خواطر عن البر في الكويت
الباحث عباس سبتي
1/12/2011
مقدمة :
يتغنى الشعراء بجمال البر والربيع في الكويت ، لكن مع كل إطلالة الربيع ونقرأ أن المسئولين وهم يتحدثون عن تجاوزات الناس أو بالأحرى الإساءة المتعمدة إلى بيئة البر ، وفي هذه العاجلة أريد أن أتحدث عن طلعة البر لعل من يقرأ يستفيد ويفيد غيره ، حيث أن البيئة مكان لرواد البر وعليهم المحافظة على جمال البيئة
عطلة الربيع من العطل الرسمية في الكويت ذلك لطبيعة الشعب الذي يحن إلى البادية والتمتع بجمال البر في الربيع ، كانت عطلة الربيع الوحيدة التي يتمتع بها طلاب المدرسة المباركية وتسمى عطلة " الكشتة "
قرأت في إحدى الجرائد اليومية عن دراسة عن التجاوزات على البيئة من تخريب التربة وقتل الحياة النباتية وإلقاء النفايات وحرقها عشوائياً وتغيير الصفات الطبوغرافية وتغير خصائص التربة الجيولوجية والكيميائية وتقل بعض الحيوانات ، وتحدثت الدراسة عن السلبيات والمشكلات التي تقف أمام إدارة التخييم منها ضعف الوعي البيئي للمسئولين وعدم تطبيق القوانين المتعلقة بيئة البر ، هذا وقدمت الدراسة بعض التوصيات وآمل أن يهتم المسئولون بتنفيذ بعضها على الأقل
وبدوري أشجع الدراسات بهذا الخصوص ليس لأني باحث بل أود أن تهتم الناس بالبحوث وبمقترحاتها التي تحل الكثير من المشكلات التي نعاني منها ، فالباحث كالطبيب يكشف عن الداء ويصف الدواء ، إلا أن المرضى في الغالب يلتزمون بما في الوصفة الطبية للشفاء من المرض ، بينما لا يجد الباحث الآذان الصاغية لمثل هذه الدراسات البيئية وغيرها ، وأظن أن هذا من أسباب تأخرنا في كافة المناحي
مع إقامة الخيام في البر وذلك مع بداية شهر نوفمبر تطالعنا الصحف اليومية عن آراء الناس عن البر خاصة حول الإيجابيات والسلبيات في البر ، وأرى ذلك ظاهرة صحية بمعنى استطلاع آراء الناس حول قضية ما ، لكن الأصح أن تترجم المقترحات والحلول والبدائل إلى ممارسات عملية أي أن تتبنى هذه المقترحات لجنة خاصة تتبع البلدية وتنسق بين الجهات المستفيدة من هذه المقترحات مثل وزارات الداخلية والتربية والشئون والصحة والأوقاف....ألخ
إن التنسيق والتعاون شيء جميل بل ومطلب وطني وحضاري حبذا ونحن مع بداية طلعة البر أن يترجم هذا التنسيق بين الجهات المعنية وذلك لتوفير الأجواء الآمنة والصحية والنفسية والترفيهية للمواطنين والمقيمين ، إلى جانب توعية الأطفال والشباب بفوائد البر وأن هذه الفوائد للجميع ولا يفكر بعض من باب المغامرة وحب الاستطلاع في الإساءة للآخرين ، إلى جانب انتشار " النقاط الساهرة " في كل مكان في البر على أن تتضمن هذه النقاط رجال الشرطة و رجال الأسعاف والباحثين النفسيين والأطباء والمضمدين وغيرهم والإشراف على حملات التوعية والإرشاد لكي يستفيد الكل بأجواء البر
في الختام لعل هذه بعض الخواطر التي أطرحها في المقال تكون نافعة للجميع لنرسم الذكريات الجميلة في الأذهان بعد أن يغادر الناس البر
المفاهيم :
البر :
عبارة عن الصحراء أو البادية يؤمها الناس في فصل الربيع
طلعة البر :
الخروج إلى الصحراء في موسم الربيع
عطلة الكشتة :
تعطل المدارس أسبوعين خلال فصل الربيع ، والكشتة خروج الناس في أيام الربيع سواء في الربيع أو يوم الجمعة
الربيع :
فصل الربيع من أنسب فصول السنة في الكويت يبدأ في مارس وينتهي في يونيو ويزدهر الربيع في أبريل وتخضر الأرض ويخرج الرعاة لطلب الكلأ أو العشب ويخرج الناس في خيامهم ويبقون في الصحراء مدة تتراوح بين الشهر والشهرين
الموسوعة الكويتية المختصرة ( السعيدان ، 1972)
عطلة الربيع :
عطلة نصف السنة الدراسية في فبراير ، ويخرج الناس في هذه العطلة برحلات الاستجمام إلى الصحراء تعرف بالكشتة
في الماضي :
يقول أحد المواطنين وهو من كبار السن أن طلعة البر الآن تختلف كثيرة عن أيام شبابهم ، إذ أن خروجهم إلى البر يشبه السفر ، وأنه كان خروجهم مع بداية شروق الشمس ، وقد تستغرق الرحلة إلى الوصول إلى مكان التخييم ثلاث ساعات وأكثر هذا لمن يريد أن يخرج يوم العطلة وهو يوم الجمعة وقد يستأجرون سيارة لنقلهم حيث كانت السيارات قليلة جداً في الخمسينات من القرن الماضي ، وما أن يصلوا حتى يشرعوا في تجهيز وجبة الفطور، ثم ينطلق الأطفال والشباب بل والكبار في ربوع البر بعض يعلب الكرة وبعض يجمع الزهور وبعض يستخرج الفقع من باطن الأرض ، وبعضهم يطلب الحليب من راعي الأبل الذي يرعى بقربهم وعند الظهيرة وبعد الصلاة يكون الكل جائعاً بعد عناء الحركة والتنقل فيتناولون وجبة الغذاء ثم ينطلقون في الانتشار في الجهات الأربع ، وتكون العودة عند غروب الشمس ، فتكون هذه " الطلعة " في مخيلة الكشاتين ولن ينسون هذا اليوم الجميل
ويواصل هذا الأخ حديثه : أما الان فأن طلعة البر ليس لها " ميزية " إن صح التعبير ولا طعم خاصة بالنسبة لجيلنا كبار السن الذين يرون تغير كل الشيء إلى الأسوأ فأصبح البر " مزبلة " ، القمامة منتشرة في كل مكان طالما هناك تخييم ، والغبار يتصاعد هنا وهناك نتيجة لكثرة تنقل السيارات من مكان إلى آخر ، وتسمع السرقات خاصة في المخيمات التي لا ينام فيها الناس ويفضلون المبيت في المنزل ، وإذا ذهبت نهارا وقت الضحى لا تسمع صوتاً أو حركة أغلب الكشاتة نائمون إلى العصر ويبدأ نشاطهم مساء وهم يشاهدون التلفاز أو يلعبون " الورق " ، لقد حرم جيل الأبناء والشباب الآن من جو النهار خاصة فترة الصباح الباكر ولما لهذا الجو من تنشيط الدورة الدموية من خلال الاستنشاق الهواء النقي وممارسة الرياضة
في السابق تخرج العوائل إلى البر مع شروق الشمس لكن الآن تتجمع العوائل قريب فترة العصر وتكون وجبة الغذاء قريب وقت المغرب ، تتجمع هذه العوائل أمام " الدوة " المدفاة الفحمية خاصة عند اشتداد البرد فأفرادها يتجاذبون أطراف الحديث غير الهادف لا يستمتع الأطفال لهذه الطلعة طالما هم في الخيمة محبوسين خوفاً عليهم من الظلام والبرد
من الأماكن التي يرتادها أهل الكشاتة في الماضي الفحيحيل والمقف والفنطاس والفنيطيس وكاظمة والمطلاع في الخمسنات وما بعدها من القرن الماضي ، وتعد المسافة بين هذه المناطق ومدينة الكويت ( الديرة ) مسافة بعيدة أو مسافة سفر كما يقول هؤلاء ، وفي الغالب يبيت الكشاتة ليلة الجمعة هناك خاصة لمن يمتلك خيمة وبقية لوازم البر ، ولو أن هناك من لا يبات خاصة لمن لا يملك الخيمة ، لكن بشكل عام تعد هذه الشتكة من الذكريات الجميلة التي ما زالت عالقة في أذهان أصحابها
ويتحسر هؤلاء – كبار السن – على ما أصاب بر الكويت من دمار وتخريب وتلوث وقتل للحياة النباتية والحيوانية
الدراسات والتقارير :
دراسة (2010) من الهيئة العامة للبيئة لدراسة الآثار السلبية على البيئة أو التربة أثناء التخييم منها تخريب التربة وحرق النفايات وتلوث البيئة وتقليب التربة وتفككها وتشقق الطبقات الجيولوجية وتغير التربة من الناحية الطبيعية والكيماوية وقتل الحيوانات البرية
جريدة ... (2008) استطلاع آراء الناس حول الخروج إلى البر وكانت الإجابات الراحة من عناء العمل وجمع شمل العائلات والتواصل العائلي وممارسة الرياضة بأنواعها ، وحول المشكلات التي تعترض الناس في البر فهي الحوادث المرورية بالنسبة للمركبات والبديات وسرقة بعض المراهقين المال من أصحاب البقالات أو عدم دفع ثمن السلع ارتفاع سعر إيجار المخيم وارتفاع سعر مياه التناكر وسوء استخدام الألعاب النارية وإقامة الحفلات الغنائية الصاخبة والمزعجة للعائلات وإصابة بعض بالنزلة المعوية والبرد والإصابة بالاختناق نتيجة استعمال الفحم للتدفئة
جاء في الموسوعة الكويتية المختصرة لمحمد سعيد السعيدان ( 1972) تحت كلمة " كشتة " :
رحلة إلى الصحراء للراحة والاستجمام يقال فلان راح الكشتة أو هو كاشت مع الكشاتة ، ورحلات البر تسمى كشتات ، معظم الناس يكشتون في فصل الربيع ويقيمون الخيام ويبقون في الصحراء أياماً يستمتعون بجمال الطبيعة
الكشتة لفظة أعجمية أصلها " بكشته " تقال للأرض المزروعة ، وفي ألفاظ أهل فيلكا وردت لفظة " بكشه " تقال للمزرعة وهي محرفة من بكشته
كان للكشتات في الماضي أصداء قوية ـ حيث ان يعضهم يقيم شهراً أو اكثر كأنهم مسافرون ، وعندما يعودون يزورهم الناس للسلام عليهم ، وقد يزورونهم في البر كل أسبوع أو أسبوعين يسألون الزوار عن أخبار الكويت ، علماً أن المكان الذي كشتوا فيه قد لا يبعد مسافة عشرين كيلومترات عن العاصمة ، وذلك بسبب ندرة السيارات ، وبعضهم يؤرخ الحوادث بالنسبة للسنة التي كشتوا فيها
المواقع الاكترونية :
في الحقيقة هذه المواقع التي تعرض تخيلات وتصورات الشباب ليس فيها جدية أكثرها عبثية نتيجة طبيعة الشباب وحبهم للنكت والفكاهة
تعرض بعض المواقع الاكترونية صوراً عن البر خاصة عن مستلزمات البر والأطعمة ، وكأن طلعة البر ليس فيها سوى الأكل وإشباع البطن ، وفي أحد المواقع صور شاب صديقين له في الخيمة وإذ يرون في الصورة فتى واقفاً وجاء تعليق على الصورة رجليه مثل أرجل الماعز ، وقيل أن هذا الشاب المصور لم يخرج إلى البر بعد ذلك خوفاً ( من الجن )
وفي موقع الكتروني آخر اتفق بعض الشباب إلى الخروج إلى البر أيام الربيع فاعتذر أحدهم ولما ذهبوا وأقاموا الخيمة وفي مكان قريب من المخيم رأوا إحدى الفتيات وهي حيرى فسألوها فقالت إنها جاءت مع أهلها إلى البر ولما ذهبت لقضاء الحاجة وعادت فلم تر أهلها ظنا منهم أنها قد ركبت السيارة ، وأخذوها إلى منطقة سكنها وبعد قطع المسافة الطويلة فاجأت الفتاة الشباب أنها لم تدل بيتها ولم تعرف العنوان بدقة وأنها معتادة أن تصل إلى بيتها من طريق ، وعاد الشباب إلى البر واعتزلت البنت جانباً وفجأة تبين أن البنت لم تكن سوى صديقهم الذي اعتذر عن مصاحبتهم إلى البر فلقي منهم ضرباً
الشباب اليوم لا يتخلون عن عاداتهم ولا يعرفون هدف الماضين من طلعة البر فهؤلاء الشباب والمراهقين تجدهم يأخذون معهم كل شيء حتى كريمات لليد والوجه فهذا الشاب كيف يستمتع بجو البر أو بتدريب نفسه على خشونة العيش وهم في أمس الحاجة على ذلك كي يتغلبوا على ترف ومادية الحياة
مخيمات الشباب :
تنقسم مخيمات الشباب إلى عدة أقسام منها مخيمات الجماعات الإسلامية وهدفها توعية الشباب إسلامياً ، ومخيمات لشباب ليس لهم توجه إسلامي سوى الترفيه وممارسة الرياضة وتمضية وقت إجازة نصف السنة في " البر " ، في القسم الأول تجد المخيم يرتاده الأطفال والشباب والرجال والنساء ولكل فئة برنامجها الخاص ولكن بشكل عام يخصص برنامج المخيم لفئتي الأطفال طلاب المرحلة الابتدائية والمراهقين مرحلتي المتوسطة والثانوية والجامعية
إعلانات المخيمات :
قبيل عطلة نصف السنة تكثر الإعلانات عن إقامة المخيمات وهذه المخيمات في العموم للجماعات الإسلامية التي اعتادت أن تنظم هذه المخيمات تحت شعارات مختلفة ، في السابق تستغرق برامج هذه المخيمات كل فترة عطلة الربيع لكن في السنين الأخيرة لم تتجاوز مدة إقامة هذه المخيمات سوى أيام معدودة ، صحيح أكثر الأطفال والشباب يفرحون وهم يمارسون الأنشطة المختلفة خاصة الرياضية منها ، إلا أنهم قلما يهضمون الأفكار أو الشعار المطروح في كل مخيم ، ولعل بعض إدارات المخيمات تفتقر إلى لغة الحوار مع الشباب أو كيفية خلق شاب واعي ومواطن صالح وإنسان متدين ، وعلى الرغم من أن الأهداف التي تطرح في الإعلانات جيدة ولكن يغلب عليها المثالية بمعنى أنها تحتاج إلى وقت أطول وأرضية سليمة لتحقيق هذه الأهداف ، وإمكانات كثيرة ، بل وبعض الأهداف توضع من باب تقليد المخيمات الأخرى في طرح هذه الأهداف ـ في العموم ظهر جيل من هؤلاء الشباب في تنظيم هذه المخيمات بعد أن كبروا ، لكن مع وجود السلبيات التي لا تخلو منها هذه المخيمات
وتوجد إعلانات لتأجير المخيمات وهذه الظاهرة انتشرت في السنين الأخيرة وتكون بعض هذه المخيمات ذات خمسة نجوم كما يحلو بعض أن يطلق عليها أي أنها مجهزة بكل وسائل الراحة والترفيه ، ولعل بعض المستأجرين يربح ربحاً خيالياً خاصة إذا استمر في تأجير المخيم لمدة أطول من مدة عطلة نصف السنة
المواعظ والتوجيهات :
لعل المواطنين والمقيمين كل يفكر في متعته وقضاء يوم سعيد في ربوع البر لكن على الأخوة مراعاة نظافة المكان بعد المغادرة والتقليل من إثارة الأتربة والغبار من أجل التقليل من تلوث الجو لأن هذا الجو كلما كان نظيفاً كلما يعود على الجميع بالصحة والعافية ، كذلك على بعض الشباب وليس كلهم مراعاة عدم إزعاج الآخرين بأية طريقة كانت حيث أن المراهقين يتفنون بهذه الطرق لإثبات وجودهم ولو أدى ذلك إلى الأذى والمتاعب للناس ولعل بعض هؤلاء المراهقين من يعاني من نقص في الشخصية وعدم وجود القدوة الصالحة في داخله
التنعم بمتعة البر والشعور بالسعادة مع لمة العائلة والأصدقاء ولعب الاطفال والتزاور بين أهالي المخيمات من باب حق الجيرة ، كل ذلك من نعم المولى عز وجل على أهل البر وعليهم شكر المنعم ومواصلة طاعته بإقامة فرائض الدين وما حث عليه من الآداب والسنن كي لا يقع الفرد في مكروه أو محرم
14/11/2012