(( بطلــة الروايـــــة ))
في الساعة الواحدة ليلا ، استيقظ أبو محمد على صوتـ هاتفه
المحمول ، و تردد في الرد شكاًفي أهمية المكالمة ، عندما رأى
اسم المتصل هرع إلى خارج الغرفة للرد ، ارتابتــ أم محمد من
تصرف زوجها ، و لكن ازداد خوفها عندما دخل زوجها و هو في
عجلة من أمره ، و كانت ملامحه توحي بحدوث مصيبه ، قام بارتداء
ثوبه و هو يردد ذكر الله و يهلل ، و بصوت خافت يحمل كل المخاوف ،
سألته زوجته : ( ماذا حدث ؟ من المتصـــل؟ ) خرج أبو محمد في
عجلة و كأنه لا أحد موجود في الغرفة غيره .
تركها في خوفها و شكها ، أعطت لعقلها دقائق للتفكير و تأليف الأفكار
المريعة و المخيفة ، فركضت إلى الهاتف ، و أخذت تتصل بأهلها و أهل
زوجها راجيةً من الله أن يكون الجميع بخير ، فاطمأن قلبها قليلا ، و حاولت
أن تتصل بزوجها و لكن خافت أن تزعجه ، لأنه كان ينزعج منها إذا اتصلت به
و كان يبخل عليها بالكلمة الطيبة ، و كان يبيت خارج البيت و يعود متى
يشاء ، لم يعرها اهتماماً، و لم يشعرها بأنها شريكة حياته ، و كانت تصبر
على تصرفاته و معاملته لها ، لأنها تحبه بجنون فهي لم تحلم يوماً أنها
ستتزوج بابن عمها الذي أحبته منذ الصغر ، لقد كان أسعد يوم في حياتها
عندما أبلغها والدها برغبة ابن عمها الوحيد بالارتباط بها .....
و هاهي الآن تفكر في معاملته لها و تنتظر عودته حتى يطمئن قلبها ، و
مرت الساعات و لم تعرف شيئا ، و أخذت تشغل نفسها بطفلها
محمـــــد ، و لكن زوجها لم يرجع إلى البيت بعد ، انتظرته
حتى نهار اليوم التالي , و عند وقت الظهيره بينما تعاني أم محمد من
غياب زوجها ، و قلقها عليه ، رن هاتف المنزل الذي يعم بالهدوء ...
تسارعتــ نبضاتــ قلبها الذي سابق خطواتها إلى الهاتف
و رفعتــ السماعة على أمل أن يكون المتــصل أبو محمد ، و لكــن أجابتــ
المتكلم بابتسامة أحاطتها مشاعر خيبة أمل كبيره ، لقد كانتــ ابنة خالتها
و صديقتها العزيزة ( ليلى ) من قام بالاتصل بها ، أخذتــ أم محمد تنشدها ....
عن أحوالها و أخبارها ، و بعدما اطمئنتــ على حالها ....
أخبرتها ( ليلى ) عن أمر تعجبتــ منه ، اتسعتـــ عينا أم محمد و قبضتــ
السماعة بقوة ، و لم تنطق بحرف لذهولها من غموض أحرف ( ليلى ) ، لم
تستطع سوى التنفس و محادثة نفسها ختمتــ مكالمتها بقولها (( عنبــــر جـ
غرفـة 35 مع السلامــة )) أغلقتــ السماعة برفق و لكن قبضتها لا تزل محاطة
بقوةٍ حول السماعة ،أخذتــ تفكر [ ماذا أفعل؟ إلهمني يا الله ساعدني ] و أخذتــ
تدور حول أرجاء الغرفة بتوتر و باتجاه عشوائي ، فجأة رن الهاتفــ و أخذتــ تنظر
إليه بخوف فأخذتــ تدنو منه ببطئ ، و عندما أجابتـــ تفاجأتــ بالصوتــ الذي يصل
إلى مسامعها ، كان أبومحمد يسأل عن ابنه و حال زوجتــه ، و هيه تجاوبه
بهدوء دون أن تناقشه عن الوقتــ الذي ظلتــ تنتظره فيه و تتساءل عما حدثــ
معه ، لقد أعلمها أنه سيعود للمنزل بعد ساعة على الأقل ، و انهى اتصاله
دون أن يبرر سبب غيابه ، هرعتــ أم محمد إلى غرفتها و ارتدتــ عباءتها ،
و أخذتــ طفلها معها إلى أول خطوة ستقوم بها في حياتها ، انطلقتــ إلى مشوار
لا تعرفــ مصيره أو عاقبته ، قادتــ سيارتها و لا يدور في رأسها سوى
مكالمة ( ليلى ) .ـ
عندما وصلتــ إلى هدفها احتضنتــ طفلها ابن العاميين إلى صدرها بقوه ,
حاولــتــ أن تدفع خطواتها إلى الأمام ، و لكن خوفها من المجهول سيطر عليها ،
كانتــ خطواتها متردده , و نظراتها للأسفل و كلما ازداد صوتــ الناس حولها احتضنتــ
طفلها بقوه ، إذ يراها أي شخص يحسبها خجلةً من المكان أو مجبورة ، دخلتــ
المصعد و انطلقتــ إلى الأعلى نحو ما تسعى إليه ، توقف لمصعد , خرجتــ منه
ملتفتةً يميناً و شمالاً ، لا تريد لأحد أن يعرفها بلثامها الأسود ، و لا تريد
لأحد أن ينظر إلى عيناها الغارقتان بدموع حرمتــ اندفاعها في مجراها ، اتجهتــ نحو
غرفة ٍ لا عرفــ مابها و ماذا سيحدثــ لها ، فجــأة لمحتــ وجه تعرفه و لكنها استغربته
نعم كان ابو محمد خرج من تلك الغرفه قبل أن تصل إليها ، أخفت نفسها عن ناظريه
فهي لم ترا أبو محمد بهذه السعادة ، كان يبتسم لمن حوله ، و أخذت عيناها تلاحق
زوجها حتى صعد المصعد و أدركت أنه هبط للأسفل ، أسرعت إلى الغرفة لتعرف
ما تجهله في حياتها ، رأت فتاة في مثل عمرها مستلقية على فراش أبيض ، و بجوارها
طفل صغير ، و حولها الزهور التي ملأت الغرفة بروائح عطرة ، تقدمت إلى الفتاة :
ـ[ السلام عليكم ] و ردت الفتاة السلام بابتسامة ، تحمدت أم محمد للفتاة بسلامتها و
هي تنزع لثامها بهدوء ، رحبت الفتاة بأم محمد و طلبت منها الجلوس لتستريح
رفقة بها عندما رأت محمد في أحضان أمه ، أخذت أم محمد تسأل عن المولود
إن كان ذكراً أو أنثى ، و عن وقت ولادتها ، و كانت تتجاوب مع أم محمد و كأنها
تعرفها منذ وقت طويل ، و بجرأة من أم محمد و دون أي تردد سألتها باستنكار
ـ[ أيـــــن والد الطفل ؟ ] تبددت ابتسامة الفتاة و أجابت بخجل كبير
و حزن : [ ذهب إلى بيته ]ـ
لم تستطع أم محمد أن تتحمل أكثر ، شعرت بأنها تعذب نفسها و تحفر بئراً
في صحراء جافة ، فقالت : [ لم أفهم هل تقصدين بأنكما مطلقان ]ـ
فأجابتها بسرعة : [ لا لا هو متزوج بإمرأة أخرى و ذهب إليها ] تلقت أم محمد الرد
و كأنها صفعةٌ استقبلتها برضى ، فسألتها بحزن و أسى : [ و الزوجة الأخرى تعلم
بأنك أنجبت ؟ ] صمتت الفتاة قليلا ثم خذت تحكي قصتها لأم محمد و هي تشعر بألم
و حزن شديد و أخبرتها بأنها ستفتح قلبها لها لأنها ارتاحت لها كثيرا ، قالت
لها بأنها تزوجت عن قصة حب طويلة ، تعرفت على زوجها خلال مرحلة الدراسة
و عندما طلب زوجها من أبيه أن يخطبها و يتزوجها ، رفض والده هذا الزواج ، و
أقسم أنه لن يتزوج سوى ابنة عمه ، و لكن لم يستطع الزوج تحمل سيطرة والده
فتزوجا دون علم أهله ، واستمر زواجهما ثلاث سنوات ، ولكن لم تنجب ، و علمت
من الطبيب بأنه يصعب عليها الإنجاب ، فطلبت من زوجها أن يتزوج بامرأة
أخرى ، و لكنه رفض و أعلمها بأنه لا يهتم للأطفال ، و لكن تحت اصرارها و خوفها
عليه من غضب والده ، وافــق ان يتزوج ابنة عمه ، و رزقه الله بطفل اسمه محمد
يبلغ من العمر عامين ، و قالت : [ زوجته لا تعلم بأمر زواجنا و ها أنا برحمة الله
و بعد مرور خمس سنوات من الصبر رزقني الله بوردة ستزين حياتي إن شاء الله
مدى العمر ] أخذت أم محمد من هول ما تحكيه ( مرام ) لا تصدق بأن هذه القصة
هي حكايتها ، لاتصدق بأنها تعيش رواية في حياة زوجها و أنها اخذت دوراً ثانوياً بها،
و كانت ( مرام ) البطلة الرئيسية ، كانت كالحطام على ذلك الكرسي و شعرت بأن
الطفل الذي بين ذراعيها كأنه وهم لا حقيقة ، أخيراً سمحت لتلك الدموع بالجريان
و راحت تبكي حسرة ً على نفسها ، تساءلت ( مرام ) - لماذا تبكي هذه المرأة ؟ -
فسألت : [ هل ذكرتك بشيء ، هل ضايقكِ حديثي ؟ ] ، و لكن أم محمد لم تستطع
الرد ، حاولت أن تتمالك أعصابها و بعفويةٍ من ( مرام ) لتخرج أم محمد من حزنها
: ـ [ أتعلمين لقد أسمى زوجي ابنتــه ( أحلام ) ] ، فتعجبت أم محمد و استغربت و
سألتها بابتسامة : [ لماذا ؟!! ] فأجابتها : [ نسبة ً لزوجته ( أحلام ) قال أنه لن يجد
امرأةً تحبه قدر ما أحبته ] ، خرجت أم محمد من الغرفة مسرعة تحمل معها مصيبتها
و طفلها التي ظنته وحيد والده ، و لكن إلى أين ستذهب ؟ و هل ستواجه أبو محمد
أو تسامحه ؟ أم ستذهب إلى بيت أهلها ؟
كانت تركض خارج المستشفى و كأن هناك وحش يلاحقها ، وقفت في منتصف
موقف السيارات ، أعطت لنفسها لحظة تفكير ، و أخذت تتنفس بعمق و شده
إلتفتت و وجهت ناظريها إلى الدرب الذي أتت منه ، هل تعود لتكمل الرواية التي
اشتركت بها بدون علمها ، أم تسلك اتجاه آخر لتكتب نهاية هذه الرواية و تسحب
دور البطولة من تحت أقدام من خدعها ، و استغل مشاعرها النبيلة ...
هنا سوف أقف لحظة تفكير ، و قد آخذ الكثير من الوقت ، لأعرف قرار ( أحلام ) و لكن
مهما كان قرارها فأنا لا ألومها ، و سأجعل خاتمة هذه القصة لمخيلة القراء ، و سأعطي
قلمي أمراً بالتوقف , و أعطيكم الحق لنهاية هذه القصة ...
م
ن
ق
و
و
ل