أحمد الربعي في جريدة الشرق الاوسط
العملية المشبوهة في تل أبيب تثبت أن هناك أطرافا ستستخدم كل ما لديها من إمكانيات لتخريب العملية السلمية. وإن السؤال حول المسؤول عن هذه العملية لا يمكن أن يكون سؤالا بوليسيا، بل سؤالا سياسيا، يتعلق بأولئك الذين لهم مصلحة في تخريب العملية السلمية، وهي أطراف اسرائيلية وفلسطينية، وأطراف خارج فلسطين.
اعلان كل الفصائل الفلسطينية بما فيها «الجهاد» و«حماس» رفضها للعملية، وبراءتها منها، هي خطوة كبيرة، فلقد كانت هذه الفصائل تتسابق لإعلان مسؤوليتها عن العمليات ضد المدنيين، ولكنها هذه المرة تدين هذه العمليات وتعتبرها عملية ضد الإجماع الوطني الفلسطيني والالتزام بوقف إطلاق النار.
هناك انفلات أمني في ساحات عربية عديدة، وهناك حرب أجهزة مشبوهة، وعقلية تآمرية عند بعض الأطراف الإقليمية، ولعل عملية اغتيال الحريري هي واحدة من عمليات خلط الأوراق اللبنانية والإقليمية، ولا شك ان العملية الانتحارية في تل أبيب هي الأخرى من العمليات المشبوهة التي تستهدف خلط الأوراق الفلسطينية، وهي عملية تلقي بطوق النجاة الى التطرف الصهيوني الذي يعيش مأزقا حقيقيا بعد قرار الانسحاب من غزة والدخول في طريق المفاوضات.
المتطرفون لا دين ولا جنسية لهم، وبقاء التطرف مرهون بوجود تطرف في الطرف الآخر، ولذلك فإن التطرف الصهيوني يغذي التطرف الفلسطيني، والعكس صحيح، فكلا الطرفين يدخلان حربا عدمية بلا سقف سياسي، وبلا أهداف، ويستلهمون نصوصا من الماضي لوقف عجلة الحاضر، ويستحضرون تاريخا من الكراهية لاستمرار وتغذية القتل والعنف بغض النظر عن حجم الضحايا.
ما هي القيمة العسكرية لقتل مدنيين في ناد ليلي؟ بالتأكيد ليس هناك أية قيمة بالموازين العسكرية والاستراتيجية، ولكن هناك قيمة سياسية كبرى تستهدف خلط الأوراق وتغذية التطرف. وعلينا أن نراقب ردود فعل اليمين الإسرائيلي ومعه ارييل شارون، فكل الفلسطينيين رفضوا العملية وكلهم أعلنوا التزامهم بوقف إطلاق النار، فهل تستمر معاقبة المدنيين الفلسطينيين وتغذية التطرف، أم أننا سنشهد سلوكا جديدا؟ لا ندري.