خالد بن صفوان يصف جريرا والفرزدق والاخطل
قال هشام بن عبدالملك لخالد بن صفوان : صِف لي جريرا والفرزدق والاخطل فقال : يا امير المؤمنين ، أما اعظمهم فخراً وابعدهم ذكرا واحسنهم عُذراً واسيرُهم مثلا وأقلهم غزلاً واحلاهم عِللاً البحر الطامي إذا زَخَر والحامي إذا ذعر والسامي إذا خطر ، الذي إذا هدر جال وإذا خطر صال الفصيح اللسان الطويل العنان فالفرزدق.
واما احسنهم نعتا وامدحهم بيتا واقلهم فوتا الذي إن هجا وضع وإن مدح رفع فالاخطل.
واما أغزرهم بحرا وأرقهم شعرا واكثرهم ذكرا الاغر الابلق الذي إن طلب لم يُسبق وإن طُلب لم يُلحق فجرير. وكلهم ذكيُّ الفؤادِ رفيع العماد وَارِي الزناد.
وسئل عيسى بن هشام ما تقول في امرئ القيس؟ قال: هو أول من وقف بالديار وعَرصاتِها واغتدى والطيرُ في وكناتها ووصف الخيل بصفاتها ولم يقل الشعر كاسبا ولم يٌجِدِ القول راغباً فَفَضلَ من تفتَقَ للحيلة لسانهُ وانتجَعَ للرغبة بنانُه.
العرصات: جمع عرصة : ساحة الدار او الحي.
الوكنات : جمع وكنة: عُشُّ الطائر حيث كان.
قلنا: وما تقول في النابغة ؟ قال : ينسب إذا عَشِق ويَثلُبُ إذا حَنِق ويمدح إذا رَغِب ويعتذر إذا رَهب فلا يرمي إلا صائباً.
ينسب: من النسيب وهو الغزل.
يثلب : وهو المثالب الرمي بالعيب والقدح في الناس.
قلنا: فما تقول في طَرَفة؟ قال : هو ماءُ الاشعار وطينتها وكَنز القوافي ومدينتها مات ولم تظهر أسرار دفائنه ولم تطلق عِتاق خزائنه.
قلنا فما تقول في زهير؟ قال: يُذيب الشعرَ والشعرُ يذيبه ويدعو القول والسِّحرُ يُجيبه.
قلنا : فما تقول في جرير والفرزدق ؟ وأيهما أسبق ؟ قال : جرير أرقّ شعراً وأغزرَغزراً والفرزدق أمتنُ صخراً واكثر فخراً وجرير أوجع هَجوا وأشرف يوما
والفرزدق اكثر روما واكثر قوما وجرير إذا نَسب أشجى وإذا ثَلَب أردى وإذا مدح أسنى والفرزدق إذا افتخر أجزى وإذا وصف أوفى وإذا احتقر ازرى.
اذا نسب اشجي: اي اذا تغزل ابكى.
اذا ثلب اردى : اي اذا هجا انزل من مقام الانسان ولو كان الخليفة.
اذا مدح اسنى : اي رفع مقامه فيسير مدحه بالركبان.
وفاة الاحنف ورثاء امرأة له
مات الاحنف بن قيس ( ابا بحر ) بالكوفة فمشى مصعب بن الزبير في جنازته بغير رداء وقال :
اليوم مات سرُّ العرب فلما دُفِن قامت امرأةٌ على قبره فقالت : لله دَرُّك من مُجَنّ في جَننٍ ( المجن: مستور. والجنن : القبر وجمعه اجنان ) ومُدرَج في كَفَن نسأل الذي فجعنا بموتك وابتلانا بِفقدِك ان يجعلَ سبيلَ الخيرِ سبيلك ودليل الرّشد دليلك وان يوسّع لك في قبرك ويغفر لك يوم حَشرِك فوالله لقد كنت في المحافل شريفا وعلى الارامل عطوفا ولقد كنت في الحيّ مُسَوَّدا وإلى الخليفة مُوفداً ولقد كانوا لقولك مُستَمعين ولرأيك مُتّبعين ثم أقبلت على الناس فقالت : الا إن أولياء الله في بلاده شهود على عباده وإني لقائلةٌ حقاً ومثنيةٌ صِدقا وهو اهلٌ لِحُسنِ الثناء وطيب النّثا ( النثا : نثا الحديث نثوا: بثَّه ونثا فلاناً: اغتابه ) أما والذي كنتَ من أجله في عُدَّة ومن الحياةِ الى مدَّة ومن المقدار الى غاية ومن الاياب الى نهاية الذي رفع عملك لما قَضَى أجَلَكَ لقد عِشت حميدا مودوداً ومُتَّ سعيداً مفقوداً وهي تقول:
للَّهِ دَرُّك يا ابا بَحرِ= ماذا تغيَّب منكَ في القبرِ؟
لله دَرُّكَ أيّ حشوِ ثراً= أصبحت من عُرف ومن نُكرِ
إن كان دَهرٌ فيك جَرَّ لنا= حَدَثاً به وهَنَت قُوَى الصَّبرِ
فَلكَم يَدٍ أسدَيتَها ويدٍ= كانت تَرُدُّ جَرائرَ الدهرِ
اسديتها: أعطيتها ومنحتها. والجرائر: جمع جريرة وهي الجريمة والخطيئة والذنب.
ثم انصرفت فَسُئِل عنها فإذا هي امراته وابنة عمه فقال الناس: ما سمعنا كلام امرأة قط أبلغ ولا اصدق منه.
قال: وكان الاحنف قدم الكوفة في ايام مصعب بن الزبير فرآه رجلٌ اعور دميماً قصيرا أحنفَ الرجلين فقال له : يا ابا بحر باي شيء بلغتَ في الناس ما ارى ، فوالله ما انت بأشرف قومِك ولا أجودهم؟! فقال: ياابن اخي بخلاف ما انت فيه! قال: وما هو ؟ قال: تَركي من أمرك ما لا يعنيني ، كما عَنَاك من أمري ما لا تتركه.
بنو عذرة
وهم رهط قيس وليلي من بني عذرة العامرية.
قال ابو عبيدة : قال رجل من فزارة لرجل من بني عذرة : تعدُّونَ موتكم من الحبِّ مزية وإنما ذاك من ضعف المنّة وعَجز الروية فقال العذري:
اما إنكم لو رأيتم المحاجر البُلج ترشق بالاعين الدُّعج فوقها الحواجبُ الزُّج وتحتها المباسم الفُلج والشِّفاةُ السُّمر تفتر عن الثنايا الغُر كانها بَرَد الدُّر لجعلتموها اللات والعُزى ورفضتم الاسلام وراء ظهوركم.
معاني الكلمات التي وردت في الفقرة السابقة:
البلج: جمع أبلج وبلجاء وقد بلج الوجه بلجا: تنضَّر سرورا، وبلج فلان : بَعُدَ ما بين حاجبيه وكل واضح : ابلج.
الدعج: جمع أدعج ودعجاء، وقد دعجت العين دعجا، وَدُعجَةً: اشتد سوادها وبياضها واتسعت.
الزج: جمع ازج وزَجّاء، وقد زج الحاجب زَجَجاً: دقَّ في طولٍ وتَقوَّس.
الفلج: جمع افلج وفلجاء ، وقد فلجت المرأة فلجا وفلجةً: تباعد بين أسنانها خلقةً، ويقال: فلج ثغره وفلجت أسنانه.
من شعر امية بن ابي الصلت في الغزل:
في خزانة الادب الجزء الثالث:
قال امية بن ابي الصلت من قصيدة له من بحر ( الطويل):
ألا حيِّيا ليلى أجَدَّ رحيلي= وآذنَ اصحابي غداً بقُفولِ
تبدَّت له ليلى ليذهبَ عقله= وشاقَتكَ أمُّ الصَّلتِ بَعدَ ذُهولِ
أريدُ لأنسى ذكرها فكأنما= تمثَّلُ لي ليلى بِكُلِّ سبيلِ
إذا ذكرت ليلى تَغَشَّتك عبرةٌ= تعِلُّ بها العينانِ بعد نُهولِ
وكم من خليل(ن) قال لي: هل سألتها؟= فقلتُ نعم ليلى أضلُّ خليل
وأبعدهُ ليلا وأوشكُه قِلىً= وإن سُئلت عُرفاً فَشَرُّ مَسُولِ
لقد كذبَ الواشون ما بُحتُ عندهم= بليلى ولا أرسلتُهم بِرسولِ
فإن حاولَ الواشون عنّي بِكذبةٍ= فَروها ولم يأتوا لها بحويلِ
فلا تعجلي يا ليلُ أن تَتَفهمي= بنصحٍ أتى الواشون أم بحبولِ
فإن تَبذُلي لي منك يوماً مودَّةً= فَقِدماً اتخِذتُ الفَرض عند بَذولِ
وإن تِبخلي يا ليلُ عنّي فإنني= تُوكِّلُني نفسي بكلِّ بخيل
ولستُ براض(ن) من خليلي بنائل(ن)= قيل(ن) ولا ارضى له بقليلِ
وليس خليلي بالملول ولا الذي= إذا غبتُ عنه باعني بخليلِ
ولكن خليلي من يديمُ وصالهُ= ويحفظ سرِّي عند كلِّ دخيلِ
ولم أر من ليلى نوالا أعدّهُ= ألا رُبّما طالبتَ غيرَ مُنيلِ
يلومُكَ في ليلى وعقلك عندها= رجالٌ ولم تذهب لهم بعقولِ
يقولون: ودِّع عنك ليلى ولا تَهِم= بقاطعةِ الاقرانِ ذاتِ حَليلِ
فما انتفعت نفسي بما أمروا به= ولا عُجتُ من أقوالهم بِفتيلِ
وقالوا: نأت فاختر من الصبر والبكا= فقلت : البُكا أشفى إذاً لِغَليلِ
تولّيتُ محزونا وقلتُ لصاحبي:= أقاتلي ليلى بغير قَتيلِ؟!
لقد أكثر الواشون فينا وفيكُمُ= ومال بنا الواشون ملَّ مَميلِ
وما زلتُ من ليلى لَدُن طَرَّ شاربي= الى اليوم كالمقصي بِكلِّ سبيلِ
كتبه ابو حمد الشامري
05-05-2005, 01:37 AM
العرض العادي
