاولون أن يجروا كل دعاة
الإسلام لتصنيفهم تحت عنوان التطرف ومن ثم يحذرون المجتمعات من خطورتهم .

فمثلاً جريدة الشرق الأوسط - ومع الأسف أنها محسوبة على هذه البلاد - تعتبر الجبهة الإسلامية
في الجزائر أصوليين متطرفين , وأهل السودان أصوليين متطرفين , وأهل اليمن أصوليين
متطرفين , وأهل الأردن أصوليين متطرفين , بل وكثيرا من أهل هذا البلد أصوليين متطرفين , وحزب النهضة في تونس أصوليين متطرفين في نظر جريدة الشرق الأوسط . ولهذا قال أحد الكاتبين في جريدة المدينة قال : ( إن الشرق الأوسط صورت ما يسمى بالجماعات الإسلامية كلها وكأننا نعيش في غابة من الوحوش لا هم لها إلا القتل والتفجير والحرق والتدمير وغير ذلك ) . وأقول هذا الوصف الذي أطلقته " خضراء الدمن " على الجماعات الإسلامية وعلى دعاة الإسلام لم تظفر به كل المجتمعات البشرية !! حتى اليهود لم تصف مجتمعاتهم بذلك , بل وصفت مجتمعات اليهود بأن فيها صقوراً وحمائم , وأن فيها معتدلين , وأن فيها منادين للسلام ؛ ولم تصف الصرب الذين دمروا المسلمين في البوسنة والهرسك بهذا الوصف قط ؛ ولم تصف الصليبيين في أي بلد في العالم بذلك , ولا الشيعة , ولا البعث , ولا غيرهم . وقد حشرت في هذا تناقضات تمتد ما بين النواب الأردنيين الذين دخلوا البرلمان الحكومي , والجبهة القومية في السودان التي يقول " مورفي " - وهو مراسل لإحدى الصحف الأمريكية في الشرق الأوسط - يقول عن أحد زعماء الجبهة في السودان : ( إنه منظر إسلامي فذ , لكنه أصولي يعرف جيداً كيف يستغل الظروف ويستخدمها لصالحه , وهو قادر على التأقلم مع الواقع - لاحظ الألفاظ - ويرضى بمهادنة الأنظمة بدون أن يتخلى عن مطالبه ) ثم يقول : ( إن الترابي – وهو المقصود بحديثه السابق - بدأ يعلم تلاميذه شكلا آخر للأصولية الإسلامية يمكنهم من التعايش مع الآخرين , والتأقلم مع المتغيرات والتطورات , ويجنبهم العزلة , في الوقت الذي يلتزمون بالخطوط العريضة لأفكارهم ) .
أولا : لا أحد يستطيع أن يمدح الترابي ولا غيره بأفضل من مثل هذا الكلام – أنه يحافظ على أصوله ومبادئه ومع ذلك عنده قدرة على : التأقلم مع الظروف , والمتغيرات , ومع الآخرين , وأسلوب للحوار النقاش الهادئ . ثانياً : هذه شهادة من رجل نصراني غربي يحمل في الغالب عداوات النصارى للمسلمين ومع ذلك وصف الرجل بأنه يتأقلم مع الظروف وانه يحسن معايشة الأوضاع ، فكيف تأتي صحف كالشرق الأوسط أو غيرها لتصفهم بالتطرف والأصولية والوصولية ؟

كما حشرت الشرق الأوسط التجمع اليمني بقيادة الشيخ " عبد المجيد الزنداني " ضمن المتطرفين , واعتبرت أن التجمعات والمخيمات التربوية العلمية التي تقام في اليمن أنها مراكز لتخريج المتطرفين وتدريب الإرهابيين دون أن تقدم على ذلك دليلاً واحداً ، ونسيت هذه الجريدة أنها تتكلم عن واقع لا يفصلنا عنه سوى كيلوميترات قليلة , وأن التحقق من هذه الأحوال والأخبار أمر ميسور ، لكن في حمى العداوة الشخصية و السياسية نسيت كل شيء وأصبحت تتكلم بمثل هذا الأسلوب .

كما شمل هذا اللفظ حزب النهضة التونسي , وهو من أكثر الاتجاهات الإسلامية تسامحاً بل رخاوة في أفكاره وفي مصطلحاته وفي علاقاته . أما الجماعات الإسلامية في مصر فحدث ولا حرج . بل حتى المجاهدون الأفغان صنفوا الآن ضمن المتطرفين وخرجت علينا مطبوعات عدة تحذر منهم ومن الشباب العربي المسلم العائد من هناك ... أصوات تحذر من هؤلاء لم نسمعها يوماً من الأيام تحذر من الشباب العائد من " بانكوك " والذي يحمل جرثومة الإيدز !! في صحف محلية في هذه البلاد , ومع الأسف أن يتورط في هذا الأمر مطبوعات وصحف محلية كان يجب عليها عل الأقل أن تجامل العلم وأهل العلم في هذه البلاد التي هي محط أنظار المسلمين في كل مكان .

على أي حال مقصودي من هذا الاسترسال أن أقول أن هذه الصحف وهذه الوجوه لا تتحدث عن فئة بعينها , لا , ولكنها تتذرع بالحديث عن التطرف إلى شفاء غليلها والتـنفـيـس عن أحقادها وعداواتها من حملة رسالة الإسلام حتى ولو كانوا معـتدلين , بل حتى لو كانوا مفرطين متساهـلين !!

وقد يوظف لفظ التطرف أحيانا ضد مواقف عقائدية مبدئية ، فمثلاً الذي يطلق على النصارى لفظ " كفار " يعتبر عند بعضهم متطرفاً ، والذي يتحدث عن الحكم الإسلامي والدولة الإسلامية يعتبر متطرفا ، لماذا ؟ لأن هؤلاء يقولون أن الإسلام لم يطبق أبداً حتى في عهد الخلفاء الراشدين - وهذا كلام فرج فودة في كتابه " الحقيقة الغائبة " الذي دفع حياته ثمناً لهذا الكتاب - يقول ما معناه : ( إن الإسلام حلم وخيال ولم يطبق على محك الواقع يوماً من الدهر ) !! ولذلك فالذين ينادون بالحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية هم من المتطرفين , والذي يدعو إلى مخالفة المشركين في هديهم وسلوكهم وأعمالهم وأعيادهم هو من المتطرفين , والذي ينادي بتصحيح عقائد المسلمين وأحوالهم وأخلاقهم على ضوء الكتاب والسنة هو من المتطرفين , وهو من الذين يدعون إلى الحجر على العقول وتعطيلها .

إحدى الصحف مثلاً نشرت أيضا كاريكاتير هو عبارة عن صورة لرجل ملتحٍ وضع خده على يده يفكر , فبصر به أحد أقاربه - ممن يسمونهم بالمتطرفين – فجاء إلى أمير الجماعة - كما يقولون - يقول له : " إني رأيت فلاناً قد وضع خده على يده بمعنى أنه قد بدأ يفكر , ومن فكر كفر فأنا أقترح تصفيته جسدياً " - يعني قتله - وهم بذلك يريدون أن يوصلوا إلى القارئ والمشاهد رسالة أن هؤلاء لا يفكرون ويحجرون على العقول وأنهم يتعاملون دائماً وأبداً مع خصومهم بأسلوب القتل والإرهاب والتصفية الجسدية .

أما الغرب فإنه يستخدم بدلا من لفظ التطرف لفظ الأصولية , وهو في الأصل مصطلح نصراني يطلق على أحد المجموعات النصرانية التي تلتزم بحرفية الكتاب المقدس عندهم التزاماً صارماً ، وقد نشأت في ظروف وأوضاع خاصة . وقد حاول هؤلاء أن يبحثوا عن أوجه شبه بين هذه الفئة من النصارى وبين دعاة الإسلام أو بعضهم ومن ثم نقلوا المصطلح إلى الشرق . هو مصطلح غربي له ظروفه وملابساته الخاصة , وإن كانت الصحف العلمانية لا تتورع عن شيء في نفث أحقادها ، فإنها تستخدم كل مصطلح وتعده وسيلة أو سلاح ضد دعاة الإسلام . وقد أصدر " سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز " بياناً منذ زمن نشر في الصحف يحذر فيه من هذا المصطلح , ويبين ما يقصد به ويدعو إلى تجنبه وإلى العدل في الأقوال والأعمال .

إذن قد يطلق لفظ التطرف وقد يطلق لفظ الأصولية وكلها كلمات باطل أريد بها باطل في الغالب .


النقطة الثالثة : المعنى الشرعي


اللفظ الشرعي في مقابل هذا وذاك هو لفظ الغلو , وقد جاء هذا اللفظ في كتاب الله عز وجل في مواضع كثيرة . قال الله عز وجل : {{ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق }} , وقال سبحانه : {{ قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قومٍ قد ضلوا من قبل وأضلّوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل }} . كما جاء هذا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً , ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنه لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم جمرات أمره أن يلقط له حصى صغارا , وقال : ( بمثل هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) . ولذلك فالأفضل عند الاستخدام , استخدام المصطلحات الشرعية وتجنب المصطلحات الغربية أو المصطلحات العلمانية المحدثة التي أصبح لها جرس ورنين في آذان مستمعيها , وأصبح لها انطباع في عقولهم يصعب التخلص منه , ومع ذلك فإنه ليس لها معنى خاص يمكن فهمه ومعرفته . وهذا لا يعني أيضاً أن استخدام المصطلح الشرعي ينهي المشكلة , فنحن نجد أن هناك من يرمي بالغلو أقواماً ما جاوزوا الحد ولا تعدوا الحق لمجرد مخالفته لهم في المنهج أو في الطريقة , أو جهلاً منه بما هم عليه , أو حسداً من عند نفسه , أو لأي سبب آخر .

ومن أمثلة ذلك مثلا : ما نعلمه جميعاً عن خصوم الدعوة الإسلامية السلفية في هذه البلاد أنهم يطلقون عليها لفظ لفظ الأصولية ولفظ التطرف وغير ذلك من الألفاظ , وهم ما فتئوا ينبزونها بالألقاب بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير .

ومعنى الغلو هو مجاوزة الحد ، والحد هو النص الشرعي : كلام الله عز وجل أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم . والواجب على المسلم أن يكون وقافاً عند حدود الله تعالى : {{ فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرسول }} , وإذا بحث المسلم مسألة وجب عليه أن يجمع النصوص القرآنية والنبوية فيها ويألف بينها على وجه لا يضرب بعضها ببعض , ولا يأخذ نصاً ويهمل غيره . أما الغلاة فيضربون بعض النصوص ببعض أو يقتطعون نصاً يلائم غلوهم ويسكتون عما عداه .

والغلو نوعان : غلو اعتقادي كغلو النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام , أو غلو الرافضة في علي والأئمة الإثني عشر , أو غلو الخوارج أيضا في تكفير أهل الإسلام بالمعاصي والذنوب كبيرها وصغيرها . ومن الغلو أيضا في الاعتقاد ما أشار إليه الشاطبي وهو : ( الغلو في بعض الفروع بتنزيلها منزلة الأصول ، إذ إن المعارضة الحاصلة بذلك للشرع مماثلة للمعارضة الحاصلة للشرع بأمر كلي ) . أما القسم الثاني فهو : الغلو العملي , وهو المتعلق بالأمور العملية التفصيلية من قول اللسان أو عمل الجوارح مما لا يكون فرعاً عن عقيدة فاسدة . ومن أصح الأمثلة على ذلك , رمي الجمار بالحصى الكبيرة مثلاً , فإن النبي صلى الله عليه وسلم عده غلواً كما في حديث ابن عباس السابق ، هو غلو عملي لا يترتب عليه اعتقاد ، ومثله المبالغة في العبادة كما يحدث عند بعض الفرق الصوفية التي تبالغ في العبادة وتزيد فيها عما شرع الله عز وجل ، كوصال الصوم أبداً وقيام الليل كله وما أشبه ذلك . ولا شك أن الغلو الاعتقادي هو الأخطر لأنه هو النقطة التي تشعبت عندها الفرق المختلفة في الإسلام وبزغت عندها الأهواء واختلفت عندها العقول والقلوب ثم سلت السيوف ثم سالت الدماء . .


النقطة الرابعة : أسباب الغلو


وهذا موضوع مهم جداً . هذه ظاهرة ليست جديدة بل هي موجودة منذ على ما يزيد على ألف وثلاثمائة سنة ، فلنبحث ما هي أسباب هذا الغلو أو التطرف كما يسمونه :

أولاً : الجهل .. بعدم معرفة حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم , ومن ثم يندفع الإنسان وراء عاطفته قد يكون هذا الإنسان غيوراً ، قد يكون معظماً للحرمات , قد يكون شديد الخوف من الله عز وجل ، فإذا رأى إنسانا يعصي ولو كانت معصية صغيرة ... لم يطق أو يتصور أن يكون هذا الشخص مسلماً أو مغفوراً له أو من أهل الجنة لشدة غيرته ، فأدى ذلك إلى لون من الغلو . أو يكون عنده محبة لرجل صالح وأصل هذه المحبة مشروع ولكن هذه المحبة بسبب الجهل زادت وطغت حتى وصلت إلى درجة الغلو في هذا الإنسان ورفعه فوق منزلته .

والجهل يزول بالعلم ، ولهذا كان كثير من الخوارج الأُوَل يرجعون عن بدعتهم بالمناظرة ، بل رجع منهم على يد عبد الله ابن عباس رضي الله عنه لما أرسله علي ابن طالب للمناقشة المناظرة , رجع منهم في مجلس واحد أكثر من أربعة آلاف إنسان . وهكذا في عهد عمر ابن عبد العزيز – الخليفة الراشد - رضي الله عنه نوقشوا فرجع منهم ما يزيد على ألفي إنسان في مجلس واحد . ولهذا الجهل - في الواقع - من أسهل الأسباب لأنه سرعان ما يزول بالعلم والتعليم .

قد يكون الجهل جهلاً بالدليل لعدم الاطلاع عليه أو عدم معرفته . وقد يكون جهلاً بطرق الاستنباط , جهلاً باللغة العربية مثلاً , جهلاً بطرق استنباط الحكم من هذا الدليل آية كانت أو حديثاً نبوياً .

السبب الثاني : الهوى المؤدي إلى تعسف التأويل ورد النصوص . قد يكون الهوى لغرض دنيوي من طلب الرياسة أو الشهرة أو نحوهما . وقد يكون الهوى لأن البدعة والانحراف والباطل سبق إلى قلب الإنسان وإلى عقله واستقر فيه وتعمقت جذوره ورسخت وكما قيل :

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا

فيعز على الإنسان حينئذ أن يتخلى عنه ويقر على نفسه بأنه كان متحمساً للباطل مناوئاً للحق , فيتشبث بخطئه ويلتمس له الأدلة من هنا وهناك . وقد يكون الهوى لأن هذا الإنسان الغالي ذو نفسية مريضة معتلة منحرفة ، فهي تميل إلى الحدة والعنف والعسف في مواقفها وآرائها وتنظر دائماً للجانب السلبي ، الجانب المظلم في الآخرين ، وقد يشعر صاحبها بالعلو والفوقية وغير ذلك دون أن يدرك ذلك من نفسه أو يقر أو يعترف به . وقد يحس بأنه أتيح له في وقت يسير وفي وقت مبكر من العلم والفهم والإدراك ما لم يتح لغيره في أزمنة طويلة ، ومن هنا تتبخر الثقة بالعلماء المعروفين والدعاة المشهورين ويستقل الإنسان بنفسه وبرأيه , فينتج عن ذلك الشذوذ في الآراء والمواقف والتصورات والتصرفات .

السبب الثالث : أحوال المجتمع . فمن الخطأ الكبير أن نعتقد أن المتطرف شجرة نبتت في الصحراء , لا , هو فرع عن شجرة وهو جزء من مجتمع عاش فيه , ولهذا المجتمع في نفسه وتفكيره وعقله أعظم الأثر . فمثلاً : التطرف في الانحراف يؤدي إلى تطرف مقابل سواء الانحراف الفكري أو الانحراف العملي . ولذلك فالذين يجرون المجتمعات الإسلامية إلى الفساد والانحلال الخُلُقِي هم في الحقيقة من المتسببين في حصول الغلو , وإن أعلنوا الحرب عليه وعلى ما يسمونه بالتطرف إلا أنهم من أول المتسببين فيه . فمظاهر الرذيلة في المدرسة والجامعة والشارع والشاطئ والمتجر والحديقة والشاشة والإذاعة وغير ذلك , إذا أقرها المجتمع وسكت
عنها فإنه يجب عليه أن يستعد للتعامل مع أنماط كثيرة من الغلو . هذا إذا كان دور المجتمع هو فقط السكوت عنها , فما بالك إذا كان دور المجتمع بكليته هو تشجيع مظاهر الانحراف ودعمها وحمايتها وحراستها وتبنيها , سيكون الأمر ولا شك أخطر . وقل مثل ذلك في الأوضاع الثقافية والإعلامية ؛ فمحاصرة فكرة من الأفكار مثلاً وإغلاق منافذ التعبير والكلام أمامها , سواء الصحيفة أو الإذاعة أو التلفاز أو غير ذلك هو سبب لأن تتبلور لدى هذه المجموعة فكرة الغلو أحيانا أو على الأقل فكرة المواجهة والسعي لإثبات الذات . ومن الغريب جداً أن الإعلام العربي
خاصة , يتهم بمن يسميهم بالمتطرفين بأنهم لا يتسامحون مع غيرهم , أو أنهم يسعون لإسكات الأصوات الأخرى التي تخالفهم , مع أننا نعلم أن هؤلاء الناس لا يملكون شيئاً أصلاً ، لا يملكون أجهزة الإعلام ولا يملكون الصحافة ولا يملكون المنابر , بل الكثير منهم لا يملك حق الاجتماع بعشرة أو أقل من هذا العدد ، فكيف يقال عنهم أنهم يغلقون منافذ التعبير عن غيرهم ؟ والواقع أن هذا الإعلام المهيمن هو الذي أصبح حكراً باتجاه معين أو مذهب خاص أو طائفة محدودة , وأصبح يبخل على الآخرين ببضعة أسطر أو ببضع دقائق فضلاً عن أن يساويهم بغيرهم في كافة الأجهزة الإعلامية ؛ فقد صودرت الآراء النزيهة المعتدلة فضلاً عن الآراء الغالية أو المتطرفة , ومثل هذا الوضع لابد أن يولد آلافا من الأمراض في المجتمعات .

أحد الدعاة المعروفين اعتذرت صحف دولة بأكملها عن نشر بعض مقالات له مهما كان مضمون هذه المقالات بسيطاً وعادياً وبعيداً عن الإثارة ، المهم ما دامت المقالات ممهورة باسم فلان فإن نشرها متعذر !! وهذا إن كان سياسة عامة فهو مشكلة كبيرة , وإن كان اتفاقاً أو أمراً حصل بالاتفاق والصدفة فهو مشكلة أكبر إذ إنه يدل على أن المتنفذين في الصحافة وأجهزة الإعلام العربية هم نسخة مكررة عن بعضهم .

وقل مثل ذلك أيضا بالنسبة للأوضاع السياسية , فإن الكبت والتسلط والقهر لا يمكن أن يؤدي إلى قتل إنسانية الشعوب والقضاء على كرامتها , لا , ولكنه يؤدي مع الزمن إلى أن تفقد الثقة بقياداتها ثم تعمل في الاتجاه المضاد وتعتبر هذه القيادات ضد مصالح الأمة وأنها عقبة في سبيل الإنجاز لابد من تجاوزها . ومن تناقضات الإعلام هنا أيضاً أن يستنكر الإعلام عمليات الاغتيال التي تمارسها بعض الجماعات الإسلامية أو تنسب إليها أحيانا , ويعتبر أن هذه العمليات جرائم نكراء على حين أنه لا يستنكر الاغتيالات العلنية التي تمارسها كثير من الأنظمة ضد أفراد , بل ضد جماعات , بل ضد شعوب بأكملها . " تونس " مثلاً كنموذج ، يوجد في سجونها ما يزيد على ثلاثين ألف , يعانون ألواناً من مصادرة الإنسانية جعلت منظمة حقوق الإنسان - وهي منظمة دولية غربية ليست إسلامية بل نصرانية - جعلت هذه المنظمة تصدر تقريراً مزعجاً مخيفاً عن حقوق الإنسان المسلم في سجون تونس – الرجال والنساء - ليس هذا فحسب , بل أصبح الإنسان العادي في الشارع مصادر الكرامة . مناهج التعليم يبعد عنها كل ما يتعلق بالإسلام . الإعلام يحارب الإسلام صباح مساء , حتى أنه لأول مرة تخرج مسرحيات محلية في هذا البلد المنكوب فيها لقطات عارية متكررة تتاجر بالجنس وإثارة الغرائز . والبلد - بلد الزيتون وبلد الجهاد والمجاهدين - أصبح يقدم نفسه للعالم الغربي والعالم الإسلامي بهذه الصورة . ولم نجد من تلك الصحف استهجانا لهذا العمل الذي هو اغتيال لشعب بأكمله أو اغتيال لمجموعات كبيرة من الناس ، فضلاً عن اغتيال جماعات أو أفراد .

إنني أقول أحكام الإعدام التي تسمعون ونسمع عنها نوعان : الأول حكم بالإعدام يتخذ القرار فيه بالمسجد , وينفذ بطريقة سرية . وهذا لا شك يستهدف بعض الرموز المنحرفة فكرياً كما حصل لفرج فودة مثلاً ، أو بعض الشخصيات السياسية أو غيرها كما تعرفون في مصر والجزائر وسواها . وهذا سواء كان الذين اتخذوه من أفراد الجماعات الإسلامية أو غيرهم , إلا انه يمثل جانباً كان على تلك الصحف وهي تعرضه أن تعرض النوع الثاني من أحكام الإعدام . وهو أحكام الإعدام التي تتخذ قراراتها في محاكم صورية ( مدنية أو عسكرية ) وتنفذ بطريقة علنية . والعجيب أن يُستَنكر الأول ولا يُستنكر الثاني ، وكلهم بشر !! قُتِل ضابط أمن في مصر فكتبت الصحف المصرية كثيرا عن هذا الضابط , وتكلمت عن زوجته التي كانت تنتظره بفارغ الصبر , وتكلمت عن أطفاله الذين يقلبون عيونهم ببراءة ويقولون : ( أين بابا ؟ متى يأتي بابا ؟ ) فتذرف عيون أمهم دمعات حارة ساخنة . ترحمت الصحف على هذا الضابط و تكلمت عنه وحركت المشاعر باتجاهه ، وأنا أقول حسناً هذا الذي قلتم وهذا الذي فعلتم ... ولكن أولئك الذين قتلوا , قتلهم هذا الضابط أو غيره أو سجنهم وأهدر إنسانيتهم وكرامتهم في السجون والمعتقلات , أليسوا بشراً ؟ أليس لهم زوجات ينتظرنهم وراء الأبواب ؟ ألم تُسكب دموع كثيرة في انتظار مجيئهم الذي لم يحدث ؟ أليس لهم أطفال في عيونهم براءة يتلفتون يمنة ويسرة ويقولون : ( أين بابا ؟ متى يأتي بابا ؟ ) أليس ورائهم قلوب تحن إليهم وتشتاق للقياهم وتحزن لفقدهم ؟ ما بال هؤلاء يكيلون بمكيالين ؟ هل هم يعتبرون هؤلاء من غير المجتمع ، من غير الأمة ؟ أليسوا بشراً ؟ على الأقل يعترفون لهم بالإنسانية والبشرية . إننا إذا أجزنا للصحافة أن تستنكر الاغتيالات التي تتخذ قراراتها أحياناً في المساجد , فإننا نوجب عليها أيضاً أن تستنكر الاغتيالات التي تتخذ قراراتها محاكم أو مجالس نيابية أو وزارية أو سواها . إذن فالأوضاع السياسية من أسباب الغلو .

وقل مثل ذلك أيضا في الأوضاع الاقتصادية كالاستئثار بالثروات والمؤسسات والشركات ووجود طبقات محرومة من الناس تعيش دون مستوى الفقر إلى مستوى الإعدام لا تجد لقمة العيش ولا تملك شيئاً قط ، مع أن مصدر الثراء لأولئك الأثرياء ليس هو الكسب الحلال المشروع وليس هو العمل المنتج , بل هي الطرق غير المشروعة : كالرشوة مثلاً أو المحسوبية أو استغلال النفوذ أو غير ذلك ، أما سوى هؤلاء فلا يمكن أن يحصل على المال إلا عن طريق التسول وإراقة ماء الوجه وإهدار إنسانيته وكرامته . ولا حاجة أن أضرب مثلاً بعيداً فأنتم الآن جميعاً تسمعون أخبار الفضائح في الجزائر , إذا تخاصم اللصان ظهر المسروق وأصبح كل طرف يلقي باللائمة على الآخر ويقول فلان سرق كذا وفلان سرق كذا ، وأصبحت الأرقام تقدر بمئات الملايين من الدولارات في بلد فقير يعيش العشرة منه أحياناً في غرفة واحدة , يسكنون فيها لا يجدون غيرها وعشرات الآلاف من الشباب يتسكعون في الشوارع بلا عمل . حتى الإعانات التي تذهب إليهم هناك من دول عديدة غربية وشرقية لا يزال الشك يساور الكثيرين كيف صرفت تلك الإعانات وما هو مصيرها ؟؟

هذه الأحوال كلها فضلاً عن غياب دور العلماء وتردي الأمة في التبعية الفكرية والسياسية والعسكرية للغرب وتسخير أجهزة الإعلام لتغيير هوية الأمة ومسخ عقولها وتبديل دينها , بما في ذلك السخرية بالدين والسخرية بالمتدينين وتقديم النماذج المنحرفة من الفنانين وغيرهم على أنهم هم المثل العليا التي يجب على الجيل أن يقلدها ويترسم خطاها ؛ كل هذه الأحوال والأوضاع هي البيئة المناسبة لنمو الغلو أو سَمِّه الأصولية أو التطرف أو سَمِّهِ ما شئت .


خامسا : كيف يمكن القضاء على الغلو ؟


أولاً : ينبغي أن يكون واضحاً لديكم الآن أننا نفرق بين أمرين : الغلو الذي هو غلو فعلاً في الدين ومجاوزة للحد وانحراف عن سواء السبيل كغلو مثلا جماعات التكفير والهجرة الموجودة في مصر وعلى قلة في الجزائر وفي بعض البلاد الأخرى فهذا ولا شك غلو وانحراف . الأمر الثاني : ما تسميه أجهزة الإعلام غربيها وشرقيها ، تسميه غلواً أو تطرفاً أو أصولية أو غير ذلك وهو في الواقع ليس شيئاً من ذلك وإنما هو دعوة إلى الله وإلى دينه وإلى تحكيم شريعته وإلى العمل بالكتاب والسنة . فنحن نفرق بين هذا وذاك ونقول إن الغلو موجود في كل زمان وفي كل الأديان , وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الخوارج لا ينقطعون بل كل ما انقرض منهم قرن ظهر قرن آخر إلى آخر الزمان .

وها هنا أسئلة يجب أن نجيب عليها :

أولاً : هل يمكن القضاء على الغلو أو حتى قل القضاء على الجماعات الإسلامية وعلى الدعوة الإسلامية - الغلاة فيها والمعتدلين وغيرهم - هل يمكن القضاء عليهم بالسجن وبالرصاص وبالمقاصل وبالمجازر ؟
كلا , فهذا في النهاية اعتقاد وفكر , وعلى قاعدة الإعلام نفسه فالفكر إنما يحارب بالفكر , لا يحارب بالرصاصة وإنما يحارب بالحجة ، تقارع الحجة بالحجة .

ثانياً : أننا سبق أن قلنا إن الغلو هو نتاج الضغط والإرهاب والتعسف ، إذن فالضغط والإرهاب والتعسف لا يزيده إلا مضاءً وقوة وإصرارا , وهذا العسف هو المسوغ الذي يحرق حجج المعتدلين . فالمعتدل يوماً بعد يوم يفقد مواقعه لأنه يجد من شراسة الخصومة من قِبَل المتنفذين والقسوة وإغلاق المنافذ في وجه الدعوة ما يكون مسوغاً وحجة في رصيد أولئك الغلاة . فلماذا تصر كثير من الحكومات على مواجهة ما تسميه بالتطرف , بل على مواجهة الإسلام والدعوة الإسلامية الصحيحة النظيفة بالإرهاب والمداهمة والسجون والمعتقلات ؟ لماذا كان جزاء كتاب " معالم في الطريق " و " في ظلال القرآن " هو السجن ثم الإعدام ؟ هل تعلمون أن كتاب " معالم في الطريق " يعلم القارئ كيفية صناعة القنبلة اليدوية ؟ كلا .. هل هو يعلم الإنسان كيف ينظم مسيرة في الشارع ؟ كلا .. هل هو يدرب الناس على حرب الشوارع ؟ كلا .. هو يرسم منهجا للدعوة , وما فيه إلا الحجة , فلماذا يكون جزاء هذا الكتاب .. الإعدام ؟ وأين الذين يدافعون عن فرج فودة – صاحب كتاب " الحقيقة الغائبة - ؟ لماذا لم تدافعوا عن سيد قطب - رحمه الله – حينما أُعدم ؟؟ {{ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد }} .

أين حقوق الإنسان من ثلاثين ألف سجين في الجزائر , وثلاثين ألف سجين في تونس , ومثلهم في مصر , يعيشون أوضاع مأساوية حتى بلغ الحال أن بعضهم في مصر يحقنون بعض المعتقلين بجرثومة الإيدز والعياذ بالله ، أم أن المسلم في نظر هؤلاء ليس إنسانا ؟ أقول لكم أيها الاخوة إنه طريق فاشل , وها هي الأنظمة على مدى خمسين عاماً أو أكثر تحارب الدعوة الإسلامية بالقوة والعسف ؛ فهل كانت الدعوة الإسلامية - فيما تعرفون أنتم وتحسبون - أقوى وأشد وأنضج منها اليوم ؟ كلا ... إن الذي يقرأ عن المعتقلات التي عملها " جمال عبد الناصر " في مصر وزج فيها بعشرات الآلاف في السجون الحربية وغيرها , وفي أوضاع سيئة للغاية ثم علق على المشانق أعداداً كبيرة منهم ... الذي يقرأ تلك الأخبار خاصة في ذلك الوقت كان يخيل إليه أنه لن تقوم للإسلام في مصر قائمة . وها هي مصر بذاتها اليوم تستعيد عافيتها بإذن الله ويملأ شبابها المتدين وفتياتها المتدينات جامعاتها ومدارسها ومعاهدها ومساجدها وأحيائها ومؤسساتها , بل وسجونها . وها هي أجهزة الأمن لا تجد نفسها في وضع أسوء مما تجدها عليه الآن , ليس في صعيد مصر فحسب ولا في القاهرة بل في كل مكان . إن ضحايا أسلوب التصعيد والمواجهة القاسية الضارية هم رجال السلطة أكثر مما هم دعاة الإسلام أو حتى الغلاة من دعاة الإسلام , ولقد استطاعت اليد الخفية أن تغتال السادات , وتغتال بوضياف , وتغتال أعدادا غفيرة من الضباط وكبار المسؤولين , ولا يدري إلا الله ماذا تكون عليه الأوضاع غداً وبعد غد . فهل يقبل ناصح لهذه الأمة أن تستمر هذه الطريقة في المواجهة مع رجال الإسلام ودعاته بل حتى مع الغلاة من الدعاة ؟ إننا نعلم أن في إسرائيل أحزابا أصولية متطرفة متشددة , فماذا فعلت إسرائيل تجاه هذه الأحزاب ؟ ها أنتم تسمعون أنها الآن تشارك في الحكم في ائتلافها مع حزب العمل الجديد الذي فاز في الانتخابات وتصل إلى الحكومة ، فلماذا لا يقتدون بهم في هذا ؟
كنا نقرأ ونحن صغار أن القتل والتضييق والسجن والمداهمة لا يقضي على الدعوة بل يقويها ويرسخ جذورها ويؤلب حولها الأنصار ويكثر حولها الأتباع ؛ وأصدقكم القول أيها الأخوة , كنت آنذاك وأنا صغير أشعر في دخيلة نفسي أحيانا أن هذا الكلام نوع من ترضية النفس أو خداع الذات أو التسلية الوهمية , أما الآن فنحن نرى ما نرى في المغرب ومصر والشام بل والعراق وقد جاءت أخبار تدل على أن الصحوة حتى في العراق على قدم وساق وإن لم تكن ظاهرة للعيان بسبب العسف والكبت ولكنها قوية جداً وانتظروا إنا منتظرون , بمجرد ما تنقشع هذه السحابة وتعطى الدعوة الإسلامية نفساً ولو يسيراً تتنفس الصعداء وتظهر على السطح ويبين للناس كم كان عمقها ورسوخها وامتدادها ومقاومتها لرياح الحرب والقتل والتغيير والتدمير والمداهمة . أما الآن ونحن نرى ما نرى فقد آمنا فعلاً أن هذا الكلام حق وأن العقائد لا يمكن أن تحارب بالقتل ولا بالسجن ولا بالمصادرة ولا بكبت الحريات ولا بتكميم الأفواه وقد رأينا الشباب وهم في السجون يرددون آيات القرآن الكريم ويهتفون وينادون ويتمنون الشهادة في سبيل الله عز وجل ويرددون أبياتاً من الشعر الحماسي المؤثر الذي يشتاقون فيه للموت في سبيل الله .

أي حيلة في إنسان أغلى شيء هو أن يموت في سبيل الله ؟ فأنت حين تقتله تهديه هدية كبيرة , فلماذا تظل هذه الأجهزة الأمنية والسياسية في العالم العربي والإسلامي مصرة على هذا الخطأ الكبير في مواجهتها مع الإسلام كله : المعتدلين من الدعاة وغير المعتدلين ؟ ومع ذلك فإن هذا الأمر - وهو أمر بقاء الحق ورسوخه واستقراره - أمر ثابت في القرآن الكريم , وهو ديدن المؤمنين كلما ازدادت المحن أو ادلهمت الخطوب ، قال الله عز وجل : {{ ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً }} . وأصحاب الأخدود حرّقوا بالنار ومع ذلك صبروا وهم يرون إخوانهم يُشْوَوْنَ وتُحْرق أجسادهم بالنار , فصبروا في سبيل الله عز وجل حتى أنزل الله تعالى فيهم هذه السورة العظيمة ليكونوا عبرة للمؤمنين عبر العصور . إن التطرف الحقيقي هو تطرف الأحزاب العلمانية , والحكومات التي جعلت كل إمكانيات الأمة وممتلكاتها رهن إشارتها وذريعة لتحقيق مصالحها الخاصة وحاربت كل من لا يذعن لها أو يسير في ركابها , خاصة ونحن نعلم أن الأمة تملك الكثير من الإمكانيات التي كانت تستطيع أن تكون بها كما أراد الله عز وجل {{ خير أمة أخرجت للناس }} .

سؤال آخر هل يحارب الغلو بالتجاهل ؟ أيضا كلا . . . فقد سبق أن بينت أن للغلو أسبابه التي لا بد من إزالتها , ولذلك فإنه لابد من :

أولاً : تمكين العلماء الربانيين من القيام بواجبهم وفتح الآفاق لكلمتهم والسماح بمرورها إعلاميا وتسخير إمكانيات الأمة كلها لهذا الغرض . إن العالم الشرعي يجب أن يشكل مرجعية حقيقية للجميع ، الحاكم والمحكوم على حد سواء ولا يجوز أن تكون المنابر الدينية حكراً على فئة من الهتافين المصفقين من أمثال بعض المفتين الرسميين . سئل مفتي مصر في جريدة صوت الكويت قبل أيام عن التطرف والنصارى وكان من ضمن ما قال - يقول بالحرف الواحد - : ( أما كون بعض الكتب السماوية حُرفت أو بُدلت أو غُيرت فتلك قضية يُسْأَلُ عنها أصحابها وجميع الأديان تتفق في الأصول ) . سبحان الله !! أولاً : لما يقول أن الأديان تتفق في الأصول هل هو يقصد الأصول التي عليها أهل الأديان اليوم أم الأصول المنزلة ؟ الأصول المنزلة هي التوحيد لكن أهل الأديان اليوم من اليهود والنصارى وغيرهم أهل شرك ووثنية فكيف يقول أن الأصول
متفقة هكذا على الإجمال ؟ ثانياً : حينما يقول في الجواب على تحريف الكتب السماوية ( هذي قضية يسأل عنها أصحابها ) يعني يريدنا أن نذهب إلى البابا شنودة ونسأله هل الكتاب المقدس محرف أم لا ؟ ونذهب إلى رابين أو غيره ونسأله هل الكتاب المقدس عندكم محرف أم
لا ؟ كيف يكون هذا ؟ ما عندنا نحن المسلمين دين وجواب ؟ نحن المسلمين ما عندنا جواب لهذه المسألة ؟ مفتي اكبر بلد إسلامي يهرب من الإجابة بمثل هذه الطريقة الملبسة ؟ في روز اليوسف أيضا تجري حوارات مع من تسميهم بمفكرات الإسلام . مرة - وهذا مثال - أجرت حوار مع عميدة لكلية التربية في جامعة الأزهر فتقول هذه العميدة ضمن حوار طويل مثلاً تقول : ( حتى في عصر النبوة كانت هناك سلبيات , في المجتمعات المغلقة وجد اللقطاء أمام المساكن ) . هذا الكلام يقال في سبيل تبرير وتسويغ الفساد الموجود ، يعني مثلاً تأتي لشخص والغ في الرذيلة ، ماله من الربا فاجر لا يصلي عاق لوالديه عاصي مؤذي لجيرانه شارب للخمر مدمن للمخدرات ؛ فتأتيه وتقول يا أخي أنت عليك أخطاء وعليك ملاحظات , تب إلى الله عز وجل . فيقول لك يا أخي كل إنسان فيه عيوب والكمال لله عز وجل . تقول أيضا : ( الجماعات الإسلامية ابتلاء من الله , لم أجد في المنقبات من تحفظ القرآن الكريم ) ثم هجوماً ساخناً على الإمام ابن تيمية في أنه حاد ومتشدد وإلى غير ذلك .

إذن نحن نقول يجب أن يمكّن العلماء الربانيون من القيام بواجبهم ودورهم وفتح الآفاق أمام كلمتهم , ومع ذلك فإنه يجب أن يقال للعلماء والدعاة أيضا قوموا انتم بواجبكم وخاطبوا جمهور الأمة وأدوا دوركم دون أن تنتظروا من أحد أن يأذن لكم بذلك أو يأمركم به . إن المناصب الرسمية الدينية أصبحت وقفاً في أكثر من بلد إسلامي على فئات معلومة ممن يجيدون فن المداهنة والتلبيس , وأصبح هؤلاء - في زعم الأنظمة - هم الناطقين الرسميين باسم الإسلام والمسلمين مع أنه لا دور لهم إلا مسألتان .. الأولى : إعلان دخول رمضان وخروجه , الثانية الهجوم على من يسمونهم بالمتطرفين .

ثانياً : لابد من إيجاد القنوات العلمية والدعوية والإعلامية التي يمكن للدعاة إلى الله عز وجل من خلالها عرض الصورة الصحيحة للإسلام وتنقيته من الدخائل عليه وتعريف الناس بدينهم الحق وإثبات أن هذه الدولة أو تلك ليست ضد الإسلام ولا ضد الدعوة , أما مجرد الخطب الرنانة التي ينقضها الواقع فإنها لن تغير شيئاً . حتى الاتجاهات التي يصاحبها نوع من الحدة أو الشدة يجب
أن تحاور وتناقش في الهواء الطلق وليس من وراء القضبان . وإذا لم تعرض الدعوة الإسلامية الصحيحة الناضجة من الكتاب والسنة فإن البديل عن ذلك أمران ، أولاً : شيوع المنكر الفكري والخلقي بلا نكير وهذا يؤدي إلى التطرف كما سبق , وثانياً : الدعوات المنحرفة التي ستجد آذاناً صاغية فإن الناس إذا لم يعرفوا الحق تشاغلوا بالباطل .

ثالثاً : لا بد من تنقية أجهزة الإعلام من كل ما يخالف الإسلام عقيدةً وأحكاماً وأخلاقا , ولا بد من منع ضحايا الفكر المنحرف من التسلل إلى الإعلام ومنع المساس بالدين وأهله في تلك الأجهزة . إن مما يؤسف له أن الإعلام العربي يتحدث عن الدعوة الإسلامية باسم التطرف أو الأصولية فيتخلى عن الموضوعية تماماً ويتناقض وينحاز فلا يعرض إلا رأياً واحداً ولا يعرض إلا جانباً من الحقيقة . مثلاً مقتل فرج فوده يسمونه مصادرة للفكر وجريمة مع أنني أقول أي فكر يحمله فرج فوده ؟ وماذا يقول ؟ يقول : ( أفتخر بأنني أول إنسان عارض تطبيق الشريعة الإسلامية يوم لم يكن يعارض ذلك أحد ) . ويقول : ( سبق أنني قلت لك يا وزير الصحة عليك أن تعالج الوضع عن طريق زيادة في المهدئات الجنسية ) يعني أن من يسميهم بالمتطرفين أو الشباب المتدين هم ضحايا الكبت الجنسي . هل هذا حوار ؟ هل هذه حجة ؟ هل هذا تعقل ؟ ثم جاء إلى تاريخ الإسلام من عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم , وبالساطور يضربه يمنة ويسرة حتى لم يبقى فيه لبنة على أخرى أو عضو على آخر . هل هذا فكر ؟؟ لكن مع ذلك قاموا وقعدوا وقالوا لماذا يقتل فرج فوده ؟ ونحن نقول : حسنا نردد معكم لماذا يقتل فرج فودة ؟ لكن لماذا يقتل أيضا ألوف من المسلمين والدعاة وطلبة العلم ؟ هل صار الأمر عندكم كما قيل :

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كاملٍ مسألة فيها نظر

لماذا تكيلون بمكيالين ؟ الإعلام العربي كله صحافته وإذاعته وتلفزته ، هل رأيتموه عرض يوماً من الأيام وجهة نظر جماعة من الجماعات الإسلامية ؟ كلا . إنما الإعلام العربي كله دائماً وأبداً في حالة حماس لحملات إعلامية : اليوم نحن ضدكم وغداً انتم ضدنا , وبعد غد نحن وأنتم ضد فلان , وهكذا عمل كعمل الأطفال سواء بسواء . يؤسفني أن أقول هيئة الإذاعة البريطانية - وهي الأخرى أيضاً ليست موضوعية أو منصفة إلى ذاك الحد ولكنها بلا شك أفضل كثيراً من الإعلام العربي - أجرت مقابلة مع أحد زعماء الجماعة الإسلامية في مصر وسجلت أجوبتهم وآرائهم وبثتها للناس , ثم بعد ذلك بفترة أجرت مقابلة سمعتها مع زعيم الأقباط البابا شنودة حول التطرف وقضايا أخرى . أما الإعلام العربي فهو يجبن عن ذلك ولا يملك عرض وجهة النظر بحال من الأحوال , إنه لا يعرض إلا وجهة نظر واحدة وضعيفة أيضاً , وأما وجهات النظر الأخرى فهو لا يجرأ على عرضها أبداً . إذن لا بد من تنقية أجهزة الإعلام وصياغة سياسته صياغة إسلامية ليكون رافداً من روافد الدعوة .

رابعاً : ضرورة ضبط مناهج التعليم وربطها بدين هذه الأمة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها حتى يتخرج جيل مؤمن يعرف دينه تقول التقارير الأمنية إن تكثيف المواد الدينية هو الذي يولد المتطرفين , وتدريس التاريخ الإسلامي والجهاد يولد روح الفداء في نفوس الشباب , والواقع أن تكثيف المواد الشرعية والإسلامية هو الذي ينتج العلم الصحيح الواقي من الانحراف , أما أولئك الذين يظنون أنهم سيحولون بين الأمة ودينها وبين الأمة ولغتها وبين الأمة وتاريخها فهم مغرقون في الوهم , فالإسلام قادم لا محالة وإذا كانوا يحاربون الإسلام فليبشروا بالخيبة والخسار والهزيمة .

خامساً : ضرورة إصلاح الأوضاع الشرعية والأخلاقية في المجتمعات الإسلامية وحمايتها من الانحلال الخلقي وإيجاد ودعم المؤسسات الإصلاحية القائمة على حماية الآداب والأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . إنه كما يوجد جهاز مختص لمكافحة المخدرات يجب أن توجد أجهزة قوية ممكنة وذات صلاحية واسعة أيضاً في مكافحة ألوان الجرائم التي لا يقرها الشرع . وأول ما يجب أن يساند هذه الجهات : القانون نفسه أو النظام , فلا معنى لوجود جهاز لمكافحة الرذيلة والبغاء في بلد يسمح قانونه بالزنا ويسكت عنه ، وهكذا .

سادساً : ضرورة العدل وإعطاء ذوي الحقوق حقوقهم , سواء كانت هذه الحقوق حقوقا مالية أو كانت حقوقا شخصية أو سياسية أو غير ذلك , فإن المجتمعات لا يمكن أن تقوم على الظلم أبداً , والله تعالى ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة , ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة . ومن الظلم سرقة أقوات الناس وأموالهم , ومن الظلم بل من أبشع الظلم أخذ الناس بما لم يفعلوا ، ومن الظلم حبس الناس بالتهمة والظن ، ومن الظلم سرقة نتائج الانتخابات في البلاد الإسلامية كما حصل في الجزائر ثم يقولون حصل التطرف وحصل العنف وحصلت الاغتيالات في حين يسكتون عن إهدار رأي ثمانين بالمائة من الشعب الجزائري المسلم . وأخشى ما نخشاه أن يكرروا هذه العملية نفسها في بلاد أخرى كاليمن التي هي مقبلة على انتخابات بعد فترة قريبة , ونسأل الله تعالى أن لا يكون ذلك وأن يكون أشغل هؤلاء بأنفسهم فمصر التي دعمت الجزائر برجال الأمن والشرطة هي الآن مشغولة بمشاكلها الداخلية وقلاقلها عن غيرها أو لعلها كذلك. ومن الظلم أيضاً التفاوت الشديد بين الناس في كل شيء في أرزاقهم وأموالهم ومراتبهم وغير ذلك , فالله تعالى يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي , وإذا أردنا للمجتمعات الإسلامية أن تكون مجتمعات مستقرة منتجة متآلفة فعلينا أن نقيمها على أساس العدل .

فهذه الأسباب الخمسة لا بد منها في مقاومة ما يسمى بالغلو , ثم يأتي بعد ذلك السبب السادس والأخير وهو : لا مانع من مناقشة الأفكار والحجج والشبهات التي يتذرع بها هؤلاء وتفنيدها
والرد عليها وتطعيم الناس ضدها لئلا يغتروا بها ، فنحن نقول فعلاً بأن الغلو هو الآخر خطر على الإسلام كما أن التفريط خطر ,

ولا تغلو في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم

رد مع اقتباس
  #54  
قديم 04-06-2005, 09:51 PM
قلب الأسد قلب الأسد غير متصل
 
تاريخ التسجيل: May 2005
المشاركات: 350
معدل تقييم المستوى: 19
قلب الأسد is on a distinguished road

مشكور اخوي على الرد المفصل حول الارهاب والتطرف

بنظري الارهاب هو ردة فعل عمياء تحاول ان تقاوم ما تتعرض له الامة الاسلامية

وانشقاق وتنوع اراء العلماء جعلهم يفعلوا هذي الاعمال الاجراميه

اصبحت احزاب اسلاميه علماء الصحوه وعلماء مجلس الافتاء وعلماء العنف والتطرف

حزب يتبنى العنف بقيادة اسامة بن لادن وايمن الظواهري

حزب وسطيه بقيادة سفر الحوالي وسلمان العوده

وحزب مسالم بقيادة عبدالمحسن العبيكان والسدلان

يجعل طلاب العلم والشباب المتحمس الغيور على دينه في حيرة اي حزب ينظموا اليه للدفاع عن امة الاسلام

مشكور اخوي فالح على الموضوع وتقبل تحيات اخوك قلب الاسد

رد مع اقتباس
  #55  
قديم 05-06-2005, 01:18 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

مرحبا بك يا اخي الفاضل قلب الاسد

ولا هنت على حضورك وهذا التصنيف

رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 04:23 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع