الحمد لله
إن من الواجبات المحتمات ، ومن أهم المهمات ؛ أن يعرف العبد معنى الشرك وخطره وأقسامه
حتى يتم توحيده ، ويسلم إسلامه ، ويصح إيمانه . فنقول وبالله التوفيق ومنه السداد :
اعلم ـ وفقك الله لهداه ـ أن الشرك في اللغة هو : اتخاذ الشريك يعني أن يُجعل واحداً شريكاً لآخر .
يقال : أشرك بينهما إذا جعلهما اثنين ، أو أشرك في أمره غيره إذا جعل ذلك الأمر لاثنين .
وأما في الشرع فهو : اتخاذ الشريك أو الند مع الله جل وعلا في الربوبية أو في العبادة
أو في الأسماء والصفات .
والند هو : النظير والمثيل . ولذا نهى الله تعالى عن اتخاذ الأنداد وذم الذين يتخذونها
من دون الله في آيات كثيرة من القرآن فقال تعالى : -
( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة / 22 .
وقال جل شأنه : -
( وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) إبراهيم / 30 .
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : -
( من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار ) رواه
ألآ وإن أعظم ما عصي به الله منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا الشرك به سبحانه ،
حتى وصف الله هذا الذنب بالظلم العظيم ، فقال تعالى : -
{ إن الشرك لظلم عظيم } ( لقمان : 13)
وما ذلك إلا لما فيه من الجناية العظيمة في حق الخالق جلَّ جلاله . فالله هو الذي خلق ،
وهو الذي رزق ، وهو الذي يحيي ، وهو الذي يميت ، ومع كل هذه النعم ، وهذه المنن ،
والمشرك يجحد ذلك وينكره ، بل ويصرف عبادته وتعظيمه لغير الله سبحانه .
فما أعظمه من ظلم وما أشده من جور ، لذلك كانت عقوبة المشرك أقسى العقوبات وأشدها ،
ألا وهي الخلود الأبدي في النار ، قال تعالى في بيان ذلك : -
{ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } (المائدة: 72)
وكل ذنب مات العبد من غير أن يتوب منه حال الحياة فإمكان العفو والمغفرة
فيه يوم القيامة واردٌ إلا الشرك والكفر ، فإن الله قد قطع رجاء صاحبه في المغفرة ،
قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما } (النساء:48)
والشرك المقصود بكلامنا هذا هو الشرك الأكبر المخرج من الملة ، وهو على أنواع :-
1- شرك في الربوبية : وهو اعتقاد أن ثمة متصرف في الكون بالخلق والتدبير مع الله سبحانه .
وهذا الشرك ادعاه فرعون لنفسه : { فقال أنا ربكم الأعلى } ( النازعات : 24)
فأغرقه سبحانه إمعاناً في إبطال دعواه ، إذ كيف يغرق الرب في ملكه الذي يسيره ؟!
2- شرك في الألوهية : وهو صرف العبادة أو نوع من أنواعها لغير الله ،
كمن يتقرب بعبادته للأصنام والأوثان والقبور ونحوها ، بدعوى أنها تقرِّب من الله ،
فكل هذا من صور الشرك في الألوهية ، والله لم يجعل بينه وبين عباده
في عبادته واسطة من خلقه ، بل الواجب على العباد أن يتقربوا إليه وحده
من غير واسطة فهو المستحق لجميع أنواع العبادة ، من الخوف والرجاء والحب
والصلاة والزكاة وغيرها من العبادات القلبية والبدنية ، قال تعالى : -
{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له
وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } (الأنعام : 162-163 )
3- شرك في الأسماء والصفات : وهو اعتقاد أن ثمة مخلوق متصف بصفات الله عز وجل
كاتصاف الله بها ، كمن يعتقد أن بشراً يعلم من الغيب مثل علم الله عز وجلَّ ،
أو أن أحدا من الخلق أوتي من القدرة بحيث لا يستعصي عليه شيء ،
فأمره بين الكاف والنون ، فكل هذا من الشرك بالله ، وكل من يدعي ذلك فهو كاذب دجَّال .
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأنواع في جملة واحدة من جوامع الكلم
حين سئل عن الشرك بالله فقال : ( أن تجعل لله ندا وهو خلقك ) متفق عليه ،
والند هو المثيل والنظير فكل من أشرك بالله سواء في الربوبية أو الألوهية
أو الأسماء والصفات فقد جعل له نداً ومثيلاً ونظيراً .
هذه هي أنواع الشرك الأكبر ، وأما الشرك الأصغر ، فهو وإن لم يكن مخرجا من الملة
إلا أن صاحبه قد أرتكب ذنباً عظيماً ، وإذا لقي العبد ربه به من غير توبة منه في حال الحياة ،
كان تحت المشيئة إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة ،
ومن أمثلة الشرك الأصغر الحلف بغير الله من غير أن يعتقد الحالف أن منزلة المحلوف به
كمنزلة الله عز وجل في الإجلال والتعظيم ، فإن من اعتقد ذلك كان
حلفه كفرا أكبر مخرجا من الملة ، ومن أمثلته أيضاً قول القائل : ما شاء الله وشئت ،
فقد جاء يهودي إلى النبي صلى الله فقال :-
( إنكم تشركون ، تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون والكعبة ،
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا
ورب الكعبة ويقولون : ما شاء الله ثم شئت ) رواه النسائي .
ومن أنواع الشرك الأصغر الرياء ، وهو أن يقصد العبد بعبادته عَرَضَ الدنيا ،
من تحصيل جاه أو نيل منزلة ، قال تعالى : -
{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } (الكهف :110 ) ،
وروى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : وما الشرك الأصغر ؟ يا رسول الله ،
قال : الرياء ، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة : إذا جُزِيَ الناس بأعمالهم
( اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ) .
هذا هو الشرك بنوعيه الأصغر والأكبر ، والواجب على المسلم أن يكون على علم
بتوحيد الله وما يقرِّب إليه ، فإن من أعظم أسباب انتشار الشرك بين المسلمين الجهل
بما يجب لله من التوحيد ، وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على بيان التوحيد الخالص ،
وحريصاً على بيان الشرك وقطع أسبابه ، إلا أن البعد عن منبع الهدى من الكتاب والسنة
أدخل طوائف من الأمة في دوامات من الممارسات الخاطئة لشعائرٍ كان من الواجب صرفها لله ،
فصرفت إلى مخلوقين لا يستحقونها . اللهم أعذنا من الشرك جميعه !!!...
كيف نتوب من الشرك :-
........................................
...................................
سؤال :
هل يغفر الله لنا الشرك ؟ هل يمكن أن نتوب من الشرك ؟ وكيف نتوب ؟
و هل هناك دعاء مخصص ندعو به ؟.
الجواب : -
الحمد لله
الشرك أعظم الذنوب لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه ،
وما دونه من الذنوب فهو داخل تحت المشيئة : إن شاء الله غفره لمن لقيه به
وإن شاء عذبه به ، وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه عند الله .
( فتح المجيد ص58 )
لذلك تجب التوبة من جميع أنواع الشرك سواء كان شركاً أكبر أم شركاً أصغر ،
وإذا تاب العبد توبة نصوحاً فإن الله تعالى يقبل توبته ، ويغفر له ذنوبه .
قال تعالى بعد ذكر الشرك في قوله : -
( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر )
وذكر خلود أهله في النار قال عز وجل : -
( إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ) الفرقان / 68
-70 ، والتوبة من الشرك تكون بالإقلاع عنه ، والإسلام لله وحده ،
والندم على تفريط العبد في حق الله ، والعزم على عدم العودة إليه أبداً ، قال تعالى :
( قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) الأنفال / 38 .
( أن ينتهوا ) يعني عن كفرهم ، وذلك بالإسلام لله وحده لا شريك له . تفسير السعدي .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام يهدم ما كان قبله ) يعني من الذنوب . رواه مسلم ( 121 )
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن باب التوبة مفتوح ما لم يغرغر العبد ،
قال عليه الصلاة والسلام :-
( إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر ) رواه الترمذي (3537) وهو في صحيح الجامع (1425)
فمن وقع في الشرك الأكبر المخرج من الملة فعليه أن يتوب توبة صادقة من ذلك
وأن يصلح عمله ونيته ، كما يشرع له أن يغتسل بعد توبته لأن النبي صلى الله عليه وسلم
( أمر بذلك قيس بن عاصم لمّا أسلم ) رواه أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي وصححه ابن السكن
( فتاوى اللجنة الدائمة 5/317 )
وأما الشرك الأصغر فقد حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم
خوفا على أمته من الوقوع فيه قال عليه الصلاة والسلام :
( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) رواه أحمد ( 23119 )
قال الألباني في السلسلة الصحيحة ( 951 ) إسناده جيد ، وقال :
( الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل على الصفا ألا أدلك على شيء إذا فعلته
أذهب الله عنك صغار ذلك وكباره ، تقول : -
اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم ) صحيح الجامع ( 2876 ) .