كلكم يلعن الإرهاب.. فمن أنجبه؟؟

[ابوانس]

حسن المصطفى

أحداث الدمام الأخيرة، بما حملت من ضراوة وشدة، تعيد سؤال الإرهاب والتطرف إلى الواجهة.
فمن غير الجائز أن يمرالحدث بشكل عابروهامشي، كواحد من سلسة أحداث تمر بها البلاد، دون أن يقف المجتمع بكل قطاعاته، ناسه وحكومته، ليسأل كل واحد نفسه عن نصيبه فيما جرى، وعن دوره في انتشار التطرف والعنف، وهل ساهمنا بوعي أو دون وعي في الوصول إلى هذا المأزق، دون أن يكون لدينا طوق نجاة ينتشلنا من بحر دمائه.
كثيريمكن قوله وكتابته عن حادث حي المباركية، سواء عن مكان الحادثة، وتوقيتها، والمضبوطات التي عثر عليها في مسرح المواجهة، والكيفية التي أدير بها الحدث، وشخوص المطلوبين الذين قضوا...وغيرها الكثير من التفاصيل الهامة. لكن مثقفينا ومشايخنا الكرام، لن يمارسوا - في أغلبهم - إلا عبارات الشجب والإدانة والاستنكار. تلك العبارات التي فقدت معناها، ولم تعد حروفها تقوى على تشكيل بنيتها. كلمات تردد في كل مناسية مشابهة، مجموعة ألفاظ لا يملكون غيرها.
من يصرون على هذا الحديث الاستنكاري المستهلك، لم يكلفوا أنفسهم يوما مشقة عما ترتب على موقفهم هذا؟ وما الذي أثمرته العبارات التي تطلق دون ثمن يدفع، ودون أن تكلف أصحابها فاتورة طويلة يتوجب عليهم سدادها. بل على العكس، هي نوع من التقرب زلفى للمسؤولين وأصحاب القرار، ونفاق اجتماعي وسياسي عند البعض الآخر، يبتغي منه منفعة شخصية، أو تيارية، أو ما شابه.
هل لنا أن نفتخر بأن ثلاثة من شبابنا لا تتعدى أعمارهم الخمسة والعشرين عاما، صمدوا سبعا وأربعين ساعة في وجه قوى الأمن، ولم تَردهم إلا قنابل المدفعية! هل لنا أن نفخر بقدرتهم على تزوير الوثائق، وجمع السلاح، والتخطيط الدقيق لأعمال إرهابية! هل لنا أن نفخر بأن امكاناتهم الذاتية تتعدى وتفوق أعمارهم الصغيرة! أم أن الفخر سيجافينا، وبدلا من أن نغبط حالنا بهم، سنعزي أنفسنا، ونمسح دموع الحزن، على فتية راحوا يمتطون دواب الإرهاب ويسرجون خيله طالبين جنة، سلكوا طريقا لا تقود إليها!
لم يعد بالإمكان أن يظل المسكوت عنه في دائرة مكافحة الإرهاب مسكوتا عنه بعد اليوم. ولم يعد بالإمكان غض الطرف عن الظروف المحيطة، والبيئة المنبتة لفكرالموت والدمار. الدولة، والناس، وأئمة الجمعة والجماعة، واساتذة الجامعات، والجمعيات الخيرية، وحلقات التدريس، والمخيمات الدعوية، والأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية...وكل ما يمت للحدث بصلة، يجب أن يعيدوا النظر بجدية وحزم. وبمختصر مفيد، نحن بحاجة لقراءة جذرية لمجمل منظومتنا الفكرية والشرعية، تعيد صياغة ما بني عليها من نظام فقهي واجتماعي، وتخرج من ماضويتها، وموتها، إلى حاضرها، ومستقبلها.
إن رمي المسئولية على الفكر الوافد والدخيل، وعلى أناس خارج الحدود، بات سلوكا مضحكا، يدعو إلى الشفقة على أصحابه، فالمسئولية، كلها تقع علينا، فهؤلاء الشباب يعيشون في ديارنا، وبين ظهرانينا، لا في واشنطن، ولا تل أبيب!
إننا نحن من نعيش هنا، ومن تربى بيننا هؤلاء الشباب، ومن غفلنا عنهم، ودفنا رؤوسنا في التراب هربا من تحمل المسئولية تجاه ما يتنامى من أخطاء، بحجة أن المستقبل كفيل بعلاجها، وأنها أخطاء صغيرة ستزول ولن تؤثر في الواقع شيئا.
بعد كل هذه التجارب المريرة، يمكن الجزم، بأنه لا خلاص من الإرهاب بشتمه. ولا شتم يفيد، فيما نحن في داخلنا مترددون في الموقف الشرعي والفكري من هؤلاء الشباب. وغير قادرين على تحديد موقعهم، وموقع أعمالهم العنفية، هل هي جهاد أم إرهاب:؟ وهل هم معذورون، أم لا؟ وغيرها من الأسئلة الإشكالية التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، إلا النزر القليل القليل من الناس.
ما دام في النفس شيء من التردد، وما دام العقل مؤسسا على نفس الأرضية التي ينطلق منها الإرهابيون، فإن لعن الإرهاب، لن يجدي شيئا، ولن تجدي دعوات التصحيح، أو المراجعة، لأن الزمن لا ينتظر، والإرهابيون لا ينتظرون، والموت جاهز لأن يعانقنا في أي وقت، وفي أي مكان، فهل من متعظ !!


المصدر: جريدة اليوم السعوديه..


تحياتي وتقديري