مجالس العجمان الرسمي

العودة   مجالس العجمان الرسمي > ~*¤ô ws ô¤*~ المجالس الـخـاصـة ~*¤ô ws ô¤*~ > المجلس الطلابي

المجلس الطلابي يعنى هذا المجلس بأخر الاخبار الجامعات والكليات والمعاهد الأكاديمية

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #31  
قديم 29-08-2010, 10:56 PM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

رحمة للعالمين
قال الله تبارك وتعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

فتؤكد هذه الآية الكريمة أن هذا الدين رحمة من الله تعالى، وأن مضامينه رحمة، وأن العقوبات التي جاء بها رحمة، وأن العبادات والعقيدة الإسلامية رحمة، وأن أساليبه رحمة، وأن هذا النبي الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين؛ للإنس والجن، وللحيوان والنبات.

حتى سلَّمَ عليه الحجر، وحنًّ إليه الجذع، ونبع الماء بين أصابعه، صلى الله عليه وسلم، وبكاه أصحابه عند موته، وبكاه المسلمون على مَرِّ التاريخ، وسيبكونه كلما تذكروه.

وهذه بعض مسالكه صلى الله عليه وسلم التي تتضح رحمته فيها، بالرغم من أنها في أشد المواقف ومع تمام القدرة على تنفيذ أشد العقوبة وأقساها. ومع ذلك كان العفو رحمة منه صلى الله عليه وسلم.

فلقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الأذى من قومه في مكة، باللفظ والنعوت المشينة، فقالوا: ساحر ومجنون، وكاهن وكذاب، ووضعوا بين كتفيه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد يصلي لله تعالى فرثا ودما وسلا جزور، وضحكوا حتى مال بعضهم من الضحك.

ويوم فتح مكة المكرمة لم يقتص منهم ولم يثأر لنفسه، بل قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، فكان حقا كما قال تعالى(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

ولما ذهب إلى الطائف راجياً أن يجد من يتجاوب معه ويقبل دعوته، أجابوه بأقبح الأجوبة وكذبوه، وسَلَّطُوا عليه صبيانهم يرمونه بالحجارة صلى الله عليه وسلم، حتى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم(هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لَقِت: وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عَرَضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم؛ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي؛ فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك؛ وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك مَلَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني مَلَكُ الجبال، فَسَلَّمَ عليَّ ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجوا أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئاً).

فأي رحمة بشرية أبلغ من هذه الرحمة، وهو في لحظة توجعه صلى الله عليه وسلم مما أصابه منهم فيقول: (أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً.)

إن رحمته صلى الله عليه وسلم ومحبته لربه تبارك وتعالى بأن يُعْبَد في الأرض جعلته يتنازل عند فرصة الإتنقام.

مما يؤكد ويوضح للأمة أن الرحمة عندما تخالط المشاعر ويتفاعل معها التفكير تحدث الوضوح في الرؤية للهدف وللوسيلة التي تحقق الهدف. فهل الجبروت وحب الانتصار للذات من خلال التربية والدعوة في ميدان المنزل والمدرسة ومع الأصدقاء والأعداء يحقق الأهداف التي نرجوها في أهلينا وأصدقائنا.

فكيف لو تأملنا رحمته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ومع زوجاته لرأينا أمراً عجباً.

ولكن كيف أكون رحمة في منزلي ومع أبنائي وفي مهنتي وفي دعوتي ومع أعدائي، ففي الجواب عليها طريق الرحمة التربوية.

أ.د. خالد بن حامد الحازمي

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 30-08-2010, 12:54 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

صورة للتعليم والتعلم في العهد النبوي:
يوضح هذا الأنموذج من جيل الصحابة صورة من المناخ العلمي الذي تزخر به المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أنس بن مالك رضي الله عنه ( كان شباب من الأنصار سبعين رجلاً؛ يُسَمَّون القراء، قال: كانوا يكونون في المسجد، فإذا أمْسُوُا انتحوا ناحية من المدينة، فيتدارسون ويُصَلّون، يحسبُ أهلوهم أنهم في المسجد، ويحسبُ أهل المسجد أنهم عند أهليهم، حتى إذا كانوا في وجه الصبح استعذبوا من الماء واحتطبوا من الحطب، فجاؤا به، فأسندوه إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً فأُصيبوا يوم بئر معونة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على قَتَلَتِهِم خمسة عشر يوماً في صلاة الغداة)

ويوضح هذا النموذج حرص الشباب من الصحابة على تطويع وإعمال عقولهم في كسب العلم النافع. كما يوضح هذا الحديث حرص شباب الصحابة على التعلم، وعلى حفظ هذا الدين، وبذل الجهد في ذلك، واستغلال مرحلة القوة والجلادة، والإخلاص لله تعالى بذهابهم إلى طرف المدينة للمدارسة، بحيث يعتقد أهل المسجد أنهم في بيوتهم، ويحسب أهلوهم أنهم في المسجد، ومن الفوائد التربوية استخدام ذلك الجيل أسلوب المدارسة التي تُرسخ العلم، مما يؤكد سبقهم إلى هذا المفهوم وتطبيقهم له، وكذلك يوضح هذا السلوك التربوي التعاون والتآلف بين طلاب العلم في المذاكرة والمدارسة. كما يؤكد أهمية صنيعهم العلمي أن دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قَتَلَتِهِم خمسة عشر يوماً في صلاة الغداة؛ وهذا دليل على مكانتهم ومنـزلة العلم الذي كانوا يحملونه رضي الله تعالى عنهم. كما أن في هذا الحديث خدمتهم لنبيهم ومعلمهم، وحرصهم وتفانيهم في ذلك، بجلب الماء والحطب إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإنها حياة علمية نشطة؛ قد ازدهرت في المدينة، وبزغ فجرها ببعثته صلى الله عليه وسلم وسطع نورها في أرجاء المعمورة. فها هو المناخ العلمي الجاد والنشط الذي كان سائداً في المدينة النبوية بعد أن هاجر إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت الحركة العلمية في ازدهار منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا وستظل بإذن الله تعالى في كل أنحاء المعمورة، تزدهر بعلم الشريعة الغراء التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم.

فلقد كان عهده صلى الله عليه وسلم علم وتعليم وتعلُّم وإقامة شعائر وعبادات، وفتوحات، قد ازدانت بها الدنيا.



أ.د. خالد بن حامد الحازمي

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 01-09-2010, 04:43 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

من صور الإعجاز التربوي النبوي 1/2
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ؛

فمما لا شك فيه أن الإسلام دينٌ معجزٌ كله ، فكتاب الله العظيم معجزٌ في سوره وآياته ، و رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم معجزٌ في قوله وعمله ، و سُنته الطاهرة معجزةٌ في لفظها ومعناها . وفي هذه العُجالة طوافٌ سريعٌ ببعض الجوانب الإعجازية - التي أشار إليها الهدي النبوي المبارك - ذات العلاقة بموضوع الغضب كخُلقٍ سلوكي مذموم جاء النهي عنه في أكثر من موضع من كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم ؛ نظراً لما يترتب عليه من عظيم الخطر ، وكبير الضرر . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني ، قال : " لا تغضب " ، فردَّد مراراً ، قال : " لا تغضب " ( البخاري ، الحديث رقم 6116 ، ص 1066 ) . وهنا نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول والمربي العظيم للأمة قد أوصى من طلب منه الوصية بعدم الغضب ، ثم كرر النهي مراراً .

فما هو الغضب ؟ وما هي مضاره ؟ وما علاجه وفق منهج التربية النبوية التي جاء بها معلم الناس الخير ليكون لنا في ذلك منهج نهتدي به ، وسبيل نتبعه ؟

تعريف الغضب :

يُعرَّف الغضب بأنه " ثورانٌ في النفس يحملها على الرغبة في البطش و الانتقام " ( 1 ) .

وقد يُعرَّف بأنه " حالةٌ نفسيةٌ انفعالية تُصيب الإنسان " ( 2 ) .

وقيل فيه : " إن الغضب غريزي في الإنسان فلا يُذم و لا يمدح إلا من جهة آثاره ؛ فمن غضب وكظم غضبه وغيظه مُدح ، ومن غضب فثار وتصرف تصرفاً شائناً نتيجة الغضب كان مذموماً بقدر ما وقع منه من تصرف " ( 3 ) .

والمعنى أن الغضب طبعٌ بشريٌ فطريٌ يؤدي بصاحبه إلى الثوران والانفعال ، وعدم القدرة على التحكم في أقواله وأفعاله غالباً .

مضار الغضب :

للغضب كثيرٌ من المضار العظيمة التي تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة الفردية ، والاجتماعية ، والجسمية ، والنفسية ، والفكرية والتي تؤكد جميعها أن الغضب مفتاح الشرور لأنه يجمع الشر كله كما أشار إلى ذلك أحد عُلماء السلف بقوله : " إن الغضب جماع الشر ، وإن التحرُّز ( التوقي ) منه جماع الخير " ( 4 ) .

فمن مضاره الفردية أنه يُفقد الإنسان صوابه ، ويسلبه عقله ، ويدفعه إلى السب ، والشتم ، والسخرية ، والتلفظ بالألفاظ البذيئة وغير المؤدبة التي قد تُسبب له الحسرة والندامة فيما بعد ، وقد تُسقطه من أعين الناس ؛ إضافةً إلى ما قد يقوم به الإنسان حين غضبه من التصرفات الطائشة البعيدة عن الحكمة ، والمُجانبة للصواب . وهو ما يُشير إليه أحد كبار الكُتاب بقوله :

" الإنسان مخلوقٌ متميز ، فيه شيء من الملائكة ، و شيءٌ من الشياطين ، و شيءٌ من البهائم والوحوش ؛ فإذا عصف به الغضب ، أوتر أعصابه ، وألهب دمه ، وشد عضلاته ، فلم يعد له أُمنيةً إلا أن يتمكن من خصمه فيعضه بأسنانه ، و يُنشب فيه أظفاره ، ويُطبق على عنقه بأصابعه ، فيخنقه خنقاً ، ثم يدعسه دعساً ، غلبت عليه في هذه الحال الصفة الوحشية ، فلم يبق بينه وبين النمر والفهد كبير فرق " ( 5 ) .

ومن مضاره الاجتماعية أنه " يوَّلد الحقد في القلوب ، وإضمار السوء للناس ، وهذا ربما أدى إلى إيذاء المسلمين وهجرهم ، ومزيد الشماتة بهم عند المصيبة ، وهكذا تثور العداوة والبغضاء بين الأصدقاء ، وتنقطع الصلة بين الأقرباء ، فتفسد الحياة وتنهار المجتمعات " ( 6 ) .

أما مضاره الجسمية و النفسية فكثيرةٌ جداً حيث " ثبت علمياً أن الغضب كصورةٍ من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثيراً يُماثل تمامًا تأثير العدْو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً ؛ لأن المرء يُمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك " ( 7 ) .

كما أشارت بعض الدراسات إلى أن للغضب العديد من المضار الجسمية على صحة وسلامة الإنسان التي منها التعرض لارتفاع ضغط الدم ، واحتمال الإصابة بالأزمات القلبية نتيجة التوتر الشديد الذي يُصاب به الإنسان الغاضب الذي يتعرض " لتغير لونه ، وطفح دمه ، وانتفاخ أوداجه ، وارتعاد أطرافه ، واضطراب حركته ، وتلجلج كلامه " ( 8 ) .

وليس هذا فحسب ؛ فهناك بعض المضار الأُخرى التي ربما أودت بحياة الإنسان حيث يمكن أن تؤدي " شدة الغضب والانفعال إلى سرعة خفقان القلب أو انفجار شرايين المخ ، أو الإصابة بالجلطة القلبية إذا كان الغاضب يشكو من ضعفٍ في القلـب "(9) .

وللغضب تأثيراتٌ سيئة على الجانب الفكري عند الإنسان إذ أن " الانفعال الشديد يُعطل التفكير ، ويُصبح الإنسان غير قادرٍ على التفكير السليم أو إصدار القرارات السليمة ، وبذلك يفقد الإنسان أهم وظائفه التي يتميز بها وهي الاتزان العقلي " ( 10 ) .

وهذا معناه أن الإنسان الغاضب غير قادرٍ - في الغالب - على ضبط نفسه ، والتحكّم في تصرفاته نتيجةً لقوة غضبه ، وشدة انفعاله ، التي تحول دون ضبطه لنفسه والتحكم في تصرفاته ، وتدعوه في الغالب إلى المواجهة أو الانتقام أو نحو ذلك من الأقوال أو الأفعال

علاج الغضب :

انطلاقاً من كون الغضب طبعٌ بشريٌ فطريٌ لا يُمكن دفعه ، فإن من عظمة الإسلام وكماله أن اعترفت التربية الإسلامية بذلك وبيَّنت طرق الوقاية منه ، وكيفية علاجه ، بطرقٍ مختلفة ، ووسائل متنوعة نُجملها في ما يلي :

أولاً / محاولة البُعد عن دواعي الغضب وتجنب أسبابه ، وعدم التعرض لما يؤدي إليه من الأقوال والأفعال التي منها : " الكِبـْرُ و التعالي والتفاخر على الناس ، والهزء و السُخرية بالآخرين ، وكثرة المزاح ولا سيما في غير حق ، والجدل و التدخل فيما لا يعني ، والحرص على فضول المال أو الجاه"(11).

ثانياً / الاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم عملاً بقوله تعالى :

} وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { ( الأعراف :200 ) . فالإنسان الغاضب عندما يستعيذ بالله تعالى من الشيطان إنما يعتصم بعظمة الله تعالى ويلوذ بها ، ويستحضرها في نفسه لما في ذلك من طردٍ للشيطان ودحره وإبطال مكره ، ومن ثم يسكن الغضب وتهدأ ثورته – بإذن الله تعالى - . فعن سليمان بن صُرَد أنه قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمَّر عيناه ، وتنتفخ أوداجه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إني لأعرف كلمةً لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4781 ، ص 249 ) .

ثالثاً / التزام الصمت وعدم الكلام لما في ذلك من الحيلولة – بإذن الله – دون وقوع الغاضب في ما لا تُحمد عُقباه من بذيء اللفظ وسيئ الكلام ( سباً ، أو شتماً ، أو سخريةً ، أو نحو ذلك ) . ولأن " من الناس من لا يسكت عند الغضب ، فهو ثورةٌ دائمة ، وتغيظٌ يطبع على وجهه العُبوس . إذا مسَّه أحدٌ ارتعش كالمحموم ، وأنشأ يُرغي و يُزبد ، و يلعن ويطعن "(12). ولهذا كان سكوت الغاضب و تركه للكلام علاجاً مناسباً للغضب لما روي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم فليسكت " قالها ثلاثاً . ( أحمد ، ج 1 ، الحديث رقم 2136 ، ص 239 ) .

وهنا يلاحظ الإعجاز التربوي النبوي المتمثل في توجيهه صلى الله عليه وسلم للغاضب بالتزام الصمت وعدم الكلام " وهذا دواءٌ عظيمٌ للغضب ؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيراً من السباب وغيره ، مما يعظم ضرره ، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنه " ( 13 ) .

رابعاً / التصاق الإنسان الغاضب بالأرض لما روي عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا وإن الغضب جمرةٌ في قلب ابن آدم ، أما رأيتم إلى حُمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ، فمن أحس بشيءٍ من ذلك فليلصق بالأرض " ( الترمذي ، ج4 ، الحديث رقم 2191 ، ص 483 ) .

ولعل المقصود بالالتصاق هنا بقاء الغاضب في مكانه وعدم الحركة كما يُشير إلى ذلك أحد الباحثين بقوله : " نُلاحظ في هذا الحديث لوناً من ألوان العلاج لثورة الغضب ، وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم ألا وهو اللصوق بالأرض ، والغرض منه تجميد كُلَّ حركةٍ يمكن أن ينجم عنها آثارٌ غضبية مادية " ( 14 ).

خامساً / الانشغال بذكر الله تعالى لما في ذلك من حصول الطمأنينة والسكينة مصداقاً لقوله تعالى : } أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { ( الرعد : من الآية 28 ) . كما أن في ذلك تذكيرٌ للنفس الغاضبة بعظمة الله جل في عُلاه وقدرته ، وحثٌ على الخوف منه سبحانه لا سيما متى كان غضب الإنسان على من هو قادرٌ على عقابه والانتقام منه . وقد ورد أنه " وجد في التوراة مكتوباً : ي ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكُرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق " ( 15 ) .

بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد

أُستاذ التربية الإسلامية المساعد ومدير مركز البحوث التربوية

بكلية المعلمين في أبها

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 01-09-2010, 04:51 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

الأطفال في بيت النبوة
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

وبعد : فإن تربية الطفل على الاستقامة ، وتعليمه طرق الفلاح والصلاح ، وفتح باب الخير له ، والاكتشاف والمعرفة مهمّةٌ أوكلها الله تعالى إلى الآباء فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (

ولما كان التعاون على الخير أصلا معتبرا في شرعنا ، فقد أجاز الشرع الحنيف أن يوكل الآباء غيرهم ليقوموا بجزء من وظيفتهم في التربية و التعليم ، فكان المعلمون بهذا الأصل وكلاء شرعيين لأداء مهمتهم مع الأبناء ، ومن هنا جاءت القاعدة التربوية لتنصّ على أن المعلم ينزّل منزلة الأب في التأديب و التعليم .

وعليه فإن مسؤولية المعلم في منهج التربية الإسلامية لا تقتصر على مجرد التلقين ونقل المعلومة ، بل تتعدى ذلك إلى الرعاية والاهتمام والتهذيب .

ولن يكون ذلك كذلك إلا إذا نزّل المعلم نفسه منزلة الأب في الحرص على خير الأبناء ، فغمرهم بالرحمة وشملهم بعطفه وحبه وعنايته.

ولقد منّ الله تعالى على هذه الأمة بأن بعث فيهم رسولا منهم ، وكان بهم رؤوفا رحيما ، فدلّهم على الخير و النجاة ، وحذرهم من كل الشرور و المهلكات ، فكان صلى الله عليه وسلم بأمته أحرص من الأب على ابنه ، والأم على ولدها ، ولذا وجب على المعلمين أن ينهلوا من هديه صلى الله عيه وسلم في التربية و التعليم ليسلكوا بتلامذتهم المسلك الصحيح ، ويقوموا بمسؤولياتهم أحسن قيام

وفي هذه الصفحة نحاول أن نستعرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مع الأطفال سواء أكانوا من البنات أم الأحفاد أو ربائب أو غيرهم ، لنرتشف من عبيق سيرته ما يضفي على العملية التربوية الفعالية و النجاح .



الحلقة الأولى : مع ربيبه عمر بن أبي سلمة

روى البخاري في صحيحه عن عمر بن أبي سلمة قال : ((كنت غلاما في حجر[1] رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش[2] في الصحفة[3] فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) . فما زالت تلك طعمتي بعد))[4] وفي رواية أبي داود[5] : (( ادن بني فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك )) وفي رواية الترمذي[6] : (( ادن يا بني : و سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك )).

ففي هذا الحديث مواقف تربوية عظيمة منها :

أولا : فيه اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بسلوك ربيبه عمر بن أبي سلمة أثناء الأكل ، والحرص على معالجة خطئه ، حتى لا يصير ذلك عادة سلوكية يصعب مع مرور الأيام تركها ، وهذا يدل على أن العملية التعليمية لا تقتصر على تزويد الطالب بالمعارف والعلوم بل تقتضي كذلك حل المشكلات ومعالجة الأخطاء السلوكية.

ثانيا : طريقة معالجة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لخطأ عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه بأسلوب الأب المشفق والمعلّم الرحيم ، حيث ناداه بعبارة فيها تحننّ وتلطّف وعطف ، فقال له : " ياغلام " وفي رواية أبي داود " ادن بنيّ" وفي رواية الترمذي : " ادن يا بنيّ" ، ولاشك أن هذا النداء يشيع في النفس الطمأنينة ، ويثير فيها حب الاستجابة وحب التطلع إلى ما يقوله المربّي ، وفيه دعوة للمعلمين إلى ضرورة الاعتناء بمخاطبة تلامذتهم بما لا يدعوهم إلى النفور والقلق والخوف أو التذمّر ، فليس من اللائق مناداة التلميذ –إذا ما أخطأ- بأسماء الحيوان ، أو بألفاظ نابية تجعله محلّ هزء بين أصحابه ، وربما أدّى ذلك إلى ردّ فعل سلبي تحوّل مع مرور الزمن إلى كره المدرسة أصلا ، فإقرار مبدأ الرفق و الملاطفة في التعامل مع الأطفال مسلك نبوي مرعي قال صلى الله عليه وسلم : "((إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا))[7].

الثالث : أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم بادر الطفل بالحلّ مباشرة قائلا له : " سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك " ليفهمه بطريق غير مباشرة أنّ ما كان يفعله خطأ يجب تركه ، وفي هذا تنبيه للمعلمين إلى ضرورة مراعاة نفوس التلاميذ ، فلا يُعيٍّرونهم بأخطائهم ، أو يتوسعون في ذكرها أمام التلاميذ ، بل يجعلون همّهم إصلاح الخطأ بأيسر طريق وأنجح سبيل ، وإذا رأى الأستاذ أن هذا الخطأ قد يتكرر عند التلاميذ ، فلا بأس من استعمال أسلوب التعريض ليعمّ التعرّف على المشكلة وأسبابها وسبل علاجها .

الرابع : أن تعليمه صلى الله عليه وسلم الطفل آداب الأكل والاهتمام به [8] يدلّ من باب أولى على ضرورة الاعتناء ببعض الأحكام الشرعية الأخرى التي يحتاج إليها الصبي كالوضوء وأحكام الصلاة .

الخامس : أن تعليم النبيّ صلى الله عليه وسلم الصغير البداءة ببسم الله في الأكل فيه ربط للصبي بالله تعالى ، وأن يعتقد الفضل من الله تعالى لا شريك له ، لذلك يستحق أن يطاع ويشكر ، وفي ذلك تنبيه للمعلمين على ضرورة الاعتناء بالأصل العقدي والبداءة به ، ليشبّ الأطفال وقد تعلقت نفوسهم بالله تعالى.

السادس : أن هذا المسلك التعليمي دلّ على فعاليته ونجاحه وأثره الطيّب على الأطفال ، بدليل أن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال بعدها : " فمازالت تلك طعمتي بعد ."

الباحث : فريد بن عمر عزوق







--------------------------------------------------------------------------------

[1] - في حجر رسول الله : أي في رعايته وتربيته .

[2] - تطيش : تتحرك في كل النواحي و لا تلزم موضعا واحدا .

[3] - الصحفة : القصعة التي يوضع فيها الأكل .

[4] - أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأطعمة باب التسمية على الطعام والأكل باليمين (5/2056) حديث رقم 5061 ، ومسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما ( 3/1599) حديث رقم 2022

[5] - أبو داود : السنن ، كتاب الأطعمة ، باب الأكل باليمين ، (2/376) حديث رقم 3777

[6] - الترمذي : الجامع ، كتاب الأطعمة باب التسمية على الطعام (4/288) حديث رقم 1857

[7] - مسلم في صحيحه برقم 1478

[8] - ويدخل في ذلك آداب النوم والشرب وقضاء الحاجة وغيرها .



الباحث فريد عزوق

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 01-09-2010, 04:54 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

نموذج حضاري (1)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم

(الجزء الأول)

يعتبر الرسل والأنبياء بحق هم رواد الحضارات وصفوة الخلق لأنهم جاءوا بالمنهج الذي يكفل السعادة في الحياة الأولى والآخرة ، وكانوا تطبيقاً عملياً وقدوةً فذةً لذلك المنهج . ومن المقتضيات العقدية والتربوية للإيمان بالله ، الإيمان برسله جميعهم بدون استثناء . قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} النساء (150-151) .

فالجماعة صغيرةً كانت أو كبيرةً إذا لم تهتد بمنهج الهداية المنزل من الله على رسوله فقد كفرت، والكفر يعني الجحود ويأتي بمعنى الإخفاء والتغطية وهؤلاء الكافرون غطوا منهج الهداية والسعادة عن أنفسهم وعن غيرهم ، وجعلوا بينهم وبينه حاجزاً وحجراً محجوراً ، واستحقوا بالتالي حجب السعادة الأخروية عنهم ولم يحصلوا السعادة الدنيوية أيضاً.

ومن تتبع التاريخ وسبر أحوال الأمم والحضارات يرى أن إمكانية التقدم بمفهومه الشامل وليس الجزئي هو الذي يتحقق ، ويستمر إذا كان موجوداً من قبل عند توفر شرط واحد و هذا الشرط هو الالتزام بالمبادىء الروحية و الأخلاقية التي جاء بها أولئك الأنبياء .وهذه الحضارات وتلك الأمم سيبقى كيانها الحضاري ثابتاً ما دامت ملتزمةً بمنهج الأنبياء والرسل ، وإذا انحرفت وحادت فقد حكمت على نفسها بالفناء والدمار.قال تعالى : {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} (الكهف:59) .

وعن طريق هؤلاء الأنبياء يستمر الوحي الإلهي يمد تلك البشرية الضعيفة بما يرفعها إلى مستويات سامقة ويجلب لها النماء والخير والفلاح والتفوق الحضاري . يقول توفيق الواعي (1408) :

" لقد كان الوحي الإلهي في كل حضارة نورها الهادي الذي تنبعث منه ملامح المجتمع الجديد بعد صراع مرير مع قوى الطغيان حتى إذا اكتملت مقومات هذا المجتمع الوليد بتمام الرسالة واكتمال البلاغة ، جد هذا المجتمع في البناء والتقدم ثم لا يلبث أن يكون بعد ذلك ازدهاراً ليغري الإنسانية بالجنوح إلى نسيان ذاتها والنكوص عن حمل أمانة الخلافة المنوطة بها ، ثم يتطور النسيان إلى جحود ونكران ثم إلى انحراف يؤدي إلى انحلال حضاري لا مفر منه . ومن هنا تنشأ حاجة المجتمع إلى رسالة جديدة و مبلغ آخر يحمل وحي السماء ليحي بها الأرض بعد موتها " (ص334) .

لا يوجد ثمة انفصال في حياة البشر الأسوياء بين الواقع المادي والوقع الروحي ، فكلاهما متحدان. وباستقراء سيرة أنبياء الله ورسله،وهم المبلغون عن الله والأكثر اتصالاً به ،لا نجد ما يوحي بالسلبية و الغياب عن الواقع المعيشي أو انعزالهم في أبراج عاجية . وكانوا من أول المبادرين إلى العمل بالقيم والمبادىء الحضارية التي ينادون بها وتدعو إليها الفطر السليمة . ومما يدل على تفاعلهم مع بيئاتهم أنهم ساهموا في المجالات المدنية القائمة آنذاك. يقول أكرم العُمري (1407) : " وأصدق الشهود هم أنبياء الله لاتصالهم بالوحي وتلقيهم عنه ، وهم المثل العليا في نظر الإسلام ، وهم قادة روحيون ودنيويون ، لم تؤد يقظة أرواحهم إلى غيابهم عن العالم المادي" ، (ص100) .

والقرآن الكريم والسنة النبوية يحويان العديد من المواقف والقصص التي تكشف عن الشهود المدني والحضاري للأنبياء والمرسلين . وقد مارسوا عليهم السلام بأنفسهم وبمن معهم ألواناً من النشاط الاقتصادي والاجتماعي إضافةً إلى جهودهم الدعوية والتربوية ، ولابد إذن للتربية أن تُدرس المتعلمين سيرتهم لاستخلاص سنن التغيير ، ومنها يستنبط المنظرون معالم.

د. هاشم الأهدل

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 01-09-2010, 04:57 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

نموذج حضاري(2)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم

(الجزء الثاني)

ومنها يستنبط المنظرون معالم التربية الحضارية وأساليبها.

أهم أساليب التربية على تحقيق هذا الهدف:

1 – فهم سنن التغيير اللازمة لبناء الحضارة واستمرارها :

ففي قصة آدم عليه السلام وصراع ابنيه قابيل وهابيل ما يبين سنة الصراع الحضاري بين الخير والشر الذي لم تسلم منه المجتمعات الغابرة والمعاصرة . قال تعالى :{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة:30) .وقال تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(الأنفال:53).

2 – تكوين روح مقاومة اغراءات الحياة الدنيا والزخارف المادية التي تصرف المتربين عن الجدية في بناء الحضارة :

وذلك لأن هذه المغريات بزخرفها ومباهجها تصرف المتربين عن الجدية في بناء الحضارة . وقد ذكر لنا القرآن سورة كاملة تحكي قصة نموذج حضاري فريد عاشه نبي من الأنبياء هو يوسف عليه السلام . حيث أُخذ قسراً من بين أحضان والديه وبيع كالرقيق ثم عاش فترةً من عمره في قصر أحد الفراعنة ، فانتقل من دياره إلى بلاد ذات حضارة مغايرة وجاور قوماً ذوي قيم مختلفة لم يعرفها في منشئه ولم يترب عليها في بيت النبوة الذي خرج منه . وتعرض لإغراءت مادية وجنسية، ومع ذلك حافظ على دينه وعقيدته وأخلاقه وقيمه ولم يتخل لحظةً واحدةً عن سلوكه الديني . وحين تعرضت له امرأة ذلك الملك وقف أمام هذه المحنة كالطود الأشم .قال تعالى : {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (يوسف:23-24) . يقول ابن القيم رحمه الله (ت751) مصوراً الحالة النفسية التي عاشها يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز : " ولهذا كان بين ابتلاء يوسف الصديق بما فعل به إخوته من الأذى والإلقاء في الجب وبيعه بيع العبيد والتفريق بينه وبين أبيه ، وابتلائه بمراودة المرأة وهو شاب عزب غريب بمنزلة العبد لها وهي الداعية إلى ذلك ، فرق عظيم لا يعرفه إلا من عرف مراتب البلاء فإن الشباب داع إلى الشهوة . والشاب قد يستحي من أهله ومعارفه من قضاء وطره فإذا صار في دار الغربة زال ذلك الاستحياء والاحتشام . وإذا كان عزباً كان أشد لشهوته ، وإذا كانت المرأة هي الطالبة كان أشد،وإذا كانت جميلة كان أعظم،فإن كانت ذات منصب كان أقوى في الشهوة ، فإن كان ذلك في دارها وتحت حكمها بحيث لا يخاف الفضيحة ولا الشهرة كان أبلغ ، فإن استوثقت بتغليق الأبواب والاحتفاظ من الداخل كان أقوى أيضاً للطلب ، فإن كان الرجل كمملوكها وهي كالحاكمة عليه الآمرة الناهية كان أبلغ في الداعي ، فإذا كانت المرأة شديدة العشق والمحبة للرجل قد امتلأ قلبها من حبه فهذا الابتلاء الذي صبر معه مثل الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم صلوات الله عليهم أجمعين " ، (ص227) .



3 – الاستفادة من سير الأنبياء في تكوين البصيرة الإدارية:

وقد تجلت أهمية البصيرة الإدارية الواعية والسياسة الحكيمة المحنكة لقيام الحضارة وتسيير أمورها ودفعها للتفوق بين الأمم في موقف حضاري آخر ليوسف عليه السلام .وبرزت مواهبه الإدارية وقدراته التخطيطية والتي تؤسس الكيان الحضاري حين أشار بمشورة ثمينة وقدم نصيحة غالية أنقذت بلاد مصر من كارثة اقتصادية فادحة . قال تعالى :{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ .ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ}(يوسف:47-48) .

4 – تبصير المتربين بهدي الأنبياء في تسخير المعطيات الطبيعية والموارد المتاحة :

ويعتبر كل من داود وسليمان عليهما السلام من أنبياء الله الذين أتقنوا فنون الصناعات والابتكارات وسخروا القدرات المادية والعينية كالريح والجن من أجل عمارة الأرض واختراق المسافات ونقل الأغراض بسرعة فائقة تزيد عن قدرة الإنسان الحديث.قال تعالى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الانبياء:78) ، وقال تعالى :{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} (النمل:16) .

فكان داود عليه السلام قاضياً بين الخلائق ، قال تعالى :{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (صّ:26) . وسخر له الله عز وجل الجبال والطير تتجاوب مع تسبيحه وعبادته ، قال تعالى:{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}(الأنبياء: من الآية79) .

واستفاد داود عليه السلام من المعادن المتوفرة في بيئته فاستخدمها لصنع الدروع ، وقيل أنه أول من صنعها وسردها وحلقها وكانت من قبل صفائح ، قال تعالى:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (الانبياء:80) .وقال أيضاً :{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}( سبأ 10-11) .

ولا شك أن ممارسة الوظائف الدنيوية والصنائع المهنية هي من صميم العبادة التي يؤجر عليها المؤمن إذا قام بها لوجه الله ، ولذا امتدح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخاه داود عليه السلام فقال عنه : (كان داود أعبد البشر ) ، صححه الألباني في الصحيحة برقم 707 .

5 – تكوين الرغبة في الاقتداء بالأنبياء في الوظائف المهنية :

فلا بد من الاهتمام بالوظائف المهنية وتشجيع الأجيال للانخراط فيها وذلك لأهميتها في صنع الحضارة . وقد ضرب الأنبياء عليهم السلام أروع الأمثال في ذلك . فكان نبي الله نوح عليه السلام رائداً في صناعة السفن وبنائها وله خبرة في تقطيع الخشب والضرب بالحديد واستخدام القار وغيره لإحكام صنعته . قال تعالى :{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ . وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} (هود: 37-38) . وقال تعالى:{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} (القمر:13).

وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كانا ماهرين في فن التشييد والعمران عندما استجابا لأمر الله عز وجل ببناء البيت الحرام ، فوضعا أسسه وقواعده وبنيا جدرانه . قال تعالى : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة:127)



د. هاشم الأهدل

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 01-09-2010, 04:59 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

من صور الإعجاز التربوي النبوي 2/2
الوصية النبويّة (لا تغضب)

سادساً / تغيير الحالة التي يكون عليها الغاضب إلى حالةٍ أُخرى لأن في ذلك شغلٌ له وانصرافٌ – ولو يسير – عن ما هو فيه من غضب ؛ فعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " ( أبو داود ، ج4 ، الحديث رقم 4782 ، ص 249 ) .

وهنا نلاحظ إعجازاً نبوياً تربوياً آخر فالغاضب القائم يكون في حالة تهيئٍ واستعدادٍ لسرعة الانتقام أكثر مما لو كان جالساً أو مُضطجعاً ؛ فجاء التوجيه النبوي الكريم داعياً إلى تغيير الحالة التي يكون عليها الغاضب منعاً لما قد يتوقع من ردة الفعل المباشرة ، وعلاجاً لها حيث " إن الجلوس أو الاضطجاع في حالة الغضب يؤديان إلى استرخاء البدن ، مما يُساعد على مقاومة التوتر الذي أحدثه الغضب ؛ ويؤدي ذلك في النهاية إلى تخفيف حدة انفعال الغاضب تدريجياً ، ثم التخلص منه نهائياً . كما أن الجلوس و الاضطجاع يقاومان ميل الإنسان إلى العدوان " ( 16 ) .

سابعاً / المسارعة إلى الوضوء الذي له أثرٌ فاعلٌ في تهدئة ثورة الغضب التي تتسبب في فوران دم الإنسان الغاضب وارتفاع حرارة جسمه ، وبذلك يعود الإنسان إلى وضعه الطبيعي – بإذن الله - . فعن عطية بن عروة السعدي أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خُلق من النار ، وإنما تُطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4784 ، ص 249 ) .

وقد عَلَّق أحد المختصين على هذا الحديث بقوله : " ويُشير هذا الحديث إلى حقيقةٍ طبيةٍ معروفة ؛ فالماء البارد يُهدئ من فورة الدم الناشئة عن الانفعال ، كما يُساعد على تخفيف حالة التوتر العضلي و العصبي " ( 17 ) .

ثامناً / كظم الغيظ بعدم إنفاذ الغضب ، ومحاولة إخماد جذوته لما في ذلك من الفضل العظيم الذي قال فيه سبحانه وتعالى : } وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ { ( آل عمران : من الآية 134 ) . وروي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " .. وما من جرعةٍ أحبُ إليَّ من جرعة غيظٍ يكظمها عبدٌ ؛ ما كظمها عبدٌ لله إلاَّ ملأَ جوفه إيماناً " ( أحمد ، ج1 ، الحديث رقم 3017 ، ص 327 ) .

وعن معاذ بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كظم غيظاً وهو يقدر على أن يُنفذه ، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخَيَّره في أي الحور شاء " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2493 ، ص 656 ) . وهذا فيه بُعدٌ تربويٌ يُشجع المسلم على التحكم في انفعالات النفس ، وعدم الاستجابة لها ، كما أن فيه تعويدٌ لها على قهر الغضب ، والعمل على عدم إنفاذه رغبةً فيما أعدَّه الله تعالى لمن ابتغى بذلك الأجر والثواب .

تاسعاً / العمل على ترويض النفس وتربيتها بين الحين والآخر على التحلي بفضائل الأخلاق وكريم السجايا وحميد الصفات حتى تعتاد الحلم والصفح ، وتألف الصبر والتروي ، وتتربى على عدم الاندفاع والتسرع في الرد والانتقام عند الغضب سواءً بالقول أو الفعل .

وهكذا مرةً بعد مرة يُصبح ذلك طبعاً عند الإنسان المسلم مقتدياً فيه برسوله صلى الله عليه وسلم الذي كان يسبق حلمه غضبه ، وعفوه عقوبته " فالمؤمن الذي يعلم فضل الحلم عند الله ، ويُلاحظ الثواب العظيم الذي أعدَّه الله للحُلماء ، لا بُد أن يجد في نفسه اندفاعاً قوياً لاكتساب فضيلة الحلم ، ولو على سبيل التكلف ومُغالبة النفس ، وبعد التدرب خلال مدةٍ من الزمن قد تطول أو لا تطول فقد يُصبح الحلم سجيةً خُلقية مكتسبة ، ولو لم يكن في الأصل طبعاً فطرياً " ( 18 ) .

عاشراً / العمل على التحكم في الانفعالات وامتلاك النفس عند الغضب كنوعٍ من قوة الشخصية التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم في ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الشديدُ بالصُّرَعَة ، إنَّما الشديدُ الذي يملكُ نفسهُ عند الغَضَب " ( البخاري ، ص 1066 ، الحديث رقم 6114 ) . والمعنى المُراد يتمثل في كون " القوة الحقيقية تكمن في امتلاك النفس والسيطرة عليها عند فوران الغضب " ( 19 ) .

وهذا فيه تربيةٌ للإنسان المسلم على مُجاهدة النفس ومُغالبتها على عدم الغضب " لأن تعلم التحكم في انفعال الغضب إنما يُقوي إرادة الإنسان على التحكم في جميع أهواء النفس وشهواتها ، ويُمكِّن الإنسان في النهاية من أن يكون مالك نفسه وسيدها وليس عبداً لانفعالاته ، وأهوائه وشهواته " ( 20 ) .

حادي عشر / صرف انتباه الإنسان الغاضب إلى ما يُبعده عن الغضب بوسيلةٍ أو بأخرى حتى يحول ذلك دون استمرار ثورة الغضب . يقول أحد الباحثين : " ومما يُساعد على التخلص من انفعال الغضب أيضاً تغيير حالة الإنسان النفسية ، وتوجيه الانتباه إلى أمور أُخرى بعيداً عن الأمر الذي أثار الغضب ، فيشتغل الإنسان بالتفكير فيه ، وينصرف عن التفكير في الأمر الذي أثار الغضب . وكذلك فإن مما يُساعد على التخلص من الانفعال القيام بمجهودٍ بدنيٍ عنيف لتبديد الطاقة البدنية والتوتر العضلي اللذين أثارهما الانفعال " ( 21 ) .

ثاني عشر / التفكر في ما ينتج عن الغضب من النتائج المؤسفة والعواقب الوخيمة التي تؤدي في الغالب إلى الندم والحسرة على ما كان من قولٍ جارحٍ ، أو عملٍ أهوجٍ ، لا يتفق مع ما تمتاز به شخصية الإنسان المسلم من جميل الصفات وكريم الخصال . يقول أحد العلماء : " والغضبان أول ما يجني على نفسه فتقبُح صورته ، و تتشنج أعصابه ، و يفحُش كلامه ، ويزيد على من ظلمه انتقامه ، و قل أن تراه إلا وهو شعلةٌ من نارٍ يأكل بعضها بعضاً " ( 22 ) .

وبعد ؛ فهذا هو الغضب ، وتلك بعض آثاره ومضاره الخطيرة على الفرد والمجتمع ، وهذه طرق علاجه ووسائل الوقاية منه وفق ما بيَّنه معلم البشرية وأُستاذ الإنسانية الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في تربيته النبوية التي اختصرت ذلك كله في وصيةٍ تربويةٍ واحدةٍ معجزةٍ ، نطق بها الفم الشريف قائلاً لمن طلبها : " لا تغضب " ؛ فكانت بحق وصيةً تربويةً موجزةً في مبناها ، معجزةً في معناها لأنها جمعت في كلمةٍ واحدةٍ بين خيري الدنيا والآخرة .

بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد

أُستاذ التربية الإسلامية المساعد ومدير مركز البحوث التربوية

بكلية المعلمين في أبها

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 01-09-2010, 05:02 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

نموذج حضاري (3)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد r

(الجزء الثالث)

أما موسى عليه السلام أحد أولي العزم من الرسل فقد احترف رعي الغنم لمدة عشر سنوات وكان ذلك صداقاً لزواجه من إحدى بنات الأنبياء وهو شعيب عليه السلام ، قال تعالى :{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ. قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}(القصص: 27-28) . ورعي الغنم يعتبر اليوم عند البعض من الوظائف المهنية الوضيعة التي يترفع عنها الكثير من المتربين ، ولكن الحضارة لا تستغني عن أي وظيفة مهنية صغيرةً كانت أو كبيرة . وفي هذه القصة يظهر معرفة شعيب عليه السلام بالقدرات وحسن اختياره وتوظيفه للطاقات مما يبين أهمية اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب في مشروع البناء الحضاري.ومن مواصفات الرجل المهني كما تبين من القصة أن يكون قوياً أميناً لمواصلة العمل والحفاظ على الأمانة .

ومن الجوانب المهمة في الاقتداء بالأنبياء في ما يلي :

أ – الاقتداء بالأنبياء في التركيز على الصناعات الخفيفة والثقيلة .

وذلك لحاجة الأمة إليها في عملية النهوض الحضاري . فنبي الله سليمان عليه السلام أُوتي قدرة التحكم في الهواء ، وكان سباقاً في اكتشاف واستغلال نعمة الريح لخدمة أغراضه واستفاد منها هو ومجتمعه .قال تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}(الانبياء:81) . وكان للشياطين دور بارز في تنشيط الحركة الاقتصادية و زيادة الموارد المالية لدولة سليمان عليه السلام ، فكانوا نعم الموظفين الجادين في أعمالهم والمطيعين لرئيسهم . قال تعالى:{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (الأنبياء:82) . وقال تعالى : {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ.يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ 12-13) .

وقد فسر ابن الجوزي رحمه الله(ت597، 1404) الآيات السابقة ، وفيما يلي بعض الشواهد الحضارية منها :

- أجرى الله لسليمان عليه السلام عين القِطر وهو النحاس المذاب حتى صنع منها ما أراد من غير نار كما ألين لداود عليه السلام الحديد بغير نار . فبقيت تجري ثلاثة أيام و لياليهن كجري الماء ، وإن ما يعمل الناس اليوم مما أُعطي سليمان .

- أن الجن كانت تبني له المساجد والقصور ، وقيل كانت تصنع له صور الطواويس والعقبان والنسور وتضعها على كرسيه ودرجات سريره مبالغةً في الأُبهة والعظمة ، وهذا التصوير لم يكن محرماً يومئذ .

- كانت الجن تصنع له قدوراً ضخمةً لا يُستطاع تحريكها لثباتها حتى إنه ليأكل من القدر الواحد ألف رجل ( ج6 ص438).

ومن استقرأ التاريخ القديم والحديث يتيقن أن مظاهر الأبهة والعظمة والتحكم في الجن وركوب البساط الرياحي لم تتيسر لأي من الملوك والعظماء في الحضارات المختلفة ولم تتهيأ لأرباب الحضارة المعاصرة الممتلئة غروراً وعنجهيةً . قال تعالى حاكياً عن سليمان عليه السلام:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (ص:35) . قال البخاري عند تفسير هذه الآية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال r : ( إن عفريتاً من الجن تفلت علي البارحة –أو كلمة نحوها – ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله تبارك وتعالى منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان عليه الصلاة والسلام {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} (صّ: من الآية35) رواه البخاري في كتاب الصلاة (ج1 ص82) .

ب – الاقتداء بالأنبياء في ممارسة المهن التي تحتاج إلى مهارات عقلية عالية

فهناك من المهن التي تحتاج إعداداً خاصاً ونبوغاً متميزاً كالطب والهندسة وهي من أعمال الأنبياء التي قاموا بها .وقد علم الله نوحاً عليه السلام صناعة السفن ، وكان عيسى عليه السلام طبيباً بشرياً يشفي المرضى ذوي العاهات بإذن الله تعالى ، وبلغ من معجزاته التي آتاه الله إياها أن أحيا الأموات من قبورهم . قال تعالى :{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (المائدة:110) .

أما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فقد عمل فترة طفولته في رعي الغنم ، ولما شب عن الطوق وأصبح رجلاً توظف في عمل تجاري في مؤسسة خديحة رضي الله عنها . ولما آتاه الله النبوة كان مصدره المعيشي من الجهاد في سبيل الله



د.هاشم الأهدل

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 01-09-2010, 05:12 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

الصلاة وتربية الأمة على الوحدة



الحمد لله القائل في محكم التنزيل : ) إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ( ( سورة النساء : من الآية 103 ) .

والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي صحَّ عنه أنه قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ؛ فمن تركها فقد كفر " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 1079 ) . وبعد :

فما من إنسانٍ مُسلمٍ بالغٍ راشدٍ عاقلٍ ؛ إلا و يعلم ما للصلاة من أهمية عظمى ، ومنزلة كبرى في حياة الإنسان المسلم ، فهي عمود الإسلام ، وأحد أركانه العظمى ، وهي الفريضة التي متى صلُحت صلُح سائر عمل العبد وقُبل - بإذن الله تعالى - ، وإن فسدت فسد سائر العمل والعياذ بالله .

وقد جاءت التربية النبوية العظيمة لتؤكد أهمية وعظم شأن هذه العبادة التي توصف بأنها صلةٌ بين العبد وربه سبحانه . ومع أن مساجدنا ولله الحمد والمنة ، تزدحم بالمصلين الذين يسعون إلى المساجد طامعين في الأجر والثواب من الكريم الوهاب ؛ إلا أن هناك بعضاً من الناس الذين لا يحرصون على ذلك ، فنراهم يتخلفون عن حضور بعض الصلوات في المساجد ، دونما عذرٍ يُبيح لهم هذا التخلف عن صلاة الجماعة ، وإنما هو التساهل والتهاون في شأن هذه العبادة العظيمة ، والخمول والكسل ، والانشغال بالشهوات والملذات التي ينسى أو يتناسى أصحابها أن في ذلك تركاً لسنة المصطفى r ، ومدعاةً للضياع والضلال والعياذ بالله .

كما أنهم بذلك يحرمون أنفسهم من عظيم الأجر وجزيل الثواب الذي جاءت به التربية النبوية ؛ فعن عبد الله بن مسعود t أنه قال : " من سرَّه أن يلقى الله غداً – أي يوم القيامة – مسلماً ؛ فليُحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيثُ يُنادى بهنَّ ، فإنهن من سُنن الهدى ، وإن الله شرع لنبيكم r سُنن الهدى ، ولعمري ، لو أن كلَّكم صلى في بيته ، لتركتم سُنَّة نبيكم ، ولو تركتم سُنَّة نبيكم لضللتم ، ولقد رأيتُنا وما يتخلفُ عنها – أي صلاة الجماعة – إلاَّ منافقٌ معلومُ النفاق ، ولقد رأيتُ الرجل يُهادى بين الرجلين حتى يدخل في الصف ، وما من رجلٍ يتطهَّرُ فيُحسنُ الطهور ، فيعمد إلى المسجدٍ فيُصلي فيه ، فما يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة ، وحطَّ عنه بها خطيئة " ( رواه ابن ماجه ، الحديث رقم 777 ، ص 147 ) .

فيا من غركم حلم الله تعالى عليكم ، ويا من تخلفتم عن صلاة الجماعة ، الله الله في صلاة الجماعة ، وإياكم والتخلف عن أدائها في المساجد ، وعليكم بالحرص على أن تكونوا ممن قال فيهم الشاعر :

يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا

" الله أكبر" في شـوق و في جـــذل

أرواحهم خشعت لله فـي دأبٍ

قلوبهم من جـلال الـله في وجـل

هـم الرجال فلا يُلهـيهمُ لعبٌ

عن الصلاة، ولا أكذوبة الكسل

وفقنا الله وإياكم للمحافظة على الصلوات في الجُمع والجماعات ، ورزقنا بفضله وكرمه أجزل الأجر والثواب ، وجعلنا جميعاً من أهل الصفوف الأولى في بيوت الله في الأرض ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً.





د . صالح بن علي أبو عرَّاد

أستاذ التربية الإسلامية المساعد بكلية المعلمين في أب

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 01-09-2010, 05:20 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

نموذج حضاري (4)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد r (الجزء الرابع)

المعالم التربوية في رسالة خاتم الأنبياء محمد r :

ولنبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام مزية خاصة فهو أفضل الرسل وخاتم النبيين ، ونستنبط من رسالته الحضارية بعض المعالم التربوية وهي :



1 – اتصافه بالأخلاق اللازمة لأجيال الحضارة

فمحمد r رسول الحضارة وحضارة الإسلام من أهم مميزاتها أنها حضارة أخلاقية ،وهذا خلاف ما اكتنف الحضارات الغابرة والمعاصرة من سلوكيات لا أخلاقية . وخير شاهد على ذلك رسول الحضارة نفسه r ، فالمنهج الأخلاقي في حياته r لم يبلغه بشر ولم يحصل عليه مخلوق ، ويكفي شهادة خير الشاهدين سبحانه وتعالى حين يقول : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4). فقد كان منهجه r المنهج الأسنى الذي بنى خير حضارة وأخرج أفضل أمة، فلا بد من دراسته وتأمله وفهم دقائقه.يقول برغوث مبارك(1415) : " وذلك لما للوعي بهذا المنهج من فقه بصير وإدراك عميق وفهم سديد لسنن الدعوات وقوانين النهضات ومناهج البلاغات ومقاصد الديانات وأخلاق السياسات وحاجات النفسيات ومتطلبات العقليات واستعدادات الشخصيات وثقافات الجماعات وسلوكات الأمم الناجيات وشرائع الرحمة الميسرات . ففي المنهج النبوي سبيل لهداية الناس إلى الأعمال الصالحات والأقوال الصائبات والعبادات الصحيحات والمعاملات النافقات والمواقف المرضيات ...والمنهج النبوي له قدرته على تركيب حضارة عالمية نموذجية تستجيب لقانون الفطرة العالمي" (ص38) . فكان الرسول r هو رائد الأخلاق في هذه الحضارة ، وعلى نهجه وأسلوبه تربى أصحابه رضوان الله عليهم ، وبهذه الأخلاق أثروا في الأمم والشعوب التي التقوا بها في السلم والحرب ، في السلم من خلال التبادل التجاري والاقتصادي والمناكحة ، وفي الحرب أثناء المعارك والحروب .

رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
" دورة مـــطبخ المجــالس"( متجدد) &آهــــات الحــــزن& مـطـبـخ الـمـجـالـس 328 01-02-2009 02:34 PM
ريـــمكس شـــباب وبنـــات " موضوع متجدد" &آهــــات الحــــزن& المجلس العــــــام 39 20-11-2008 11:58 AM
عــدنا ريمكس شباب وبنات " متجدد" &آهــــات الحــــزن& المجلس العــــــام 18 06-11-2008 03:51 PM
أحاديث خفق لها قلبي "متجدد بإذن الله" سمو الرووح المجلس الإســــلامي 2 26-07-2008 11:26 PM
دراسات خفيفة "موضوع متجدد" قلب الشوق مجلس الدراسات والبحوث العلمية 26 25-06-2007 06:43 PM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 07:47 PM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع