محمود الشيمي
تعتبر قيمة الوقت من أهم الأمور التي نبه إليها الحكماء والمفكرون فالزمن هو عمر الحياة وميدان وجود الإنسان وساحة ظله وبقائه ونفعه وانتفاعه وقد تعددت الكلمات المأثورة حول قيمة الوقت وأهميته فقال أحدهم " الوقت هو الحياة فما حياة الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة"، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وغيرها من الكلمات التي تعبر وتدل علي عظيم شأنه وقدره .
وقد أهتم الإسلام بالوقت فأقسم الله به في آيات كثيرة فقال تعالى( والعصر إن الإنسان لفي خسر), وقال أيضا (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى), وغيرها من الآيات التي تذكر أهمية الوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله, وهناك أحاديث كثيرة توضح ذلك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ".
وبناء عليه فنحن بصدد الحديث عن جزء هام من مجموع هذا الوقت وهو وقت الفراغ وأثره في حياة الشباب حيث لن نبالغ حينما نقرر بأن وقت الفراغ قد أصبح سمة من سمات هذا العصر الحديث وثمرة من ثماره التي عرفتها البشرية حديثا وأصبح ظاهرة تحتاج إلي دراسة وتحليل وبحث حول كيفية الاستفادة منه والاستخدام الأمثل له.
بين عصرين
وإذا كان العالم قديما لم يكن لديه وقت فراغ يسعى للتفكير والبحث في كيفية استغلاله والاستفادة منه فلعل وقت الفراغ في العصر الحديث أصبح سمة من سماته الأساسية ففي العصور الماضية كان وقت الفراغ لا يتوفر إلا لفئة معينة من المجتمع تلك الطبقة التي تمتلك الثروة والمال ولا تحتاج إلي العمل بيدها أما غيرها من الفقراء والكادحين فقد كانوا يعيشون في معظم المجتمعات حياة الكفاف حيث لا يمكن لهم أن يؤمنوا احتياجاتهم المادية والضرورية إلا من خلال العمل المتواصل الذي لا يجدون معه وقت فراغا.
فإنه مع تقدم الإنسان وتحضره ودخول الميكنة في جوانب كثيرة من حياته إضافة إلي تحديد ساعات العمل وكثرة الأجازات السنوية والأسبوعية أصبح لديه أوقات فراغ يحتاج إلي التفكير في كيفية قضائها ولذلك فقد تنبه العالم لهذا الأمر حتى أصبح هناك اهتمام دولي به حيث رأت المجتمعات المتقدمة أن السيطرة علي أوقات الفراغ شرط أساسي لتحقيق السلام والأمن الاجتماعي لأي البلد.
وقد بدأ الاهتمام الدولي بوقت الفراغ منذ عام 1899 بصدور كتاب نظرية طبقة الفراغ لمؤلفه (نور شتاين فلين ) ثم تباينت الكتابات حتى أخذت بعدا دوليا بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 حيث نصت المادة (24) منه علي (لكل شخص حق في الراحة وأوقات الفراغ ) وفي عام 1970م اجتمعت ست عشرة دولة وأصدرت ميثاق الفراغ الدولي في جنيف وكذلك تم تأسيس الاتحاد الدولي لأوقات الفراغ ومقره نيويورك.
وقبل هذه المواثيق بحدود ألف وأربعمائة سنة خلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجهنا بدعوة صريحة تربوية للاستفادة من وقت الفراغ بقوله صلى الله عليه وسلم «اغتنم خمساً قبل خمس ومنها فراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك».
أنشطة متنوعة
الطالب مصطفى أباجي الذي خريج كلية الآداب بالمغرب يقول إنه يقضي وقت فراغه في مطالعة الكتب المفيدة، خاصة تلك التي ترتبط بتخصص الأدب الإنجليزي، أو بالقضايا العامة من قبيل تلك التي تسلط الأضواء على أبعاد الصراع مع دولة الاحتلال الصهيوني، خصوصا من طرف الكُتاب الغربيين.
ويضيف: " أنا جد مهتم بقضايا الأمة العربية والإسلامية، دون أن أنسى التحولات العالمية على غرار ما يقع في الصين وأمريكيا اللاتينية، إضافة إلى هذا فأنا متابع جيد للقنوات التلفزيونية وكذلك فأنا فاعل جمعوي ومهتم بقضايا الشباب ومشاكلهم، وأري أن الشكل الأمثل لقضاء وقت الفراغ يجب أن ينصب على ما يعود بالنفع على الفرد وعلى المجتمع والأمة، بتوازن وعدل".
ويعتقد أن أحسن ما يمكن للفرد أن يقضي وقت فراغه فيه هو المساهمة في تنمية المجتمع ومساعدة الأفراد عن طريق المشاركة في أعمال اجتماعية وبيئية يعود نفعها على الوطن، وأن هناك ارتباط وثيق بين وقت الفراغ وانحراف الشباب أو تميزه، فالإنسان لابد أن تكون له أوقات فارغة يقضي فيها مصالحه وما يفيده، غير أنه إذا لم يعمل على الاستفادة من تلك الأوقات فإنه قد يصبح من حيث لا يدري منخرطا في أنشطة غير منتظمة وغير مفيدة ومخطط لها من جهات أخرى أو غير ذلك.
ويري الشاب علي عبد الله من ليبيا وله أنشطة شبابية وكشفية متعددة بأن وقت الفراغ عند كثير من الشباب قد أدي إلي انتشار كثير من العادات السيئة لديهم وعلي رأسها التدخين الذي أصبح من أهم مشاكل الشباب في ليبيا، فالأرقام تؤكد أن 48% من الشباب الليبيين يدخنون، وقد وجدنا أن هذه المشكلة أو العادة ترتبط بوقت الفراغ الذي يعيشه الشباب، خصوصا في فصل الصيف؛ حيث لا تستطيع كل الجهود التي تُبذل من وزارة الشباب والرياضة أن تستوعب طاقات الشباب، فالبعض يقضون بعض الأيام بالمناطق الساحلية والأثرية في ليبيا، خاصة منطقة الجبل الأخضر، وأيام أخرى بالمتنزهات في المدن، وهناك بعض الشباب الذين يتجهون لمساعدة آبائهم في مجالات العمل المختلفة في الزراعة أو التجارة أو الصناعات المختلفة، لكنهم فئة قليلة، أما باقي الشباب فيقضون أياما طويلة بلا عمل؛ ولهذا بدأنا منذ سنوات بتنظيم معسكرات صيفية وبرامج وأنشطة في فصل الصيف، تنظمها الهيئة الكشفية، والتي لها وجود حقيقي بالشارع الليبي؛ حتى إنه لا يوجد أحد في ليبيا لا يعرف مكان الكشافة وأنشطتها إننا نحاول أن نملأ أوقات فراغ الشباب بالأنشطة والمسابقات والمنتديات؛ حتى لا يتجهوا إلى أشياء أخرى، خاصة أن هذه البرامج تتخللها أنشطة عملية، تساهم في تغيير سلوك الشباب كتعليمهم الاعتماد على النفس، واكتساب بعض المهارات".
أما جسار فرحان من محافظة "أبيان" باليمن - والذي له أنشطة كشفية أيضا- فيري أن أهم الآثار المترتبة علي عدم شغل أوقات الفراغ لدي الشباب في اليمن هي تعاطي "القات" (وهو نوع من المخدرات في شكل عشب يمضغ بالفم)، مضيفا: وجدنا أن الحديث عن مضار القات لن يجدي وحده، وكان علينا أن نوفر لهم سبل الاستفادة من أوقات فراغهم، خاصة خلال موسم الصيف وعطلات المدارس والجامعات، وليس عندنا بالمحافظة سوى رياضة كرة القدم؛ ولهذا نحاول أن نطرح عليهم أفكارًا جديدة للاستفادة من وقت الفراغ الذي لا يُستثمر إلا في مضغ القات.
ويقول كريم شاكر الطالب بإحدى الكليات الخاصة بمصر والذي يجد لديه وقت فراغ يوميا يتراوح ما بين ثلاث أو أربع ساعات إنه غالبا ما يقضيها إما في تصفح الانترنت أو مشاهدة القنوات الفضائية خاصة قنوات الأغاني التي يفضلها وعلي الرغم من حبه لرياضة كرة القدم إلا أنه لا يمارسها كثيرا.
ويرى أن وقت الفراغ لا يعد السبب الرئيسي لانحراف الشباب وإنما يمكن أن يكون إحدى هذه الأسباب وأن الصورة المثلي كي يقضي الإنسان وقت فراغه إنما تكون بكثرة الخروج مع أصدقائه للتنزه والقضاء علي الملل الذي قد يصيب الإنسان وأن علي الدولة أن توفر للشباب الحد الأدنى من العمل الذي يشغل أوقات فراغهم فيما يفيدهم ويعود بالنفع عليهم.
المخاطر والعلاج
يؤكد الدكتور عبد الله ناصر السدحان - في كتابه وقت الفراغ وأثره في انحراف الشباب - أن الآثار الإيجابية لاستغلال وقت الفراغ تتضح عندما يستطيع الإنسان شغل أوقات فراغه من خلال الأنشطة الفعالة التي يمارسها فإنه بذلك يتمكن من إشباع مجموعة من الاحتياجات الضرورية للفرد مثل الحاجة الجسمية بإزالة التوترات العضلية وتنشيط الدورة الدموية والحاجة الاجتماعية بالعمل الجماعي والتعامل بروح الجماعة في العديد من الأنشطة التي يمارسها والحاجة العلمية العقلية بكسب المزيد من الخبرة والمعرفة وتعلم معلومات جديدة وأخيرا الحاجة الانفعالية التي قد تؤدي إلي بعض السلوك المنحرف إذا كبتها.
ويتحدث الدكتور علي بن عبد الله العفنان أستاذ علم النفس المساعد ووكيل كلية المعلمين بالرياض بأن أضرار الفراغ على النشء والمجتمع كثيرة لما قد يسببه من جنوح وانحراف لهؤلاء الفتية وأنه ينعكس على صورة الفرد عن ذاته حيث يرى نفسه وقد أصبح بلا جدوى ولا منفعة منه وأصبح إنسانا بلا هدف وحياة بلا روح لا معنى لوجوده مما يجعله يبحث عن الهروب والميل إلى الحيل النفسية بعيداً عن المواجهة وتحمل المسؤولية فتجده قد يستخدم المسكرات والمخدرات والبحث عن الرذيلة عله يجد متعة أو لذة.
ويشير إلى أن الأبحاث والدراسات التي أجريت على مرتكبي الجرائم والمخالفات بينت أن الفراغ هو المحرك لكل النوازع المكبوتة والرغبات الشهوانية مما يدعو لضرورة أن ينتبه المخططون ورجال الفكر والتربية ومعهم أولا وقبل كل شيء الآباء والأمهات لهذا الأمر ومن قبلهم ولي الأمر عن طريق إيجاد خطط لاستثمار هذا الوقت بما يعود بالنفع على شخصية واتجاهات وقيم الأبناء.
نحو مقاربة شاملة
ويرى أن الحل لهذه المشكلة ينحصر في توفير البرامج التي تساهم فيها المؤسسات الأهلية والحكومية وكل من له علاقة في قطاع التربية والتعليم وخدمات الشباب قائلا إننا بحاجة للتخطيط السليم من أجل توجيه الرغبات الكامنة داخل ذوات الشباب ذكورا وإناثا على حد سواء وأن يتم تقرير العادات الطيبة وتحمل المسؤولية وهذا لن يتحقق لنا إلا بوجود البرامج الهادفة والوسائل المتنوعة المتلازمة مع عملية التوجيه والإرشاد مع مراعاة مبدأ الشمولية عند تقديم مثل هذه البرامج فنحن نتحدث عن جوانب نفسية عقلية بدنية عاطفية.
فمثلا يحتاج الشاب أو الفتاة لتحقيق الحاجات العقلية وهذا يتحقق عن طريق القراءة والاطلاع والسياحة الهادفة والتفكير والتأمل وعندما نتحدث عن الجانب البدني الجسماني فهذا يتم بتحقيق مطالبه عن طريق الرياضة بألعابها المختلفة والاشتراك في الأندية التي تعني بالجوانب الثقافية والرياضية والاجتماعية والمراكز الصيفية وكذلك بالنسبة للجوانب الترفيهية حيث الراحة والاستجمام وهذا يجعل الشاب أكثر سعادة بعيدا عن الرتابة والملل.
ومن الجوانب المهمة أيضا: الجوانب الروحية «القلب» حيث لا تستقيم حال الإنسان إلا بسلامة هذا الجانب وبالإمكان تحقيق هذا المطلب عن طريق إيجاد البرامج التي تراعي مطالب الروح من جوانب شرعية مثل تخصيص وقت لقراءة القرآن، كتب السير، التعرف على أخلاق السلف، وأخيرا الجوانب المهنية والتقنية التي تجمع بين الجهد البدني والجهد الذهني.
02-07-2007, 11:45 PM
العرض العادي
المواضيع المتشابهه
