السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مواجهة الفتن في حياة المسلمين
إن من أخطر الأمراض التي تواجه الأمة قضية الفتن ، والفتن قد تأتي بمعنى المعاصي والذنوب ، وهذه على خطورتها على الإنسان؛ لكنه يمكن أن تعالج بالتوبة والأوبة إلى الله مع العمل الصالح ،(إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، لكن الخطورة في الفتن التي تضطرب فيها القلوب والأفهام ،وتزهق فيها النفوس ،ويختلط فيها الحق بالباطل، ويستغلها أهل الباطل لتفتيت الأمة وإضعافها ،وفي هذا ما روى البخاري ومسلم عن حذيفة أن عمر قال يوما أيكم يحفظ حديث رسول الله في الفتن ؟فقال حذيفة :أنا ، فقال عمر : هات أنك لجرئ ، فقال حذيفة سمعت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم يقول : فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ . فَقَالَ عُمَرُ لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ ،إِنَّمَا أُرِيدُ الَّتِى تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ - قَالَ - فَقُلْتُ مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا ،قَالَ عمر : أَفَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ ؟قَالَ قُلْتُ :لاَ بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا. قَالَ فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ هَلْ كَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ ؟قَالَ: نَعَمْ كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ ؛إِنِّى حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. قَالَ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ مَنِ الْبَابُ ،فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ سَلْهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ :هو عُمَرُ)،من هنا نفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نوّه بكثير من هذه الفتن الخطيرة وحذّر منها ، وأن عمر وبعض الصحابة كانوا على علم وفقه بها ؛إذ هنا لايكفي معرفة الخبر بل لابد من الفقه فيه ، وفي حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك حكم كثيرة ، من ذلك:
ان بعض الأحداث التي مرت أو ستمر في تاريخ العالم أو على الأمة الإسلامية تزلزل القلوب من هولها وفظاعتها ، فعندما يكون عند المسلم علم عنها فإنه يتلقاها باليقين بدلا من أن تكون سببا لزعزعة هذا اليقين. .
وعندما يكون لدى المسلم معرفة بها فإنه يحسن الإعداد والاستعداد والتفكير والتخطيط ولايقع في الاحباط ولا اليأس ، وفي ذكر بعض
من هذه الفتن وقاية للمسلم في عقيدته وفهمه ،فهناك الدعوات الكافرة أو الضالة التي يدعو إليها مرتدون أو كافرون أو ضالون ، وبعض هذه الدعوات تستند إلى شُبهٍ في زعمهم ، فأن تجيء في أهلها نصوص فذلك قطع لدابر التردد في شأنها عند أهل الإنصاف والهدى .
وفي كثير من الأحيان تأتي حوادث ظالمة مظلمة يظن الناس أنها أبدية ،فتأتي النصوص لتوضح جليتها أو توقيتها ؛فيكون ذلك باعثاً على الأمل والعمل .
ثم إن قيام القيامة الذي يعني نهاية نظام هذا العالم هو أعظم الأحداث بعد خلق العالم ، فما هي مقدماته الكبرى أو الصغرى ليعرف ذلك المسلمون ويبنوا عليه ما ينبغي البناء .
هذه بعض الحكم في ذكر ما يحدث بين يدي الساعة بواسطة الوحي ، إن النصوص التي تتحدث عما يكون بين يدي الساعة على أنواع ؛ فمنها ما يتحدث عن دعوات الكفر أو الضلال والفرق التي ستنشق عن جسم الأمة الإسلامية بكفر أو ابتداع ، ومنها ما يتحدث عن بشارات وانتصارات لهذه الأمة ، ومنها ما يتحدث عن حالات مرضية تصيب بعض أجيال هذه الأمة ، ومنها ما يتحدث عن صراعات كبرى تخوضها هذه الأمة تُغلب فيها أو تغلب ، ومنها نصوص تتحدث عن أشخاص بأعينهم أو أحداث بأعيانها ، ومنها النصوص التي تتحدث عن أشراط الساعة الكبرى التي تكون بين يدي الساعة مباشرة ، لقد ركز رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من الله على معانٍ كثيرة فيما يأتي بعده ، فتحدث عن الشقاق والخلاف والنزاع والقتال والفتن التي تكون بين أبناء الأمة الأسلامية ، وذلك ليعرفها المسلمون فلا يشاركوا في الخطأ ، وليتوبوا إذا شاركوا ولعتبروا فلا يكرروا ، وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتوحات التي ستكون بعده ليندفع المسلمون في عملية الفتح ، وليعرفوا أن ذلك من الله فيشكروا ، وإذا حدثت انتكاسة فلا ييأسون ولا يستسلمون ، وركز رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعوات الباطلة بعده ، سواء جاءت من مدّعي نبوة كاذبين أو دعاة ضلالة ليحذر المسلمون وليجتنبوا ، وركز على ضعف الالتزام وأنواع من الإنحرافات سيقع فيها بعض المسلمين ؛ ليعرفها الصالحون فيعالجوها ويجتنبوها ، وليتخذوا الموقف الصحيح من أهلها إذا وقعت ، وركز على علامات الساعة الصغرى ليستأنس المسلمون بذلك فيعرفوا المرحلة التي هم فيها ، فعلى ضوء الأحداث التي لم تقع بعد مما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع المسلمون أن يعملوا ويخططوا ، وفي الأصل فقد ربانا رسول الله صلى الله عليه وسلم على العمل حتى لو علمنا أن الساعة مصبحة أو ممسية ، وركز على أشراط الساعة الكبرى كأهم شيء يتقدم تغيير نظام هذا العالم ، وركز على أن الساعة تقوم على شرار الخلق ليُعرف للمسلم فضله وفضيلة وجوده ، فما دام في الأرض مسلم صالح فلا تقوم الساعة ، فوجود المسلم أمانٌ لأهل الأرض جميعاً . (ينظر الإساس في السنة /العقائد ،سعيد حوّى ج2ص909-911). والمقصود من كل ذلك أن ننوّه أن موضوع الفتن تلك من أخطر الموضوعات المؤثرة في حياة الأمم،وأن حاجتنا أن نتفقه فيها أمر في غاية الأهمية ، خاصة وأنه تقع أخطاء كبيرة في التعامل مع أخبار الفتن ، ومع الفتن نفسها ، فمن ذلك إيراد أحاديث لاتصح أو يتوهم صحتها ، ومن ذلك تنزيل نصوص على أحداث أو تفسيرها بشكل خاطئ ، أو اتخاذ بعض النصوص سببا للقعود أو التسويف كدعوى أن الحل إذا خرج المهدي ،والتعامل مع النصوص أنها قدر لايواجه وكلها أخطاء خطيرة ، ومن هنلا أحببت أن أنوّه ببعض حكم أحاديث الفتن ، وخطورة الإخلال في التعامل معها، ولا شك أن هذا الموضوع كبيروالله يكفينا شر الفتن.