مجالس العجمان الرسمي

العودة   مجالس العجمان الرسمي > ~*¤ô ws ô¤*~ المجالس الـخـاصـة ~*¤ô ws ô¤*~ > المجلس السياسي

المجلس السياسي لمناقشة القضايا السياسية حول القضايا المعاصرة

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 13-09-2009, 11:16 AM
ليــه يازمـــن ليــه يازمـــن غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: <<المـــريـــــخ>>
العمر: 39
المشاركات: 7,820
معدل تقييم المستوى: 23
ليــه يازمـــن is on a distinguished road
Question حكايات الغدر والموت والدم (5)




بطل حلقة اليوم كان نموذجاً فريداً من العطاء، فقد استطاع بمفرده إنجاز عمل ضخم يحتاج إلى عشرات العقول والسنين، لُقب
بـ «راهب الفكر». آثر الوحدة والبعد عن الأضواء، وعاش زاهداً في شقة متواضعة منعزلاً عن العالم وأنتج ما يعجز عنه المئات.

قصة حياة جمال حمدان بمثابة أزمة التفوق والنبوغ والعبقرية حين تصطدم بما حولها من أحقاد ونكران وجحود، في مجتمع مثقل بمشاكل التخلف والمنافسات والحزازيات الصغيرة.




نهاية مأساويّة غامضة لمحارب الصهيونيّة الأول
جمال حمدان... مصرع عاشق الجغرافيا والتاريخ



إنه أحد أكبر عباقرة مصر في العصر الحديث، وصاحب الحياة الثرية والإنتاج الفريد والعقلية المبدعة والذهن المتوقد، إضافة إلى الدراسات المتميزة والأبحاث المتعمقة.

إنه مؤلف: «شخصية مصر، اليهود أنثروبولوجيا، استراتيجية الاستعمار والتحرير، بترول العرب، إفريقيا الجديدة، جغرافية المدن، العالم الإسلامي المعاصر». وصل إنتاجه إلى نحو 29 كتاباً و79 بحثاً ومقالة، وغيرها من أعمال لم يمهله القدر أن يظهرها إلى النور.

إنه صاحب النهاية المأساوية الغامضة التي توجت مرحلة مهمة أكثر غموضاً وخصوصية في حياة راهب العلم والفكر. حين زاره من يعرفون قيمته جيداً قتلوه وسرقوا أبحاثه ونظرياته ذات الطابع الاستراتيجي، والتي كشف من خلالها ما لا تعرفه أمة أهانت علماءها وأعلت سفهاءها.

جمال محمود صالح حمدان أحد أعلام الجغرافيا في القرن العشرين، ولد في قرية «ناي» في محافظة القليوبية في مصر في 4 فبراير (شباط) عام 1928، ونشأ في أسرة كريمة طيبة تنحدر من قبيلة «بني حمدان» العربية التي نزحت إلى مصر أثناء الفتح الإسلامي.

كان والده أزهرياً مدرساً للغة العربية في مدرسة شبرا التي التحق بها ولده جمال، وحصل منها على الشهادة الابتدائية عام 1939، واهتم الأب بتحفيظ أبنائه السبعة القرآن الكريم، وتجويده وتلاوته، ما كان له أثر بالغ في شخصية جمال حمدان، وفي امتلاكه نواصي اللغة العربية.

بعد الابتدائية التحق حمدان بالمدرسة التوفيقية الثانوية، وحصل على شهادة الثقافة عام 1943، ثم على التوجيهية الثانوية عام 1944، وكان ترتيبه السادس على القطر المصري، ثم التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا، وكان طالباً متفوقاً ومتميزاً خلال مرحلة الدراسة في الجامعة، إذ كان منكباً على البحث والدراسة، متفرغاً للعلم والتحصيل.

عام 1948 تخرج في كليته، وعُيّن معيداً فيها، ثم أوفدته الجامعة في بعثة إلى بريطانيا عام 1949، حصل خلالها على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا من جامعة «ريدنج» عام 1953، وكان موضوع رسالته «سكان وسط الدلتا قديماً وحديثاً»، ولم تترجم رسالته تلك حتى وفاته.

بعد عودته من بعثته، انضم إلى هيئة التدريس في قسم الجغرافيا في كلية الآداب - جامعة القاهرة، ثم أصبح أستاذاً مساعداً، وأصدر آنذاك كتبه الثلاثة الأولى وهي: «جغرافيا المدن»، و{المظاهر الجغرافية لمجموعة مدينة الخرطوم» (المدينة المثلثة)، و{دراسات عن العالم العربي»، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1959.

عام 1963 تقدّم باستقالته من الجامعة، احتجاجاً على تخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ، وتفرغ للبحث والتأليف حتى وفاته، وكانت فترة التفرغ هذه البوتقة التي أفرزت تفاعلاته العلمية والفكرية والنفسية.

الجغرافيا والحياة

كان حمدان متميزاً داخل حركة الثقافة العربية المعاصرة في الفكر الاستراتيجي، يقوم أسلوبه على منهج شامل معلوماتي وتجريبي وتاريخي من جهة، يعتمد على مكتشفات علوم: الجغرافيا والتاريخ والسكان والاقتصاد والسياسة والبيئة والتخطيط والاجتماع السكاني والثقافي من جهة أخرى.

ولم ير حمدان في علم الجغرافيا ذلك العلم الوضعي الذي يقف على حدود الموقع والتضاريس، إنما علماً يمزج بين تلك العلوم المختلفة، فالجغرافيا، في مفهومه، هي: «تلك التي إذا عرفتها عرفت كل شيء عن نمط الحياة في هذا المكان أو ذاك... جغرافيا الحياة التي إن بدأت من أعلى آفاق الفكر الجغرافي في التاريخ والسياسة فإنها لا تستنكف عن النفاذ إلى أدق دقائق حياة الناس العادية في الإقليم».

آثاره وإنجازاته

كان لعبقرية جمال حمدان ونظرته العميقة الثاقبة فضل السبق لكثير من التحليلات والآراء التي استغربت حين إفصاحه عنها، وأكدتها الأيام بعد ذلك، فقد أدرك بنظره الثاقب كيف أن تفكك الكتلة الشرقية واقع لا محالة، وكان ذلك عام 1968، عندما كان الاتحاد السوفياتي في أوج مجده وقوته، فإذا الذي تنبأ به يتحقق بعد 21 عاماً، إذ حدث الزلزال الذي هز أركان أوروبا الشرقية، وانتهى الأمر بانهيار أحجار الكتلة الشرقية، وتباعد دولها الأوروبية عن الاتحاد السوفياتي، ثم تفكك الاتحاد وانهار عام 1991 (انظر كتابه: «استراتيجية الاستعمار والتحرر»).

عُرضت عليه مناصب كثيرة تلهث وراءها الزعامات، وكان يقابل هذه العروض بالاعتذار، لأجل التفرغ للبحث العلمي. مثلاً رشّح عام 1983 لتمثيل مصر في إحدى اللجان المهمة في الأمم المتحدة، لكنه اعتذر عن ذلك، على رغم المحاولات المتكررة لإثنائه عن الاعتذار، كذلك اعتذر عن عضوية مجمع اللغة العربية، ورئاسة جامعة الكويت...

بعد وفاته المأساوية في 16 أبريل (نيسان) عام 1993 كتب شقيقه الدكتور عبد الحميد صالح حمدان كتابه «جمال حمدان وملامح من عبقرية الزمان»... ونقتبس منه بعض الفقرات التي تمثل محطات مهمة في حياة ذلك العبقري.

محطات في حياته

يقول الدكتور عبد الحميد حمدان عن شقيقه الدكتور جمال:

«قال لي أخي في إحدى المرات، وكنت أزوره في مكتبه في قسم الجغرافيا إنهم وزعوا عليه وعلى زملائه في الجامعة استبياناً فيه سؤال عن الوظيفة التي يرغب في شغلها، والتي يستطيع من خلالها خدمة وطنه؟ فكانت إجابته عن هذا السؤال: وزير الشؤون البلدية والقروية (كانت وزارة قائمة آنذاك)، ولما أعربت له عن دهشتي لاختيار هذه الوزارة، وبأن يكون {وزيراً مرة واحدة} قال: يا عزيزي إن من يتولى هذه الوزارة يملك في يده نهضة مصر أو تخلفها، وعدد لي مزايا وفوائد هذه الوزارة ومهامها، وأن الشؤون البلدية هي البنية الأساسية التي من دونها لا تستقيم حياة الناس في المدن، وأن الشؤون القروية هي العمود الفقري الذي من دونه ينقصم ظهر مصر.

وساءت الأمور بالنسبة إلى أخي في قسم الجغرافيا في كلية الآداب، وبدأ الكل يتربصون به الدوائر، وكان من سوء طالعه أن التقى غير عامد ولا متعمد بتلك الكثرة من «الديناصورات» التي كانت لهم صلة بفلان أو علان ممن كانوا يعتبرون ذلك جواز مرورهم صوب اعتلاء المناصب القيادية بلا مجهود أو علم، ولم تقتصر الحال على تخطيه في الترقية، بل وصل الأمر إلى حد حرمانه من تدريس مادته المفضلة «جغرافية المدن» وتكليفه بتدريس مادة الخرائط لطلاب السنة الأولى التي عادة ما كان يقوم بها المعيدون.

انتدب جمال للعمل في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وهناك وجد أن أحد الزملاء ممن سبقوه في العمل قد سطا على كتبه ومحاضراته وطبعها ووزعها على الطلاب على أنها من بنات أفكاره، وأصيب جمال بالدهشة واستولى عليه الغضب وأثبت لطلابه أنه صاحب هذه النصوص.

عاد أخي بكل المرارة بعد أن أمضى في الخرطوم فصلاً دراسياً أنجز فيه أحسن دراسة كتبت عن مدينة الخرطوم باللغة الإنكليزية، عاد ليجد أن هذا الأستاذ نفسه ينافسه على الترقية بل ويحصل عليها قبله من دون وجه حق.

وأيقن في قرارة نفسه وبعد أن تأثرت صحته من جراء هذه الترهات أنه لن يقوى على الوقوف أمام هؤلاء «الديناصورات»... وأنه لا سبيل إلى محاربتهم بسلاحه الوحيد الذي كان لا يملك سواه وهو سلاح العلم، ورأى أن الأولى به أن ينسحب من هذا الميدان وأن يترك هذه الكعكة ليتقاسموها بينهم، وأن يكرس نفسه لتحقيق مشروعه الكبير الذي كان يحلم به.

وعندئذ اعتكف بمنزله وأرسل استقالته إلى الجامعة، لكنه حتى في هذه المرة لم ينجح من المضايقات والمعاكسات، وعلقت استقالته مدة سنتين، ما أعاقه عن الحصول على حقوقه، ولم يخطئ أخي التقدير، فقد كان قراره في ذلك الوقت هو القرار السليم الذي كان لا بد من اتخاذه رغم قسوته وتطرفه.

ورتب بعدها حياته في العزلة ترتيباً صارماً بعد أن اهتدى إلى فكرته المتمثلة في اعتزال العالم والاعتكاف في داره، ليعيش في محراب العلم بين كتبه وأبحاثه، ولزم شقته الصغيرة، ولم يكن يخرج إلا قليلاً لقضاء حاجة أو لزيارة مكتبة أو دار نشر.

سألته في إحدى المرات عن أسباب هذه العزلة الشديدة ؟ فقال بالحرف الواحد: اسمع يا عزيزي... بوسعي أن أجلس في المقاهي والمنتديات وأضع رجلاً على رجل وساقاً على ساق، وأقول أنا الدكتور جمال حمدان كما يفعل غيري، ويمكن بسهولة أن أمسح جوخاً لهذا أو لذلك لأصل كما يصل المتسلقة، لكنني لم أخلق لهذا أو لذاك، ودعك من التفاهات والمظاهر الكاذبة.

كان لا يسمح لأحد بأن يقتحم عليه عزلته من دون موعد سابق، وكنت عندما أريد أن أراه أمر عليه في الصباح وأترك له بطاقة بموعد حضوري أو أطرق بابه بطريقة معينة (عبارة عن ثلاث طرقات متقطعة) فإذا فتح الباب وكان مشغولاً في عمل أو يقوم بتمريناته الرياضية أجلسني في هدوء في غرفة استقباله المتواضعة حتى ينتهي من عمله أو تمريناته.

وكان له طباخ يصنع له طعامه ويتولى تنظيف المنزل وشراء الحوائج من السوق، وكان هذا الطباخ، إضافة إلى الصحف والمذياع ، هو همزة الوصل بين جمال والعالم الخارجي.

لم يكن أخي يحتفي بالجوائز أو الأوسمة على رغم أنها كانت تأتي إليه تجرجر أذيالها من دون أن يسعى إليها أو ينتظرها.

هرولت إليه أزف خبر حصوله على جائزة الدولة التشجيعية في شقته في الدقي، واستقبلني بابتسامته المعهودة، ولما وصلته شهادة الجائزة أهداها إلى العائلة، وتمت بروزتها ووضعها بغرفة الاستقبال، وما زالت حتى الآن.

وحضرت إلى القاهرة في صيف 1986، وكان جمال قد حصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، ولما قدمت له خالص التهنئة على هذا التقدير الذي صادف أهله، قال لي والابتسامة لا تفارقه: لقد رفضتها يا عزيزي وأعدتها بخطاب إلى الراسل.

منحه أمير الكويت في العام نفسه جائزته للتقدم العلمي، وقدرها 11 ألف دولار أميركي، فتقبلها من المبعوث الكويتي الذي زاره في بيته المتواضع، وأخذت له بعض الصور التذكارية وهو يتسلمها، وفي اليوم التالي أرسل قيمة الجائزة إلى شقيقي الأصغر اللواء عبد العظيم وهو أحد أبطال حرب أكتوبر لتوزيعها على شقيقاتنا وأبنائهن.

ومنحته الدولة وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1988، لكنه لم يتسلمه. كان يرفض أي شيء يأتي من جهة رسمية.

كان أخي عدواً لدوداً للصهيونية والاستعمار الأجنبي، أياً كان وجه هذا الاستعمار، وكان دائماً يحذر من النفوذ الأجنبي أياً كان لونه ودينه، وكان يحذر من الصهيونية والتمزق العربي وضعف العالم الإسلامي وفقدان العدل الاجتماعي والطغيان السياسي.

وتناثرت أفكاره ووجهات نظره حول هذه الأمور في معظم كتاباته، وكانت قضية فلسطين قضيته الأولى وشغله الشاغل، وصرح بأن الكارثة التي تعرضت لها على يد الصهيونية هي سابقة ليس لها مثيل قط في تاريخ العالم الحديث ولا العالم الإسلامي ولا العالم الثالث».

نظرته إلى اليهود

كان حمدان يرى أن الصهيونية لا تستهدف الأرض المقدسة في فلسطين فحسب، وأن تهديدها لا يقتصر على العالم العربي، وإنما يمتد إلى العالم الإسلامي كله، وكان يندد بهذا وبما يحاك لنا في الخفاء والعلن، ويقول: «الصهيونيات اليوم هي أكبر خطر يواجه العالم العربي وتحرير فلسطين هو وحدة العالم الإسلامي السياسية، ووحدة العالم الإسلامي إنما هي فلسطين».

وحمدان صاحب السبق في فضح أكذوبة أن اليهود المعاصريين أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، وأثبت في كتابه «اليهود أنثروبولوجيا» الصادر عام 1967، بالأدلة العملية أنهم ليسوا أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمون إلى إمبراطورية «الخزر التترية» التي قامت بين بحر قزوين والبحر الأسود، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهذا ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات آرثر كويستلر مؤلف كتاب «القبيلة الثالثة عشرة» الصادر عام 1976.

كتب في «اليهود أنثربولوجيا»: «إسرائيل لا جدال مسخ اصطناعي بحت، بدأ ابنا غير شرعي لبريطانيا، ونما لقيطاً لأميركا، ويشب الآن ربيباً لفرنسا. وإذا كان وجودها برمته خطيئة سياسية، فإن كيانها هو خطأ جغرافي، وفضيحة اقتصادية، ويكفي أن ننظر إلى نسيجها البشري المهلهل لنعرف مدى التناقضات الداخلية التي تمزقها، فلا نكاد نعرف في العالم أجمع دولة أكثر خلاسية وتخليطا من إسرائيل».

وأشار إلى اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل منذ مايو (أيار) 1948 إلى يونيو (حزيران) 1961، وقال إن هؤلاء المهاجرين ينتمون وحدهم إلى 79 دولة من قارات العالم وأطرافه، فهي بوضوح، على حد تعبيره، متحف جنسي، وبرج بابل لغوي، وبالوعة اجتماعية... إنها وإن كانت دولة دينية عنصرية صرفة، فليس كمثلها دولة أقليات في العالم.

كذلك قال:

- جسم إسرائيل أبعد ما يكون عن الانسجام أو التماسك داخلياً، وقابل للتصدع عند أي قلقلة.

- من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول.

- من يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء.

- من يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير .

- من يسيطر على خط دفاع مصر الأخير يهدد الوادي .

يندرج حمدان ضمن قلة محدودة للغاية من المثقفين المسلمين الذين نجحوا في حل المعادلة الصعبة المتمثلة في توظيف أبحاثهم ودراساتهم لخدمة قضايا الأمة، إذ خاض من خلال رؤية استراتيجية واضحة المعالم معركة شرسة لتفنيد الأسس الواهية التي قام عليها المشروع الصهيوني في فلسطين.

ظل حمدان عاكفاً طوال هذه الفترة على بحثه يواصل الليل بالنهار إلى درجة أنه كان يصل أحياناً إلى 18 ساعة يومياً من العمل المتواصل، والمدهش أنه كتب قصيدة العشق الملحمية هذه وهو محروم من المعاش بسبب الروتين الغبي الذي تسمح لوائحه بالمعاش لمن أمضى عشر سنوات فأكثر في الجامعة، وكان حمدان بلغة أوراق شؤون العاملين لم يمض بعد هذه المدة، واللافت أنه خاصم الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين حين طالب الدولة بمعاش استثنائي له، وكأنه كان مصراً على استكمال ملحمته من لحمه الحي، كي لا يضطر إلى كتابة غير ما يقتنع به إرضاء لسلطة ما أو تملقاً لجهة مهما كانت هذه الجهة.

كذلك تمرّد حمدان على نظام المؤسسة والتدجين الثقافي، ورفض التعيين في أي جهة صحافية أو أي مجالس تابعة لوزارة الثقافة كي لا يضطر إلى أن يصبح دجاجة ضعيفة الذاكرة تبيض بالأمر لتفقس بعدها «كتاكيت» النفاق والمجاملة لمن يمنحه المرتب الشهري، فقرر أن يصبح موظفاً في مؤسسة جمال حمدان للإبداع!

عاش غريباً ومات وحيداً

ظل حمدان ممسكاً بقلمه حتى آخر لحظة في حياته، ولم يضعه إلا دقائق معدودة، ذهب فيها إلى مطبخه المتواضع، وفي الساعة الرابعة من بعد ظهر السبت في 16 أبريل (نيسان) من عام 1993، انتقل إلى جوار ربه، إثر فاجعة أودت بحياته نتيجة تسرب الغاز من الأنبوب أثناء إعداده كوباً من الشاي.

كان النصف الأسفل من جثته محروقاً، واعتقد الجميع أن الدكتور مات متأثراً بالحروق، لكن الدكتور يوسف الجندي مفتش الصحة في الجيزة أثبت في تقريره أن الفقيد لم يمت مختنقاً بالغاز وأن الحروق ليست سبباً في وفاته لأنها لم تصل إلى درجة إحداث الوفاة.

واكتشف المقربون من حمدان اختفاء مسودات بعض الكتب التي كان بصدد الانتهاء من تأليفها، وعلى رأسها كتابه عن «اليهودية والصهيونية»، علماً أن النار التي اندلعت في الشقة لم تصل إلى كتبه وأوراقه، ما يعني اختفاء هذه المسودات بفعل فاعل، وحتى هذه اللحظة لم يعلم أحد سبب الوفاة ولا أين اختفت مسودات الكتب التي كانت تتحدث عن اليهود.

كتب عنه الكاتب أنيس منصور في جريدة «الأهرام» يوم 19 أبريل 1993 بعد وفاته: «مات وحده... مات كما تموت الشهب محترقة في السماء... لا أحد رآه ولا أحد عرف كيف صرخ وكيف بكى... وإنما سقط رماداً أضيف إلى تراب مصر... يا أرض مصر قد مات فيلسوفك وشاعرك والشاهد على عبقريتك».

وكتب عنه الشاعر فاروق جويدة في جريدة «الأهرام» يوم 25 أبريل 1993: «سوف نذكر في هذا الرجل زهد النفس وترفع الموقف والصبر على البلاء... وسوف نذكر مع هذا كله عطاء عالم فذ كبير، وسوف نسكب دموعاً غزيرة على قبر جمال حمدان، لكن دموع الدنيا لن تغفر أبداً خطيئة اسمها الجحود».

مات المفكر العملاق الذي قيل عنه: «لو كان جمال حمدان أوروبياً أو أميركياً لتحولت مقولاته إلى مزامير تتلى صباح مساء، ولكانت مقولاته ورؤاه الاستراتيجية عنواناً عريضاً لدى معظم الباحثين ومراكز الدراسات».







منقول

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-09-2009, 02:05 PM
someone someone غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2005
الدولة: Somewhere
المشاركات: 3,083
معدل تقييم المستوى: 22
someone is on a distinguished road
رد: حكايات الغدر والموت والدم (5)

لاهنت اخوي ومشكوووور

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-09-2009, 02:31 AM
ليــه يازمـــن ليــه يازمـــن غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: <<المـــريـــــخ>>
العمر: 39
المشاركات: 7,820
معدل تقييم المستوى: 23
ليــه يازمـــن is on a distinguished road
رد: حكايات الغدر والموت والدم (5)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة someone مشاهدة المشاركة
لاهنت اخوي ومشكوووور
مشكور على المرور الرائــع
الله يعطيك العافيه
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-09-2009, 12:32 AM
الصورة الرمزية حفصة
حفصة حفصة غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
الدولة: هناك في إحساسي ~
المشاركات: 410
معدل تقييم المستوى: 15
حفصة is on a distinguished road
رد: حكايات الغدر والموت والدم (5)

تحفة هالسلسلة


مشكور على تقديمها لنا


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23-09-2009, 05:24 AM
ليــه يازمـــن ليــه يازمـــن غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: <<المـــريـــــخ>>
العمر: 39
المشاركات: 7,820
معدل تقييم المستوى: 23
ليــه يازمـــن is on a distinguished road
رد: حكايات الغدر والموت والدم (5)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حفصة مشاهدة المشاركة
تحفة هالسلسلة


مشكور على تقديمها لنا


ومشكوره على المرور الرائع..
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-09-2009, 05:57 AM
فهيد الكفيف فهيد الكفيف غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
الدولة: الكويت
المشاركات: 20,645
معدل تقييم المستوى: 10
فهيد الكفيف قام بتعطيل التقييم
رد: حكايات الغدر والموت والدم (5)

اشكرك على هذه الحلقات التي تروي احداث نجهل اغلبها

ارجو ان تتابع


اتمنى لك التوفيق...

 

التوقيع

 

لمتابعتي على تويتر
@ fuhaid_alkafif

 
 
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24-09-2009, 02:36 PM
الصورة الرمزية البرنسيس
البرنسيس البرنسيس غير متصل
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 193
معدل تقييم المستوى: 15
البرنسيس is on a distinguished road
رد: حكايات الغدر والموت والدم (5)

تسلم على هالموضوع الطيب,,

تقبل مروري,,

 

التوقيع

 

الـــــبرنـــــســـــيـــــس
 
 
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13-10-2009, 02:39 PM
ليــه يازمـــن ليــه يازمـــن غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: <<المـــريـــــخ>>
العمر: 39
المشاركات: 7,820
معدل تقييم المستوى: 23
ليــه يازمـــن is on a distinguished road
رد: حكايات الغدر والموت والدم (5)

مشــكورين على المرور... والله يعــطيكم العافيــه...

رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حكايات الغدر والموت والدم (4) ليــه يازمـــن المجلس السياسي 7 13-10-2009 02:46 PM
حكايات الغدر والموت والدم (2) ليــه يازمـــن المجلس السياسي 7 13-10-2009 02:40 PM
حكايات الغدر والموت والدم (3) ليــه يازمـــن المجلس السياسي 6 11-09-2009 09:47 PM
حكايات الغدر والموت والدم (1 - 2) ليــه يازمـــن المجلس السياسي 2 08-09-2009 02:08 AM
حكايات الغدر والموت والدم(1) ليــه يازمـــن المجلس السياسي 5 06-09-2009 03:07 AM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 09:23 PM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع