مجالس العجمان الرسمي


مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 24-01-2007, 10:00 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road
بيت أسس علي التقوى

الشيخ عائض القرني : المكتبة المقروءة




بيت أسس علي التقوى
ولا تقل لهما أف


الحمد لله القائل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الاسراء:23/24).



والصلاة والسلام على رسول الله الذي بعثه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدي الأمانة، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، وصلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.





أما بعد.. عباد الله:



إن من أعظم المعاصي التي عصي الله بها في الأرض سبحانه وتعالي، قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، ولذلك توعد الله بالعذاب الأليم العاق والقاطع.



وهي جريمة شنيعة تقشعر لها الأبدان ويندي لها الجبين، أنكرها حتى الجاهليون واليهود والنصارى في شرائعهم.



ولذلك يقشعر جلد المؤمن يوم يري الابن كلما كبرت وشب وقوي تغمط حق والديه يوم أذهبا العمر والشباب وزهرة الحياة في تربية.. فقد سهرا لينام، وجاعا ليشبع، وتعبا ليرتاح، ولما كبرا وضعفا ودنيا من القبر، واصبحا قاب قوسين أو أدني من الموت، أنكر حقهما وجعلهما في مكان من الذلة لا يعلمه إلا الله.



ولذلك قرن الله حقه بحقهما وجعل من لوازم العبودية بر الوالدين وصلة الرحم، يقو جل ذكره: )وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)(الاسراء: الآية23) فقد قضاه وأمره وأوجبه سبحانه وتعالي بأن لا يعبد إلا هو.



ومع عبادته سبحانه وتعالي يقوم بر الوالدين وصلة الأب والأم وصلة الرحم.



وأنظر لهذه الصورة العجيبة للأب وهو محدب الظهر، قليل الصبر، قد شاب رأسه ولحيته.



وصورة الأم وهي شمطاء الرأس ، فقد دنت من القبر، وأصبحت تتلهف علي شبابها وصباها الذي أنفقته في تربية هذا الابن ، فلما ترعرع وقوي ظهره واشتد ساعده كان نكالاً وغضباً ونكداً علي والديه.



( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ)(الاسراء: الآية23)، حتى كلمة أف على صغرها عند الناس لا تقال للوالدين.



فقل لي بالله أيهما أعظم، حق كلمة أف أم الذين جحدوا حق الوالدين وعقوهما وجعلوا جزاءهما السب والشتم والغلظة والنكال والقطيعة؟



حتى أنه وجد في المجتمع من يعيش في الفلل والشقق البهية، ويركب المراكب الواطية ويأكل الموائد الشهية، ووالده في فقر وفي حاجة ملحة وفي ضنك لا يعلمه إلا الله.



أي قلوب هذه القلوب؟



وأي أرواح هذه الأرواح؟



وقد بكت العرب في جاهليتها وإسلامها العقوق، وتوجعت واشتكت إلى بارئها منه.



في الأدب والسير ، أن أعرابياً وفد على الخليفة وهو يبكي.



قال الخليفة: ما لك؟



قال : اصبت بأعظم من مصيبة المال.



قال: ما قصدك؟



قال: ربيت ولدي، سهرت ونام،واشبعته وجعت، وتعبت وارتاح، فلما كبر وأصابني الدهر واحدودب ظهري من الأيام والليالي تغمط حقي، ثم بكى وقال:



وربيته حتى تركته أخا القوم



واستنغنى عن الطر شاربه



تغمط حقي ظالماً ولوى يدي



لوى الله يده الذي هو غالبه

قيل : فلويت يد الابن وأصبحت وراء ظهره.



وفي السير وبعض التفاسير كالكشاف بأسانيد فيها نظر، أن رجلاً وفد على الرسول صلي الله عليه وسلم يشتكي قال: (( ما لك ؟)).



قال: مظلوم يا رسول الله من ابني.



قال (( أي ظلم؟)).



قال: ربيته، فلما كبر وضعف بصري، وضعف عظمي، ودنا أجلي، تغمط حقي فقابلني بالغلظة والجفاء.



قال صلي الله عليه وسلم : (( هل قلت فيه شيئاً؟)).



قال: نعم، قلت فيه:



غذوتك مولـــوداً وعــلتك يافــعاً



تعل بما أجري علــــيك وتنهـــل

إذ ليلة ضافتك بالسقم لم أبـــــت



لســقمك إلا شاكياً أتمــــلـــمل

يقول ك ما هذا جزائي، وما هذا رد الجميل، وما هذا حفظ المعروف، حتى الليلة التي تسقم فيها أبقي معك.. أنت السقيم ولكن أخذت السقم عنك، وأنت المريض فأخذت المرض منك.

وحق للقلوب اللينة، وللعيون الرقراقة بالدموع، أن تدمع لهذه المآسي التي وجدت في بلاد الإسلام، والتي شكت منها قلوب الوالدين.



فهل أظلم وهل أكبر وأشنع من أري تري ابنك وق أصبح في مصاف الرجال، وقد أعطيته شبابك وزهرة ولذة روحك وشذا نفسك، ثم رد عليك الجميل بالقبيح، فإذا صوته في البيت صائل.. لا ينفذ لك أمراً.. ولا يخفض لك جناحاً؟



إنها يا عباد الله مأساة ما بعدها مأساة.



يقول صلي الله عليه وسلم وهو يسأل عن الأعمال الصالحة أيها أزكى وأيها أعظم؟



قال : ((الصلاة لوقتها))



قيل : ثم أي ؟



قال : (( بر الوالدين)).



قيل: ثم أي؟



قال: ((الجهاد في سبيل الله)).



ويسافر صلي الله عليه وسلم بالقلوب ويحدثها عن رجل من بني إسرائيل كان باراَ بوالديه.



ويا عجباً أن يوجد في اليهود والنصارى من تلين قلوبهم لوالديهم وهم أحفاد القردة والخنازير، وهم أعداء الله ، وهم الذين لعنهم الله من فوق سبه سماوات.



ويوجد في بلاد المسلمين من قسا قلبه، ومن طمس علي فكره، فلا يلين قلبه أبداً.



عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (( أنطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار.



فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله تعالي بصالح أعمالكم.



قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق (2) قبلهما أهلا ولا مالا ، فنأي بي طلب الشجر يوماً فلم أرح (3) عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت ـ والقدح علي يدي ـ



أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون (1) عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما.



اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه ..)) الحديث.



عباد الله، إن العقوق مأساة وجدت في المجتمعات وفي البيوت، وأصبحت من أعظم المشكلات على الأباء والأمهات مشكلة الابن.



وفي بعض الآثار يود الرجل في آخر الزمان أن يربي جرو كلب ولا يربي ابنا (3).



نعم .. وجد هذا، ورأينا ورأي غيرنا الآباء الذين أصبحوا في الشيخوخة وهم يتباكون ويتضرعون ويجأرون من هذه الذرية الظالمة.



فهل من عودة يا شباب الإسلام إلى الله؟



وهل من بر وجوده مع الآباء والأمهات؟



يأتي رجل للرسول صلي الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحبتي؟



قال : (( أمك))



قال: ثم من؟



قال : (( أمك)).



قال : ثم من؟



قال: (( أمك)).



قال : ثم من؟



قال: ((أبوك)) (1).



فالأم لها ثلاثة أرباع الحق، فهي التي حملت وأرضعت وألحقت وأدفأت ، فجزي الله آباءنا وأمهاتنا خير الجزاء، وأسقاهم الله من الحوض المورود ، فلا يظمؤون بعد تلك الشربة أبداً.

نعم.. إن بر الوالدين قضية كبري، ومن فوائد بر الوالدين:



ـ أن يهديك سواء السبيل.



ـ وأن يصلح الله ذريتك.



ـ وأن يمدك بعون منه .



ـ وأن يسددك ي أقوالك.



ومن آثار العقوق: اللعنة من الله )فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:23،22).



قال بعض أهل العلم: أصمهم فلا يسمعون ، وأعمى أبصارهم فلا يتدبرون ولا يتفكرون ولا يعقلون.



قال تعالي: )وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد:25) .



وصح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: (( لا يدخل الجنة قاطع))، وهو من قطع رحمه ووالديه، قطع الله حبله من السماء، وقطع ذمته وعهده.



ولذلك يقول صلي الله عليه وسلم : (( لم خلق الله الرحم تعلقت بالعرش وقالت: يارب هذا مقام العائذ بك من القطيعة.



قال: ألا ترضين أن اصل من وصلك، واقطع من قطعك؟



قالت : بلي يا رب.



قال: فذلك لك، فمن وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)).



فأنزلها الله في الأرض.



والغريب أن الجاهليين وهم يعبدون الوثن يفتخرون بصلة الرحم.



يقول المقنع الكندي الجاهلي:



وإن الذي بيني وبين بني أبي



وبيت بني عمي لمختلف جــدا



إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم



وإن هتكوا مجدي بنيت لهم مجدا



ولست بأحمل حقداً عليهم



وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا



عباد الله.. لقد كان أرق الناس وأحلم الناس الرسول صلي الله عليه وسلم ولذلك ذكر الله خلقه ومجد أنفاسه في القرآن فقال: )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4)


وقال : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك)(آل عمران: الآية159).



وقد بلغ في صلة الرحم مبلغاً عظيماً ضرب به المثل على مدي التاريخ.



فما سمعت الدنيا بأوصل منه صلي الله عليه وسلم .



قام أقاربه وأبناء عمه فأخرجوه من مكة وطاردوه وشتموه وسبوه وآذوه ، وحاربوه في المعارك، ونازلو في الميدان، وقاموا عليه بحرب عسكرية وإعلامية واقتصادية.



فلما انتصر ماذا فعل؟



لقد دخل مكة منتصراً ، ووقف له الأعلام مكبرة، وطنت لذكر نصره الجبال، فوقف على حلق باب الكعبة صلي الله عليه وسلم وهو يقول للقرابة والعمومة : (( ما ترون أني فاعل بكم))؟.



فقالوا ـ وهم يتباكون ـ : أخ كريم وابن أخ كريم.



فيقول : (( اذهبوا فأنتم الطلقاء)).



وكأنه يقول: عفا الله عنكم وسامحكم.



ويأتي ابن عمه أبو سفيان بن الحارث فيسمع بالانتصار وهو قد آذى الرسول صلي الله عليه وسلم وسبه، فيأخذ أطفاله ويخرج من مكة، فيلقاه على بن أبي طالب فيقول: إلى أين تذهب؟



قال : أذهب بأطفالي إلى الصحراء فأموت جوعاً وعرياً، والله إن ظفر بي محمد ليقطعني إرباً إرباً.



فيقول على وهو يعرف الرسول صلي الله عليه وسلم : أخطأت يا أبا سفيان ، إن رسول الله صلي الله عليه وسلم أوصل الناس وابر الناس، فعد إليه وسلم عليه بالنبوة وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف: ) لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(يوسف: الآية92)



فهل من مقتد بأفعاله وأخلاقه؟ فإنه هو الأسوة الحقة، وإن اتباعه نجاة من العار والدمار.



تأتيه أخته صلي الله عليه وسلم وقد ابتعدت عنه ما يقارب أربعين سنة وهي لا تعرفه وهو لا يعرفها، فقد مرت سنوات، وأيام وأيام، وأعوام أعوام، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاعة وهو تحت سدرة، والناس بسيوفهم بين يديه وهو يوزع الغنائم، فتستأذن ، فيقول لها الصحابة: من أنت؟



فتقول : أنا أخت الرسول صلي الله عليه وسلم من الرضاعة، أنا الشيماء بنت الحارث، أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية.



فيخبرون الرسول صلي الله عليه وسلم فتترقرق الدموع في عينيه، ويقوم لها ليلقاها في الطريق ويعانقها عناق الأخ لأخته بعد طول المدة وبعد الوحشة والغربة، ويجلسها مكانه ويظللها من الشمس (1).



تصوروا رسول البشرية ، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، يظلل هذه العجوز من الشمس لرضعة واحدة؟



فأين الذين قطعوا عماتهم وخالاتهم وبناتهم وأخواتهم، بل حتى الميراث الذي أحله الله لهن حرموه عليهن.



وقد سمعنا من العجائز الطاعنات في السن من تقف الواحدة تبكي وتقول : ظلمني..أنصفني الله منه.



فيسأل الرسول صلي الله عليه وسلم أخته عن أحوالهم ثم يقول لها: (( اختاري الحياة هنا أو تريدين أهلك؟)).



فتقول : أريد أهلي (2).



فيعطيها المال ليعلم الناس صلة الأرحام.



عباد الله .. أوصيكم ونفسي بصلة الأرحام وببر الوالدين، ففيهما الخير الكثير والأجر العميم من الله سبحانه، وفيهما من تقريب القلوب لبعضها وإزالة الشحناء والغل فيما بينهما.



فبروا آباءكم وأمهاتكم ، وصلوا أرحامكم لتدخلوا الجنة مولاكم.



فقد قال صلي الله عليه وسلم كما سبق : (( لا يدخل الجنة قاطع))، أي قاطع رحم.



والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-01-2007, 10:01 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

شكوى الوالدين




الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.



والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً على الله بإذنه وسراجاً منيراً.



أما بعد..



بينما الحجاج مشغولون بالطواف في الحرم، والشمس حارة والزحام كثيف ، والناس واقفون عند الكعبة المشرفة يسألون المولي جل جلاله..



كان رجل من أهل اليمن يحمل لأمه على كتفيه، وقد تصبب عرقه واضطراب نفسه، وهو يطوف بها لأنها مقعدة، ويري أن من الواجب عليه أن يكافئها ، لأنه قد كان يوماً ت الأيام حملاً في بطنها ثم طفلاً في حضنها.



سهرت لينام، وجاعت ليشبع، وظمئت ليروي، فظن أنه كافأها حقاً



وكان ابن عمر الصحابي الجليل واقفاً عند المقام.



فقال الرجل: السلام عليك يا ابن عمر، أنا الابن وهذه والدتي، أتري أني كافأتها؟



قال ابن عمر : والذي نفسي بيده ولا بزفرة من زفراتها.



فكل هذا التعب والإعياء والجهد لا يساوي زفرة واحدة زفرتها في ساعة الولادة.



هذه صورة واحدة من صور المعاناة التي يقدمها الوالد وتقدمها الوالدة لهذا الإنسان.



جلس الرسول صلي الله عليه وسلم بين أصحابه، وإذا بشيخ كبير يدلف عليهم يتكئ علي عصاه، وقد احدودب ظهره ورق عظم واشتعل رأسه شيباً.



وقف علي رأس المعلم الجليل يشكو إليه من مظلمة من أبنه الذي عقه وتولي عنه في كبره.



فقال : يا رسول الله ابني ظلمني، ربيته صغيراً ، فجعت ليشبع، وظمئ ليروي ، وتعبت ليرتاح.



فلما اشتد ساعده تغمط حقي وأغلظ لي ولوي يدي.



فقال صلي الله عليه وسلم : (( وهل قلت فيه شيئاً))؟



قال: نعم يا رسول الله.



قال: (( ماذا قلت))؟



قال: قلت:



غدوتك مولــوداً وعلتك يافعاً تعمل بما أجري عليك وتنهل



إذا لليلة ضاقتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكيــاً أتململ



كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهمل



فلما بلغت السن والغاية التي إليها بدا ما فيك كنت أؤمل



جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المفضــل



فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل



فدمعت عيناه صلي الله عليه وسلم وقال: (( علي بالابن)).



فذهب الصحابة فقادوا ابنه فإذا هو في جسم البغل!



فأوقفه أمامه وأخذ بتلاليب ثوبه وقال: (( أنت ومالك لأبيك)) ، والمعني : أنت كمثل الرقيق لهذا الوالد يبيعك ويشتريك، فما أنت إلا من متاعه ودنياه.

وهذه الصورة تتكرر كثيراً في عالم اليوم، مرات من أناس شبوا علي الطوق وقويت سواعدهم واشتدت كواهلم وكبرت جماجمهم، فعقوا ربهم أولاً فما عرفوا بيوته، وأعرضوا عن كتابه وع سنة رسوله صلي الله عليه وسلم .



ثم عقوا الوالدين في وقت الضعف



فلم نعد نرى إلا الشيوخ والعجائز وهم يبكون من ذلكم العقوق الأليم.



وكم رأينا من طاعن في السن يدب على الأرض دبيباً يشكو ابنه.



ونحن نرفع شكواه إلي الواحد الأحد الذي ينصف سبحانه، والذي لا تسقط عنده مظلمة.



يروي لنا المعصوم صلي الله عليه وسلم قصة ثلاثة خرجوا إلي الصحراء من بني إسرائيل، فأظلم عليهم الليل البهيم، فصعدوا جبلاً ودخلوا غاراً ، فانطبقت عليهم الصخرة فسدت أبواب الغار، فلا اتصال ولا عشيرة ولا قبيلة ولا أهل.



وهذه ساعة الاضطرار، )أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء)(النمل: الآية62).



ولا يجيب المضطر إلا هو سبحانه، ولا يكشف المكروب إلا هو سبحانه، ولا يفرج عن المغموم إلا هو سبحانه.



ولقد ذكرتك والظلام مخيم والأسد تزأر في ربا الصحراء



في وحشة لو غبت عني ساعة لوجدتني شلوا من الأشلاء



ضل الطريق فقمت أدعو في الدجي متضرعاً في حندس الظلماء



فأتوا يدفعون الصخرة فما اندفعت، وليس عندهم لا طعام ولا كساء ولا شراب.



بل هو الموت المحقق.



فاتصلت حبالهم بحبال الله، والتجأوا إليه سبحانه.



فقال قائل منهم: والله لا ينجيكم أحد إلا الله، فادعوه بصالح أعمالكم.



فقام الأول فتذكر أعماله فما وجد أحسن ولا أطيب من بره بوالديه.



فخاطب الله علام الغيوب الذي يعلم السر واخفي وقال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي والدان شيخان كبيران وكنت لا أقدم عليهما أهلاً ولا ولداً، وقد غبت يوماً فأتيت وإذا هما نائمان فحلبت غبوقهما ـ أي لبنهما في الليل ـ فقمت بالإناء علي رأسهما حتى طلع الصباح والصبية يتضاغون ( أي يصيحون ) تحت قدمي أحداً عليهما.



اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك فاكشف عنا ما نحن فيه.



فانزاحت الصخرة قليلاً عن باب الغار غير أنهم لا يستطيعون الخروج.



فقام الآخر .. إلى آخر الحديث المشهور.



ويقول المعصوم صلي الله عليه وسلم : (( لا يدخل الجنة قاطع)).



ويقول صلي الله عليه وسلم : (( لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة))، أي: أشكو إليك القطيعة في الدنيا فأنصفني من القاطع.



(( قال الله لها : ألا ترضين أن اصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك؟ قالت: بلي، قال: فذلك لك)).



فالقاطع يقطعه الله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد22،23) .



وقد قرن سبحانه حقه بحق الوالدين في القرآن كثيراً، فقال: )وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الاسراء:23/24).



فكلمة (أف) علي صغر حروفها لا يجوز أن تقال للوالدين.



فكيف بمن تنعم في القصور والفلل وأهان والديه؟



وكيف بمن قدم زوجته على أمه؟



وكيف بمن أغلظ في الخطاب وعصى في الجواب؟



إنها صور تتكرر في مجتمعنا ونراها ونسمعها كثيراً.



فليت أصحاب العقوق يتعظون بتلكم الآيات والأحاديث التي تحذرهم من هذا المسلك الأليم، الذي لا يستحقه الأبوان اللذان تعبا وشقيا وربيا.



وليتهم يعتبرون بقصص الصالحين وببرهم بوالديهم.



كان ابن سيرين يقدم لوالدته الطعام ولا يأكل من الإناء الذي تأكل منه خشية أن تسبق يده إلى لقمة تشتهيها.



وكان الإمام أحمد على جلالته يخدم والدته في البيت حيث لم يكن لها إلا هو بعد الله معيناً.



فكان يصنع طعامها ويكنس بيتها ويقوم بالأعمال عنها.



وللعقوق صور كثيرة، منها عقوق الوالدين كما سب وهو اشهره.



ولكن هناك عقوق من نوع آخر، وهو عقوق الأمة لبارئها كما نري، حيث انصرفت عن دينها وعن طاعة ربها وأصبحت تقلد الكافر البعيد في كل أحواله وسلوكياته، متوهمة أن التطور والحضارة يكونان في ذلك التقليد وتلك التبعية.



وما علمت أن الحضارة والرقي هي في التميز بشخصيتها وتحقيق كتاب ربها وسنة نبيها صلي الله عليه وسلم على الواقع.



اسأل الله أن يسدد هذه الأمة ويعيدها إلى مجدها من جديد لتكون خير أمة أخرجت للناس.



والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-01-2007, 10:04 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road



استعاذ الرحم




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



أما بعد ..



عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه تبارك وتعالي قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة.



قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك واقطع من قطعك؟



قالت: بلي يا ربي.



قال: فهو لك)).



قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( فاقرأوا إن شئتم : : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد22،23) .



في هذا الحديث مسائل أولها: قوله صلي الله عليه وسلم : (( لما خلق الله الخلق)).



قال أهل الحديث: المقصود من الخلق خلق السماوات والأرض.



وقال ابن حجر: قد يكون لما خلق الله الخلق يعني لما كتب تقدير الخلق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض.



أقول: هذا خطأ وبعيد، وهو يخالف ظاهر الحديث، فإن الرسول صلي الله عليه وسلم أخبرنا جهارا أنه تعالي قد خلق الخلق أي انتهي من ذلك سبحانه وتعالي.



والمقادير كما تعلمون، وهو معتقد أهل السنة والجماعة، كتبها الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما في الحديث: (( إن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة))، فهو في كتاب عنده على العرش سبحانه وتعالي.



وفي الكتاب نفسه: (( إن رحمتي وسعت كل شيء))، وفي الكتاب: (( إن رحمتي سبقت غضبي)).



فنسأل الله أن يرحمنا وإياكم.



وقد خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام كما هو مبين في القرآن.



(( حتى إذا فرغ من خلقه))، يعني انتهي سبحانه وتعالي من خلق الخلق وتكوين السماوات والأرض.



(( قالت الرحم)) : أي الرحم الموصولة.



وبعضهم يقول: رحم المرأة لأنه مكان الحمل.



والذي يظهر: أنها العلاقة التي تربط الناس بعضهم ببعض.



قال تعالي: ) وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ )(النساء: الآية1).



فقالت : (( هذا مقام العائذ بك من القطيعة)). فتكلمت الرحم.



فهل تكلمت بلسان المقال أم الحال؟



المعتزلة يقولون في مثل هذا: تكلمت بلسان الحال، كقولة سبحانه وتعالي عن السماوات والأرض: ) قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت: الآية11)لا بصوت وإنما بلسان حالها.



وأهل السنة يقولون : لا.. بل نحمله على الظاهر وأنها تكلمت حقيقة، لأن الله أخبرنا أنها تكلمت.



فلماذا نصرف ذلك عن ظاهره؟



وفي رواية مسلم: أنها أخذت بقائمة العرش.



وفي رواية أخري صحيحة: أنها تعلقت بعرش الله كالشاكية تعوذ إلى الله من الذي يقطعها.



لأن المستجير يتعلق بمن به ويلتجيء إليه، ولذلك قالت: (( هذا مقام العائذ بك))، يعني: قمت يا ربي مقاماً أعوذ بك من القاطع وأستعيذ بك من القطيعة ، فأنقذني وأنجدني.



ولا يكون الالتجاء والعوذ إلا إلى الله سبحانه وتعالي، فقوله تعالي: ) فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)(النحل: الآية98).



وهو يعيذ سبحانه وتعالي ويحير عليه.



ولذلك لما سحر عليه الصلاة والسلام أنزل الله عز وجل قولهقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (الفلق:1) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (الناس:1).



فالاستعاذة تكون بالله، وإنما أشرك من أشرك من العرب لأنهم كانوا يستعيذون بغير الله.



فكانوا مثلاً يستعيذون بسيد الوادي من الجن.



قال تعالي: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) (الجـن:6) .



فالعوذ إنما يكون بالله، ولا يملك أن يعيذ إلا الله، لأنه صاحب المنعة.



ولذلك لأم سبحانه وتعالي من أتخذ إلها غيره فقال: )وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) (الفرقان:3) .



وفي كتب الأدب أن أحد الشعراء من الأندلس دخل على سلطان من سلاطين الدنيا فقال:



ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار



فسكت السلطان المجرم، وأقره عليه الناس وما أنكروا.



فأخبره الله من هو الواحد القهار، ومن هو الذي بيده مقاليد كل شيء.



فابتلي الله هذا الشاعر بمرض عضال أعيي به الأطباء، حتى أنه كان ينبح كما ينبح الكلب علي فراشه، ويتقلب ظهراً لبطن ليلاً ونهاراً.



لأن الله أراد أن يذيقه معني هذا البيت.



وفي الأخير انتبه الشاعر من سكاره، وأخذ يقول وهو في مرض الموت وقد أصبح جلداً على عظمك:



أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالقي



لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق



قالوا للإمام احمد: ما هو التوكل؟



قال: التوكل كما فعل إبراهيم لما أصبح قريباً من النار قال: ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173).



ويذكرون في ترجمة إبراهيم عليه السلام أنه لما وضع في المنجنيق فأصبح بدل القذيفة...



فتولي عنه الأصدقاء والأحباء والقرابة، فأصبح التوحيد في باطنه وفي قلبه مثل الجبال لأنه سيد الموحدين مع رسولنا صلي الله عليه وسلم .



فقال جبريل له وهو في الهواء: يا إبراهيم ألك إلى حاجة؟



وجبريل عليه السلام بإذن الله باستطاعته أم ينقذه.



فقال إبراهيم: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم.



فما أصبح قريباً من النار قال: ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173) النبي صلي الله عليه وسلم فلما أصابه سوء.



وفي صحيح البخاري موقوفاً على ابن عباس قال رضي الله عنهما: ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173). قالها إبراهيم لما ألقي في النار، ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) وقالها محمد صلي الله عليه وسلم لما قيل له: ) إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173). الجواب: )فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:174) .



وتقدم كثيراً قصة خالد بن الوليد لما أتي إلى معركة اليرموك وكان جيشه يقارب ثلاثين ألفاً وجيش الروم مائتان وثمانون ألفاً.



فلما التقي الجيشان واصطف الجمعان وتبارز الفريقان قال أحد المسلمين لخالد: ما أكثر الروم وما أقلنا!



قال خالد: لا والله، بل ما أكثرنا وما أقل الروم، لأن الله معنا سبحانه وتعالي.



قال مسلم آخر: أظن يا خالد أنا نفر اليوم إلى جبل أجا وسلمى.



قال: لا والله لا نفر إلى جبل أجا وسلمى، ولكن نفر إلى الله : ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173).



وبدأت المعركة فانتصر خالد، لأن الله حسيبه وهو كافيه سبحانه وتعالي.



قال : (( قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة))، أي: أعوذ بك يا رب ممن يقطعني في الحياة لأن قاطع الرحم استحق اللعنة من الله، ففي الكتاب الحكيم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه)(محمد: 22/23). فهو ملعون.



يقول جعفر الصادق لابنه: يا بني لا ترافق ثلاثة:



1- لا ترافق الفاجر فيعديك بفجوره.

2- ولا ترافق قاطع الرحم، فإنه ملعون في السماء ملعون في الأرض.

3- ولا ترافق البخيل، فإنه يبيعك وأجيرك من القاطع.



قال الله: (( نعم))، يعني أعيذك وأجيرك من القاطع.



ثم قال سبحانه : (( إما ترضين أن اصل من وصلك وأقطع من قطعك))؟



قالت: (( بلي)).



والجواب ببلي لأن العرض كان بأداة الاستفهام.



ولذلك لما قال سبحانه وتعالي: ) أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى )(لأعراف: الآية172).



قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو قالوا: نعم، لكفروا ، لأنه لا يجاب عند الاستفهام بنعم، لأن معناها يكون حينئذٍ التقرير بالمذكور ، فكأنهم يقولون والعياذ بالله: نعم لست بربنا!



ثم قال عليه الصلاة والسلام: (( أقرأوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه)(محمد: 22/23).



يقول سبحانه: إذا فعلتم ما فعلتم وكفرتم بالله فما بقي عليكم إلا أن تقطعوا أرحامكم ، هذا مجمل معني الآية.



وهذا كما تقول للإنسان إذا أذنب واخطأ: ما بقي عليك إلا أن تترك الصلاة، أو إذا شئت اترك الصلاة.



وأنت لا تقره على ذلك لكنك تتهدده وتنذره.



فالله يقول: إذا توليتم عن الإيمان فلن يبق إلا أن تقطعوا أرحامكم ، فهو أهون ذنباً من ترك الإيمان.



وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (( إن الرحم شجنة من الرحمن فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)).



قوله: (شجنه) ضبطت ( شجنة) و ( شجنة).



والشجنة: القطعة من الشيء.



والشجون: المنحيات في الوديان.



والشجون كذلك: العروق في الجسم.



والشجون: هي الأحاديث التي يأخذ بعضها ببعض. تقول العرب: الحديث ذو شجون، أي الحديث يأخذ بعضه ببعض ، تقول العرب: الحديث ذو شجون، أي الحديث يأخذ بعضه ببعض، والحديث مشوق لا ينتهي الإنسان من حديث إلا ويبدأ في حديث آخر، كما يقول ابن الرومي:



وحديثهما السحــر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحرز



إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز



ويقولون : الشجن الأسى واللوعة ، أنا ذو شجن أي أنا ذو أسى ولوعة.



وأشجاني كذا: أي ذكرني وأطربني.



تذكرت والذكرى تهيج على الفتي ومن عادة المحزون أن يتذكرا



والشجنة هنا القطيعة من الشيء ، يعني من الرحمن.



قيل : فيض من فيوضاته سبحانه وتعالي.



وقيل: خلق من خلقه، فتكون إضافتها من باب التشريف أي أن الله خلقها سبحانه وتعالي.



أو اشتقت لها اسماً من اسمه تبارك وتعالي( الرحمن) ، وهذا الاشتياق للتشريف.



وبعض أهل العلم من أهل السنة يقولون: إن اسم الرسول محمد صلي الله عليه وسلم مشتق من اسم الله، لأن الله هو المحمود سبحانه وتعالي وهو صاحب الحمد، حتى يقول حسان:



وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد



قال الله: (0 من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته،))، وهذا كالحديث السابق.



وليعلم أن صلة الرحم المرغب فيها كثيراً هي أن تصل أرحامك الذين يقطعونك وتحرص على ذلك، فهذا أعلى درجات صلة الرحم، لأنه صلي الله عليه وسلم كان يقول: (( ليس الواصل بالمكافىء ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)).



أي أن الذي يستحق اسمم الوصل هو من يصل من يقطعه من أرحامه.



ولذلك مر علينا كثيراً قصة الرجل يصل أرحامه ويودهم وهم لا يصلونه ولا يودونه ، فاشتكي إلى الرسول صلي الله عليه وسلم فقال له صلي الله عليه وسلم : (( لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)) والمل هو: الرماد الحار.



وهذا كما قال الشاعر:



وإن الــذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا



إذا هتكوا عرضى وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا



ولا أحمل الحقــد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا



لهم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قل مالي لم أكلفهم رفــــدا



أسال الله لي ولكم أن يجعلنا ممن يصل أرحامه ليصله الله في الدنيا والآخرة.



والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



القرني

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-01-2007, 10:06 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

أحوال البيوت




الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض.. وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون.. والصلاة والسلام على المعلم النحرير، والهادي والبشير النذير، محمد بن عبد الله.



أما بعد..



إخواتي في الله.. لقد حمل آباؤكم هذه العقيدة في الوغي ففتحوا بلاد الفرس والرومان، وحفظوا حدود الله في أيامه وتباعدوا عن طاعة الشيطان.



فانظر لمن تنكب طريقهم؟ من الذين هجروا المساجد والصلاة، وتركوا سنن الرسول ومنهج القرآن، ونادوا بتحرير المرأة وخروجها من بيتها لتخالط الرجال.. وتزاحمهم في كل مكان.



يقول الشاعر فيهم:



أمـا التـــلاوة فالغنــــاء لديهـم



لعـب البلــوت وجلـــسة الـــدخان



أكلوا الــربا وتسابقــــــوا كسبه



وتصـــارعوا لمــخــدر فـــتــان



فاستأهلوا غضب الإله فدكـــهـــم



بالجــوع والتكسيــر والفيضــــــان





(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112)

(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102)

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً) (8(فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً) (الطلاق:8/9) .

في العدد الأخير من جريدة (المسلمون) نبأ مخيف ومرعب.. خبر مزعج ..قصة طويلة لأربع نسوة عرب في بلد عربي يدعي الإسلام.

أولئك النسوة انتقلن إلى بلد عربي آخر فقبضن كمروجات مخدرات.. وهؤلاء النسوة تصل أعمار بعضهن الستين! معهن أطفال وأزواج وبنات وأولاد!

ولكن من نسي الله قطع الله حبله.



فحكم عليهن بالإعدام.. ونحن لا نعترض علي الإعدام .. فهذا أقل جزاء لمثل هذا النموذج من الناس.

(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33)


إنما نتساءل : ما أسباب هذه الجريمة التي أغضبت الله؟ وما أسباب هذه السقطة التي ما بعدها سقطة؟ ما هو التحليل الاستقرائي والاستنتاج العلمي لهذه المعصية التي يقع فيها المجتمع المسلم صباح مساء؟ وتشارك الفتيات مع الشباب في ترويج المخدرات والزنا والعهر والجلسات الحمراء، وإغضاب الله الواحد الأحد.

السبب هو أنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم، (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُم)(الحشر: الآية19).

بل وحد في بعض المناطق أن بعض النساء بلغت الأربعين وهي لا تصلي! ولا تعرف أحكام الحيض ! ولا أحكام الغسل من الجنابة!

إنه نسيان الله.. إنه الجهل بالدين.

واستبدلوا هذا الإيمان بهذه المغريات الحادثة، كالفيديو الذي يهدم في الساعة الواحدة ما يهدمه جيش نابليون وهتلر في السنة.



وبالمجلة الخليعة التي أصبحت تباع مع الخضروات والخبز.. وتهدم بالصور العارية ما تهدمه الجيوش العالمية في ستة أشهر.



ثم يوحد معهن زوج أو أب يأكل ويشرب لكنه لا يحمل الإيمان.. لا يحمل الغيرة ولا الغضب لانتهاك حدود الله، فلا يزعجه أن تخرج امرأته سافرة.. متبرجة.. متعطرة..متزينة.. فتذهب الساعات الطويلة في الأسواق . وتخرج الفتاة وتعا-بالهاتف من شاءت، وتراسل من شاءت.. إلا من رحم الله.

والأب لم يدخل الإيمان البيت، ولم يعلم أهل بيته الصلاة، ولم يدخل لهم الكتيب الإسلامي ولا الشريط الإسلامي.

ولم يصطحب أهله إلى درس إسلامي أو محاضرة إسلامية، فتبقي المرأة جاهلة بالإسلام، تسمع ألف أغنية.. وتري ألف مسلسل.. وتشاهد ألف مسرحية.. وتطالع ألف مجلة.



ولكنها ما سمعت تلاوة للقرآن، أو حديثاً نبوياً، أو محاضرة ، أو درساً.

وقد زاد من هذا التحلل والفساد وجود طبقة من المجتمع الإسلامي تسعي بعلم أو دون علم إلى هدم أخلاقه.. ونشر الرذيلة فيه.. فمثلاً:

إحسان عبد القدوس له أكثر من ثلاثين سنة نشرة يكتب فيها، فيستهزئ بالرسول صلي الله عليه وسلم ، ويستهزئ بالرسالة، ويستهزئ بالدين.. وله كتاب عنوانه ( أنا حرة) ينادي فيه المرأة أن تعصي زوجها وأن تصاحب من شاءت من الناس وان تصادق كل أحد.. ثم يقول : الزنا عرف تقليدي!!

ونجيب محفوظ الذي أخذ جائزة نوبل علي الدجل.. لأنه روج للإلحاد .. ولأنه أداة للصهيونية العالمية.. له قصة بعنوان ( أولاد حارتنا) يستحي الشيطان أن يقرأها! من الخبث والدعارة والانحطاط الذي فيها )أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ )(الجاثـية: الآية23)ز

إن اعظم واجباتنا في الحياة أن تكون أمة تشهد على الناس )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً )(البقرة: الآية143)، نكون شهداء على الناس إذا قمنا بواجب الله بأنفسنا .. وبدين الله في مجتمعنا .. والشهادة على الناس بأن نشهد على الأمم هل هم مستقيمون أم منحرفون؟ هل هم عاصين أم ضالون؟ هل هم راشدون أم غاوون.

لكن كيف نشهد على الناس إذا كنا منحرفين متهاونين عاصين متمردين على شرع الله؟

يقول تعالي: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )(آل عمران: الآية110)، نكون خير أمة إذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر.. وهي مسالة ماتت إلا في قلب من رحم الله، وأصبحت عند كثير من الناس، بل الرأي العام، منوطة بفئة من الناس لا يجوز أن يأمر إلا هم .. ولا ينهي إلا هم.. ولا يدعو إلا هم، وهذا خطا.

قال تعالي: )لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78/79) .

فواجب علينا أن نهتم بأمر النساء بالمعروف ونهيهن عن المنكر، لأن الرسول صلي الله عليه وسلم أخبر أن اشد فتنة تقع فيها الأمة هي فتنة النساء.

وأن نستهل موضوع الزواج، وأن نرحب بالصالحين من شباب المسلمين، وأن نمنع تكدس الفتيات في البيوت !



فتاة من الفتيات بلغت الأربعين ، ومنع أبوها أن تتزوج، وغيرها كثير.. فواجب أن ننصح هؤلاء الآباء بعدم المغالاة في مهور بناتهم..

وأن يحرصوا على إعفافهن .. في زمن كثرت فيه الفتن.

فالزواج من سنن المرسلين (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً )(الرعد: الآية38).

فالواجب على المسلمين أن يسهلوا أمور الزواج، فأشرف بنات العالمين فاطمة الزهراء بنت محمد صلي الله عليه وسلم ، أم الحسن والحسين، مهرها درع لا تساوي درهمين.

وبنت سعيد بن المسيب يتقدم لها الوليد بن عبد الملك ابن خليفة المسلمين فيرفضه سعيد.

قالوا : لم؟

قال: أأنقلها من بيت القرآن إلى بيت الغناء والقيان؟

ثم زوجها بدرهمين لفقير من طلابه، لأن الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)).

والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



القرني

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-01-2007, 10:08 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

أصول التربية النبوية


الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكوراً.

والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة.

اللهم صل على محمد ما تفوح بمسك وفاح، وما ترنم حمام وناح، وما شدا بليل وصاح.

المصلحون يد جمعت هي أنت بل أنت اليد البيضاء

فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لم تفعل الأنواء

وإذا رحمت فأنت في الدنيا أم وأب هذان في الدنيا هما الرحماء

فصلي الله وسلم على بطل الدعوة الرائدة، وأستاذها وموجهها ومعلمها، فما اجتمعنا إلا على رسالته، ولا تآخينا إلا على منهجه، ولا تصافينا إلا على مبادئه الخالدة.

كيف ربي رسول الله صلي الله عليه وسلم أصحابه؟

وكيف أخرجهم عظماء؟

يوم أتي زعماء التراب فمحقوا شعوبهم ليربوا منهم عبيداً وأرقاء.. أتي محمد صلي الله عليه وسلم ليخرج من الأمة العربية البائسة أمة ماجدة خالدة )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2)


يا قوميون أين مجدكم قبل الإسلام؟

وأين تاريخكم قبل الرسالة الخالدة؟

فأنتم لا شيء قبل محمد صلي الله عليه وسلم.

إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها

بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها

لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت سعى لها

فأمدها مدداً وأعلي شأنها وأمات شانئها واصلح بالها



فهذه الدعوة المباركة تحتاج إلى موجه ومرشد وأستاذ وبطل.

وموجهها وأستاذها وبطلها محمد صلي الله عليه وسلم ، فهو لا يزال يقود الركب بسنته حتى يسلم ويدخلها من باب الجنة صلي الله عليه وسلم .

ظن المستعمر أنه سوف يسحق شبابنا، وسوف يهاجم شبابنا بالمرأة والكأس.

وأبى الله إلا أن يتم نورهن ورد كيد المستعمر في نحره، وأقبلت وجوه الشباب تسجد لله ويقول لسان حالها:

ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا

أصول هذه الرسالة خمسة:

أولها: تربية صلي الله عليه وسلم لصحابه على الحب لله ورسوله حباً يقطع من أجله الجسم وتمزق من أجله شغاف الروح.

الأصل الثاني: تربيتهم على الشجاعة والإقدام ، حيث يقتحمون الأسوار ويسلمون أرواحهم للسيوف تمزقها لتدخل جنة عرضها السماوات والأرض.

الأصل الثالث: الصراحة والوضوح.

الأصل الرابع: الرفق الذي سلكه محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم قدم دعوته للناس في أطباق الحب على رياحين المودة، وعلى باقة من الإخلاص والانسجام.

أما الأصل الخامس: فهو تربيتهم على الطموح وعلو الهمة، وأن لا يرضي أحدهم بالدنيا وذهب الدنيا من أجل أن يبيع ولو طرقة عين من مبادئه.

فأما الأصل الأول: فإنه أعظم الأصول، فقد أتي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة فجاء اليهود يتعاطسون عنده ويقولون : نحن نحب الله، لكن ما نتبعك ، فكذب الله حبهم وأبطل دعواهم وقال لهم: )قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )(آل عمران: الآية31) .

)لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21).

أتي صلي الله عليه وسلم فلقن حب الله عز وجل حبه صلي الله عليه وسلم .

يقول له عمر كما في البخاري : يا رسول الله، والله إنك أحب إلى من مالي ومن أهلي ومن ولدي إلا من نفسي.

قال: (( لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك)).

قال: فوالله يا رسول الله إنك أحب إلى حتى من نفسي.

قال : (( الآن يا عمر)).

وعند الترمذي بسند حسنه بعض أهل العلم أن عمر لما أراد العمرة قال له صلي الله عليه وسلم : (( لا تنسنا من دعائك يا أخي)).

قائد عظيم وزعيم عملاق يقول لأحد تلاميذه (أخي).

قال عمر معلقاً: كلمة ما أحب أن لي بها الدنيا وما عليها.

وذهب عمر إلى العمرة ولكن كأنه قد ترك قلبه مع الرسول صلي الله عليه وسلم وأشواقه وأحاسيسه.

بنتم وبنا فما ابتليت جوارحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآفينا

نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

والحب أثبت أصالته في المعركة.

فمن الذي دفع أنس بن النضر أن يهب بسيفه إلى بسيفه إلى أحد فيقول له سعد بن معاذ : عد يا أنس.

قال: إليك عني يا سعد، والله الذي لا إله إلا هو إني لأجد ريح الجنة دون أحد.

ويموت ويضرب بثمانين ضبرية.

أليس هذا بحب صادق؟

ومن الذي دفع حنظلة الغسيل أن يترك زوجته في أول ليلة ويهب وعليه جنابه، فيقتل نفسه في سبيل الله ويقدم نفسه علامة على الحب، حتى يقول صلي الله عليه وسلم وهو يلتفت إلى السماء ويشيح بطرفه: (( والذي نفسي بيده إني لأرى الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض)).

أليس بحب هذا؟ بلي والله إنه من أعظم الحب وأرقي الحب.

ويأتي عبد الله الأنصاري والد جابر فيتكفن ويتطيب بعد أن يكسر غمد سيفه على ركبته، ويلتفت ويقول: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضي.

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها

والجود بالنفس أغلى غاية الجود

ويذهب للمعركة فيقتل، فيبكي ابنه جابر فيقول صلي الله عليه وسلم : (( لا تبكه، أو ما تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع)). ويقول النبي صلي الله عليه وسلم في شأنه أيضاً : (( ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجابه، وأحيا أباك فكلمة كفاحاً، فقال : تمن على أعطك ، قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون))

فجعل الله روحه وأرواح إخوانه الذين قتلوا معه كما جاء في الحديث(( في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل..)).

ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأي رضاك أعز شيء فاشترى

هم أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم الذين رباهم على الحب.

وعبد الله بن جحش أول من سمي بالأمير يأتي يوم أحد فيقول: يا رب ، اللهم إنك تعلم أني أحبك وهذا مهر البيعة، اللهم إن كنت تعلم ذلك فلاق بيني وبين عدو لك قوي باسه فيقتلني فيك.

لم يقل أقتله، بل قال يقتلني ، فيبقر بطني ويجدع انفي ويفقأ عيني ويقطع أذني، فإذا قلت لي: لم افعل بك هذا؟ قلت: فيك يا رب.

ولذلك فأحباب الله يسارعون إلى محاب الله.

وفي حديث عند الطبراني من قوله صلي الله عليه وسلم : (( يضحك ربك إلى ثلاثة))، ولله ضحك يليق بجلالة لا نكيفه ولا نمثله ولا نشبهه ولا نعطله.. أحد الثلاثة رجل حمله الحب فسافر في قافلة وتعب من السفر، فلما نزل أصحابه ناموا على الأرض وأما فما نام، قام إلى الماء البارد وتوضأ ، فاستقبل القبلة وأخذ يبكي ويدعو ويناجي الواحد الأحد.

فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي انظروا لعبدي هذا: ترك فراشه الوثير ولحافة الدافئ وقام إلى الماء البارد يتوضأ ويدعو، أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة.

أليس هذا بحب؟ بل أعلي من كل حب.

وفي مذكرات لبعض الدعاة أن شاباً مسلماً من بلاد الجزيرة العربية سافر إلى بلاد الإنجليز، إلى لندن، وهناك أعلن توحيده وأعلن صموده وأعلن إيمانه، لأنه خرج من بلاد الحرمين ومن جزيرة التحدي.

سكن في بيت إنجليزي مع عجوز، فكان يقوم مع صلاة الفجر في البرد القارس المثلج، فيتوضأ والعجوز تلاحظه.

فتقول له: أمجنون أنت؟

قال: لا

قالت: وكيف تقوم في هذه الساعة لتتوضأ؟

قال : ديني يأمرني بذلك.

قالت: ألا تؤخر؟

قال: لو أخرت ما قبل الله مني.

فهزت رأسها وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد، هذه إرادة تكسر الحديد.

أما الأصل الثاني: فتربيتهم على الشجاعة والإقدام.

فالحياة ليست عبودية للمادة أو خوفاً من المستقبل وتأمينه، فالمستقبل بيد الله سبحان وتعالي فهو الذي يؤمنه.

يقولون للشاب في الثلاثين: أمن مستقبلك، فإذا مستقبله زوجة وسيارة وفلة.

يصبح فيقول: أصبحنا وأصبحت الفلة لله، وأمسينا وأمست السيارة لله.

يفكر في الفلة وهو ساجد، وفي الزوجة وهو راكع، وفي السيارة وهو على جبنه.

أي طموح وأي شجاعة هذه؟

ويموت من أجل الفلة، ويحب من أجل الفلة، ويسميها مستقبلاً.

وهذا ليس مستقبلاً، لأن المستقبل أن تكون مؤمناً بالله وأن تهيئ لك مكاناً في جنة عرضها السماوات والأرض.

لقد ربي المربي العظيم تلاميذه على أن يبيعوا أنفسهم من الله سبحان وتعالي.

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111).

قال ابن القيم ما معناه: أنزل الله حكماً من السماء، أتي به جبريل وأملاه محمد صلي الله عليه وسلم ، ونص المعاهدة: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى )(التوبة: الآية111).

فتقدم أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم بالثمن وهو الأرواح، والسلعة وهي الجنة فتبايعوا.

فقال ابن رواحة: يا رسول الله ماذا تريد منا؟

قال: (( أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأطفالكم وأموالكم)).

قال: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟

قال : (( لكم الجنة)).

قال: ربح البيع، والله لا نقبل ولا نستقيل.

ثم قم من المجلس.

قال ابن القيم : والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإذا تفرقا فقد وجب البيع.

يرسل صلي الله عليه وسلم حبيب بن زيد رسولاً على مسيلمة الكذاب.

فيقول له مسيلمة: من أنت؟

قال : أتتشهد أن محمداً رسول الله؟

قال : نعم اشهد.

قال: أتشهد أني رسول الله؟

قال: لا أسمع شيئاً.

فأعاد عليه الكلام ،فأعاد الجواب.

فأمر جنوده أن يقطعوه إرباً إرباً ، وقطعه قطعة، فأخذوا يقطعون منه قطعة فتتدحرج بالدم إلى الأرض.

فيعيد الكلام عليه قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟

قال: نعم أشهد.

قال: أتشهد أني رسول الله؟

قال: لا أسمع شيئاً.

حتى قتله ونحره شهيداً وارتفعت روحه إلى الله، (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (27)

(ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (28) (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) (29) (وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر:27-30).

وجعفر بن أبي طالب تقطع يده اليمني في مؤتة فيأخذ الراية باليسرى، فتقطع يسراه، فيحتضن الراية، فتقع السيوف في صدره وهو يقول وهو يبتسم.

يا حـــبذا الجــنة واقترابـــــها



طيبــــة وبارد شرابــــــها

والـــروم روم قد دنا عذابــــها

كافرة بعيدة أنســـــابــــــها

على إن لاقيتهــا ضـــرابــــها

وخالد بن الوليد بعد قتل القواد الثلاثة في مؤتة أخذ السيف فكسره على رؤوس الأعداء، ثم أخذ الثاني فكسره، حتى كسره تسعة أسياف، فما صبرت في يده إلا صحيفة يمانية.

قال ابن كثير: قتل بذلك بيده اليوم خمسة آلاف.

تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها

وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مجريهـــا

وما أتت بقعة إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيــــها

ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمي الروم إلا طاش راميــها

وعمير بن الحمام يسمع الرسول صلي الله عليه وسلم يوم بدر وهو يقول لأصحابه: (( لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه)) فدنا المشركون، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض))، فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض، قال: (( نعم))، قال: بخ بخ. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( أما يحملك على قولك بخ بخ)) قال : لا ، والله يا رسول الله إلا رجاءه أن أكون من أهلها، قال: (( فإنك من أهلها)) فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال : لئنا أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة ، فرمي بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.

ولسنا على الأعقاب تدمي كلومنا

ولكن على أقدامنا تقطر الدمــا

وربي صلي الله عليه وسلم أصحابه على الصراحة والوضوح ، وهو الأصل الثالث من أصول التربية، فليس هناك ألغاز ولا مجاملات، ولا نفاق ولا تقية، بل هو وضوح وصفاء.

فأبناء الصحراء يعيشون بصفاء الصحراء.

يأتي رجل كما في الصحيحين فيقول: يا رسول الله هلكت.

قال: وقعت على أهلي وأنا صائم.

قال: (( أعتق رقبة)).

قال: ما أملك إلا رقبتي.. وضوح وصراحة.

قال: وهل أوقعتني فيما أوقعتني إلا الصيام.. يعني ما استطعت أكمل يوماً ووقعت، فكيف أصوم شهرين؟

قال: (( أطعم ستين مسكيناً)).

قال: على أفقر مني!

قال: (( أجلس)).

فجلس ، فأتي النبي بعذق، فقال صلي الله عليه وسلم : (( خذ هذا تصدق به على الفقراء في المدينة)) أو كما قال.

قال: أعلى أفقر منى يا رسول الله؟ والله ما بين لابتيها رجل أفقر منى.

قال: (( خذه وأطعمه أهلك)).

أليس في هذا وضوح وصراحة بلا مجاملة؟

لقد ربي صلي الله عليه وسلم أصحابه على أن يتكلموا بما في قلوبهم، وجعل من خالف قوله فعله من أهل النفاق، ( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِم)(الفتح: الآية11).

أما المؤمن فقلبه ولسانه سيان.

يأتيه رجل فيقول صلي الله عليه وسلم : (( اسلم)).

قال : اسلم يا رسول الله ولكن أشترط شرطاً ( وضوح وصراحة).

قال: (( ما هو؟)).

قال : أن تبيح لي الزنا فإني لا أستطيع أن اصبر.

فقام الصحابة يريدون أن يضربوه ويؤدبوه، فقال صلي الله عليه وسلم : (( دعوه)).

ثم وضع يده الحبيبة الشريفة على صدر هذا الرجل وقال: ((أترضاه لأمك؟))

قال: لا

قال: ((أترضاه لأختك؟)).

قال: لا

قال: ((رضاه لابنتك؟))

قال: لا

فقال: (( كيف ترضى للناس ما لا ترضي لنفسك؟)).

قال: أشهد أنك لرسول الله، أتوب إلى الله حتى من الزنا.

تربية خالدة وعلم رائع جميل.

الأصل الرابع: اللين والرفق، فقد أتي صلي الله عليه وسلم بمدرسة اللين والرفق، وما كان اللين والرفق في شئ إلا زانه وما نزع من شئ إلا شأنه.

أرسل اله عز وجل موسى وهارون إلى فرعون فقال لهما وهما في الطريق: )فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه:44) .

اللين عجيب.

فخذ لك صاحبـــاً خليلاً فإني مبتغي صاحباً مثلي

عزيز منالي لا ينال مودتي إلا مسلم كامل العقل

ولا يلبث الأخذان أن يتفرقوا إذا لم يؤلف روح شكل إلى شكل

يقول صلي الله عليه وسلم : (( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة)).

ويقول الحبيب : (( ألا أنبئكم بأحبكم إلى وأقربكم منى مجالساً يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقاً)).

وقال تعالي عنه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4)

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(آل عمران: الآية159) (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) .

يأتي ليصلي صلي الله عليه وسلم ، فيأتي أعرابي من الصحراء ليصلي معه، وفي التحيات يدعو الأعرابي ويرفع صوته ويقول: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً!

فيسلم صلي الله عليه وسلم فيقول: (( من قال منكم كذا وكذا؟)).

وهو يدري أنه الأعرابي ، لكن يريد أن تأتي من الإعرابي.

فسكت الناس.

قال صلي الله عليه وسلم : (( من قال منكم كذا وكذا؟)).

فرفع الأعرابي يده لينال جائزة!!

فقال: أنا يا رسول الله.

فتبسم صلي الله عليه وسلم وقال ك (( لقد تحجرت واسعاً، إن رحمة الله وسعت كل شيء)).

يقول تعالي: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء)(لأعراف: الآية156).

فما يلبث الأعرابي إلا أن يكمل طريقة ومشواره فيذهب في طرف المسجد فيبول!

فيقوم الصحابة يريدون أن يلقنوه درساً من التعليم لا ينساه أبداً.

فيقول صلي الله عليه وسلم : (( دعوه ، اتركوه)) ويجلسهم صلي الله عليه وسلم ويستدعي الأعرابي ويجلسه لأن الأمر أسهل من ذلك.

ويقول صلي الله عليه وسلم : (( إلى بذنوب من ماء))، فيأتون بذنوب من ماء فيصبونه على بول الأعرابي.

لقد انتهت المشكلة.

فقال صلي الله عليه وسلم للأعرابي : (( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من الأذى، إنما هي للتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل)).

فيقوم الأعرابي فيتوضأ ويصبح مسلماً، ويخبرهم صلي الله عليه وسلم أنهم لو ضربوه لدخل النار بسببهم.

ويأتي أعرابي آخر فيجر بردة الرسول صلي الله عليه وسلم فتؤثر حواشيها في عنق وفي كتف الرسول صلي الله عليه وسلم ، فيلتفت صلي الله عليه وسلم ، فيقول الأعرابي: أعطني يا محمد من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا أمك.. وما الداعي لهذا الكلام؟ ولم هذا الحرج؟ ولماذا هذه الجفوة؟

فنظر صلي الله عليه وسلم إليه وتبسم وضحك إليه.

فقام الصحابة يريدون البطش به.

فقال صلي الله عليه وسلم : ((دعوه )) ثم أخذ من يده وأعطاه من مال الله زبيباً وحباً وثياباً وقال: (( هل أحسنت إليك ؟)).

قال: نعم، فجزاءك الله من أهل وعشيرة خير الجزاء.

قال: (( إذا خرجت فقل لأصحابي ذلك فإنهم وحدوا في أنفسهم)).

فيخرج به صلي الله عليه وسلم فيسأله أمامهم: (( هل أحسنت إليك؟)).

قال: نعم جزاك الله من أهل وعشيرة جير الجزاء.

فتبسم صلي الله عليه وسلم ويقول: (( أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي؟)).

قالوا: لا يا رسول الله.

قال: (( مثلنا كرجل كان له دابة فرت منه فلحقها، فلما رآها الناس لحقوها فما زادت لا فراراً، فقال الرجل: يا أيها الناس خلوا بيني وبين دابتي فأنا أعرف بها، فأخذ شيئاً من خشاش الأرض وخضار الأرض فأشار للدابة فأتت وأكلت، فأمسكها وقيدها، ولو تركتكم وهذا الأعرابي لضربتموه ثم ارتد فدخل النار)).

وعاد الإعرابي إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا عن بكرة أبيهم.

إن هذا الأصل الرابع من أعظم أصول التربية، وإن الجفاء والغلظة لا تكسبك إلا بغضاً وحقداً، وإن اللين لا يكسبك إلا حباً في القلوب والأرواح.

قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه: والله ما رآني صلي الله عليه وسلم إلا تبسم وجهي.

ما أحسن البسمة! هي السحر الحلال.

قيل لأحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟

قل: تبسمك في وجوه الرجال.

وفرق بين المتكبر الجاف الذي لا يبتسم، وإذا تبسم كأنه يقطر عليك بالقطارة، أو كأنه ينفق عليك من دمه ، أو كأنه يمن عليك بالبمسة، وبين من تلقاه بشوشاً طلقاً.

وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار

هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار

ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً اعكوك من نورهم ما يتحف الساري

تروي وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري

من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم يسري بها الساري

وفي صحيح مسلم أن معاوية بن الحكم السلمي دخل المسجد فصلي مع الصحابة وراء الرسول صلي الله عليه وسلم ، فعطس رجل، فقال معاوية ـ وهو لا يعرف الحكم ـ : رحمك الله!

فعطس ثانية.

فقال: رحمك الله.

فضرب الصحابة على أفخاذهم ينبهونه.

قال: ويل أمي ماذا فعلت؟

يريدونه يسكت فزاد في الكلام.

فلما سلم صلي الله عليه وسلم قال معاوية: فدعاني بأبي هو وأمي، فما رأيت معلما أحسن منه ولا أحلم منه ولا أرحم منه، ما كهرني ولا سبني ولا شتمني بل وضع يده على كتفي وقال: (( إن هذه الصلاة لا تصلح للكلام، وإنما هي لقراءة القرآن والذكر والتسبيح)).

وأي إبداع بعد هذا الإبداع؟ وأي لين بعد هذا اللين؟

أما الأصل الخامس فهو الطموح وعلو الهمة.

فقد ربي صلي الله عليه وسلم أصحابه علي التعلق بالعالي وترك السفاسف.

ولذلك تجد شبابهم وأطفالهم في زمن الرسول صلي الله عليه وسلم كانوا أصحاب همة عالية وطموح راق، فابن عباس مثلاً من طموحه أنه كان يتابع الرسول صلي الله عليه وسلم في بيت خالته ميمونة ليعلم كيف يقيم الليل وكيف يكون شأنه أثناء الليل.

وابن عمر رضي الله عنهما يتخصص في متابعة حركات وسكنات الرسول صلي الله عليه وسلم خارج بيته وهو لا زال صغير السن.

فلذلك حفظ كثير من السنن التي لم تأت إلا من طريقه.

وهكذا غيرهما.

فأين أولئك من أطفالنا في هذه السنين ؟ عندما اصبح أكبر طموحهم أن يجمعوا الطوابع أو يضيعوا الوقت في اللعب.

أو أن يكون أحدهم في الكبر تاجراً يملك الملايين أو صاحب منصب يتباهي به عند الناس.

ومن همة الصحابة أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان جالساً معهم يوماً من الأيام، فأخبرهم أن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وهكذا..

فقال أبو بكر وهمته تحركه: يا رسول الله أيدعي أحد من تلك الأبواب جميعاً؟

قال صلي الله عليه وسلم : (( نعم يا أبا بكر وأرجو أن تكون منهم)).

من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجيء في الأول

فيسألهم صلي الله عليه وسلم عن حاجتهم فكل منهم اختار شيئاً زائلاً

أنظر إلى الهمة والطموح.

فقال صلي الله عليه وسلم : (( أعني على نفسك بكثرة السجود)).

هذه نماذج من الهمة العالية التي غرسها صلي الله عليه وسلم في أصحابه.

والنماذج كثيرة من حياتهم الحافلة.

فواجب على كل مرب أن يغرس هذا المبدأ، مبدأ الطموح والهمة العالية في نفوس أبنائه وتلاميذه حتى يتربوا على حب المعالي والمنازل الرفيعة بدلاً من أن تجول طموحاتهم حول السفاسف والأمور الهزيلة.

والله أعلم ، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

القرني

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-01-2007, 10:10 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

إليكم أبها الآباء


الحمد لله الذي جعل الأبناء لعيون الآباء قرة.. وجعلهم لقلوبهم مسرة.. وجعل الأبناء في جبين السعادة درة.. وأوصي بهم وبتربيتهم في الكتاب والسنة كرة من بعد كرة.
والصلاة والسلام على خير الآباء أبي الزهراء .. سيد الأولياء .. وأعظم الأصفياء.. وأجل المربين التبلاء.
واشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلي الله عليه وعل آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الآباء النبلاء.. إن من أعظم المواهب التي يهبها الله تبارك وتعالي للعيد أن يرزقه الذرية الصالحة الناصحة والأبناء النجباء الأتقياء، حينها تسعد في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وهذا العطاء الرباني يصلح بسببين اثنين:
أولهما: قضاء وقدراً من الحي القيوم، وهداية منه تبارك وتعالي.
وثانيهما: سبب كسبي من العبد بالتربية والتعليم والتوجيه.


فإبراهيم الخليل دعا الله تبارك وتعالي أن يجنب أبناءه الشرك والوثنية: )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (ابراهيم:35) ، كأنه يقول: يا رب لا تجعل أبنائي وثنين ومشركين وفجرة ، حينها تنغص الحياة وتتكدر على، وتظلم الدنيا في عيني.



ويقول بعدها بآيات : )رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (ابراهيم:37)، يا رب : أبنائي يقيمون الصلاة فلا تضيعهم يا رب.



أبنائي طائعين أتقياء أخيار فلا تجعلهم ضلالاً ومشركين.



ويقول في سورة البقرة يوم طلب الولاية من الله له ولأبنائه: ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)(ابراهيم: من الآية40)، فقال الله: ) لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(البقرة: الآية124). ولو كان الأب خيراً باراً سعيداً تقياً فلن تنال ولاية الله ابنه الفاجر، لأن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب ولا واسطة ولا شفاعة، ألا من ارتضي من عباده الأخيار.



وزكريا عليه السلام يشرف على الهرم ويدركه الشيب ويضمحل جسمه، فيلتفت إلى القبلة ويرفع أكف الضراعة إلى الحي القيوم ويقول: ( رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً(4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً) (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوب)(مريم: الآية4ـ6)النبي صلي الله عليه وسلم يقول : يا رب أسألك ابناً صالحاً يرثني في الخير ويدعو لي وأنا في القبر فيكون في ميزان حسناتي.



ويقول الله في سورة الكهف بعد أن حفظ للغلامين الكنز: ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً )(الكهف: الآية82).



ويمن الله على زكريا عيه السلام بهداية أبنائه فيقول: ) وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)(الانبياء: الآية90).



ومدرسة التوجيه والتربية في القرآن تعتمد على الوصايا النافعة لا على المبادئ المهزوزة الفاشلة، والتعاليم التي اسقيها أبناء المسلمين في هذا العصر، فنشأ جيل فاسق وفاجر إلا من رحم بك.



يقول لقمان لابنه وهو يعظه: ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(لقمان: الآية13) أي وصية هذه ؟ وأي تعاليم هذه التعاليم؟ وأي مبادئ هذه المبادئ؟



وتربية الأبناء أيها الآباء النبلاء الفضلاء الشرفاء تحصل في أمور أفرد بعض العلماء فيها تصانيف، ومن أجل ما تحصل به.. أمور:



أولها: اختيار الزوجة الصالحة.. ويوم تفشل في اختيار المرأة الصالحة سوف ينشأ النشء غير مستقيم ولا مهتد ولا مسترشد.



الأم مدرسة إذا أعددتـــها أعددت شعباً طيب الأعراق



الأم نبت إن تعاهده الحيــا بالري أورق أيما إيــراق



فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (( تنكح المرأة لأربع: لماها وانسبها ولجمالها ولدينها، فأظفر بذات الدين تربت يداك)).



فأهل فارس يتزوجون للجمال.



واليهود يتزوجون للنسب.



وأما أمة محمد عليه الصلاة والسلام فيتزوجون للدين وللاستقامة. فالأم إذا كانت صالحة مرشدة نشأ أولادها حفظة لكتاب الله أخياراً إبرارأ سعداء، يتشرفون بحمل الرسالة ولا يخجلون إذا تلبسوا بالسنة.



والأمر الثاني: يحصل بذكر الله يوم أن يلتقي الرجل بالمرأة.



والأمر الثالث: يوم يقع رأس المولود.



فإن من هدي الإسلام مع هذا المولود أموراً كثيرة:

منها : أن الرسول صلي الله عليه وسلم لما ولد الحسين بن على أذن في أذنه.



لينشأ الطفل على لا إله إلا الله ، ولينشأ على الأذان ، وليغرس في قلبه معالم هذا الأذان ، وليجيب إليه المساجد والرياض الخضرة بتقوى الله وبذكر الله.



أذن صلي الله عليه وسلم في أذنه لتهتز بالوحدانية، ولينشأ قلبه على الصمدانية ، وليكون عبداُ لله من أول يوم.



ومما زادني شرفــــــاً وفخـــراً



وكدت بأخمصي أطأ الثريـــا

دخولي تحت قولك يا عبــــــادي

وأن صيرت أحمـــد لي نبينا



وفي بعض الآثار ونقل هذا عن عمر بن عبد العزيز ، أنه يقام في الأذن الأخرى فيؤذن في الأذن اليمنى ويقام في الأخرى.



ومنها : أن النبي صلي الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً كما في السنن، وقال عليه الصلاة والسلام: (( كل مولود مرهون بعقيقته يعق عنه يوم السابع)).



ومنها: أن يحلق رأسه ويتصدق بوزنه فضة كما ثبت ذلك في الآثار والأحاديث الصحيحة.

ومنها: أنه صلي الله عليه وسلم سن للآباء تحسين الأسماء للأبناء النبي صلي الله عليه وسلم ففي الصحيح: (( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)).



فليكن اسم ابنك جميلاً، اسماً إسلامياً عربياً قوياً، لا اسماً فيه أنوثة، ولا اسماً فيه تدليع وتدليل، ولا اسماً مستورداً من الخواجات والعملاء والضلال أبناء الوثنية.



ورد عنه صلي الله عليه وسلم أن الناس اختاروا الأسماء الطيبة البديعة المليحة الحسنة، لتكون عنواناً لكم يوم القيامة ويوم العرض الأكبر تدعون بها.



وسنن الإسلام كذلك أن يربي الطفل على تقوى الله، وأن تغرس في قلبه طاعة الله، وأن تزرع في قلبه شجرة الإيمان.



فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول لابن عباس وهو طفل كما في الترمذي بسند حسن: (( احفظ الله يحفظك)).



ومن أدب الإسلام وهديه مع الأطفال أنه إذا بلغ الطفل السابعة يؤمر بالصلاة، فيقول له الأب: صل معي.. هيا إلى المسجد ... حتى يعتاد ذلك.



ويوم أن يعرف الابن طريق المسجد فلن يعرف طريق السجن ولا الحبس أبداً، ولن يعرف طريق الخمارة ولا المقاهي اللاهية ولا المنتزهات الاغية، ولا جلساء السوء ولا الليالي الحمراء.



فإذا بلغ العاشرة أمر لأمراً جازماً .. واستخدم معه الضرب.



هذه تعاليم سماوية ومبادئ أصلية جليلة لا بد أن تكتب في الصدور لا في السطور.



فإذا ما ترعرع ، فاستصحبه دائماً واحضر به جلسات الخير ومنديات البر ومعالم التوحيد ومحاضرات التوجيه والتربية، ولا تتركه لاعباً ولاهياً في السكك وتأتي أنت تتعلم.. كأنك تهدم من شق وتبني من شق.



ومن الأمور التي يؤكد عليها الإسلام وهي في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلي الله عليه وسلم أن يكون الأب قدوة لابنه.



ولم يفشل كثير من الآباء في تربية أبنائهم إلا يوم أن ربوهم بالقول وتركوا الفعل والعمل، (َتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة:44)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:2).



يريد من ابنه أن يكون صادقا بالقول، لكن هذا الأب كاذب يتعدى حدود الله في العمل.



يريد من ابنه أن يكون مصلياً محافظاً على الصلوات الخمس في الجماعة، ولكن هذا الأب لا يعرف المسجد أبداً.



فكيف يهتدي؟



إن الابن في مرحلة الشبيبة يقلد أباه تقليداً تاماً، فمن الهدى ومن الخير ومن السداد والمصلحة يا عباد الله أن نكون قدوة لأبنائنا في البيوت نأمرهم بالخير ونأتيه، وننهاهم عن المنكر ونجتنبه، ليصلح الله لنا الظاهر والباطن.



ومن الأمور المهمة: تعليم الأبناء تعليماً شرعياً يعتمد على الكتاب والسنة.. لا تعليماً ثقافياً سامجاً لا يقود إلى المسجد ولا يجيب إليهم طاعة الله وطاعة رسوله صلي الله عليه وسلم ، ولا يجنبهم المعاصي.



فينبغي عليك أن تحرص على تحفيظه كتاب الله منذ الصغر ليكبر وقد حفظ وفهم في دين الله ونال الأجر العظيم الذي لن ينساه لك ما دام حياً.



وكذلك ينبغي اختيار الصحبة الصالحة له.. وعدم تركه يتخير من شاء من زملائه الذين قد يكونون من غير أهل الاستقامة والصلاح، لأنه:



عن المرء لا تســال وسل عن قريـنه

فكل قرين بالـــمـــقارن يقتدي


أسال الله أن يصلح للجميع أبناءهم ليكونوا قرة عين لهم وسعادة في الدنيا والآخرة.



والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.





القرني

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24-01-2007, 10:12 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الطفل المسلم




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



أما بعد ..



إذا كان الحديث عن محمد صلي الله عليه وسلم فإنه حديث جميل ومفيد وممتع.



وفي الرسالة سنأخذ جانباً واحداً من حياته العظيمة صلي الله عليه وسلم ، وهو جانب الطفل، فنعرف كيف ربي الطفل؟ وكيف حنا على الطفل؟



وكيف غرس في الطفل الإيمان.



يا طفل غرد في تبسم أحمـــد

وابسم ضياء جبينه المتلالي



واسعد برؤية خير من وطئ الثري

راعي اليتامي قائد الأبطال



وعناصر هذا الدرس خمسة:



أولها: مكانة الطفل في قلب محمد صلي الله عليه وسلم .



ثانيها: تربية صلي الله عليه وسلم للأطفال.



ثالثها: رحمته بالأطفال صلي الله عليه وسلم .



رابعها : من أحكام الأطفال.



خامساً: الأطفال الكبار أهل الاهتمامات العالية الشاهقة المرتفعة التي غرسها محمد صلي الله عليه وسلم .



أما مكانة الطفل في قلب محمد صلي الله عليه وسلم فهي مكانة عالية جداً ، فقد كان صلي الله عليه وسلم يحنك الأطفال بيده ليشرقوا على نور لا إله إلا الله محمد رسول الله، فينشأ الطفل في عهده صلي الله عليه وسلم أكبر قضاياه في الحياة أن ينصر دين الله، وأن يرفع كلمة لا إله إلا الله، وأن يسجد لله.



ولقد وجد الطفل في الرسول الكف الحانية ، والدمعة المؤثرة، والبسمة الرقيقة ، والدعابة الحية.



ووجد الطفل في الرسول صلي الله عليه وسلم الأب المربي، والشيخ الجليل، والمصلح النبيل. فكان أطفال الصحابة ينهجون نهجه صلي الله عليه وسلم في حركاته وسكناته لأنه مؤثر جد مؤثر، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك)(آل عمران: الآية159).



فهو صلي الله عليه وسلم منذ النطفة الأولي لهذا الطفل المسلم وهو يرعاه ويهتم به.



ففي الصحيحين عنه صلي الله عليه وسلم انه قال: (( لو أن أحدكم إذا أتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم رزق بمولود لم يضره شيطان.



وأما إذا ولد الطفل فقد صح عنه صلي الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال: (( ما من مولود إلا وقد نزغه الشيطان إلا عيسى ابن مريم))النبي صلي الله عليه وسلم أما ترى الطفل كيف يبكي عند ولادته.



سبحان الله! لقد كان في بطن ضيق ولم يبك، فلما خرج إلى أرض فسيحة بكي!.



ولدتــك أمــك باكيـــاً مستصرخـــاً

والناس حولـك يضحــكــون سرورا



فاعمل لنفسك أنت تكــــون إذا بكـــوا

في يــوم مــوتك ضاحــكاً مسرورا



وقال الثاني:



ويكفيك من ضيق الحياة وبؤســـــها

دليــلاً بكـــاء الطفل ساعة يـــولد



وإلا فما يبكـــــيه منــها وإنه

لفي بطن أم كــان بالعيش يســــعـد



وقال أبو العتاهية في أبيات عجيبة جميلة:



أذان الطــفــل في المـــيلاد دومـاً

وتأخير الصــلاة إلى الــمــمـــات

دليل أن مــــحيــــاه قـــــليل



كـــما بيــن الإقامــة والصــلاة



أي إبداع هذا! معني الأبيات أن الطفل يؤذن في أذنه حين يولد ولكن لا يصلى ولا يصلى عليه، ولكن تتأخر الصلاة إلى موته.. وهي صلاة الجنازة! فكأن الأذان والصلاة هما صلاة واحدة.



وهذا دليل على قصر هذه الدنيا، لأنها شابهت ما بين الأذان والإقامة.



ويولد الطفل لكن يولد على التوحيد ولا إله إلا الله، فما من طفل في العالم إلا ويولد وفي قلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم .



فأول ما يقع رأسه على الأرض يقع علي العقيدة الحية، ويقع على الرسالة الخالدة، ويقع موحداً مؤمناً على الفطرة، )ِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)(الروم: الآية30).



فلا يولد شيوعياً، ولا علمانياً، ولا ماسونياً، ولا يهودياً، ولا نصرانياً، ولكن يولد حنيفاً مسلماً.



وقد صح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: (( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))، إذا فهو مسلم، أول ما يأتي الطفل أو الطفلة يولدان على هذا الدين الحنيف.



فإذا وقع الطفل في الأرض كان من هديه صلي الله عليه وسلم أن يؤذن في أذنه .



والأذان في أذن الطفل حديث حسن عند أبي داود وغيره.



وقد أذن صلي الله عليه وسلم في أذن الحسن ابن ابنته.



قال أهل العلم : إنما أذن صلي الله عليه وسلم في أذنه لمقاصد.



منها : أن يلهمه الله التوحيد وأن يكون على الفطرة.



ومنها: أن الأذان إعلان للإسلام.



ومنها: أن الأذان يطرد الشيطان.



أما الإقامة فحديثها ضعيف، ولكن يكفي الأذان أن يخترق هذه الآذان ليصل إلى القلب فيغرس أشجاراً من الإيمان ومن اليقين ومن الإخلاص.



وطفل ينزل من بطن أمه فيتلقى بالأذان طفل سعيد في الحقيقة، وطفل طيب الأعراق وطيب الأصل وطيب المنشأ بإذن الله.



وكان صلي الله عليه وسلم يحتك الأطفال ـ كما سبق ـ ، والتحنيك أن يأخذ صلي الله عليه وسلم تمراً أو نحوه فيدخل أصبعه الشريفة في فم الطفل قبل أن يأكل فيلقمه إياه.



وكانت المرأة المسلمة إذا أنجبت طفلاً بعثت به إلى معلم الخير في لفائف، ليكون أول ما يباشر بطنه ريق محمد صلي الله عليه وسلم ، الريق المبارك، الريق الصافي، الريق الطيب الجميل.



قال أنس في الصحيح : ولدت أم سليم ابناً لها ـ هذا الابن أخ لأنس من أمه ـ فقالت : أذهب به إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم .



فأخذ أنس الطفل وذهب به إلى معلم الخير، فاستقبله صلي الله عليه وسلم وحنكه بتمرة، فكأن الطفل يمتصها بشوق، فقال صلي الله عليه وسلم : (( انظروا لحب الأنصار التمر)).



وكان صلي الله عليه وسلم يسمي الأطفال، لكنه كان يختار أسماء إسلامية شرعية تقود الطفل إلى جنة عرضها السماوات والأرض.



وكان يقول في الصحيح : (( أحب السماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن))النبي صلي الله عليه وسلم رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد صحيحة.



وكان يقول : (( اصدق الأسماء همام وحارث)).



قل ابن تيمية ك إنما قال همام لأن الإنسان يهم بقلبه، وهو حارث بحركته دائماً، فجمع بين الاثنين صلي الله عليه وسلم .



والعرب كانت تحب السماء القوية اللامعة ، ولذلك كانوا يسمون بأسماء الأسود كاسم ( حمزة) ( أسامة) ( حيدرة).



أما في عصرنا هذا فقد أصبحوا يسمون الأولاد بأسماء منكرة، إما غير أصلية ولا قوية كأسماء تدل على الأنوثة والرقة.

أو أسماء لا يعرف لها معني ، كاسم ( صنيهيت)، فهو لا فعل ماضي ولا مضارع ولا اسم ولا حرف! و( شليويح)!.



وقد سمي صلي الله عليه وسلم بأسماء الأنبياء، فلما ولد له ولد سماه على اسم إبراهيم الخليل عليه السلام، لأنه كان أشبه الناس بإبراهيم (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ)(آل عمران: الآية68).



وسمي ابن موسى الأشعري ( إبراهيم).



وكان صلي الله عليه وسلم يغير الأسماء المنكرة، فقد اسم (غاوي) على (راشد)، وغير (ظالم) إلى مقسط) وغير (عاصية) إلى ( جميلة)، وغير اسم (بره) إلى ( زينب).



ونهي عن التسمية بيسار ونجيح ورباح لكي لا يقال: أرباح في البيت؟ فيقال: لا .. فيذهب البال إلى التشاؤم.



ومن السنة للطفل أن الرسول صلي الله عليه وسلم أمر بحلق رأسه تفاؤلاً بأن يزيل الله الأذى عنه.



كما يقال عن الحلق في العمرة والحج بأنها تفاؤل بذلك.



ويتصدق بوزنه ورقاً للمساكين، وهذه حكمه عظيمة ربما أدركناها أو لم ندركها، لينشأ متصدقاً ، ولينشا مزكياً، ولينشأ على سنة الرسول صلي الله عليه وسلم .



وأمر صلي الله عليه وسلم بالعقيقة عن الغلام كما في الصحيح: عن الولد شاتان وعن الجارية شاة واحدة.



وكان يكره صلي الله عليه وسلم العقوق ، وصح عنه انه قال صلي الله عليه وسلم : (( كل غلام مرتهن بعقيقته))، فمن السنة أن تذبح شاتين اثنتين إذا ولد لك مولود ذكر، وأما الأنثى فشاة واحدة، لحكمة بالغة ومقصد جميل، استبشاراً بهذا المولود ، ولينشأ على بر وصدقة، ولتطعم جيرانك وإخوانك منها.



فإن الولد الصالح من أعظم النعم، قال زكريا عليه السلام: ) رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)(الانبياء: الآية89) فرزقه الله ذرية صالحة.



والولد الصالح حياة، والولد الصالح أثر، والولد الصالح اتصال لك بالنور والخلود، والولد الصالح يدعو لك بعد الممات فيزيد في عملك الصالح صلاحاً وفي خيرك خيراً وفي برك براً، والولد الصالح يدركك في الشيخوخة فيقم من عضدك ويقوي من ساعدك ويكون لك نعم الأثر.



قال البخاري في الصحيح في كتاب الجهاد (باب) من طلب الولد للجهاد، ثم أتي بقصة سليمان عليه السلام عندما قال: ( لأطوفن الليلة علي مائة امرأة ) وفي لفظ ( على ستين) وفي لفظ ( على سبعين) ، كلهن يلدن مجاهداً في سبيل الله) لكنه لم يقل ( إن شاء الله)، فما ولدت منهن إلا امرأة ولدت نصف ولد.



فالولد الصالح هو من أحسن ما يكون إذا ولد على الفطرة ونشأ نشأة طيبة، فكان من شكر المنعم سبحانه وتعالى أن تعق عنه بعقيقة، وأن تطعم جيرانك وإخوانك وأحبابك.



وكان صلي الله عليه وسلم يداعب الأطفال بعد أن يكونوا في سنن المداعبة، ويفهموا الكلام، ويفهموا البسمة الحانية والفكاهة.



الفيافي حــالــمات بالمنـــي تتلقاك بتصــفيق مثيــر



أنت للطفل أب في مهــــده عجباً من قلبـــك الفـذ الكبير



وعند أحمد والنسائي عن شداد بن الهاد رضي الله عنه قال: خرج علينا الرسول صلي الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي صلاة الظهر أو صلاة العصر، فتأخر صلي الله عليه وسلم في السجود.



أتدرون ما السبب؟ لقد أتي الحسن بن على ابن ابنته فرأي الرسول صلي الله عليه وسلم ساجداً فارتحله وصعد على ظهره.



انظر إلى المنظر! رسول البشرية يسجد في الأرض ض فيرتحله طفل، فيمكث صلي الله عليه وسلم ولا يقوم من السجود، وبعد أن نزل الحسن قام صلي الله عليه وسلم وصلي وسلم واعتذر من الناس وقال: (( يا أيها الناس لعلي تأخرت عليكم في السجود، إن ابني هذا ارتحلتني وأنا في الصلاة فخشيت أن أرفع من السجود فأوذيه)) ، أو كما قال صلي الله عليه وسلم .



فهل وجدتم رحمة كهذه؟



فكيف لا يحبه الأطفال بعد هذا؟



عن بعض الأطفال اليوم إذا رأوا بعض الناس يخافون ويصيبهم الهلع والفزع.



وبعض الآباء لا يقبل أطفاله، وبعضهم إذا انتهر أطفاله أغمي على أحدهم!



وإذا دخل أبوه عليه في البيت قال لسان حاله: ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)!.



وفي الصحيحين أن غلاماً أخاً لأنس اسمه أبو عمير كان له نغر (طائر صغير) يلعب به، فمات النغر فذهب هذا الطفل فأخبر أخاه أنس وقال: مات نغري.



فذهب أنس فأخبر الرسول صلي الله عليه وسلم، فقال صلي الله عليه وسلم لأخيه الصغير: (( يا أبا عمير ما فعل النغير))؟ يقول: احسن الله عزاءك في هذه المصيبة!



فكان يجد من الوقت صلي الله عليه وسلم أن يعزي طفلاً بطائرة.



قال الزنادقة: أهل الحديث لا يفهمون شيئاً، يروون أحاديث لا معاني لها.



قالوا: مثل حديث : (( يا أبا عمير ما فعل النغير))، ليس فيه فائدة.



قال الشافعي: قاتلكم الله، في هذا الحديث ستون فائدة، ثم سردها!



وعودوا إلى فتح البارى لابن حجر فقد ذكر منها عشرين فائدة.

منها: تكنية الصغير.



وتكنية من لا ولد له.



وتصغير الاسم للتحبب.



وملاعبة الأطفال.



والأنس مع الطفل.



وزيادة الطفل في بيت أهله للمصلحة.



ومنها: أن الوقت المباح إذا كان لغرض شرعي صحيح فإنه يؤجر عليه العيد.



ومنها: أخذ الطفل للطائر.



وجواز حبس الطيور في البيوت لملاعبة الأطفال.



ومنها: ربط الخيط في رجل الطائر وأنه ليس من التعذيب.



ومنها: فوائد كثيرة ليس هذا مجال بحثها.



أتته صلي الله عليه وسلم طفلة صغيرة اسمها أم خالد، فوجد عليها ثياباً ممزقة صلي الله عليه وسلم ، وهي طفلة ، فألبسها لباساً ثم قال: (( هذا سنا))، وهذا بلغة الحبشة أي: حسن.. لأنها عاشت مع أمها في الحبشة أيام الهجرة الأولي.



أتظن أن دعابة منه صلي الله عليه وسلم أمر سهل؟



أتظن أن بسمة منه يجود بها لإنسان شيء يسير؟



لا والله، فبعض الناس اليوم يحفظ كلمة من بعض الزعماء أو السلاطين ويقول كلمني وقال لي مباشرة.



فكيف لو كلمك محمد صلي الله عليه وسلم ؟



وعند أحمد بسند حسن أن الرسول صلي الله عليه وسلم صف عبد الله وعبيد الله وكثير أبناء العباس أبناء عمه، وهم ثلاثة صغار بين كل واحد منهم والآخر سنة.



ثم قال: من يسبق إلى فله كذا وكذا.



فأخذوا يتسابقون فسبق أحدهم فأعطاه الجائزة.



سبحان الله !



ربما قال قائل ـ لو قلنا له : افعل هذا مع أطفالك ـ : وقتي ضيق.



ولكن لو عرفت معاني التربية ومعاني الخلود في سيرته صلي الله عليه وسلم لأعطيت هذه الساعة الثمينة من هذا الوقت الضيق.



وعن أنس وهذا صحيح مسلم قال: كان الرسول صلي الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، فأرسلني في حاجة، فقلت: والله لا أذهب ! وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله.



هو كان في سن العاشرة تقريباً.



قال : فسكت صلي الله عليه وسلم ، ثم مر بي وأنا ألعب مع الأطفال فأخذ بأذني يضاحكني وقال: (( يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟)).



قلت : سأذهب إن شاء الله ! فذهبت.



ويقول أنس: والله لقد خدمت الرسول صلي الله عليه وسلم عشر سنوات ما قال في أمر فعلته لم فعلته، ولا في أمر لم أفعله لم لم تفعله.



وكان صلي الله عليه وسلم يحمل الحسن والحسين على عاتقه ـ وهذا الحديث عند أبي يعلى بسند حسن ـ فرآه عمر فقال: نعم الفرس تحتكما.



فقال صلي الله عليه وسلم : (( ونعم الفارسان هما))، أنعم بالحسنـ وأنعم بالحسين، لكن جدهما صلي الله عليه وسلم هو العظيم.



نسـب كـأن عليـــه من شمس الضحى

نوراً ومن فلق الصبـــاح عمـــودا



وكانت أم قيس بنت محصن تأتيه صلي الله عليه وسلم تستفتيه ، فيأخذ طفلها من يديها ويجلسه في حضنه ليسمع السؤال قبل أن يفتي.



ومرة أخذ الطفل فبال قبل أن تأكل الطعام فنضح بوله صلي الله عليه وسلم .



أي خلق وأي تواضع هذا؟



قال أبو هريرة : كنت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في سوق من أسواق المدينة فانصرف، فانصرفت. فقال: (( أين لكع)) ثلاثاً . (( ادع الحسن بن على))... فالتزمته فقال: (( اللهم إني أحبه، فأحبه، وأحب من يحبه))، وزمرة جده صلي الله عليه وسلم .



وفي كتاب المختارة للضياء أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يلاعب بنت ابنته واسمها زينب وكان يقول: (( يا زوينب يا زوينيب)) ويلاعبها ويمازحها صلي الله عليه وسلم

أما العنصر الثاني فتربية صلي الله عليه وسلم للأطفال.



لقد كان المعلم الأول، من تربية صلي الله عليه وسلم للأطفال أنه رباهم على الإيمان ، ثم إنه لبي لهم أغراضهم ومقاصدهم الإيمانية المباحة، فلم يحجر عليهم الدعابة.



لأن بعض الناس إذا رأي أطفاله يلعبون أو يصيحون أو ينشدون في البيت غضب عليهم وقال: لا تضيعوا أوقاتكم.



سبحان الله! تريد طفل صغير أن يكون كابن حجر أو كابن تيمية في طفولته.



لابد أ يلعب ، ولابد أن يضحك ، ولابد أن يغرد ، ولابد أن ينشد ، ولكن اجعل لعبه في حدود الشرع، واجعل نشيده ف حدود الأدب.



الأمر الثاني: أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يحيط الطفل بسياج من الآداب الشرعية عند الولادة، وعند التحنيك ، وعند التسمية، وعند العقيقة، وعند النوم، وعند اليقظة، وعند الأكل، وعند الشرب.



صح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال ـ كما عند أحمد وأبي داود بسند صحيح: ـ : (( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع))النبي صلي الله عليه وسلم وفي هذا فوائد:



أولها: أن بداية الأمر في السبع وهو أمر بلا ضرب، لكن تدعوه وتحثه وتحبب إليه الصلاة.



الثانية: أن بداية التعزيز هي سن العاشرة.



الثالثة: أن تفرق بينهم في المضاجع، أي أن يناموا متفرقين لحكم جليلة يعرفها المسلمون.



وكان عمر ابن أبي سلمة يأكل معه مرة من المرات فجعلت يده تطيش في الصفحة، فقال له صلي الله عليه وسلم عدة آداب : (( يا غلام ، سم الله، وكب مما يليك، وكل بيمينك)).



فهي ثلاثة آداب ينبغي على الأب أن يوجه أطفاله إليها: التسمية، والأكل باليمين، والأكل مما يلي الطفل.



وعند الترمذي والنسائي بسند فيه ضعف يقول صلي الله عليه وسلم لأنس : (( يا بني إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة))، واستخدم صلي الله عليه وسلم لفظه( يا بني) لأنها محببة وأنيسة للطفل.



ولقمان عليه السلام يوم أوصي ابنه : (يَا بُنَيّ)(لقمان: الآية16) لأنها تجعل الأنس في قلب الطفل، وهي تستخدم لغير الابن من الصلب، فيقال تحبياً ( يا بني).



وكان له صلي الله عليه وسلم في جانب العقيدة مع الأطفال مواقف: يقول ابن عباس والحديث عند أحمد والترمذي : كنت ردف محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي حمار.



فقال: (( يا غلام)).



قلت : لبيك وسعديك يا رسول الله.



قال: (( إني أعلمك كلمات)) اسمع إلى الكلمات النيرة.. اسمع إلى الوصايا التي تشري بالدماء ، فهي أغلي من الذهب والفضة: (( أحفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فأسال الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)).



وصح عند البخاري والدرامي أنه صلي الله عليه وسلم كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم فيقول: (( السلام عليكم ورحمة الله)).



وهذا من التواضع العظيم، لأن المتكبر لا يسلم على الأطفال ولا يسلم على الناس، بل ينتظر من يسلم عليه.



ولذلك (( يحشر المتكبرون يوم القيامة على هيئة الذر يطؤهم الناس)) حديث صحيح رواه مسلم.



فالمتكبرون:



ليســـوا كقــوم إذا لاقيتهم عرضـاً

أهدوك من نورهم ما يتحف الساري



تروي وتشبع من سيمــاء طلعتهم

بذكرهم ذكروك الواحد البـــاري

من تلق منهم تقــل لاقيت سيدهم

مثل النجوم التي يسري بها الساري



كان صلي الله عليه وسلم بالليل، فأتاه ابن عباس يصلي معه في ليلة هي من أحسن الليالي في حياة ابن عباس ؛ حيث بات رضي الله عنه عند خالته ميمونة ، لأنه يعلم أن الرسول صلي الله عليه وسلم سينام عندها تلك الليلة.



فنام في عرض الوسادة، وانتظر حتى جاء الرسول صلي الله عليه وسلم فأوهمهما أنه نائم رضي الله عنه، ونيته من المجيء أن يستفيد من المعلم الأول صلي الله عليه وسلم ، وليعلم كيف صلاته قيامه في الليل.



فلما قام صلي الله عليه وسلم يقضي حاجته أحضر له ابن عباس الماء ووضعه في مكان قريب منه، فلما رأي صلي الله عليه وسلم الماء عنده عرف أنه من ابن عباس فقال: (( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)).



وهذه الدعوة النبوية المباركة هي من أعظم ما حازه ابن عباس في حياته كلها، حيث أثرت على مستقبله فجعلته حبر الأمة وترجمان القرآن.



ثم قام صلي الله عليه وسلم يصلي فقام ابن عباس عن يساره ، فجعله صلي الله عليه وسلم عن يمينه، فصلي معه ما شاء الله، ونعم بليلة سعيدة هانئه هي اهنأ من لياليه عند أبيه وأمه.



ومر صلي الله عليه وسلم يوماً من الأيام بابن عمر وهو صغير فأخذ بمنكبه وقال له: (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))، وهذه وصية ما نسيها ابن عمر رضي الله عنهما، بل بقيت تطن في رأسه حتى مات.



يعطونه الخلافة فيتذكر حديث: (( كن في الدنيا كأنك غريب )).



يقدمون له الذهب والفضة فيتذكر حديث : (( كن في الدنيا كأنك غريب)).



يسجد عند المقام ويبكي في السجود ويقول: اللهم إنك تعلم أني ما تركت الخلافة إلا من مخافتك يا رب العالمين.



ومر صلي الله عليه وسلم يوماً فوجد الحسن يأكل من تمر الصدقة؛ وبنو هاشم محرمة عليهم الصدقة، لأنها أوساخ الناس وهم أطهار، قلوبهم طاهرة وبطونهم طاهرة.



فقال صلي الله عليه وسلم : (( كخ كخ، أما تدري أنا لا نأكل الصدقة)).



و(( كخ كخ)) لفظ تستخدمه العرب زجراً للطفل عن عمل أي شيء غير مناسب.



مات ابنه صلي الله عليه وسلم وعمره سنتان وأشهر، وقيل: أقل من ذلك.. فأخذه بين يديه وقال ودموعه تهراق صلي الله عليه وسلم بأبي وأمي: (( تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)) فهذا من رحمته بهؤلاء الصغار إذا حلت بهم مصيبة أو كارثة.



وفي الصحيح أن زينب ابنته صلي الله عليه وسلم أرسلت إليه أن يأتي إليها فإن ابنها في سكرات الموت.



والرسول صلي الله عليه وسلم كان مشغولاً بوفد من وفود العرب فقال: (( أبلغوها مني السلام وقولوا لها: إن لله ما أخذ، وله ما أعطي، وكل شيء عنده بأجل مسمي، فاتصبر ولتحتسب)).



فأخبروها فقالت : والله ليأتين.



فقام صلي الله عليه وسلم ومعه جل الصحابة، وقدم له الطفل ونفسه تقعقع كأنها في شن، وأخذت دموعه تهراق صلي الله عليه وسلم النبي صلي الله عليه وسلم فيقول ابن عوف: ما هذا يا رسول الله؟ قال: (( هذه رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)).



وأتي الأقرع بن حابس ـ والحديث في الابخاري ومسلم ـ وكان صلي الله عليه وسلم يقبل الأطفال.



فقال الأقرع : تقبلون الأطفال عندكم؟



قال : (0 نعم)).



قال: والله إن عندي عشرة أطفال ما قبلت واجداً منهم.



وكان يظن أن الرسول صلي الله عليه وسلم سيقول له: شكراً لك !!



لكنه صلي الله عليه وسلم قال : (( وما أمك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك))، لأن تقبل الأطفال رحمة، وكان يفعله صلي الله عليه وسلم كثيراً.



وصح عنه صلي الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال: (( غني لأدخل في صلاتي فأتجاوز فيها مما أسمع من بكاء الطفل خشية أن اشق على أمة)).



وعند البخاري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال عن الحسن والحسين: (( هما ريحانتاي في الدنيا)).



يقول ابن تيمية في مقتل الحسين بأنه من أعظم المصائب على المسلمين، وعلى المسلم إذا تذكر تلك القصة أن يقول: ( إنا لله وإنا إليه راجعون).



فنحن نحبه في الله لأنه من عباد الله ومن أولياء الله ولقرابته من الرسول صلي الله عليه وسلم .



وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة قال: صلي بنا صلي الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قيل العصر وقيل الظهر، فحمل أمامه بنت زينب في الصلاة على كتفه صلي الله عليه وسلم يصلى بها.



فتصور المشهد .. إمام البشرية يجمل طفلة وهو يصلى بالناس صلاة الفريضة بالمسجد.



أي رحمة.. وأي عطف هذا؟



قال: فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها.

وقد صلى الإمام الشوكاني في صنعاء ، فلما سجد سقطت عمامته في المحراب فأخذها وردها.



فأنكر عليه الناس وقالوا: تحمل العمامة وأنت في الصلاة ؟



فقال: حمل العمامة أخف من حمل أمامة؟.



وأما العنصر الرابع فمن أحكام الأطفال، وأنا أعرضها عرضاً موجزاً.



1- أحكام الأطفال أنه ينضح على بول الغلام ويغسل بول الجارية، لما ثبت في الحديث عند أبي داود والترمذي وغيرهما، كما سبق.



وذلك ما لم يأكل الغلام الطعام، فإذا أكل غسل من بوله.



قال الشافعي : لأن حواء خلقت من ضلع آدم فهي من لحم ودم، وأما الطفل فهو من تراب لأن اصل أبيه من تراب.



وهذا اجتهاد منه رحمه الله.



2- تصح إمامه الطفل لأنه ثبت في صحيح البخاري أن عمرو بن سلمة أم قومه وعمره سبع سنوات.



لكن أطفالهم كانوا كباراً في الفهم كباراً في الرجولة. ليسوا كحالنا الذي يبلغ فيه بعض الناس العشرين وهو سفيه.



فليس المقياس بالسن لكنه بالعقل والفهم عن الله عز وجل.



دخل الناس يبايعون عمر بن عبد العزيز وفيهم طفل صغير فسلم وأراد ان يتكلم، فقال عمر بن عبد العزيز: دونك يا طفل فيهم من هو أكبر منك.



فقال : يا أمير المؤمنين ، لو كان الأمر بالسن لكان في المسلمين من هو أولى منك بالخلافة!! هل رأيت رداً أحسن من هذا؟



3- متي يجاهد الطفل؟



بين أهل العلم خلاف: فالإمام أحمد يقول: أري في الخامسة عشر للحديث في الصحيحين ، قال ابن عمر: عرضت على رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سن فأجازني.



وقال سمره بن حندب: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستعرض الأطفال للجهاد يريد ان يري من هو القوي منهم فيقبله.



قال: فعرضت عليه فردني.



فبكي سمره.. بكي على ترك الجهاد.



وقبل صلي الله عليه وسلم رافع بن خديج.



فقال سمره: يا رسول الله تقبل رافع بن خديج وأنا اصرعه؟!.



قال: (( صارعه أمام الناس)).



فتصارع هو ورافع فصرعه سمره، فأجاز سمرة.. فهو ما دام صرعه فهذا دليل على أنه يستطيع أن يحمل السلاح ويستطيع أن يقاتل .



4- وأما سن الرواية وهو التحمل فيختلف باختلاف الأشخاص.



يقول موسى بن هارون أحد المحدثين: إذا فرق بين الدابة والحمار..والدابة هي الحمار!



وبعضهم قال: إذا ميز الخير من الشر.. وهذا أمر نسبي.



وقال بعضهم: بل في السابعة ونحو ذلك.



وقيل: في الخامسة ، أن الحسن حفظ حديث: (( دع ما يريبك إلى ما لا يربيك)) في الخامسة.



والصحيح انه إذا ميز وأصبح عاقلاً يدرك ماذا يقال له واصبح مستعداً للتعليم فإنه يقبل منه.



أما العنصر الخامس وهو الأخير فالأطفال الكبار.



فهم أطفال نعيش معهم في التاريخ، كبار في إيمانهم ، وكبار في مقاصدهم، وكبار في منهجهم وحياتهم.



يعيشون أطفالاً بأجسام الأطفال، لكنهم كبار في معتقداتهم وطموحاتهم ومقاصدهم.



1- ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وقد سبق معنا حرصه علي العلم والتعلم والاستفادة من حياة الرسول صلي الله عليه وسلم ، وهمته العالية التي جعلته ينظر للمستقبل ليتخيل نفسه قائداً وعالماً ومفسراً للأمة الإسلامية.. وقد تم له ذلك.



2- أسامة بن زيد يقود الجيوش العظيمة وهو صغير السن، حيث كان في أفراد جيشه كبار الصحابة وفضلاؤهم ، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلى الخلفاء الراشدون.



فأي علو هذا؟ أن يكون هذا الفتي قائداً لأولئك الغر الميامين.



3- ابن الزبير : أول مولود في المدينة صاحب الحنكة السياسية والدهاء.



وقصته مشهورة مع عمر رضي الله عنه عندما فر الأطفال وهو لم يفر شجاعة وصلابة أمام فاروق الإسلام، فلما سأله قال: لم أعمل جرماً فأخاف منك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك !



فانظر إلى بلاغة الإجابة وحريتها وسموها.



4- أبو محذورة من فتيان مكة، يخرج يرعي الغنم فيعود مؤذناً لأهل مكة ببركة دعاء النبي صلي الله عليه وسلم له.



5- محمد بن القاسم يفتتح الهند والسند وهو فتي كما تعلمون، في جيش قوامه مائة ألف موحد وهو القائد آنذاك.



وهكذا غيرهم من فتيان هذه الأمة وأطفالها الذين كانوا صغاراً في السن لكنهم كانوا كباراً في العقل والفهم والهمة.



أسأل الله لي ولكم قره عين من أبنائنا، وان يجعلهم عبادا صالحين يخدمون هذا الدين الخالد في كل مكان.



والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



القرني

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24-01-2007, 10:14 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

أحكام المولود




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.



أما بعد ..

إنها لبشري سارة ولفتة عجيبة أن يتجه شباب الإسلام أو معظم شباب الإسلام اتجاهاً علمياً إلى الكتاب والسنة، ويحرصوا على ميراث محمد صلي الله عليه وسلم ، ويبدأوا تحصيلهم العلمي جازمين على العودة إلى الله سبحانه وتعالي.

وهي بشري تفرح المؤمن ، لنه لا رسالة إلا بعلم ، ولا علم إلا قال الله وقال رسوله صلي الله عليه وسلم . فالحمد لله الذي جعل من هؤلاء الشباب شباباً يحرصون على العلم النافع المبني على الكتاب وعلى السنة، وعلى تخريج الأحاديث ، وعلى مراجعة أصول الإسلام، وعلى تحقيق المسائل.

قال البخاري...عن سلمان بن عامر الضبي قال صلي الله عليه وسلم : (( مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى))، رواه مع البخاري الجماعة إلا مسلم.

وفي العقيقة مسائل أوردها لكم متتالية:

أولها: تعريف العقيقة.

ثانيها: حكمها.

ثالثها: ما معني إماطة الأذى؟

رابعها: ما معني كل غلام مرتهن بعقيقته؟

خامسها: ما معني تذبح عنه يوم سابعة؟

سادسها: ما معني متكافئتان.

ثامنها: قولها صلي الله عليه وسلم : (( لا احب العقوق لما ذكرت العقيقة ، بينما قال: (( كل غلام مرتهن بعقيقته))، فكيف نجمع بين اللفظين؟

تاسعها: قوله: (( ويطلخ بزعفران)) ، ما معني ذلك؟

العاشر: عقه صلي الله عليه وسلم عن الحسن والحسين.

الحادي عشر: التصدق بالفضة.

الثاني عشر: الأذان في أذن المولود يوم تلده أمه، وهل الإقامة سنة أم لا؟ وتحقيق الكلام في ذلك.

الثالث عشر: استحباب تحنيك المولود وبماذا يحنك؟ وما هو التجنيك؟

الرابع عشر: الأسماء المختارة والأسماء المنهي عنها.

الخامس عشر: هل يجزئ غير الضأن في العقيقة.

السادس عشر: هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية؟

السابع عشر: متي تبح العقيقة؟ وهل تكسر عظامها؟

أقول مستعيناً بالله.

أما العقيقة: فهي مشتقة من العق، وهو القطع والشق.. يقال: عققت اللحم أي قطعتها، وعقت الثوب أي شققته، وعققت الحبل أي قطعته. فهي الشق والقطع، وهي الذبيحة التي تذبح للمولود.

ولا يصح أن تسمي تميمة بل عقيقة، تذبح في اليوم السابع. يقول أحد شعراء العرب:

نفلق هـاماً مـــن رجـــال أعزة

علينا وهم كانوا أعق وأظلمــــا



يقول: نقطع رؤوساً عزيزة علينا وأقارب ، لكنهم ظلمونا وجاروا علينا.



استشهد بهذا البيت كما في السير يزيد بن معاوية لما قتل الحسين بن على .

أما حكم العقيقة ففيها أقوال ثلاثة:

1-قال أبو حنيفة: إنها من أعمال الجاهلية ، وأنها ليست بسنة ولا واجب ولا يفعلها إلا جاهلي!

وهذا القول خطأ منه رحمه الله، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا محمد صلي الله عليه وسلم .

2- وذهبت الظاهرية والليث والحسن البصري إلى أنها واجبة.

واستدلوا بقول الرسول صلي الله عليه وسلم : (( كل غلام مرتهن بعقيقته، فقالوا: ما دام أنه مرتهن فهي واجبة.

3-وتوسط الجمهور فقالوا: هي سنة وليست بواجبة، لقوله صلي الله عليه وسلم في السنن بسند حسن: (( من شاء أن ينسك عن ولده فليفعل ، ومن شاء فليترك)).

أما ابن تيمية وابن القيم فقالا: هي مشروعة.. دون تحديد للحكم.

والأقرب أنها سنة، والأحسن للعبد أن يعق عن ابنه وأن يذبح ، فإن لم يفعل فلا يلزم ولا يحبس ولا يسجن، ولا يطاف به في العشائر والقبائل ويضرب بالجريد والنعال ويقال هذا جزاء من ترك العقيقة عن ابنه!!

لا .. فالأمر أيسر من ذلك.

ما معني إماطة الأذى؟ يقول صلي الله عليه وسلم : (( مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى))، الأذى هو: الشعر.

قال ابن سيرسن في سنن أبي داود: ( إن لم يكن الأذى الشعر فلا أدري ما هو).

فمن السنة إذا ولد مولود أن تحلق شعر رأسه، وهو إماطة الأذى.

والشوكاني يعمم ويقول: الشعر وغير الشعر، فالأذى فيه عموم فينظف ويحلق شعره.

وهذه سنة الإسلام.. في سنن أبي داود عن قيس بن عاصم المنقري أنه لما أسلم أمره صلي الله عليه وسلم أن يختتن وأن يلقي عنه شعر الكفر.

قوله : (( كل غلام مرتهن بعقيقته))، ما معني مرتهن؟

لأهل العلم رأيان في قوله( مرتهن بعقيقته)).

1- قال الإمام أحمد رحمه الله: (( مرتهن بعيقته))، أي أنه إذا مات وهو طفل لا يشفع في والديه حتى يعق عنه.. لأنه مرتهن أي ممنوع من الشفاعة.

فالطفل يشفع لوالديه إذا مات صغيراً.. ولذلك ندعو له في صلاة الجنازة بأن يشفع لوالديه.

2- وقال بعض العلماء : أي أنه لا يسمي ولا يحلق إلا بعد ذبح العقيقة، فالتسمية والحلق رهينة بالذبييحة.

وهذا كأنه قريب ـ عن شاء الله ـ ولا باس بإدخال قول الإمام أحمد، فالكل ليس عنده دليل تأصيلي تفصيلي، فلا بأس ان يجمع بين هذا القول وقول الإمام أحمد.

متى يذبح عنه؟

السنة أن يذبح عنه في اليوم السابع لحديث أبي داود والترمذي والبيهقي ، وهو حديث صحيح أنها تذبح في اليوم السابع.

فإنه فاته ففي الرابع عشر.

فإن فاته ففي الحادي والعشرين، قاله الترمذي.

وتوقف الشوكاني وطالب الترمذي بالدليل .. لأن ديننا مبني على الدليل.

فنقول للشوكاني وغيره: قد روى البيقهي بسند يقبل التحسين: أنه إذا فات اليوم السابع فتذبح عنه في اليوم الرابع عشر..فإن فات ففي الحادي والعشرين.

فإنك فاتك فلا بأس أن تقضيها ، وإن كبر الابن فعند الطبراني أن الرسول صلي الله عليه وسلم عق عن نفسه بعدما كبر.

ولكن الحديث ضعيف.

وهنا مسائل :

1- هل يجوز أن يتبرع بالذبح عنه غير الوالد؟

الصواب أنه لا يشترط أن يكون الوالد.. لأنه قد يكون فقيراً أو معدماً أو محتاجاً، فتقبل من غيره.

2- ومنها أنه لا بد أن يكون الذبح في اليوم السابع، أما بله فلم يرد بذلك نص ، ولو أن بعض الفقهاء يقولون: يجوز قبل ذلك..لكن هذا مخالف للنص.

3- ورد في بعض الألفاظ ( ويدمي) بدلاً من ( يسمي)،وهو غلط من أحد الرواة. ولكن قال قتادة: يدمي أي يؤخذ من دم الذبيحة بصوفة ويجعل على بطنه ثم رأسه.

وقال بهذا أيضاً ابن عمر وعطاء والحسن.

لكن الصحيح أن هذا خطأ ووهم من (همام) في هذه الرواية، لقوله صلي الله عليه وسلم عند ابن ماجه من حديث يزيد بن عبد الله المزني: (( يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم))، وهذا نص.

قالوا لنا: الحديث مرسل.. وصدقوا.

عبد الله بن يزيد بن عبد الله المزني تابعي وأبوه عبد الله المزني صحابي فهو لم يرو عن أبيه فانقطع السند.

لكن الأقرب أيها الأبرار أنه لا يدمي لأن التدمية من أفعال الجاهلية، فقد ورد في السنن أن أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك، فلما أتي الإسلام منع من ذلك.

وقال صلي الله عليه وسلم ـ كما عند ابن حبان ـ : (( واجعلوا مكان الدم خلوقاً)) وفي رواية حسنة: (( زعفران))، أو ما يقوم مكانه من الأطياب.

أما المسألة السادسة: فمعني التسمية.. عند ابن أبي شيبة في المصنف قال: يسمي في اليوم السابع على معنيين:

1- إما أن يسمي في اليوم السابع وهو الصحيح.

2- وقيل يسمي على الذبيحة، أي يقول على عقيقته ( بسم الله).

وأما المسألة السابعة : فقوله: (شاتان متكافئتان) كما في السنن.

معناها أنهما متقاربان في السنن.. فلا تكون هذه كبيرة والأخرى صغيرة.

وقيل: متكافئتان في النوع: فلا تكون هذه ماعز وهذه ضأن، أو هذه ضأن عراقية وهذه نجدية.

ولكن هذا تكلف، والصواب أن تكونا متقاربتين في السن،

ولا بأس أن تكون تيساً وكبشاً يعني من الضأن، ولا بأس أن تكونا أنثيين ، ولكن الذكرين أحسن.

وقال مالك بن أنس رحمه الله: شاة عن الذكر وشاة عن الأنثى ، واستدل بحديث بريدة: (( كنا نذبح شاة عن الذكر)).

قلنا : الحديث فيه كلام.

قال: وعن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: عق رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الحسن والحسين شاة شاة.

قلنا: لا ، بل ورد أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: (( عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة)).

فيقال لك:

1- إما أن تكون زيادة الشاة زيادة ثقة فتقبل .

2- أو أن نقول: القول مقدم على الفعل .. فالرسول صلي الله عليه وسلم عق عن الحسن شاة وعن الحسين شاة ولكنه قال للناس: (( عن الغلام شاتان)).

فالقول عند أهل الأصول يقدم على الفعل.

المسألة الثامنة: يقول صلي الله عليه وسلم في حديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي وسنده صحيح لما قالوا له: يا رسول الله كيف العقيقة؟

قال: (( لا أحب العقوق)).

قال الرواي: كأنه كره الاسم صلي الله عليه وسلم .

فالرسول كره العقوق .. لكنه صلي الله عليه وسلم قال كما تقدم في الصحيح: (( لكل غلام مرتهن بعقيقته))، و(( مع الغلام عقيقة)).

والجمع أن يقال: أن الرسول صلي الله عليه وسلم كره الاسم.

وأما قوله لذلك فهو دليل على الجواز، والجواز لا يمنع من الكراهة. هذه قاعدة اصوليةن فربما يكون الأمر مكروهاً لكنه جائز أحياناً.

فالأفضل ألا نقول عقيقة لأن الرسول صلي الله عليه وسلم لما قال : (( مع الغلام عقيقة)) خاطبهم بلغتهم التي يفهمونها .. ولما قال : (( أكره العقوق)) أراد أن يترفع عن هذه الألفاظ.

المسألة التاسعة: قوله: (( ونلطخه بزعفران)).

والزعفران نبت معروف يسحق ويوضع معه خلوق ويوضع على الرأس .

قال أهل العلم: فيه الدليل على استحباب تلطيخ رأس المولود بالزعفران أو غيره من الخلوق الذي يشابهه ، كالمر والحناء أو الكتم أو ما يشابهه.

المسألة العاشرة: عقه صلي الله عليه وسلم عن الحسن والحسين.. فيه دليل على نه يجوز أن يعق غير الأب عن المولود ... وقد سبق هذا.

وفيه أنه إذا مات الوالد فعلى المتكلفين بالنفقة أن يعقوا عنه.

المسالة الحادية عشر: التصدق بالفضة. ورد أنه يتصدق بوزن شعره ورقاً: أي فضة.

فيقدر ببعض الريالات أو ببعض المال ويتصدق به.

وهل يجزئ الذهب مكان الفضة؟

قال أهل العلم: نعم، فقد روى الطبراني في الأوسط بسند فيه رواد بن الجراح وهو ضعيف: (( أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر بست.. منها أن يتصدق عن المولود بذهب)).

ولكن الصحيح أنه يتصدق بفضة لأن هذه الرواية ضعيفة.

لكن إذا تصدقت بذهب أو بفضة أو بشيء من الدراهم فالأمر سهل.

المسألة الثانية عشر: الأذان في أذن المولود، فقد ورد عنه صلي الله عليه وسلم في سنن أبي داود : (( أنه أذن في أذن الحسن)).

والحكمة أن ينشأ الطفل على ( لا إله إلا الله) وهو صغير، ويكون أول ما يطرق أذنه( لا إله إلا الله).

أما الإقامة فلم ترد إلا من فعل عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فأنت تؤذن فقط، أما الإقامة فلا.

المسألة الثالثة عشر: استحباب تحنيك المولود: فمن السنة إذا ولد لك مولود أن تأخذ شيئاً من تمر أو عسل أو شيئاً حالياً كالسكر وتضعه في فم الطفل.

أتي صلي الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة لما ولد فأخذه صلي الله عليه وسلم ومضغ تمرة بريقه الطاهر صلي الله عليه وسلم ثم وضعها في فمه فأخذ الطفل يتلمظ التمر.

فقال صلي الله عليه وسلم وهو يتبسم : (( انظروا لحب الأنصار للتمر))!!.

المسألة الرابعة عشر: الأسماء المختارة.

من السنة أن تسمي ابنك في يوم السابع وتختار الاسم الإسلامي اللطيف، لا أسماء الخواجات أعداء الرسل وأعداء الكتب وأعداء الرسالات.

فمن الأسماء المختارة ( عبد الله) و ( عبد الرحمن) ، لأنهما اسمان حبيبان إلى الله، صح بهذا الحديث.

بشرط أن يكون اسم الله وارداً في الكتاب والسنة وليس مخترعاً من عندك! فلا تأتي بأسماء وتركبها وتقول ( عبد اليقظان) ( عبد الموجود) ( عبد الساهر) ، فهذا لم يرد.

وقد نهي صلي الله عليه وسلم عن بعض الأسماء : فقد نهي صلي الله عليه وسلم في سنن أبي داود عن اسم يسار ورباح ونجيح وأفلح، لأنه يتشاءم بها، فإذا قلت لأهلك: أيسار في البيت؟

قالوا: ليس فيه يسار .

فكأنك ستشاءم ، وهكذا ألفح ونجيح ورباح.

ومنها أسماء للبنات مكروهة مثل ختنة وعاصية وغاوية ومتخلفة وبليدة وغبية!

والإنسان يتأثر باسمه وصفته ولقبه..فعلى الإنسان أن يحرص على الاسم الإسلامي القوي..ولا يتشاءم ، أي لا يختار اسماً يتشاءم به.

وفي الموطأ للإمام مالك أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال لرجل: (( قم احلب الناقة، ما اسمك؟)).

قال: حرب .

فقال له: (( اجلس)).

فقال للثاني: (( ما اسمك))؟

قال : مرة.

فقال للثالث: (( ما اسمك))؟

قال: صخر.

فقال للرابع: (( ما اسمك))؟

قال: يعيش.

فقال له: (( احلب الناقة)) فحلبها.

فالرسول صلي الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل.

المسألة الخامسة عشر: هل يجزىء غير الغنم في العقيقة كالبقر والإبل؟

والجمهور على إجزاء البقر والإبل ، لما روى الطبراني عن أنس قال: (( يعق عنه من الإبل والبقر والغنم)).

وقال الإمام أحمد: من عق عن ابنه بدنة يعني ناقة فليجعلها كاملة.

فالصحيح أنه يجوز أن يعق بالإبل والبقر عن المولود ، فلك أن تعق ببدنة عن ابنك، وتكفيك عن شاتين ، والأحسن شاتان.

ولا يشترك فيها ـ أي البدنة ـ سبعة ولا عشرة ، لأن تلك في الأضحية وهذه في العقيقة، فلا يشترك في العقيقة سبعة ولا عشرة.

المسألة السادسة عشر: هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية؟

أي: أن لا تكون عوراء ولا هتماء أو عرجاء ولا شرقاء، إلى غير تلك الأوصاف التي وردت في حديث على.

الصحيح أنه لا يشترط، لأن العقيقة غير الضحية.. فالأضحية قد خصص الرسول صلي الله عليه وسلم القول فيها.

ومن قال بذلك لزمه أن يقول أن كل ولائم السنة يشترط فيها ذلك، كولائم الزواج، لأن بعضهم أوجب وليمة الزواج.



المسألة السابعة عشر: وقت ذبح العقيقة:



لأهل العلم أقوال:

1- قالوا: تذبح بعد الفجر.

2- وقيل : من طلوع الشمس أو من وقت الضحي.

3- وقيل غير ذلك.

4- وقيل: تجزىء من الليل.



والصحيح أنه ليس لها وقت محدد، أعني في ساعات اليوم..



وإلا فإنها كما سبق تذبح في اليوم السابع.



وينبغي أن تجعل العقيقة جدولاً. أي: أن تقسم الأعضاء من المفاصل.. ولا يكسر العظم تفاؤلاً ألا يكسر عظم هذا المولود.



والحديث في ذلك من مراسيل أبي داود عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين (( ولا تكسروا منها عظماً)). وهذا المرسل قد سكت عنه ابن القيم.. وهو مما يستأنس به.



والأفضل أن يفعل بلحمها بعد الطبخ ما هو الأنفع.. فإذا كان جيرانك فقراء ومحتاجين للحم. . فأعطهم منها.

وإن دعوت ضيوفاً عليها فلا حرج.



فأنت مخير بين التصدق بها أو دعوة الضيوف عليها.



والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.





القرني

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 24-01-2007, 10:16 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

حقوق الأبناء


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.



واشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.



حديثي في هذه الأوراق عن الآباء ومسؤولياتهم.. ويا لها والله من مسؤولية عظيمة ألقاها الله عز وجل على عواتقهم من فوق سبع سماوات ، يوم يقول سبحانه لرائد البيت المسلم( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6).



فجيلنا الصالح ابتداء من موكب الأنبياء الكريم يحملون التبعة على أنفسهم، فيقومون بتربية النشء والجيل تربية يريدها الله ويحبها الله.



والله عز وجل قص لنا في محكم كتابه الكريم قصصاً عن الأنبياء والصالحين في ذلك.

أما يقول الله عز وجل عن يعقوب عليه السلام يوم يتلطف مع يوسف ويأخذه بالرفق واللين: )يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً...)(يوسف: الآية5).



أما يقول لقمان وهو يربي ابنه التربية التي يرضاها الله ويريدها الله: )وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ )(لقمان: الآية13) ، فقد غرس الإيمان والتوحيد في قلب الطفل لينشأ عابداً لله عز وجل.

وأول ما يسقط الطفل على الأرض فهو يسقط مسلماً حنيفاً، يقول صلي الله عليه وسلم : (( ما من مولود يولد إلا يولد علي الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) أو كما قال صلي الله عليه وسلم .



ولــدتك أمــك باكيــاً مستصرخاً

والناس حولــك يضحكـــون سرورا

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكــــوا

في يوم مـــوتك ضاحكــاً مسرورا



يوم يقع الطفل على الأرض يكون المسؤول الأول عنه هو : الأب ، فواجبه أن يقوده إلى بر السلام وإلى طريق الجنة.



فلقمان عليه السلام يقول لابنه: ) يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّه)(لقمان: الآية13) ، احذر أن تكون مشركاً.. احذر أن تجعل لله نداً.. احذر أن تعتقد أن هناك مع الله شريكاً.



ثم قال (ه: )يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاة)(لقمان: الآية17) ، هل سمعت أسلوباً أعجب من هذا؟ هل سمعت جودة أعظم من هذه الجودة؟ (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(لقمان: الآية17)ثم قال: ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ )(لقمان: الآية17).فعلم أنه بعد أن يقيم الصلاة وبعد أن يأمر وينهي.. سيواجه شيئاً من المتاعب والمصاعب.. فقال له: ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ )(لقمان: الآية17) .

ثم قال له: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان:18)، أي لا تتكبر على عباد الله ولا تزه ولا تكن تياهاً معجباً بنفسك، فأنت عبد للواحد الأحد.



ثم قال عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان:19) فكن أديباً موجهاً.. كن متواضعاً .. سهلاً ليناً.


والرسول صلي الله عليه وسلم اعتني بتربية الأبناء.. بل هو المربي الأعظم صلي الله عليه وسلم ، بل هو الذي نشر الفضيلة في الجيل.. بل هو الذي أنقذ الله به أهل الضلالة من ضلالتهم وأهل العماية من عمايتهم.



إن البرية يوم مـبعث أحمــد

نظر الإله لها فبدل حالهـــا



بل كرم الإنسان حين اختــار من

خير البرية نجمـــها وهلالها



ورد عنه النبي صلي الله عليه وسلم في حديث حسن أنه قال لأنس بن مالك رضي الله عنه: (( يا بني إن استطعت أن تنام وليس في قلبك غش لأحد فأفعل)).



وفي سنن الترمذي بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما قال: كنت ردف رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال لي: (( يا غلام)).



قلت : لبيك وسعديك يا رسول الله.



قلت : (( يا غلام)).



قلت: (( لبيك وسعديك يا رسول الله.



قال: (( يا غلام)).



قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله.



قال: (( أني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك، تعف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله . واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على ان يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك..

رفعت الأقلام وجفت الصحف)).



إي والله! احفظ الله يحفظك..فهل أوصى الآباء أبناءهم بهذه الكلمة؟



وهل قال الأب لابنه يوم يودعه في الصباح إلى عمله أو إلى مدرسته أو إلى مزرعته: (( احفظ الله يحفظك)).



يقول أحد علماء الأندلس وهو يوصي ابنه:



وإذا خلوت بريبة في ظـــلمـــة

والنفس داعـــية إلـــى الطــغيان

فاستحي من نظر الإله وقل لـــها

إن الذي خــلق الظــلام يـــرانــي



نعم! إنه غرس الرقابة والخشية في قلوب الأبناء لينشأوا والخوف يملك جوانحهم من الواحد الأحد، هذه تربية الإيمان التي أرادها الله.



ويقول الأندلسي الآخر وهو يوصي ابنه:



أبا بكـــر دعـــوتك لو أجبـــت

إلـــى ما فيه حــظك لــو عقـــلت

إلــى عــلم تــكون بـه إمامـــاً

إن نهـــيــت وإن أمــــــــرت

ويجلــو ما بقلبــك من عمـــاها

ويهديـــك السبيــــل إذا ضــــللت

ويقول جعفر الصادق ـ رضي الله عنه وارضاه ـ وهو يوصى ابنه:



يا بني لا تصاحب فاجراً ولا عاقاً ولا بخيلاً ولا كذاباًن فإن الفاجر قد استحق لعنة الله.. وإن العاق قد أدركته ظلامه أبيه وأمه.. وإن البخيل يبيعك أحوج ما تكون إليه.. وإن الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب.



وحبيب بن زيد تربيه أمه تربية صادقة خالصة لوجه الله.. فينشأ مجاهداً ..ويرسله صلي الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب الدجال في اليمامة فيدخل على مسيلمة وعمره ما يقارب العشرين.



فقال له مسيلمة: أتشهد أن محمداً رسول الله؟



قال: نعم.



قال: أتتشهد أني رسول الله؟



قال: لا اسمع شيئاً.



فأخذه وقطعه إرباً إرباً، وهو لا يعود عن دينه.



من ذا الــذي رفع السيوف ليرفـــع

اسمك فوق هامات النجوم منــارا

كنا جبالاً في الحبـــال وربــــما

صرنــا على موج البحار بحارا

أرواحنا يا رب فــوق أكــفنــــا

نرجو ثوابك مغنمـــاً وجوارا



الخنساء رضي الله عنها وأرضاها وهي النخاعية تحضر بأبنائها معركة القادسية وهم أربعة، ربتهم على الاستقامة والصلاة وعلى الذكر.. فلما حضرت المعركة قالت لهم: يا أبنائي أنا أمكم.. والله ما خنت أباكم، والله ما خدعت خالكم، فإذا حضرت المعركة فيمموا أوجهها واقبلوا على أبطالها، وقاتلوا رجالها عسي الله أن يقر عيني بشهادتكم.



وبدأت المعركة وقتل الأربعة في أول النهار، وجاء بعض المسلمين يخبرها بذلك.. فتبسمت وفرحت كثيراً.ز وقالت: الحمد لله الذي أسعدني بشهادتهم في سبيله!



الأم مدرســـة إذا أعـــــددتــــها

أعـــددت شعباً طيب الأعراق

الأم روض إن تعاهــــــده الحيا

بالــري أورق أيــما إيـــراق



وأسماء بنت أبي يكر رضي الله عنها وأرضاها ذات النطاقين اللذين جعلهما الله عز وجل ساماً لها في الجنة.. تقول لابنها عبد الله بن الزبير الفارس المصلوب الذي صلب في الحجون.



تقول له وقد أتي يستسلم خوفاً من الحجاج بن يوسف الثقفي يا بني أصبر فإنك على الحق.



قال: يا أماه إني أخاف إذا ذبحوني أن يسلخوني ويقطعوا جسمي.



قالت: يا بني لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها.



فثبت على الحق ولبس أكفانه ومات شهيداً رضي الله عنه وأرضاه.



· حق الأبناء على الآباء:



1- اختيار الزوجة الصالحة.



فما هي مواصفات الزوجة الصالحة؟



يقول صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (( تنكح المرأة لأربعك لمالها

ولجمالها واحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)). فالدين هو أهم شيء في المرأة .. فيجعل الدين هو الأصل وما بقي تبع.



ونحن نؤمن أن الجمال مطلوب، وأن الحسب مرغوب، وكذا المال، كل هذا كما قلت لكم يأتي تبعاً للدين.. لأنه يوم أسيء الاختيار في بعض الأماكن نشأ الجيل معوجاً لا يعرف الله ولا الدار الآخرة.. لأنه تبع لتربية أمه.



فأول مسؤولية الآباء اختيار الزوجة الصالحة التي تريد الله والدار الآخرة.. ولا عبرة والله بالمرأة التي لا تريد الله، ولا تعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم . أما أزري الله عز وجل على امرأة نوح؟ أما عاتب ولام وندد بامرأة لوط؟ ولكنه سبحانه وتعالي مدح امرأة فرعون في بيت فرعون وهو ملحد .. لأن السبب هو الإيمان والتقوى.



حكمة الاتصال: يقول سبحانه وتعالي: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً)(الرعد: الآية38) إن اتصال الرجل بالمرأة في الإسلام أمر شريف وليس كما ادعاه أعداء البشرية من أنه لأجل الشهوة الجامحة، بل الحكمة هي إعمار الأرض بوجود الذرية الذين يحملون الرسالة ويحملون الهداية للناس، وإخراج جيل عظيم من الزهاد والعباد والقادة.



فأين ذهبت تلك الحكمة عن تلك العقول والأدمغة التي ما عرفت الطريق إلى الله؟



ولذلك قال البخاري في الصحيح وهي: أن يبدأ الأب بالبذل والعطاء وبإعلان الفرحة وشكر الله على هذه النعمة.



فالأبناء نعمة من الله .. وأي نعمة.



وقد دعا أحد الأنبياء ربه يقول: ( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)(الانبياء: الآية89).



وكل مولود مرتهن بعقيقته حتى يعق عنه.



وكذلك من السنة أن يحلق رأسه وان يتصدق بوزنه فضة أو ما يعادلها من المال، وهذا أمر ثبت عنه صلي الله عليه وسلم ، ذكره ابن القيم في كتاب ( تحفة المودود بأحكام المولود) ومعني ذلك أنه تفاؤل بأن الله يحط أخري قد لا تظهر لنا.



2- ومن حقوق الأبناء على الآباء: اختيار الاسم الطيب.. وفي الحديث الصحيح: (( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)).



أما الحديث الذي يقول : (( أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد)) فهاذ لا يصح..ولكن كل اسم فيه لفظ العبودية طيب وحبيب إلى القلوب، لماذا؟



لأن ابنك يوم يتردد على سمعه هذا الاسم ( عبد الرحمن) ( عبد الوهاب) ( عبد السلام) .. يتذكر الصلة بينه وبين الله الذي شرفه بالعبودية.



ونهي صلي الله عليه وسلم أن يسمي ببعض الأسماء .. فقد جاءه رجل فقال صلي الله عليه وسلم : (( ما اسمك؟)).



قال: غاوي ابن ظالم.



قال صلي الله عليه وسلم : (( بل أنت راشد بن مقسط))ـ فغيره صلي الله عليه وسلم تفاؤلا بأن يكون راشدا مقسطاً.



ويقول صلي الله عليه وسلم : (( أحسنوا أسماءكم وأسماء ابنائكم فإنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء أبائكم)).



وفي موطأ الإمام مالك أنه صلي الله عليه وسلم قال لرجل: (( قم احلب الناقة، ما اسمك))؟

قال: صخر

قال: (( اجلس)).

فقال للرجل الثاني: (( ما سمك))؟

قال: حرب

قال: (( اجلس)).

فقال للثالث: (( ما اسمك))؟

قال: مرة.

قال: (( اجلس)).

فقال للرابع: (( ما اسمك))؟

قال: يعيش

قال : (( قم فاحلب الناقة)).

إنه التفاؤل في الأسماء الطيبة التي تورث الحب وحسن الطالع.

3- ومن حقوق الأبناء على الآباء: الرضاعة الحقة التي يريدها الإسلام، وكثيراً ما أخفق المجتمع الذي نعيش فيه في الرضاعة، إما بأن يسند الطفل إلى غير أمه فلا يكون له علاقة بأمه ولو كانت قادرة على الرضاعة، فينشأ الطفل مبتور الحنان والصلة مع أمه والعطف، فلا تجده ذاك الطفل الذي ينشأ على العطف والأنس بقرب أمه.

فتجد بعض البيوت يفرط في هذا الجانب، فيقدم كثيراً من المرضعات أو الكثير من الوسائل للرضاعة.. ويترك الأم ولو كانت قادرة.. وهذا خطأ ظهرت آثاره في التربية.. فنشأ الأطفال على العقوق والجفاء والقطيعة مع الأمهات.

لأن لبنها ما سري في شرايينه وعروقه.

والله عز وجل ذكر الرضاعة في القرآن فقال: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)(البقرة: الآية233)، وكلما أتم الرضاعة كان أحسن.. وأجود.. ومكن.

واختيار المرضعة إذا اضطررت.. هو من حقوق الأبناء على الآباء ، فلا ترضعه كافرة ولا فاجرة ولا حمقاء ولا سيئة التصرف..فإن لبنها سوف يكون له أثر في عقله وتوجهه.

ولذلك وضع صلي الله عليه وسلم في بادية بني سعد حيث الصفاء والنقاء وحيث الهواء والماء والصحراء.. فتشأ أفصح من فصحاء العرب.. ونشأ أخطب الدنيا.

فالبادية في الجيل الأول لها أثر عظيم في تربية الأولاد.. أما الآن.. فالله المستعان!.

تقول عائشة: ربما رأيت الرسول صلي الله عليه وسلم إذا تهللت أسارير وجهه وأتاه خبر يسره كأنه البدر ليلة أربع عشر وتذكرت قول الشاعر:

وإذا نظـــرت إلى أســـرة وجهه

برقت كبرق العارض المـــنــهلل

والسبب هو جودة الرضاعة.. فكان وجهه يبرق مع ما آتاه الله من القوة والحكمة والجمال.. حتى قيل لأبي هريرة : أكان وجهه صلي الله عليه وسلم كالسيف؟

قال: لا والله.. كالشمس.

وقال أنس: والذي نفسي بيده نظرت لوجه المصطفي صلي الله عليه وسلم ونظرت إلى البدر ليلة أربعة عشر، ولوجه المصطفي صلي الله عليه وسلم أجمل من البدر.

وقد حذر أهل العلم من استرضاع الحمقي لكي لا يأتي الطفل أحمقاً!!

ذكر ابن كثير في ترجمة القاضي شريح وكان من أذكياء الدنيا، أن ثلاث نسوة دخلن عليه فنظر إليهن وقال:

أما هذه المرأة فثيب.

وأما هذه المرأة فحامل بولد.

وأما هذه المرأة فأرضعتها كلبة!!

قيل لشريح: كيف عرفت ذلك؟

فقال: أما المرأة الحامل فعرفتها لأن صوتها ضعيف.

وأما الثيب: فلأنها تنظر للرجال.

وأما الثالثة: فأرضعتها كلبة لأن في يديها رجفة.

فسئلت النسوة فكن كما قال.

4- ومن الحقوق التي للأبناء على الآباء: القدوة: بأن يكونوا قدوة لأبنائهم، لأن الطفل يقلد أباه دائماً.. فالذكر يقلد الأب والبنت تقلد الأم.

وينشأ ناشــيء الفـــتيــان مــنــا

علـــى مـــا كان عوده أبوه

كيف يقول له: كن صادقاً..ثم يكذب!!

فالفعل فعل قبيح..والقول قول جميل.. )أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة:44).

تقول للابن : صل في المسجد، ولكن لا يرانا نصلي.

إنه ظلم للعقل، وظلم للعلم، وظلم للتربية، وظلم للإحساس.

نقول للابن : لا تغتب أحداً.. اتق الله في أعراض المسلمين...

ثم نقع في أعراض الناس بسكاكين من القول الجارح.

يا أيها الأبرار ويا أيها الأخيار..إن القدوة أمرها عظيم؛ لأنك ستسأل عن أبنائك يوم القيامة.



هل أمرتهم؟



هل نهيتهم؟



هل نفذت ما نقول؟



أم أنه كلام دون فعل.



يقول أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه كما في الترمذي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )(المائدة: الآية105) وأني سمعت الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (( إن الناس إذا رأوا المنكر ثم لم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب)).



فلا يصح أن نصلح في أنفسنا.. وأبناؤنا غير صالحين.



نقرأ ونتهجد بالقرآن.. وأبناؤنا في المقاهي والملاهي.



نقرأ كتب العلم الراشدة.. وأبناؤنا مع المجلة الخليعة ومع القول السخيف.



5-ومن حقوق الأبناء على آبائهم: أمرهم بالصلاة في السابعة ، وضربهم عليها في العاشرة، والتفرقة بينهم في المضاجع.



يوم يبلغ الطفل السابعة تأمره أمراً فحسب بالصلاة ولا تضربه..تقول له: صل، هداك الله، تأخذه بيده وتعلمه طريق المسجد.



فإذا بلغ العاشرة تأخذه بالحزم، فإذا رفض.. تضربه ضرب ناصح وضرب رشيد يريد له الخير مثل ما يريد لنفسه.



ويا لحكمة هذا الدين! ويا لقوته ! ويا لشموله! ويا لعدله! فهو يلاحق الأطفال والنشء والجيل حتى وهم في المضاجع .. فيقول: حرام أن يتضاجعوا في مكان واحد. ففرقوا بينهم في المضاجع.. فالذكر لا ينام في فراش الأنثى ، ولا الأنثى في فراش الذكر.



ولا بأس أن يناموا في غرفة واحدة بشرط أن يفرق بينهم في المضاجع.



6-ومن حقوق الأبناء على آبائهم: تعليمهم العلم النافع..علم قال الله وقال رسوله صلي الله عليه وسلم .



العلم الذي أتي من فوق سبع سماوات .. وليس العلم الرخيص.. وليس العلم السخيف الدخيل الذي أتانا من أعداء البشرية وأعداء الإنسان.



لكن العلم الموروث عن معلم الخير صلي الله عليه وسلم .



وتعليم الجيل من أعظم الخصال الواجبة في الإسلام، فالإسلام لا يعترف بالجهل ولا بالدروشة.



وأما أن نحرم أبناءنا من العلم بحجة أنه أمر مضن..وطريقة طويل وشاق، فهذا من سوء الإرادة وضياع الحكمة.



نعم... إذا حصل الشاب أو البنت على حصيلة من العلم تقيم دينه وتحجزه عن المناهي.. فلا بأس بعد ذلك أن ينطلق في عالم الحياة.. وأن يخوض جميع المجالات المباحة التي يرغبها.. كالتجارة والزراعة وغيرها.



فواجب إذن.. تعليمه العلم النافع.. وغرس الفضيلة في قلبه.



ولذلك كان صلي الله عليه وسلم يحرص على هذا .. فابن عباس رضي الله عنهما شاب في العاشرة من عمره يدخل على المصطفي صلي الله عليه وسلم ليلة من الليالي بعد صلاة العشاء ، فيقوم صلي الله عليه وسلم ليصلي في الليل فيقوم معه ابن عباس.



ويحضر ابن عباس ماء للرسول صلي الله عليه وسلم ليتوضأ به.



فيقول صلي الله عليه وسلم : (( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)).



فكانت دعوة من أعظم الدعوات المباركة في حياة ابن عباس.



لم يدع له بالتمكين في الأرض ولا بالصحة في الجسم.. ولا غير ذلك.



وإنما دعا له بأن يجعله الله فقيهاً معلماً مفهماً.. وأن يعلمه الله تأويل كتابه.



ولذلك يقول صلي الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث معاوية: (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).



فالله الله بالعلم النافع لأبنائكم.. فليس كل علم يكون نافعاً.



وقد قسم الله العلم في القرآن إلى قسمين:

1- العلم النافع.

2- العلم الضار.

من العلم الضار قوله تعالي عن السحرة: ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ )(البقرة: الآية102).



ويقول الله عن أحد الذين تعلموا العلم.. ولكنه لم ينفعهم ، وهو (باعورا) اليهودي الحبر: )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:175/176).



والله يقول في بني إسرائيل ـ وقد حملوا علماً، ولكن لم يستفيدوا منه ولم يكن له أثر في معتقدهم وفي عبادتهم وفي سلوكهم ـ : )مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً)(الجمعة: الآية5).



وقال سبحانه وتعالي فيهم: )فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة:13)


فالعلم النافع هو الذي يورث الخشية من الله في القلب.



العلم النافع هو الذي ينشىء الطفل على حب المسجد وحب القرآن والعلم.



وهو الذي يجعل الشاب عابداً لله.. يتقي الله.. ويخافه، )َ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(فاطر: الآية28) .



وكان صلي الله عليه وسلم يقول: (( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)).



ولذلك كان صلي الله عليه وسلم يربي الناس على العلم النافع الذي يريده الله سبحانه وتعالي.



6- من حقوق الأبناء على الآباء: مصاحبته وغرس الفضيلة والثقة بنفسه..فلا يكون مسلوب الإرادة.. ولا مسلوب الهمة والمكانة.

6-

والكثير من الآباء يخطئون في هذا الجانب فيربون الابن بالسوط والقسوة والعنف، فينشأ الابن وقد سلبت إرادته وقوته ومكانته.



وينشأ مهزوز الإرادة.. لا كلمة له..ولا حق.. ولا رأي.



وهذا العنف لا يورث إلا عنفاً مثله..بلا شك.



ولذلك وصف الله عز وجل رسول الله صلي الله عليه وسلم بالحكمة وبالين..فقال له: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(آل عمران: الآية159) .



وقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).



ولما فشت هذه التربية العنيفة في كثير من البيوت أصبح الأبناء على قسمين:



إما عاق لأبيه ومشا-له ومكابر.



وإما أن ينشأ الطفل ذليلاً مخبتاً لا مكانة له.. ولا شجاعة.. ولا إرادة.



وهذا خطأ وقع فيه كثير من الآباء.



في الطبراني أن رجلاً أتي إلى الرسول صلي الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله ابني ربيته فسهرت لينام، وظمئت ليروي، وجعت ليشبع، فلما كبر غمطنى حقي!



فقال صلي الله عليه وسلم : (( هل قلت في ذلك شعراً))؟



فأخذ الرجل يبكي ويقول: نعم يا رسول الله، قلت:



غذوتـك مــولــوداً وعلــتك يــافعـــاً

تعــل بمـــا أجــري عليـــك وتنهل

إذا ليلــة بالسقــم ضاقـــــتك لم أبت

لسقــــمك إلا شـــاكيـــاً أتمـــلمل



كــأني أنا الملـــدوغ دونك بالـــذي

لــدغت به دوني فعينــــاي تـــهمــل

فلمــا بلـــــغت السن والغاية التي

إليهـــا ما كــان فيــك كنت أؤمـــــل

جعلـــت جزائـــي غلظة وفظاظة

كأنك أنت المنــــعـــم المـــتفضـــل

أو كان هذا الأب عاقاً لوالديه.. فكان الجزاء من جنس العمل!



7- ومن حقوق الأبناء على الآباء: إبعادهم عن رفقة السوء وأهل الفساد.



يقول الله عز وجل عن الرفقة الصالحة: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف:67) .فكل خلة.. وكل صحبة..وكل صلة.. وكل صداقة تتقطع وتتلاشى وتنهار إلا صلة الذين يريدون الله والدار الآخرة.



قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( والله لو صمت النهار لا أفطره، ولو قمت الليل لا أنامه.. وأنفقت أموالي في سبيل الله، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة ولا أبغض أهل المعصية، لخشيت أن يكويني الله علي وجهي في النار).



ولذلك يقول الشافعي وهو يتحدث عن نفسه بتواضع:



أحب الصــالحــين ولست منــــهــم

لعـــلــي أن أنــال بـهــم شــفاعة



ولكن والله هو منهم!

فيرد عليه الإمام أحمد ويقول:



تحــب الصــالحيــن وأنت منهم

ومنــــكم قد تنـــاولــنا الشفاعــة

لأنه قرشي هاشمي.



وفي الحديث الذي رواه البخاري: (( المرء يحشر مع من أحب)).



فإن أحببت الصالحين وعملت بعملهم حشرت معهم، والع-صحيح.



يقول الشافعي مواصلاً حديثه:



وأكره من تجــارتــه المعـــاصي



ولو كـــنــا سواء في البضـــاعة!



يقول: ولو كنت عاصياً ولكني أكره العصاة.. ولا أصاحبهم.



وقال الآخر:



عن المرء لا تســأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقـــارن يفتـــدي



فكيف يكون الإنسان صالحاً وهو رفقه السوء؟



يقول أهل العلم: هل كان أفسد على أبي طالب من صحبة السوء؟!



أراده صلي الله عليه وسلم أن يقول: ( لا إله إلا الله) فقال: (( يا عمي قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله))، متفق عليه.



فأراد أن يتلفظ بها.. لينجو من العذاب ويدخل في رحمة الواحد القهار.



فقال له أبو جهل: كيف ترغب عن ملة آبائك وأجدادك !



فأتي هذا الجليس السيء فأراده في نار تلظى..فمات مشركاً كافراً بمغبة رفقاء السوء.



ورفقاء السوء قد انتشروا كثيراً.. وهم أعدي من الجرب.



فالجرب عند أهل العقول يعدي الصحيح، وما سمعنا أن الصحيح يعدي الجرب!



فالواجب على الآباء أن يجنبوا أبناءهم رفقاء السوء.



8- ومن الحقوق الواجبة علي الآباء لأبنائهم: القضاء على أوقات الفراغ التي يعيشونها.



يقول سبحانه : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون:115/116) .



كثير من الأبناء يشكون من الفراغ.. فتجد أحدهم في العطل الصيفية يقول: عندي فراغ كبير.



سبحان الله! مسلم وعندك فراغ؟



طالب علم وعندك فراغ؟



ألست من الأمة الخالدة التي ما عرفت الفراغ؟ ولا عرفت ضياع الوقت؟



كيف يكون لديك فراغ.. وعليك أمانة ومسؤولية وحمل ثقيل؟



في صحيح البخاري عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)).



ولما عرف أجيالنا الفراغ ظهر النشء المعوج الذي لا يحمل الرسالة ولا المبدأ ولا المسؤولية.



أعرف السلف الصالح الفراغ؟



ذكروا عن ابن عقيل العالم الكبير الشهير الذي ألف كتاب ( الفنون) وهو يوجد في مكتبة بون في ألمانية في حوالي سبعمائة مجلد!!



إنه من شدة حفظه للوقت كان إذا أتي لينام كتب الصفحات والأفكار التي تخطر على ذهنه قبل النوم، وعندما يستيقظ يصنع مثل ذلك.


فألف من هذا الفراغ وهذا الوقت الفاضل سبعمائة مجلد!!



وذكر عنه صاحب طبقات الحنابلة ابن رجب أنه قال: ربما أكلت الكعك ولا آكل الخبز لأن بينهما في الوقت مقدار قراءة خمسين آية!!



نروح ونغـــدو لــحاجــاتنـــا

وحــاجة من عـاش لا تنـــقضـــي

تــمــوت مع المــرء حاجاتـــه

وتبــــقي لــه حاجـة ما بـــقــي



يقول دايل كارنيجي الأمريكي في كتاب ( دع القلق وابدأ الحياة) متحدثاً عن الأمريكان: إنهم لا يعرفون الفراغ.



وقد صدقنا وهو كذوب!.



فإن مصانعهم تهدر ومعاملهم تعمل، ولكنها في الدنيا )يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:7) .



يقرأون وينتجون ويقدمون ويخدمون ويفعلون.ز أما أبناء المسلمين فتجدهم يشكون من الفراغ إلا من رحم الله، وخاصة في العطل الصيفية!



وإن اجتهد مجتهد منهم مارس هوايته كما يزعم.



ونحن ليس لنا هواية إلا المحافظة على الصلوات والعيش مع القرآن ومع كتب العلم النافعة..هوايتنا أن نقول للشعوب:



نحــن الذين استيقــظت بــأذنهـــم

دنيا الخليقـة من تــهـاويل الكـــرى

نحن الذي باع الحياة أكفهـــــــــم

ورأي رضاك أعــــز شيء فاشتري



ومن الذيـــن دكـــوا بعزم أكــفهـــم

باب المدينـــة يوم غــزوة خيبـــرا



فما عرفنا جمع الطوابع إلا عندما تركنا الطريق إلى المسجد.



وما عرفنا مطاردة الحمام والدجاج إلا عندما تركنا الجلوس في حلق العلم!



9- ومن الحقوق التي للأبناء على الآباء: معرفة ميول الابن واتجاهه العلمي والوظيفي ليجعله يواصل في الطريق الذي يحب..فكل ميسر لما خلق له.. ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه( تحفة المودود في أحكام المولود).



فقال : لا تعسف الشاب بعد أن يكبر على ما ينافي طبعه.



فأنت أيها الأب لا ترغمه على تخصص لا يريده.. وعلى طريق لا يحبه إذا اصبح عاقلاً رشيداً عارفاً بمستقبله، وكان الطريق الذي اختاره يرضي الله.



وهذه طريقة محمد صلي الله عليه وسلم مع أصحابه بأن يجعل كلاً منهم في مكانة المناسب..فمثلاً أتي إلى حسان بن ثابت فوجده شاعراً .. فقال له عندما كان يهجي الكفار: (( اهجم وجبريل معك)) فكان رضي الله عنه شاعر الإسلام وشاعر الدعوة.



وجاء لأبي بن كعب.. وكان قارئاً وتالياً لكتاب الله.



فقال: (( أقرؤكم أبي)).

وجاء إلى زيد بن ثابت فوجده فرضياً .. فعلمه الفرائض وقال: (0 أفرضكم زيد)).



وجاء إلي خالد بن الوليد فوجده مجاهداً صنديداً شهماً قائداً، فأعطاه السيف وقال: (( خالد بن الوليد سيف من سيوف الله، سله الله على المشركين)).



فهذه التخصصات لا بد أن نؤمن بها.. في بيوتنا ومجتمعاتنا لينشأ أبناؤنا على رغباتهم إذا كانت ترضي الله.



هذه حقوق أردت باختصار أن أقدمها في هذه الأوراق للآباء، وأسأل الله أن تكون في ميزان الحسنات، وأن ينفع بها المسلمين.



وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم.



القرني

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 24-01-2007, 10:18 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

حافظوا على الصلاة



اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، ولك الحمد مثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام،ولك الحمد بمحمد رسول الهدي صلي الله عليه وسلم ، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت.



والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين ، بصر به من العمي، وأرشد به من الجهالة، وأخرج به من الظلمات إلى النور، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.



حديثي في هذا الدرس سيكون عن مبدأ أصيل من مبادىء هذا الدين، فماذا نحن إذا تركنا رسالتنا وتعاليمنا وديننا؟ أي أمة نكون إذا تخلينا عن مبادئنا ومنهجنا ورسالتنا الخالدة التي بعث الله بها محمداً رسول الهدي صلي الله عليه وسلم ؟



قبل بعثه النبي صلي الله عليه وسلم كنا قبائل لم تكن لها حضارة ولا أدب ولا رسالة ولا خلق ولا سلوك ولا منهج، )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2)


إن البرية يوم مبعث أحمــد نظر الإله لها فبدل حــالهــا



بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالهـــا



لبس المرقع وهو قائد أمــة جبت الكنوز فكسرت أغلالــها



لما رآها الله تمشي نحـــوه لا تبتغي إلا رضاه سعي لهــا



أتي الإنسان صلي الله عليه وسلم وكان من أعظم أهدافه في العالم أن ينقذ الإنسان، والإنسان بلا إيمان ضائع في الحياة، والإنسان بلا رسالة ميت بلا روح،والإنسان بلا مبادىء دابة أو بهيمة، (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )(الأنعام: الآية122).



وأنت يا أخي القارىء ، إنما أنت جندي تمثل هذا الإسلام، وإنما أنت من مدرسة محمد صلي الله عليه وسلم ، وإن ما تقدمه لأبناء أمتك الإسلامية إنما هو في سجل حسناتك يوم أن تصلح ما بينك وبين الله، وإذا انقطع الحبل الذي بينك وبين الله فلن يصلح أبداً ما بينك وبين الناس.



يقول معاوية بن أبي سفيان لعائشة رضي الله عنهت: اكتبي لي وصية وأوجزي ، فقالت ك بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (( من أرضي الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضي عليه الناس، ومن أسخط الله برضا الناس سخط الله عليه واسخط عليه الناس)).



وهذا مبدأ معروف أن من قطع ما بينه وبين الله، قطع الله ما بينه وبين الناس ، فما هي الأمانة التي حملك الله إياها؟ وما هي أعظم هذه الأمانة؟ وما هي الوديعة التي أمرت بتأديتها؟



إنها الصلاة يا إخوتي في الله، والذي يخون الصلاة هو أول من يخون مرؤوسيه وأمته، هو أولاً يخون نفسه، ثم يخون أهله وأمته وعهده مع الله تعالي.



فالذي لا يتشرف بالسجود للواحد الأحد على الأرض سوف يسجد لوظيفته ومنصبه، وحذائه وسيارته، ودرهمه وديناره، وفي ذلك يقول صلي الله عليه وسلم : (( تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتفش)) سماه عبداً لهذه الأشياء لأنها شغتله عن العبادة الحقيقة التي خلقه الله لأجلها، ولذلك يقول شاعر الباكستان محمد إقبال مناجياً الله عز وجل وهو يقرر مبادئ الإسلام.



ومما زادني شرفاً وفخــــــراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا



دخولي تحت قولك يا عبـــــادي وأن صيرت أحمد لي نبينا



وإرادتنا وقوتنا وعزيمتنا في أداء الصلاة جماعة كل يوم خمس مرات، والذي يتعاهد المسجد كل يوم خمس مرات سوف يكون أميناً مؤتمناً صادقاً مخلصاً منيباً بحول الله وقوته ) إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)(العنكبوت: الآية45).



فصاحب الصلوات الخمس لا يرتكب الفحشاء والمنكر، صاحب الصلوات الخمس لا يتعاطى المخدرات، ولا يكذب ولا يخون.



صاحب الصلوات الخمس لا يضيع وقته، ولا يضيع أسرته، ولا يضيع منهجه في الحياة ، ولذلك يخبرنا صلي الله عليه وسلم بأول برنامجنا الصباحي يوم أن نستقبل الحياة، فيقول صلي الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وغيره: (( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم من ذمته بشيء ، فإن من طلبه من ذمته بشيء كبه على وجهه في النار))، ويوم تترك صلاة الفجر جماعة فانتظر من صاحب هذا الترك كل شيء، لا تستبعد عليه كل جريمة.



من الذي قاد الشباب إلى السجون في المخدرات؟ من الذي قاد فتيان هذه الأمة إلى السرقات والزنى والمخالفات والسيئات؟



كل ذلك يوم تركوا الصلوات )وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (الزخرف:36).والذي لا يعرف المسجد يعرفه الله السجن، والذي لا يخاف من الله يخوفه الله من كل شيء ، والذي لا يرجو لقاء الله، يسلط الله عليه من لا يرجو لقاءه.



فيا إخوتي في الله، الرسول صلي الله عليه وسلم يصف لنا علاجاً لجميع الذنوب والمخالفات، وما أكثرها في حياتنا إلا من رحم الله عز وجل . فيما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه: (( أرايتم لو أن نهراً على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات أيبقي من درنه شيء؟)) قالوا: لا يا رسول الله، قال: (( ذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)).



نار الدنيا تطفأ بالماء، لكن نار الآخرة لا تطفأ لأن وقودها الناس والحجارة . والفوز عندنا في الإسلام في قوله تعالي: ) فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ )(آل عمران: الآية185)، فالفوز يبدأ من أن يزحزح أحدنا عن النار، ) فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)(آل عمران: الآية185).



والخزي عندنا نحن أهل الإسلام يوم أن يدخل أحدنا جهنم والعياذ بالله، ليس الخزي في عدم الوظيفة، ولا الخزي أن تعيش فقيراً أو مسكيناً أو مريضاً، لا ، الخزي كما رآه المؤمنون في قولهم: )رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (آل عمران:192).



إخواتي في الله : إن الصلاة شأنها عظيم في هذا الدين، فهي عموده الذي قام عليه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، ولذلك لما طعن عمر رضي الله عنه وأرضاه وهو في سكرات الموت قال: الله الله في الصلاة، وهو في سكرات الموت أوصي بالصلاة فقال صلي الله عليه وسلم : (( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)) عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.



فإذا علم ذلك، فما وجد في الساحة من أمور تجرك إلى الفاحشة والجريمة، إنما هي من تخطيط المستعمر، وهي حرب اشتركت فيها المجلة الخايعة والأغنية الماجنة والفديو المهدم، وكل ذلك يقود الأمة إلى الدمار والعار.



أذكياء الغرب واساطينه بدأوا الآن ينظرون أنه لا حل إلا الإسلام، ومن ينظر إلى الكاتب الأمريكي (( دايل كرنجي)) يعلم أنه عرف الطريق لكن ما عرف السعادة، يقول : لا سعادة إلا أن تتعرف على الله، ومن أراد فليقرأ الكتاب فهو موجود في أسواقنا ومكتباتنا، لكن لما رخصت قيمة المسلم في نفسه بترك الصلاة بدأت تتداول هذه المعاصي، المجلة الخليعة التي تحمل الصورة للداعرة، فتحبب الفاحشة، وتحبب الجريمة.



والأغنية التي تشغل القلب وتلهيه عن محبوبه ومطلوبه وهو الله الواحد الأحد.

قال ابن القيم:



قال ابن عباس : ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان



فتثير أصواتاً تلذ لمسمـــع الإنسان كالنغمات بالأوزان



يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيـــدان



الصور التي تعرض في الساحة كلها لإضلال القلوب ولصدها عن باريها سبحانه وتعالي، فبداية الكارثة كانت يوم تركنا الصلاة أو يوم ترك بعضتا الصلاة، أو يوم تهاون بعضنا في الصلاة.



أحد الأدباء العالميين المسلمين الكبار أتي إلى الجزيرة ورأي المساجد ترتفع منائرها في السماء، ورآها مزخرفة وجميلة، لكن ما رأي مصلين، فبكي وقال:



أري التفكير أدركه خمــول ولم تبق العزائم في اشتعال



وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال



وجلجلة الأذان بكـــل حي ولكن أين صوت من بلال



منائركم علـت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال



العجيب كل العجب أن الله يعطي ما يتمناه العبد كله، فمن كانت إرادته أن يحفظه الله حفظه الله، ومن كان مقصده الزيغ أزاغ الله قلبه. وهذا في القرآن، يقول الله لمن أطاعه سبحانه وتعالي: )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) ويقول سبحانه وتعالي للزائغين فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)(الصف: الآية5 ).



أحد الصالحين وهو عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير كان إذا صلى الصبح رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة ، قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فأتته سكرات الموت وأذن لصلاة المغرب، قال: احملوني إلى المسجد، وقالوا: أنت في الموت كيف نحملك إلى المسجد؟ قال: سبحان الله، أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح وأموت هنا!! لا والله. فحملوه على الأكتاف، ووضعوه في المسجد وصلي جالساً، فلما كان في السجدة الأخيرة قبض الله روحه، ولذلك يقول محمد إقبال:



نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً احمرا



جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبــــرا



فدين بلا صلاة معناه ضياع، لا منهج ، ولا أخلاق، ولا سلوك.



كيف تطلب من الفرد مدنياً أو عسكرياً أن يكون صادقاً وهو لا يصلي؟ كيف تطلب منه أن يكون أميناً وهو لا يصلي؟ كيف تطلب منه أن يكون وفياً وهو لا يصلي؟ فن هدم ما بينه وبين الله هدم الله ما بينه وبين الناس، ولذلك إرادتنا وقوتنا وأصالتنا وعمقتا في الصلوات الخمس، وحين نتركها نضيع والله هباء منثوراً.



وأنا قلت : إن مبدأ الصدق هو حفظ الله بظهر الغيب، يقول لقمان لابنه وهو يعظه: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان:16) .



يقول : لو كانت حبة الخردل هذه، وهي حبة صغيرة كالسمسمة، لو كانت هذه الحبة بصخرة صماء لا يظهر منها شيء أتي بها السميع البصير ، لماذا؟ ليقول له: يا بني لو تسترت بالجدران فالله معك، ولو اختفيت وراء الحيطان فالله معك، ولذلك وجد في الناس من قلت مراقبته للواحد الأحد، فضيع مسؤوليته وأمانته وضيع عمله فجعله هباء منثوراً، فلا بد للعبد من مراقبة الله عز وجل في السر والعلانية، في الخلوة والجلوة، أن يعبد الله عز وجل كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله عز وجل يراه، (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ )(المجادلة: الآية7).



يقول الأندلسي موصياً ابنه:



وإذا خلوت بريبة في ظلــمة والنفس داعية إلى الطغيان



فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني



قيل للإمام أحمد: ما دليل القدرة، قدرة البارى؟ قال: يا عجباً بيضة الدجاج، أما ظاهرها ففضة بيضاء، وأما باطنها فذهب الإبريز، تفقس فيخرج منها حيوان سميع ، ألا يدل عل السميع البصير؟



أعرابي يصلي في الصحراء ، بدوي صلي ركعتين، فقال له رجل من الملحدين : لمن تصلي؟ قال: لله. قال: هل رأيته؟ قال: عجباً لك ، الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، وسماء ذات أبراج، وليل داج ، ونجوم تزهر ، وبحر يزخر ، ألا يدل على السميع البصير؟!!



قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداك



قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك



قام صلي الله عليه وسلم على المنبر يوم أحد قبل المعركة بيوم فأعلن الحرب على أبي سفيان، وندد بإجراءاته وبظلمه وبتعسفه حول المدينة، وقال: نقاتلهم في المدينة، ما نقاتلهم في أحد، فقام شاب في الخامسة والعشرين من عمره قال: يا رسول الله لا تحرمني دخول الجنة، فو الله الذي لا إله إلا هو لأدخلنها.



فتبسم صلي الله عليه وسلم من الذي يحلف على الله فقال: (( بماذا تدخل الجنة؟)) ما هي المؤهلات؟ قال: بخصلتين ، أولهما: أني أحب الله ورسوله، وثانيهما : أني لا أفر يوم الزحف.



قال صلي الله عليه وسلم : (( إن تصدق الله يصدقك))، إن كنت صادقاً فسوف تري، فبدأت المعركة، وحضر هذا الشاب ، وخاضها بنفسه، يريد جنة عرضها السماوات والأرض، ما يقاتل من أجل ناقة أو شاة أو بعير، لا، بل من أجل إرضاء الواحد الأحد، فقتل ومر به صلي الله عليه وسلم ومسح التراب عن وجهه وقال: (( صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله)).



وليس بغريب أن يأتي من أمثالكم من الأبرار الأماجد فيعيدون سيرة السلف الصالح من أمثال خالد بن الوليد الذي تحدي الموت، قال له الرومي: يا خالد إن كنت متوكلاً على الله كما تزعم فهذه القارورة مملوءة سما فاشربها.



فقال خالد: بسم الله توكلت على الله، وشرب القارورة كلها ثم قال: الحمد لله، فما أصابه شيء ، لأنه توكل على الواحد الأحد.



قتيبة بن مسلم أتي يحاصر كابول عاصمة أفغانستان التي ضاعت منا لما ضيعنا الصلوات الخمس، جيوش ما تصلى كيف تنتصر؟ جيوش ما تعرف الله كيف تتوجه إلى الله ؟ كيف ينزل النصر والفتح والرزق إلا من عند الواحد الأحد؟ النصر من السماء ليس من الأرض ، أتينا إلى الدنيا ما عندنا إلا خيول قليلة، وثياب ممزقة، ورماح مكسرة، ففتحنا الدنيا.



سعد بن أبي وقاص ـ قبل أن آتي إلى قتيبة ـ حضر القادسية بثلاثين ألفاً وجيش فارس مائتان وثمانون ألفاً ، فقام سعد يصلى الظهر بالمسلمين، قال: الله أكبر، فكبر معه ثلاثون ألفاً، وركع فركعوا في لحظة واحدة ثم سجد فسجدوا جميعاً، فقال رستم قائد فارس وهو ينظر من بعيد إلى الجيش في انتظام، فعض أنامله وقال : علم محمد الكلاب الأدب ، بل علم صلي الله عليه وسلم الأسود الأدب، وبدأت المعركة.



قال رستم قائد فارس لسعد: أريد أن ترسل لي جندياً من جنودك لأكلمه، فأرسل سعد ربعي بن عامر في الثلاثين من عمره، قال: لا تغير من هيئتك شيئاً، فإنا لن نفتح إلا بطاعة الله، يقول: لا تأخذ شيئاً، لا تلبس تاجاً، ولا ذهباً ولا حريراً، كن على هيئتك، لأن مبادئنا في قلوبنا، وإرادتنا تحطم الحديد، فذهب ربعي بفرسه ورمحه وثيابه ودخل على رستم.



فلما رآه رستم هو ووزراؤه وقواد الجيوش ضحكوا، قال رستم: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور، والرمح المثلم والثياب الممزقة؟ قال ربعي: أي والله، إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العبادة إلى عبادة رب العبادة، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.



وبدأت المعركة، وفي ثلاثة أيام صفي سعد حساب المجرم، وسحقهم في الساحة، (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدخان:25/29) .



حاصر قتيبة بن مسلم كابول ليفتحها، وقبل الحصار قال: التمسوا لي محمد بن واسع، ابحثوا لي عن العابد الزاهد محمد بن واسع الأزدي أحد العباد الكبار ممن حضر المعركة، فذهبوا فوجدوه قد صلي ركعتي الضحي وأتكأ على رمحه ورفع سبابته إلى الواحد الأحد...من أين يأتي النصر والفتح؟ من الله. من أين يأتي الرزق؟ من الله.



يـــا حافــــــظ الآمال أنـ ـت حفظتني ومنعتنـــــي



وعدا الظلـــوم علــى كـــي يجتاحني فنصـــرتــنــي



فانقــاد لــي متخشعـــــــاً لــمــا رآك منعتنـــــي



دخلت بعض الجيوش العربية إسرائيل وقد كتب على بعض أعلامها:



آمنت بالبعث رباً لا شريك لــه وبالعروبة دينــاً ما له ثان



وضربت الدبابات في الصباح، وفي ما يقارب الساعة العاشرة دخلت الجيوش بلادها مهزومة ، وإذا الثكالى يندبن ويلطمن وجوههن، وإذا موشي ديان يتكلم على الشاشة ويضحك ويقول: العرب لا يعرفون القتال، ابن القرد والخنزير يتكلم عليهم ما تركوا الصلوات الخمس وكفروا بالواحد الأحد، أخزاهم الله، فتكلم هذا القرد لأنه وجد في الساحة شكلاً آخر غير الشكل الذي واجه به اليهود الصحابة، ليسوا من أحفاد خالد وسعد وطارق وصلاح الدين.



رجل آخر يقول في مجمع ويصفقون له، يقول:



هبوا لي ديناً يجعل العرب ملة وسيروا بجثماني على دين برهم



يكفر بالإسلام يقول: أعطوني أي دين يجمع العرب غير الإسلام.



بلادك قدمها على كــل مــله ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم



تعالي الله عما يقولون علواً كبيراً.



قال قتيبة بن مسلم: التمسوا لي محمد بن واسع فوجدوه يمد أصبعه ويدعو الله، فعادوا إلى قتيبة فاخبروه، فقال: الحمد لله، والذي نفسي بيده لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ون مائة ألف شاب طرير، فإذا علم ذلك فلا نطلب التوفيق إلا من الواحد الأحد، والتوفيق إنما يأتي عندما نصلح ما بيننا وبين الله ونصلح ما بيننا وبين الناس.



يقول أحد الصالحين: والله إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وخلق خادمي، من يعصي الله يعصي الله عليه كل أمر، مسؤوله لا يرضي عنه، أمته لا ترضي عنه، ولاة الأمور لا يرضون عنه، ومن تردي برداء ألبسة الله ذلك الرداء.



فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضي والأنام غضاب



وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب



إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب



العنصر الثاني: أوصيكم باجتناب المعاصي ما ظهر منها وما بطن، والمعاصي هذه مقت وغضب ولعنة من الله الواحد الأحد. يقول الله عن بني إسرائيل : )فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ )(المائدة: الآية13) ويقول سبحانه وتعالي فيهم: ) كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّه)(الجمعة: الآية5) .



والله عز وجل يقول: )أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:16) .



علم أن من ضيع الله في الطاعات يبتلى بالمعاصي، وأن من ثبته الله على الطاعات يثبته حتى الموت ، (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (ابراهيم:27).



حدثني بعض الإخوة أن في الجزائر شاب عابد ولي من الأولياء أتته حادثة انقلاب سيارة، فأغمي عليه ثلاثة أيام... أترون ماذا كان يقول في الثلاثة أيام؟ كان يقرأ الفاتجة على لسانه وهو مغمي عليه لا يدرك شيئاً، كان يردد الفاتحة صباح ومساء حتى أتاه موته.



شاب آخر في هذه البلاد أتاه حادث انقلاب سيارة فوجد تحت الكفر وهو في حالة شنيعة وهو يردد: هل رأي الحب سكارى مثلنا!! ، (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (ابراهيم:27).



ذلك يوم نشأ على الفاتحة ، مات على الفاتحة، وهذا يوم أن نشأ على هل رأي الحب سكارى مثلنا، مات على ذلك لأن معتقده ومبدأه ومنهجه هذا الصنف، والله يثبت من يشاء ويضل من يشاء لكن بأسباب وبإرادات وبمزاولة من العبد، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.



إذا علم هذا، فإن واجب العبد أن يكف عن المعاصي ، وأن يتقي الله ليسدده الله عز وجل ويأخذ بيده، ونحن نعترف بنعم الله علينا ظاهرة وباطنة، لكن وجد من أبنائنا من بدلوا نعمة الله كفراً، )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) (ابراهيم:28).

والذي يطالع في الأحداث التي وقعت في الساحة قبل أيام يري أن هناك أناساً يعيشون بلا إدراك وأنه ينقصهم الوعي، وأنه لا بد من دعوة هؤلاء وحثهم على الطاعة، وهذا واجب الدعاة والآباء والأساتذة، على هؤلاء جميعاً أن يوجهوا ذاك الجيل، الجيل الذي ترك المسجد، فلما ترك المسجد أتي ليشغل فراغه بكل شيء ، جيل يتابع أحداثاً ما كان لها أن تتابع، هدد الأمن وأزعج الناس وضيع وقته ومستقبله.



أري الكافر أن هذه أمتنا، وأن هذه رسالتنا في الحياة، زمجرة، ورقص ، وتصفيق ، وتهتك ونهيق وزفير، والإسلام بريء من هذا، الإسلام دين عقل ونقل، والإسلام مبادىء خالدة ، الإسلام رسالة في الحياة، )وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان:18/19) ، الإسلام رسالة.



فالعنصر الثاني: أن نكف عن المعاصي، يقول الشافعي وقد شكا لشيخه سوء الحفظ والنسيان فأمره بترك معصية الله عز وجل :



شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي



وأخبرني بأن العلـــم نور ونور الله لا يؤتي لعــاص



أحد الناس نظر نظرة لا تجوز له فقال له أحد العلماء: أتنظر إلى الحرام، والله لتجدن نتيجتها وغبها بعد حين، قال: نسيت القرآن بعد أربعين سنة، لأنها اثر.



وىثار الذنوب كثيرة، منها: قسوة القلب، وقسوة القلب ضرب به اليهود ضربة قاسية، لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم. ومن آثار الذنوب اللعنة، لأن العبد إذا استمر في الذنوب وطبع على قلبه لعن والعياذ بالله.



ومن آثار الذنوب قلة البركة في الرزق، ومن آثار الذنوب الضنك في المعيشة، رأيناهم ورأيتموهم يسكنون في القصور الشاهقة ويركبون السيارات الفاخرة ويلبسون الملابس الفاخرة ويتنعمون بالمشارب والمطاعم، لكنهم ما وجدوا الأمن والسكينة، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125)قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه:124/126).



إبراهيم بن أدهم أحد الصالحين ، يعيش على الرصيف وما يجد إلا كسرة خبز، ولكنه بذكره وتلاوته وعبادته يعيش في رغد من العيش، في جنة ، قال له الناس: هل أنت سعيد؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو، إنا في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف.



ابن تيمية شيخ الإسلام ما كان يملك من الدنيا إلا ثوب وعمامة، لكن يقول وقد سجنه أهل البدع وأهل المعاصي لما أنكر عليهم قال: ماذا يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أني سرت فهي معي.. أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة.



أغلقوا عليه باب السجن فقال: ) فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)(الحديد: الآية13) ، يقول له أحد الفجرة من السلاجقة: يا ابن تيمية يزعم الناس أنك تريد أن تلغي ملكنا، وتأخذ ملكنا.



قال: ملكك؟



قال: نعم.



قال: والله ملكك لا يساوى عندنا فلساً واحداً ، لأنه يريد السعادة، والسعادة لا تحصل والله إلا بذكر الله، ومن يقرأ (0 دع القلق وابدأ الحياة)) لدايل كارينجي، و(( الإنسان لا يقوم وحده)) لكيرسي ميرسون، يري أنهم ما وجدوا السعادة.



يقول أحدهم: بحثنا عن السعادة فأخفقنا.. وهذا الذي ألف الكتاب أخذ السكين وذبح نفسه فمات، لأنه ما وجد السعادة.



ما هي السعادة؟ السعادة أن تتوضأ كل يوم خمس مرات، السعادة أن تصلي كل يوم خمس مرات فرائض وأن تتزود بالنوافل، السعادة أن تطالع القرآن المجيد وأن تتدبر آياته، السعادة أن تكون ذاكراً للواحد الأحد ، السعادة أن تجدد التوبة لك دائماً، السعادة أن تخرج المنكرات والفواحش والمعاصي من بيتك، أن تكون رجلاً حازماً مربياً معلماً موجهاً في مجتمعك وأمتك، وتقودهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)


بعض الناس كبير في السن جاوز الأربعين، حدثنا عنه أنه لما أتت المباراة كان ينظر إلي الشاشة ، فلما أتت الصلاة أراد ألا تفوته المباراة فأخذ غترته وجدعها وأنزلها في الأرض ثم نقر أربعاً وسلم، وأخذ يتابع المبارة!! أهذه صلاة؟ أهذا قلب أوتي نوراً؟ ) ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)(النور الآية40).



بعض الناس وجد أنه يتحمس لقضايا الدنيا، ولو ضيع ابنه عشرة ريالات لأقام الدنيا وأقعدها على تضييعها، ولكن ابنه لا يصلي، ابنه يدخن، ابنه يستمع الغناء الماجن صباح ومساء ، ابنه لا يقرأ القرآن ، ابنه مع الشلل والعصابات المنحرفة في المقاهي والمنتديات ومع ذلك لا يغضب!! أي قلب هذا؟



من يهن يسهل الهوان عليه ما لجــــــرح بميت إيلام


يا أيها الإخوة الأخيار، يا أيها الأبطال، يا أبناء من رفعوا لا إله إلا الله، ووزعوا لا إله إلا الله على البشرية، إنني أسألكم بالله العظيم أن نعرف مسؤولياتنا ومهماتنا،ومقاصدنا في الحياة الدنيا، إذا عرفنا ذلك نفعنا أمتنا وب-ا وديننا، ورفعنا أنفسنا فوق هامات الجميع، وإلا لو كانت المسألة مسألة تقدم مادي وحضاري دنيوي لكان الكفار فوقنا في كل شيء.



نحن ما صنعنا طيارة ولا سيارة ولا صاروخاً ولا برادة ولا ثلاجة، لكننا أتينا لنصنع القلوب، أتينا لنقدم للناس إسلاماً وديناًن يقول كيرسي ميرسون: أعطيناكم الطائرة والصاروخ والثلاجة والبرادة، وأنتم لم تعطونا الإسلام، حرمتمونا الإسلام، نعم إنهم يريدون الإسلام.



لقد أخفق كل دين في الساحة إلا دين الله وهو الإسلام . جربت العلمانية فإذا هي لعنة، وجربت النصرانية المحرفة فإذا هي لعنه، وجربت الشيوعية فإذا هي لعنه، وأتي الناس يدخلون في دين الله، ولكن شبابنا بدا كثير منهم معجباً بنفسه، متكبراً على أوامر ربه، ومنهم من ترك الصلاة بالكلية ، فهل هؤلاء الذين سيقدمون الإسلام للبشرية؟



فيا إخوتي في الله، هذه المعلومات ليست بغريبة عليكم ولا جديدة، ولكن من باب الذكري والاتعاظ، لعل الله أن يرحم حالنا، لأن المعاصي كثرت، وسببها ترك الصلوات الخمس، ولذلك كتب عمر إلى سعد في القادسية: الصلاة الصلاة، فإن عدوكم لن يغلبكم إلا بمعاصيكم أو كما قال عمر رضي الله عنه وأرضاه.



فيا إخوتي في الله، أسأل الله أن يغفر لي ولكم الذنوب والخطايا، وأن يجعلنا صالحين مصلحين، مصلين صائمين، ذاكرين عابدين.



يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه



كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسينـــاه





ندعوه في البحر أن ينجي سفينتا فإن رجعنا إلى الشاطيء عصيناه



ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافـــظ الله



فيا الإخوة الأخيار، يا من تقدمون النفع للأمة، يا من تسهرون لينام الآخرون، ) قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(التحريم: الآية6).



أطفئوا عنكم نار جهنم، أنقذوا عنكم نار جهنم، أنقذوا أنفسكم وأهليكم من النار، حافظوا على عهد ربكم ولا تضيعوه بتضييع الصلوات الخمس في المساجد، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، حافظوا على كتاب ربكم تلاوة وحفظاً وفهماً وتدبراً ، أعدوا أنفسكم ليوم قال فيه: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج:1/2) .



والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.





القرني

رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طلع أشاعه على العضو إلي قبلك ( إلي يزعل لايدخل ) هجركـ آلم مجلس الترفيه 2614 22-06-2012 10:17 PM
أبيات سارت بها الركبان د.فالح العمره بوح المشاعر 9 25-04-2007 06:46 PM
بيت في شهرة قصيدة الجنادري مجلس عيون الشعر النبطي 9 19-04-2007 04:53 PM
السمو د.فالح العمره مجلس الدراسات والبحوث العلمية 5 13-02-2007 06:19 PM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 04:57 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع