مجالس العجمان الرسمي

العودة   مجالس العجمان الرسمي > ~*¤ô ws ô¤*~المجالس العامة~*¤ô ws ô¤*~ > مجلس الدراسات والبحوث العلمية

مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #11  
قديم 03-04-2005, 02:09 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

العمل المختلط والمجتمع، من يتجاوز الآخر؟!
عبد الله الحماد






تحتل مسألة الاختلاط بين الجنسين موقعاً بارزاً من مساحة قضية المرأة، وإذا صح كون المرأة نصف المجتمع، وصنوها الرجل النصف الآخر؛ فالقضية اجتماعية من الدرجة الأولى.

كانت مسألة الحجاب والاختلاط، أولى قضايا المرأة في العالم الإسلامي، التي قوبلت برأيين متباينين، حمل لواءهما تياران بارزان: أحدهما مدافع عن الحجاب، رافض للاختلاط. وهو رأي سواد المجتمع الأعظم، الذي قاده العلماء والمصلحون، بدافع أنها قضية شرعية تمس إحدى مقاصد التشريع الإسلامي وهي: حفظ الفضيلة والعرض.

أما التيار الثاني: فقد عرف بمهاجمة الحجاب، والدعوة للاختلاط. وهو رأي نخب التغريب الذي صنع على أعين الغرب المستعمر، بدعوى أنها - أي خلع الحجاب، وفتح الاختلاط - سمة التحرر الذي لا بد للأمة أن تتلبسها كي تصل إلى تحررها المنشود!

اليوم ومع مرور قرابة القرن على نشوء الدولة الحديثة، الدولة القطرية المجتزءة من الكيان الإسلامي القديم، تغير المشهد الاجتماعي بشكل كبير، مع ما تلا ذلك أو سبقه من تغير للأفكار والمفاهيم، فنسبة المحافظة والانفتاح إلى المجتمعات تتفاوت حجماً ومضموناً، إلا أن سمة المجتمع المسلم (المحافظ) مازالت بارزة حتى في أشد الدول التي سعت حكوماتها إلى نزع هوية المجتمع أو تفريغها من محتواها.

أما المجتمعات المحافظة في الدول التي ترفع شعار الإسلام الشامل، فإن الاختلاط يتخطف مسيرة نموها وتطورها بطريقة أقل ما يقال عنها أنها لا تحمل قدراً من الاتفاق المشترك بين أطياف المجتمع المتنوعة، وتظهر بجلاء في قضيتي التعليم والعمل.

هنا ستكون قضية عمل المرأة المختلط هي محور التحليل والتأمل؛ حيث أصبح - في ظل المشروع التغريبي المعلن والمتمثل في دعوات (الإصلاح) و(التغيير) كمشروع الشرق الأوسط الموسع، واتفاقيات التجارة الحرة والمشتركة، وتقرير الإسلام الديمقراطي المدني، وغيرها - أصبح الموقف من العمل المختلط يتماهى من قبل المعنيين به دون رؤية واضحة لتبعاته ومآلاته، فشعار التنمية والإصلاح في عالم الاقتصاد العولمي الرأسمالي، أضحى خلاصاً متوهماً تسعى إليه الحكومات، عن قناعة أو مجبرة، محفوفة بإطراء النخب الثقافية التي قنعت بحتمية الحل المستورد، أو بتثريب النخب الثقافية والاجتماعية التي مازالت ترفع شعار الحل من الداخل و(الإسلام هو الحل) دون أن تسعى ليكون هناك حل شاخص على أرض الواقع.

فصاحب الرأي والقرار المسؤول عن فتح مجالات العمل المختلط، تكتنف خطواته تبريراتٌ، الواقعي منها يصب في خانة الحاجي والكمالي بالنسبة للمجتمع والفرد، مع استثناء صور العمل المختلط المتفق على ضرورتها لدى العقلاء، لا لذاتها بقدر ما هو ضرورة بسب تراكم عقود من غياب خطط العمل والتوظيف المراعية لمسألة خصوصية المجتمع المسلم وغاية اجتماعه، وذلك بسبب التقصير المتبادل بين مؤسسات المجتمع المنوط بها قيادة مسيرة المجتمع، دون إقصاء من أحد الأطراف، الناجم عن تعارض الرؤى والأفكار، والمؤسس بالتالي للعلمنة الجزئية، بقصد أو دون قصد، بسبب التقسيمات الوافدة بين مهام السياسي والاقتصادي والشرعي والاجتماعي، التي هي في الأصل تصب في مجرى واحد، ويكمل بعضها بعضاً وفق التصور الإسلامي.

بعد سنين من الدراسة المماثلة لمدة دراسة الرجل تقف الفتاة على أبواب التخرج حائرة في ما تستقبل من أيام، فهمّ الزواج في صميم تفكيرها، ورغبة جني ثمار ما قضت من جد واجتهاد في الدراسة ماثلة أمامها، لم تعد كما السابق فكرة التدريس الغاية والوسيلة للحصول على وضيفة معلمة، ففرص العمل في مجال التدريس أصبحت لا تتناسب مع مخرجات التعليم كماً ومضموناً، فضلاً عن التغريبة التعليمية التي لابد أن تضطر إليها معلمة اليوم حتى تحين فرصة لنقلها والعودة إلى مدينتها.

خريجة اليوم تتخاطفها إعلانات الدورات التدريبية التكميلية لِما قصرت عنه جامعتها أو معهدها، وهذه الدورات تؤهلها لتحل في إحدى وظائف السكرتاريا الشاغرة في العديد من القطاعات الخاصة أو غيرها من الوظائف المكتبية في القطاعات العامة.

غياب الأرقام والإحصاءات يمنع عن المراقب حقيقة ما يجري لتلك الفئة من الفتيات، فعلى مستوى الحالات الفردية وخلال السنوات الثلاث الماضية، عرفتُ الكثير منهن تركن هذه الوظائف بقناعات بعضها ذاتي أو اجتماعي معلن، والآخر أخفاه الحياء والخجل، لم تكن قضية (التحرش) الغائبة عن لوائح إدارة شؤون الموظفين، أو طول مدة الدوام التي تصل إلى حد العشر ساعات يومية.. إلا بعض المنفرات الطبيعية لكل فتاة تعيش في مجتمع محافظ أريد لها تجاوزه زعماً بانقياده وتسليمه مع مرور الزمن لأرض الواقع.

الواقع الماثل أمامنا اليوم يوحي بأن معادلة تجاوز المجتمع بسن التشريعات والقوانين المناهضة لصميم تكوينه، خرج عنها ناتج عكسي لما هو متخيل من رضوخ المجتمع، إذ بدأ هو بالتجاوز! فضلاً عن القناعات الجمعية الرافضة لكل تغيير تشوبه يد (الخارج) أو إرضائه، فكل رضا أو تشجيع يصدر من الغرب تجاه تغيير في مجتمعنا وفي المرأة خصوصاً، يقابل فيه المجتمع هذا المديح بذم الممدوح! وهذا الموقف وحده كفيل بأن يجعل المجتمع يسير متجاوزاً من أراد تجاوزه، آي ذلك صور من القناعات المسلمة جعلت تنظر لتلك المرأة العاملة في مجال مختلط وتعيد النظر في وضعها وكأنها على مفترق طرق، فالخاطب لن يأتي مثلاً وإن أتى وسأل عن العمل تراجع، هذه الفكرة مع ما تراه من زميلات لها في العمل هي تصفهن بالعوانس، تجعلها تدرك أنها إما أن تكمل مسيرها في العمل أو تعود للمجتمع، فالفرد لا يمكنه أن يتجاوز المجتمع، والمجتمع لا يرحم أحدا!

من الصعب أن ينقاد مجتمع محافظ لتجاوزه ويسلم له بسهولة، وإن حصل ذلك بعد مدة لا يعلم كم تطول، فإن الضحية - في مدة التجافي بين المجتمع العمل المختلط - هي المرأة صاحبة القضية، وحالات النجاح الفردية لا يمكن تعميمها لخصوصية الفردي التي لا تتوافق مع طبيعة الجماعي.

مازال هناك وقت لتدارك ما يحصل في بعض المجتمعات المحافظة، فالتنمية والتطوير لكل مجتمع لا بد أن تكون شاملة متكاملة، فالمسألة جزء من قضية مجتمع، شرطها إعادة النظر في ما يطرح في المسألة النسائية وإعادة ترتيب الأدوار الاجتماعية وفق التشريع الإسلامي كحقيقة لا شعار.

مواضيع ذات صلة:

· هل يؤثر الاختلاط على التحصيل العلمي والابتكار؟

· الرافعي يؤيد مطالبي منع الاختلاط بالجامعة المصرية

· هكذا بدأ الاختلاط.

· المرأة بين التحرير والتغرير

· مجال عمل المرأة في الإسلام.

· قضية أن تكون المرأة أجيرة.

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 03-04-2005, 02:13 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الدور السياسي والاجتماعي والديني للمرأة المسلمة
علاء بيومي






ظروف الحياة في المجتمعات الغربية فرضت أعباء متزايدة على الأسرة المسلمة والعربية، وخاصة على المرأة المسلمة التي بات عليها القيام بعدد من الأدوار التربوية والاجتماعية المتزايدة لمواجهة ما تتعرض له أسرتها من ضغوط وتحديات، وعلى رأس هذه الضغوط عمل الآباء لساعات طويلة بالمجتمعات الغربية وغياب الأسرة الممتدة وغياب شبكات العلاقات الأسرية والاجتماعية الواسعة والوثيقة، وكذلك زيادة الضغوط المجتمعية والثقافية على الأسرة المسلمة والعربية بعد أحداث سبتمبر 2001، هذا إضافة إلى نقص المؤسسات القائمة على رعاية النشء المسلم والعربي دينيا وثقافيا، وأخيرا حاجة الأسرة المسلمة والعربية إلى تنشئة أطفالها بأسلوب جديد قادر على حماية قيمهم المسلمة والعربية وعلى الانفتاح المتوازن على قيم الثقافة الغربية الإيجابية.

وفي مواجهة هذه التحديات كان لزاما على المرأة والأم المسلمة والعربية بالولايات المتحدة أن تنشط للقيام بعدد متزايد من الأدوار والمهام لمساعدة نفسها وأسرتها على مواجهة تحديات الحياة في المجتمع الأمريكي، كما علت الدعوات الفردية والجماعية من داخل التجمعات المسلمة أنفسها مطالبة بدور أكبر للمرأة المسلمة، وكذلك ظهرت دراسات مختلفة ومنظمات مسلمة أمريكية معنية بدراسة قضايا المرأة المسلمة في المجتمعات الغربية بهدف تقييمها ومساندتها.

وفي ضوء هذه الظروف أصبح من الضروري الوقوف على إجابة عدد من الأسئلة المهمة المتعلقة بحجم الدور الذي تلعبه المرأة المسلمة في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية للمسلمين بالولايات المتحدة، وكذلك التساؤل حول ما إذا كان هناك فروق واضحة بين مستوى نشاط المرأة والرجل؟ وما هي الأسباب العامة التي قد تفسر قوة أو ضعف مشاركة المرأة المسلمة في مختلف أوجه حياة المسلمين بالمجتمع الأمريكي؟

المقال الحالي يسعى إلى الإجابة على الأسئلة السابقة مستعينا بأحدث استطلاع لتوجهات المسلمين الأمريكيين نحو قضية المشاركة في الحياة العامة الأمريكية والذي أجراه مركز أبحاث مسلم أمريكي يعرف باسم (maps) تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في شهري أغسطس وسبتمبر من العام الحالي.

وقد شمل الاستطلاع عينة من 1846 مسلما مقيما في الولايات المتحدة من بينهم 1074 رجلا ( 58%) و772 امرأة (42%)، كما يشير الاستطلاع إلى أن 36 % من المشاركين فيه هم من المولودين في الولايات المتحدة والبقية من المهاجرين، و82% منهم على الأقل يحملون الجنسية الأمريكية، و59% منهم يحملون شهادات جامعية، و70% منهم من المتزوجين، وتزيد دخول نصفهم تقريبا على خمسين ألف دولار أمريكي سنويا، كما أنهم موزعين على الأعراق المسلمة المختلفة كالعرب (26%) والأفارقة الأمريكيين (20%) والجنوب آسيويين (34%).

(أ) التصويت في الانتخابات
فيما يتعلق بمستوى مشاركة المرأة المسلمة في الحياة السياسية لم يكشف الاستطلاع عن وجود فروق واضحة بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالتسجيل في السجلات الانتخابية الأمريكية (82% من المشاركين في الاستطلاع) أو الرغبة في التصويت في الانتخابات (95%)، أو التأثر بالهوية المسلمة عند التصويت (69%)، أو الانتماء لإيديولوجية سياسية معينة (كالليبرالية أو التيار المحافظ).

ولكن الاستطلاع أظهر أن أصوات النساء أكثر تأثرا بالقضايا الداخلية (46%) مقارنة بالرجال (42%) ومقارنة بالمتوسط العام لمسلمي أمريكا (44%)، كما أن أصوات الناخبات المسلمات أقل تأثرا بقضايا السياسية الخارجية (35%) مقارنة بالرجال (42%).

(ب) القيام بأنشطة سياسية

لم يعثر الاستطلاع على فروق واضحة بين مستويات مشاركة الرجال والنساء في الأحزاب السياسية (24%) أو في التبرع للحملات الانتخابية (35%) أو في المشاركة في المظاهرات (46%) أو في الكتابة إلى الإعلام والسياسيين (54%).

ولكن النساء بدين أقل نشاطا فيما يتعلق بزيارة المواقع الإلكترونية السياسية للتعرف على مواقف المرشحين (37%) مقارنة بالرجال (44%) وبالمتوسط العام لمسلمي أمريكا (41%).

(ج) تشجيع المشاركة السياسية

أظهر الاستطلاع أن النساء أقل تحمسا لتشجيع الجيل الراهن من مسلمي أمريكا على المشاركة في الحياة السياسية (48%) مقارنة بالرجال (57%) وبالمتوسط العام (53%)، وعلى الخط نفسه أظهر الاستطلاع أن النساء أقل تحفزا لتشجيع مشاركة الجيل القادم (أبنائهن) في الحياة السياسية (56%) مقارنة بالرجال (60%) وبالمتوسط العام (58%).

(د) متابعة الشؤون السياسية والحكومية

لم يعثر الاستطلاع على فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بالاهتمام بمناقشة قضايا السياسة مع الأسر والأصدقاء (86%)، ولكن الاستطلاع أظهر أن النساء أقل متابعة للشئون العامة والحكومية بشكل دءوب (59%) مقارنة بالرجال (67%) وبالمتوسط العام (64%).

(هـ) تشجيع وحدة مسلمي أمريكا السياسية

تتساوى النساء مع الرجال فيما يتعلق بمستوى مساندتهم لأجندة منظمات مسلمي أمريكا السياسية (81%) وتأثرهم بتأييد هذه المؤسسات لأحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية (69%)، ولكن النساء بدين أقل تأييدا لمبدأ تصويت المسلمين ككتلة انتخابية واحدة في انتخابات الرئاسة (50%) مقارنة بالرجال (56%) وبالمتوسط العام (53%).

(أ) المشاركة الفعلية في مؤسسات المجتمع المدني:

لا توجد فروق واضحة بين مستوى مشاركة النساء والرجال في عدد من الأنشطة المدنية والاجتماعية، مثل التبرع بالمال والوقت لمساندة المنظمات الفنية والثقافية (42%)، والنشاط في المساجد والمؤسسات الدينية (71%)، ومساندة المؤسسات العرقية والإثنية (35%)، والمشاركة في عمل المنظمات السياسية والمنظمات المعنية بالشؤون العامة (30%).

على الجانب الأخر تبدو النساء أكثر مشاركة في أنشطة المنظمات الخيرية المتخصصة في مجـال مساعـدة المرضى والفقـراء وكبــار السن (79%) مقارنة بالرجـال (72%) وبالمتوسط العام (75%)، وهن أيضا أكثر تبرعا بأوقاتهن لخدمة المدارس المسلمة وبرامج رعاية الشباب (24%) مقارنة بالرجال (21%) وبالمتوسط العام (22%)، في حين أن النساء أقل تبرعا بالأموال للمدارس المسلمة ولبرامج رعاية الشباب (8%) مقارنة بالرجال (10%) وبالمتوسط العام (9%).

ولكن تبدو النساء أقل مشاركة في منظمات المجتمع المدني (43%) مقارنة بالرجال (49%) وبالمتوسط العام (45%)، وأقل مشاركة في أنشطة المنظمات المهنية (كالنقابات) (42%) مقارنة بالرجال (47%) وبالمتوسط العام (45%)، كما إنهن أقل تبرعا بأوقاتهن أو بأموالهن لخدمة اتحادات التجارة والعمال (13%) مقارنة بالرجال (18%) وبالمتوسط العام (17%).

(ب) التوجه نحو المشاركة في المؤسسات المدنية والخيرية غير المسلمة

لا توجد فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بالاستعداد للمشاركة في مختلف المؤسسات المدنية والخيرية غير المسلمة الموجودة بالمجتمع الأمريكية مثل منظمات الخدمات الاجتماعية (97%) والمؤسسات السياسية (95%)، وأنشطة الحوار بين أبناء الأديان المختلفة (90%) ومسـاندة المرشحيـن السياسييـن غير المسلميـن ماليا (87%) والمطالبة بدور أكبر للدين وللقيم الاجتماعية في الحياة العامة الأمريكية (85%).

وإن كان الرجال – كما يوضح الاستطلاع – يبدون أكثر تحمسا مقارنة بالنساء فيما يتعلق بالمشاركة في مؤسسات الخدمات الاجتماعية والمؤسسات السياسية ومساندة المرشحين السياسيين المعتدلين.

(ج) التوجه نحو عدد هام من السياسات الاجتماعية الداخلية

لا توجد فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بمواقفهن تجاه عدد من السياسات الاجتماعية الداخلية الهامة وعلى رأسها توفير الرعاية الصحية للجميع (96%)، ومكافحة التصنيف العنصري (95%)، وزيادة الدعم لأنشطة ما بعد انتهاء اليوم الدراسي التعليمية (94%)، وتشديد قوانين حماية البيئة (94%)، وزيادة الدعم للفقراء (92%)، وزيادة الإعفاءات الضريبية على الدخول (65%)، ومعارضة الاعتراف القانوني بزواج المثليين جنسيا (79%).

على الجانب الأخر تبدو النساء أكثر دعما لعدد من السياسات الاجتماعية مقارنة بالرجال وعلى رأس هذه السياسات تشديد قوانين حظر بيع الأسلحة (85% للنساء – 78% للرجال)، وحظر بيع وعرض المواد الإباحية (79%-74%)، ومعارضة تشديد قوانين مكافحة الإرهاب (66%-71%)، ومعارضة إرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى العراق (82%-79%).

في حين يبدي الرجال مواقف أكثر تأييدا مقارنة بمواقف النساء تجاه عدد من السياسات الاجتماعية الهامة وعلى رأسها إقرار عقوبة الإعدام على المتهمين بالقتل (66%-54%)، وتشديد قوانين حظر الإجهاض (57%-53%)، ودعم أبحاث الاستنساخ (34%-21%).

تشير نتائج الاستطلاع إلى أن النساء أكثر مواظبة على أداء الصلوات الخمس (54%) مقارنة بالرجال (45%) وبالمتوسط العام (49%)، وإلى أن النساء يشعرن بأن الدين الإسلامي يلعب دورا شديد الأهمية في حياتهن اليومية بنسبة (85%) أكبر من الرجال (79%) ومن المتوسط العام 82%، كما تشارك النساء الرجال في إدارة الأنشطة التي تقوم بها المساجد بعد الصلوات، ويبلغ المتوسط العام لمشاركة المسلمين في هذه الأنشطة 43%، كما تمتلك النساء نظرة أكثر إيجابية لقيادات المساجد الدينية (66%) مقارنة بالرجال (58%) ومقارنة بالمتوسط العام (61%).

ولكن على النقيض يقل حضور النساء للمساجد بشكل منتظم (مرة واحدة أسبوعيا على الأقل) بدرجة ملحوظة (42%) مقارنة بالرجال (63%) وبالمتوسط العام (54%).

وفقا لمؤشرات مختلفة تبدو النساء المسلمات أكثر تضررا من التبعات السلبية لأحداث سبتمبر 2001 على حقوق وحريات مسلمي أمريكا، كما تبدو المرآة المسلمة أكثر رفضا لسياسات الإدارة الأمريكية بعد تلك الأحداث كما تبدو النساء أيضا أكثر استياء من موقف المجتمع الأمريكي العام نحو الإسلام والمسلمين.

إذ تشعر 66% من النساء المسلمات بعدم الرضا العام عما يدور بالمجتمع الأمريكي مقارنة بنسبة 62% من الرجال، كما ترى 42% من النساء أن الحرب الأمريكية على الإرهاب هي حرب على الإسلام في حين لا يوافق على هذا الرأي سوى 36% من الرجال ونسبة 38% في المتوسط العام، كما تعارض 60% من النساء الحرب على أفغانستان مقارنة بنسبة 48% من الرجال وبنسبة 53% في المتوسط العام، وترى 12% فقط من النساء أن مكاسب الحرب على العراق تتناسب مع خسائرها مقارنة بنسبة 18% من الرجال.

فيما يتعلق بالتمييز ضد المسلمين ذكرت نسبة أكبر من النساء (64%) مقارنة بالرجال (52%) أنهن يعرفن أصدقاء وأسر تعرضوا للتمييز بعد أحداث سبتمبر، وعلى نفس الخط تقل نسبة النساء اللاتي يعتقدن بأن الأمريكيين يحترمون المسلمين ويتعاملون معهم باحترام لتصل إلى 27% مقارنة بنسبة 36% لدى الرجال.

الإحصاءات السابقة تشير إلى عدد من الحقائق الهامة المتعلقة بمستوى وأسباب مشاركة المرأة المسلمة في الجوانب المختلفة من حياة المجتمعات المسلمة بالولايات المتحدة، وعلى رأس هذه الحقائق ما يلي:

أولا: المرأة المسلمة في الولايات المتحدة هي شريك واضح للرجل ولا توجد فروق واضحة بينهما في العديد من مظاهر المشاركة في الحياة السياسية والمدنية والاجتماعية، فهما يعانيان معا من نفس أسباب القصور ويتساويان إلى حد كبير في مظاهر المشاركة الإيجابية.

ثانيا: المرأة المسلمة أكثر تمسكا بتعاليم الإسلام مقارنة بالرجل كما أنها أكثر شعورا بما يتعرض له الإسلام والمسلمون من تشويه وتمييز مقارنة بالرجل، وربما يفسر هذا ميل المرأة المسلمة الواضح مقارنة بالرجل إلى التركيز على قضايا الداخل مقارنة بقضايا السياسة الخارجية، كما تميل المرأة المسلمة لدعم السياسات الاجتماعية ذات الطبيعة الليبرالية، وعلى رأسها تشديد قوانين حظر بيع الأسلحة ومعارضة تشديد قوانين مكافحة الإرهاب ومعارضة إرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى الحروب.

ثالثا: المرآة المسلمة أقل مشاركة مقارنة بالرجل في مؤسسات المجتمع الأمريكي غير المسلمة، خاصة السياسية والمهنية منها، كما أنها لا تذهب إلى المساجد بنفس نسبة ذهاب الرجل وتفتقد للقدرات المالية التي يمتلكها الرجل، ولكنها في نفس الوقت تشارك بدرجة متساوية في إدارة أنشطة وبرامج المساجد خاصة البرامج المتعلقة بتربية النشء والشباب، وهي أيضا أكثر قدرة على التبرع بوقتها وأكثر مشاركة في الأنشطة ذات الطبيعة الاجتماعية والتعليمية الخيرية.

رابعا: تبرز النتائج السابقة الحاجة إلى تشجيع المرأة المسلمة على القيام بعدد من الأدوار الهامة التي تعاني من القصور فيها وعلى رأسها توعية المرأة المسلمة بأهمية المشاركة السياسية وبأهمية أن تقوم الأم والمرأة المسلمة بتشجيع أسرتها على المشاركة في الحياة السياسية وفي الحياة العامة الأمريكية، فعدم تحفز المرأة المسلمة على القيام بهذه المهمة – والذي كشف عنه الاستطلاع – يمثل مصدرا للقلق، خاصة في حالة تزايد عدم تحفز المرأة المسلمة لقضية المشاركة السياسية وتأثير هذه الظاهرة على الجيل الثاني من المسلمين الأمريكيين.

هناك أيضا حاجة لتشجيع المرأة المسلمة على المشاركة في أنشطة مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي غير المسلمة، ويمكن القول بأن هناك فرصة كبيرة لتشجيع مشاركة المرأة المسلمة في عدد من هذه المؤسسات خاصة المؤسسات المعنية بتربية النشء ومساعدة الأسر المهاجرة ومساندة الأقليات.

يجب أيضا تشجيع المرأة المسلمة على المشاركة في الحياة الدينية للمسلمين الأمريكيين خاصة فيما يتعلق بتشجيع المرأة المسلمة على زيارة المساجد وحضور الدروس الدينية والتعلم وتعليم أبنائها، ويجب هنا الإشارة إلى الدور المتزايد الذي تلعبه الأم المسلمة كمصدر أول لتربية أطفالها تربية إسلامية صحيحة، فالأم بطبيعتها تمثل مدرسة أسرتها وأطفالها الأولى، كما أن الأسر المسلمة المقيمة في الغرب تفتقر للمؤسسات والبيئة الإسلامية الكافية التي قد تساعد على تربية النشء، الأمر الذي يزيد من الدور المفترض أن تقوم به الأم المسلمة في هذا المجال.

بقى لنا أن نشير إلى أن التوجه العام في الأوساط المسلمة الأمريكية في الوقت الراهن يدفع باتجاه تشجع مشاركة المرآة المسلمة بشكل أكثر فعالية وكثافة في مختلف أوجه حياة المسلمين الأمريكيين، ويبدو أن النساء المسلمات قطعن شوطا كبيرا على طريق المشاركة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يجعلنا نتوقع أن يشهد المستقبل القريب مشاركة أكبر للمرأة المسلمة في مختلف أوجه حياة مسلمي أمريكا بشكل قد يفوق الرجل على مستويات عديدة.



--------------------------------------------------------------------------------

*مدير الشؤون العربية بكير.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 03-04-2005, 02:15 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

تلبيس مردود عن المرأة في الإسلام
صالح بن عبد الله بن حميد






وصلتني أسئلة* من أحد المراكز الإسلامية في بلاد الغرب أثارتها مؤسسة صليبية تنصيرية تسمي نفسها ((الآباء البيض)).

وحينما اطَّلعت عليها ما وسعني إلا القيام بالإجابة عليها.

وطبيعة الأسئلة وما يقرأ فيها مما بين السطور في الظروف التي تعيشها التوجهات الإسلامية في أوساط الشباب وغير الشباب أشعرتني بلزوم الإجابة.

كما أن هذا التوجه الكنسي في إثارة هذه الأسئلة وأمثالها له أبعاد لا تخفى وحلقة في سلسلة لا تنقطع يدركها القارئ للتاريخ والمعايش للتحركات النصرانية والتطويرات المتسارعة لجهودهم وتنوع أساليب هجومهم على الأصعدة كافة.

فاستعين بالله الكريم رب العرش العظيم على ذلك نصرة لدين الله وغيرة على أهل الإسلام وجهاداً بالقلم واللسان إن شاء الله.

الـمـرأة والتلبيس المردود

الـمـيـراث

الـطـلاق

الحضانةتعدد الزوجات

1- هذه الأسئلة لم تكن وليدة الساعة ولكنها أسئلة وشُبَهٌ قديمة قِدَمَ الهجوم على الإسلام.

وإن المطلع عليها وعلى أمثالها مما هو مبثوث هنا يدرك أن واضعيها على مختلف إعصارهم وأغراضهم لا يريدون الجواب ولا يقصدون تلمس الحق ولكنهم يلقونها في وسط ضجيج كبير يثيرونه في عمق المجتمع وفي ساحاته الفكرية ثم ينطقون بسرعة خاطفة وقد وضعوا أصابعهم في آذانهم خوفاً من أن يسمعوا أو يدركوا جواباً سليماً. فكأن مبتغاهم إلقاء متفجرات موقوتة في أشد الساحات ازدحاماً ثم يفرون على عجل قبل أن تنفجر فيصيبهم شيء من شظاياها.

2- كم هو جميل أن يتفق على مُسلَّمات بين المتحاورين ليكون منها المنطلق وإليها المردّ.

ولكن إحساس الباحث أن المقصد من وراء إثارة هذه الأسئلة هو التشكيك وزرع الشبه بل من أجل استعداء الآخرين باسم الانتصار للمرأة ومحاربة التفرقة العنصرية والدندنة حول المساواة وحقوق الإنسان وغير ذلك من الدعاوي العريضة وأنت خبير بأنها مبادئ بل دعاوي لها بريقها عند المستضعفين والمغلوب على أمرهم ولكنها عند التحقيق والتدقيق سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً بل يجد كبيراً مستكبراً يحتضن صغيراً محقوراً يربّت على كتفه ليأكله حالاً أو يحتفظ به ليسمن رقيقة من القانون والمدنية أفرزتها التقنية المعاصرة في جملة ما أفرزته.

3- عند الحوار يجب أن يتقرر النموذج الأمثل الذي ينبغي أن يحتذى ليكون مرجعاً في التمثيل وهدفاً يسعى إلى بلوغه.

وحيث إن هذه الأسئلة صدرت من مؤسسة تنصيرية اسمها (( الآباء البيض )) فهل تريد هذه المؤسسة أن تكون المبادئ النصرانية هي النموذج المحتذى به ؟ لا أظن ذلك لأن الجميع من النصارى وغيرهم يعلم واقع النصرانية من خلال كتابها المقدس ومن خلال ممارسات البابوات والرهبان في الماضي والحاضر، وفي ثنايا إجاباتي هذه قد أُلمح إلى نموذج من الانحرافات النصرانية والكنيسة.

وإن كانت اليهودية هي الأنموذج فحقيقة النصرانية وبابواتها وأحبارها ومراجعها يرون أن اليهودية محرفة وغير صالحة.

أما إذا كان الأنموذج هو الحضارة الغربية المعاصرة فما شأن البابوات وأتباعهم بها ؟ وإن كانوا معجبين بها وعندهم قناعة ليعرضوها على الناس ويدعوهم إليها فهذه تبعية مخجلة لأن هذه الحضارة – كما يعلم القاصي والداني – من أهم الأسباب المقررة في ازدهارها بُعْدُها عن الكنيسة ورجالاتها وقد شردت هاربة منها هروباً لا رجوع بعده إلا إذا أرادت هذه الحضارة أن تنتكس في رجعية القرون الوسطى كما يقولون.

أما الكاتب هنا فلا يرى نموذج هذه الحضارة صالحاً ليكون المحتذى إذ أن فيه انحرافاً ظاهراً وبؤساً على البشرية يحيط العالم بسببه خوف وإرهاب وتوتر وقلق يوشك أن ينتهي إلى تدمير حقيقي شامل يعم الحضارة وصنَّاعها. وفيه غير الانحراف مبادئ جوفاء من حقوق الإنسان والمساواة لا واقع لها وإن كان لها شيء من الواقعية فهو مختص بالرجل الأبيض أما من عداه فليس إلا. .. قانون الغاب أو مبدأ (( الغاية تبرر الوسيلة )).

وبهذا يتقرر – مع الأسف – أنه ليس ثمة أرضية مشتركة أرضية مشتركة مقنعة ننطلق منها لنصل إلى نتيجة مقنعة.

4- جميع الأسئلة المثارة لا يوجد لها جواب في الديانة النصرانية والعقيدة المسيحية فكيف تثيرها مؤسسة تنصيرية ؟

فقضايا الرق وقضايا المرأة والحروب المقدسة والتفرقة بين معتنقي النصرانية وغيرهم كلها مقررة في الديانة النصرانية ومن حق القارئ أن يعرف ما هو جواب المسيحية على ذلك.

وحيث إن الجواب بالسلب فلماذا لا يتركون الدعوة إلى النصرانية لأنها تتبنى كل هذه القضايا المثارة ؟

ولكنها أثيرت هذه الأيام باعتبارها معايب ونقائص يقصد منها النيل من الإسلام والمسلمين.

5- وأمر أدهى وأمرّ وهو شعور المطلع على هذه الأسئلة بعدم التجرد من قبل واضعيها.

فاتِّباع الهوى فيها هو المسيطر على مجريات الأسئلة مع تبني أحكام وتصورات مسبقة لديهم.

6- إنه ليحزنني أن تكون هذه المقدمة التي أدخل بها إلى هذا الموضوع وأجوبته، ومع هذا فليعلم كل مطلع وليستيقن كل ناظر أني سأبذل قصارى الجهد في قصد الحق والتماسه خوفاً من الله عز وجل ورجاءً فيما عنده وأداءً للأمانة ونصحاً للبشرية كلها.

7- وأنبه المطلع الكريم أن هذه الإجابة قصد بها خطاب غير المسلمين ممن لا يدينون بالاستدلال بالنصوص الشرعية – كتاباً وسنة – ومن ثم جاءت المناقشة والحوار أقرب لمخاطبة العقل ومحاورة الفكر والنظر من أي شيء آخر.

وأقول بكل ثقة واعتزاز إن ديني هو الإسلام وإيماني به لا يتزعزع والقرآن كلام الله حقيقة ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام من أنبياء الله ومن أولي العزم من الرسل. والله قد بعث في كل أمة رسولاً. والإسلام هو دين الله الخاتم الذي لا يقبل ديناً غيره.

ما يقال في الرق يقال في المرأة فليس من حق اليهودية ولا النصرانية الحديث عن المرأة فما في دياناتهم في حق المرأة هو شيء نُكُر، فقد هضموها حقوقها واعتبروها مصدر الخطيئة في الأرض وسلبت حقها في الملكية والمسئولية فعاشت بينهم في إهانة وإذلال واحتقار واعتبروها مخلوقاً نجساً.

وما الزوج عندهم إلا صفقة مبايعة تنتقل فيه المرأة لتكون إحدى ممتلكات الزواج. حتى انعقدت بعض مجامعهم لتنظر في حقيقة المرأة وروحها هل هي من البشر أو لا ؟؟

بل لعل الجاهلية العربية الأولى كانت أخف وطأة على المرأة من هذه النظرة اليهودية النصرانية المنسوبة إلى تعاليم السماء – معاذ الله.

ومن هنا يثور عجبنا من النصارى ليسألوا عن المرأة في الإسلام وموقعها من تشريعه ومجتمعه؟؟

فحضارة الغرب وما فيها من بهارج وبوارق تخدم الناظرين ليس للنصرانية ولا لليهودية صنع فيها.

ومع هذا فنحن المسلمين لا نجري خلف كل ناعق ولسنا بالراضين على ما عليه المرأة المعاصرة

إن المرأة في ديانتنا محل التقدير والاحترام من حيث هي الأم والأخت والبنت.

ونصوص الديانة عندنا صحيحة صريحة في بيان موقع المرأة وموضعها جاءت واضحة جلية منذ أكثرٍ من أربعة عشر قرناً حين كانت الجاهليات تعم الأرض شرقاً وغرباً على نحو مظلم وبخاصة في بخس المرأة حقها بل عدم اعترافه بأي حق لها.

ويتأكد هنا ما قلته في مقدمة الإجابة على هذه التساؤلات ما هو الأنموذج الذي نتفق عليه ؟

اليهودية والنصرانية معلوم ما فيهما وهو غير مرضي من الجميع لأن الأسئلة المثارة ليس في الديانتين إجابة عنهما.

أما الحضارة المعاصرة ففيها وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة شر كثير غير موجود في ديننا وما فيها من أمور مستحسنة فديننا لا يعارضها. ومن أجل مزيد من الإيضاح في ميدان التعليم.

إن من أكثر ما تميزت به هذه الحضارات الاهتمام بالعلم والتعليم والدعوة إلى ذلك والإكثار من البرامج والوسائل مما هو معروف ونقول بكل صراحة إن التعليم في ديننا محمود مطلوب بل منه ما هو فرض عين يأثم تاركه سواء كان ذكراً أو أنثى.

المرأة في التعليم كالرجل مما يحقق وظيفة كل جنس على نحو ما ذكرنا في الكلام على المساواة.

ولكن من حقنا أن نتساءل : ما هي العلاقة بين التعليم والتبرج وإبداء الزينة وإظهار المفاتن، وكشف الصدور والأفخاذ ؟؟

هل من وسائل التعليم لبس الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة ؟

ميدان آخر : أية كرامة حين توضع صور الحسناوات في الدعاية والإعلان وفي كل ميدان ولا يروج عندهم إلا سوق الحسناء فإذا استنفدت السنون جمالها وزينتها أهملت كأي آلة انتهى مفعولها.

ما نصيب قليلة الجمال في هذه الحضارة؟ وما نصيب الأم المسنة والجدة العجوز ؟ ملجؤها دور الملاجئ حيث لا تزار ولا يسأل عنها وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد أو تأمين اجتماعي تأكل منه حتى تموت ولا رحم ولا صداقة ولا ولي حميم ولكن المرأة في الإسلام إذا تقدَّم بها السن زاد احترامها وعظم حقها أي أنها أدت ما عليها، وبقي الذي لها عند أبنائها وأحفادها وأهلها والمجتمع.

أما حقها في المال والملك والمسئولية والثواب العقاب الدنيوي والأخروي فيستوي فيه الرجال والنساء. وأما ما اختلف فيه الرجل والمرأة في بعض الأحكام فأمر طبيعي متقرر فيما قلناه في الحديث عن المساواة على أننا سوف نفصل هنا في بعض ما أثير من أسئلة في قضايا الميراث والوصاية وغيرهما ؟؟

إن نصيب الذكر في الميراث يختلف عن نصيب الأنثى وذلك يرجع لعدة أمور :

1- الميراث من جملة النظام العام في الإسلام فهو خاضع لعموم المسئوليات والأحكام المناطة بالذكر والأنثى وما اختلف فيه من أحكام فهو راجع إلى القاعدة العامة في عدم لزوم إطراد المساواة بين العاملين لأن لهم حسب أعمالهم ومسئولياتهم فالرجال وهم جنس واحد ليسوا بمتساوي الدخول والمرتبات لدى الجهات الحكومية أو غيرها في جميع الأنظمة وإنما التفاوت راجع إلى طبيعة أعمالهم ومؤهلاتهم وكفاءاتهم ولا تقوم الحياة إلا بهذا ولا يعتبر هذا مؤثراً في أصل المساواة.

2- زيادة الذكر في نصيبه راجعة إلى طبيعة التكاليف المناطة به في النظام الإسلام. فهو المسئول وحده عن تكاليف الزواج من مهر ومسكن ومن أجل مزيد إيضاح لهذا النظام لنفرض أن رجلاً مات وخلف ابناً وبنتاً وكان للابن ضعف نصيب أخته ثم أخذ كل منهما نصيبه وتزوجا فالابن مطالب بالتكاليف السابقة من مهر والسكن والنفقة مدى الحياة.

أما أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها حين زواجها وليست محتاجة إلى شيء من نصيبها لتصرفه في زواجها أو نفقة بيتها.

ثم إن دية قتل الخطأ يتحمل الرجال من العصبة والأقارب مساعدة القاتل في دفعها دون النساء. ومن هذا يتضح ما على الرجال من تكاليف مالية ليست على النساء في نظام الإسلام.

من أجل هذا يجب أن نعلم أن الشريعة الإسلامية تختلف عن أنظمة البشر الجائرة التي تحكم كثيراً من بقاع العالم اليوم حيث فيها يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشر لتخرج باحثة عن لقمة العيش وكثيراً ما يكون ذلك على حساب الشرف ونبيل الأخلاق. أما الفتاة في الإسلام فهي مرعية في كنف أبيها أو من يقوم مقامه شرعاً حتى تتزوج.

إن منهج الإسلام أحكاماً وأخلاقاً لا يجوز أن يكون تأمين العيش فيه على حساب العرض والشرف فما ضياع الشرف إلا ضياع للعالم كله ولئن وجد الشاب والشابة في نزواته وصبواته وفترة طيشه لذة عاجلة فإن عاقبتها الدمار والتشتت الأسري وتقطيع الأرحام وانتشار الفساد في الأرض وما نساء الشوارع وفتيات المجلات والأفلام في أوروبا وأتباع أوروبا إلا نتائج ذلك النظام الخاسر فهن إفرازات أخطاء البيوت الخربة والمسئولية الضائعة حينما ألقاها الرجال عن كواهلهم فوقعن حيث وقعن وتبع ذلك التنصل من مسئولية النسل والتربية الصحيحة وأصبح الفرد ذكراً أو أنثى لنفسه لا لأمته ولشهواته القريبة لا للهمم العليا وبهذه يسرع الفساد إلى المجتمع ويعم الخراب الديار.

3- الميراث ملحوظ فيه الجانب المادي فهو مرتب على نظام الزواج فهو كعملية الطرح بعد عملية الجمع لإخراج نتيجة صحيحة. أي أن الزيادة في الميراث ليست تفضيلاً ولكنها تعويض مادي بحت.

وبالنسبة للسؤال حول حق المرأة في الزواج من غير المسلم فهذا خاضع لعموم النظام التشريعي الإسلامي وكما قلنا في المساواة أن بعض الفئات من المجتمع قد تمنع من الزواج من فئات أخرى كالعسكري والدبلوماسي لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة فلا غرابة في أنظمة الدنيا أن تشتمل على نوع من التفرقة في الحكم والتي لا تعني الإخلال بعموم مبدأ المساواة كما هو مشروح مفصل في جوابنا عن المساواة.

لم يعد أحد ينازع في العصر الحاضر بفاعلية الطلاق وحاجة الزوجين إليه حينما يتعذر بينهما العيش تحت سقف واحد بعد المحاولات الجادة في الإصلاح والتوفيق.

ويكفي الإسلام فخراً ومنقبة أنه شرع الطلاق وفصل أحكامه وأعطى فرص الرجعة في الطلاق ثلاث متفرقات يتخلل كل طلقة عدة معدودة بحساب مفصل في أحكام الشريعة مما يعجز نظام بشري أن يأتي بمثله حُكماً وحكمة ونظراً في طبيعة البشر والعلاقة بين الزوجين الذكر والأنثى والعيش في البيوت والرابط الاجتماعية.

وكل القوانين المتمدنة المعاصرة قالت بالطلاق وأخذت به رغماً عن النصرانية المحرفة التي زعمت أن الزواج عقد رُبط في السماء فلا يحل إلا في السماء.

إننا لا ننكر أن هناك أخطاءً في التطبيق يزاولها بعض الأزواج و بخاصة في المجتمعات التي يسود فيها الجهل والأمية ولا يجوز أن تنسحب أخطاء التطبيق على أصل النظام وقواعده وأحكامه ألا ترى أن في دنيا الناس من يصف له الطبيب دواءً بمقادير محددة ومواعيد معينة ثم يخالف المريض التعليمات ويسيء الاستعمال والمسئولية حينئذ تقع كاملة على المريض مادام عاقلاً راشداً.

أما ما قيل في الأسئلة بإمكانية هجر الرجل لزوجته دون أن يقدم تبريراً لعمله ومن دون أن يعاني من أية نتائج لعمله هذا فهذا غير صحيح وليس بموجود في الإسلام ولا في تشريعاته وإذا رأت المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً فإما أن تعالجه مباشرة مع زوجها بمصالحة أو أي طريق من طرق العلاج الذي يًبقي على الحياة الزوجية ويحفظ للبيت تماسكه وإذا لم تجد كل هذه السبل فتلجأ للقضاء وإذا تبين للقاضي وجهة الحق مع المرأة فإنه يحكم بفسخ النكاح وافتراق الزوجين وإن لم يرض الزوج.

ما ورد في التساؤل من أن للأب حق الوصاية أو الولاية على الأبناء دائماً وإن كان الأطفال في حضانة الأم فهذا غير سديد وليس من حكم الشريعة وذلك لأمرين أساسيين :

أولهما : ليس في القرآن ولا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم نص عام ينص على تقديم أحد الأبوين دائماً ولا في تخيير أحد الأبوين دائماً.

ثانيها : العلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً

وقد ترتب على ذلك خلاف في المدارس الفقهية مبني على النظر في مصلحة الطفل وعلى صلاحية الأبوين للحضانة والوصاية وقدرتهما على القيام بهذه المسئولية.

وهم متفقون على أنه لو كان أحدهما غير صالح لذلك فلا يجوز أن يتولى الحضانة أو الوصاية.

جاء في التساؤلات أن من مظاهر تفوق جنس على آخر قبول تعدد الزوجات مع تحريم تعدد الأزواج. وإيضاح الموقف من جهتين :

أولاهما : أن اختلاف الجنس البشري إلى ذكر وأنثى ترتب عليه اختلاف في الطبائع والقدرات وهذا الاختلاف الذي لا ينكر لا يجوز أن يكون دليلاً على تفوق جنس على آخر كما قررناه في الكلام على المساواة.

ثانيهما : جاءت الشريعة الإسلامية بإباحة تعدد الزوجات لأنه منسجم مع مجموعة تعاليمها وهو منسجم كذلك مع الطبيعة البشرية في كل من الذكر والأنثى.

أما أنه منسجم مع عموم تعاليم الشريعة فلأنها حرمت الزنا وشددت في تحريمه ثم فتحت باباً مشروعاً من وجه آخر ألا وهو النكاح، وأباحت التعدد فيه ولا شك أن المنع من تعدد الزوجات يدفع إلى الزنا لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال ويزداد الفرق كلما نشبت الحروب وفي وقتنا الحاضر تنوعت الأسلحة بحيث تقضي في المتحاربين بالعشرات بل المئات في هجمة واحدة أو طلقة مدفعية واحدة بل ينال ذلك حتى غير المتحاربين فقصر الزواج على امرأة واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج وحرمان المرأة من الزواج وبقاؤها عانساً ينتج سلبيات كبيرة من الضيق النفسي وبيع الأعراض وانتشار السفاح وضياع النسل.

ومن جهة أخرى فإن الرجل والمرأة مختلفان من حيث استعدادهما في المعاشرة فالمرأة غير مستعدة كل وقت للمعاشرة ففي الدورة الشهرية مانع قد يصل إلى عشرة أيام أو أسبوعين كل شهر وفي النفاس مانع هو في الغالب أربعون يوماً والمعاشرة في هاتين الفترتين محظورة شرعاً وفي حال العمل قد يضعف استعداد المرأة في ذلك أما الرجل فاستعداده واحد طوال الشهر والعام فإذا منع الرجل من الزيادة على الواحدة كان في ذلك حمل على الزنا في أحوال كثيرة.

ومما سبق يكون التشريع قد قدر الغرائز حق قدرها حسب الظروف من نقص الرجال وزيادة عدد النساء والأحوال التي تعترض المرأة فتقلل من استعدادها واستجابتها.

ومقصد آخر من مقاصد الزواج وهو حفظ النوع الإنساني واستمرار التناسل البشري وتكوين الأسرة المستقرة فإذا تزوج امرأة عقيماً ولم يبح له أن يتزوج غيرها فقد تعطلت الوظيفة عن أداء غرضها وتعطل الغرض من الزواج وإذا كان ذلك كذلك فإن بقاءها معه والإذن له بالزواج من أخرى خير من طلاقها ليتزوج أخرى ابتغاء الولد.

ثم إن قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة، فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين من العمر أما المرأة فيقف الإنجاب عندها في حدود الأربعين سنة فلو حرم على الرجل الزيادة على الواحدة لتعطلت وظيفة النسل أكثر من نصف العمر.

هذه هي النظرة في إباحة الشريعة للتعدد جاءت لدفع ضرر ورفع حرج ولتحقيق المساواة بين النساء ورفع مستوى الأخلاق.

ونحن أهل الشريعة نعلم أن القوانين الوضعية الأوروبية لم تعترف بهذا بل أنها جعلته محل تندر واستهجان ومجال طعن على الإسلام.

ولكننا بدأنا نلمس ظهور بعض القبول في نفوس مفكريهم ودعاة الإصلاح منهم. وبخاصة مع انتشار الحروب المدمرة وترمل الأعداد الكبيرة من النساء وزيادة أعداد النساء على الرجال.

ويكفي برهاناً لنا ورداً عليهم انتشار الخليلات فيما بينهم إذ يكون للرجل عدد من الخليلات يشاركن زوجته رجولته وعطفه وماله بل قد يكون لإحداهن في هذا كله أكثر من نصيب الزوجة.

يضم إلى ذلك شيوع الزنا وما ترتب عليه من أمراض وكثرة أبناء السفاح وقتل الأجنة في بطون الأمهات.

بل لقد بنوا علاقاتهم الجنسية على فوضى رهيبة فأولاد الزنا ولقطاء الفواحش تتفاحش نسبتهم حتى قاربوا في بعض أقطارهم نسبة الأولاد الشرعيين.

وحينما يرفعون عقيرتهم في النيل من تشريع التعدد فإن تنقل الرجل عندهم بين لفيف من النساء أمر مفهوم مقبول في أمزجتهم الفاسدة وقد ذكرت امرأة كندي – رئيس أمريكا السابق – أنه كان لزوجها بين / 200 إلى 300 / صديقة.

وطبقة الصعاليك عندهم يستطيعون السطو على المئات من النساء فما بالك بمن فوقهم.

والرجل عندهم يدور بين جيش من العشيقات دون حرج فإذا دار بين بضع زوجات داخل سياج من الأخلاق المحكمة والشريعة الكريمة وضع في قفص الاتهام بل الحرام.

إن جورج كلمنصو نمر السياسة في فرنسا في وقته / 1841 – 1939م / وأحد رجالات أوربا المعدودين له عندهم في السياسة قدم راسخة وتغلب على خصوم كثير حظي بهذه المنزلة الدولية عندهم مع استفاضة خبثة وشهرته في نسبة الخنا إليه وكل ذلك لم يخدش شيئاً من عظمته عندهم.

لقد كانت له ثمانمائة عشيقة وكان له أربعون ابناً غير شرعي. ويقال: إنه عندما علم أن زوجته الأمريكية خانته نهض عند منتصف الليل ورماها في الشارع تهيم على وجهها في الليل البهيم. وتعجبوا لماذا حرم هذا الرجل على غيره ما استباحه لنفسه؟؟ ويقول بعض المعلقين على هذه القصة كلمنصو مثل كل الذئاب البشرية – من أكثر الناس احتقاراً للمرأة ولم يقل أحد في المرأة أسوأ ولا أبشع مما قاله هو سواء على فراش اللهو أو على فراش المرض.

بقي أن نشير في خاتمة هذا الحديث إلى أن الشريعة حين أباحت التعدد اشترطت فيه وجوب العدل بين الزوجات في السكن والنفقة وكل مظاهر العلاقات وإذا لم يقم بالعدل أو خشي الظلم فإنه لا يجوز له أن يقدم على الزواج من أخرى.

كما أنه لا يجوز أن يتزوج الرجل بأكثر من أربع وهذا تحديد ظاهر لفوضى التعدد التي كانت سائدة في عصور الجاهلية.

وأخيراً فإن التعدد لمن استطاع العدل بين الزوجات جائز مشروع وليس بواجب متحتم.



--------------------------------------------------------------------------------

* إمام وخطيب الحرم المكي الشريف

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 03-04-2005, 02:23 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

المرأة في المجتمع الإسلامي
عثمان سليم






لست بصدد الدفاع عن إحدى متبنيات المبدأ الإسلامي حين عقدت بحثي هذا حول المرأة في المجتمع الإسلامي؛ لعلمي ابتداء أن أسلوب الدفاع عاد أداة غير مجدية يلتمسها العاجزون والمتبرمون بما حواليهم من ترد وضياع في المجتمعات الغافلة عن الله تعالى، في وقت أصبحت فيه مهاجمة المفاهيم الإسلامية، ومعاداتها من أوليات أهداف الضالعين في ركاب القوى - ذات الإمكانات الهائلة - المعادية للإسلام، والمنتفعين في حياة التيه في صحاري الضياع من المستشرقين وتلامذتهم!

ومن هنا فقد أصبح إشغال أنفسنا - والحالة هذه - بأمور الدفاع عن رسالتنا مسألة -بغض النظر عن عدم جدواها - لا نطيقها نحن كأفراد، ولا تطيقها العصبة أولو القوة فينا، إذ لأعدائنا في كل يوم موضة جديدة، وأسلوب مستحدث في قلب عقيدتنا، والتصدي بالهجوم السافر على مبدئنا العتيد بغية زجنا في معارك جانبية - إذا وضعنا أنفسنا في مستوى الدفاع المجرد - على حساب مهماتنا الأساسية كأمة تصبو لبناء حاضرها، ومستقبلها بناء على ما يقتضيه المنهج الرباني؟ ومرتكزاته، وأهدافه العليا.

وانطلاقا من طبيعة هذا الوعي المحدد لحجم المسؤولية التي ينبغي أن يضطلع بحملها كل مسلم واع لأهداف رسالته العظمى، عقدت هذا البحث متوخيا من خلاله إبراز الإطار العام لدنيا المرأة في المجتمع الإسلامي - بما ييسر الله تعالى لي متخطيا - ما استطعت كافة التجاوزات الطافحة بروح الحقد واللاموضوعية التي تتسم بها الدراسات السائرة على الخط الاستعماري، وسالكا كبديل لذلك أسلوب عرض وجهة النظر الإسلامية في مسألة المرأة والمبررات الأساسية التي وردت من أجلها صيغة النظرية الإسلامية المتبناة.

بيد أني - وقبل خوض غمار هذا الحديث - لابد من أن أشير ابتداء، ولو بصورة عابرة إلى العوامل الأساسية التي ساهمت في حجب وجهة النظر الإسلامية في المرأة عن ذهنية الجيل المعاصر، فاتخذت إطار يكتنفه الغموض، ويلفه ضباب كثيف من التشويه يحول دون رؤيته في إطاره السليم.

فمراجعة علمية للملابسات التي رافقت موضوع البحث نلمح الأمور الآتية كعوامل أسدلت الستار على واقع النظرية الإسلامية في المرأة:

أولا: أن غياب الشريعة الإسلامي عن المسرح الحياتي للإنسان المعاصر قد ساهم في انعدام فهم النظرية الإسلامية الخاصة بدنيا المرأة: في المجتمع الإسلامي من الجيل المعاصر.

ثانياً: أن الأوضاع الشاذة في العالم الإسلامي المغايرة للنظرية الإسلامية في المرأة والتي ألقت بثقلها على دنيا المسلمين منذ أجيال تعاقبت - وغذتها نزعات عشائرية أو إقليمية أو قبلية أو غيرها، وسقوط المرأة تحت وطأة هذه الأوضاع الاجتماعية الشاذة -قد أوحى خطأ - للغالبية العظمى من أبناء جيلنا المعاصر وقوف الإسلام من المرأة موقف الهاضم لحقوقها، المصادر لكرامته، والمغتال لإرادتها.

ثالثاً: تولي جهات مشبوهة، وأقلام مأجورة مربوطة بشكل أو بآخر بالقوة الاستعمارية مهمة التزييف، والدس على الرسالة، ومدلولاتها الرفيعة بما فيها الجانب المتعلق بموقع المرأة في المجتمع الإسلامي، كأسلوب مشبوه من الأساليب التي تهدف إلى تعميق الهوة بين الإسلام والأجيال المعاصرة لحساب القوى المعادية للإسلام.

هذه أهم العوامل التي ساهمت مجتمعة - فيما أرى - في تشويه المعالم الأساسية لوجهة النظر الإسلامية في مسألة المرأة، ومكانتها في دنيا المسلمين.

غير أننا لأجل أن نتخطى الصيغ المعادية للإسلام في نظرية المرأة - بما فيها من تجاوزات، وتضليل ـ لابد لنا من أن نستقي وجهة النظر الإسلامية (موضوع البحث) من خلال النصوص الإسلامية الأصيلة الواردة بين دفتي الكتاب العزيز، وسنة المعصوم عليه السلام، وتراث السلف الصالح رضوان الله عليهم.

على أننا حين نمارس دور المتتبع لهذه المسألة في ثنايا ينابيعها الصافية ندرك ابتداء أن الرسالة الإسلامية المباركة تدشن موقفها من المرأة بالهجوم السافر المركز على الحضارات، والمناهج الاجتماعية التي تنكرت لهذا المخلوق الكريم، ونصبت له العداء بسبب وعي تبلد، ولم يعد مدركا لدور المرأة الكبير في معركة بناء الحياة!!

فالرسالة الإسلامية قد وضعت نفسها على الخط الأمامي لمواجهة أعداء المرأة والغافلين عن دورها حين مارست دور المدافع العنيد عن المرأة وحقوقها، وإرادتها وشرفها، في الوقت الذي شنت فيه حملة من التنديد الصارخ بأعداء المرأة، كاشفة عن مظلوميتها، ومعرية كل الممارسات المعادية التي سلكت معها عبر الأجيال، والقرون التي غمرها طوفان الجاهلية قبل بزوغ شمس الرسالة الغراء.

أولاً- (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ). [التكوير8-9]

ثانياً- (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل 58 – 59].

ثالثاً- (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا) [الإسراء 31].

فهذه النصوص الإسلامية وغيرها فوق مما تصوره من روح المكابرة، والاستعلاء والامتهان لجنس المرأة من قبل الحضارات، والمناهج الاجتماعية التي سبقت بزوغ شمس الرسالة الإلهية، والتي تجسدت على شكل مواقف، ومعاملات، وتصورات يعافها العقل السليم، والذوق الرفيع، واندرجت تحت عناوين كالحة، ومخزية من الوأد للبنات، أو التبرم من ولادتها -على الأقل - أو منعها من حقوقها دون الرجل، أو التمييز بينها، وبين الرجل حتى في تناول بعض أنواع الطعام أو مصادرة إرادتها في اختيار زوجها، فضلا عن تمتع الرجل بحق الزواج بما يشاء من النساء دون النظر إلى مفهوم العدالة أو المساواة، أو نحوهما من مفاهيم إنسانية.

أقول: إن هذه الممارسات العلمية المجافية لروح التجمع الإنساني السليم في الوقت الذي تشجبها الرسالة الإسلامية بقوة تعمد من جانبها إلى وضع المنطلقات الأساسية الواضحة لإسقاط كافة القيود والتجاوزات على حقوق المرأة الثابتة تحت أقدامها.

وهكذا تكون إطلالة الإسلام الحنيف على دنيا الإنسان بمثابة انعطاف تاريخي هائل لا نظير له في حياة العنصر النسوي على الإطلاق، استعيدت لها فيه كرامتها الممتهنة، وحقوقها المهدورة قرونا طويلة.

فلأول مرة في تاريخ إنسان هذا الكوكب تمنح المرأة تأثير الدخول في دنيا الكرامة ويمنح لها حق العيش مع صنوها الرجل جنبا إلى جنب، الأمر الذي يبدو جلياً من خلال المفاهيم العملية التي جسدها الإسلام الحنيف في مجتمعه الكريم، متجاوزا بها كل سمات الامتهان التي يتعاطاها الرجل في علاقاته مع المرأة، وعاملا ما من شأنه على إنهاء كل حالات الشذوذ التي خلفتها المناهج الجاهلية التي كبلت هذا الإنسان.

وهذه بعض المبادئ الحيوية الأصيلة التي حملتها الأطروحة الإسلامية المتبناة في مسألة المرأة:

اولاً- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) [النساء: 1].

ثانياً- (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:23-24].

ثالثاً- (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].

رابعاً- ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء: 124].

خامساً- (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

سادساً- (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].

سابعاً- (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)(البقرة/187).

هذه بعض الأطر الفكرية التي قضى الإسلام الحنيف من خلالها بردم الهوة السحيقة التي حفرتها المناهج الجاهلية بين الرجل، والمرأة محققاً بذلك أرقى مظاهر التلاحم الروحي والمصيري بينهما، حيث أعاد للمرأة اعتبارها، ودورها في معركة الحياة لتكون وصنوها الرجل جنباً إلى جنب.

فها هي الشريعة الإسلامية تبوىء العنصر النسوي مكانه العلي في رحاب المجموعة الإنسانية دون إفراط أو تفريط، كما ترجمته النصوص القرآنية التي عشنا ظلالها -قبل قليل - والتي تصور الرجل، و المرأة، وقد انبثقا من مصدر واحد، وجنس واحد، خلافا للنظرية القديمة التي ترى في المرأة مخلوقاً يرتدي أهاب شيطان.

ثم أن الإسلام بعد ذلك - وعلى لسان نصوص كتابه المجيد - يعتبر المرأة سكن للرجل الذي يأوي إليه في جو من المودة والدفء والحنان والرحمة حتى يعود الرجل وفقا لهذه النظرة الواقعية لباسا لها وتعود المرأة لباسا له، فتتحقق بذلك أعلى مستويات التلاحم، والتراحم والتكافل في جو مفعم بالود والجمال.

والمتتبع - بعد ذلك - لتلك المبادئ والأطر التشريعية التي حملها القرآن الكريم لتكون أطروحة المجتمع الإسلامي المتبناة في قضية المرأة - والتي قضى الإسلام من خلالها بتجسيد أرقى مظاهر التلاحم الروحي والمصيري بين الرجل و المرأة -يدرك ببعد رؤية ووضوح أن المنطلقات الدستورية الإسلامية لم تسلك مجرى الأحداث العفوية اللاواعية التي لا تدري كيف تسير، ولا إلى أين تسير، وإنما انطلقت في شكلها ومضمونها من خلال المواصفات البيولوجية التي يتمتع بها كل من الجنسين، حيث حسبت الرسالة الإسلامية لطبيعة التركيب النفسي والعضوي لكلا العنصرين حسابه الدقيق الواعي بغية تخطي كل غبن أو حيف ينال أحدهما حين إغفال ذلك التركيب الطبيعي لكليهما لتسند الوظائف، والمسؤوليات، وتمنح الحقوق لكل منهما وفقا لما يتمتع به من طاقات، وما يمتاز به من إمكانات طبيعية بالشكل الذي يحقق أعلى مستويات الإنتاج، والتلاحم والانسجام، والمعطيات أثر في دنيا الإنسان.

وهي مسألة تعد بديهية بالنسبة للرسالة الإسلامية، وإمكاناتها الضخمة لتحقيق ذلك بالدرجة المطلوبة نظرا إلى أن الإسلام - كمنهج رباني متكامل - يعلو فوق كل اجتهاد أو تخمين أو تصورات، باعتباره صادرا من خالق الإنسان جلّ وعلا الذي يعلم أدواء الإنسان وعلاجاتها، والوقاية منها.

وهكذا فإن النظرة الإسلامية المتبناة في مسألة المرأة تبتنى على أساس استيعابها للجانب التكويني للإنسان بكلا شطريه: الرجل والمرأة، إلا أنه يبدو للمتتبع للنظرية الإسلامية في المرأة من خلال نصوصها الأصيلة: أن اهتمام الإسلام بالتركيب البيولوجي قبل إقرار منطلقاته النظرية لتحديد مسؤوليات كل من الرجل و المرأة في هذه الحياة يعليه عن كونه عملية واعية لتحديد المواقف، وإنضاج الظروف الموضوعية لتكافؤ الفرص، وتوزيع المهام توزيعاً منسجما والقابليات الفكرية والاستعدادات البيولوجية، فإنه من جهة أخرى يعكس روح المجتمع الإسلامي في إطاره الفني الرائع.



رد مع اقتباس
  #15  
قديم 03-04-2005, 03:27 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road


اسم الكتاب:

أثر العرف في فهم النصوص.. قضايا المرأة أنموذجاً
الرياض
المؤلف:

د. رقية طه جابر العلواني.

الطبعة:

الأولى هـ1425 -2004م

الناشر:

دار الفكر

تحتل الأعراف والعادات حيزاً واسع النطاق في مجال القوانين والتنظيمات البشرية. فبمرور الزمن ومضي الوقت تتخذ الأعراف قوة ملزمة في التعامل والاجتماعي، سرعان ما تصطبغ بمسحة القانون الإلزامي.

إلا أن بعض هذه الأعراف قد تشتمل بطريقة أو بأخرى على أنواع من التجاوزات على تعاليم الشرع وآدابه. وبرغم ذلك التجاوز والانحراف فيها عن غايات الشارع ومقاصده، إلا أن كثرة تكرارها وممارساتها، ومن ثم الاعتياد على التعامل بمقتضاها، يولد لدى المجتمع شعوراً عاماً بإمكانية تقبلها وإضفاء الشرعية عليها.

تستهدف هذه الدراسة محاولة الكشف عن أثر العرف في فهم المجتهد للنصوص الشرعية المتعلقة بقضايا المرأة نموذجاً. أوضحت الدراسة الأثر الهام البالغ الخطورة، الذي تلعبه الأعراف السائدة في تكوين تصور مسبق لدى المجتهد حال تناوله النصوص. كما استهدفت الدراسة محاولة استنباط بعض الضوابط والمعالم التي يمكن أن تساهم في ضبط تعامل المجتهد مع النصوص، دون الإخلال بمقاصدها وغاياتها، الناجم في كثير من الأحيان عن تأثره الواضح بالبيئة التي يعيش فيها، والأعراف السائدة في مجتمعه.

ولئن غاب عن العديد من الدراسات المعاصرة تناول أثر الأعراف والعادات على توجهات واجتهادات العلماء والكتاب وفي مختلف العصور، فقد حرصت هذه الدراسة على البحث في موضوع العرف من هذه الزاوية الحرجة. وأوضحت أثر العرف في تكون الآراء والاجتهادات المختلفة الخاصة بقضايا المرأة، من خلال تتبع واستقراء العديد من المظاهر والسلوكيات الاجتماعية السائدة في المجتمع المسلم في مختلف العصور، وتقديم بعض النماذج التطبيقية التي تعكس كيفية تأثر المجتهد بأعراف بيئته وظروفه الاجتماعية حال إقباله على النصوص وتأويلها. وهي إذ تقدم تلك النماذج، لا تستبعد إمكانية وجود عوامل أخرى مؤثرة في توجه تلك الآراء والاجتهادات البشرية كذلك. كما كشفت النقاب عن خطورة النظر من خلال دائرة الأعراف والظروف الاجتماعية إلى النصوص، دون تقيد ببعض المعالم والضوابط الهامة للتمييز بين النصوص الشرعية المطلقة، والاجتهادات والتأويلات البشرية النسبية المحدودة لتلك النصوص.

تنقسم هذه الدراسة إلى أربعة أبواب بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة والفهارس.

ضمن المقدمة عنون لدراسة أهم مصطلحاتتها، التي هي العرف، والنصوص، فبعد مناقشة مستفيضة لدلالة المصطلح في اللغة والاستعمال الشرعي لها ذكرت استعمالها الاصطلاحي لدى الأصوليين، وخلصت بعد العرض إلى أن العرف: هو ما استقر الناس عليه من قول أو فعل مطلقاً. والنصوص المرادة في الدراسة في آحاد نصوص الكتاب والسنة. حسب اعتبار الأصوليين.

أما الباب الأول، فقد تم تخصيصه للبحث في موقع العرف في الدراسات الأصولية والاجتماعية. كما تم تقسيمه إلى أربعة فصول:

يبحث الأول في أركان العرف وشروطه: حيث الركن أساس الشيء، فيوجد بوجوده وينعدم بعدمه، وهو ما يعبر عنه بشروط اعتبار العرف؛ حيث له بهذا الاعتبار ركنان: ركن مادي وهو المعروف لدى الأصوليين باستقرار العرف أو اطراده واستمراريته. وركن معنوي: اعتبره المعاصرون بأن المراد به: شعور جماعة بضرورة اتباعه وإحساسهم داخلياً بوجوب احترامه، واعتقادهم بخطأ من يخالفه من الناحية السلوكية في التعامل مع الآخرين، وأن هذا الركن هو مصدر احترام العرف، وذلك بازدراء الناس من يخالفه.

ويركز الفصل الثاني على تقسيمات العرف و أنواعه المختلفة في أربعة مباحث: حسب اعتبار كل قسم، فالأول منها باعتبار الموضوع: العرف القولي (الحقيقة العرفية)، والعرف العملي. والثاني باعتبار الشيوع: حيث ينقسم إلى عرف عام، وعرف خاص. والثالث منها: من حيث اعتبار الشارع له: فهو ينقسم من حيث موافقته لنصوص وقواعد الشريعة إلى عرف صحيح (المعتبر) وعرف فاسد (غير المعتبر)، وعرف مرسل (المسكوت عنه) الذي انفردت الدراسة بذكره عن غيرها من كتب أهل الاختصاص. أما في التقسيم الرابع للعرف من حيث استمراره وتغيره، فالدراسة لا ترى لتقسيم العرف إلى ثابت ومتغير وجها معتبرا.

أما الفصل الثالث الواقع في ثلاثة مباحث، فقد تم فيه مناقشة موقع العرف في الكتابات الأصولية من خلال عرض أهم الأدلة التي احتج بها المكثرون من الاعتماد على العرف ومناقشتها، وشرح نماذج لأهم القواعد الفقهية المبنية على اعتبار العلماء للعرف، كقاعدة: العادة محكمة، وقاعدة: لا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمان والأحوال والأعراف، ومناقشتهما باستفاضة. وطرح مسألة تداخل العرف مع غيره من أدلة: كعلاقة العرف بإجماع أهل المدينة، وبما جرى عليه العمل.

أما الفصل الرابع فقد تم فيه طرح مفهوم العرف في الدراسات الاجتماعية: حيث استنتجت الباحثة من خلال عرضها لهذا المفهوم لدى مصادر علم الاجتماع، وعلم الإنسان، ومن خلال التعاريف التي مضت في المقدمة، إلى أن "الأعراف أنماط علمية وسلوكية يقوم بها الأفراد بناءً على شرعيتها المكتسبة لديهم، من تراث يحملها ويقرّها. وعلى هذا تتم ممارستها من قبل الأفراد والجماعات دون استنكار أو رفض".

الباب الثاني تم تخصيصه للبحث في محاولة جادة لتوصيف الأعراف والحالة الاجتماعية للمرأة عبر العصور المختلفة. وقد تم التمهيد له بالبحث في أهميته لموضوع الدراسة وأهم المراجع المعتمدة فيه. وقد تم تقسيمه إلى ستة فصول حسب تقسيم العصور المختلفة الذي سارت الدراسة عليه:

الفصل الأول: للعصر الجاهلي.

الثاني: لعصر الرسالة والتشريع.

الثالث: للعصر الراشد.

الرابع: عصر الأئمة المجتهدين والمذاهب الفقهية: (عصر التنوع في الفهم والتفسير).

الخامس: عصر التقليد والركود الفكري (عصر النظرة الأحادية المذهبية واستعادة وحدة الفهم والتأويل).

السادس: عصور التقليد المتأخرة (عصر التنوع الثاني).

حيث شكل هذا الباب نوعاً فريداً من التحليل العميق، مستدعياً شتى أدوار النظر والبحث الإنساني، بنمط موضوعي عز مثيله، أمام السيل العرم من الدراسات النسوية التي تكتسح اليوم قضية المرأة، سيماها التحيز الغربي. فقد منّ الله على الباحثة أن توظف تخصصها الأصولي، وعميق نظرتها لتطور المجتمعات الإسلامية عبر التاريخ منذ الجاهلية الأولى حتى اليوم، مستحضرة التغييرات الاجتماعية والتربوية مع أسبابها السياسية والتاريخية، ولم تغفل خلالها مناقشة ما اشتهر استعماله من قبل الدراسات الغربية على سبيل الذم أو المدح للمرأة المسلمة، منذ نظام الحريم حتى حركات تحرير المرأة المعاصرة!

الباب الثالث تم فيه عرض لبعض النماذج والأمثلة لأهم القضايا المطروحة المتعلقة بالمرأة في الوقت الراهن، وذلك في محاولة للكشف عن أثر الأعراف في تشكيل الآراء والاجتهادات المختلفة الدائرة حول النصوص والمتعلقة بتلك القضايا.

وقد تم تقسيم هذا الباب إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول: قضية ميراث المرأة في الإسلام، وقد تم التمهيد له بلمحة عن نظام الميراث. ففي المبحث الأول تم فيه توضيح مفهوم الميراث عند العرب قبل الإسلام.

أما الثاني فقد تم تخصيصه للبحث في فلسفة الميراث في الشريعة الإسلامية.

أما المبحث الثالث فقد تم تخصيصه للكشف عن أثر الأعراف والظروف في تأويل النصوص المتعلقة بميراث المرأة.

أما الفصل الثاني فقد تم تخصيصه للبحث في شهادة المرأة من خلال تمهيد لذلك مع مباحث ثلاثة رئيسية. تم في الأول تحديد مفهوم الشهادة، والثاني خصص للحديث عن شروط الشهادة، أما الثالث فقد تم فيه عرض لأثر العرف في فهم النصوص الواردة في شهادة المرأة.

أما الفصل الثالث فقد جاء الحديث فيه عن ولاية المرأة القضاء كنموذج آخر يتم من خلاله بيان أثر الأعراف والظروف الاجتماعية في تناول المجتهد وطرحه لآرائه واجتهاداته. وفي المبحث الأول تم تناول مفهوم ولاية القضاء، أما الثاني فقد خصص للبحث في حكم تولي القضاء. أما الثالث فقد تم فيه تبيان أثر العرف والظروف الاجتماعية في طريقة طرح المجتهدين قديماً وحديثاً لمسألة قضاء المرأة.

أما الباب الرابع والأخير فقد خصص للبحث في محاولة التوصل إلى وضع وصياغة قانون لتأويل النصوص وفهمها وكيفية التعامل معها من خلال عرض بعض الضوابط والمعالم المستنبطة.

ويقع الباب في ثلاثة فصول:

الأول: تم فيه عرض تاريخ التأويل في الأديان.

وأما الثاني فقد تم فيه عرض إشكالية التأويل في الفكر الديني في الإسلام.

والثالث خصص للبحث في الضوابط الأساسية التي وقفت الدراسة على أهميتها وهي: شهادة المركز الواقعة في ثلاث مباحث: فهم النصوص وفق قواعد اللغة العربية والاستعانة بعلم قواعد اللسانيات الحديث، دلالة السياق، رد المتشابه من النصوص إلى المحكم. أما الضابط الثاني فيكمن في مراعاة مقاصد النصوص وضبطها، ويتم توضيحها في مبحثين: مراعاة ضبط مفهومي التعبد والتعليل، والاهتمام بتقعيد المقاصد وتحديد الوسائل. أما الضابط الثالث فهو مراعاة موقع العقل من النص.

وتضمنت الدراسة في الخاتمة أهم النتائج والتوصيات، ومنها:

· أن للأعراف والظروف الاجتماعية أثرا بالغ الأهمية والخطورة في تأويلات المجتهدين للنصوص، متمثلاً في إقبالهم في بعض الأحيان على النصوص، برؤى مسبقة وأفكار جاهزة، ومن ثم تأويلهم وفهمهم للنصوص من خلال تلك الرؤى، وتزداد خطورة ذلك الأثر في العصر الحاضر الذي منيت به الأمة بالضعف والوهن ومواجهة مختلف التحديات الفكرية الوافدة.

· ضرورة التمييز بين النصوص الشرعية المطلقة ذات الوحي الإلهي المعصوم، التي لا تخضع بحال لتقلبات الزمان وتغيرات الأحوال، وبين اجتهادات العلماء ومحاولاتهم في فهم تلك النصوص. فالنصوص مطلقة مفارقة لكل عوامل الزمان والمكان والظروف الاجتماعية والعرفية، أما التأويلات فهي نسبية محدودة بعوامل ظهورها وخلفية قائلها. فلا ينبغي فهم تلك الاجتهادات والآراء البشرية بمعزل عن ظروف نشأتها التاريخية والأسئلة الاجتماعية التي أفرزتها، والأعراف والعادات السائدة في بيئتها.

· أهمية التقيد ببعض الضوابط والمعالم العامة أثناء إجراء عملية فهم النصوص وتأويلها، ومن ثم محاولة استنباط الأحكام وتقريرها من خلال ذلك، ومن تلك الضوابط:

1- شهادة المركز من خلال فهم النصوص وفق قواعد اللغة العربية، مع الاستعانة بقواعد علم اللسانيات الحديثة، ورد المتشابه إلى المحكم.

2- مراعاة مقاصدية النصوص وضبطها، من خلال مراعاة ضبط مفهومي التعبد والتعليل، والاهتمام بتقعيد المقاصد وتحديد الوسائل.

ضرورة الإفادة من مختلف الإمكانيات المتوافرة لتحقيق الفهم السليم المنضبط للنصوص الشرعية مع مراعاة عدم التكلف في استعمالها، والتوغل فيها دون ملاحظة الضوابط الأخرى.

· النصوص الشرعية جاءت لتكون حاكمة على واقع الناس وأعرافهم، مهذبة ومصححة لها. فمراعاة المجتهد لأعراف بيئته ومجتمعه لا ينبغي أن يحيد به عن أهمية المحافظة على إطلاقية النصوص، ونسبية أعراف بيئته المتغيرة.

· أهمية توظيف التحليل المقارن في الفكر الديني في الإسلام، والمساهمة في حل العديد من الإشكاليات الناجمة عن عدم الإفادة من عثرات الآخر، مع استحضار الضوابط والمعالم لأي مشروع اجتهادي.

· أهمية احترام الموروث الفقهي والوقوف منه موقف التقدير للجهود والهائلة التي بذلها العلماء السابقون رحمهم الله، مع الإيمان بإنسانية تلك الجهود، وإمكانية جريان الصواب والخطأ عليها، فالعصمة والإطلاقية للنصوص المطلقة المفارقة للمكان والزمان.

· أهمية آليات الفهم والتأويل للنصوص من خلال الإفادة مما توصل إليه العلم الحديث من منجزات وتقنيات مع استذكار نسبية التأويلات البشرية مهما علت منزلة أصحابها.

· أهمية مراجعة وتصحيح المواقف الاجتهادية القائمة على منهجيات التبرير والتعليل، ومحاولة تجاوز تحديدات الفكر الغربي في قضايا المرأة على وجه الخصوص، وضرورة وقف الاسترسال في الخوض في القضايا المطروحة من قِبله، التي باتت أقلام كثير من المفكرين المسلمين وقفاً عليها في العصور الراهنة، خاصة تلك القضايا التي أنجبتها فلسفة عصر الحداثة السالفة.


رد مع اقتباس
  #16  
قديم 03-04-2005, 03:29 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

المرأة المسلمة.. أزمة واقع أم أزمة تفكير؟
سعاد عبد الله الناصر






في خضم الهجمات الشرسة التي تستهدف وجود الإنسان المسلم وهويته وقيمه وأسس مبادئه، يصبح استقراء واقع المرأة المسلمة ومكانتها في مجتمعاتنا الإسلامية ضرورياً وملحاً؛ لأنه جزء مهم من الواقع الذي نتخبط فيه.

والناظر لأحوال المرأة المسلمة اليوم، سواء كانت متعلمة أو أمية، غنية أو فقيرة، بدوية أو حضرية، يرى أنها تعيش واقعاً مزرياً في معظم الأحيان، إلا من رحم الله.. وإذا حاولنا تقصي ذلك ورصده نجد أنه ينبع بالأساس من عدم وعيها واستعمال عقلها في ما يصون كرامتها وشخصيتها وحقوقها، وما يكفل لها إنسانيتها بالدرجة الأولى، أي أنها تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية عن الواقع الذي ترزح تحت وطأته، بغض النظر عن الظروف المعيشية والمادية التي يمكن أن تفرض عليها هذا الواقـع، والتي بإمكانـها التغلب عليها أو السيطرة على قسوتها، أو رخائها، إذا اكتسبت شروط الوعي بالإيمان الحقيقي وبمقومات العمل الصالح.

ويرجع عدم وعيها إلى أنها فرضت على نفسها، أو فُرض عليها، أن تعيش في ظل أزمة تفكير مزمنة، استسلمت فيها لمختلف مواقف الجمود والتخلف أو التمييع والانحلال، وأسلمت قيادها لجاهليتين تقودها بعيداً عن درب الله تعالى: جاهلية التقليد الأعمى أو جاهلية التغريب، فإما نجدها ترسف في أغلال تراكمات سنين طويلة من الجهل والتهميش والغياب، أو ترسف في أغلال الفكر التغريبـي الذي يستنـزف طاقاتها، إما بالتركيز على انحناءات الجسد والانشغال المسـتمر بمواطن الجمال فيه وإبرازه، وإما بخوض قضايا لا تمس جوهر قضيتها وواقعها، الأمر الذي أدى إلى فرض واقع مزيف ومهيمن، بعيد كل البعد عن الواقع الحقيقي الذي بسطت معالمه الشريعة الربانية وسيـرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسـلوكيات السلف الصالح، لأنه واقع يتغذى من مفاهيم وتصورات معينة أسقطتها في التخبط في ظل أزمة التفكير التي أشرنا إليها، وتتجلى مظاهر هذه الأزمة في سلوكياتها وممارساتها، ابتداءً من اختيارها لزوجها وتربية أولادها، وانتهاءً بالانغماس في علاقات منحرفة واتخاذ قرارات اجتماعية معينة.

ويمكن حصر المفاهيم والتصورات التي تحدد واقع المرأة المعاصرة في ثلاثة مفاهيم:

1- مفهوم ينبع من التصور الشعبي الخرافي للدين مع معلومات ناقصة ومغلوطة عن أحكامه، وما يتبع ذلك من استكبار وسقوط في الشرك، في بعض الأحيان، أي أن وضعية المرأة في ظل هذا المفهوم تتحدد بالعادات والتقاليد الموجودة في المجتمع دون محاولة وضعها في محك الضوابط الشرعية والقواعد التفسيرية الموحدة. وغالباً ما يكون ذلك بحسن نية، بل قد يكون باعتزاز وتبجح وإصرار على أن هذا المفهوم هو التصور الصحيح للإسلام.

ومن أبرز السلوكيات التي تتجلى عند أصحاب هذا المفهوم ارتباطهم الوثيق بالتحليل الخرافي للدين، ونجد المرأة ترتبط بهذه الدائرة ولا تحاول الخروج منها، وكل ممارساتها وسلوكياتها وعلاقاتها متساوقة معها، وتعتبر ما عندها من معلومات ناقصة مستمدة من هنا أو هناك أو بالوراثة كافية لاسـتيعاب دينها وتطبيقه في واقعها، ناسية أن ممارسـة التدين الحقيقي لن يتم عـلى وجهـه الأكمل إلا بالتفقه في المصادر الشرعـية: القرآن الكريـم والسنة النبوية الشريفة، وكل اجتهاد بعد ذلك يؤخذ منها ويترك حسب ظروف الواقع المعيش، فتسقط في تأدية العبادات تأدية آلية مقلدة ما وجدت عليه آباءها.. ويؤدي جهلها بأحكام الإسلام إلى تصرفات واتخاذ مواقـف منافية للشريعة.

ويمكن أن نأتي بصور عديدة لوضعية المرأة المتقوقعة في إطار هذا المفهوم، منها: التجاؤها إلى السحر والشعوذة في تصريف الأمور الصعبة التي تواجهها من مثل العنوسة، أو عدم الإنجاب، أو محاولة تطويع الرجل لرغباتها.. ومنها الخضوع المذل للتقاليد والعادات المستشرية في المجتمع، كبعض تقاليد الزواج مثلاً، وغير ذلك من الممارسات والسلوكيات التي تسقطها أكثر في الشرك والجهل والتخلف، كما تزيد من تعميق الاختلال الناتج عن عدم التوازن بين قانون التطور والواقع وبين ما تعتقده من عقيدة تواكلية محرفة.

2- مفهوم يعتبر الدين سـلوكاً شخصـياً بيـن المرء وربه، ولا علاقة له بضبط الحياة وتنظيمها وفق القانون الرباني، وهذا المفهوم يتبنى الفكر الغربي الذي يفصل بين الدين والحياة، ويعتبر التدين ظاهرة اجتماعـية تقوم على الوهم وتعبر عن وعي زائف، كما ينظر إليه بوصفه وسيلة لإضفاء الشرعية على الواقع القائم، ويفرض على المرأة (والرجل أيضاً) أن تمارس حياتها في معزل عن الدين وأحكامه، على أن ما لله فهو لله، وما لقيصر فهو لقيصر، وأن اتباع النموذج الغربي هو السبيل للخروج من واقع التخلف والجهل. لكن مثل هذه التبعية تجعلها تنخرط في واقع أشد خطورة وأكثر فتكاً، يحولها من موقعها الذي كانت فيه مجرد عقل مهجور وجسد متخصص في التفريخ إلى موقع أشد فتكاً بها، يتاجر بجسدها، ويستغل حاجتها لترويج بضاعته، أو لاستخدامها في الكسب المادي، وهذه المرأة في معظم الأحيان لا تنكر أنها تنتمي إلى الإسلام، بل قد تمارس بعض الشعائر وخاصة في المناسبات الدينية، أي أنها لا تجاهر بمروقها عن الدين وإنما تغلف ذلك باسم الحضارة والتقدم والتحرر، وتعتبر أن علاقتها مع ربها شأن شخصي بينها وبينه، لتكرس بذلك الفهم السلبـي للدين، الذي لا يرى فيه سـوى طقوس وعبادات لها أهداف فردية لا علاقة لها بالمجتمع أو تنظيمه أو تنظيم علاقاته، متناسية قولـه تعالى: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)) (البقرة:85)، فتقع في ازدواجية الفكر والشخصية، التي يعاني منها معظم المثقفين، نساء ورجالاً، الذين لم يستطيعوا أن يحصنوا أنفسهم بثقافتهم الإسلامية، وتسقط، كما يسقطون، في هوة التنكر للهوية الحضارية، لينعكس ذلك كله على ممارسـتها الحياتية في الواقع، ويخل بتوازنـها الذي قد يدخلها - والعياذ بالله - في دائرة الفسق المقابل للإيمان، كما في قول الله تعالى: ((أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَـاتِ فَلَهُمْ جَنَّـاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ)) (السجدة:18-20).

والمرأة كلما اقتربت وانغمست في حمأة هذا المفهوم التغريبـي فإنها تسعى حثيثاً نحو دائرة الفسق، والعياذ بالله؛ لأنها تعمل على تعطيل الشريعة في الحياة وتهميش أحكامها، مما يؤدي إلى إعاقة دورها الحضاري الحقيقي الذي يجب أن تمارسه بوصفها امرأة مثقفة.. وتظل تدور في حلقات مفرغة من الاستغلال والتشييء والعنف والعنف المضاد، وفي مجتمعاتنا نماذج متعددة تقدم صوراً مختلفة عن وضعية المرأة نتجت عن هذا المفهوم لا مجال فيها للاحترام أو المساواة التي كثر المناداة بها، بل قد لا ترى ذرة من التحرر الذي من أجـله قامت الحركات النسـائية التحررية في هذه الوضعية، وإنما عبوديات في أشكال مختلفة وبمسميات شتى، أغلبها تنصب على جسدها لتجميله وتقديمه لكل ناظر، ومعظم، بل ربما الإنتاجات كلها التي قدمت في إطاره، سواء في ميدان الفن أو الأدب أو التجارة أو غير ذلك، تصب في ميدان صناعة الجسد وفرض حضوره بشكل مقزز ومهين للمرأة المعتزة بأنوثتها وإنسانيتها.

وهذا الواقع، الذي يفرزه هذا المفهوم، تعيش فيه المرأة (والرجل) مصابة بالاستلاب والتمزق والعقم، وتمارس الدين بصورة مجزأة بشكل يفصل بين المقاصد والغايات والأحكام الشرعية وحدودها، الأمر الذي يفقد الشعور الديني فعاليته، وتتحول الممارسات الدينية إلى مجرد طقوس وعادات وليس قوة فاعلة ومحركة لبناء توازن حقيقي بين الذات والواقع المتطور.

وفي كلا المفهومين (الأول والثاني) يتعطل الفكر، ويعيش في تبعية مطلقة، إما لما توارثناه من عادات وتقاليد تلصق بالدين وهو منها بريء، أو ممارسات ومواقف مستمدة من الفهم المبتور لعقيدتنا ولنصوص شرعية فهمت خطأ على غير حقيقتها، وإما لكل ما يأتينا من الضفة الأخرى دون تمييز أو فرز، فتنبذ المرأة كل ما يمت بصلة لجذورها وحقيقة وجودها، وتعيش ازدواجية فكرية وفصاماً أخلاقياً يقومان عائقاً في وجه أي تغيير أو تقدم أو رقي تتطلع إليه، ويصبح الدين وكأنه مجموعـة من الإكراهات يواظب عليها المسلم بدون روح أو شعور بطمأنينة وسـلام، ولعل هذا ما أشـار إلى جانب منه ابن عباس رضي الله عنـهما في حـديث موقوف عـليه: "من لم تأمره صلاته بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعداً" وربما كان هذا تفسيراً لامتلاء المساجد بالمصلين وفي الوقت نفسه ازدياد عدد الساقطيـن في أحضان المعاصي والسيئات بجرأة ولا مبالاة بلدت الحس والشـعور، وقوقعـت الأمـة في أسفل الركب الحضاري.

وهناك مفهوم ثالث يجاهد للخروج من هذه الأزمة يصيب أحياناً ويقع في الخطأ والتشدد أحياناً أخرى، لكن عذره عذر المجتهد الذي قد يخطئ وقد يصيب شرط إخلاص النية لله عز وجل.

3- وهذا المفهوم نابع عن فقهٍ بالذات الحضارية والواقع المعيش وعن إحساس متجذر بالمسؤولية عن الأعمال الدنيوية والجزاء الأخروي، وموجه بوعي بأحكام الإسلام ومبادئه ومقوماته ومقاصده، بغض النظر عن تفاوت هذا الوعي بين السطحية والعمق، ينتج عنه استخدام المرأة للفكر والعقل، ولو بشكل نسبي، والأخذ بأحكام الشريعة ومحاولة تطبيقها باعتبارها كلاً واحداً لا يتجزأ، وفي أغلب الأحيان تكون ممارساتها الحياتية متزنة، تقوم على أسس صلبة، رغم الإحساس بالغربة.

لكن في بعض الأحيان، قد ينتج عن سوء فهم المقاصد التشريعية والتشدد في مواجهة الواقع، السقوط في التصلب والتحجر وعدم سلوك أسلوب الليونة والمدافعة في اتخاذ المواقف، الأمر الذي يدفع المتعاطفين معها إلى النفور منها، والخوف من اقتحام منبع قناعاتها، خشية السقوط معها في جب الضيق والتحجر، وهذا لا شك يضر بمبدأ الوسطية التي يجب أن تتمسك به، كما يجنح بها إلى تبني ممارسات بعيدة عن الإسلام وروحه.

لكن يظل هذا المفهوم أقرب إلى الفطرة السوية والمعرفة الحضارية، وأدعى إلى تبني أطروحته وتعميقها في ضوء الوعي بأحكام الدين ومبادئه وقيمه وفقه الواقع والاجتهاد فيه؛ لأنه يدعو ويعمل على تأصيل قضية المرأة بإرجاعها إلى القرآن والسنة.

وانطلاقاً من هذه المفاهيم، التي تتحكم في تفكير المرأة وتوجيهها بصفة عامة، يمكن القول: بأن الأزمة التي تعاني منها هي أزمة تفكير تنسحب على واقعها.. أزمة تفكير ناتج عن الأزمة الأساس التي تعاني منها الأمة برمتها، وهي أزمة الهوية وما يسفر عنها من استلاب للشخصية واهتزازها أو محوها أحياناً، قد لا ينجو منها إلا من يتشبث بالوحي بوصفه مرجعاً رئيساً لإثبات هوية الإنسان المسلم، وبوصفه مرجعاً أولياً من مراجع المعرفة الإنسانية؛ لأنه يقوم على أساس متين وعميق من الصدق والموضوعية والواقعية في بناء الإنسان المتحرر من شتى العبوديات، التي تقيد عقليته وتصوراته، وتنتج مختلف أشكال التخلف والتبعية، التي تشل طاقات الأمة وتنأى بها عن مصادر القدرة على الإبداع والنهوض والتغيير.

فالوحي هو محرر العقل البشري من كافة الأوهام والخرافات، والداعي في مختلف الآيات إلى استكشاف الكون، والنظر في الآفاق، واستعمال العقل فيها. ولذلك لا يمكن أن يُقبل الوحي إلا بالعقل المتيقن من الحقيقة الإلـهية، والإيمان وإن انطـلق من القلب إلا أنه لا يصبح يقيناً ثابتاً إلا في العقل، وعبر الثقة العقلية المستندة إلى أدلة محسوسة من الواقع والكون والإنسان ومن الوحي نفسه.

فكيف لا يكون المنقذ من أزمة التفكير المنسحبة على أزمة الواقع، التي تعاني ويلاتها المرأة في المجتمعات الإسلامية، هو الوحي؟

كيف لا نثق يقيناً بأن الوحي يزخر بكنوز المعاني الدالة على التفكر والاستدلال واستعمال العقل والفكر في النفس والكون، وهو الذي يفتتح أول اتصاله بالأرض عبـر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى القراءة ((اقْرَأْ))؟

أليس قابليتنا لنبذ أهم دعائم وجـودنا ((اقْرَأْ)) في واقع حياتنا ما يدل على جهل وعقم في التفكير المؤدي إلا الانحطاط والتقهقر وكل أشكال التخلف؟

أليس الانفتاح العشوائي أسقطنا في مستنقعات لم نستطع التخلص منها؛ لأننا لم نقنن الانفتاح، ولم نعد نحدده في نهل المعرفة المسيجة بدوائر الإيمان والإخلاص والإحسان؟

إن واقع المرأة الـيوم في حاجـة، أكثر من أي وقـت مضى، إلى تجاوز أزمة التفـكير التي تقعـد به في مسـتنقعات الجهل والتقليد والتبعية والشعوذة، وترشيده بالفكر المستنير بنصوص القرآن والسنة الصحيحة حتى ينهض بدوره الأكمل، وتضع المرأة فيه أولى خطواتها نحو التدبر والتفكر والإصلاح: ((يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ)) (يونس:57-58).

من هنا يجب عدم نسيان حقيقة مهمة وهي أن الإسلام أحدث انقلاباً شـاملاً في الحياة البشرية، سـواء على مسـتوى السـلوك أو التصور، واستطاع الإنسان من خلاله أن يتحرر من عالم القيود الذي كان يكبله.

كما يجب التذكير أن هذا الانقلاب كان بمشاركة فعلية من المرأة، بل كانت، بالإضافة إلى المشاركة، سباقة إلى الخيرات كلها، منها أنها أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأم المؤمنين خديجة ـ رضوان الله عليها ـ أخذت على عاتقها نصرة الدين الإسلامي ومؤازرة نبي الله بكل ما تملك من قوى مادية أو معنوية، كما أن المرأة كانت "أول شهيد" في الإسلام.

وإذا تتبعنا المبادرات الإسـلامية الأولى، التي غيرت الحياة البشرية والواقع الإنساني، لا شـك أننا سوف نعثر على المرأة الواضعة لأولى لبناتها، وطبعاً لا يمكن أن يكون ذلك صدفة، وإنما لحكمة ربانية تشير إلى أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق المرأة في كل عقود الحضارة الإسلامية.





* أكادمية مغربية، والمادة جزء من كتاب " قضية المرأة.. رؤية تأصيلية " صدر لها ضمن سلسلة كتاب الأمة، في قطر.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 03-04-2005, 03:32 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

المرأة المسلمة..بين (موضات) التغيير وموجات التغرير
فؤاد بن عبدالكريم العبدالكريم






بدأ الاهتمام بقضايا المرأة على المستوى العالمي بشكل واضح ابتداءً من عام 1975م [1]، حيث اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك العام (عام المرأة الدولي)، وأقيم في ذلك العام المؤتمر العالمي الأول للمرأة [2]، ثم في عام 1979م عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمراً تحت شعار (القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة)، وخرج المؤتمرون باتفاقية تتضمن ثلاثين مادة وردت في ستة أجزاء، للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بالمفهوم الغربي، وجاءت هذه الاتفاقية لأول مرة بصيغة ملزمة قانونياً للدول التي توافق عليها، إما بتصديقها وإما بالانضمام إليها.

وتعدُّ هذه الاتفاقية من أخطر الاتفاقيات المتعلقة بالمرأة؛ أولاً لأنها تعدُّ الدين شكلاً من أشكال التحيز ضد المرأة؛ وثانياً لأن فيها رسماً لنمط الحياة في مجالاتها المختلفة (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، والفكرية.. وغيرها من مجالات الحياة) بالمنظور الغربي لحقوق المرأة القائم على ركيزتي الحرية التامة والمساواة المطلقة؛ ولذلك كانت توصيات مؤتمرات المرأة اللاحقة تنطلق من هذه الاتفاقية وتعدُّها دستورها الأعلى؛ وثالثاً لأنها الاتفاقية الوحيدة الملزمة للدولة التي توقِّع عليها بتنفيذ بنودها كما تمت لإشارة إلى ذلك، وعدم التحفظ على أي بند منها.

وحيث إن المرأة المسلمة لم تتطبع بالأنموذج الغربي بالسرعة المطلوبة وبالتواريخ التي كانت المؤتمرات السابق ذكرها تضعها في أجندتها؛ فقد اتُخذت عدة خطوات من أجل سرعة تفعيل تغريب المرأة المسلمة، ويمكن تأريخ هذه الخطوات ابتداء من عام 2000م، وهو العام الذي حددته الأمم المتحدة موعداً نهائياً لتوقيع جميع الدول على اتفاقية « القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ».

ومن تلك الخطوات:

- عقد مؤتمرات قمة للمرأة على مستوى قرينات رؤساء وملوك الدول العربية: وقد أقيمت قمتان؛ الأولى في القاهرة بمصر، والثانية في عمان بالأردن.

وقد انبثق عنها عدة مؤتمرات إقليمية ناقش كل منها موضوعاً خاصاً، كالمرأة والإعلام، والمرأة والتعليم، والمرأة والتنمية.. إلخ.

- إنشاء مؤسسات خاصة بشؤون المرأة على أعلى مستوى: مثل: المجلس القومي للمرأة بمصر، والمجلس الأعلى لشؤون المرأة في بعض دول الخليج، كالبحرين وقطر.

وبعد أحداث 11/9/ 2001م، وما تلاه من تداعيات؛ حدثت تحولات عالمية كبيرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حيث سعت إلى إحداث تغييرات واسعة، كان لها الأثر الواضح في تدخلها على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي للمنطقة العربية والإسلامية أفغانستان مثال ظاهر في هذا الشأن، إلا أن الأمر لم يقتصر على المجالات السابقة، بل شمل أيضاً المجال الاجتماعي متمثلاً بالمرأة وقضاياها، فالولايات المتحدة الأمريكية القطب الأوحد في العالم هذه الأيام استغلت ما أسمته « حرب الإرهاب »، واستلمت زمام الترويج لما يسمى حقوق المرأة، وأخذت تبشر دول المنطقة وشعوبها بالديمقراطية الأمريكية، والتي تقوم - في جانبها الاجتماعي - على المساواة بين الجنسين، والتحرر الجنسي، والمثلية الجنسية - الشذوذ الجنسي -، وإباحة الإجهاض، كما أشار إلى ذلك « رونالد إنغلهارت » [3] في مقال له بعنوان: « الصدام الحقيقي بين الحضارات » في

مجلة (fp) الأمريكية [4].

وقد كانت هناك تصريحات أمريكية نادت وما زالت إلى هذا اليوم تنادي بوجوب حصول المرأة المسلمة على حقوقها بالمفهوم الغربي المخالف للإسلام، وهذه التصريحات على مستوى الرئاسة الأمريكية؛ بدءاً من بوش ومروراً بوزير خارجيته، وكبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية.

وسأنقل الآن بعض هذه التصريحات، مرتبة ترتيباً زمنياً، وإن كان في بعضها شيء من التفصيل؛ وذلك لبيان صفاقة هؤلاء القوم في عزمهم فرض مفهوماتهم وقيمهم الاجتماعية على دول المنطقة، مستغلين هيمنتهم على العالم من جهة، وضعف حال الأمة الإسلامية، ووجود طابور من المنافقين والمنافقات الذين يستجدون هؤلاء القوم لتحقيق أهوائهم وشهواتهم من جهة أخرى.

أولاً: « إبريل بالمرلي » كبيرة المنسقين لقضايا المرأة الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية:

حيث ألقت كلمة بعنوان: « النساء في مجتمع عالمي »، وذلك في مؤتمر بإستانبول بتركيا بتاريخ 19/9/2002م.

وكان مما قالته: « كما أسهم سقوط نظام طالبان وما كان له من تأثير فوري على حياة النساء والبنات في أفغانستان في زيادة وعي الناس لأهمية الحكم التمثيلي الواسع القاعدة، وأهمية صيانة حقوق الإنسان لجميع المواطنين. ومن الناحية السياسية، ركزت الانتخابات التي شكلت معلماً فاصلاً في أماكن مثل البحرين والمغرب الانتباه على مشاركة المرأة في الحياة السياسية ».

وقالت أيضاً: « وصيانة حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من المجتمع العالمي، وحقوق المرأة حقوق إنسانية. وعليه فإننا نستطيع، عبر الترويج لحقوق المرأة، تحسين حياة النساء وعائلاتهن ومجتمعاتهن. ولكن ضمان حقوق المرأة لا يفيد أفراداً وعائلات فقط. بل هو يعزز الديمقراطية، ويدعم الازدهار، ويزيد الاستقرار، ويشجع التسامح. وهو في صميم بناء مجتمع مدني متقيد بالقانون يشكل شرطاً لا غنى عنه للديمقراطية الحقيقية. وقد أعربت الولايات المتحدة عن التزامها بالترويج لحقوق المرأة في جميع أنحاء العالم؛ عبر إنشائها مكتب (كبير منسقي قضايا المرأة الدولية) التابع لوزارة الخارجية، وهو المكتب الذي أرأسه.

وكما قال وزير الخارجية، كولن باول، (إن دفع عجلة قضايا المرأة في جميع أنحاء العالم ليس فقط أمراً متناسقاً مع القيم التي يؤمن بها الشعب الأميركي إيماناً عميقاً، وإنما هو أيضاً في مصلحتنا القومية إلى حد كبير أيضاً). ويجتهد مكتبي في إعلام الناس في الولايات المتحدة وفي الخارج بالحاجة الملحة إلى الاعتراف بحقوق المرأة حول العالم.

أما أهدافنا فهي:

- دفع عجلة مفهومات حقوق المرأة الإنسانية، وتمكين النساء ومنحهن سلطة؛ كعنصرين مهمين في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

- دمج هذا الهدف في السياسات، وتحويله إلى جزء من مؤسساتها عن طريق الدبلوماسية العامة، وبرامج التبادل المحلية والدولية، وتدريب العاملين في السلك الخارجي (الدبلوماسي).

- تشجيع الحرية والإيمان والأسواق الحرة عبر برامج تروّج لقضايا المرأة.

- إنشاء شراكات وتحالفات مع الحكومات الأخرى، والمؤسسات الدولية، والمنظمات غير الحكومية المحلية والخارجية، والقطاع الخاص؛ لصيانة هذه المصالح.

ويعمل مكتب (كبير منسقي قضايا المرأة الدولية) على تحقيق مزيد من الترابط والجلاء لهذا البرنامج السياسي، فنحن نروج لمجموعة كبيرة من المشاريع بالتعاون مع المكاتب المختلفة في وزارة الخارجية وغيرها من الكيانات الحكومية الأميركية، بإسهامات من المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية وحتى القطاع الخاص. وقد كان بعض أهم ما قمنا به حتى الآن دورنا القيادي في قضايا المرأة الأفغانية البالغة الأهمية، والتي تحظى باهتمام واسع عن طريق العمل مع الحكومة الأفغانية، وإنشاء المجلس النسائي الأميركي الأفغاني.

وعلاوة على ذلك؛ زودنا المشرعين الأميركيين بمعلومات حيوية عبر تقريرنا الشامل للكونجرس عن دعم الولايات المتحدة للنساء والأطفال واللاجئين الأفغان.

وقد عانت النساء الأفغانيات بشكل مؤلم أثناء الحرب، وأثناء قمع نظام طالبان القاسي أيضاً. وتقوم الحكومات المانحة حالياً بدعم المرأة الأفغانية الشجاعة أثناء سعيها إلى المشاركة في إعادة إعمار بلادها. وينبغي أن تكون قضايا المرأة في طليعة جهود إعادة الإعمار في أي مجتمع يمر بفترة ما بعد النزاع ».

وقالت أيضاً: « وعلى نطاق أوسع، حدد مكتبي ثلاثة مجالات عامة للسياسة سوف نستهدفها في جهودنا القادمة. وهذه المجالات هي:

- المشاركة السياسية للمرأة.

- المشاركة الاقتصادية للمرأة.

- الاتصال والتواصل مع النساء في الدول التي يشكل المسلمون غالبية سكانها.

وقد حددنا تحديات مختلفة حول العالم نقوم حالياً بدراستها وإجراء الأبحاث حولها، كما نعمل على إقامة اتصالات لمساعدة الحكومة الأميركية في التشجيع على اتخاذ إجراءات في هذه المجالات ».

ومما قالته: « وأذكر على سبيل المثال أن نصف عدد النساء العربيات اليوم لا يستطعن القراءة أو الكتابة. وهذا يعني في الواقع أن تلك الدول تحرم نفسها من إبداع وإنتاجية نصف سكانها. ولا يمكن لأي بلد أن ينعم بالازدهار في مثل هذه الظروف، وقد ربط تقرير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة حول التنمية البشرية في العالم العربي فعلاً، وإلى حد ما، بين تخلف الاقتصادات العربية وإخفاق الدول في تطوير طاقات نسائها. ونحن ملتزمون بالمساعدة في معالجة هذا الهدر للإمكانيات البشرية.

وكما قال الوزير باول: « إن الأمر ليس مجرد الرأي العام، بل هو حقيقة واضحة: إن الدول التي تعامل النساء بكرامة، وتمنح المرأة حرية اختيار الطريقة التي تريد أن تعيش حياتها فيها، وتمنحها حصولاً متساوياً (مع الرجل) على الخدمات الأساسية، وتمنحها فرصة متساوية للإسهام في الحياة العامة.. إن هذه الدول هي الدول الأكثر استقراراً وقابلية للحياة والنمو، وقدرة على مواجهة تحديات القرن الجديد، وإن هذه الدول هي الدول التي سندعمها ».

ولهذا السبب خاصة أُعلن اليوم أن مكتبي سيعقد اجتماعاً في العام القادم لجميع وزراء شؤون المرأة في كل أنحاء العالم لتناول تحدياتنا المشتركة، وتشاطر الحلول الخلاقة، وتعزيز وصيانة القضايا التي تهم المرأة. وسوف ندعم أولئك الذين يتوقون إلى حكومات تمثيلية عريضة القاعدة. ولن تجد الدول صديقاً أفضل من الولايات المتحدة أثناء تقدمها نحو مستقبل يتصف بقدر أكبر من الحرية، وقدر أكبر من التسامح » انتهى [5].

فكبيرة المنسقين لقضايا المرأة الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية؛ أبانت بشكل واضح أهداف السياسة الأمريكية تجاه نساء المنطقة، ووضعت برامج العمل، وحددت الوسائل لتنفيذ هذه الأهداف، وضربت بعض الأمثلة على ذلك.

ثانياً: « ستفين جي هادلي » نائب مستشار الرئيس بوش للأمن القومي:

حيث استعرض في واشنطن بتاريخ 19/2/2003م الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس بوش لأجل بناء عالم أكثر أمناً وأفضل من وجهة نظره، وعلى الأخص في الشرق الأوسط، وأفغانستان، والعراق.

فكان مما قاله: « إن الرئيس بوش أعاد تأكيد وقوف الولايات المتحدة إلى جانب ما سماه (مطالب الكرامة الإنسانية غير القابلة للمساومة)، وهي: حكم القانون، وتحديد سلطة الدولة، وحرية التعبير، وحرية العبادة، والمساواة أمام القضاء، واحترام المرأة، والتسامح الديني والإثني، واحترام الملكية الخاصة ».

وأضاف هادلي: « إن هناك بدايات واعدة بالإصلاح والانفتاح في العالمين العربي والإسلامي، وبنوع خاص في البحرين، والأردن، والمغرب، وقطر، وأفغانستان » [6].

ثالثاً: « كولن باول » وزير الخارجية الأمريكي:

فقد أصدر بياناً بمناسبة صدور تقارير حقوق الإنسان السنوية لوزارة الخارجية الأمريكية، وذلك في واشنطن بتاريخ 4/3/2003م، حيث قال في هذا البيان: « إن الرئيس بوش والكونجرس والشعب الأميركي متَّحدون في قناعتهم بأن الدعم الفعال لحقوق الإنسان يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من السياسة الخارجية الأميركية. والولايات المتحدة ستكون صديقاً ثابتاً للرجال والنساء حول العالم الذين يتجرؤون على السعي إلى تحسين الامتثال إلى معايير دولية لحقوق الإنسان داخل بلدانهم خاصة وفي العالم أجمع.

إن حكومة الرئيس بوش تعمل بالتعاون مع الحكومات والمنظمات ما بين الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والأفراد، للمساهمة في جعل أداء الحكومات حيال حقوق الإنسان منسجماً مع الأعراف الدولية.

إننا نتبنى بإقدام جدول أعمال عريض لحقوق الإنسان على الأصعدة الدولية والإقليمية والثنائية، وينطوي ذلك على تعزيز المجتمع المدني، ونشر مبدأ الحكومات الخاضعة للمحاسبة، والعدالة المتكافئة، والإصلاح القضائي، وحرية الصحافة، والحرية الدينية، والتسامح، وحقوق العمال، وحماية الأطفال، وحقوق النساء والأقليات ».

إلى أن قال: « وفي الوقت ذاته، فإننا لن نتراخى في التزامنا بترويج قضية حقوق الإنسان والديمقراطية. فالعالم الذي يمكن فيه لكل رجل وامرأة من كل قارة، وكل ثقافة، وكل معتقد، وكل عرق، وكل ديانة، وكل منطقة أن يمارسوا حرياتهم الأساسية هو عالم لا يمكن للإرهاب أن يروج فيه » [7].

رابعاً: « رتشارد وول » العضو الشعبي في الوفد الأميركي إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وهو محام يعمل في المعهد الجمهوري الدولي:

حيث ألقى خطاباً في الدورة السنوية التاسعة والخمسين للجنة حقوق الإنسان حول موضوع « البند [ 10 ]: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية » بجنيف، وذلك في 7/4/2003م، قال فيه [8]: « إن الولايات المتحدة ملتزمة بتوفير الأوضاع الملائمة للأفراد لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الداخل والخارج ».

إن نسبة مئوية كبيرة من المساعدات الخارجية الأميركية تستهدف استراتيجيات التنمية الخاصة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومما قال في هذا الخطاب: « ينبغي ألا تكون هناك أي فكرة خاطئة عن موقف الولايات المتحدة من هذه القضية، فنحن كأمة ملتزمون بتوفير الأوضاع المناسبة للأفراد لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في الداخل والخارج. فنحن ندرك أهمية القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لاستراتيجيات التنمية الشاملة، ولذلك فإن نسبة كبيرة من المساعدات الخارجية تصب في هذا الاتجاه. فقد طلب الرئيس للسنة المالية التي تبدأ في تشرين أول / أكتوبر ما يزيد على ألفي مليون دولار لبرامج المساعدات الجديدة. وكان الرئيس قد أعلن العام الماضي حساب تحدي الألفية الذي يتعهد بزيادة إجمالي مساعداتنا المخصصة للتنمية إلى خمسة آلاف مليون دولار خلال ثلاث سنوات للدول التي تحقق معايير الحكم الجيد والاستثمار في صحة مواطنيها ورعايتهم الاجتماعية ».

* مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية:

هذا وقد صدر عن وزارة الخارجية الأميركية خطة مبادرة شراكة أميركية شرق أوسطية، سميت « بيان حقائق عن وزارة الخارجية » [9]، وذلك بتاريخ 3/4/2003م؛ تتكون هذه المبادرة من موجز وثلاث محاور أساسية، هي: التعليم - الإصلاح الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص - تقوية المجتمع المدني، وكان لنساء الشرق الأوسط في هذا البيان نصيب من التدخل الأمريكي.

جاء في موجز هذه الشراكة أنها ستعمل مع حكومات وشعوب العالم العربي؛ لزيادة الفرص الاقتصادية، والسياسية، والتعليمية للجميع.

وستتضمن المبادرة أكثر من ألف مليون دولار من المساعدات التي تقدمها الحكومة الأميركية للدول العربية سنوياً.

كما أن الولايات المتحدة تقوم حالياً بتخصيص 29 مليون دولار كتمويل مخصص لبرامج المبادرة لدعم الإصلاح في كل مجال من المجالات الثلاث التي سبق ذكرها.

جاء في موجز هذا البيان ما نصه: « إن المبادرة شراكة، وسنعمل بصورة وثيقة مع حكومات العالم العربي والمانحين الآخرين والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية.

وسنقوم كجزء من هذه المبادرة بمراجعة برامج المساعدة الأميركية الحالية في المنطقة لضمان كون مساعداتنا تصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس في جميع أنحاء المنطقة، مع تأكيد خاص على النساء والأطفال.

كما أننا نريد ضمان كوننا نقدم أكثر الإعانات الممكنة تأثيراً وفعالية. وسنستخدم التسعة والعشرين مليون دولار لإقامة برامج رائدة جديدة في كل من مجالات المبادرة التي تحظى بالأولوية. وعلاوة على ذلك، سنطور في كل مجال من المجالات التي تحظى بالأولوية مشاريع تهدف بشكل محدد إلى تمكين النساء وزيادة الفرص المتاحة للشباب. وسيشغل نائب وزير الخارجية، « رتشارد آرميتيج » منصب منسق المبادرة. وسيدير المبادرة مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع لوزارة الخارجية ».

وأما ما يتعلق بمحور التعليم فأبرز ما يمكن ذكره أن هذه المبادرة ستوفر برنامج «شراكات في سبيل العلم » لتشاطر المعرفة مع جميع شرائح المجتمع في الشرق الأوسط عن طريق برامج مثل: ورشة عمل جامعة ولاية جورجيا لقادة المنظمات غير الحكومية من المملكة العربية السعودية، والكويت، واليمن، والإمارات العربية المتحدة.

وكذلك سيكون هناك برامج تركز على تحسين حياة البنات والنساء من خلال التدريب على القراءة والكتابة، وتقديم المنح للبقاء في المدارس، وتعليم اللغة الإنجليزية.

وسيكون هناك منح للحصول على شهادة البكالوريوس في الولايات المتحدة وفي الجامعات الأميركية الموجودة في المنطقة، مع التركيز على التخصص في حقول كالاقتصاد والتربية والتعليم وإدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات والعلوم.

وأما محور الإصلاح الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص، فأبرز ما سيقدمه للمرأة: « مِنَح وزارة التجارة الجديدة الخاصة للتدرُّب في مؤسسات أعمال أميركية، وهي المنح التي ستؤمن تدريباً في شركات أميركية، وستركز أيضاً على إنشاء شبكات وفرص تدريب لسيدات الأعمال من الشرق الأوسط ».

* أبرز التغيرات التي طرأت في قضايا المرأة المسلمة:

كان للتدخل الأمريكي السافر في شؤون المرأة المسلمة عموماً والعربية خصوصاً، بالإضافة إلى نشوء بعض المجالس العليا الخاصة بالنساء في بعض البلاد العربية ـ التي تمت الإشارة إليها في بداية المقال ـ أثر في ظهور متغيرات سريعة ومفاجأة ومتتابعة في تنفيذ بعض القضايا والتوصيات التي نصت عليها الاتفاقيات والمؤتمرات الصادرة عن الأمم المتحدة.

وسأشير إلى أهم القضايا التي حدث فيها التغير في بعض الدول العربية، ودور الولايات المتحدة الأمريكية وبعض المنظمات الغربية في هذا التغير وتشجيعه، حسب ما يتيسر:

أولاً: المشاركات السياسية:

أشرت في بداية المقالة إلى المادة السابعة والثامنة من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، والتي فيها إشارة إلى الحقوق السياسية للمرأة.

وقبل أن أتحدث عن مدى ما تحقق من مشاركة سياسية للمرأة في بعض البلدان العربية، ومدى تشجيع ودعم الأمم المتحدة وأمريكا لهذه المبادرات الجريئة؛ أحب أن يطلع القارئ الكريم على اتفاقية صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل حوالي خمسين عاماً [10]، وتحديداً بتاريخ 20/12/1952م؛ وذلك لالتصاقها الوثيق بموضوعنا.

وعنوانها: (اتفاقية خاصة بشأن الحقوق السياسية للمرأة)، جاء فيها: « إن الأطراف المتعاقدة، رغبة منها في إعمال مبدأ تساوي الرجال والنساء في الحقوق الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، واعترافاً منها بأن لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، سواء بصورة مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون في حرية، والحق في أن تتاح له على قدم المساواة مع سواه فرصة تقلد المناصب العامة في بلده، ورغبة منها في جعل الرجال والنساء يتساوون في التمتع بالحقوق السياسية وفي ممارستها؛ طبقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد قررت عقد اتفاقية على هذا القصد، وقد اتفقت على الأحكام التالية:

المادة الأولى: للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات؛ بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز.

المادة الثانية: للنساء الأهلية في أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز.

المادة الثالثة: للنساء أهلية تقلد المناصب العامة، وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز ».

وقد ركزت الولايات المتحدة في الأشهر القليلة الماضية على هذه القضية كثيراً، فصدرت عدة تصريحات من مسؤولين أمريكيين تدعو إلى المشاركة السياسية للمرأة، وتشجع على المبادرات التي طبقت في بعض البلاد العربية.

وفي مؤتمر، عقد بالعاصمة الأمريكية واشنطن، تم دعوة 50 سيدة من الشخصيات النسائية العربية [11]؛ من الناشطات في العمل النسائي والصحفي من 14 دولة عربية. وقد تقدمت ابنة نائب الرئيس الأمريكي تشيني إليزابيث في هذا الجانب بفكرة حازت إعجاب الإدارة الأمريكية التي تحاول ليس السيطرة على المنطقة العربية فحسب، بل تسعى إلى السيطرة على العقول وفرض ثقافتها بالقوة على الدول العربية، حيث تم إقرار البرنامج تحت عنوان: « الإصلاح الديمقراطي بمنطقة الشرق الأوسط » رصدت له الإدارة الأمريكية خمسة مليارات دولار تشرف عليه إليزابيث بنفسها؛ بزعم تحسين أوضاع المرأة والديمقراطية والتعليم، بالإضافة لما هو معلن إلى برنامج آخر رصدت له عشرين مليون دولار بهدف توسيع هامش الديمقراطية والمشاركة في الإصلاح بالمنطقة والذي يعتمد على استضافة شخصيات عربية معروفة بانتمائها النقابي والحزبي والثقافي وتبادل الآراء بينها وبين الخبراء والمستشارين بالإدارة الأمريكية، آخرها جولة بين 19/10/ 2002 م و7/11/2002م، تم فيها دعوة سيدات عربيات.

وقد نظم للمدعوات رحلات على مدى 14 يوماً بخمس ولايات، كما وزعن على مجموعات عمل صغيرة، وجرى إطلاعهن على الدور الذي تقوم به المرأة الأمريكية في عملية الانتخابات، في الترشيح وتنظيم الحملات الانتخابية وإدارتها.

كما عملن بعض الوقت مع المعهد الديمقراطي الوطني، ونظيره المعهد الجمهوري الذي يشرف على الحملات الانتخابية.

وعقد لقاء في واشنطن بين المدعوات وبين إليزابيث تشيني وعدد من زوجات نواب الكونجرس من المنتميات إلى جماعات الضغط الصهيونية في حضور شارلوت بيرس مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للعلاقات العامة. وقد قامت السيدات العربيات بسرد حالات الإحباط السياسي والقهر التي يعانين منها في بلادهن.

وتناولت وسائل الإعلام الأمريكية اللقاء خاصة صحيفة « الواشنطن بوست » في عددها الصادر في الرابع من نوفمبر، حيث كتب بيتر سلفين مقالاً بعنوان « الإعداد للديموقراطية » لخص فيه الهدف من الندوة، وجاء فيه أن قرابة خمسين امرأة عربية تحدثن في واشنطن عن إحباطهن من السياسات في دولهن، ويشعرن بالإحباط والقهر في ظل الأنظمة العربية القائمة؛ زاعمة أنه يتم قمع رغباتهن في العمل السياسي، وأعربت السيدات عن استيائهن من سياسة بلادهن التي تمنعهن من مزاولة أي نشاط، وابتكار حكوماتهن العراقيل بينهن وبين وصولهن للسلطة.

وهذه (إلين سوربري) ـ سفيرة الولايات المتحدة ومندوبتها إلى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بأوضاع المرأة [12] ـ تصرح في كلمة ألقتها في الدورة التاسعة والخمسين للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف في 10/4/2003م، بأن: « توسعة مشاركة النساء السياسية في جميع أنحاء العالم هدف مهم آخر؛ ذلك أن تعزيز حقوق النساء من خلال المشاركة السياسية يحسن ليس فقط حياة النساء وإنما حياة عائلاتهن أيضاً، ويحسن المجتمعات المحلية والمجتمع الكبير في جميع أنحاء العالم، ولا يمكن لأي دولة أن تصبح ديمقراطية حقة إن كان يتم تعمد إخماد صوت أكثر من نصف سكانها. فبناء مجتمعات جيدة التنظيم يستدعي الإصغاء إلى آراء القطاع النسائي كمجموعة وأخذها بعين الاعتبار في العملية السياسية ».

* ومن الدول التي كانت للمرأة فيها مشاركات سياسية:

بعض دول الخليج - دولة قطر -، فقد جاء تعيين أول امرأة وزيرة في قطر [13] بل أول امرأة في الخليج تتبوأ حقيبة داخل مجلس الوزراء بعد أيام على الاستفتاء الشعبي الذي أُقر أول دستور لقطر في 29/4/2003م.

وأكد الدستور القطري الأول منذ عام 1971م الذي أُقر بعد استفتاء عام، حق المرأة القطرية بأن تَنتخِب وتُنتخَب، وحقها بإقامة حياة برلمانية؛ عبر إنشاء مجلس شورى من 45 عضواً يُنتخب ثلثاه بالاقتراع المباشر.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عيَّن أمير قطر شقيقته نائبة لرئيس مجلس إدارة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بدرجة وزير، إلا أنها لم تتسلم أي منصب حكومي.

كما وصلت امرأة إلى المجلس البلدي في قطر في إثر الانتخابات التي جرت في أبريل عام 2002م. وشاركت النساء للمرة الأولى في الانتخابات البلدية في مارس عام 1999م.

وقد حازت هذه التغييرات السياسية للمرأة في قطر على إعجاب الرئيس الأمريكي جورج بوش [14]، حيث أثنى على أمير قطر، أثناء زيارته للبيت الأبيض في 8/5/2003م، فقال: « وقد أعطى الأمير أيضاً مثلاً قوياً على ما هو ممكن في ذلك الجزء من العالم الذي ينتمي إليه، إنه مصلح، وقد طور دستوراً جديداً يسمح للمرأة بأن تدلي بصوتها، وأدخل النساء في وزارته، إنه زعيم عظيم، وهو يؤمن بقوة بالتعليم، فالمواطنون المتعلمون هم الأكثر احتمالاً بأن يحققوا أحلامهم ».

أما في البحرين: فقد نص تقرير وزارة الخارجية الأميركية [15] عن حقوق الإنسان في مملكة البحرين للعام 2002م الصادر عن الوزارة في 13/3/2003م على أن الملك عيّن ست نساء في مجلس الشورى، ويحق للنساء التصويت والترشح للمراكز المنتخبة، وبعض النساء ترشحن في العمليتين الانتخابيتين، لكن لم تفز واحدة منهن بمقعد، ورغم أن أي امرأة لم تنتخب في المجالس البلدية أو النيابية، إلا أن الدستور يمنح المرأة حق المشاركة، وكان هذا موضوعاً تردد مراراً في البيانات العامة للملك وولي العهد. وقد جاءت نسبة الاقتراع في الانتخابات البلدية في مايو بحدود 51%؛ كما أن حوالي 52% من الذين اقترعوا كانوا من النساء. أما نسبة الاقتراع في انتخابات تشرين الأول / أكتوبر، فكانت بحدود 53%، حسب الأرقام الحكومية؛ ولم تنشر الحكومة عدد النساء اللواتي اقترعن. علماً أن الحكومة البحرينية لا تضم أي امرأة.

أما في دولة عُمان [16]؛ فإن للمرأة حق المشاركة الانتخابية إذا بلغت 21 عاماً، حيث سيتم فتح المجال كاملاً أمام المرأة في المشاركة في العملية الانتخابية دون تقييده بنسبة معينة.

وقد عين السلطان قابوس بن سعيد في مارس من هذا العام رئيسة للهيئة العامة لشؤون الحرفية [17]، بدرجة وزير. وتشغل امرأتان مقعدين في المجلس الاستشاري العماني، وقد انتخبتهما هيئة مؤلفة من رؤساء القبائل والأعيان من كل أنحاء السلطنة.

وأما في دولة الكويت فقد أصدر أميرها في شهر مايو من عام 1999م مرسوماً أميرياً [18] يمنح المرأة الكويتية حقوقاً سياسية كاملة بحلول عام 2003م، لكن البرلمان المكون برمته من الرجال لم يوافق على الإجراء حين صوت 32 عضواً ضده مقابل 30 عضواً صوتوا إلى جانبه في وقت لاحق من ذلك العام.

ولا يوجد في الكويت مناصب سياسية كبيرة تشارك فيها المرأة إلا منصب سفير، رغم المحاولات المستميتة من قبل بعض الكويتيات للمشاركة في الانتخابات البرلمانية؛ ولأجل ذلك كان هناك تنسيق بين بعض أولئك النسوة وبين جهات أمريكية من أجل التدرب وتلقي الدعم الأمريكي في هذا الجانب.

فقد توجه وفد نسائي يضم عشر كويتيات [19] إلى « واشنطن » لحضور ما يسمى بالبرنامج المكثف لتطوير المهارات القيادية والشخصية واتخاذ القرارات لدى النساء اللائي يتبوأن مناصب مهمة.

وقالت عضو الوفد الدكتورة « رولا دشتي » إن البرنامج استمر لمدة عشرة أيام بدأ من 26/1/2003م حتى 7/2/2003م.

وأوضحت أن البرنامج منظم من قِبَل « معهد قيادة الأصوات الحيوية العالمي » في واشنطن برئاسة السيناتور « هيلاري كلينتون » قرينة الرئيس الأمريكي السابق « بيل كلينتون » وزميلتها السيناتور « كاي هيوتشيسون » من الحزب الجمهوري بالتعاون مع برنامج الزائرين الدوليين في وزارة الخارجية الأمريكية.

وقد نُظمت حلقة النقاش التي حملت عنوان « وضع المرأة في الكويت: تحديات وتغيرات تلوح في الأفق » بالتعاون مع « أصوات حيوية [20] » voices vital، وتهدف إلى هذه الحلقة إلى مساعدة نساء الكويت في إنجاز حقهن في التصويت والترشيح للانتخابات النيابية، وإلى زيادة إشراك النساء في الحياة العامة ومؤسسات المجتمع المدني عبر تدريب الزعامات النسائية في المنظمات غير الحكومية.

هذا وقد أقيمت في شهر مارس من هذا العام الميلادي ندوة في الدوحة [21] تحت عنوان « دور المرأة الخليجية في الحياة البرلمانية والسياسية » شاركت فيها كل من الإماراتية الدكتورة « موزة غباش »، والكويتية الدكتورة « بدرية العوضي »، والبرلمانية الأردنية « توجان الفيصل ».

وقد تحدثت الندوة عن قضية المرأة الخليجية من عدة أوجه كمشكلات دخولها الحياة السياسية، والعراقيل ومكمن الخلل، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على الجانب التاريخي القانوني والدستوري لدول مجلس التعاون الخليجي، ومدى دعم هذه الدساتير لحقوق المرأة.

أما بالنسبة لمصر فإن مشاركتها النسائية السياسية متقدمة على مستوى الدول العربية: فقد أصبح حقل الدبلوماسية المصرية حافلاً بالموظفات من النساء، بعد أن صارت هناك امرأة دبلوماسية بين كل ستة رجال، الأمر الذي بات معه الرجال يخشون من احتكار النساء للوظائف الدبلوماسية!!

ووفقاً لإحصاءات وزارة الخارجية المصرية [22]؛ فإن النسبة في ازدياد مستمر؛ فقد التحق بالسلك الدبلوماسي مؤخراً 15 امرأة مقابل 21 رجلاً فقط، وهي النسبة الأعلى من نوعها منذ نحو نصف قرن، الأمر الذي يفسر بأنه يشكل تقدماً نسائياً مقابل تراجع الرجال في هذا المضمار.

وتشير هذه الإحصاءات إلى وجود 12 رئيس بعثة دبلوماسية من النساء، بينما تزيد النسبة في الدرجات الأقل؛ إذ إن سدس العاملين في السلك الدبلوماسي نساء، كما أن هناك سفيرة فوق العادة ضمن 11 سفيراً لمصر على مستوى العالم.

وتمضي إحصاءات الخارجية المصرية إلى القول إن عدد الدبلوماسيات بلغ 161 امرأة من أصل 900 دبلوماسي يشكلون واجهة مصر أمام دول العالم، وأن هناك 14 سفيرة و7 قناصل يشكلون 15% من مجمل رؤساء البعثات بالخارج، مشيرة إلى أن هناك 37 سفيرة من الفئة الممتازة، و17 وزيراً مفوضاً و23 مستشاراً، و18 سكرتيراً أول، و30 سكرتيراً ثانياً وثالثاً و45 ملحقاً.

وتجدر الإشارة إلى أن الدكتورة « فايزة أبو النجا » تشغل منصب وزيرة الدولة للشؤون الخارجية، وهو منصب وزاري مستحدث في التشكيل الحكومي الأخير في مصر، وهو خلاف منصب وزير الخارجية، وإن كان هناك من يرى تداخلاً في الأمر، غير أن « فايزة أبو النجا » تنفي ذلك مؤكدة أنها تعاون « ماهر » في القيام بمهام العمل الدبلوماسي الخارجي في ختام مشوارها الدبلوماسي الذي كلل بأول حقيبة وزارية من نوعها عربياً. كما أن هناك عضوات بمجلس الشعب المصري.

كما أنه صدر قرار رئيس الجمهورية المصرية بتعيين الأستاذة « تهاني الجبالي » أول قاضية في مصر في العصر الحديث، وقد حدث هذا الأمر بعد محاولات استمرت أكثر من 50 عاماً من تقديم أول طلب لتولي منصب القضاء من الدكتورة عائشة راتب آنذاك، وقد تم رفض طلبها وتقدمت برفع دعوى لمجلس الدولة لشرح هذا الموضوع.

ويأتي هذا القرار بتعيين أول قاضية في مصر بالمحكمة الدستورية العليا كقاضي جالس.

هذا وقد أقام المركز المصري لحقوق المرأة احتفالاً بهذه المناسبة شاركت فيه مؤسسات دولية، مثل مؤسسة « كونراد أديناور »، واللجنة الفرعية للدول المانحة وممثليها « أ / آرلت أوزاريان ».

وعلى الرغم من ذلك فما زالت الحركات النسائية ومراكز المرأة في مصر تسعى إلى تمثيل أكبر في الانتخابات والمشاركات السياسية، وذلك من خلال إقامة المنتديات والمؤتمرات الداخلية والخارجية حول هذا الأمر.

وأذكر مثالاً واحداً على مؤتمر أقامته « جمعية نهوض وتنمية المرأة المصرية » [23] بعنوان « المشاركة السياسية للمرأة: الواقع والتحديات » وذلك بتاريخ 6/2003م، حيث حضر المؤتمر د. « فرخندة حسن » الأمين العام للمجلس القومي للمرأة، ود. « أمينة الجندي » وزيرة الشؤون الاجتماعية، ود. « مؤمنة كامل » أمينة المرأة بالحزب الوطني الديمقراطي.

ويهدف المؤتمر إلى التأكيد على أهمية ما يسميه المشاركة السياسية للمرأة ودورها في تحقيق التنمية المستدامة، مع إلقاء الضوء على النماذج الناجحة للنساء في العمل العام والعمل السياسي.

وقد صرَّحت د. « إيمان بيبرس » ـ رئيسة الجمعية ـ أنه تم من خلال المؤتمر تكريم عضوات مجلس الشعب، وعرض تجاربهن، ورحلة وصولهن للمجلس، كما تم تكريم بعض عضوات المجالس الشعبية المحلية، ورئيسات المراكز والقرى.

كما أشير في مثال واحد أيضاً إلى التعاون الأمريكي مع نساء المنطقة، فقد بدأ « المركز المصري لحقوق المرأة » بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية usaid بالقاهرة التحضير لعقد ورشة عمل تحت عنوان: « ملتقى المرأة العربية »، والمزمع انعقادها في الفترة من أول مايو 2003م بالقاهرة.

وتهدف الورشة كما ينص الخبر [24] إلى دراسة أوضاع المرأة العربية، ووضع خطة عمل عملية لتطوير ودعم جهود المرأة في كل دولة عربية؛ وذلك بهدف تعزيز مشاركة المرأة في جهود التنمية على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وخاصة أن تقرير التنمية الإنسانية العربي الصادر عن الأمم المتحدة قد أكد على أن أسباب تراجع معدلات التنمية في المنطقة يعود لأسباب عدة، أهمها غياب الحرية وغياب تمكين المرأة.

وسوف يتم الحوار في هذه الورشة على محورين أساسيين:

المحور الأول: قانوني، ويكون ذلك بما يلي:

- مناقشة البيئة التشريعية التي تضع قيوداً على المرأة وتحد من مشاركتها، وتدريب مؤسسات المجتمع المدني على حشد الرأي العام؛ لتغيير السياسات والقوانين التي تنطوي على تمييز ضد المرأة، فضلاً عن القوانين التي تعوق عمل المؤسسات الأهلية.

- وضع استراتيجيات للتشبيك كخطوة للتغيير. وكخطوة أولى يمكن التركيز على المرأة والمواطنة، مثل: قانون الجنسية، الحق في تولي القضاء، حقوق التصويت وقانون الشرف « العقوبات ».

- وضع آليات تقييم ومتابعة التقدم على الصعيد القانوني للمرأة العربية.

المحور الثاني: سياسي، وذلك على النحو التالي:

- سوف يتم التركيز على مناقشة آلية زيادة مشاركة المرأة في مراكز صناعة القرار، مثل: تدريب القيادات، إدارة الحملات، وتنظيم الحملات الانتخابية.

- التركيز على تدريب مؤسسات المجتمع المدني على تطوير وتنفيذ برامج التعليم المدني وتشجيع النساء على المشاركة في التأثير على السياسات لتصبح مدعمة لحقوق المرأة.

- وضع آلية للرصد والتقييم للتطورات على الصعيد السياسي وتأثيرها على المرأة العربية.

ثانياً: ما يتعلق بالأحوال الشخصية:

وأبرز مثالين فيما يتعلق بالتغيير في أحكام الأحوال الشخصية، التي بقيت لم تطلها - إلى حد ما - يد القوانين الوضعية، ما حصل بالمغرب ومصر، من محاولات مستميتة؛ من أجل تغيير هذه الأحكام المبنية على الأحكام الشرعية، وإلباسها لباس الاتفاقيات والتوصيات الأممية المخالفة للفطرة، فضلاً عن مخالفتها للشريعة الإسلامية، من باب التحديث وحقوق المرأة ومسايرة العالم الغربي.

وأشير الآن بشيء من الاختصار إلى التغييرات التي حصلت في هاتين الدولتين المسلمتين، فيما يتعلق بهذا الأمر.

* المغرب:

وأبرز حدث في هذا الشأن ما يسمى: « الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية » [25] التي أعلنت في 19/3/1999م، وهذه الخطة جزء من مخطط دولي يهدف إلى فرض النموذج الغربي العلماني في العلاقات الاجتماعية والأسرية، وتعديل قوانين الأسرة (مدونة الأحوال الشخصية) لتتماشى معه.

ومما دعت إليه هذه الخطة: رفع سن الزواج لدى الفتيات من 15 إلى 18 سنة، وتقاسم الممتلكات في حالة الطلاق، وإلغاء تعدد الزوجات، وإضفاء الاختيارية على وجوب حضور ولي أمر المرأة عند الزواج.

وقد تم تنزيل هذه الخطة وبشكل متزامن في الكثير من الدول العربية والإسلامية (المغرب، النيجر، مصر، اليمن...)، هذا المشروع أعدته في المغرب وفي تكتم شديد (كتابة الدولة) المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة بالتعاون مع الجمعيات النسوية والأحزاب والمنظمات الحقوقية اليسارية، ودون استشارة باقي مكونات المجتمع المدني المعنية بقضايا الأسرة وعلى رأسها العلماء.

وقد هاجم الإسلاميون بشدة هذه الخطة، ورأوا فيها طريقة لنسف الأسس الإسلامية للمجتمع، وقد صدرت بيانات استنكارية لهيئات العلماء وبعض الجمعيات الأخرى.

وفي شهر أكتوبر من عام 2001م، طالبت « مجموعة ربيع المساواة » المغربية المكونة من تسع جمعيات نسائية الحكومة بإدخال تعديلات شاملة على مدونة الأحوال الشخصية بما يخدم حقوق المرأة في نظر هذه الجمعيات فتقدمت بمذكرة للحكومة كما ذكرت ذلك مسؤولة إحدى الجمعيات التسع [26] تتضمن تعديلات على مدونة الأحوال الشخصية، تقوم بالأساس على نبذ علاقة « الطاعة مقابل الإنفاق » التي تشكل جوهر المدونة الحالية، وتهدف إلى قيام علاقة الندية بين الرجل والمرأة عبر مراحل ثلاث، تبدأ عند الإقدام على الزواج، وتستمر أثناء الحياة الزوجية، وتنتهي بانتهاء تلك الحياة، وهي مجموعة مقتضيات مترابطة.

وأضافت المسؤولة أن مرحلة الإقدام على الزواج تنص على توحيد السن الدنيا للزواج، وهي 18 سنة كاملة بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء، وتمتع كل من المرأة والرجل بكامل الأهلية القانونية لإبرام عقد الزواج بنفسيهما، والنص على منع تعدد الزوجات.

وفيما يتعلق بمرحلة العلاقة الزوجية؛ فإن المذكرة تنص على تساوي الزوجين في الحقوق والواجبات، وتولّي الزوجين الإنفاق المشترك على الأسرة كل حسب إسهامه بما في ذلك العمل المنزلي، وتولي الزوجين معاً الإشراف المشترك على شؤون البيت، وتربية الأطفال، والولاية عليهم.

وعند وقوع الطلاق؛ فإن الجمعيات تقترح أن يحكم القاضي بالطلاق بعد تراضي الزوجين عليه، أو بناء على طلب أحد الزوجين بسبب ضرر متبادل، ثم التصرف المشترك في الممتلكات بأن يتم اقتسام الممتلكات التي امتلكها الزوجان أثناء الحياة الزوجية في حالة الطلاق أو الوفاة، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في تلك الممتلكات، وتوحيد شروط الحضانة وذلك بضمان حرية زواج الحاضن من الأبوين: رجل أو امرأة، وبقاء الحاضن من الأبوين في بيت الزوجية، وتوحيد سن المحضون ولداً أو بنتاً في 15 سنة.

وكانت مجمل التعديلات سالفة الذكر موضع خلاف شديد بين حكومة اليوسفي والقوى السياسية المحافظة، تتقدمها المجموعات الإسلامية، وذلك خلال عام 1999م، فحكومة اليوسفي عرضت آنذاك مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي تضمنت بنوداً تقضي بإدخال جل التعديلات السابقة على مدونة الأحوال الشخصية، إلا أن المجموعات الإسلامية في المغرب تصدت لهذا المشروع.

وقد عاشت البلاد آنذاك أجواء مواجهات بين عشرات الأحزاب والجمعيات والنقابات والمنظمات الحقوقية والمنتديات، والتيارات الإسلامية وأطراف محافظة أخرى، حول تحديد السن الدنيا للزواج بـ 18 سنة، وأحقية المرأة في تزويج نفسها، وهو ما يعني الاستغناء عن شرط الولي هذا الاستغناء يجيزه الأحناف لا المالكية، واقتسام الممتلكات التي كونها الزوجان أثناء الحياة الزوجية، وتمكين المرأة من حق طلب الطلاق، والسماح للمرأة الحاضنة بالزواج، ومنع تعدد الزوجات صراحة.

وفي ضوء تصاعد الأمور، حيث قام ما يربو على أربعين ألفاً من المطالبين بتنفيذ هذا المشروع بتظاهرة يطالبون فيها بإقراره، فهرع مليون ونصف من الشعب المغربي المسلم الغيور في تظاهرة مضادة يطالبون بوأد هذا المشروع المخالف للشرع والعرف المغربي [27]، عند ذلك بادر العاهل المغربي إلى استقبال جميع المنظمات والجمعيات النسائية من مختلف التيارات، وتم الاتفاق على تكوين لجنة من الخبراء والعلماء لتقدم إليه مقترحات في هذا الشأن، غير أنه حتى الآن لم تُقدّم أي حلول للقضايا محل الخلاف بين المنظمات النسائية والقوى الإسلامية.

يذكر أن الملك الحسن الثاني كان قد أدخل تعديلات مهمة على مدونة الأحوال الشخصية في مطلع التسعينيات الميلادية، دون أن يثير ذلك هذا المستوى من الخلاف، ومن أهم تلك التعديلات: منع زواج الشخص المتزوج إلا بإذن صريح ومكتوب من زوجته، وتوفر وثيقة طبية تثبت سلامة الشخص من أي مرض... وغيرها، وهي تعديلات جاءت تلبية لجزء من المطالب التي تقدمت بها الحركات النسائية آنذاك، كما كوّن الحسن الثاني لجنة من العلماء رفعت إليه اقتراحات في هذا الشأن، تبناها مباشرة، وقدمتها الحكومة في إطار مشروع قانون صادق عليه البرلمان.

وما زالت هذه الخطة مثار جدل إلى هذا اليوم، بين المغربيات المستغربات، والحركات النسائية الإسلامية، حيث نظمت مجموعة من الفتيات المؤيدات للخطة في الثامن من مارس لهذا العام 2003م (وهو الموافق ليوم المرأة العالمي) تجمعاً أمام البرلمان، نظمته لجنة التنسيق الوطنية للجمعيات النسائية، والتي تضم في عضويتها كل الحركات النسائية المشبوهة، ومجموعة من الجمعيات الحقوقية، وقد طالبن في هذا التجمع من خلال شعارات رفعنها بالحرية والمساواة في الحقوق مع الرجل، والإسراع بالمدونة الجديدة للأحوال الشخصية، وإخراج قانون جديد للأسرة ينص على احترام المرأة، ويدعو إلى التكافل، والمساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين، وإلغاء فصول التمييز الخاصة بالولاية في الزواج وأحكام الطاعة والخلع، والعودة القسرية لبيت الزوجية، وإلغاء تعدد الزوجات، واعتماد الطلاق القضائي، والحق المتساوي للطرفين في طلبه، وإلغاء الفصل الذي يقضي بإسقاط الحضانة عند زواج الحاضنة، واعتبار ممتلكات الأسرة المتراكمة خلال الحياة الزوجية ممتلكات مشتركة وخاضعة للقسمة المتساوية عند الطلاق أو الوفاة، واحتفاظ المطلقة أو المتوفى عنها ببيت الزوجية.

واتهمت الجمعيات النسائية الحكومة بالتراجع عن التزاماتها لتحسين أوضاع النساء الاجتماعية والاقتصادية والقانونية؛ لذلك ألحّت على الدولة المغربية بالتصديق على المواثيق الدولية، خاصة « العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية » في مواده [ 3 ] و[ 23 ]؛ قصد تحقيق المساواة في جميع القطاعات، مع توفير الآليات والإجراءات العملية لتفعليها.

كما دعت هيئات شبابية يسارية إلى القيام بوقفة جماعية صامتة في اليوم العالمي للمرأة [28]، لمدة نصف ساعة، وبلباس موحد أسود اللون!! أمام قبة البرلمان، تحت شعار « لا لمدونة رجعية، لنتحد شابات وشباباً؛ من أجل قانون حداثي، يضمن للنساء كامل الحقوق » !!

* مصر:

وأما ما يتعلق بمصر؛ فإن أبرز ما حدث في هذا الشأن يتعلق بتعديل قانون الأحوال الشخصية، فقد ناقش مجلس الشعب المصري في منتصف شهر يناير من عام 2000م إدخال تعديلات جوهرية على بنود القانون الذي يحكم قواعد الزواج والطلاق، والمعروف باسم قانون الأحوال الشخصية.

والتعديلات الواردة في قانون إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية متعلقة بما يلي:

- الخلع.

- النزاع حول السفر للخارج.

- الطلاق من الزواج العرفي.

- عدم جواز إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق.

- محكمة الأسرة.

- إلغاء المعارضة كطريقة من طرق الطعن.

وقد أتاحت هذه التعديلات للزوجات حق الطلاق بناء على عدم التوافق مع الزوج، شريطة أن تتنازل عن حقها في النفقة الشهرية، أو ما يعرف بالخلع، وأن ترد قيمة المهر الذي قدم لها عند الزواج.

وأما في السابق، فإن الزوجة لا يحق لها الطلاق إلا إذا أثبتت أمام المحكمة سوء معاملة زوجها لها، وفي المقابل فإن الزوج يحق له طلاق زوجته متى شاء.

وقد اعترض بعض النساء المصريات على التعديلات المقترحة على أساس أنها لن تحقق كل ما وضعت من أجله، إذ لن يستفيد منها سوى الثريات من النساء ممن يقدرن على الوفاء بالشروط المالية المرتبطة بالحصول على الطلاق [29].

وأكثر هذه التعديلات الذي أثار نقاشاً طويلاً بين المؤيدين والمعارضين، يتركز على قضية الخلع، فبالنظر إلى التعديل حول موضوع الخلع؛ نجد أن هناك مخالفة صريحة للشرع، فقد جاء في قانون الأحوال الشخصية المصري بعض المواد المخالفة للشرع صراحة ولا تمت إلى أي مذهب فقهي معتبر بصلة، وخاصة المادة رقم [ 20 ] والتي تنص على أنه: « إذا افتدت الزوجة نفسها، وخلعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية، وردت عليه الصداق الذي دفعه لها؛ حكمت المحكمة بتطليقها منه طلقة بائنة، ويكون الحكم الصادر بالتطليق في هذه الحالة غير قابل للطعن عليه بأي طريقة من طرق الطعن ». والمخالفات الشرعية في هذه المادة كثيرة ليس هذا مجال بيانها ! [30].

يذكر أنه منذ أن أُقر قانون طلاق الخلع في آذار/ مارس من عام 2000م، فإنه قد تم التقدم بعدد إجمالي من قضايا الطلاق يبلغ 11.714 قضية أمام المحاكم المصرية في أكبر ست محافظات في مصر، ومعظم هذه القضايا تقدمت بها نسوة في مدينتي القاهرة والإسكندرية، وذلك وفقاً لأرقام إحصائية صادرة عن مركز المساعدة القانونية للنساء.

وقد تم إصدار 220 قراراً بطلاق الخلع لصالح زوجات في عام 2000م، ولكن ليس هنالك أرقام إحصائية بعد عن القرارات الصادرة في السنوات التالية [31].

وقد شهد عام 2002م إنشاء (مكتب لشكاوى المرأة) ضمن المجلس القومي للمرأة؛ لتلقي أي شكوى في نطاق العمل أو الأسرة أو أي مشكلة عامة أو شخصية تعاني منها أي امرأة يزيد عمرها عن 18 عاماً، وكانت أبرز الشكاوى التي أخذت شكل الشكوى العامة هي شكوى المطلقات من عدم استطاعتهن تنفيذ حكم النفقة في الحالات التي لا يكون فيها الزوج موظفاً حكومياً. وكان قانون الأحوال الشخصية الذي صدر عام 2000م يسمح للمطلقة أو الزوجة بالتوجه إلى بنك ناصر الاجتماعي لصرف هذه النفقة ويتولى البنك تحصيلها من الزوج، لكن هذا لم يحدث.

كما درس مجلس الشورى المصري مشروع قانون لتخصيص محكمة خاصة للنظر في قضايا الأحوال الشخصية مثل: النفقة، ورؤية الطفل أو الحضانة، أو الطلاق.. أو غيرها؛ بهدف حماية الأسرة والأطفال، واشترطت أن تتضمن المحكمة اختصاصيين اجتماعيين من بينهم امرأة، والمشروع ينظر أمام مجلس الشعب، وينتظر أن يُعمل به في أكتوبر القادم من هذا العام الميلادي 2003م [32].

ثالثاً: بعض القيم الاجتماعية:

أ - دمج ونشر مفهوم « الجندر »:

مصطلح « الجندر » يعدُّ من المصطلحات الجديدة، وأول ظهور لهذا المصطلح كان في وثيقة مؤتمر المرأة الرابع في بكين، وقد اعترضت كثير من الدول والوفود على هذا المصطلح؛ لعدم معرفتها بدلالة هذا اللفظ، وطلبت تفسيراً لمعناه من الجهات التي أعدت وثيقة المؤتمر، ولم تكن هناك إجابة واضحة في ذلك الوقت. إلا أنه اتضح فيما بعد أن « الجندر » (gender) يعني « النوع »، وهو بديل عن كلمة () التي تشير إلى الذكر والأنثى. وهذا التحريف في اللغة والمفهوم؛ يهدف إلى تمرير ما أسمته مؤتمرات الأمم المتحدة « التنوع الجنسي » أو « المثلية الجنسية » الذي يعني الاتصال الجنسي بين رجلين (ويسمى الاتصال المثلي) وهو اللواط، أو بين امرأتين (السحاق)، أو بين رجل وامرأة (الاتصال الفطري)، ذلك أن كلمة « » لا تشمل هذه المعاني كلها.

وقد كانت هناك جهود حثيثة إلى نشر مفهوم « الجندر » في الدول العربية من قِبَل المنظمات والحركات النسائية الغربية، بمساعدة من اللجان والمنظمات النسائية العربية، عن طريق ورش وحلقات نقاش تعقد بين حين وآخر قي بعض البلاد العربية؛ وذلك من باب إدماج الشواذ جنسياً في المجتمع، وعدم اعتبارهم منبوذين كما نصت على ذلك المؤتمرات الدولية.

ومن ذلك ما عقد في دولة « قطر »، فقد أقيمت ورشة عمل بعنوان [33] « مأسسة النوع الاجتماعي في المؤسسات »، والتي نظمتها « الاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة »، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة « اليونيفيم » في معهد التنمية الإدارية. في إطار فعاليات الاستراتيجية الوطنية « لتقدم المرأة » التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة.

تهدف هذه الورشة التي حاضرت فيها (خبيرة تدريب في اليونيفيم) إلى تعريف المشاركين والمشاركات بآليات دمج مفهوم « الجندر » في المستويات كافة داخل الوزارات والمؤسسات المختلفة بإطارها النظري والعملي، وتعريف « المأسسة » والعمليات المرتبطة بها، وتقديم بعض الأدوات التحليلية المختلفة التي تصف الوضع الراهن في المؤسسات، وتحديد أساليب وآليات دمج مفهوم « الجندر » في المؤسسات، وتحديد الخطوات اللازمة لدمج مفهوم الجندر في المؤسسات على كل المستويات، ومناقشة بعض المعوقات التي من الممكن أن تواجه عملية دمج مفهوم الجندر في المؤسسات وكيفية التعامل معها.

شارك في هذه الورشة جهات مختلفة في « قطر »، كالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة، ووزارة التربية، والتعليم، والداخلية، وشؤون الخدمة المدنية، والإسكان، والصحة العامة، والعدل، والخارجية، والأوقاف، والمجلس الأعلى للبيئة والمحميات الطبيعية، ودار تنمية الأسرة، وقطر للبترول، ومؤسسة حمد الطبية، وجمعية مرضى السكري، وجمعية الهلال الأحمر القطري، وجامعة قطر، والجمعية القطرية لمكافحة السرطان.

كما أقيمت في « اليمن » حلقة نقاش حول الأمر ذاته، فقد نظمت « اللجنة الوطنية للمرأة اليمنية » حلقة نقاش حول « بناء القدرات من منظور النوع الاجتماعي » بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان [34].

وركزت الحلقة التي استمرت يومين في العاصمة « صنعاء » على عديد من القضايا المتعلقة بأوضاع المرأة بشكل عام في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما تقوم به من دور فعال في تنمية المجتمع.

وناقش المشاركون من الجهات المانحة ومنظمات المجتمع المدني، مفهوم التخطيط الاستراتيجي التنموي، وأهمية إشراك المرأة في التخطيط، وكذا إدماج النوع الاجتماعي في التنمية، وتقليص الفجوة بين الجنسين، إضافة إلى تحديد الاحتياجات الخاصة بالنساء، ودور التنمويين بتوعية المجتمع بالأدوار الفعالة للمرأة، وتحديد المشكلات التي تعوق وصولها إلى مواقع العمل، ومواقع صناعة القرار وإدماجها في عملية التنمية.

وأوضحت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان أهمية حلقة النقاش التي تدخل في إطار منهجية عمل علمية وعملية من أجل دمج النوع الاجتماعي في عملية التخطيط التنموي.

وأشارت الخبيرة إلى تجربة اليمن في إطار الخطط التنموية لدمج المرأة.

وقالت: « إن الحكومة واللجنة الوطنية للمرأة والمنظمات الأخرى المعنية بصدد المباشرة في إعداد خطط جديدة في هذا الاتجاه ».

ب - مفهوم الصحة الإنجابية:

وهو مفهوم يشتمل على حق وباطل، فمما تشمله « الصحة الإنجابية »:

الأمومة الآمنة، وكل ما يتعلق بصحة المرأة من حيث التغذية الصحيحة للحامل والولادة والنفاس، وكذلك الإرضاع الطبيعي، وصحة المرضع.. إلخ. فهذه الأمور حق لا جدال فيها، والإسلام يدعو إلى ما فيه صحة وسلامة الإنسان وبدنه.

أما الأمور الباطلة التي يشتمل عليها هذا المفهوم فهي: التنفير من الزواج المبكر، والحد من الإنجاب، وتناول حبوب منع الحمل للمراهقات، وإباحة الإجهاض.. إلخ. وهذه القضايا دعت إليها مؤتمرات الأمم المتحدة حول المرأة والسكان والتنمية الاجتماعية، وتعتبرها الوسيلة الرئيسة للنهوض بالمرأة !!.

وفي الوقت الذي تُحذَّر فيه نساء العالم العربي والإسلامي مثلاً من الزواج المبكر، وتدعى إلى تحديد النسل؛ نجد ميزانيات دعم إنجاب الأطفال والتشجيع عليه في الدول الغربية تعادل عشرات أضعاف ميزانيات ما يوصف بالمساعدات الإنمائية.

فالمنظمة الدولية لرعاية الطفولة (يونيسيف) مثلاً اختارت قضية « الزواج المبكر » للتركيز عليها في يوم المرأة العالمي، داعية إلى مكافحته عالمياً [35]، مع ذكر أمثلة من النيبال وبنجلادش وسواها؛ دون أن تتعرّض إلى حقيقة ما تقول به الدراسات الطبية، من أن الإنجاب في سن مبكرة، هو الكفيل (بإذن الله) برعاية أسرية أفضل للطفل، أو أن المرأة التي تنجب الأطفال بعد بلوغها الثلاثين عامًا، أشدّ عرضة أثناء الحمل والوضع للمشكلات الصحية والنفسانية والاجتماعية.

كذلك لم تتعرّض منظمة رعاية الطفولة لانحسار ظاهرة الزواج المبكر في الدول الغربية، والتي أدت مع أسباب أخرى إلى انحسار ظاهرة الزواج نفسها في نهاية المطاف، وإلى انتشار العلاقات الجنسية دون زواج على أوسع نطاق؛ مما هبط بنسبة الزواج إلى نصف ما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً، ورفع نسبة الطلاق من تلك الزيجات المحدودة العدد من حوالي 30 إلى ما يناهز 50 في المئة حالياً.

كما أنه كانت هناك محاولات عديدة لإدخال مفاهيم الصحة الإنجابية إلى مناهج التعليم في بعض البلاد العربية، وهنا مكمن الخطورة؛ حتى ينشأ الجيل الجديد من المراهقين والمراهقات على هذه المفاهيم الغربية ويتشربها منذ الصغر، ومن ثَمَّ تصبح جزءاً من ثقافته.

ومن هذه الدول: الأردن، وسوريا، حيث بيّن مسؤول في وزارة التربية والتعليم بسوريا [36]، أنه سيتم تضمين مفهومات « الصحة الإنجابية » و« النوع الاجتماعي: الجندر » في المناهج.

(1) قبل ذلك التاريخ كانت هناك اتفاقيات ومعاهدات لها تعلق بالمرأة، ولكنها غير ملزمة مثل: اتفاقية المساواة في الأجور بين العمال والعاملات 1951م، والاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة 1952م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966م، والإعلان الخاص بالقضاء على التمييز ضد المرأة 1967م، وإعلان طهران لحقوق الإنسان 1968م.

(2) وهو المسمى مؤتمر مكسيكو لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم، ثم تلاه ثلاث مؤتمرات خاصة بالمرأة، هي: المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم في (كوبنهاجن) عام 1980م، والمؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم عام 1985م في نيروبي بكينيا، والذي عُرف باسم (استراتيجيات نيروبي المرتقبة للنهوض بالمرأة من عام 1986 حتى عام 2000م)، وأخيراً المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بكين بالصين عام 1995م.

(3) مدير البرامج لمركز الدراسات السياسية بمعهد البحث الاجتماعي التابع لجامعة ميشغان، ومدير استطلاع القيم العالمية.

(4) مجلة: (foreign policy) الصادرة في واشنطن - عدد مارس / أبريل 2003م.

(5) انظر: الشبكة العنكبوتية / موقع وزارة الخارجية - مكتب برامج الإعلام الخارجي -، وعنوانه:

http://usinfo.state.gov/arabic/wfsub.htm

(6) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(7) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(8) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(9) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(10) انظر: منظمة مراقبة حقوق الإنسان (human rights watch) على الشبكة العنكبوتية:

http://www.hrw.org/arabic/un-.htm

(11) منهن: 4 من الجزائر، 5 من مصر، 4 من الأردن، 5 من لبنان، 5 من المغرب، 3 من سوريا، 5 من فلسطين، 4 من اليمن، 3 من تونس، 12 من دول الخليج، انظر الخبر وأسماءهن على موقع: (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية، وهو موقع خاص بالمرأة، وعنوانه:

http://www.lahaonline.com/

وجريدة الأهرام العدد 15324 بتاريخ 19/11/2002م.

(12) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(13) انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية:

www.amanjordan.org/arabic

، وهو موقع خاص بأخبار المرأة.

(14) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(15) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(16) انظر: موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(17) اسمها: عائشة بنت خلفان بن جميل، انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية.

(18) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(19) انظر أسماءهن ومناصبهن في موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية، وانظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(20) وهي منظمة دولية للدفاع عن حقوق المرأة مقرها في واشنطن (تزعم أن) هدفها المساعدة في بناء الديمقراطيات والاقتصادات القوية وفي تعزيز السلام، تمولها جزئياً الحكومة الأمريكية، انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(21) انظر: موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(22) انظر: موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(23) انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية.

(24) انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية.

(25) انظر: موقع (الإسلام اليوم)، وموقع (لها أون لاين)، وموقع (مركز الأخبار - أمان)، وموقع (الخيمة) على الشبكة العنكبوتية.

(26) في تصريح لها لموقع (إسلام أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(27) انظر: موقع (الأسرة المسلمة) على الشبكة العنكبوتية.

(28) انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية.

(29) انظر: موقع (الأسرة المسلمة)، وموقع bbc الإخباري على الشبكة العنكبوتية.

(30) انظر: موقع (الأسرة المسلمة) على الشبكة العنكبوتية.

(31) انظر: موقع bbc الإخباري على الشبكة العنكبوتية.

(32) انظر: موقع (إسلام أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(33) انظر: موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(34) انظر: موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(35) انظر: موقع (إسلام أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(36) انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية.



رد مع اقتباس
  #18  
قديم 03-04-2005, 03:33 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

المرأة بين التحرير والتغرير
نهى قاطرجي






لقد أخذت قضية تحرير المرأة حيزاً مهماً من تفكير الناس في العصر الحالي حتى عُقدت من أجل هذه القضية المؤتمرات والندوات التي تطالب برفع الظلم عن المرأة وإعطائها حقوقها التي حرمتها منها الأديان والأعراف والتقاليد.

وقد استفحل هذا الأمر حتى خرج عن إطار اللهو والتسلية لبعض النساء الفارغات عن أي عمل لتنعكس آثاره الخطيرة على المرأة بالدرجة الأولى، وإذا كنَّا في لحظة من اللحظات أُعجبنا بامرأة شابة تعمل شرطية على الطريق أو جندية تحمل السلاح ووجدنا في هذا الأمر قوة إرادة وتحدٍّ عند من فعلن هذا، فإن الأمر خرج عن إطار التسلية عندما أصبحنا نرى امرأة أخرى عجوزاً تبحث في القمامة أو تجوب الشوارع تجر عربتها الثقيلة لتؤمن رغيف خبزها.

إن الأمر لم يعد لعبة ومزحة تتسلى بها الفتاة التي تخرجت من الجامعة لتثبت للناس أنه لا فرق بينها وبين الرجل في الذكاء والعطاء فتنافس الرجل في وظيفة وتتساوى معه في أجر أو حتى تسلبه وظيفة بأجر أقل لتنفق ما تقبضه على الزينة والتبرج والترف بينما يكون الرجل الذي نافسته مسؤولاً عن أسرة، أو على الأقل يسعى لبناء أسرة.

إن العمل بالنسبة للفتاة يبقى في إطار تمضية الوقت وإثبات الذات فترة طويلة من الزمن، حتى تصبح ذات يوم فتجد أن الوظيفة التي كانت تتسلى بها أصبحت تأخذ منها كل وقتها (من الفجر إلى النجر) فلا حياة اجتماعية ولا أصدقاء ولا فرصة حتى للتعرف على فتى الأحلام، فهي تعود من العمل متعبة فتنام كالقتيل، هذا الأمر لم يعد يرضي أحداً! كيف ستمضي بقية عمرها! وكيف ستتعرف على فتى أحلامها الآتي على حصان أبيض! الأمر قد يطول على هذه الحالة! ولكن لا بديل آخر، فهي لا تستطيع أن تترك العمل وقد اعتادت أن تجد المال بين يديها ولا تستطيع أيضاً أن تعيش الفراغ في المنزل تنتظر فارس الأحلام الذي قد يتأخر في المجيء أو حتى لا يجيء! أما إذا جاء فانه يجيء بشروط، ففيما كان هو الذي يأتي على حصان أبيض لينقذ المرأة من وضعها الأسري، اختلف الوضع اليوم فأصبحت المرأة هي التي تأتي على حصان أبيض لتقدم للرجل حلولاً لمشاكله المادية، فيعملان معاً (من الفجر إلى النجر) لكي يصبح العمل بالنسبة للمرأة واجباً وليس تطوعاً.

ما ورد كان نموذجاً عن وضع من أوضاع المرأة المتحررة اليوم، ذكرتها كمقدمة للحديث عن قضية تحرير المرأة.

بدأت القضية مع المرأة الغربية، وهذا لا يعني أن المرأة المسلمة لم تكن تعاني من المشاكل والهموم، فلو كان هذا الأمر صحيحاً لما وجد هؤلاء الغربيون ثغرة يدخلون بها إلى مجتمعاتنا، ولكن الفرق بين الشرق والغرب شاسع، ذلك أن المرأة في العالم الإسلامي لم يكن لها قضية خاصة إنما كانت القضية الحقيقية هي تخلف المجتمع وانحرافه عن حقيقة الإسلام،"وما نتج عن هذا التخلف في جميع مجالات الحياة، وما تحقير المرأة وإهانتها وعدم إعطائها وصفها الإنساني الكريم إلا مجال من المجالات التي وقع فيها التخلف عن الصورة الحقيقة للإسلام".

إن الصورة الحقيقية للإسلام ممكن أن تُقرأ واضحة في كتب السِّيَر والتاريخ الإسلامي التي ذكرت كيف كان للمرأة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كيان مستقل عن الرجل تطالب بحقها الذي أعطاها إياه الإسلام بكل جرأة، فها هي تقف في وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه تطالب بحقها في صلاة الجماعة في المسجد كما فعلت عاتكة بن زيد، وها هي تمارس حقها بإدارة أموالها بمعزل عن زوجها كما فعلت ميمونة أم المؤمنين بجاريتها دون علم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكما فعلت أم سليم بنت ملحان التي أهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرسه هدية باسمها لا باسم زوجها، فقالت: "يا أنس، اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل: بعثت بهذا إليك أمي، وهي تقرؤك السلام وتقول: إنّ هذا منّا قليل يا رسول الله".

هذا في الإسلام،أما في الغرب فإنه كان للمرأة بالفعل قضية ومعاناة، إذ إها كانت "في اعتقاد وعقيدة الأوروبيين حتى مئتي سنة مطيّة الشيطان، وهي العقرب الذي لا يتردد قط عن لدغ أي إنسان، وهي الأفعى التي تنفث السم الرعاف... في أوروبا (أيتها الأخوات) انعقد مؤتمر في فرنسة عام 568م، أي أيام شباب النبي صلى الله عليه وسلم، للبحث هل تعدّ المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ وأخيراً قرروا: إنها إنسان خلقت لخدمة الرجل فحسب!

والقانون الإنكليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته بستة بنسات فقط، حتى الثورة الفرنسية التي أعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة لم تشمل المرأة بحنوِّها، والقاصرون في عرفها: الصبي والمجنون والمرأة، واستمر ذلك حتى عام 1938 م، حيث عُدِّلت هذه النصوص لصالح المرأة".

إن أصل القضية في الغرب يعود لاحتقار الكنيسة النصرانية للمرأة احتقاراً جعل رجالها يبحثون إذا كان ممكناً أن يكون للمرأة روح، وهذا ما حصل "في مؤتمر "ماكون macon" وما شفع بالمرأة آنذاك هو كون مريم أم يسوع امرأة ولا يجوز أن تكون أم يسوع بلا روح".

إن أصل القضية إذن بدأ من الديانة النصرانية حيث أساءت الكنيسة كمؤسسة في فهم الدين المسيحي في روحيته وأخذت تطبقه وفقاً لذهنية القائمين عليها، ومن هؤلاء القديس بولس الذي قال: إن المرأة خُلقت للرجل، والقديس توما الأكويني الذي ذهب إلى أبعد من ذلك إذ صنّف المرأة بعد العبيد.

ولقد استمرت الكنيسة النصرانية في تغيير التعاليم الدينية وَفْقاً للمفاهيم والاعتبارات السائدة في البلدان التي كانت تريد السيطرة عليها فقدّست "مفهوم الأمومة مثلاً عندما أرادت السيطرة على الحضارة اليونانية، وألغت هذا التقديس عندما انتقلت إلى السيطرة على الحضارة الجرمانية، واستبدلته بالاعتبارات المعمول بها في هذه الحضارة حيث كان التقديس للملكية الخاصة ولاعتبار المرأة ملك الرجل وفي مصاف القاصرين" .

من هنا يمكن أن نستشف أن الفرق بين المرأة الغربية والمرأة المسلمة يعود إلى الجذور، ومن هنا عدم صحة إسقاط الحلول الغربية على الوضع الإسلامي، فالوضع بين الحضارتين مختلف، والمرأة هنا غير المرأة هناك، وقد أكدت الراهبة "كارين أرمسترونغ"هذا الاختلاف بين ماضي المرأتين بما يلي: "إن رجال الغرب النصراني حين حبسوا نساءهم ومنعوهم من مخالطة الرجال ووضعوهن في غرف منعزلة في جوف البيوت إنما فعلوا ذلك لأنهم يكرهونهن ويخافونهن ولا يأمنون لهن وَيَرَوْنَ الخطيئة والغواية كامنة فيهن، فهم يخرجوهن من الحياة بهذا الحبس إلى خارجها أو هامشها، بينما حجز المسلمون نساءهم في البيوت ولم يخرجوهن إلى الشوارع تقديراً لهن ولأنهم يعتبرون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم حَرَماً خاصاً وذاتاً مصونة وجواهر مقدسة يصونونهن ويحملون عنهن عبء الامتهان في الأسواق والطرق".

إن هذا الاختلاف لم يفهمه دعاة التحرر الذين حاولوا إسقاط حلول المجتمع الغربي على المجتمع الإسلامي، فلم يفهموا حرص الرجل على زوجته وحمايته لها، بل اعتبروا أن حجاب المرأة وعدم اختلاطها بالرجل يعود إلى عدم ثقة الرجل بالمرأة وخوفه منها، الأمر الذي جعلهم يرون أن المرأة مظلومة قد ظلمها الرجل عندما فرض عليها الحجاب وحرمها من إنسانيتها وقد تناسوا أنه "لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع المرأة قضيتها ضده لتتخلص من الظلم الذي أوقعه عليها، كما كان وضع القضية في أوروبا بين المرأة والرجل، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك إن كانت مؤمنة أن تجادله سبحانه فيما أمر به، ويكونَ لها الخِيَرَةُ من الأمر".

ساعدت الثورة العلمية التي حصلت في أوائل القرن الماضي الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص على المطالبة بالتحرر من الظلم الذي وقع عليها من الكنيسة، حيث كان لاستعانة الثورة الصناعية بالنساء من أجل التحرر من مطالب الرجال المالية دور مهم في خروج المرأة من قمقمها وسعيها لتغيير واقعها المعاش، فلم تجد عدواً تواجهه وتعتبره سبباً مباشراً لمعاناتها إلا الكنيسة التي كانت تحمي الرجال وتحثهم على ظلم النساء، مما جعل عدو النساء الأول هو الدين، فالمرأة هي التي "تدفع ضريبة الانتماء الديني في هذا الواقع وتتحمل مآسيه أكثر من الرجل". ومن هنا جاءت ضرورة نبذ الدين وتأييد النظريات العلمانية الحديثة التي تعتبر أن "الدين هو أفيون الشعوب"، وأن السبيل للنهوض بالأمم يكون بفصل الدين عن الدولة، هذا الأمر الذي دعا إليه المسيح عليه السلام نفسه عندما قال: " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله".

فالعلمنة إذن هي نبذ الدين و"إحلال العلم، في نموذجه الطبيعي، محل النص والإله في تفسير كل ما يختص ويتصل بالإنسان"، وقد بالغ كثير من العلماء في تقديس العلم إلى حد أَن اعتبروه ديناً جديداً، فقال أحدهم : "العلم الحديث هو إنجيل الحضارة الحديثة"، وقال آخر: "العلم الصحيح، أي العلم الاختياري، دين أيضاً" .

وهكذا وجاءت نظرية التطور لـ "دارون" لتقول إن أصل الإنسان قرد تطور مع الزمن إلى أن وصل إلى الحالة التي هو عليها الآن، لتعتمد على إيحاءين خطيرين كان لهما أثر في نصر نظرية المرأة الغربية الداعية إلى نبذ الدين، وهذان الإيحاءان هما:

1-الإيحاء بالتطور الدائم الذي يلغي فكرة الثبات.

2- الإيحاء بحيوانية الإنسان وماديته وإرجاعه إلى الأصل الحيواني وإغفال الجانب الروحي إغفالاً تاماً.

وهكذا أصبح الإنسان الغربي بعد هذه النظرية العلمانية "لا يستطيع تجنب اعتبار نفسه حيواناً" كما أصبح "التفسير التطوري لكل شيء هو العقيدة الجديدة للغرب".

وقد استفادت المرأة ومن تبعها من دعاة التحرر من الرجال من هذه العقيدة الجديدة استفادة كبيرة،فاعتبرت أن النصوص التشريعية التي تختص بها لم تعد تصلح لهذا الزمن المتطور، وقالوا بنسبية القوانين والتشريعات والأخلاق مما يعني عدم صلاحية هذه التشريعات للتطبيق في هذا الزمن، لذلك كانت الدعوة من أجل الثورة، هذه الثورة التي وإن كانت ممكنة بالنسبة للمرأة النصرانية التي تدرك تماماً أن التشريع الكنسي تابع لأقوال العلماء إلا أنها صعبة بالنسبة للمرأة المسلمة التي تدرك أن التشريعات الإسلامية مستمدة من النصوص القرآنية، لذلك دعا أنصار تحرير المرأة إلى رفع راية التطور التاريخي في حال أرادت المرأة مهاجمة النصوص الدينية، تقول إحدى دعاتهن: أنه "إذا ثارت المرأة اللبنانية وتعاونت المرأة المسيحية مع المرأة المحمدية استطاعتا رفض الدين الأولى باسم الدين نفسه والثانية بموجب الإيمان بسنة التطور التاريخي".

وهذه الدعوة إلى الإيمان بالتطور التاريخي لوضع المرأة ذكره أحد دعاتهم وهو سلامة موسى مخاطباً المرأة: "أنت ثمرة ألف مليون سنة من التطور".

وبناء على ذلك كان "طبيعياً أن يفسر حجاب المرأة وعدم مخالفتها للرجل بأنه أثر من آثار الأمم الوحشية ونتيجة لتطور وظهور نظام العائلة ودخول المرأة فيه، ووقوعها بذلك تحت سيطرة الرجل، وهو التفسير الذي ذكره كل من تكلم من رواد تحرير المرأة".

هبط الغرب على العالم الإسلامي بجيوشه وعساكره وهو يعلم بتجربة الحروب الصليبية أن تطويع هذا العالم لن يكون بالحروب، بل يكون بإيجاد جيل جديد ينتمي إليه فكراً وعقيدة، فعمدوا من أجل ذلك إلى إنشاء المدارس الغربية التي تدرِّس اللغة والتاريخ والثقافة الغربية، وبعد ذلك عمدوا إلى إرسال خريجي هذه المدارس في بعثات خارجية إلى الجامعات التي تكفلت بما بقي من العقول الإسلامية كما تكفل الفساد المنتشر في البلاد التي سافرت إليها العقول بتضييع البقية الباقية من جيل شباب عاد ليخرب الأمة ويعمل على تحويل المجتمعات العربية الإسلامية إلى صورة من المجتمعات التي عاد منها.

وكان من بين الخريجين "قاسم أمين" المخرب الأول الذي عاد من الغرب بكل مفاهيمه ليطبقها على مجتمع لا يمت إليه بصلة، فطالب بتعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه الغرب لهدم الإسلام،"وقاسم أمين شاب نشأ في أسرة تركية مصرية فيه ذكاء غير عادي، حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية من القاهرة وهو في سن العشرين ... ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليفسدوها، ويفسدوا الأمة من ورائها! التقطوه وابتعثوه إلى فرنسا... اطلع قبل ذهابه إلى فرنسا على رسالة لمستشرق يتهم الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني، وغلى الدم في عروقه، كما يصف في مذكراته، وقرر أن يرد على هذا المستشرق ويفند افتراءاته على الإسلام. ولكنه عاد بوجه غير الذي ذهب به! لقد أثرت رحلته إلى فرنسا في هذه السن المبكرة تأثيراً بالغاً في كيانه كله، فعاد إلى مصر بفكر جديد ووجهة جديدة، عاد يدعو إلى تعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه المستشرقون وهم يخططون لهدم الإسلام".

عاد ليطالب بنزع حجاب المرأة...

عاد ليطالب بتعليم المرأة وخروجها من بيتها...

عاد ليطالب باختلاط المرأة بالرجل...

لقد أدرك قاسم أمين أن الوصول إلى الغاية لن تأتي مرة واحدة، لذلك عمد هو ومن تبعه إلى أسلوبين:

1- أسلوب التدرج حيث إنه لم يطالب في البداية بنزع حجاب الرأس كلياً، بل نادى بسفور الوجه فقط، ولم يطالب بتعليم المرأة لتصل إلى مستوى جامعي بل نادي بالتعليم الابتدائي، ولكنه كان حريصاً في كل ما يكتب على أن يضع كلمة "الآن" التي تعني الاكتفاء بهذا الحد من المطلب وقت مطالبته به إلى آن آخر، فيقول: "ربما يتوهم ناظر أنني أرى (الآن) رفع الحجاب بالمرة.. إنني لا أقصد رفع الحجاب (الآن) دفعة واحدة والنساء على ما هن عليه اليوم.. وإنما أطلب (الآن) ولا أتردد في الطلب أن توجد هذه المساواة في التعليم الابتدائي".

وهكذا تتطور الدعوة مع الزمن فمن المطالبة "بالمساواة في التعليم إلى المطالبة بالمساواة في الميراث، ومن المطالبة بحريتها في الدخول والخروج والتنزه إلى المطالبة بحريتها في السفر وقضاء السنوات الطوال منفردة، وافق زوجها أو لم يوافق، ومن المطالبة بتقييد حق الرجل في التعدد إلى المطالبة بحقها هي في التعدد ثم حقها أن يكون لها الصديق التي ترتضيه".

2- التشكيك في النصوص القرآنية والدعوة إلى اللحاق بركب التطور ومن هنا كانت دعواهم إلى إعادة قراءة النصوص قراءة جديدة مراعين مبدأ تاريخية النصوص ونسبيتها، حيث أن كثيراً من الأحكام لم تعد تلائم العصر المتطور الحالي، فكما كان هناك رجال فقهاء اجتهدوا وفهموا النصوص القرآنية فهماً يوافق عصرهم يوجد في عصرنا الحالي رجال "بل ونساء" ممكن أن يجتهدوا بالنصوص اجتهاداً معاصراً، لذلك كثيراً ما رفع هؤلاء شعار "هؤلاء رجال ونحن رجال" لرفض اجتهادات مثل اجتهاد الشافعي ومالك وغيرهما من الفقهاء واعتماد فتوى معاصرة مثل فتوى محمد شحرور الذي يرى أن الجيب الذي ورد في القرآن هو شِقُّ الإبط.

ومن النماذج المعاصرة عن هجومهم على النصوص القرآنية قول أحدهم: "اعتبرت الشريعة المرأة نصف إنسان، فشهادة امرأتين بشهادة رجل ونصيب الرجل من الميراث نصيب امرأتين، كان ذلك طفرة في العصر الذي نزلت فيه الشريعة الإسلامية، بل إنه أكثر من طفرة، غير أن 15 قرناً من الزمان كافية في الواقع أن تهيئ العقلية الإنسانية إلى خطوات أخرى في التشريع للمرأة".

هذا باختصار السبيل الذي سلكوه من أجل الوصول إلى ما سَمَّوْهُ تحرير المرأة تحريراً كاملاً يجعلها متساوية مع الرجل في كل المجالات دون مراعاة للفروقات البيولوجية بين الاثنين، ودون مراعاة لشرع أو دين، لأن الشرائع تتطور أحكامها كما سبق أن أسلفنا.

أما أبرز ما دعا إليه هؤلاء فيكمن في نبذ كل ما يمنع هذه المساواة بين الجنسين ويكرس التفرقة على أساس الجنس، لهذا رَأَوْا في بنود المساواة رفع حجاب المرأة، اختلاطها بالرجال، وتعليمها.

إن أصل هذا المطلب بدأ أيضاً مع الثورة النسوية في أوروبا حيث كان للمرأة بالفعل قضية، قضية المساواة في الأجر مع الرجل الذي يعمل معها في المصنع نفسه وفي ساعات العمل نفسها بينما تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الأجر.

هذا المطلب كان في البداية يمثل منتهى العدل، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان، أما بعد ذلك فقد تطور هذا المطلب ليشمل المساواة في كل شيء، وهذا أمر، كما تعلمون مستحيل، هذا ببساطة لأن بينهما اختلافات حقيقية جسمية ونفسية، حتى ولو نجحت بعض النساء في تبوء المراكز العالية وفي القيام بأعمال جسدية شاقة إلا أن هذا لا يعني أن كافة النساء يمكنهن أداء ذلك العمل أو يرغبن فيه. فمهما ارتقت "المرأة في مستواها العلمي والثقافي ومهما كانت دوافعها النفسية أو الاقتصادية للخروج إلى العمل، تبقى رغبة المشاركة في تكوين أسرة إحدى أهم مكونات فطرتها الأصلية، كما يشير الاستبيان الذي أُجْرِي بين الفتيات في بعض الدول العربية".

وقد أكدت الدكتورة إلهام منصور، إحدى مناصرات تحرير المرأة، على هذا الأمر فقالت: "إن الثقافة كما لم تفعل بعد في الرجل اللبناني فهي كذلك لم تفعل بعد في المرأة اللبنانية التي تعتبر مثقفة لأن أغلب النساء المثقفات هن راضيات بوضعهن، ويعملن على ترسيخه، وينادين بوجوب إعطاء حقوق للرجل تفوق حقوق المرأة، وهذا الواقع يدلنا دلالة مباشرة واضحة أن العلم بالنسبة للمرأة اللبنانية ليس سوى وسيلة للحصول على الزوج الأفضل وذلك لأن أغلب الشبان قد أصبحوا اليوم مثقفين ويفضلون الزوجات المثقفات، والثقافة هنا تأخذ طابع الزيادة الخارجية عند المرأة فهي لا تنصهر مع شخصيتها كي تغيرها من الداخل".

هذه الحقيقة في تباين أهداف المرأة والرجل أكد عليها الفيلسوف "أوجست كونت" أحد فلاسفة الغرب المعاصرين حيث يقول: "إن الرجل والمرأة يهدفان إلى آيات متباينة في الحياة، فمرمى الرجل هو العمل وآية المرأة الحب والحنان"، ويقول الفيلسوف أيضاً: "حتى في الزواج لا يوجد مساواة بين الرجل والمرأة، لأن لهما حقوقاً وواجبات مختلفة فالرجل قَوّامٌ على البيت وهو الذي يعول المرأة، لأن المرأة يجب أن تجرّد من هموم المادة".

هذا الكلام الذي ورد على لسانهن ولسان فلاسفتهن يعتبر أكبر دليل على أن ما يطالبون به مخالف لفطرة الله سبحانه وتعالى، والإسلام إنما جاء ليثبت هذه الحقيقة لا ليدعُوَ إلى أمر لا أساس له من الصحة، فالإسلام كدين لا يهتم بمصالح فرد دون آخر، وهو عندما بيَّن للمرأة حقوقها وواجباتها فرض على الرجل أيضاً حقوقاً وواجبات مغايرة تتناسب مع تركيب كل منهما البيولوجي والنفسي والجسدي، كما تتناسب مع قواعد العدل والتوازن لا المساواة المطلقة، فالمساواة المطلقة كما قلنا عدوة الفطرة، "بينما العدل هو الذي يضع الموازين القسط لكل شيء، ولكل علاقة، فيعطي لكل شيء حقه، حسب فطرته وأهليته ووظيفته التي وجد من أجلها .

فللمرأة إذن وظيفة تتناسب مع فطرتها التي فطرها الله عليها، "وعناصر تكوينها أنها ذات بطن يلد وحضن يربي، ومكانتها الفذة هي فيما فُطرت عليه فقط، ومن الممكن توفير المساواة المطلوبة بينها وبين الرجل.. ولكن ذلك يكون على حساب امتيازاتها.. والنتيجة تحويلها إلى نوع جديد من الرجال".

ويمكن أن أختم فكرة المساواة بلطيفة وردت في القرآن الكريم تدل على قمة المساواة والعدل وعدم التفرقة بين المرأة والرجل حيث وردت كلمة رجل مفردة 24 مرة، ووردت كلمة امرأة مفردة 24 مرة أيضاً، قمة المساواة.

إن أول حاجز حاول الغربيون وأتباعهم من أنصار تحرير المرأة اختراقه هو حاجز الحجاب، إذ اعتبروا أن في ستر الرأس إهانة للمرأة ولكرامتها الإنسانية وعائقاً يمنعها من مشاركة الرجل في نهضته الفكرية والثقافية والاجتماعية، ودعموا مزاعمهم بحالة التخلف الفكري والثقافي عند المرأة المتحجبة اليوم في بعض أقطار الجزيرة العربية والخليج العربي، والواقع أنه لا تلازم بين الاثنين فلا مجال للربط بين حجاب المرأة وتخلفها لأن ما حصل لهؤلاء النسوة ليس سببه الإسلام بل يعود إلى "ظروف استعمارية وفكرية معينة، وليس أسهل على المصلحين إذا أرادوا الإصلاح الحقيقي من أن يفصلوا بين الواقعين بوعي إسلامي سديد، يؤيد الستر والاحتشام ويدفع إلى التزود من العلوم والثقافة النافعة، ويجعل من كل منهما عوناً للآخر".

وأكبر دليل على هذا الفصل هو تفوق كثير من فتياتنا الجامعيات المتحجبات بحجاب الإسلام، المستمسكات بحكم الله عز وجل، وهنّ مع ذلك " أسبق إلى النهضة العلمية والثقافية والنشاط الفكري والاجتماعي من سائر زميلاتهن المتحررات... وإن كل مُطَّلِع على التاريخ يعلم أن تاريخنا الإسلامي مليء بالنساء المسلمات اللواتي جمعن بين الإسلام أدباً واحتشاماً وستراً، وعلماً وثقافة وفكراً، وذلك بدءاً من عصر الصحابة فما دون ذلك إلى عصرنا الذي نعيش فيه ".

أما ثاني مزاعمهم فهو رفضهم الربط بين الحجاب والعفة، فيقولون: إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها، وكم من فتاة متحجبة عن الرجال في ظاهرها هي تمارس معهم البغي والفجور في سلوكها، وكم من فتاة حاسرة الرأس سافرة الوجه لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها وسلوكها. إن هذا الكلام فيه شيء من الصحة فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفة مفقودة، ولا أن تخلق له استقامة معدومة، وربّ فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها، ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة لتخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها؟ ومن هذا الذي يزعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلاناً بأن كل من تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟

إن الله عز وجل إنما فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها، لا حفاظاً على عفتها من الأعين التي تراها….

فالمرأة عندما تستر زينتها بالحجاب ولا تتبرج تبرج الجاهلية تكون بذلك قد سدَّت باب الفتنة من ناحيتها ويكون لغض بصر الرجل دور في إخماد الفتنة ومنع تأجج الشهوات التي تؤدي إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات، ثم لنتساءل: هل المرأة التي لا تلتزم بالشرع وتخرج من بيتها سافرة قد غطت وجهها بالمساحيق، هل هي حقاً حرة؟ "أم أنها أسيرة من حيث لا تدري، وإلا فبماذا نفسر عدم قدرتها على مغادرة المنزل إلا بعد أن تسحق بشرتها بأنواع السحوق...".

وبماذا نفسر العري الإباحي الذي يأبى أن يستر إلا مساحة قليلة من الجسد، هل يدل تصرف مثل هذا على التحرر الفكري لمن تمارسه، أم يدل على سعي حثيث للفت نظر شباب يجدون في اتباع موضة رخيصة تحرراً وعصرنة؟ ويعتبرون من تحافظ على حشمتها مثالاً للرجعية والتخلف؟

إن مثل هذا النوع من النساء نوع جاهل إذ تعتقد الواحدة منهن أن ما تفعله من تبرج وزينة يمكن أن يجلب إليها الأنظار أو يجلب لها الأزواج، لا، إن الواقع غير هذا تماماً، فالرجل الشرقي قد يعجب بالشكل واللباس الإباحي لمتعة النظر واللمس أحياناً أما عند الزواج فإن الأمر يختلف، وقد وصف د. "محمد سعيد رمضان البوطي" حال رجل اليوم بقوله: إن الرجال اليوم "نظروا فوجدوا فرص المتعة الخلفية المستورة قد كثرت أمامهم بفعل بحث النساء عن أزواج لهن في المجتمع، وأعجبهم الوضع.. فازدادوا تثاقلاً وزهداً في الزواج، لتزداد النساء بحثاً عنهم وسعياً وراءهم، وهكذا كان سعي المرأة في البحث عن الزوج أهم سبب من أسباب فقدها له".

كلمة اختلاط لفظ مستحدث في عصرنا، فهذه الكلمة لم تستعمل في أي موضع من القرآن الكريم سواء بلفظها أو مدلولها، ولم ترد في أي حديث نبوي ولا في أي كتاب من كتب الفقه والتشريع، ولكن بدأ الكلام يكثر عن الاختلاط بعد أن رأى رجال الإصلاح من المسلمين ما هي عليه المرأة الأوروبية من زينة وتجمل "وحرية في الحركة والجولة ونشاط زائد في الاجتماع الغربي، ولما رَأَوْا كل هذا بعيون مسحورة وعقول مندهشة تمنوا بدافع الطبيعة أن يجدوا مثل ذلك في نسائهم أيضاً، حتى يجاري تمدنهم تمدن الغرب، ثم أثّرت فيهم النظريات الجديدة من حرية المرأة وتعليم الإناث ومساواة الصنفين".

إن المطالبين بحرية المرأة واختلاطها بالرجل هم أحد فريقين، "فريق يعلم جيداً أن الطريق الذي تسير فيه القضية سيؤدي إلى انحلال أخلاق المجتمع وتفككه كما حدث في أوروبا، وهو يريد ذلك ويسعى إليه جاهداً لأنه من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وفريق آخر مخدوع مستغفَل لأنه مستعبَد للغرب لا يرى إلا ما يراه الغرب … وهذا وذاك مسخران معاً لخدمة الصليبية في المجتمع الإسلامي، وخدمة اليهودية العالمية كذلك".

إن مخطط الغرب في تدمير الإسلام ليس مخططاً حديثاً، فقد شرح "شكيب أرسلان" في مقالة نشرتها المنار 1925 م. هدف دعاة الحرية والمساواة المطلقة بين المرأة والرجل بقوله: "عند إعلان الدستور العثماني سنة 1908 م قال أحمد رضا بك ـ من زعماء أحرار الترك ـ: ما دام الرجل التركي لا يقدر أن يمشي علناً مع المرأة التركية على جسر "غلطة" وهي سافرة الوجه فلا أعد في تركيا دستوراً ولا حرية".

لقد عمل هؤلاء منذ تلك الفترة على تنفيذ مخططاتهم التدميرية فنجحوا، بعد أن أبعدوا المسلم عن دينه وعقيدته، في بث الشكوك والتساؤلات حول القضايا الاجتماعية مستعينين بالنصوص الإسلامية من ناحية وبالجدل من ناحية أخرى.

أما النصوص الإسلامية فقد اعتبروها حجة على المعارضين للاختلاط بحجة أن الإسلام أباح للمرأة الخروج للصلاة في المسجد كما سمح لها بالجهاد مع الرجال ومداواة الجرحى. إن الرد على هذا الأمر بسيط، ذلك أن مفهوم الاختلاط المباح في الإسلام هو ذلك الاختلاط "المأمون، وهو الذي يكون لأسباب طبيعية. وتتحقق خلاله مصالح اجتماعية أو اقتصادية، وقد كفل الإسلام للمرأة حقوقها في طلب هذه المصالح في ظل الآداب والأخلاق، وليس هو الاختلاط العابث الماجن المستهتر الذي من شأنه مضيعة الوقت والعبث بالفضيلة والانطلاق العابث بغير حدود وقيود" ، فإن مثل هذا النوع من الاختلاط لا يقره أي دين مهما بلغت درجة تقدمه وانفتاحه.

أما أسلوب الجدل فاستخدموه لإثبات نظرياتهم النفسية الجنسية الحديثة التي لا ترضى عنها الشرائع ولا الأخلاق، فيقولون : "إنه إذا شاع الاختلاط بين الرجل والمرأة تهذبت طباع كل منهما وقامت بينهما بسبب ذلك صداقات بريئة لا تتجه إلى جنس ولا تنحرف نحو سوء! أما إذا ضُرب بينهما بسور من الاحتجاب فإن نوازع الجنس تلتهب بينهما وتغري كُلاًّ منهما بصاحبه! فتُشيع في ذلك الكبت في النفوس والسوء في الطباع".

و(الجواب على هذا القول): إنه صحيح أن مظاهر الإغراء قد تفقد بعض تأثيراتها بسبب طول الاعتياد وكثرة الشيوع، ولكنها إنما تفقد ذلك عند أولئك الذين خاضوا غمارها وجنوا من ثمارها خلال فترة طويلة من الزمن، فعادوا بعد ذلك وهم لا يحفلون بها، وبديهي أن ذلك ليس لأنهم قد تساموا بها بل لأنهم يشبعون كل يوم منها.

من هنا نؤكد على أهمية اجتناب الاختلاط بغير سبب، خاصة في الحفلات العامة والحفلات الخاصة، والابتعاد عن مواطن الشبهات ومزالق الشهوات، خاصة أن كثيراً من حفلات الاختلاط تشوبها الخلوات، والإسلام لا يجيز أن تخلو المرأة برجل أجنبي عنها ولو كانت محتشمة في لباسها ومظهرها، وفي ذلك جاء الحديث الشريف "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".

لم يكن الذين يدعون إلى تحرير المرأة في بداية القرن يحلمون بالوصول إلى ما وصلت إليه المرأة اليوم من العلم، بل إنهم كانوا يعترفون أن أقصى ما يطالبون به هو تعليم المرأة العلم الابتدائي الذي يساعدها على تربية أولادها ومساعدتهم على التعلم، أما ما وصلت إليه المرأة الآن من الثقافة والعلم فهذا أمر لم يكن بالحسبان، خاصة أن طموح المرأة لا يقف عند حد، فهي تسعى لإزالة كل ما يمكن أن يؤدي إلى التفرقة في المساواة بينها وبين الرجل، لهذا ليس من المستغرب أن نجد في بنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة بنوداً تتعلق بواجب الدول الموقعة على الاتفاقيات في إيجاد المساواة بين الرجل والمرأة عبر تهيئة " نفس الظروف للتوجيه الوظيفي والمهني، وللوصول إلى الدراسات والحصول على الدرجات العلمية في المؤسسات التعليمية في جميع الفئات، في المناطق الريفية والحضرية على السواء".

والواقع أن هذه الاتفاقيات إذا كان يمكن أن تتماشى مع المجتمعات الغربية الأخرى فإنها لا تتماشى مع المجتمعات العربية التي لا زالت الفطرة تغلب على شريحة كبيرة من نسائها، حيث لازالت الفتاة تتعلم لمجرد أن تنال شهادة ما تؤمن لها الزوج المناسب وتقيها عثرات الأيام، هذا ما تؤكد عليه الدكتورة إلهام منصور حيث تقول عن المرأة اللبنانية: "إذا سألنا الأهل عن فائدة العلم بالنسبة للفتاة نسمع، في أغلب الأحيان، الجواب التالي: إن واجب المرأة الأول هو الزواج، وإن لم توفق المرأة بزوج كما تريد، أو إذا افتقر هذا الزوج أو إذا انقطع عن العمل لسبب من الأسباب فالمرأة المثقفة تستطيع العمل لتأمين العيش فقط، فالعلم والعمل عند المرأة اللبنانية هما قوة احتياطية أكثر الأحيان لا تُستغل".

لقد أنكر دعاة التحرر رغبات المرأة وحاجاتها الفطرية إلى تكوين الأسرة وإنجاب الأولاد، وحاولوا الإثبات أنه ليس هناك فروق بيولوجية تمنع المرأة من العلم والعمل وإثبات الذات، إنما الموانع هي موانع خارجية تتمثل في الإسلام الذي يقف حاجزاً في سبيل تعلم المرأة، مع أن هذا مناف للحقيقة، فالإسلام "لن يمنع المرأة من طلب العلم، فهو الذي يدعوها إليه بل يفرضه عليها، ولكن الإسلام يشترط في تعليمها وفي نشاطها كله شرطين اثنين: أن تحافظ على تربيتها وأخلاقها، وأن تحافظ على وظيفتها الأولى التي خلقها الله من أجلها، وهي رعاية الأسرة وتنشئة الأجيال، وفي حدود هذين الشرطين تتحرك حركتها كلها".

هذا هو المطلوب فقط، المطلوب التعامل مع الأولويات ومع حاجات المرأة بصراحة لا كبتها كما تطلب إحداهن من زميلاتها المتحررات حيث تقول: "المتحررة حقاً هي التي تستطيع أن ترفض أي تدبير يتنافى مع اكتمال شخصيتها وتحقيق استقلالها، وبين الاستقلال والزواج تختار المرأة المدركة الواعية الاستقلال حتى ولو ضحت بحياتها الاجتماعية، لأنها تعلم أن حياتها الحالية في حياة لا تحمل مقومات استمرارها إلا من حيث الناحية الحيوانية فقط".

هل هذا الكلام مقبول؟ لا، إن الإصلاح لابد أن يراعي حاجات الإنسان والمجتمعات، ولا يفكر في مصلحة فرد دون آخر، فما ينفع النساء إن حصلن على الشهادات العالية وحُرمن من نعمة الأمومة، التي لا تكتمل كيان المرأة إلا بها، وصَدَقت يمان السباعي حين قالت: "ويل لأمة تفخر بنسائها في كليات الهندسة ورجالها على الأزقة لا يجدون عملاً، ولا يفكرون في قضية، ولا يحملون مسؤولية، ويل لأمة أهانت رجالها لتثبت ذاتية نساء ضائعات".

ما هو مفهوم الحرية؟ ومن هو الإنسان المتحرر (رجلاً كان أم امرأة)؟ هل هو ذلك الإنسان الذي أطلق العِنان لنفسه وشهواته يفعل ما يشاء متى شاء وفي أي وقت شاء؟ وهل الحرية تعني تفلت الإنسان من المسؤوليات والواجبات كي يصبح كالحيوان هدفه من الحياة إشباع غرائزه وشهواته؟

لا، إن معنى التحرر هو ذلك "التفكير العقلي والمنطقي في التخطيط للحياة بعيداً عن غول المؤثرات الخارجية مثل الأجواء والبيئة والعادات والتقاليد ومتطلبات العصر وغيرها، أو الداخلية مثل النفس، والشهوات والغرائز وما شابه، والتحرر أيضاً يعني العمل قدر الإمكان والمستطاع لإعطاء كل ذي حق حقه فللنفس حق.. وللغرائز حق.. وللمجتمع حق.. وحدود كل ذلك هو عدم تجاوز حقوق النفس والآخرين، وعدم الإسراف في ذلك" .

هذا المعنى لم يفهمه بعض دعاة التحرر من المسلمين الذين اعتبروا التحرر إطلاق العِنان للغرائز والشهوات دون اعتبار لمصلحة المرأة أو مصلحة عائلتها، لقد فهموا التحرر بأنه التهجم على القيم والأخلاق والإسلام الحامي لهذه القيم، لذلك اعتبروه العدو الأول للمرأة دون تفكير أو دراسة لتاريخه وتشريعه مكتفين بترداد ما نقله المستشرقون الحاقدون دون تمحيص، مما يسهل على المطلعين على أقوالهم انتقادهم بسهولة لما فيها من كذب وتدجيل، من هؤلاء أتباع الحركة النسوية العربية حيث تقول إحداهن: إن المرأة في الجاهلية كانت تتمتع بمزايا وحقوق سلبها منه الإسلام (السعراوي، 1982) وتقول أخرى أن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها منحت الرسول أول عمل له ليتاجر في دمشق وكان عمره 12 عاما (الحبري،82).

إن المشكلة التي تعاني منها المرأة العربية المعاصرة هي الفجوة الزمنية التي تفصلها عن العالم الغربي حيث تخطت الحركة النسوية العالمية feminism مرحلة تحرير المرأة والمطالبة بمساواتها بالرجل لتصل إلى مرحلة جديدة تسمى "مرحلة ما بعد الفمنزم" تحول فيها عمل المرأة العالمية إلى معالجة المشاكل الاجتماعية التي تسببت بها خروج المرأة إلى العمل وإهمالها لأسرتها.

لقد كان من آثار اتجاه المرأة نحو العمل: ذلك التفكك الأسري الكبير الذي ترك بصماته على وضع المرأة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، فكانت أولى هذه النتائج غياب نموذج الأسرة التقليدية التي تشير الإحصائيات الغربية إلى أن نسبتها المئوية في تناقص كبير، فنسبة الأسر التي يعمل الأب فيها بينما تبقى الأم في البيت لرعاية الأطفال، أصبحت تمثل 30% من العوائل في أميركا و 11% في بريطانيا، كما ارتفع في الوقت نفسه نسبة الذين يعيشون حياة زوجية دون رابطة قانونية، ففي بريطانيا ازدادت نسبة النساء اللاتي يعشن مع رجل دون رابطة رسمية من 8 % علم 1981 إلى 20% عام 1988 .

وكان من هذه النتائج أيضاً: تقليل معدلات الولادات، ورفع نسبة الطلاق وانتشار ظاهرة الأمومة المنفردة والعنف المنزلي الذي كثيراً ما يستدعي تدخل الدولة لتخليص المعنفة، وظهور مشكلة المسنين التي أصبحت أحدث مظهر من مظاهر تحلل روابط الأسرة التي لا تكن للمشاعر العائلية أي اعتبار.

أخيراً.. هل المرأة عندنا متخلفة؟ نعم، قد يكون ذلك واقعاً جزئياً وليس وهماً، المرأة عندنا مهضومة الحقوق؟ نعم، فإنه في مجتمعات ابتعدت بصورة أو بأخرى عن هدي الإسلام لا بد أن يحدث مثل ذلك، ولكن هل هي وحدها التي تعاني؟ والرجل ما شأنه؟ إنه أيضاً متخلف في عديد من مجالات الحياة، إنه أيضاً مهضوم الحقوق في كثير من الصور (ويعاني)... فليست مشكلة المرأة عندنا في حجابها... ولا في قضية عملها، ولا في قضية التزامها ببيتها وزوجها وأولادها... إن مشكلة المرأة ومشكلة المجتمع بعامة عندنا تتلخص بأنه من الضروري أن يتنور كل من الرجل والمرأة وأن يتعلّما، وينفّذا قواعد الإسلام، وعندئذ يستطيع المجتمع المؤلَّف من الرجل والمرأة تحديد ما يريد بناء على بصيرة ونور من هدي رب العالمين.



رد مع اقتباس
  #19  
قديم 03-04-2005, 03:35 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

صور من ظلم المرأة
زيد بن إبراهيم الخثلان






تعاني المرأة صنوفاً من الظلم والجور، الذي يقع عليها تعدياً لأحكام الله، وعصياناً لأوامره، والله - جل وعلا - قد بين الحلال والحرام، وحد الحدود بقوله، وقوله الفصل وحكمه العدل قال - تعالى -: "وكان الله على كل شيء رقيبا " وهو - سبحانه - أعلم بصالح عباده وإليه يرجع الأمر كله، وهو القائل - سبحانه وتعالى-: "يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم"{النساء: 176} أي: لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان، ومن أعظم هذه الأحكام: المواريث التي أمر الحق جل ذكره بالمحافظة على ما فصله فيها، وأمر بلزوم ما حده فيها، ونهى عن تعدي ذلك بتوريث من لا يرث، وحرمان من يرث.

ولا شك أن الجور على أحكام الله انتهاك لأمره، ورضا بغير حكمه، ونشر للظلم ليكون مشاعاً بين المجتمع - عياذاً بالله من هذا الحال - والله - سبحانه - يقول: "من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم" {النساء: 12}، قال ابن كثير - رحمه الله -: "أي لتكن وصيته على العدل لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم الورثة أو ينقصه أو يزيده على فرض الله له من الفريضة، فمن سعى في ذلك كان كمن ضاد الله في حكمه وشرعه".

وهذا من عظيم الإخلال بالأمانة وتضييعها، والله - تعالى - يقول: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" {النساء: 58} ويقول - عليه الصلاة والسلام - محذراً من خيانة الأمانة: "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان"(1) فأي نهاية تلك التي يكون الإنسان بها مغادراً عن الدنيا بعمل سيئ تترتب عليه المظالم في حق المخلوق؟! ولقد قسم الله - تعالى - حق النساء في الميراث، والتساهل في ذلك وإبطاؤه، والمماطلة من الإثم العظيم، فما بالكم بمن يحرمهن من حقهن البتة!!

إن هذا الجور والتعدي حاصل ممن امتزج في قلوبهم البعد عن أحكام الله - تعالى-، وأطماع الدنيا، والحب الجم للمال، حتى علت الغشاوة السوداء على بصرهم وبصيرتهم، وأصبحت الدنيا لديهم مفضلة على الآخرة، فظلموا المرأة، وسلبوا حقها؛ بل منهم من ارتبط لديه هذا المفهوم بعادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، فزعموا زوراً أنه لا ميراث للمرأة؛ متخطين شرع الله الحكيم العليم، فشربوا أهواءهم، وعملوا بها، وإن مما أوصى به الحبيب المصطفى في الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن الرسول أنه قال: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة" رواه ابن ماجه والنسائي.

وإن من الظلم الواقع على المرأة أيضاً أخذ صداقها معرضين عن أمر الله - تعالى-: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"{النساء: 4} وهذا أمر بالأداء، ونهي عن الاستيلاء، فالصداق - المهر - من حقوقهن الخاصة ليس لأحد فيه حق إلا بطيب نفس منها، قال - تعالى -: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا"{النساء: 4}.

ومن الظلم أيضاً: المضارة في العشرة، وذلكم هو الرجل تكون عنده المرأة فيضرها ويؤذيها لتتخلى له عن مالها أو مهرها ظلماً واستعلاءً، ويمارس معها صنوفاً من القهر والإيذاء لتترك له ما تبقى من مهرها في ذمته، أو تعيد له ما دفعه لها، هل هذه هي المعاشرة بالمعروف؟ قال - تعالى -: "وعاشروهن بالمعروف" {النساء: 19} أم هذا هو التسريح بإحسان الذي بينه الحق - جل وعلا - في قوله: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه"{البقرة: 231} ويقول أيضاً: "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا"{النساء: 20}.

ومن الظلم الواقع على المرأة: منعها من الزوج الصالح التقي، يقول رسول الله: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد"(2).

وإن على أولياء الأمور النصح لمولياتهم، واختيار الأكفاء، والسؤال عنهم، وإعلام المرأة صاحبة الشأن بأمر الخاطب؛ إذ لا يجوز تزويجها بغير رضاها؛ عملاً بقول المصطفى: "لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، وإذنها الصموت"(3) رواه الترمذي.

كذلك من الظلم الواقع على المرأة: عدم تعليمها شؤون دينها، وتركها هملاً لا تعرف أوامر ربها، وسنة نبيها محمد، فلا تعلم الوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة وأمور الحج، وغير ذلك مما يلزم تعلمه؛ لينشرح صدرها بنور الإسلام، وفيض تعاليمه المباركة.

ومن الظلم: عدم تعليمها أخلاق الإسلام الفاضلة كالصدق والبر وحسن الكلام، بل تركهن لمجالس الغيبة والنميمة وسيئ الآداب، وعدم حمايتهن من النظر المحرم، والمخالطة المحرمة. وكل هذا من غش الرعية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"(4).

إن الواجب على ولي أمر المرأة تبصيرها بدين الله - تعالى - والحث على المعروف، والنهي عن المنكر، وإرشاد أهله إلى ما فيه خير لهم، وأن يكون بيته مشرقاً بالنور والهداية والتربية القويمة على هدي كتاب الله وسنة رسوله، فلا يلهيهم ويصدهم عما خلقوا من أجله، ألا وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وإن من أعظم ما يصرفهم عن الله والدار الآخرة الملهيات المحرمة، وسماع الغناء الذي يبث النفاق في القلب، والمناظر الفاتنة التي تصرفهم إلى الشهوات، وما يحصل من تهيئة جو المعاصي لهم، وتزيين الفتن والشهوات، وإحاطتهم بسياج المعاصي، وذلك هو بذل أسباب المعصية والضياع، قال جل ذكره: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" {التحريم: 6}.

إن الدلالة على الخير من أوجب الواجبات، وهو إيفاء بحق المرأة، وحفظها من الشرور والآثام. وأما تقريبها من الشهوات فهو الظلم المتعدي، حيث يمتد هذا الظلم إلى أبنائها التي هي راعية لهم، يقول - عليه الصلاة والسلام -: "والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها"(5).

1- رواه البخاري، كتاب الأدب، باب 69، ص623، رقم الحديث 6095.

2- رواه الترمذي في النكاح: باب 3، ح1091، ص173.

3- رواه الترمذي، النكاح: باب 17، ح1113، ص203.

4- رواه مسلم، الإمارة: ك33، ب5، ص419، رقم الحديث 4706.

5- رواه البخاري، النكاح، باب 81، 82، حديث 5188، ص 316.



رد مع اقتباس
  #20  
قديم 03-04-2005, 03:37 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

قضايا المرأة.. رؤية جديدة
رحمة بنت مالك بن نبي






ازداد الحديث في الآونة الأخـيرة حول المرأة، وكثرت المؤلفـات التي تناولتهـا وجعلتها ساحة لدراستها، فتفننت في وصف المعاناة التي تواجهها المرأة اليوم.. ومع هذه الظاهرة وهذا الاهتمام ظهرت مصطلحـات جديدة قُرنت بموضوع المرأة، منها: مشكلة المرأة، أزمة المرأة، إشكالية المرأة، قضية المرأة، كل هذه تعبـير وتعريف عن هذا العصر الذي عُرف أيضاً بعصر الجنس اللطيف.

ومع هذا فإن "المشكلة" وواقعها يسير معاكساً لهذا الترويج، وكأن واقع المرأة لا يزال هو الواقع نفسه التي تحاول هذه المؤلّفـات التغيير فيه، هذا إذا لم يكن قد ازداد تدهوراً.

فالمرأة على الرغم مما نقـرأ من نصوص الكتاب والسنة، وعلى الرغم مما منحهـا الإسلام من مكانة لا تقل عن مكانة الرجل (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71)، وعلى الرغم مما أوصى بها من خير، لا تزال مهزومة من الداخل ومن الخارج، ولا تزال تشعر بالضعف والانكسار وبعدم تحقيق الذات.

وقد يضيق صدر البعض بهذا الذي أتقـدم به، ولا بأس في ذلك فقد يرى بعض الرجال أن شريكته أو أمه أو أخته لا تعاني من هذه المشـاعر وهذه الآلام، وهي تحظى داخل الأسرة وخارجها بطائل من الاحترام والكرامة.

ويحسن هنا أن نذكر أن هنـاك عاملاً مشتركاً بين النسـاء جميعهن، يقرب بينهن ويربط بعضهن ببعض، وهو أن الله وهب المرأة من الأحاسيس والشفافية ما يؤهلها للقيام بوظيفتها كمربية وزوجة على أحسن وأكمل وجه. إنها تحنو على رضيعها؛ فتستوحي من بكائه وابتسامته ما يزعجه وما يسعده، وتتعامل مع زوج قد لا يعبر عن أحاسيسه على النمط الذي تعبر به هي. ومع هذا لا تعجز عن تلبيته والتعاون معه.. إذن فإن طبيعة تكوينها وتركيبها تجعلها عرضة للتأثر بما تشعر به غيرها من النساء، أو بما تروجه الثقافة من حولها، وذلك على الرغم مما يقدمه لها الزوج أو الأسرة من تقدير واحترام.

بعد هذا يبدو أن الأسئلة التي لا بد أن تتـبادر إلى الأذهـان - حتى نلقي بعض الضوء على أسباب هذه المعاناة، وربما على بعض معالم الحل - هي: لماذا لم تؤتِ هذه الكتابات أُكلهـا؟ وما هي العوامل التي جعلت هذه الآيات الـكريمة وهذه الأحاديث الشريفة واقعاً انتفع به أسلافنا في صدر الإسـلام؛ واقعـاً انبثقت منه نساء تركن بصماتهن على وجه التاريخ؟ وما هي الجسور التي هُدّمت فحالت بيننا وبين هذا الواقع المشرق؟

عند المراجعة للكتابات التي اهتمت بموضوع المرأة نلمس منها صنفين:

الصنف الأول: اهتم بتجميع الآيات الكريمة، والأحـاديث الشريفـة التي تـدل وتوضح منزلة المرأة في الإسـلام، وما تحظى به من حقوق وامتـيازات. وينبغي لنا أن ندرك هذه الحقائق، وأن نقدر هذه الأعمال خير تقدير؛ حيث إنها تمثل قاعدة لا بد منها للانطـلاق لدراسة واقع المرأة، ولفهم هذه النصوص وتخليصها من رواسب التقليد والعادات.

غير أن هذه الأعمال تبدو أحياناً وكأنها للتباهي والتفاخر، أو أنها مجرد سرد بهدف رفع معنويات هذا المخلوق الرقيق - المرأة - التي كثيراً ما تُظلم، عن فهم أو عن جهل، على الرغم من الخدمات العظيمة التي تقدمها لمن حولهـا.

إنها تمر خلال أطوار حياتها بأدوار عظيمة من ابنة بارة، إلى زوجة صالحة؛ ومن ثم إلى أم تتحلى بأجلّ خصال، تمنحها القدرة على العطاء لمن حولها، وتخلصها من الأثَرة حتى تُشرف على إعداد إنسان متوازن فعّال، وقد كان من الأجدى لو أن هذه المؤلفات اهتمت أيضاً برسم التطورات التي مر بها واقع المرأة منذ بداية رسالة الإسلام إلى يومنا هذا، الذي أصبحت المرأة فيه واحدة من اثنتين: إما جـاحدة لمعنى مكانتها ورسالتها، وإما امرأة "رَجِلة"، أي صارت رجلاً مشوهاً، كما أطلق عليها الشيخ "محمد الغزالي" رحمه الله.

وعلينا أن نلاحظ أن رسم هذه التطورات يستلزم توضيح أن الإنسان تكون قيمته الذاتية انطلاقاً بين قيمتين:

أما القيمة الأولى: فثابتة لا تتغير، لا عبر الزمان ولا عبر المكان، قيمة كرمه الله بها منذ خلق آدم - عليه السلام - وتتمثل هذه القيمة في الامتيازات التي متَّعه الله بها من حرية عقيدة، وكرامة نفس وعقل، وحفظ لأسرته إلى جانب ماله، إضافة إلى الحدود التي رسمها حتى لا يعتدي على هذه الامتيازات.

وأما القيمة الثانية: فهي قيمة اجتماعية، تتغير بتغير الزمان والمكان، أي من عصر إلى عصر، ومن أمة إلى أخرى، فهذه القيمة يستلهمها الفرد من ظروف الحياة التي يعيشها، ومن مدى حماية مجتمعه للامتيازات التي منحه الله إياها.

وخلاصة هذه العلاقة ما بين القيمتين: أنه كلما ارتفعت القيمة الاجتماعية للفرد زادت الضمانات التي تدافع عن امتيـازات الفرد، لتقـارب القيمة الثابتة كلما استشعر هذا الفرد، رجلاً كان أم امرأة، ارتفاعاً لقيمته الذاتية والنفسية والمادية، والعكس صحيح.

وللتوضيح نذكر أن الله تعالى ضمن الامتيازات التي كرم بها آدم، أن حرّم دمـه بغير الحق، فهو بذلك وضع قيمة ثابتة للنفس البشرية، غير أن القيمة الاجتماعية لهذه النفس قد تهبط في ظروف معينة - من استبداد وغيره - لدرجة أن يصبـح القتل أداةَ لذة، أو أداة لتحقيق مصلحة مادية.

وهنا يبدو جلياً أن سبب شعور المرأة بالانهزام، وعدم تحقيق الذات، ليس راجعاً إلى قبول أو رفض النصوص التي كرمتها فحسب، بل أيضاً إلى طبيعة العلاقة بهذه النصوص، وأن رصد هذه العلاقة هو الذي سييسر على الدارس تصحيح الواقع طبقاً للمبادئ القرآنية.

وأما الصنف الآخر من الكتابات: فهي تلك التي تناولت المرأة وكأنها عنصر مستقل عن باقي المجتمع. ويبدو أن هذا الصنف الأخير يمثل قطبين في صفة صراع ظاهري: قطب أراد انفتاحاً كاملاً وتقليداً أعمى للغرب، وقطب شدّد على المرأة حتى كاد أن يخنقها، وبرهن على أن الغُلُوّ يولد الغلو، أي أنه دفعها في كثير من الأحيان إلى مثل ما أراد لها الطرف الأول، وجعلها بذلك تهرب من واقعها وتلهث وراء الغرب

فإن دققنا النظر وأمعناَّ أدركنـا أن معاناة المرأة إنما تنبع من معاناة مجتمع بأكمله، فما الرجل والمرأة إلا صورتان لموضع واحد وهو الإنسان. إن أمراضنا متعددة، ومن طور إلى طور قد تختلف الأعراض التي تبدو على الرجل والمرأة من فكر عقيم واضطرابات أسرية، وأزمات أخلاقية، غير أن الجرثومة واحدة.

إذن، يجب أن يكون الحل لمعاناة المرأة منسجماً مع الحلول للمشكلات الاجتماعية الأخرى، ضمن برنامج حضاري شامل. فما أفلست المرأة إلا عندما أفلس المجتمع بأكمله.

ولن يكون الحل حلاً إلا إذا بعثنا الأمة جمعاء وسرنا في الاتجـاه الصحيح، ويقول والدي وأستاذي "مالك بن نبي" في هذا الإطار: "يجب أن لا تكون نظرتنا إلى هذا الموضوع بدافع رفع المستوى المرأة ذاتها، أي بدافع من مصلحة المرأة وحدها، بل بدافع من حاجة المجتمع وتقدمه الحضاري".

وقد فهم الغرب هذا الأمر، بعد أن ظل يتحاور عقوداً طويلة حول موضوع المرأة ويتساءل: هل المرأة كانت مثل الرجـل؟ هل لديهـا روح؟ هل يحق لها ما يحق للرجل؟ هل تحتاج إلى مثل ما يحتـاج إلى الرجل؟ ووصل مؤخـراً إلى قناعة بأن النظرة إلى المرأة على أساس أنها عنصر مستقل عن جوهر المجتمع لم تعد تخدم غاياته ومصالحه؛ لذلك أراد بصفة متسرعة أن يمنحها مساواة صورية، بغض النظر عن مدى صلاحية أو بُطلان هذه النتيجة، وقد دفعته هذه المساواة الصورية إلى عرقلة أو منع الدراسات الدقيقة التي تبحث عن طبيعة الفروق بين المرأة والرجل واعتبرها فروقاً نوعية لا وزن لها في توزيع الأدوار.

ويكفينا هنا أن نذكر مثـالاً على أن الحـل الذي يكون هدفه رفع مستوى المرأة فحسب - دون النظر في البعد الاجتمـاعي لهذا الحل - يصبح حـلاً قاصراً عن خدمة ورعاية مصالح المجتمع. لقد عرض التلفاز لقطات لنساء استطعن أن ينتسبن إلى فرقة الإطفاء بعد أن أصبح الرأي العام - بسبب ضغوط الحركات النسائية - يشجع مثل هذه الأدوار للنساء أيضاً. غير أن هؤلاء الفتيات على الرغم من الرغبة التي تغلي في دمائهن للمسـاواة مع الرجال، وعلى الرغـم مما يعتقدن ويقدرن قواهن، فإنهن فشلن في إثبات جدارتهن وصلاحيـاتهن لمثل هذه المسؤولية، وقد كشفت هذه اللقطات عن بعض هذه المثالب، فتاة تسقط وهي تحمل سُلم الإنقاذ أو أنبوب الماء لتطفئ النيران.

إذن فإن قبول الفتيات في مثل هذه المدارس - بهدف رفع مستوى المرأة في المجتمع - كان لا بد أن يفرز نتيجة سالبة في حق المجتمع، وقد اضطرت هذه المـدارس إلى التخفيف من مستوى التدريب المطلوب، والتغاضي عن ضعف الفتيات الوظيفي "الفسيولوجي" والنفسي، من أجل منحهن حقاً موهوماً؛ حق المساومة في أن تلج كل الميادين، وفي هذه الظروف تنعكس النتائج على سلامة المجتمع بأكمله، بحيث يصبح مستوى رجال ونسـاء المطافئ دون المقتضيـات التي تتطلبهـا مثل هذه المسؤولية؛ فيتحول هذا الحل إلى تهديد ضد مصلحة المجتمع.. فالأجـدى إذن، رعاية لمصلحة المجتمع، الاعتراف بعدم صلاحية النساء لمثل هذه المسؤوليات من أجل المحافظة على مستوى الاستعدادات اللازمة لمجابهة النيران المشتعلة.

ومن هنا فإن مشكلة المرأة ستبقى قائمة ما بقينا ننظر إليها على أساس أنها عنصـر مستقل، ما لم نبحث عن حـل ينسجم وباقي الحلول الاجتماعية، ولبيـان هذا الأمر نقول:

إن الكتب التي لم تتصور، ولم تصّور، المرأة على أساس أنها جزء من جوهر المجتمع تكون كمثل الذي يعالج اليد وكأنها ليست عضواً من أعضاء كيان واحد، إن سلامة اليد - وإن كان لها بعض الحاجات الخاصة بها، كتقليم الأظفار أو غير ذلك من الحاجات - تعود إلى ممارسـات أسباب سلامة الجسد كله. فإن ضعف الجسد، أو ضعفت الصلة التي بينها وبين باقي الأعضاء، فإنها بدورها تهن وتضعف.

لهذا فإن أردنا أن تنتصر المرأة في المعركة ضد الشعور المحبط بعدم تحقيقها لذاتها، فإن علينا أن نجابه الوضع على أساس نظرة شمولية، أي على أساس أنه أزمة مجتمع، وليس أزمة عنصر أو جنس دون الآخر، ومن ثم فإن عليـنا أن ندرك الجـانب الفكري والثقافي المتسلط على المجتمع عامة، ومن ثم متسلطاً عليها، وأن نعي ما أوضحه الشيخ "الغزالي" - رحمه الله - عندما قال: "إن التخلف النفسي والذهني لا تُصـاب به الأمم بغتة، وإنما يجيء بعد أمراض تطول، ولا تجـد من يُحسن مداواتها"، ولعل من المهم أن نذكر هنا أن هذه العوامل - المسيطرة على المجتمع ومن ثم على المرأة - ليست منفصلة. ولكننا نفصلها لكي نبين أهميتها على حدة، وقد يحتاج بيـان هذه الأمور إلى تفصيل طويل، ولكن حسبنا أن نذكر هنا بعض المعالم المهمة التي جعلت المرأة تفقد ثقتها بنفسهـا؛ الأمر الذي حـال بينها وبين شعورها بتحقيق ذاتها.

ونشير هنا إلى أن اهتمام هذه الدراسة بإبراز تدخل تلك العوامل التي جعلت المرأة تشعر بعدم تحقيق ذاتها لا يهدف إلى تحديد معاناة المرأة؛ فإن أوجه القلق والتخبط الذي تعيشه المرأة كثيرة ومتعددة، ولكننا تناولناه على سبيل المثال فقط.

فما هي إذن هذه العوامل التي سيطرت على البناء الفكري والثقافي للمجتمع؟

علينا أن نستوعب أن الجهل ألوان، جهل بمعناه السهل، وجهل مركب.

فأما الأول: فإن مكافحته والتغلب عليه أقل صعوبة من النوع الثاني؛ لأن صاحبه يدرك هذا النقص الذي يحمله، أما الثاني: فإن صاحبه لا يدرك حقيقة وضعه؛ إما لأنه يحمل أوهاماً يظنها علماً، أو أنه مصاب بآفة "تكديس المعلومات" أو "غمر الدماغ"، أي أنه يحمل جرثومة تجعله عاجـزاً عن تحويل معلومـاته إلى برنامج تطبيقي، ومن ثم تؤدي به إلى مضاعفات أشد خطورة من عدم امتلاك المعلومات. إنه باكتسابه لهذه المعلومات التي أُفرغت من فاعليتها يصل إلى تناقض داخلي يفرز عدم ثقته بنفسه وبالعلم، فتسيطر عليه الأوهام التي تجعله أداة لخدمة أهوائه ومطية لغيره.

إن مثل هذا الجاهل يغيب عنه الفرق بين الجهل وحقيقة العلـم، فينسى أن العلم إنما هو من أجل الإذعـان بالعبودية لله، وتسخير الكون لأداء رسالة، وليس من أجل تحصيل ورقة أو شهادة يطبع منها نسخـاً كثيرة، بينما يربط صاحبها بالعلم خيط واهٍ ضعيف، ينقطع يوم تنقطع صلته بالكلية، ومن ثم يخرج منه العلم دون أن يهضمه، فيتشبع به عقله، أو يتمثله سلوكه.

وهذا النوع من الجهل المركب هو الذي تسرب إلى المرأة، فهي تطمح إلى تحصيل شهادة يقدرها مجتمع لم يعد يعي مسؤولياته. وكثيراً ما يشجع حركة لا تتقدم به إلى الأمام، بل وكثيراً ما تسير به إلى الوراء.

فالفتاة اليوم كثيراً ما تجهل طبيعة أدوارها، ورسالتها في رعاية المجتـمع، فتخطط - إن خططت - لحياتها، دون مراعاة إمكانياتها وغاياتها، ولكن طبيعة الحياة ترفض هذا التحدي، فيصدمها الواقع بخسـائر حين لا تستطيع تحقيق أهداف كانت قد بنتها على أساس من الخيال والأوهام، ومن ثم تصـاب بخيبة أمل ترهقها بالشعور بعدم تحقيق ذاتها.

لن نبحث هنا فيما إذا كانت هذه الأفكار تصدَّر إلينا من خلال غزو فكري شديد وبأساليب شتى من مسارب جلية أو خفية، أو أننا نحن بمحض إرادتنـا - المسيّرة في كثير من الأحيان - نختار أن نستعير أفكاراً من خارج إطارنا الفكري والثقـافي لنسد به فراغاً لا بد أن يملأه شيء ما.

ومن المؤسف أن الكثير من هذه الأفكار المستعارة لا يمكن أن تتعـايش أو تتفاعل إيجابياً مع باقي الأفكار السائدة، فينتج عن هذا خليط غير متجانس يحمل جاهليات وأمراض شعوب أخرى، تزيد رؤية الأمة والمرأة - التي هي محور دراستنا - غبشاً وضعفاً، ونشير هنا إلى أن فشل هذه الأفكار المستوردة قد يعود إلى أحد سببين: إما أنها أفكار لم تلق نجاحاً في أرضها، فتُوّج فشلها بإعلان موتها، واستبدال أفكار جديدة بها، غير أن غيابنـا عن ساحة الأفكـار حال بيننـا وبين حضور موكب جنازتها، فبقينا مفتونين بها. وإما أنها أفكار صالحة داخل أجوائها الأصلية، حيث تحظى بعلاقات تغذيها وتحميها، بينما تتحول إلى أفكار ميتة أو مُميتة في بنية جديدة تحرمها من تلك العلاقات الأساسية.

إذن.. فلكي تقوم الاستعـارة على أسـاس سليم لا بد أن تتم وفق منهج يحمي علاقات أساسية ثلاث، أي أن تكون هذه الفكرة المستعارة ذات ترابط إيجابي:

أولاً: مع باقي الأفكار التي تشكل الإطار الفكري والثقافي في هذه البيئة الجديدة، بحيث لا يكون هناك تعارض يؤدي إلى انعدام فاعلية الفكرة أو تأثيرها تأثيراً مضاداً.

وثانياً: مع الأشياء التي تخدم هذه الفكرة، وتساعد على تحقيق نجاحها.

ثالثاً: مع الأشخاص، أي أنها تكون فكرة تخدم غايتهم، وتحترم قيمتهم.

وعلى سبيل المثال: نذكر أن المرأة المسلمة عندما استعارت من المرأة الغربية زيها الذي يُبدي العورة - بدل أن يبدي إنسانيتها - قامت باستعارة مشؤومة تتحدى هذه العلاقات الأساسية الثلاث. وهذا الزي إنما يخدم غايات العـالم الغربي الذي يبحث عن المتعة الآنية، والذي يعاني من أنانية جعلت المرأة تطرق باب رزقهـا، مستعينة على ذلك بمفاتنهـا، وفي المقـابل فإن هذا الزي يشكل خطـراً على الامتيازات التي تتمتع بها المرأة، داخل الأسرة وفي المجتمع الإسلامي، الذي زاده هذا الزي تدهوراً وانحلالاً.

ومن ثم فإن الاستعارات التلقائية التي لا تقوم على أساس من التخطيط والدراسة والبحث السابق تشكل خطراً يهدد الأفراد بالقلق، والأمة بالتقاعس، إن هـذه الحقيقة، مهما كانت واضحة، فإنها لا تزال غائبة عن أذهان حبيـسة التبـعية، والمرأة وسط هذه الأمواج المتلاطمة من الأفكـار المستوردة - التي لا تحتوي لا الغايات ولا الوسائل - لن تجني سوى خسائر مادية ومعنوية، حينما تحاول تطبيق هذه الأفكار؛ فيكون الفشل حليفها، فتشعر أنها لم تحقق ذاتها، بينما تجهل الواقع وهو أن الأفكار تحمل سبب فشلها.

إن الحديث عن الواجبات والحقوق أصبح قاسمـاً مشتركاً بين المرأة والرجـل، فكلاهما يحفظ مجموعة شعارات تستهويه بكلمات رنانة، وتعده بأمنيات بعيدة عن الواقع.

والحقوق في الحقيقة ليست إلا ثمـرات تأتي نتيجة حتمية لأداء الواجبات، وهذه العلاقة هي التي أوضحها الله عز وجل في كتابه الكـريم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ) (النور:55).

و (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة:40).

ومن هاتين الآيتين وغيرهما يبدو جلياً أن الله أمر الناس بتكاليف إن صدقوا فيهـا تكفل الله لهم بها حقهم.

وهذا أيضاً ما يقوله "ابن عطاء الله السكندري" في العـلاقة التي تربط بين الواجب والحق: "اجتهادك فيما لك، وتقصيرك فيما طُلب منك دليل على انطماس البصيرة منك"، أي أن انشغال الإنسان بحقوقه عن واجباته لن يثمر أبداً، وتلك هي سنة الله في عباده.

وهكذا كان مبدأ الأنبياء، وهكذا كان مبدأ سيدنا "محمد" - صلى الله وعلى آله وسلم - الذي بشّر أصحابه بالجنة إن أدوا واجباتهم وأخلصوا فيها.

ومن المؤسف أن منطق العصر قلب هذا المفهوم، وأذاب مبدأ الواجبات، بينما أقر مبدأ السهولة؛ مبدأ المطالبة بالحقوق.

ولعل من هذا القبيل منطق الانتخابات الذي يعتمد نجاح المرشحين فيها على وعود قلما تتحول إلى واقع، وفي ظل هذا المنطق أيضـاً ظهرت في العـالم وفي البـلاد الإسلامية "الحركات النسائيـة" التي تزعم السـعي لتحرير المرأة، والتي استهوت المرأة، وسلكت بها سبيل الأماني، فأغرتها بحقوق موهومة، وأنستها واجباً أساسياً ألا وهو ممارسة حرية الإرادة والقرار ممارسة سليمة، تراعي مصالحها ضمن مجتمع بأكمله، وتضمن لها الطمأنينة التي تخلصها من القلق.

ومما يشهد على ما نقوله: أن المرأة حين خاضت غمار هذا المنطق الأعوج، وآمنت به؛ خسرت أكثر مما ربحت، ووقعت في الاضطراب، مثلها في ذلك كمثل قرينتها في الغرب، التي تطالب بأن تعامل في ساحة العمـل على أساس كفـاءتها لا على أساس أنوثتها، وأن تُمنح مقابل عملها ما يُمنح الرجل.

ومن الثابت أنها لن تنال هذا الحق كاملاً إلا إذا انتقص منها في مجـال آخر، ما دامت تُبدي مفاتنها، وما دامت لم تقم بواجبها، فتصلح من حالها، وتخرج ضمن حدود زي يجعل العمل إلى جانبها يراها على ضوء ما تقدمه من خدمات، لا على أساس ما تعرضه من زينتها ومفاتنها.

إن الواجبات والحقوق سلسـلة متواصلة، فمسؤولية الزوج هي حـق الزوجة، ومسؤولية الزوجة هي حق الزوج، وهذه السلسلة هي التي تمكّن من بُنيان مجتمع راسخ، على أيدي أفراد يوازنون بين الواجبات والحقوق.

وما دامت المرأة تسلك طريق المطالبة بالحقوق، فإن خسائرها ستتفاقم، حتى إنها ربما أضاعت ما تتمتع به من امتيازات؛ فزادها ذلك شعوراً بالقهر والانكسـار وبعدم تحقيق ذاتها.

من المؤسف أن الثقافة في اتجاهها إلى العالمية - أو نحو ما أطلق عليه "القرية العالمية" - أصبحت ثقافة يطغى عليها طابع الغرب الغالب، فكما يقول "ابن خلدون":

"المغلوب يتبع الغالب"، ولقد سيطر على واقع العالم اليوم المذهب المادي الذي يسعى لتحقيق المتعة الآنية، ولامتلاك الرفاهية.

والغرب اليوم - بانصراف المسلمين عن ساحة الأحداث التاريخية - أصبح يدعم هذه الثقافة، ثقافة اللذة والرفاهية، بكل ما لديه من وسائل دعائية، من إعلام ومجلات وأفلام ومغنين ومغنيات.. وغير ذلك، فقد غيرت هذه الثقافة المرجعية من مرجعية قيم أخلاقية، إلى مرجعية استهلاكية، حتى إن الفرد - نفسه - تحوّل - ضمن هذه الثقافة - إلى سلعة استهـلاكية، فلم يعد الكون يسخَّر لخدمة الإنسان، وإنما الإنسان يسخَّر لخدمة الماديـة التي تقوم على المنفعة والرغبـات النفسية. لم يعد الفرد يقاس بما لديه من قيم، وما يتماثل من سلوك، أي أنه لا يقاس وفق مبدأ (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات:13)، بل أصبح يتصور واقعه وقيمته وفق ما يمتلك أو يستهلك من منتوجات.

وقد أفرزت هذه الرؤية المادية - القائمة على أساس المنفعة - عواقب خطيرة أهمها بالنسبة لموضوعنا تغيير مفهوم العمل. إن كلمة "عمل" - بمفهومها اليسير - تعني أن يسلط الإنسان جهداً للقيام بنشاط ما، ولكي ندرك هذا التعريف وعلاقتـه بموضوعنا، علينا أن نحلل العناصر التي يجب أن تتوافر من أجل القيام بعمل ما، إيجابياً كان أم سلبياً:

أولاً: الإنسان الذي سيقوم بالجهد.

ثانياً: الأداة التي يستخدمها من أجل تحقيق نشاطه.

ثالثاً: الخبرات والمعارف التي ستساعد في تحقيق النشاط، أي الطريقة لتحقيق العمل

رابعاً: المبرر والدافع للقيام بالعمل.

فإن اختفى واحد من العناصر الثلاثة الأولى أصبح العمل مستحيلاً، وإن انعدم المبرر، أو نقص، أصبح العمل عبثاً.

والمرأة اليوم - بسبب الغزو الثقافي - تعاني من نقص العنصر الرابع، الذي هـو المبرر؛ وذلك لأنها تعيش ثقـافة مادية طغت على العقائد والأخـلاق؛ فأحالت العمل إلى مفهوم ضيق المساحة، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعائد المادي، بعد أن كان مفهوماً واسعاً، أي كما ورد في القرآن الكريم: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ). (التوبة: 105).

فبعد أن كان الفرد يبحث عن عمل صالح يجمع بين بُعدين، البعد الأُخروي الذي يمنحه المبرر، ويرسي له دعائم التوازن، والبعد الاجتماعي، أصبح اليوم لا يبحث إلا عن عمل يضمن له بعـداً فردياً مادياً، إن لم يحصل عليه وقع في الاضطراب، وأرهقه شعور الفشل وعدم تحقيق الذات.

وهذا ما يلخص شعور المرأة، خاصة إذا لم تساهم في الدخل المادي للعائلة بسبب طبيعة مسؤولياتها الأخرى كأم وزوجة معطاء.

وأخيراً فقد أردنا من خـلال هذا البحث أن نرد موضـوع المـرأة إلى أبعـاده الاجتماعية الصحيحة، وربما كان هذا الجهد خطوة في اتجاه الحل السليم، كما أردنا أن لا ينُظر إلى المرأة على أساس من التبرئة والاتهام؛ فالواقع يصرخ بأن كل فرد من أفراد المجتمع يحمل بعض المسؤولية فيما نعيشه اليوم. فلا شك أن الأفراد يؤثرون في الثقافة، كما أن الثقافة تؤثر في تكوين الأفراد.

والمرأة - لأهميتها وخطورتها الاجتماعية - أصبحت تشغل مساحة كبيرة من اهتمام أولئك الذين يخططون لتوجيه أمة بأكملهـا، بقصد تسخيرها لخدمة مصالحهم، وهذا لا يعني أن ننغلق على أنفسنا، وأن نحرم أنفسنا من تجارب الآخرين "الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها"، بل أن ننظم العلاقات التي تربطنـا بالتجارب الأخرى.

وواضح أن هذا لن يتحقق إلا بإعادة تنظيم طاقة المسلم وتوجيهها، وذلك بإعادة قراءة القرآن، أي قراءة سنن الله في الكتاب، وقراءة ممارسة البشر لهذه السنن، ومن ثم بإعادة تحديد دور المسلم ورسـالته، فإن أدركنا هذه الحقـائق نكون قد أدركنا معنى قول الإمام مالك رحمه الله حين قال: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موضوعات ذات صلة:

هل يميز الإسلام ضد المرأة؟

الأنوثة في نصوص الوحيين

نقص العقل أم نقص الثقافة؟



رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 10:37 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع