بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ ...
كتب الكاتب القدير نجيب الزامل مقالا بعنوان : " اخرس أنت سعودي " ، وكتب بعده الكاتب القدير عبد العزيز قاسم مقالا عنون له : " ارفع راسك أنت سعودي " ، وكل منهما حكي واقعة جرت له كانت حصيلته ذلك العنوان ، ومقال الكاتب نجيب الزامل وجد صدا كبيرا . ولعله بمقارنة المقالين نجد أن تصور بعض الناس عن بلادنا كما في مقال نجيب الزامل جاء بناء على خلفية مغلوطة مشحونة ، وأما مقال عبد العزيز قاسم بما زاره من أماكن ومناشط كان لها أثرا جعلتهم يثنون على بلاد الحرمين وما قدمته من أعمال تستحق أن يرفع رأسه بها .
المقال الأول
ارفع راسك أنت سعودي
عبدالعزيز محمد قاسم
الجمتني المفاجأة وأنا أخطو في مطار أديس أبابا الدولي الأربعاء قبل الماضي، ذلك أنني عندما قررت الاستجابة لدعوة كريمة من جمعية البر الخيرية للشعوب الجنوبية بأثيوبيا, لم أظن أبدا أن تكون هذه العاصمة بمستوى متفوق عن مثيلاتها الأفريقيات والتي تسنى لكاتب السطور أن يزورها. ولم أدر أبدا أنها تتوافر على هذه الطبيعة الساحرة البكر، فضلا عن جو بديع أخاذ، جعل رجلا مثلي هرب من حرارة أغسطس ورطوبة جدة يستمتع بكل لحظة مطر هاطلة، والتي يكرمنا الله بها يوميا.
معلوماتي عن الحبشة – ككثير من أسناني- ضئيلة، فما ثمّ إلا نتف يسيرة عن بلد متخبط في مشاكله السياسية من بعد امبراطوره الديكتاتوري مريام هيلاسلاسي الذي كان يطعم نموره وكلابه لحم الأبقار الطازجة والتي تذبح يوميا، فيما كان شعبه يموت من المجاعة، في تاريخ أذهلني وأنا أستمع واقرأ عنه، غير أن هذه النظرة تغيرت بالتأكيد وأنا أرى بلدا يشكل المسلمون فيه قرابة الـ60% ،وهي تخطو نحو التمدن في ظل الحكومة التي أتت بعد منغستو، وأتاحت للمسلمين الكثير من الحرية مقارنة مع ذي قبل.
وفي أثناء جولتي في مدن أثيوبيا وقراها، تذكرت مقالة حبيبنا الكاتب نجيب الزامل ( أخرس أنت سعودي) والتي طارت في الآفاق ووصلتني عبر ست مجموعات بريدية، ذلك أنني بعكسه شعرت بفخر لا حدود له بوطني ورجالاته وأنا أتجول في قرى الحبشة عبر أحراش متشابكة وأجمات متعددة، فأينما يمّمت ولله الحمد في تلك الأصقاع والمساجد التي ذهبت، إذا بخير هذا البلد سبق إلى هناك. ولا أنس أبدا منظر زهرات سمراوات في سن السابعة للعاشرة، يتعلمن في مدرسة تعتبر نموذجية - قياسا إلى مثيلاتها في تلك البلاد- وهن يلهجن بالدعاء والشكر لمعالي الدكتور محمد عبده يماني الذي زارهن في إحدى السنوات ورأى أحوالهن فأمر بإنشاء تلك الفصول، وهتفت في نفسي، كم هو عظيم هذا الرجل الذي آثر في آخر سني حياته التوجه للأعمال الخيرية، ولم أملك سوى حبس دموع كادت تتساقط وأنا أرى مشهد طلاب تلك المدارس المعدمين، وهم في حالة رثة، يدعون للرجل ولأمثاله ممن تفرغوا للدعوة إلى الله والاهتمام بأحوالهم.
زرت مدنا كثيرة، وقرى متعددة، وسأكتب عن تلك الأماكن إن شاء الله ، إلا أنه وللإنصاف، ألفيت المسلمين هناك يلهجون بذكر رجل لا أعرفه اسمه صالح الثنيان، وهو رجل أعمال سعودي يهتم بشؤون المسلمين منذ أكثر من 25 عاما، ما جعلني مرة أخرى أتذكر المقالات التي كتبت عن إحجام رجال الأعمال في بلدي عن الأعمال الخيرية، وعرفت أن نفرا يعملون بصمت ويبذلون لوجه الله دونما دعاية لأنفسهم أو تفاخر بما يفعل غيرهم. في كل الجهات التي ذهبت، وجدت الترحاب والدعاء والثناء لبلدي ولرجالاته، فيما يتقاطر المسلمون من كل صوب وحدب لرؤية هذا الآتي من بلاد الحرمين ، وعرفت يقينا أن أهم سبب لكي أمتثل المقولة الرائجة في إعلامنا : (ارفع رأسك أنت سعودي) بأن رؤوسنا ارتفعت بسبب أن وطننا هو موئل الإسلام ، وأنه يتسامق علوا بخدمة هذا الدين والتمسك به، وانبجست مقولة سيدنا عمر رضي الله عنه في نفسي، وتحققتها يقينا في تلك البلاد : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العز بدونه أذلنا الله.
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/2008...0821218768.htm
المقال الثاني
إلى محبي الشيخ ابن باز
عبدالعزيز محمد قاسم
في جولتي الماتعة ببلاد الحبشة، انتهيت إلى مدينة صغيرة في الجنوب اسمها (قـليتو). وقبائل الجنوب في معظمهم وثنيون، وقام البروتستانت بتنصير بعضهم، في ما تعيش بتلك المناطق قبيلة (ألابا) المسلمة والتي تمسكت بإسلامها في الوقت الذي تنصرت فيه كثير من قبائل (هدية) و(سدامو) و(كمباتا) المسلمة بسبب الفقر والحاجة ونشاط الكنيسة. أخذني مرافقي إلى موقع كبير في المدينة، وقال لي ستنتظرك مفاجأة الآن فتأهب لها، وإذا بأرض كبيرة مسّورة بطريقة بدائية، وعلى بوابتها الصغيرة كتبت باللغة الأمهرية والعربية : مدرسة دار الحديث( مدرسة الشيخ ابن باز) .. تأسست في عام 1391 هـ .
واستقبلني بعض معلمي هذه المدرسة من كبار السن، لأكتشف أنهم يتحدثون الفصحى، وأخبروني بأنهم كانوا الرعيل الأول من تلامذة الحبشة الذين درسوا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وتفقهوا على يد الشيخ عبدالعزيز بن باز الذي أولاهم عنايته، واحتفى بهم، وأن هذه المدرسة قد أنشأها من حسابه الخاص.
لم أكد أسمع اسم ابن باز، إلا وانثالت الذكريات العزيزة عن هذا العلم الذي طبقت شهرته الآفاق، وتراءت لي صور من تواضعه وسماحته وعلمه، وكيف كنا نتسابق ولداتي في مدينة الطائف أثناء فترة الصيف لحضور درسه بعد الفجر بمسجده بشهار، ولكلمته الوعظية بعد صلاة المغرب.
وأتذكر كيف كانت تمتلئ نفوسنا حبا وإيمانا بمجرد رؤيتنا له بهيئته البسيطة، وملامح وجهه النورانية.
انتشلني من تلك الذكريات مدير المدرسة، وعيناه تغرورقان بالدموع وقد استعاد ذكرى شيخه قائلا: هل تعرف أننا أتينا من الحبشة في عهد هيلاسلاسي، ولم تك لدينا أوراق ولا إثباتات، واستضافنا الشيخ على نفقته، وأصرّ على قبولنا بدون أية شهادات، وقام على حاجاتنا بما نعجز بالتعبير عنه، وهو يكرر على أسماعنا : أنتم من استضفتم أجدادنا وأكرمتموهم، وأنتم من أوصانا رسولنا الكريم بكم، وأثنى على مليككم ووصفه بالملك الصالح . فلا أقل أن نقوم بواجبنا تجاهكم.
ويتدخل شيخ آخر، وقد بلغ السبعين من عمره : هل تعرف أن حكومتنا إذاك رفضت إعطاءنا أية وثائق لكي يتم قبولنا، وأسقط في أيدينا، فلم نك نملك حتى حق الإقامة في المدينة.
وكان الشيخ ابن باز يتابع أحوالنا ويتعهدنا، وعندما علم بذلك التعنت، تكلم شخصيا مع الملك فيصل يرحمه الله، والذي أصدر أوامره بمنحنا الاقامات الشرعية، واستثنانا إكراما لنا وللشيخ .. شخصيا شعرت لحظتها بعظمة ملوكنا وعلمائنا، في هذه الثنائية الملحمية التي جعلتني أرفع رأسي عاليا هاتفا : نعم, هذا ديدن وطني ورجالاته.
استمعت إلى قرابة السبعة من تلامذة الشيخ ابن باز المباشرين، يحكون بكل الحنين الذي لو سمعه محبو الشيخ لطفرت الدموع من أعينهم بما حصل لي، ولم يبدد هذا الجو الإيماني إلا رؤية مبنى المدرسة البائس، فإذا بي أمام فصول كعهدها أيام أنشئت، بمعنى أن عمرها 38عاما كاملة، وألجمتني الفجيعة في رؤية تلك الفصول الموغلة في القدم، وهي أقرب – عفوا منكم - لزريبة البهائم، منها لفصول تعلم، وخلتني محتجا أردد : يا لله ، أقسم أن هذا لا يليق باسم عالمنا الذي فاخرنا به الدنيا، أيعقل أن مدرسة أنشأها الشيخ ابن باز وتحمل اسمه يكون هذا حالها ؟ .
آليت على نفسي – وفاء لعالمنا الكبير- بأن أخدم في مجالي، وأقوم بجمع قصص هؤلاء التلامذة الحبوش عن علاقتهم بالشيخ، وأن أوصل هذه الرسالة لمحبيه الكثر، والذين منّ الله على بعضهم بفضلة مال، لعل فيهم من ينتفض غيرة ووفاء وتقديرا لذلك العالم وتراثه، عله ينفر لإنشاء معهد كبير عصري، يليق باسم الشيخ، ويكون منارة إشعاع في تلك المنطقة لبثّ منهج ورسالة ابن باز بما أمّل في حياته، بتلك الربوع البعيدة التي تحتاج فعلا لمعهد يخرّج الدعاة إلى الله من أهل تلك البلاد، كي يوقفوا جحافل التنصير التي تجوب تلك المنطقة بالطول والعرض. اللهم هل بلغت.
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/2008...0828221091.htm
منقوووول
30-08-2008, 09:23 PM
العرض العادي
المواضيع المتشابهه
