تأمل .. هل الإنسان "حر" حتى في الآخرة؟

[محمود المختار الشنقيطي]

تأمل .. هل الإنسان "حر" حتى في الآخرة؟
لا يعلم إلا الله - سبحانه وتعالى - كمية الحبر التي سكبت في الحديث عن القضاء والقدر .. و"الجبر"وهل الإنسان مخير أم مسير؟
وكتبت في ذالك الأطروحات .. والشعر .. وقد علق بالذاكرة معنى بيت .. يقول أن المرء ذو اضرار وإن بدا في ثوب المختار ..
وحتى "الطرفة"أخذت نصيبها من الحديث عن القضاء والقدر و"الجبر" .. فقد روى صاحب كتاب"نثر الدر" - الآبي المتوفى سنة 421هـ - طرفة عن أحد المجانين قال أنه بسؤال واحد "يفحم القدرية" .. قال /
أرفع يدي ثم أساله :
هل أستطيع أن أصفعك؟
فإن قال : نعم. فقد رجع عن مذهبه .. وإن قال لا .. أريته أنني أقدر!
تذكرت هذا الموضوع ونحن في شهر القرآن .. بمروري على كتاب الله .
كنت كلما سمعت تلك العبارة المركبة .. التي كانت تسحرني في صغيري،وهي أن الله سبحانه وتعالى : يعلم ما كان ما يكون وما سيكون .. وما لن يكون لو كان كيف كان يكون.
حين كبرت .. ارتبطت تلك المقولة في ذهني بقول الحق سبحانه وتعالى :
( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) الأنعام 28
فالحق سبحانه وتعالى لن يرد الكفار إلى الدنيا .. ولكنه بعلمه المحيط يعلم أنهم لو عادوا لكرروا نفس الأخطاء .. فهذا هو ما لن يكون لو كان كيف كان يكون.
في جانب آخر نعلم أن الإنسان يملك فرصة التوبة .. ما لم يغرغر أو تطلع الشمس من مغربها .. فإذا فعلت .. أو غرر ورأى الملائكة .. زال موضع الاختبار بالإيمان بالغيب.. فكيف به إذا رأى ما في البرزخ ؟!!
جعلنا الله - ووالدينا وأهلينا وذرياتنا ومن أحببناه في الله ومن أحبنا فيه - وإياكم ممن ينظر إلى مكانه في الجنة .. فيقول .. رب أقم الساعة الآن.
فكيف إذا رأى الكافر ..هول المحشر؟
مع ذلك نجد الحق سبحانه وتعالى يقول لنا :
(ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون * ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين * انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) الأنعام 22 - 24
وفي نفس ذلك الموقف الرهيب .. نجد هذا المشهد :
( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجهلم بما كانوا يعملون) النور 24
في الهماش أتعجب حين أرى البعض - في تويتر - يطلب من الله اللطف،حين تشهد عليه أعضاؤه!!
والذي في الذاكرة أن هذا خاص بالمنكرين .. لا بالموحدين المقرين .. بوحدانية الله وبرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وبقية أركان الإسلام والإيمان .. إلخ.
بعد هذا التعجب أقول ... أن الطبري أورد في تفسيره هذا الحديث :
(19592 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو , عَنْ دَرَّاج , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة عُرِفَ الْكَافِر بِعَمَلِهِ , فَجَحَدَ وَخَاصَمَ , فَيُقَال لَهُ : هَؤُلَاءِ جِيرَانك يَشْهَدُونَ عَلَيْك , فَيَقُول : كَذَبُوا ! فَيَقُول : أَهْلك وَعَشِيرَتك , فَيَقُول : كَذَبُوا ! فَيَقُول : أَتَحْلِفُونَ ؟ فَيَحْلِفُونَ , ثُمَّ يُصْمِتُهُمْ اللَّه , وَتَشْهَد أَلْسِنَتهمْ , ثُمَّ يُدْخِلهُمْ النَّار ")
أليس الأمر في حاجة إلى تأمل؟!! ألئك الكفار بعد ما رؤي الحقيقة .. ومع ذلك ملكوا "حرية"أن يكذبوا .. على أنفسهم لا على الله سبحانه وتعالى!!!!!!
اللهم ثبنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .. ونجنا من فتن المحيا والممات.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصاحبته وسلم تسليما كثيرا.

أبوأشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني