مجالس العجمان الرسمي


مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #41  
قديم 28-09-2006, 05:17 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر

هل تخلت اسطنبول عن الجزائر ؟

إعداد لمياء قاسمي - الجزائر


--------------------------------------------------------------------------------

في فصول الكتابات التاريخية بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830 تبرز دائماً مقاومة الشعب الجزائري منذ الوهلة الأولى لوطء أقدام الفرنسيين للبلاد ، وإن كان هذا الأمر واجباً وطنياً ودينياً ولا يستحق عليه الثناء.

ولما كانت الجزائر حينها تحت سلطة الدولة العثمانية وجدنا أنه من الضروري أن نبحث ونعرف : كيف كان رد فعل الدولة العثمانية على اغتصاب عروس البحر المتوسط ؟ وماهي الأساليب التي اعتمدتها لاسترادد الجزائر؟ ولماذا سلّمت بعد ذلك بالاحتلال الفرنسي للجزائر وكفّت عن المطالبة بها، فكانت بذلك الجزائر كبش الفداء في استمرار الرجل المريض عقوداً قليلة من الزمان ؟ ولكن قد نفذت ثروته قبل مماته !

التواجد العثماني بالجزائر

أعلنت الجزائر كمقاطعة للسلطان العثماني منذ 1520ميلادية ، ويعود الفضل لذلك إلى الأخويين التركيين « خير الدين وعروج بربروس » ، وكانا قد غادرا بلادهما للقرصنة في المنطقة الغربية من البحر المتوسط ، وفي تلك الفترة كانت السواحل الجنوبية للمتوسط تحت سيطرة الإسبان والبرتغاليين وأدى هذا الأمر إلى اصطادمهما بالأخوين برباروس . وشهدت منطقة تلمسان عدة معارك بين الطرفيين وانتهت بموت « عروج » في إحدى هذه المعارك وأصبح بذلك خير الدين الحاكم الوحيد للجزائر.

وتيقن هذا الأخير أنه لن يستطيع حكم البلاد بمفرده لذا فالتجأ للدولة العثمانية وأعلن أن الجزائر مقاطعة للسلطان سنة 1520م.

وأرسل له السلطان سليم الأول ألفي عسكري مسلحين مع قوة مدفعية وقدم للذين يذهبون إلى الجزائر متطوعين امتيازات الإنكشارييين ، وتوالت انتصارات خير الدين بالجزائر وكان أعظمها احتلال قلعة « بينون » عام 1529 والتي أنشأها الإسبان على جزيرة صغيرة قرب السواحل الجزائرية.

كما بنى خيرُ الدين كاسرة أمواج توصل أطلال القلعة والجزيرة بالساحل وبذلك أوجد ميناءً حصيناً وأسس أوجاق الجزائر.

وقد أسَرَ هذا النجاح الدولة العثمانية التي قامت باستدعاء خير الدين برباروس من طرف السلطان سليمان القانوني سنة 1533 ، وهناك عهدت إليه ولاية الجزائر ونال رتبة وزير البحرية العثماني.

وفي الأستانة قام خير الدين ببناء عدة سفن عادت به إلى أفريقيا وقد حددت مهمته باحتلال تونس. وتمكن خير الدين من دخول مدينة تونس بسهولة عام 1534م ، ولكنه اصطدم فيما بعد بشارل الخامس إمبراطور هابسبورج وصاحب تاج إسبانيا سنة 1535 والذي احتل قواته مدينة تونس.

أما الجزائر فقد عين لولايتها ابن خير الدين حسن باشا وذلك على إثر وفاة أبيه عام 1546، والملاحظ أنه في هذا العهد وعهد من لحقوه أن الارتباط كان قوياً بالدولة العثمانية ، ولم يكن هذا الحال في الجزائر فحسب بل في معظم بلاد شمال أفريقيا ، وأعني بذلك تونس باحتلالها نهائياً عام 1574 بعد كر وفر مع الإسبان ، وطرابلس الغرب التي فتحت عام 1551 بيد توغرت باشا ، ورغم محاولات الدخول لمراكش كتلك التي حدثت عام 1554 بدخول مدينة فاس ، لكن العثمانين لم يتمكنوا من البقاء هناك.

وهذه الولايات كانت تابعة لسلطة وزير الحربية أو القائد العام للأسطول وكان حينها القائد كلج علي باشا. ولكن بموت هذا الأخير فكر العثمانيون في تأمين وحدة الدولة وذلك بفصل إدارة أوجاق الغرب بتعيين واليين مختلفين حتى تضمن أن لا تكون سلطة كاملة لشمال أفريقيا بيد قائد واحد.

واتخذ بذلك الحكم في الجزائر شكلاً ثالثاً.

عهد الدايات

ويقول الكاتب التركي الدكتور أوجمند كور أن السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر « في عهد الدايات البشاوات أخذت ولاية الجزائر شكلها الأخير وصار يوجد في المركز إلى جانب الولاية ديوان هو عبارة عن مجلس للشورى وكان أهم أعضائه المتألف من خمس موظفين هو المسئول عن الخزينة والناظر لشوون المالية ، ويأتي بعده المكلف بالشؤون البحرية ، و يسمى وزير البحرية . وكان يقوم بمهمة كتابة الديوان أربعة كُتَّاب . أما الشؤون الشرعية فكان ينظر فيها مفتيان أحدهما حنفي والآخر مالكي ، لأن الأتراك حنفيون أما الأهالي فمالكيون .

ثم إن الولاية قسمت إلى ثلاثة ألوية بالإضافة إلى اللواء المركزي ، وكان يوجد على رأس كل واحد من هذه الألوية الشرقية والجنوبية والغربية ما يُسمَّى بالباي ، وكانوا يدفعون الضرائب ، ولكنهم يعدّون مستقلين في إدارة ألويتهم. أما اللواء فقد انقسم إلى قواد ومشايخ وكانوا مستقلين في إدارة ألويتهم . أما اللواء فقد انقسم إلى قواد ومشايخ . وكان الإنكشاريون الذين ملأ قسم كبير منهم المركز موجودين أيضاً في الألوية .

أما أمن البلاد في الداخل فكان تؤمنه القبائل المعفاة من الضرائب والمتمتعة بالامتيازات ، إذ كانت وظيفة هذه القبائل المسماة بالمخزن هي فرض الطاعة على القبائل الأخرى الملزمة بدفع الضرائب ، وقد استفاد الأتراك بمهارة من العداوة التي بين القبائل ؛ ولكي يستطيعوا أن يتابعوا حكم الأهالي فقد انتهجوا سياسة التعامل بالحسنى مع المرابطين الذين يعدون من الأولياء وهم أصحاب النفوذ.

ومن الأمور التي راعاها الأتراك في ولاية الجزائر أنهم كانوا لا يولون مواليد الإنكشاريين من النساء المواطنات المناصب العليا وكانوا يطلقون عليهم أبناء العبيد أي « الكراغلة » وهم يشكلون القوة المدفعية للأوجاق.

وفي أوائل القرن التاسع عشر صارت تبعية ولاية الجزائر للدولة العثمانية عبارة عن تصديق السلطان لتولية الداي كل سنتين أو ثلاث والتحاق سفن الأوجاق بالأسطول العثماني كلما تطلب الأمر ذلك. وغير هذا فقد كان أوجاق الجزائر يجلبون جنوداً أتراكاً من جزر البحر المتوسط ومن الأناضول بما في ذلك الإنكشاريين ، وربح الولاة الحرية لدرجة أنهم يستطيعون توقيع المعاهدات مع الدول الأجنبية مباشرة .

وكانت معظم المعاهدات التي عقدها أوجاق الجزائر تمضى مع دول صغرى فكان يقوم صلح لمدة معينة مقابل ضريبة سنوية تدفع للأوجاق.

العلاقات الفرنسية الجزائرية قبل الاحتلال

حسب الكتب والمراجع التاريخية ، فإن علاقات الصداقة بين فرنسا و الدولة العثمانية قد بدأت منذ السنوات الأولى لخلافة سليمان القانوني،فكانت بالتالي هذه العلاقة تفرض على الجزائر نفس الشيء بما أنها ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية.

ومازاد في توطيد هذه الصداقة هو العدواة المشتركة للإسبان ، قد تم تحالف بين فرنسا وخير الدين بارباروس في حصار قلعة نيس سنة 1543 التابعة للإمبراطور شارل الخامس.

واستغل الفرنسيون هذه الصداقة أيما استغلال فقد تمكنوا من تعيين قنصل لهم في الجزائر عام 1577 .كما حصلوا على إذن من السلطان أيصا بالسماح لهم باصطياد المرجان في السواحل الشرقية للبلاد بشرط أن يدفعوا الضريبة ولا ينشؤا قلعة، ولكن رغم هذا المنع فقد أسسوا مركزاً تجارياً أسموه «الباستيون».

وفي سنة 1604 عم الجزائر قحط ، لكن الفرنسيين قاموا بشراء المحصول الزراعي من الأهالي وباعوه خارج البلاد للأوروبين ، وهذا الأمر كان سبباً في غضب العثمانيين الذين أمروا بهدم الباستيون. وقد أعيد بناؤه ثانية عام 1628 وهدم مرة أخرى بعد تسع سنوات بسسب تردي العلاقات بين الجانبين. ولكن الوالي عام 1640 اضطر لقبول إعادة بناء هذا المركز .

وكان الباستيون يُدار من قبل شركة فرنسية خاصة ، وتم تأسيس عام 1741 شركة رسمية لإدارة أشغاله تعرف باسم «الشركة الملكية لأفريقيا» ، وحققت الشركة أرباحا طائلة ولكن بعد الثورة الفرنسية 1789 استمرت الشركة في عملها باسم «الوكالة الأفريقية» تحت إدارة تجار مرسيليا.

بين المواجهة العسكرية والمعاهدات السلمية

وقعت مواجهة عسكرية بين فرنسا والجزائر في عهد لويس الرابع عشر في النصف الثاني من القرن السابع عشر حيث قام بإرسال الأسطول الفرنسي للجزائر للحد من القرصنة في البحر المتوسط وضربت المدينة بالمدفعية ثلاث مرات . ولما لم تجد سياسة القوة تم عقد معاهدة صلح مع والي الجزائر في 1689.

ولكن بعد الحملة الفرنسية لمصر بقيادة بونابرت في 1798 أُكره والي الجزائر على إعلان الحرب على فرنسا بعد إنذار شديد من السلطان وقطع علاقاته مع فرنسا. لكن بعد تصالح العثمانيين مع الفرنسيين عادت الجزائر وأبرمت معاهدة صداقة مع فرنسا عام 1801 التي لم تسلم هي الأخرى من تقلبات السياسة. إذ صادف في عهد نابليون أن انتصرت انجلترا على فرنسا في معركة الطرف الأغر وبسطت بذلك نفوذها على البحر الأبيض المتوسط سنة 1805، فاستولى والي الجزائر على مراكز التجارة الفرنسية وأجَّرها للإنجليز وأثار هذا التصرف نابليون فبدأ يخطط للإستلاء على الجزائر فعقد مع امبراطور روسيا معاهدة «تلسيت» 1807 وأمن أوروبا من جهة ، وبدأ بتنفيذ خطته فأمر وزير الحربية بإيفاد ضابط استحكام ليقوم بجمع كل المعلومات عن مدينة الجزائر وما جاورها. وقام الضابط «بوتان» بذلك ليعود في 1808 وقد قدم تقريراً منفصلاً عن الجزائر، لكن الأوضاع لم تمهل نابليون للقيام بما أراد. ولما قامت الملكية من جديد في فرنسا جددت فرنسا علاقاتها مع الجزائر وأعيدت المراكز التجارية للفرنسيين عام 1817.

وهذه القضية - أي قضية المراكز التجارية - كان دائماً سبباً لنشوء الخلاف بين الجانبين الجزائري والفرنسي.

القطيعة والاحتلال

بعد الثورة الفرنسية عام 1789 استطاعت فرنسا أن تضمن ما تحتاجه المقاطعات الجنوبية من قمح وحبوب من الجزائر ذلك لأنها كانت في حالة حرب مع العديد من دول أوروبا، وقد تمت هذه الصفقات بواسطة تاجريين هما «بكري» و«بوشناق» ، وهذان الشخصان هما يهوديان من مدينة «ليفرونة» الإيطالية وقد استقرا في الجزائر بتأسيس شركة للتجارة. وفي عام 1797 طلبت شركة «بكري وبوشناق» ديونها من الحكومة الفرنسية التي لم تقم سوى بدفع قسطين فقط.

وعن هذه النقطة يقول الكاتب التركي «أرجمند كوزان» : «إن كون أوجاق الجزائر دائناً للتجار اليهود جعل الوالي يطلب من الحكومة الفرنسية تصفية حساباتها معها. وفي النهاية دققت الحكومة الفرنسية بواسطة لجنة في ديون اليهوديين ، وأغلقت الحساب بسند مؤرخ في سنة 1819 ، ولكن الحكومة الفرنسية وضعت يدها على قسم من النقود التي ستعطى للتجار اليهود معتمدة على مادة في السند ، ذلك أن التجار اليهود كانت عليهم ديون لفرنسيين كانوا قد التجأوا إلى المحكمة.، وصرحت شركة بكري وبوشناق للوالي حسن باشا المطالب بديون الأوجاق بأنها مفلسة وأنها لا تستطيع أن تدفع دينها إلا بعد أن تحصل على المبلغ الذي صودر في فرنسا. وفي كل مرة يسأل فيها حسين باشا قنصل فرنسا «دوفال» عن سبب عدم استطاعة التجار اليهود أخذ نقودهم كاملة ، كان القنصل الفرنسي يجيب أن ذلك يتطلب إنهاء الدعاوي التي ينظر فيها في المحاكم . ولما لم تنته هذه الدعاوي رغم مرور سنوات كثيرة ابتدأ حسين باشا يشك في نية فرنسا . وزيادة على ذلك ، فقد كان القنصل دوفال شخصاً لا يوثق به.

أرسل حسين باشا ثلاث رسائل إلى الحكومة الفرنسية بشأن دين الشركة منذ 1824، وعندما لم يأت جواب على أي منها غضب غضباً شديداً على فرنسا ، وبعدها بقليل علم حين باشا بأن الباستيون قد تسلح رغم وعد الشرف الذي قطعه دوفال بشأن عدم تحصين المراكز التجارية الفرنسية، فزاد هذا الخبر من غضب الباشا.

وفي 29 أفريل 1827 سأل داي الجزائر القنصلَ دوفال - الذي قَدِم للتهنئة بالعيد - عن سبب عدم رد الحكومة الفرنسية على رسائله وعلى إثر قول القنصل : « إن ملك فرنسا وشعبها لا يحرران لك ورقة، ولا يرسلان رداً حتى على رسائلك المرسلة » نهض من مكانه محتداً وضرب مخاطبه بالمروحة التي كانت بيده مرتين أو ثلاثاً . وتحقير حسين باشا للقنصل دوفال بهذا الشكل جعل فرنسا غير ملتزمة بأي قيد.

أرسلت فرنسا أسطولها الحربي إلى الجزائر بعد شهر ونصف من الحادثة التي اتخذت اسم حادثة المروحة بعد ذلك واتخذتها حجة لإعلان الحرب. وطلب هذا الأسطول الذي رسا أمام الجزائر الترضية من حسين باشا ، وهذا الأخير كان يجد نفسه محقاً فيما حدث له مع القنصل . ودخلت الجزائر بذلك مع فرنسا في حالة حرب منذ 16 جوان / حزيران 1827 وحوصرت مدينة الجزائر بحراً. كما تم إرسال جيش كبير لاحتلال الجزائر عام 1830 . ويذهب المؤرخين لاعتبار هذا الأمر وسيلة من رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك «برنس دو بو لينياك» لإشغال الشعب الفرنسي بها بعد تنفيذه لقرارات الملك شارل العاشر بحل مجلس النواب والتضييق على الصحافة.

كما يرى الدكتور خليل الزركاني أن الدولة العثمانية أو الرجل المريض لم تكن تنوي أن تحشر رأيها في قضية الجزائر لأنها كانت منهكة في إخماد ما يحدث في جزيرة مورا ، وكذا خسارتها في معركة نافارين عام 1827.ودخولها الحرب مع روسا بعد ذلك بقليل ، فهذه الظروف لم تدع لها مجالاً حقيقياً للاهتمام بالقضية الجزائرية.

ولذا فإن الموقف الفعلي للدولة العثمانية هو عدم التدخل في الخلاف الناشب بين فرنسا والجزائر، خاصة بعد كتابة السفير الفرنسي للباب العالي في اسطنبول يدعوه لواجب تدخل الدولة العثمانية لتأديب والي الجزائر، وحيث أن الداي قد زاد في تعدّياته السالفة بتحقير قنصل فرنسا في الجزائر ، فإن جناب ملك فرنسا اضطر لطلب ترضية علنية مهدداً بإعلان الحرب في حالة رفض طلبه ، وحيث أن طلبه رفض وعليه فالحرب محققة.

وقد حاولت الدولة العثمانية إيقاف الحملة الفرنسية ضد الجزائر بإيضاحها عن طريق الباب العالي أن التدابير التي اقترحها السفير الفرنسي لحل النزاع الناشب بين فرنسا والجزائر ليس مناسبا ، كما أنها أرسلت عام 1829 مبعوثاً إلى الجزائر كانت مهمته أن ينبه والي الجزائر حسين باشا أن يظل محايداً في النزاع بين النمسا ومراكش من جهة ، ويسعى لتأمين التفاهم بين فرنسا و والي الجزائر من جهة أخرى ، لكن محاولته باءت بالفشل.

ورغم محاولات الدولة العثمانية لسلوك الطريق الديبلوماسي لكن الحكومة الفرنسية كانت مقتنعة بأنها لن تصل إلى نتيجة ما بحصارها البحري لمدينة الجزائر ، وكانت تخطط لتأديب والي الجزائر بواسطة محمد علي باشا الذي كان يستطيع استعمال جيشه لاحتلال الجزائر بدلاً من استعماله لضم سوريا ، كما كان يسعى. وقد تناهت لأسماع الباب العالي أنباء عن اتفاقية من هذا النوع بين محمد علي والفرنسيين لكنه ردّ أن هذه الرواية لا أساس لها من الصحة وأنه - أي والي مصر - قد صرّح لقنصل فرنسا : «أنتم مسيحيون ، أما نحن والجزائرييون مسلمون ، ونحن ذو أمة وشريعة ودولة واحدة، لا يتلاءم مع ديننا ودينكم ».

جهود العثمانيين لاسترداد الجزائر

أبلغت الدولة العثمانية من خلال السفارة الفرنسية في اسطنبول باحتلال الجزائر ، ولكن حسب الكتب ، فإنها تصرفت ببطء في إعطاء رد فعل بعد أن تواردت أخبار لديها بحدوث انقلاب في فرنسا وتواطؤ فرنسا مع إنجلترا بشأن قضية الجزائر. ولكن من جانب آخر ، لم تصدر اعترضات الدولة العثمانية على احتلال الجزائر.

وقد طلبت الدولة العثمانية من فرنسا أن تعيد الجزائر التي هي ولاية تابعة لها ، وأضافت أن المعاهدات المعقودة بين البلدين ينبغي أن تكون نافذة المفعول ، وقد أجابت فرنسا على مطالب الدولة العثمانية بأن لا حقَّ لها في الجزائر ، ولكن الباب العالي قد أكد حقه في الجزائر في مذكرة بتاريخ 13 ماي / أيار 1831 قدمت للسفير الفرنسي باسطنبول تبين فيها حقوق الدولة العثمانية في الجزائر:«بموجب المواثيق والأحكام المرعية بين الدولة العلية والدول الصديقة منذ القديم ، فإن حقوق الدولة السنية بالجزائر ثابتة في جميع الأزمان للدولة العلية ». وفي نهاية المذكرة كرر الباب العالي طلب استرداد الجزائر: «لما كان استرجاع البلاد المذكورة بكامل حكومتها واستقلالها لجانب الدولة العلية طلباً عالياً، فإن الشرط المذكور في المذكرة التي قدمها السفير المومأ إليه كافٍ في نفس الأمر لتحقيق ذلك ولا حاجة قطعاً لسائر القيود والشروط المختلفة ، باستثناء المواد المتعلقة بشأن القرصنة والناشئة من تكفلها لتلك الشروط في معاهدات الصفاء المعقودة بين الدول ». لكن بقيت هذه المذكرة بدون رد من الحكومة الفرنسية في الوقت الذي ركز الباب العالي اهتمامه أيضا بعصيان محمد علي باشا والي مصر.

وكان من عادة العثمانيين أن تجرى في اليوم الأول من عيد الفطر كل سنة توجيهات الوظائف العالية والتوليات . وفي سنة 1828 كتبت الجزائر في دفتر التوجيهات ولكن اسم الوالي كان شاغراً. وكتب الباب العالي في جريد «تقويم وقايع» في 07 مارس / آذار 1832 : « لما كانت ولاية الجزائر موعوداً بردها لطرف الدولة العلية عندما طلبناها ، فسينظر بمقتضاه عند التنظيم » .

أما عن تحركات الدولة العثمانية في أوروبا لكسب تأييد لهذه القضية فقد طلبت من إنجلترا عام 1834 مساعدتها في استرداد الجزائر ، لكن وزير الخارجية الإنجليزي قد أفصح برأيه بأنه لا يستطيع أن يقول لفرنسا شيئا بشأن قضية استرداد الجزائر. وفي نفس السنة تقابل السفير العثماني مع وزير الخارجية الفرنسي بشأن قضية الجزائر لكنه أجاب أن فرنسا لن تتخلى عن الجزائر .

وهكذا كللت كل المحاولات العثمانية بالفشل ، مع وضوح الموقف الإنجليزي والروسي في استرداد الجزائر من فرنسا.

محاولات استعمال القوة

بعد أن تأكدت الدولة العثمانية من فشل الطرق الديبلوماسية ، خاصة بعد أن رفضت فرنسا المذكرة التي قدمها العثمانيون عام 1835 تثبت حقها في الجزائر ، رأت أن تسلك درباً أخر ، خاصة وأن ما شجعها على إمكانية استعمال القوة هو حسم الخلاف الرئاسي في طرابلس الغرب ، إذ اجتمعت طرابلس الغرب كولاية عادية خاضعة للدولة العثمانية ، وقد أصبحت بذلك قريبة من الجزائر ، وأصبح بذلك الباب العالي قادراً على التدخل الفعلي ، كما يمكنه أن يربط ولاية تونس الفاصلة بين طرابلس الغرب والجزائر. ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل ولم يقدم الباب العالي على التفكير بدعم «أحمد باي» من طرابلس الغرب بالطريق البري للدفاع عن قسنطينة في وجه الزحف الفرنسي القادم لاحتلالها ، خاصة وأن أهل المدينة بعثوا بعريضة للسلطان يخبرون فيها أنهم يحاربون الفرنسين ويشحذونه على توجيه الولاية لأحمد باي ومنحه لقب باشا.

وحسب الكاتب أرجمند كوزان «فإن مجلس الشورى قد أمر بإعطاء أحمد باي رتبة الولاية ، لكنه لم يتوصل إلى قرار بهذا الشأن» .

ورغم دعوة العثمانيين أيضاً لباي تونس «أحمد باشا» لدعم باي قسنطينة ، لكن لم يكن لها أي تأثير عليه ، لأنه ليس مضطراً لمساعدة باي قسنطينة لأنه عدو فرنسا . وما حدث هو أن قسنطينة سقطت في 13 اكتوبر 1837 واحتلت فرنسا الشرق الجزائري.

وفي أول حولية نشرتها الدولة العثمانية سنة 1847 لم تكتب اسم الجزائر في جدول الولايات العثمانية ، وكان اعترافاً باحتلال فرنسا للجزائر.

ويؤكد المؤرخون أن ما حققه الباب العالي من خلال سياسته لإنقاذ الجزائر هو وضعه طرابلس الغرب تحت حكمه مباشرة حتى سنة 1912 ، في حين بسطت فرنسا نفوذها على تونس في 1881.


--------------------------------------------------------------------------------

المراجع

· الدكتور أرجمند كوزان السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر 1827-1847

· الدكتور خليل حسن الزركاني بحث تاريخي من جامعة بغداد ألقي في الجزائر في جويلية 2002 بمناسبة الذكرى الأربعون على استقلال الجزائر .

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس
  #42  
قديم 28-09-2006, 05:20 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road



حركات التمرد في مصر في بداية العهد العثماني (1517-1524م)

والنتائج المترتبة عليها



د. أسامة محمد أبو نحل
الأستاذ المساعد في التاريخ الحديث ورئيس قسم التاريخ
كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الأزهر ـ غزة


1424هـ/2003م



--------------------------------------------------------------------------------


ملخص


تؤرّخ هذه الدراسة مرحلةٍ مهمة من تاريخ مصر العثمانية، التي شهِدت مرحلة التمرد في مصر في بداية العهد العثماني (1517 ـ1524م) والنتائج المترتبة عليها. فقد أفاض كثيرٌ من المؤرخين والباحثين في التأريخ لاستيلاء العثمانيين على مصر، غير إن قلة منهم تحدّثت باقتضاب عن حركات التمرد التي اشتعلت ضد الوجود العثماني فيها في بداية عهدهم بها، بينما تجاهلها الآخرون تجاهلاً يكاد يكون تاماً رغم أهميتها على قِصر مدتها الزمنية.

لم يبيّن هؤلاء المؤرخون الدوافع الرئيسة لتلك الحركات، مثل حركة تمرد المماليك عام 928هـ/1522م بزعامة جانم السيفي وأينال السيفي، وحركة تمرد والي مصر العثماني أحمد باشا الخائن عام 930هـ/1524م.

أما النتائج التي ترتبت على تلك الحركات، فقد أسهبت الروايات التاريخية في سردها، وكان أهمها على الإطلاق ما أصدره السلطان سليمان القانوني من مجموعة تنظيمات إدارية، أو ما أُطلق عليه اسم "قانون نامه مصر".



المقدمة
أفاض الكثير من المؤرخين والباحثين في التأريخ لاستيلاء العثمانيين على مصر، وأفاضوا في سرد تفاصيل التنظيمات الإدارية التي اتبعوها في هذه الولاية المهمة، غير إن قلة منهم اهتمت ببحث حركات التمرد التي اشتعل أوارها ضد الوجود العثماني في مصر، بينما لم يولِها الكثير أدنى اهتمام، بل تجاهلوها تماماً رغم أهميتها على قِصر مدتها الزمنية.

وأهم ما ترتّب على تلك الحركات اهتمام العثمانيين من جديد بأهمية مصر وموقعها وخشيتهم من فقدانها، فقرر السلطان العثماني سليمان القانوني إصدار ما سُمي "بقانون نامه مصر"، في محاولةٍ للحد من نفوذ السلطات الإدارية المختلفة في الولاية المصرية، خاصة سلطة المماليك.

وأولى الاضطرابات التي برزت في مصر مع مطلع الحكم العثماني لها، قادها الشيخ عبد الدايم بن أحمد بن بقر، شيخ العرب في إقليم الشرقية، وذلك في عام 924هـ/1518م، بعدما خرج عن طاعة والي مصر خاير بك. وكان من قبل قد خرج عن طاعة السلطان المملوكي قانصوه الغوري من قبل.

ومما يلفت النظر أن حركة التمرد التي قادها المماليك بزعامة جانم السيفي وأينال السيفي عام 928هـ/1522م، لم يوضّح المؤرخون الذين أرّخوا لها الدوافع التي من أجلها قام المماليك بها، ويأتي على رأسها عداء الأمراء المماليك للسلطة الحاكمة الجديدة، وإحساسهم بفقدان امتيازاتهم، وأنهم أصبحوا أتباعاً بعدما كانوا متبوعين.

وفيما يخص حركة التمرد التي قادها والي مصر العثماني أحمد باشا الخائن، فقد أهمل المؤرخون السبب الذي دعاه للقيام بها، وهو حقده على الصدر الأعظم إبراهيم باشا الذي سلبه هذا المنصب من وجهة نظره، فقرر الانتقام منه ومن الدولة بإعلان استقلاله بمصر وتحالفه مع شيخ العرب في إقليم الشرقية عبد الدايم بن بقر.

أما النتائج التي ترتّبت على تلك الحركات فقد أسهبت الروايات التاريخية في سردها، وكان أهمها إصدار السلطان العثماني سليمان القانوني مجموعة من التنظيمات الإدارية والقوانين ما سُمى "بقانون نامه مصر".

منهج الدراسة:

اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي للروايات التاريخية الخاصة بموضوع البحث على قلتها مع عدم إغفال المنهج السردي للأحداث التاريخية لِما لذلك من أهمية. وقد اعتمدت الدراسة على عددٍ من المصادر الأوّلية مثل: أخبار الأُول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول لمحمد ابن عبد المعطي الإسحاقي، والنزهة الزهية في ذكر ولاة مصر والقاهرة المعزية، والمنح الرحمانية في الدولة العثمانية، مخطوطين لمحمد بن أبي السرور البكري الصديقي، ونزهة الناظرين فيمن ولي مصر من الخلفاء والسلاطين، مخطوط لمرعي بن يوسف الحنبلي، وأوضح الإشارات فيمن تولى مصر القاهرة من الوزراء والباشات، مخطوط لأحمد شلبي عبد الغني.

وكذلك المراجع الثانوية، مثل: العرب والعثمانيون لعبد الكريم رافق، وجذور مصر الحديثة لدانيال كريسيليوس، والحياة الاقتصادية في مصر في القرن الثامن عشر لإستيف.

إرهاصات حركات التمرد في مصر العثمانية:

بات من الأدبيات التاريخية ما يمكن اعتباره أن الفتح العثماني للأقاليم العربية التي كانت خاضعة من قبل لسيطرة السلطنة المملوكية، قد أصبح بداية عهد لأوج الدولة العثمانية، غير أن الباحث لتلك الفترة التاريخية المهمة في تاريخ المنطقة يجد أن العثمانيين قد ارتكبوا أخطاءً إداريةً كان أهمها في الإقليم المصري ما جعل نفوذهم فيه في مهب الريح لفترةٍ من الزمن.

صحيح أن الفتح العثماني للأقاليم العربية 922-923هـ (1516-1517م)، قد وضع نهايةً مؤلمة للسلطنة المملوكية في الشام ومصر، وبالتالي أعاد تشكيل شخصية واهتمامات الدولة العثمانية ذاتها، غير أن الاعتبارات والمصالح العثمانية تقدّمت على المصالح الطبيعية لمصر في الأقاليم المجاورة لمدةٍ طويلةٍ من الزمن، ومع ذلك فقد ظلت مصر هي القاعدة التي يشع منها النفوذ العثماني على أغلب هذه المناطق ذات الأهمية التاريخية بالنسبة لمصر(1).

ومما يجدر ذكره أن استيلاء العثمانيين على مصر وغيرها من الأقاليم العربية، قد حدث عندما وصلت دولتهم ذروة مجدها، وكادت تصل إلى أقصى حدود اتساعها، أي أن الاهتمام العثماني بالمنطقة العربية إنما حدث عندما اجتازت دولتهم عهد الشباب الدافق، ودخلت في طور الكهولة المكتملة، فوصلت إلى حدود التوسع والاعتلاء من الوجهتين المادية والمعنوية(2)، وهذا ما يؤكّد صحة ما ذكرناه آنفاً.

ولمّا استولى العثمانيون على مصر وغيرها من الأقاليم العربية لم يحاولوا صِبغة أهالي هذه الأقاليم بالصِبغة العثمانية أو يربطوهم برباط الحضارة العثمانية أو حتى أن يوجدوا بينهم شيئاً من التعاون المتبادل أو لوناً من النشاط المشترك، بل اتبعوا المبدأ نفسه الذي ساروا عليه في كل أملاكهم تقريباً، وذلك بأن تركوا العناصر الأصليّة في حكم البلاد المفتوحة بعد إجراء بعض التعديلات التي تضمن لهم بقاء السيادة والسيطرة، بحيث سارت شعوبها على ما ألِفته من عادات وتقاليد لا يضيرها إلاَّ تعسف ولاتها في بعض الأحيان ومفاسد الحكم والإدارة، وكانت عناصر هذا الفساد في أغلبها موروثة عن فترة الحكم المملوكي وليست كلها مستحدثة في العصر العثماني(3).

إن ما تميّز به الحكم العثماني في بداية عهده لمصر؛ أنه كان حكماً غير مباشر رغم مركزيته، لكنّه غير شامل، فالنظام الذي أسسه العثمانيون في مصر كان في حقيقته خليطاً من عناصر عثمانية ومملوكية، فالقوات المملوكية التي بقيت بعد هزائمها في مرج دابق في الشام والريدانية في مصر أُعطيت لها واجبات وتم دمجها في الوحدات العسكرية العثمانية أو شُكّلت في وحدات منفصلة خاصة واُستعين بها كقواتٍ احتياطية بمعرفة القادة العسكريين العثمانيين. ونجح النظام الإداري العثماني الجديد في امتصاص كل الموظفين العاملين في النظام المملوكي المهزوم، ويبدو أن الهدف من وراء هذا الدمج والامتصاص كان توفير الخبرة والاستمرار للنظام العثماني الجديد(4).

لقد منحت الإدارة العثمانية في مصر حكومات الأقاليم المصرية أو ما يُطلق عليه اسم السنجقيات والكاشفيات لبكواتٍ من المماليك، رغم أن العنصر المملوكي لم يكن عنصراً أصيلاً في حكم مصر، لكنه على أية حال أقدم من العنصر العثماني، والسيادة المملوكية على مصر كانت أسبق من السيادة العثمانية. وقد ظلت مصر تحيا الحياة التي كانت تحياها في عصر سلاطين المماليك فيما عدا الخزنة السنوية والخطبة والسكّة وملكية السلطان نظرياً للأرض(5). ومن أهم البكوات المماليك الذين تسلّموا منصب الكشوفية في بداية العهد العثماني لمصر، أينال السيفي وجانم السيفي(6).

يتضح لنا مما سبق ذكره أن تعيين البكوات المماليك في تلك المناصب المهمة؛ إنما كان تمشّياً مع مبدأ العثمانيين في إيجاد نوعٍ من التوازن بين القوى الحاكمة في مصر، لبقائها دوماً تحت سيطرتهم.

استمر السلطان سليم الأول في إدارة شؤون مصر وضبط خراجها في أثناء وجوده بها، رغم تعيينه لأحد وزرائه وهو يونس باشا كنائبٍ عنه في حكم الإقليم المصري، وكان يُلقّب بنائب السلطنة طيلة وجود سليم في مصر؛ لكن الأخير قُبيل مغادرته الأراضي المصرية عام 923هـ/1517م، عزل يونس باشا وعيّن عِوضاً عنه الأمير خاير بك أحد أمراء السلطان المملوكي قانصوه الغوري، بعدما أثبت له إخلاصه وأبقى على لقبه الذي كان يُلقّب به من قبل وهو "ملك الأمراء"(7). ويبدو أن سليماً وافق على جعل مصر تحت حكم خاير بك طيلة حياته(8) بعدما ترك له بها من القوات العثمانية نحو خمسة آلاف فارس، إضافةً إلى نحو خمسمائة من الرماة(9).

نجح خاير بك إبان ولايته على مصر في استتباب الأمن فيها بعدما أطلق سراح عدد كبير من المماليك الجراكسة ومنحهم الأمان، وفي هذا يقول المؤرخ ابن إياس: "… وفي يوم السبت خامس عشرينه (أي شهر شعبان 923هـ) نادى خاير بك في القاهرة بأن المماليك الجراكسة تظهر وعليهم أمان الله تعالى. فظهر منهم الجمّ الغفير وهم في سوء حال"(10).

ويبدو أن خاير بك جابه خلال فترة ولايته اضطراباً أمنياً محدوداً من جانب القبائل العربية في إقليم الشرقية قادها شيخ العرب عبد الدايم بن بقر، وقد فشل خاير بك في استمالته، مما اضطره إلى تعيين والده الشيخ أحمد بن بقر في مشيخة جهات الشرقية، فازدادت الاضطرابات بعدما نهب الشيخ عبد الدايم وأعوانه منية غمر وأحرقها وغيرها من القرى في الشرقية، ويؤكّد ابن إياس ذلك بقوله: "وفي يوم السبت تاسعه (أي شهر صفر 924هـ) قويت الإشاعات بعصيان عبد الدايم؛ وأن قد التفّ عليه عربان كثيرة من الشرقية والغربية، وطرد أباه الأمير أحمد من الشرقية، واضطربت أحوال الشرقية إلى الغاية"(11).

وبعدما توفى خاير بك عام 928هـ/1522م، تعاقب على حكم مصر عدة ولاة منهم مصطفى باشا زوج أخت السلطان سليمان القانوني الذي نعته البعض بأنه عنجهيٌ، متعاظم على المصريين، ومترفّعٌ عن التعرّف بهم(12). بينما نعته آخرون بأنه متديّنٌ، محبٌ لعمله، وحسن السيرة(13)، وفي عهد هذا الوالي حدث أول تمرد مملوكي في مصر، وهو ما سنأتي على تفاصيله.

تمرد أينال السيفي وجانم السيفي على الحكم العثماني:

يحق للمرء التساؤل عن الدوافع التي دعت اثنين من قادة المماليك للتمرد والثورة على الحكم العثماني في مصر. فالدافع الأول لهذا التمرد هو أن بعضاً من الأمراء المماليك رغم انهيار سلطنتهم تماماً عام 923هـ/1517م، فإنهم ظلوا يكنّون العداء والضغينة للعثمانيين؛ ومما يدلّل على ذلك انضمام الكثيرين منهم لحركة التمرد التي قادها والي الشام جان بردي الغزالي، الأمير المملوكي الذي عيّنه السلطان سليم الأول في أثناء عودته للآستانة، وهؤلاء كانوا من المماليك الناقمين على والي مصر خاير بك، الذي بطش بهم فيما بعد(14).

أما الدافع الثاني أن بعضاً من المماليك قد أحسّوا؛ أنهم في ظل العهد الجديد قد فقدوا امتيازاتهم وجاههم، بينما قبِل البعض الآخر سياسة الأمر الواقع بالخضوع للحكم العثماني(15). ويتمثّل الدافع الثالث وهو الأهم؛ أن متزعمي التمرد كانوا من المخلصين لآخر سلاطينهم طومان باي حتى بعد إعدامه حيث عمد أحدهم وهو أينال السيفي لقتل الشيخ حسن بن مرعي وأخيه شُكر وهما اللذان سلما السلطان طومان باي للسلطات العثمانية لتقوم بدورها بإعدامه(16).

نستنتج مما سبق ذكره أن ولاء المماليك المهزومين للحكام الجدد لم يكن قد ترسّخ بعد، مما دعاهم للقيام بحركات تمرد ضدهم في محاولةٍ لإعادة مجدهم الذي داسه العثمانيون، فأصبحوا أتباعاً بعدما كانوا متبوعين، لهم الصولة والجولة.

ومهما يكن من أمر، فإنه طيلة فترة ولاية خاير بك على مصر لم تأخذ أية ثورة على السيادة العثمانية مكانها، لكن بعد وفاته أصبحت سلطة السلطان الجديد سليمان القانوني على المحك، حيث بدأ بمجابهة حركات التمرد التي لم تظهر في عهد أبيه سليم، فقضى في عام 927هـ/1521م على حركة والي الشام الأمير جان بردي الغزالي، وبعدها بعام جوبه بحركة جديدة في مصر تزعمها اثنان من قادة المماليك هما أينال السيفي كاشف الغربية التي تقع في الجزء الغربي من الدلتا على الضفة اليمنى لفرع رشيد من النيل، وجانم السيفي كاشف البهنسا والفيوم في مصر الوسطى(17). وكان تعيين السلطان سليمان لمصطفى باشا والياًَ على مصر بعد خاير بك في محله، فقد كان ذا شأنٍ بما فيه الكفاية؛ إذ لم يكن من نخبة المماليك وإنما عثمانياً ذا مكانة سامية مرموقة وصهراً للسلطان وكفواً لمواجهة الخطر المحدق بأهم الولايات العثمانية في الشرق(18).

ويبدو أن قادة التمرد قد استحسنوا التعبير عن رؤيتهم للنخبة العسكرية لقدامى المماليك وذلك بتباهيهم بشجاعتهم وبسالتهم وازدرائهم للأسلحة النارية الحديثة التي بواسطتها تمكّن العثمانيون من قهر سلطنتهم، وتقليلهم من شأن السلطان سليمان الذي كان صغير في السن، وذلك بقولهم أنه لو قدِم بنفسه لمحاربتنا فسوف نهزمه، فنحن لن نترك هذه البلاد لهؤلاء التركمان الذين لا يعرفون قتال الفروسية(19).

وجاهر الثائرون بعدم طاعتهم للسلطان العثماني وتوجهوا نحو إقليم الشرقية الواقع إلى الشرق من دلتا النيل وهي منطقة استراتيجية حيث يكون في مقدورهم قطع المواصلات بين مصر وبلاد الشام، كما أنهم تحكموا بطريق المواصلات والمؤن بين الصعيد والقاهرة(20).

وكان أينال السيفي قد وصل إلى الشرقية قبل جانم السيفي، وقد انضم إليه بعض المماليك وبعض القبائل العربية بالشرقية، فصمم الوالي مصطفى باشا على قمع هذا التمرد قبل أن يتفاقم أمره ويخرج عن السيطرة والتوجه بنفسه لمقاتلتهم، غير أن القاضي موسى بن بركات والمعروف في المصادر التاريخية باسم الزيني بركات(21) ألحّ على الباشا بالتريث في شأن القتال، وطلب منه أن يكتب لزعماء التمرّد كتاباً بالأمان والعفو ووعده بإحضارهم إليه، فاستجاب الباشا لطلبه، وتوجه إلى معسكر المتمردين لإقناعهم بالتسليم، غير أن فصاحته فشلت في إغراء أينال السيفي، الذي قطع رأسه كخائنٍ للقضية المملوكية(22).

وفي اليوم التالي انضم جانم السيفي إلى حليفه أينال وبقيا معاً في الشرقية في انتظار وصول أعيان المماليك الذين كانوا على علمٍ مسبق بالمؤامرة وتخلّفوا عنهم، ولمّا سمع مصطفى باشا بمقتل الزيني بركات اشتاط غضباً وأمر بتشكيل حملة مسلحة مؤلفة بالكامل من الفرق العثمانية وجعل قيادتها لموسى أغا الإنكشارية وسليمان أغا التفكنجية، وفي الشرقية دارت رحى معركة انتهت بمقتل جانم بعدما تعثّر عن فرسه ووقع فقطع العثمانيون رأسه، بينما تمكن أينال من الفرار باتجاه غزة واختفى نهائياً ولم يعُدْ له ذكر، وادّعى البعض من الجهلة السذّج، أنه ارتدى طاقية غير مرئية لا يراه أحد إذا لبسها(23).

أمر مصطفى باشا بتعليق رأس جانم السيفي على باب زويلة في القاهرة لإرهاب من تسوّل له نفسه من المماليك في الخروج عن طاعة السلطة العثمانية، ثم أرسلها فيما بعد إلى السلطان سليمان في الآستانة، الذي شكره بدوره على صنيعه وأرسل له قفطاناً هديةً وأمر بترقية جميع العساكر الذين أسهموا في القضاء على التمرد(24).

تمرد والي مصر العثماني أحمد باشا الخائن

بعد أن تمكن مصطفى باشا من إنهاء حركة التمرد التي قادها المماليك هدأت الأمور في مصر؛ لكنه هدوءاً مؤقتاً؛ إذ سرعان ما تفاقمت حركة تمرد جديدة بعد ما يزيد عن العام، فبعد عام وعشرة أشهر من تولي مصطفى باشا الولاية في مصر تم عزله في 16 ذي الحجة 928هـ، وحلّ محله قاسم جزل باشا الذي بقي والياً على مصر لمدة عام واحد فقط ثم عُزل وتولى منصبه أحمد باشا في صفر 930هـ(25).

وثمة سببٌ أدّى إلى تولي أحمد باشا ولاية مصر، فقد أسهم المذكور في الفتوحات العثمانية في أوروبا، خاصةً في البلقان، وطمِع في تولي منصب الصدارة العظمى بسبب المرض العضال الذي ألمّ بالصدر الأعظم محمد باشا الصدّيقي، فأعجزه عن الحركة وطلب إعفائه من الخدمة، وعيّن مكانه "أود باشا"، وكان أحمد باشا أقدم منه وكان يتوقع أن يتولى هو المنصب، غير أن منافسه إبراهيم باشا نجح في الحصول على هذا المنصب؛ ولكي يُبعِد أحمد باشا عن الآستانة، عيّنه والياً على مصر بعد موافقة السلطان تعزيةً له عن المنصب الأهم ـ الصدارة العظمى، ويبدو أن هذا التعيين لم يمنع حالة العداء المستحكم بين الرجلين لفارق الأهمية بين منصبيهما(26).

ومهما يكن من أمر؛ فقد استمر أحمد باشا فور توليه حكم مصر في إلحاق الموظفين والقوات المملوكية في جهازه(27) لأمرٍ دبّر له على ما يبدو هو الانتقام لذاته من الخيبة في الحصول على منصب الصدارة العظمى.

ويبدو أن أحمد باشا كان من الرعونة بمكان، أنه تعجّل إعلان تمرده على السلطان العثماني قبل أن يُكمل استعداداته بفعل قوة الحقد والعداء الذي يكنّه للصدر الأعظم إبراهيم باشا فانفجر في أعماقه الضغط النفسي الدفين وتذرّع بذريعةٍ واهيةٍ لإعلان تمرده لكسب الأنصار من حوله؛ بادّعائه أن السلطان سليمان أرسل تعليماتٍ لقائد الإنكشارية في القاهرة باغتياله وقتل أمراء المماليك، كما ادّعى أنه ألقى القبض على حامل الكتاب الذي به تلك التعليمات، ومن ثمّ أصبح ذا مزاجٍ حاد ومستبد، وقام بمصادرة ثروات أعيان مصر وأمر بقتل كبار الضباط العسكريين(28).

وقد توفر لأحمد باشا في مصر العديد من عناصر الثورة والتمرد الضرورية، في مقدمتها بُعد مصر الجغرافي عن مركز الدولة العثمانية، ثم يلي ذلك ما تتمتع به مصر من غنىً وكِبر مساحتها، ووجود المماليك الناقمين فيها على الحكم العثماني، والذين يجمع بينهم وبينه النسب الجركسي القوقازي(29)، متوهماً أن تلك العناصر كفيلة بتحقيق نجاحٍ باهرٍ في تهديد الوجود العثماني في مصر.

ومن بين الذين استهدفهم غضب أحمد باشا، الأمير جانم الحمزاوي(30) ذو الأصل المملوكي ومن كبار الأمراء في مصر ومحمود بك، وعندما حاول قائد الإنكشارية التوسّط لديه من أجل إطلاق سراح جانم الحمزاوي، اعتقله بدوره ثم قتله(31). والواقع إن تخلص أحمد باشا من قائد الإنكشارية لم يكن حادثاً عرضياً بل متعمداً لسببين اثنين هما: اعتقاده أولاً بأن هذا القائد هو الذي رشحه السلطان سليمان لتولي نيابة مصر عوضاً عنه بعد التخلص منه. وثانياً أن فرق الإنكشارية كانت موالية للسلطان العثماني وتمكنت من كسب ثقته بصورةٍ مطلقة، ويبدو أن أحمد باشا أراد تحطيم الروح المعنوية لتلك الفرق العسكرية عن طريق قتل قائدهم(32).

إن الإجراءات السالف ذكرها أقنعت أحمد باشا أن علاقته بالسلطة المركزية العثمانية قد وصلت إلى نقطةٍ لا يجوز له العودة عنها، وأن قانون المرحلة يقتضي منه الاندفاع قُدماً في مخططه إلى آخر الشوط مهما كلفه الأمر، معتمداً على أعوانه الذين ربما منّوا أنفسهم بإمكانية تحقيق الانفصال عن الدولة العثمانية، وأن يُصبح لهم شأوٌ ذو أهمية في الدولة المنتظرة.

انتقل أحمد باشا فيما بعد للشروع في الثورة، في مطالبته بحقه في سلطنة مصر وإصراره على امتيازاته الملكية في ذكر اسمه في خطبة الجمعة وسك اسمه على العملة. وفي تلك الأثناء ابتنى جيشاً خاصاً به غالبيته إلى حدٍ بعيد من المماليك، وطلب من الإنكشارية التي تحصّنت في قلعة القاهرة بالانصياع له، فلما رفضت فرض عليها الحصار، وأمام قسوة الحصار اضطر هؤلاء من شق طريقهم عن طريق نفقٍ سري تحت الأرض داخل الحصن، فسقطت القلعة بيد أحمد باشا في 7 شباط (فبراير) 1524م، ثم أعلن نفسه سلطاناً في الثاني عشر من الشهر نفسه، وذكر اسمه في الخطبة وعلى السكّة(33).

بعدما تغلّب أحمد باشا على مناوئيه الخطيرين، حاول فعل أي شيء لإضفاء الشرعية على مركزه ومنصبه الجديد؛ بأن طلب من فقهاء المذاهب الأربعة في مصر ومن سليل البيت العباسي ابن آخر خليفة عباسي مهمش حلف اليمين له. ولم تذكر المصادر التاريخية إطلاقاً كم كان عدد المؤيدين لحركته والذين وثِقوا به؛ لكن الواضح أنه أكثر من مصادرة الأملاك وممارسة الابتزاز ضد اليهود والمسيحيين، كما عمد لكسب حلفاء جدد له من خارج القاهرة فمنح حق ضرائب الأراضي الزراعية لمنطقة الشرقية لشيخ العرب عبد الدايم بن بقر، الذي كان قد ثار من قبل على حكومة خاير بك، وقد أدّى هذا التحالف إلى تهديد الحدود المصريةـ الشامية(34).

وأمام تفاقم الأوضاع في مصر وتدهورها وخشية السلطة المركزية العثمانية من فقدان أهم ولاياتها في الشرق الإسلامي عمدت إلى استخدام سلاح لا يقل خطورة عن السلاح الذي يُستخدم في المعارك الحربية؛ إن لم يضاهه أهميةً ويفوقه وهو سلاح الدعاية (أو ما يُطلق عليه في أيامنا باسم حرب الشائعات). ويبدو أن العثمانيين نجحوا في استخدامه إلى حدٍّ بعيد، حيث أشاع العثمانيون في القاهرة أن أحمد باشا الذي تم تلقيبه بالخائن على علاقةٍ وطيدة بالصفويين الذين يحكمون في بلاد فارس ويعتنقون المذهب الشيعي، وأنه تحت إغراء ظهير الدين الأردبيلي تحوّل عن المذهب السّنّي، وأصبح من أتباع الشاه إسماعيل الصفوي. وكان ظهير الدين الأردبيلي قد استقر في إحدى المقاطعات العثمانية وتظاهر بولائه للمذهب السُنّي وقد رأى الأردبيلي أن من المناسب الكشف عن سرّه وماهيته وإظهار حقيقة أمره لكي يُحوّل أحمد باشا إلى اعتناق المذهب الشيعي، وليؤكّد بأن أملاك السّنّة قد أصبحت غنائم شرعية(35).

ويبدو أن العثمانيين استخدموا تلك الوسيلة الدعائية بمهارة لتشويه سمعة أحمد باشا بين أتباعه من ناحية والأهلين في مصر من ناحية أخرى؛ ذلك لخشيتهم من قيام تحالفٍ فعلي بين والي مصر والشاه إسماعيل الصفوي(36). ونجحت الدعاية بالفعل واتت أُكلها رغم افتقارها إلى الدليل المادي في إثارة الأهلين ضد أحمد باشا، وأعلن قضاة المذاهب الأربعة كفره وأوصوا بالجهاد ضده(37).

وكان من النتائج التي ترتبت على هذه الدعاية انهيار قوة أحمد باشا بشكلٍ فُجائي وعلى نحوٍ دراماتيكي؛ إذ حدث انقلابٌ مضاد تم تخطيطه من جانب الأمير جانم الحمزاوي الذي نجح في فك أسره مع أحد المسئولين العثمانيين إضافةً لأحد الأعيان المماليك، فنصبا صنجقاً (رايةً) سلطانياً، وناديا من أطاع الله ورسوله والسلطان فليقف تحت هذا الصنجق، وتمكنا من جمع الكثير من الأهلين وفاجأوا أحمد باشا في 23 شباط (فبراير) 1524م/930هـ، وهو في الحمّام. وبينما كانت قواتهم تشتبك مع مؤيديه نجح في الفرار من خلال الأسطح ولم يكن بعد قد أتمّ حلاقة رأسه، وتمكن من الوصول إلى الشرقية والتجأ عند الشيخ عبد الدايم بن بقر، ونهب أعداؤه كل ما يملكه من عتادٍ وسلاح(38).

تمكن أحمد باشا خلال وجوده في الشرقية من تأسيس قوة عسكرية قوامها في الغالب من العربان والجراكسة وبعض العثمانيين، وتعهّد لهم باسترداد القاهرة ونهبها، كما كفل للقبائل العربية الإعفاء التام من الضرائب لمدة ثلاث سنوات، وفي تلك الأثناء كان المجلس السياسي الموالي للعثمانيين في القاهرة قد تولّى الإدارة، وعيّن مجلسُ الأعيان العسكريُّ الأمير جانم الحمزاوي لقيادة الإنكشارية وزملاءهُ المماليك لقيادة قوات الخيالة الجراكسة، كما تم تعيين القائد العثماني كحاكمٍ للقلعة، وأُعلنت في القاهرة التعبئة العامة للجيش للمشاركة في التخلص من أحمد باشا الذي تم وصمه بالخيانة والكُفر لموالاته الشاه إسماعيل الصفوي(39).

تسارعت الأحداث فيما بعد بصورةٍ حثيثة وأرسلت الحكومة الجديدة التي تم تعيينها في القاهرة حملة صغيرة لإلقاء القبض على أحمد باشا، لكنها باءت بالفشل، مما اضطر الأمير جانم الحمزاوي لقيادة حملة عسكرية مؤلفة من ألف مقاتل مع تسعة مدافع لمواجهة المتمردين. ويبدو أن تلك الحملة ساعدها الحظ في النجاح بسبب الانشقاق الذي دبّ بين الجماعات العربية المنشقة المنافسة التي ترامى لمسامعها أن نحو ألف من الجند الإنكشارية قد نزلوا إلى الإسكندرية، فحثّ كلاً من والد الشيخ عبد الدايم وأحد أبنائه، عبد الدايم عن التخلي عن أحمد باشا لكي يحفظوا أنفسهم من الدمار والقتل الذي سيلحقه بهم العثمانيون.

وأمام إلحاح أقاربه اضطر الشيخ عبد الدايم للإذعان، فأخذت قوات أحمد باشا بالتلاشي تدريجياً، مما أدّى إلى إلقاء القبض عليه في أثناء القتال وقطع رأسه في 6 آذار 1524م/930هـ، وحُملت رأسه إلى القاهرة وتم تعليقها على باب زويلة، وبعد فترة تم إرسالها إلى الآستانة ليتأكد السلطان من الإجهاز على تمرده، ويعتبر أحمد باشا الأول من عدة ولاة حمل لقب ثابت وبارز هو الخائن(40).

وقد شاءت الصدفة أن يُلاقي أحمد باشا مصيره بالقتل بعد أسبوع فقط من مقتل ظهير الدين الأردبيلي، الذي قُتل في 20 ربيع الأول 93هـ/26 شباط (فبراير) 1524م(41).

النتائج المترتبة على حركات التمرد:

أدّى القضاء على حركات التمرد السالفة الذكر إلى نتائجَ غايةً في الأهمية؛ فقد أحسّت السلطة المركزية في الآستانة بضرورة إجراء تعديلات إدارية في أنماط الحكم في مصر خشيةً من فقدانها للأبد، أو استهانة المماليك والولاة ذوي النزعة الانفصالية في مقدرة الدولة العثمانية على إبقاء مصر تحت سيطرتها، فاستلزم الأمر من العثمانيين إعادة فتح مصر مرة أخرى، لكن هذه المرة ليس فتحاً عسكرياً بل إدارياً، فأرسلت الدولة جيشاً عثمانياً تحت قيادة الصدر الأعظم "إبراهيم باشا" الذي حمل لقب والي مصر أيضاً، كما منحته الدولة أيضاً حق إجراء تنظيم البلاد من جديد بواسطة مجموعة التنظيمات الصادرة تحت رعاية السلطان سليمان القانوني والمُسماة "قانون نامه مصر" عام 1524م(42).

بقي إبراهيم باشا في مصر أسابيع عدّة فقط (شهرين وأربعة وعشرين يوماً)، لكنه ترك فيها ذكرى طيبة لولايته من خلال قانون نامه مصر، هذا المرسوم الذي جمع القوانين الإدارية ونسّقها وعمل على تطبيقها(43). وقد أكّد محمد بن أبي السرور البكري الصديقي بقوله: "وقد أحاط (أي إبراهيم باشا) بأحوال مصر ورتّب الديوان والعساكر والجيوش وكتب قانوناً لطيفاً وارتفاع الأقاليم وضبط مقاطعاتها وطينها من السلطاني والأوقاف، وجعل لها قطايع معلومة بموجب دفاتر الجراكسة القديمة (السلطنة المملوكية السابقة) وأودعها ديوان مصر"(44).

وبناءً على ما سبق، فالدولة العثمانية قررت بذلك وضع نظام معقّد من التوازنات والاختبارات العسكرية والبيروقراطية في محاولةٍ منها لتقليل فرص طموحات ولاتها في مصر في المستقبل(45).

ويتكوّن قانون نامه مصر من جزء ين رئيسين: الأول ـ يتناول المؤسسة العسكرية في مصر، وتألّف من ست فرق من الجنود أو ما سُمي بالأوجاقات(46)، وبيانها كالتالي:

1ـ أوجاق الإنكشارية (المستحفظان): ووظيفته حراسة القاهرة ومداخلها، إضافةً إلى تولي مهام الشرطة في العاصمة وبعض المدن المصرية الكبرى.

2ـ أوجاق العزبان: ومهامه كثيرة ومماثلة لمهام المستحفظان. وهذا الأوجاق يتولى حراسة أعمال الدورية في النيل بالقوارب، لكن هذا الأوجاق أقل عدداً ورواتبَ من المستحفظان.

3ـ أوجاق الجاووشان (الجاويشية): ويعمل كحرسٍ خاص للوالي ويؤدي وظيفة حمل الأوامر الصادرة عن الوالي إلى الجهات المُرسلة إليها.

4ـ أوجاق التفنكجيان (التفقنجية): وهم عبارة عن رماة.

5ـ أوجاق الجوكلليان (الهجّانة): وينطقها المصريون "الجموليان" بمعنى راكبي الجمال، وهم من المتطوعين الذين عملوا في الأقاليم.

6ـ أوجاق الجراكسة: وهم الخيّالة من بقايا النظام المملوكي ومهمتها مشابهة لمهام أوجاقي الخيّالة التفنكجيان والجوكلليان.

وقد أُضيفت فيما بعد لتلك الأوجاقات، أوجاق آخر في عام 1554م هو المتفرّقة وهو الحرس الخاص للوالي أيضاً بحيث مكّنه من المحافظة على سلطته بين الأوجاقات العسكرية حتى القرن السابع عشر الميلادي(47).

والواضح أن السلطان سليمان إنما أراد بتأسيس تلك الأوجاقات ودعمها، أن تكون بمثابة جيشٍ احتياطي(48) يمكن الاستعانة به وقت الحاجة إليه في حروب الدولة العثمانية الخارجية.

أما الجزء الآخر من هذا القانون فهو وصف للإدارة المدنية التي ورثت بعض السمات من السلطنة المملوكية السابقة(49)، وهي مختصة بإدارة البلاد. ويكون على رأس هرم هذه الإدارة والٍ يقيم في قلعة القاهرة وهو الموظف التنفيذي الأول وممثل السلطان العثماني في ولاية مصر، ويحمل لقب باشا، وله القيادة الاسمية لقوات الحامية العثمانية فيها؛ لأن سلطته على هذه القوات كانت غامضة وضعيفة. وكان يتم اختياره وتعيينه بواسطة الديوان السلطاني في الآستانة من بين الوزراء الكبار في الدولة، ومن المهام الصعبة المُلقاة على كاهله في مصر المحافظة على النظام والانضباط بين قوات الحامية العسكرية، وكشف أية مطامح عسكرية لدى الزعامات المملوكية(50).

كان الوالي بناءً على قانون نامه يباشر مهامه ويُصدر أوامره من خلال الديوان(51) في مصر، وهو مجلس مكوّن من كبار الموظفين الدينيين والإداريين والعسكريين في الجهاز العثماني في ولاية مصر(52)، وسلطة الوالي (الباشا) متمثلة في رئاسته للديوان والتصديق على قراراته وإعطاء الأوامر لوضعها موضع التنفيذ، وكان الهدف من إنشاء هذا الديوان الحد من سلطة الباشا(53)، الذي كان يساعده في الحكم الكيخيا (الكتخدا)(54) والدفتردار(55) حيث كانا يتلقيان منه الأوامر قبل المداولات ثم يحيطانه علماً بالقرارات التي أعقبت أوامره(56).

لم يكتفِ السلطان بوضع والٍ على مصر يحكمها نيابةً عنه؛ لذا أنشأ سلطات عدّة أخرى للحد من نفوذه، فكان قاضي القضاة هو الموظف القانوني الأول في الولاية ويتم انتخابه من بين طائفة العلماء بواسطة السلطات في الآستانة، ثم يتم إرساله إلى مصر لإدارة النظام في المحاكم العثمانية، وكان من بين واجبات قاضي القضاة مراقبة أعمال الوالي والتأكّد من صحة تنفيذه الأوامر السلطانية وإحاطة الديوان السلطاني علماً بسلوك هذا الوالي، وكان احتجاج قاضي القضاة إلى الديوان السلطاني بشأن تصرفات الوالي كفيلاً بإقالة الأخير من منصبه وإعادته إلى الآستانة(57).

وهنالك الروزنامجي(58) الذي كان رئيس الديوان المختص بجمع الأموال الأميرية التي يتم تحصيلها من الأرض والجمارك، ويُسمى هذا الديوان ديوان الروزنامة. ويُشار إلى أن الروزنامجي كان يتم تعيينه من الآستانة مباشرةً حتى النصف الثاني من القرن السابع عشر، عندما تدهورت الإدارة العثمانية في مصر، فوقع المنصب تحت سيطرة البيوت المملوكية خلال القرن الثامن عشر(59).

كما أنشأ السلطان سليمان مناصب إدارية جديدة قوامها 24 رتبة "بك طبلخانة" ـ أي يكون لأصحابها الحق في أن تصحبهم فرقة موسيقية. وقد أُسندت لاثني عشر منهم مهام خاصة ومحددة ، بينما أُوكلت للآخرين مهامٌّ استثنائيةٌ أو أن يحلّوا محل زملائهم الذين كانت تزول عنهم وظائفهم بعد مضي عام من ممارستهم لها. والإثنا عشر بكاً الأوائل فهم الذين تتشكّل منهم الإدارة المحلية لمصر وهم: كيخيا الباشا ـ أي نائبه، وأمير الحج ووظيفته مراقبة شؤون الحج ومرافقة الحجاج وتوزيع الهبات على فقراء المدن المقدسة في الحجاز، والخازندار ومهمته حمل الخراج سنوياً إلى الآستانة ويُسمى أمير الخزنة، والقبودانات وعددهم ثلاثة يحكمون ثغور الإسكندرية ودمياط والسويس، إضافةً إلى الروزنامجي كما سبق الإشارة(60).

ولم يكن كل البكوات الكبار وعددهم 24 بكاً والذين رُفّعوا إلى هذه الرتبة من جانب الدولة العثمانية في القرن السادس عشر الميلادي من طبقة المماليك، فقد كان البعض كالدفتردار والقبودانات الثلاثة قادة الأساطيل في المدن المذكورة آنفاً يتم تعيينهم من بين أصحاب الرُّتب العثمانيين(61).

ويبدو أن المماليك رغم حركة التمرد التي قادها جانم السيفي وأينال السيفي لم تهتز مكانتهم كثيراً، ولم يتأثروا بنتائج تلك الحركة، فقانون نامه مصر قد يوحي للوهلةِ الأولى بهيمنة النظام العثماني وسيطرته على البناء المملوكي المهزوم، إلاَّ أن هذا النظام كان في حقيقته نوعاً من الحكم العثماني ـ المملوكي الثنائي؛ لأن المماليك تم منحهم مناصب سلطوية رفيعة في هذا النظام الجديد، بل اندمجت السلطة العثمانية واقعياً مع القوة العسكرية والإدارية المملوكية، ورغم أن تقدماً ملموساً وملحوظاً قد تم في أعقاب إعلان قانون نامه مصر فيما يتعلق بعثمنة الإدارة في مصر وخاصةً في شأن إجراءات جمع الإيرادات فإن عدم قدرة النظام العثماني الجديد على كبح جماح المطامح السياسية المملوكية أدّى فيما بعد إلى فقدان الدولة العثمانية السيطرة الفعّالة على مصر بشكلٍ عام مع مطلع القرن السابع عشر(62).

والحقيقة التي لا يختلف بشأنها اثنان أن السلطة التنفيذية بقيت في أيدي البكوات المماليك، فأسند إليهم السلطان حكم مديريات الولاية المصرية، لكنه حرمهم من التعيين في الديوان. وما كان ذلك من جانب السلطان إلاَّ لخلق عدة قوى متنافسة أحياناً ومتصارعة أحياناً أخرى، ولكي يصعُب عليها الاتفاق فيما بينها على سياسةٍ واحدةٍ تتعارض مع سياسة الدولة العليا(63).

وقد استمر هؤلاء البكوات المماليك الذين أصبحوا يحكمون مديريات الولاية المصرية يُسمون بنفس ألقابهم القديمة زمن السلطنة المملوكية ـ أي كُشّافاً وتُسمى مديرياتهم سناجق، وكانت واجباتهم الرئيسية تتعلق بصيانة أعمال الري التي يعتمد عليه رخاء البلد، وجمع الضرائب التي يدفعها الفلاحون، وإقامة الترع والمصارف والجسور، لِما لذلك من أهميةٍ تتعلق بنمو الحاصلات الزراعية التي تُعتبر عماد ثروة البلاد(64).

وشملت قوائم قانون نامه مصر أسماء أربعة عشر من نواب الولايات باسم كُشّاف. ثلاثة عشر منهم حكموا في مصر السفلى ومصر الوسطى وآخر حكم في واحة الخارجة النائية في الصحراء الغربية، بينما بقيت مصر العليا من أسيوط جنوباً تُحكم إدارياً بواسطة شيوخ العرب من بني عُمر الذين وُصفوا في قانون نامه بأنهم يؤدون مهاماً شبيهةً بوظائف الكُشّاف. ورغم أنه كان يقع بين الفينة والأخرى اصطدامٌ بين الإدارة العثمانية ومشايخ القبيلة، فإنهم لم يُجرّدوا من نفوذهم إلاَّ عام 1576م، عندما تم تعيين أحد البكوات كحاكمٍ على مصر العليا(65).

وبناء على سياسة العثمانيين تجاه المماليك وعدم القضاء عليهم وعلى نفوذهم، بل عدم الممانعة في جلب الكثير منهم إلى مصر ستتكرّر ثوراتهم ضد الوجود العثماني في المستقبل(66) وسيزداد نفوذ البيوت المملوكية مما أدّى إلى حركات تمرد واسعة النطاق بعد منتصف القرن الثامن عشر، كحركة شيخ البلد المملوكي علي بك الكبير، وازدياد نفوذ كلٍّ من إبراهيم بك ومراد بك حتى وصول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798م.

وتبقى الإشارة إلى أنه قامت في مصر في أعقاب الفتح العثماني لها عدة ثورات للقبائل البدوية، لكنها لا تتساوى من حيث الأهمية مع ثورات المماليك، لكونها مألوفة في تاريخ المنطقة التي شهدت باستمرار الصراع الأزلي بين سلطات المدن والقوى البدوية. ويكون رجحان طرفٍ على الآخر بمقدار ما يكون عليه كلٌّ منهما من قوةٍ وضعف، كما أنه من الطبيعي أن تكثُر ثورات البدو عندما تنتقل السلطة من دولةٍ إلى أخرى، بغُية الحصول على ما يمكنها من امتيازات. وكان من الطبيعي ألاَّ تقف الدولة العثمانية موقف المتفرج إزاء تلك الثورات كي لا تتطور الأمور إلى الأسوأ، وقد لعبت القبائل العربية في مناطق الشرقية والغربية والبحيرة حيث سيطر على التوالي بنو بقر وبنو بغداد وبنو مرعي دوراً مهماً في تأييد أو تقويض قوة الثائرين على سلطة الدولة العثمانية، كما كان الحال في حركة تمرد المماليك بزعامة أينال السيفي وجانم السيفي أولاً وحركة تمرد والي مصر العثماني أحمد باشا الخائن ثانياً(67).



خاتمة الدراسة

بالإمكان استنتاج نتائج عدّة ترتبت على هذه الدراسة منها:

أن الاضطرابات التي جابهت والي مصر العثماني خاير بك مع بداية حكمه والتي قادها الشيخ عبد الدايم بن بقر كانت محدودة، لكونها لم تخرج عن نطاق مناطق إقليم الشرقية.

أن سياسة العثمانيين في تعيينهم للبكوات المماليك في المناصب المهمة؛ إنما كان تمشياً مع مبدأهم في إيجاد نوعٍ من التوازن بين القوى الحاكمة في مصر، لبقائها دوماً تحت سيطرتهم.

وفيما يخص حركة تمرد المماليك بزعامة أينال السيفي وجانم السيفي، فثمة دوافع عدة أدّت إلى هذا التمرد منها أن الكثيرين من الأمراء المماليك بعد انهيار سلطنتهم ظلّوا يكنّون العداء للعثمانيين، وأن بعضهم أحسّ في ظل العهد العثماني الجديد بفقدان الامتيازات التي كان قد اكتسبها من قبل، إضافةً إلى أن متزعمي حركة التمرد كانوا من أشد المخلصين لآخر سلاطينهم طومان باي المملوكي حتى بعد وفاته، وقد اشمأزوا من كونهم قد صاروا أتباعاً بعدما كانوا متبوعين لهم الصولة والجولة.

أما حركة التمرد الأخرى التي قادها والي مصر العثماني أحمد باشا الذي لُقّب بالخائن، فيبدو أن فشله في الحصول على منصب الصدارة العظمى في الآستانة، فقرر الانتقام لذاته بعدما انفجرت في أعماقه قوة الضغط النفسي الدفين للتنفيس عن حقده وعداءه للصدر الأعظم إبراهيم باشا الذي سلبه هذا المنصب من وجهة نظره.

وكان السبب الرئيس لفشل حركة أحمد باشا الخائن، استخدام الدولة العثمانية سلاح الدعاية أو الشائعات ضده، وهو سلاح لا يقل خطورةً عن السلاح الذي يُستخدم في المعارك الحربية؛ إن لم يوازه أهميةً ويفوقه. ذلك أن العثمانيين أشاعوا في مصر اعتناق أحمد باشا للمذهب الشيعي، وأنه أصبح من أتباع الشاه إسماعيل الصفوي، العدو اللدود والمركزي للدولة العثمانية.

وقد أدّى القضاء على تلك الحركات إلى نتائج غاية في الأهمية، فالسلطة المركزية العثمانية في الآستانة شعرت بضرورة إجراء تعديلات إدارية في أنماط الحكم في مصر خشيةً من فقدانها مرة أخرى، لذلك أصدرت مجموعةً من القوانين الإدارية سُميت "بقانون نامه مصر" عام 1524م، تم تقسيمه إلى جزأين. الأول ـ خاص بالتنظيمات العسكرية. والآخر خاص بالإدارة المدنية.

والنتيجة المهمة التي لا يجب تجاهلها، أن العثمانيين رغم محاولاتهم الدؤوبة للحد من نفوذ المماليك، فإنهم فشلوا في القضاء عليهم تماماً، بل بقيت أعداد كبيرة من المماليك الجدد تفِد إلى مصر عن طريق الشراء، مما أدّى إلى تكرار ثوراتهم في المستقبل ضد الوجود العثماني خاصة في القرنين السابع عشر والثامن عشر.




--------------------------------------------------------------------------------



الحواشي

(1) كريسيليوس، دانيال: جذور مصر الحديثة. ترجمة: د.عبد الوهاب بكر، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة 1985، ص42-43.

(2) الحصري، ساطع: البلاد العربية والدولة العثمانية. ط2، دار العلم للملايين، بيروت 1960، ص11-12.

(3) رمضان، محمد رفعت: علي بك الكبير. دار الفكر العربي، القاهرة 1950، ص6.

(4) كريسيليوس: المرجع السابق، ص46.

(5) رمضان: المرجع السابق، ص8-9، أنيس، محمد: الدولة العثمانية والشرق العربي (1514-1914). مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1985، ص142.

(6) رافق، عبد الكريم: العرب والعثمانيون 1516-1916. ط1، دمشق 1974، ص64.

(7) ابن إياس، محمد بن أحمد: بدائع الزهور في وقائع الدهور. تحقيق: د. محمد مصطفى، 5 أجزاء، ج5، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1404هـ (1984م)، ص202-203، ونخلة، محمد عرابي: تاريخ العرب الحديث. ط1، منشورات جامعة القدس المفتوحة، عمّان 1998، ص53.

(8) الإسحاقي، محمد بن عبد المعطي: أخبار الأُول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول. القاهرة 1315هـ، ص164.

(9) الصديقي، محمد بن أبي السرور البكري: النزهة الزهية في ذكر ولاة مصر والقاهرة المعزية. مخطوط في دار الكتب المصرية، رقم 2266، ورقة 21أ.

(10) ابن إياس: المرجع السابق، ص205، 208، الإسحاقي: المرجع السابق، ص158، وبكر، عبد الوهاب: الدولة العثمانية ومصر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. ط1، دار المعارف، القاهرة 1982، ص11.

(11) ابن إياس: المرجع السابق، ص221، 240.

ومما يجدُر ذكره أن الشيخ عبد الدايم بن بقر هذا كان قد استغل فرصة انشغال السلطنة المملوكية بالتصدي للتوسع العثماني، سواء في الشام أم في مصر، فقام بتخريب أغلب مناطق إقليم الشرقية ونهب أموالها وأموال التجار، كما عمل على قتل الكثير من جنود المماليك واستولى على ما يملكونه من خيولٍ وسلاح. ويُضاف إلى ذلك أنه استغلَّ فرصة هزيمة الجيش المملوكي في الريدانية وتشتت أمرائه في مناطق إقليم الشرقية، فصار حسب ما ذكره ابن إياس: "يأخذ ما عليهم من الثياب والسلاح والخيول وغير ذلك، وفرح بأموال وتحف ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده، وقد غنم أموال التجار وأموال العسكر من المماليك الجراكسة وغيرها من أموال المقطعين من البلاد، وعمل من المفاسد في الشرقية ما لا يُسمع بمثلها".

المرجع السابق، ص221.

(12) شلبي، أحمد: موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، ج5، ط4، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1979، ص269.

(13) الصديقي: المرجع السابق، ورقة 22أ.

(14) ابن إياس: المرجع السابق، ص319، ورافق: المرجع السابق، ص85.

(15) بكر: المرجع السابق، والصفحة نفسها.

(16) ابن إياس: ص295-296 (بتصرف).

(17) كان خاير بك قد عيّن جانم السيفي في عام 928هـ/1522م أميراً لقافلة الحج المصري للمرة الثالثة.

المرجع السابق، ص443.

(18) Holt (P.M.), Egypt and The Fertile Crescent, 1516-1922, Cornell University Press, New York 1966, pp.47-48.

وابن زنبل، أحمد: تاريخ مصر. مخطوط في المكتبة الوطنية بميونخ، رقم cod. Arab 4111 ، ورقة 137ب.

(19) Op.Cit, p. 48.

(20) رافق، المرجع السابق، ص85، وابن زنبل: الورقة نفسها، و Ibid. .

(21) الزيني بركات: كان موظفاً بيروقراطياً رفيع الشأن في أثناء فترتي حكم المماليك والعثمانيين، وكان قد تولى قيادة قافلة الحج عام 1518م.

Ibid.

(22) لمزيد من التفاصيل. أنظر: ابن زنبل: ورقة 137ب – 138أ، ونخلة: المرجع السابق، ص54.

(23) لمزيد من التفاصيل. أنظر:

ابن زنبل: ورقة 138أ، عبد الغني، أحمد شلبي: أوضح الإشارات فيمن تولى مصر القاهرة من الوزراء والباشات. مخطوط في The Beinecke Rare and Manuscript Library بجامعة Yale بالولايات المتحدة الأمريكية، رقم Land berg. 3 ، ورقة 3ب.

يذكر محمد بن أبي السرور البكري الصديقي أن أينال السيفي قد قُتل في المعركة نفسها، ويبدو أنه الوحيد الذي ذكر هذه الرواية.

المنح الرحمانية في الدولة العثمانية. مخطوط في دار الكتب المصرية ، رقم 1926 ، ورقة 37ب.

(24) ابن زنبل: ورقة 138أ-138ب.

(25) الإسحاقي: المرجع السابق، ص164. بينما يذكر أحمد شلبي عبد الغني، أن أحمد باشا تولى حكم مصر في 4 شوال 930هـ.

أوضح الإشارات، ورقة 3ب.

(26) الإسحاقي، المرجع السابق، والصفحة نفسها، ورافق، المرجع السابق، ص85-86، والشهابي، حيدر: تاريخ الأمير حيدر الشهابي. علّق على حواشيه: د. مارون رعد، 4 أجزاء، ج3، دار نظير عبود، بيروت 1993، ص789.

(27) كريسيليوس: المرجع السابق، ص46، عبد اللطيف، ليلي: الإدارة في مصر في العهد العثماني. مطبعة جامعة عين شمس، القاهرة 1978، ص431.

(28) الحنبلي، مرعي بن يوسف: نزهة الناظرين فيمن تولى مصر من الخلفاء والسلاطين. مخطوط في المكتبة الوطنية بميونخ، رقم Cod. Arab. 889 ، ورقة 206أ ، والإسحاقي: المرجع السابق، ص164-165، وعبد الغني، أحمد شلبي: المرجع السابق، ورقة 3ب، والشهابي: المرجع السابق ، ص790 ، Holt, Op. Cit. Pp. 48-49.

(29) رافق: المرجع السابق، ص86، و Op. Cit. P. 48.

(30) الأمير جانم الحمزاوي: هو جانم بن يوسف بن أركماس السيفي قاني باي الحمزاوي، الذي تولى نيابة الشام من قبل، وقيل أنه وُلد بمدينة حلب. وقد أرتفع شأنه في أثناء فترة حكم خاير بك على مصر وصار من أصحاب الحل والعقد بها، كما أنه لعب دور مهم في السنوات الأولى من الحكم العثماني لمصر حيث اشتغل على ما يبدو كضابط اتصال بين السلاطين وحاشية الوالي في مصر.

ابن إياس: المرجع السابق، ص352، و Op. Cit. P. 49.

(31) الإسحاقي: المرجع السابق، 165، و Ibid. .

(32) Ibid.

(33) رافق: المرجع السابق، والصفحة نفسها، و Ibid. .

(34) Op.Cit. Pp.49-50.

(35) Op.Cit. p.50.

(36) Ibid.

(37) رافق: الصفحة نفسها، والشهالي، علي بن حسن: نزهة الناظرين فيمن تولى مصر من البشوات والسلاطين. مخطوط في مكتبة الأسد بدمشق، رقم 8376، ورقة 13ب.

(38) الحنبلي: المرجع السابق، ورقة 207أ، والإسحاقي: المرجع السابق، ص165، والشهابي: المرجع السابق، ص790، والصديقي: النزهة الزهية، ورقة 22أ-22ب.

(39) Ibid.

(40) الحنبلي: الورقة نفسها، وعبد الغني، أحمد شلبي: المرجع السابق، ورقة 3أ، الصديقي: النزهة الزهية، ورقة 22أ، والصديقي: المنح الرحمانية، ورقة 41أ، و Ibid. .

(41) رافق: ص86.

(42) كريسيليوس: المرجع السابق، ص46.

(43) الصديقي: النزهة الزهية، ورقة 22ب.

(44) نفسه.

(45) كريسيليوس: الصفحة نفسها.

(46) الأوجاقات (جمع أوجاق): أقسام عسكرية، والأوجاق كمصطلح يعني وعاء النار بالتركية.

بكر: المرجع السابق، ص11.

(47) كريسيليوس: ص51-53. ولمزيد من التفاصيل عن الإدارة العثمانية في مصر في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي. أنظر: عبد اللطيف، ليلى: المرجع السابق، ص37-49.

(48) يحيى، جلال: المُجمل في تاريخ مصر الحديثة. المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، بدون تاريخ، ص59.

(49) Ibid.

(50) بكر: ص12، وكريسيليوس: ص47.

(51) استبدل السلطان سليمان القانوني الديوان بديوانين. الأول هو الديوان الكبير الذي يتشكّل من كبار ضباط الحامية وكبار الموظفين وله الحق المطلق في البت في شؤون البلاد العامة. والثاني هو الديوان الصغير الذي ينعقد يومياً في القلعة ويساعد الوالي في النظر في الأمور العادية ويتألّف من رؤساء فرق الجيش ونائب الوالي، ومهمته تسيير الشؤون الجارية بحيث تدخل كافة نواحي الإدارة ضمن اختصاصاته فيما عدا الأمور التي لا بد من معالجتها بمعرفة الديوان الكبير.

يحيى: المرجع السابق، ص59، واستيف: الحياة الاقتصادية في مصر في القرن الثامن عشر (النظام المالي والإداري في مصر العثمانية) من مجموعة كتب وصف مصر لعلماء الحملة الفرنسية. ترجمة: زهير الشايب، ج2، ط1، مكتبة الخانجي، القاهرة 1979، ص52.

(52) كريسيليوس: الصفحة نفسها.

(53) استيف: المرجع السابق، ص51-52.

(54) الكيخيا أو الكتخدا: وظيفته الأساسية أنه يكون بمثابة نائباً أو وكيلاً عن الوالي.

المرجع السابق، ص53.

(55) الدفتردار: هو ناظر الأموال والمسؤول الأول عن مالية الولاية، وهو أحد المناصب العثمانية المهمة في البناء الإداري العثماني. أي أن الدفتردار وظيفته ضبط الحسابات وحفظ الدفاتر والسجلات، ولا يُنفّذ أمر بيع عقار إلاَّ بعد توقيعه عليه، إشارة إلى تسجيله في دفاتره.

كريسيليوس: ص78، وعوض، أحمد حافظ: فتح مصر الحديث. القاهرة 1926، ص23.

(56) استيف: الصفحة نفسها.

(57) كريسيليوس: ص47.

(58) الروزنامجي: مهمته إدارة الخراج وضرائب الأطيان. والروزنامة مصطلح فارسي مركّب (روز بمعنى يوم ونامة بمعنى كتاب)، أي كتاب اليوم أو دفتر اليومية. وكان للروزنامجي عدة مساعدين هم المباشرين أو الخلفا أو القلفا وأهم هؤلاء الباش مباشر، وهو وكيل الروزنامجي الأول ويحل محله عند إقالته، وهؤلاء يشرفون على أعمال موظفين يُسمون الأفندية. وهناك مساعدون آخرون يُسمون صبيان شاكردية وكيسه دار.

أنظر: استيف: ص54، وعبد اللطيف، ليلى: ص196، وسليمان، أحمد السعيد: تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل. دار المعارف، القاهرة 1979، ص117-118.

(59) كريسيليوس: ص48.

(60) استيف: ص53-54.

(61) كريسيليوس: ص56.

(62) نفس المرجع، ص55-56.

(63) يحيى: ص59.

(64) نفس المرجع، ص60، ونخلة: ص54، و Op. Cit. P.51.

(65) Ibid.

(66) رافق: ص85.

(67) نفس المرجع، ص86-88.




--------------------------------------------------------------------------------



ثبت المصادر والمراجع



أولاً ـ المخطوطات:

1ـ الحنبلي، مرعي بن يوسف: نزهة الناظرين فيمن ولى مصر من الخلفاء والسلاطين. موجود في المكتبة الوطنية بميونخ، رقم Cod. Arab.889.

2ـ ابن زنبل، أحمد: تاريخ مصر. موجود في المكتبة الوطنية بميونخ، رقم Cod. Arab. 411 .

3ـ الشهالي، علي بن حسن: نزهة الناظرين فيمن تولى مصر من البشوات والسلاطين. موجود في مكتبة الأسد بدمشق، رقم 8376.

4ـ الصديقي، محمد بن أبي السرور البكري: النزهة الزهيّة في ذكر ولاة مصر والقاهرة المعزية. موجود في دار الكتب المصرية، رقم 2266.

5ـ ــــــ : المنح الرحمانية في الدولة العثمانية. موجود في دار الكتب المصرية، رقم 1926.

6ـ عبد الغني، أحمد شلبي: أوضح الإشارات فيمن تولى مصر القاهرة من الوزراء والباشات. موجود في The Beinecke Rare and Manuscript Library بجامعة Yale بالولايات المتحدة الأمريكية، رقم Land berg.3 .

ثانياً ـ المصادر الأوليّة:

1ـ الإسحاقي، محمد بن عبد المعطي: أخبار الأُول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول. القاهرة 1315هـ.

2ـ ابن إياس، محمد بن أحمد: بدائع الزهور في وقائع الدهور. تحقيق: د. محمد مصطفى، 5 أجزاء، ج5، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1404هـ (1984م).

3ـ الشهابي، حيدر: تاريخ الأمير حيدر الشهابي. علّق على حواشيه: د. مارون رعد، 4 أجزاء، ج3، دار نظير عبود، بيروت 1993.

ثالثاُ ـ المراجع العربية والمترجمة:

1ـ استيف: الحياة الاقتصادية في مصر في القرن الثامن عشر (النظام المالي والإداري في مصر العثمانية). من مجموعة كتب وصف مصر لعلماء الحملة الفرنسية. ترجمة : زهير الشايب ، ج2 ، ط1 ، مكتبة الخانجي ، القاهرة 1979.

2ـ أنيس، محمد (الدكتور): الدولة العثمانية والشرق العربي (1514-1914). مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1985.

3ـ بكر، عبد الوهاب (الدكتور): الدولة العثمانية ومصر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. ط1، دار المعارف، القاهرة 1982.

4ـ الحصري، ساطع: البلاد العربية والدولة العثمانية. ط2، دار العلم للملايين، بيروت 1960.

5ـ رافق، عبد الكريم (الدكتور): العرب والعثمانيون 1516-1916. ط1، دمشق 1974.

6ـ رمضان، محمد رفعت: علي بك الكبير. دار الفكر العربي، القاهرة 1950.

7ـ سليمان، أحمد السعيد (الدكتور): تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل. دار المعارف، القاهرة 1979.

8ـ عبد اللطيف، ليلى (الدكتورة): الإدارة في مصر في العهد العثماني. مطبعة جامعة عين شمس، القاهرة 1978.

9ـ عوض، أحمد حافظ: فتح مصر الحديث. القاهرة 1926.

10ـ كريسيليوس، دانيال (الدكتور): جذور مصر الحديثة. ترجمة: د. عبد الوهاب بكر، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة 1985.

11ـ نخلة، محمد عرابي (الدكتور): تاريخ العرب الحديث. ط1، منشورات جامعة القدس المفتوحة، عمّان 1998.

12ـ يحيى، جلال (الدكتور): المُجمل في تاريخ مصر الحديثة. المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، بدون تاريخ.

رابعاً ـ المراجع الأجنبية:

1- Holt (P.M.), Egypt and the Fertile Crescent, 1516-1922, Cornell University Press, New York 1966.
رد مع اقتباس
  #43  
قديم 28-09-2006, 05:25 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

علاقة الأمير فخر الدين المعني الثاني بالزعامات المحلية الفلسطينية وموقف الدولة العثمانية منه

999 –1043 هـ /1590 –1633 م

د. أسامة محمد أبو نحل

الأستاذ المساعد في التاريخ الحديث

ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية

جامعة الأزهرـ غزة

1423هـ /2003م

osamabunahel@hotmail.com


--------------------------------------------------------------------------------

ملخص

تتناول هذه الدراسة فترة مهمة من تاريخ لبنان وفلسطين العثماني، حيث حاولت شخصية بارزة كشخصية الأمير فخر الدين المعني الثاني، إقامة إمارة إقليمية على حساب الدولة العثمانية، وقد أسميت هذه الدراسة: "علاقة الأمير فخر الدين المعني الثاني بالزعامات المحلية الفلسطينية 999 ـ1043هـ/1590ـ1633م".

وأهمية هذه الدراسة ناجمة عن قلة المراجع التي تناولت علاقة فخر الدين الثاني بالزعامات والأسر الفلسطينية، كما تنبع أهميتها في بيان الدافع الرئيسي لفخر الدين الذي جعله يضع فلسطين على سلم أولوياته السياسية والعسكرية، وقد نفت هذه الدراسة عن فخر الدين صفة المغامرة، وأرجعت تصرفاته التوسعية في فلسطين تحديداً إلي طموحه في بناء مجد ذاتي يخلده رغم محدودية الإمكانيات المتاحة لديه.

وقد حاولت من خلال هذه الدراسة إعادة الأمور إلي نصابها الحقيقي، وعدم الانسياق وراء الدراسات التي تبنت نتائج مفادها أن مشاريع فخر الدين التوسعية في الأراضي الفلسطينية كانت ناجمة عن استشراء نفوذه السياسي والعسكري في لبنان، وأوضحت أن المرة الوحيدة التي كان لفخر الدين نفوذ مؤقت في فلسطين كان ناجماً عن سياسته الحكيمة في شراء المناصب من الباب العالي، والتي تمكن من خلالها أن يصبح حاكماً علي كل عربستان من حدود حلب إلى القدس.

المقدمة
رغم وفرة المصادر والمراجع التاريخية التي تناولت سيرة حياة الأمير اللبناني فخر الدين المعني الثاني، إلاّ أن معظمها تناول أهم أعماله في لبنان مع لفتةٍ موجزةٍ لاهتماماته بضم فلسطين إلى ممتلكاته، وقليلة جداً تلك المراجع التي تناولت مشاريعه التوسعية بفلسطين مع بعض الإسهاب، والحقيقة أن معظم هذه المراجع كان يعوزها التحليل.

وفيما يخص المراجع التي اهتمت بتفاصيل حملات فخر الدين الثاني على الأراضي الفلسطينية، فقد اشتطّ بعضها في ذكر دوافع تلك الحملات وأعادها إلى دوافع طائفية في المقام الأول، غير أن الدراسة التي بين أيدينا نفت ذلك، وأرجعت تلك الدوافع لأسبابٍ حزبية ليس إلاّ.

ولماّ تقاعست المراجع التاريخية في بيان أهمية فلسطين في مشروع فخر الدين الثاني التوسعي، وجدنا أنه لا بأس من التطرق لتلك الفكرة في محاولة متواضعة لكشف اللثام عما أغفله البعض، صحيح أن شخصية كفخر الدين لم تكن مجهولة أو مغمورة، بل بالغة الصيت ومرموقة، حتى أن صيته وسمعته وصلت أوروبا قبل أن يصلها بجسده، ولا ندّعي لأنفسنا إضافة الكثير لتلك الشخصية التي تستحق الدراسة أكثر من مرة؛ وإن اختلفنا معها في تحليل دوافعها ونتائج تصرفاتها.

أما المنهج الذي اعتمدته الدراسة، فهو مزيج من السرد التاريخي والتحليل الوصفي نظراً لأهميتهما في إيصال الفكرة للقارئ بشكل سلس مباشر ومبسط، ودون الإخلال بالوقائع التاريخية الأخرى، التي وقعت أحداثها خارج فلسطين وكان لها ردود أفعال سياسية تأثرت بها الساحة الفلسطينية كموقعة عنجر الشهيرة عام 1033هـ/1623 م.

وما يخص مصادر ومراجع الدراسة فهي كثيرة ومتنوعة، بعضها كانت فائدته بصورة مباشرة ككتاب تاريخ الأمير فخر الدين المعني الثاني لأحمد بن محمد الخالدي الصفدي، وتاريخ حيدر الشهابي للأمير حيدر الشهابي، وخلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر لمحمد الأمين المحبي، وتراجم الأعيان من أبناء الزمان للحسن بن محمد البوريني، و العرب والعثمانيون لعبد الكريم رافق، وغير ذلك من المراجع الأجنبية مثل:

Holt (P.M), Egypt and the Fertile Crescent 1516-1922.

تمهيد

أصبح من الأمور المسلم بها في المصادر التاريخية، أن بلاد الشام كانت تابعة لسلطة السلطان العثماني تبعية اسمية، حيث ترك العثمانيون الحكم في تلك الأنحاء لأصحاب السطوة والنفوذ المنتمين لبيوتات تمتلك الكثير من مقوّمات القوة والزعامة، واكتفوا بتعيين والٍ لإقرار الأمن والنظام في الولايات الثلاث التي أقاموها وهي: دمشق وطرابلس وحلب، إضافة إلى بعض المأمورين (1). كما أصبح من الأمور المسلم بها أيضاً، أن العثمانيين ذوي الباع الطويل في المسائل العسكرية وبحكم خبراتهم السابقة في نظم الإدارة، خاصة العسكرية منها في الميدان الأوروبي، وبحكم انشغالهم في الحروب المتتالية في أوروبا وعلى كافة الأصعدة، كانوا أكثر ميلاً لترك أمور الحكم للأُسر الإقطاعية المتواجدة بكثرة في كافة أرجاء بلاد الشام مكتفين باعتراف تلك الأُسر بسيادتهم على المناطق التي يحكمونها؛ لأنهم في نهاية المطاف يحصلون على مشروعيّة حكمهم من الولاة العثمانيين في دمشق وطرابلس فيما عدا شمال سورية التي بقيت تحت الحكم العثماني المباشر.

ومن هنا فان مصلحة السلطان العثماني سليم الأول اقتضت بعد استيلائه على دمشق الاعتراف بزعامة الأمراء اللبنانيين مثل الأمير فخر الدين المعني الثاني حاكم جبل الشوف (لبنان)، بعد اشتراكه إلى جانب العثمانيين في موقعة مرج دابق عام 922 هـ/1516 م (2)، وجعله حاكماً على لبنان من يافا إلى طرابلس(3).

ومهما يكن من أمر، يجب أن نضع نصب أعيننا حقيقة لا يمكن تجاهلها، مفادها أن الطائفة الدرزية في لبنان كانت تتمتع بحس سياسي يتسم بالذكاء المطلق نتيجة لتواجدها في منطقة تتقاطع فيها الانتماءات المذهبية والسياسية، فلبنان على صغر مساحته، يضم بين دفتيه العديد من المذاهب الدينية المختلفة، وكان الدروز تائهين بين الاستقلالية الدينية وانتمائهم الإسلامي.

هذا الحس السياسي، جعل من الدروزـ إن جاز التعبيرـ أساتذة في المكيافيللية (الانتهازية) على مدار تاريخهم حتى قبل ظهور ساسة البندقية بزمن طويل(4)، وفي حالة الأمير فخر الدين الأول يؤكد حيدر الشهابي صحة هذا الوصف، بأنه لم يشارك منذ الوهلة الأولى في موقعة مرج دابق، بل آثر البقاء على الحياد بين الطرفين المتحاربين (أي العثمانيين والمماليك) حتى يرى لمن ستكون الغلبة، ثم يدخل القتال إلى جانب الطرف المنتصر(5)، ليبدو في مظهر المسعف له، وبالتالي يحصل على ثمن مساعدته له.

ويقول عادل إسماعيل؛ أنه كان لدى سليم الأول من الحكمة ما جعله يوافق على أن يحكم الدروز أمراء منهم، فأعطى فخر الدين الأول إمارة الشوف التي بقيت خاضعة لنفوذ المعنيين حتى القرن السابع عشر(6). والحقيقة أن الحكمة التي دفعت سليماً وما تلاه من سلاطين العثمانيين لجعل حكام لبنان يحكمون مناطقهم، لا يعود في المقام الأول لضعف السلطة العثمانية في توطيد نفوذها في لبنان بقدر ما يعود إلى خشيتها من التورط في المستنقع اللبناني الآسن المليء بالتناقضات المذهبية والسياسية، لذا وجد السلطان سليم نفسه في غنى عن هذا التورط الذي قد يبذل من أجله خسائر جسيمة قد تؤثر على موقف دولته في أوروبا.

ويستطرد عادل إسماعيل في القول: "بينما أعطيت بقية المقاطعات السورية واللبنانية في هذا العهد إلى حكام أجانب"(7)؛ لكن هذا القول تعوزه الدقة فيما يخص لبنان وفلسطين باستثناء مناطق سورية الشمالية، فمن المعلوم أن وادي التيم اللبناني كانت تحكمه الأسرة الشهابية، والبقاع يحكمه آل حرفوش الشيعة، وجبل عامل كان يحكمه عدة أسر إقطاعية شيعية. وفي فلسطين كانت الأسر الإقطاعية هي من تتولى إدارة زمامها، وإن كانت مؤيدة ومحالفة للسلطة العثمانية.

ويؤكد البعض صحة هذا الطرح؛ بأنه لم يقع تحت سلطة الحكم العثماني المباشر سوى القليل من مدن الشام وضواحيها، حيث ظل الكثير من المناطق خاصة المناطق الجبلية تحت حكم أمرائها وشيوخها المتوارثين، الذين كانوا كالسابق يعقدون الكونفدراليات فيما بينهم، ويقومون بالحملات مع قواتهم، ويخوضون الحروب ضد بعضهم البعض، كما أن لبنان كان في بداية العهد العثماني لبلاد الشام بمثابة إمارة ذات استقلال ذاتي تحت سيطرة الأسرة المعنية(8).

وكما الحال مع أمراء لبنان، فان النهج نفسه اتبعه السلطان سليم الأول مع الزعامات المحلية في فلسطين وهي ذات مرتكزات بدوية وإقطاعية، وقد وازنت السلطات العثمانية فيما بين هذه الزعامات واستغلتها كأدوات في الحكم، وفي تصريف الشؤون الإدارية المحلية، وكانت فلسطين تتبع إدارياً ولاية دمشق، وقسمت إلي خمسة سناجق(9) أو ألوية هي: القدس وغزة وصفد ونابلس واللجون، إضافة إلى سنجقي عجلون والكرك مع الشوبك في شرقي الأردن(10).

واللافت للنظر، أن العثمانيين قسّموا فلسطين وحدها على صغر مساحتها إلى خمسة سناجق، بينما بقية ولاية الشام كانت تضم على اتساعها أربعة سناجق فقط، وهذا يعود لأهمية موقع فلسطين وحيويته؛ فهي تربط دمشق بمصر والحجاز، أي أنها محور الطرق الرئيسية وعصبها، فقرب فلسطين من الطريق السلطاني الذي كانت تستخدمه قافلة الحج الشامي المتجهة من دمشق إلي الحجاز، زاد من أهميتها الأمنية بالنسبة لهذه القافلة؛ لأن عدداً من القبائل الموجودة فيها أو القريبة منها كان يهدد طريق الحج، وكانت هذه القافلة عندما تشعر بخطر تلك القبائل في طريق العودة من الحجاز، تضطر لتحويل طريقها السلطاني إلى غزة، حيث الطريق التجاري بين مصر ودمشق وهو أكثر أمناً، وهو الطريق الذي أصطلح على تسميته"بالطريق الغزاوي"(11).

ولتحقيق الأمن في فلسطين، حرص العثمانيون على الإكثار من ألويتها، نظراً لكثرة الزعماء المحليين فيها، وهم بمعظمهم من أصول بدوية وبعضهم من بقايا المماليك، وكان من شأن هذه الألوية إحكام الرقابة على هؤلاء الزعماء، أو تقريبهم من السلطة بتعيينهم حكاما عليها، ومن أشهر الزعماء المحليين الذين استقطبهم العثمانيون، طراباي ابن قراجا، أحد زعماء نابلس الذي عيّنوه أميراً على منطقة اللجون، وكان استقطاب هؤلاء الزعماء من عوامل الاستقرار البارزة في فلسطين في بداية العهد العثماني، نظراً لخبراتهم بطبيعة المنطقة وظروف سكانها، وتمتعهم بأفضل الأساليب الإدارية الملائمة لطبيعة هؤلاء السكان(12).

بقي أن نشير إلى مسألة غاية في الأهمية، هي أن الإقطاع في لبنان اختلف عن بقية المناطق السورية الأخرى، إذ كان في الغالب ذا طابع طائفي، حيث كان فيها أرسخ جذوراً أقوى من الإقطاع الحكومي(13).

طموح فخر الدين الثاني(14)بتكوين إمارة إقليمية:

سبق التنويه إلى أن السلطان سليم كان قد أقر الأمير فخر الدين الأول على حكم جبل لبنان وسماه "سلطان البر"؛ لكن الأخير حاول الاستقلال بالجبل، فقتله العثمانيون سنة 951 هـ/1544 م، ودفنوا معه طموحاته، لكنهم لم يقضوا على النفوذ القبلي والطائفي للمعنيين، وخلف الأمير قرقماز والده في الحكم؛ لكنه لم يستوعب الدرس الذي مرّ به والده، وحاول بدوره أن يحقق طموحاً سياسياً إقليمياً في بعض نواحي الشام وفلسطين، فدفع هو الآخر حياته ثمناً لمغامرته عام 993هـ/1585م، في إحدى مغارات جزّين في سفوح جبل الشوف(15).

تولى فخر الدين الثاني مقاليد الحكم في جبل لبنان عام 999 هـ/1590 م، وكان عمره وقتذاك ثمانية عشر عاما(16)، وبذلك فتحت صفحة جديدة من تاريخ لبنان الحديث، فقد اتصف فخر الدين بأنه سياسي ماهر، بارع في حبك الدسائس، كما كانت له عيون في الآستانة وفي قصور الباشوات ودور الأتباع، وبذر الشقاق في صفوف أعدائه، ولإرضاء السلطان العثماني عنه، قام بدفع أموال ضخمة لخزينة الدولة، وتقاسم معه الغنائم الحربية(17).

ولم يتوان فخر الدين بعد ذلك في إعادة بناء موقع أسرته في الشوف بثبات، ومن ثمّ تمكن من الحصول على قيادة لا ينازعه فيها أحد على كامل جبل لبنان والمقاطعات المجاورة، وإتباعاً لسياسته الحكيمة، فقد اتخذ من الأسرة الشهابية حكام وادي التيم حلفاء مخلصين له(18).

وقبل التطرق إلى كيفية تمكن فخر الدين من إقامة إمارة معنية مترامية الأطراف على شكل مؤقت، نجد لزاماً علينا بسط الخريطة السياسية اللبنانية والفلسطينية بما عليها من قوى محلية متصارعة وتكتّلات متحالفة، لنعرف المدى الذي نجح من خلاله في إقامة تلك الإمارة. ففي منطقة بعلبك وسهل البقاع اللبناني، كان آل حرفوش الشيعة (1000-1282 هـ/1591ـ1865 م ) يتمتعون بشبه استقلال سياسي في مقاطعاتهم. ولم يقتصر نفوذ الحرافشة على البقاع، بل كثيراً ما كانوا يتدخلون في شؤون المقاطعات المجاورة لهم(19)، وفي جبل عامل بيوتات إقطاعية شيعية أيضاً كبني صعب في مقاطعة الشقيف، وبني منكر في مقاطعة الشومر، وبني علي الصغير في بلاد بشارة، حيث تمتعوا هم الآخرون بحكم ذاتي تحت قيادة شيوخهم(20).

وفي شمال لبنان كان آل سيفا ذوو الأصل الكردي يحكمون في طرابلس، وأشهر حكامها يوسف باشا سيفا الذي عينته الدولة العثمانية والياً على طرابلس عام 987 هـ/1579 م، واشتهر بعدائه الشديد لفخر الدين الثاني، فقد كان لعدائهما الشخصي مدلول حزبي؛ فآل سيفا كانوا من اليمنية(21)، بينما آل معن من القيسية رغم أنهم كانوا في الأصل يمنيين(22)، وتمكن فخر الدين من الحصول على أول نصر له على يوسف باشا سيفا في موقعة نهر الكلب عام 1007 هـ/1598 م، غير أنه لم ينجح في تملّك الإقليم الشمالي لأكثر من سنة؛ لأن العثمانيين كانوا يدعمون يوسف باشا دعماً معنوياً(23).

أما في فلسطين، فقد عاصرت زعامات محلية فيها تولي فخر الدين الثاني مقاليد السلطة، وقد تنافرت بينها وبين فخر الدين المصالح؛ نظراً لأطماع الأخير في الاستيلاء على ممتلكاتهم، ففي منطقة اللجون كان آل طراباي لهم السيادة والزعامة، واشتهر منهم الأمير أحمد بن طراباي (979 ـ1057 هـ/1571 ـ1647 م) الذي حكم لمدة نصف قرن تقريباً (1010 ـ1057 هـ/1601 ـ1647 م)(24)، ودارت بين الزعيمين عدة مواقع سنأتي على ذكرها.

وثمة أسرة من أصل شركسي كان زعماؤها حكاما على نابلس والقدس، هم آل فرّوخ، وكانت تلك الأسرة حلقة الوصل بين آل طراباي في شمال فلسطين وآل رضوان في الجنوب (غزة)، وقد شغل أفراد آل فرّوخ وظيفة إمارة الحج الشامي لعدة أعوام، وتعاونوا مع حلفائهم على منع فخر الدين الثاني من الاستيلاء على القدس كما خطط لذلك، وقاموا بحماية الحجاج كل عام، ومن أشهر آل فرّوخ الذين تصدّوا لتوسعات فخر الدين، الأمير محمد بن فرّوخ الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه الأمير فرّوخ بن عبد الله وهو في طريقه إلى مكة على رأس قافلة الحج الشامي. وكان محمد قد عزل عن نابلس عدة مرات، ثم عاد إليها بفضل الدعم الذي لقيه من العثمانيين ضد عدوه الأمير فخر الدين الذي طمع بمنح حكومة نابلس لأبنائه وأعوانه، وتولى محمد بن فرّوخ إمارة الحج الشامي في معظم الفترة ما بين 1031 هـ/1622 م إلى 1048 هـ/1639 م، تاريخ وفاته(25).

أما مركز القوى الثالث في فلسطين فكان آل رضوان حكّام غزة ذوو الأصل التركي، الذين توارثوا حكم سنجق غزة بضعة أجيال من منتصف القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي إلى أواخر القرن الحادي عشر الهجري/السابع عشر الميلادي، أي قرابة القرن ونصف القرن(26)، وكان آل رضوان أبرز وأقوى أمراء الحلف الثلاثي الذي ضمهم مع آل طراباي وآل فرّوخ، حيث واجهوا فخر الدين ومخططاته، وأهم أمراؤهم الذي يعنينا في هذه الدراسة، حسن بن أحمد رضوان (1009 ـ1054 هـ/1600 ـ1644 م) بسبب دوره في صد خطر فخر الدين(27).

ومهما يكن من أمر، فثمة أسباب عدة دعت فخر الدين فور توليه مقاليد السلطة للنظر إلى أبعد من إمكانياته المتاحة لديه ولأسرته منها:

طموحه بإقامة لبنان على نطاق أوسع، وبالتالي قطع أخر صلة له بالدولة العثمانية.
السير في إمارته نحو التطور والازدهار(28).
علاقته المتميزة مع المسيحيين خاصة الموارنة منهم، بعدما شعر بعدم ارتياحهم لسياسة آل سيفا تجاههم. وكان ذلك حافزاً له يعطيه القدرة على تحقيق مطامحه في التوسع.
تجاوزات آل سيفا وانتقاصهم من حقوق أسرته بالاعتداء على ممتلكاتها وامتيازاتها.
طموحه بتحقيق أمجاد جده فخر الدين الأول التي لم يستطع استكمالها بسبب مقتله(29).
استغلاله لبوادر الضعف والترهل التي بدأت تظهر على جسد الدولة العثمانية خاصة عندما تم السماح لغير الإنكشاريين من الفلاحين والحرفيين بالانخراط في سلك الانكشارية بعد أن كانت حكراً لهم(30).
كما استفاد فخر الدين كذلك من المواهب التي منحته إياها الطبيعة، فاندفع بخطىً حثيثة نحو الميدان السياسي الذي شغف به، وسرعان ما استطاع أن يحكم بنفسه، فأظهر مقدرة فائقة في تسيير دفة الحكم مستلهماً السياسة والمخططات التي اتبعها وسار عليها أسلافه من الأمراء واتبع منهجها بعدما وجدها ترضي طموحه البعيد المدى(31).

بعدما استهل فخر الدين الثاني حكمه على جبل لبنان تسلّم من السلطان العثماني سنجقي بيروت وصيدا. وبدأ طموحه السياسي يتّقد في توسيع رقعة إمارته، فساعد العثمانيين في القضاء على عدوه الأمير منصور بن الفريخ حاكم البقاع ونابلس وصفد وعجلون بعدما خشيت السلطات العثمانية، خاصة والي دمشق مراد باشا، من ازدياد قوته ونفوذه، فتم قتله في 13ربيع الأول 1002هـ/7كانون الأول (ديسمبر) 1593م(32).

كما حمل فخر الدين على جاره ووالد زوجته، يوسف باشا سيفا، وبعد معارك عدة أشهرها موقعة نهر الكلب عام 1007هـ/1598م ـ كما أسلفنا الإشارة ـ تمكن من السيطرة المؤقتة على شمال لبنان، ولم يلبث أن خضع له بنو حرفوش في بعلبك، وزعماء البدو في البقاع وفي المنطقة الجنوبية حتى الجليل، مستغلاً فترة انشغال السلطان أحمد بقتال المجريين في أوروبا والصفويين في بلاد فارس(33).

ورغم أن العثمانيين لم يتخذوا موقفاً بعينه من فخر الدين بعد تحرشه بيوسف باشا حليفهم الرئيسي في لبنان، إلا أنهم سرعان ما انقلبوا عليه بعد تحالفه مع علي باشا جانبولاد (جنبلاط)(34) أحد أفراد الأسرة الكردية الحاكمة في كِلّس والذي كان قد اغتصب السلطة في حلب عام 1015هـ/1606م، وكان علي باشا هذا مناوئاً ليوسف باشا سيفا منافس فخر الدين، لذلك عندما هُزم ابن جنبلاط من العثمانيين آثر فخر الدين إيجاد تسوية عاجلة مع العثمانيين، غير أن الوقت كان قد أدركه، فالخصومة المحلية بين آل معن وآل سيفا كانت قد كلفت فخر الدين توريط نفسه في الاشتراك في تواطؤ خطير مع المتمردين على الحكم العثماني، الأمر الذي سيكلفه فيا بعد فقدان إمارته لبعض الوقت(35).

فلسطين ومشروع فخر الدين الإقليمي التوسعي:

ليس بوسع أيّ من الباحثين قراءة أهمية فلسطين في المخطط التوسعي الذي وضعه الأمير فخر الدين إلاّ من خلال زاوية الصراع القيسي ـ اليمني الذي اشتعلت أواره حتى قبل استيلاء العثمانيين على بلاد الشام، هذا الصراع الذي شمل مساحة واسعة من لبنان وفلسطين، لسيادة النظام القبلي فيهما.

وبناءً عليه؛ فإن أبرز السمات التي ميّزت المجتمع في المقاطعات اللبنانية في العهد المعني، هي انقسام هذا المجتمع انقساماً حزبياً لا طائفياً، بحيث يلتقي في الحزب القيسي كما في الحزب اليمني أُسر ورجال من جميع الطوائف دون عقد طائفية ولا حساسيات مذهبية، وكانا هما الحزبان الوحيدان اللذان عُرفا في ذلك العهد، وبمعنى آخر كان الحزب الواحد يضم أتباعاً من مذاهب مختلفة، كالسنّة والمتاولة (الشيعة) والموارنة المسيحيين والدروز(36)، وفي الوقت نفسه كان الحزب الآخر يضم أيضاً أتباعًا من المذاهب ذاتها، وخلاصة الأمر أن ولاء الفرد كان للحزب الذي ينضم إليه، وليس للمذهب الديني الذي ينتمي إليه.

أما في فلسطين ونظراً لعدم وجود اختلافات مذهبية عميقة كشأن لبنان، ونظراً لديانة معظم القبائل العربية فيها بالإسلام، خاصة المذهب السنّي، فقد كان الانقسام فيها إلى حزبين اثنين أيضاً وتحت ذات المسمى، القيسي واليمني؛ ولكن على أساس الأصول الأولى لتلك القبائل.

ومهما يكن من أمر، فقد استطاع الأمير فخر الدين والمعنيون رغم هذا الانقسام الاجتماعي إلى إثبات نفوذهم في لبنان الجنوبي(37) أولاً، ثم في شمال فلسطين ثانياً، وكان بعض الأمراء المحليين في فلسطين قد استفادوا من انشغال فخر الدين في تقوية نفسه لمواجهة ولاة دمشق المتعاقبين وأعدائه التقليديين آل سيفا، فتنفسوا الصعداء على إثر القضاء على حكم آل فرّيخ الذين سبق أن وسّعوا نفوذهم على حسابهم، وأشهر هؤلاء الأمراء أحمد بن رضوان حاكم غزة الذي توفي عام 1015هـ/1606 ـ1607م(38)، وحمدان بن قانصوه أمير عجلون والكرك، وطراباي بن قراجا حاكم اللجون الذي خلفه بعد وفاته عام 1010هـ/1601 ـ1602م، ابنه أحمد(39)، والأمير فرّوخ بن عبد الله حاكم نابلس والقدس(40).

وكانت إمارة الحج الشامي تنتقل بين هؤلاء الأمراء المحليين، حسب قوتهم ورضى الدولة عنهم، ولكن فيما بعد تعرض هؤلاء الأمراء لضغط فخر الدين وقتاله لهم، بعد أن ازدادت قوته وترسّخ نفوذه، وكان ضغطه يخف عنهم عندما ينشغل بالقتال مع الولاة العثمانيين أو آل سيفا(41).

غير أن هؤلاء الحكام لم يكونوا على قدر من القوة الكافية لبسط نفوذهم على مساحات من الأرض، كما كانت سلطاتهم غير ثابتة ومعرضة للتغيير من حين لآخر؛ بسبب سياسة الباب العالي، وبما أن جبل لبنان وجنوبه كان يرضخ لنفوذ الأسرة المعنية التي تميّزت بطموحها السياسي الإقليمي على زمن فخر الدين الثاني؛ فإنه من الطبيعي أن تتعرض فلسطين لتجاذب القوى المحلية والإقليمية، وأن تترك الأسرة المعنية آثارها السياسية على مساحات واسعة من أراضيها، وبخاصة في المناطق الساحلية والشمالية(42).

ويعزو البعض السبب الذي دعا المعنيين بزعامة فخر الدين للاهتمام بمنطقة شمال فلسطين، إلى وجود عدد من الروابط الاجتماعية والقبلية والطائفية بين المعنيين وبعض الأسر الدرزية الفلسطينية التي تقطن صفد وبعض نواحي الجليل، حيث كان لهذه الروابط دورها وأثرها الخاص في صياغة الطموح المعني في فلسطين؛ وبالتالي في تشكيل طبيعة العلاقة السياسية التي ربطت ولازالت تربط بين الإقليمين، ويتأكد ذلك إذا علمنا أن زعامة المعنيين في لبنان نفسها كانت مهددة في كثير من الأحيان، بعددٍ من المنافسين الأقوياء سواء كانوا منافسين قبليين أم من الطوائف الدينية الأخرى(43).

هذا السبب السابق ذكره ليس كافياً لزعيمٍ في حجم فخر الدين للاهتمام بأمور شمال فلسطين، لكي يشنّ عدة حملات متتالية كان هدفها الاستيلاء على كامل فلسطين لا الجزء الشمالي منه فحسب، وبالإمكان إيراد بعض النقاط التي تهدم الفكرة من أساسها:

أن القتال خلال القرون الثلاثة السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر لم تكن لأسباب طائفية، بل حزبية في المقام الأول، متعلقة بالصراع بين الحزبين القيسي واليمني، وبالتالي ليس كل الدروز من القيسية لكي يناصرهم فخر الدين، فهنالك دروز ينتمون للحزب اليمني كآل علم الدين المنافسين للمعنيين، لذلك كان من الممكن أن يدخل فخر الدين نفسه في صراع مع أسرة درزية مغايرة له في الانتماء الحزبي لو كانت مصالحه تتعارض مع مصالحها.
لا يُعقل أن يرهن فخر الدين مصيره السياسي كله ويضحي بمجمل ما حققه من مكتسبات في لبنان من أجل عدد من الأسر الدرزية التي تسكن منطقة الجليل الفلسطيني، ولا يُعقل أساساً أن يكون قد صاغ مخططاته وطموحاته من أجل تلك الأسر فقط، خاصة إذا ما علمنا أن الطائفة الدرزية في شمال فلسطين لم تكن آنذاك معرضة للخطر أو أية ابتزازات سياسية من الطوائف الأخرى، حيث لم يرد في أيّ من المصادر التاريخية ما أفاد عكس ما قررناه.
أن العلاقة السياسية التي ربطت بين لبنان وفلسطين في عهد فخر الدين جد مختلفة؛ ففي لبنان ثائر انفصالي حاول قصارى جهده فصل لبنان عن محيطه العثماني، وفي فلسطين زعامات محلية موالية تماماً للسلطات العثمانية وتأتمر بأمرها. وما محاولة فخر الدين للاستيلاء على فلسطين، إلاَّ نوع من الطمع والشبق في الاستحواذ على أملاك الآخرين من أمراء فلسطين المحليين.
ليس من المقبول منطقياً في العُرف السياسي والعسكري أن تكون زعامة أسرة مهددة في كثير من الأحيان بعدد من المنافسين الأقوياء في منطقة ما؛ أن تدفع عنها هذا التهديد بالتوجه نحو مناطق أخرى للاستيلاء عليها، وفخر الدين ليس ساذجاً إلى هذا الحد ليورط نفسه في مشاكل جديدة؛ لأنه بذلك يدفع مصيره السياسي ومستقبل أسرته نحو الهاوية؛ فالذي يتعرض لمشاكل داخلية في بلده حري به معالجتها والقضاء عليها قبل التوجه للغزو خارجها، وكما ستكشف الدراسة؛ فإن الأوقات التي جرّد فيها فخر الدين حملاته على فلسطين وشرقي نهر الأردن كانت فيها سلطته قوية بعدما يكون قد انتصر على أحد منافسيه في لبنان أو حتى على والي الشام نفسه، ومع هذا فإن معظم حروبه في فلسطين انتهت بهزيمته.
ومهما يكن من أمر، فأولى اهتمامات فخر الدين لبسط سيادته علي فلسطين كانت عقب استيلائه على منطقة البقاع الغنية، مستغلا فرصة القضاء على حكامها من آل فريخ، فمد نفوذه من البقاع حتى صفد في شمال فلسطين(44)، ويلاحظ هنا أن امتداد نفوذ فخر الدين إلى صفد كان ناجما عن استيلائه لمنطقة كانت تخضع لنفوذ أسرة إقطاعية (آل فريخ) كان حكمها يمتد من البقاع إلى صفد ونابلس وعجلون، أو إن جاز التعبير، فقد ورث ممتلكات آل فريخ حتى صفد في المرحلة الأولى، وليس بسبب ارتباطه الطائفي بإخوانه الدروز في شمال فلسطين.

وأدى زوال حكم آل فريخ الذين كانوا يشكّلون قوة عازلة بين ولاة دمشق وفخر الدين وامتداد نفوذ الأخير على البقاع إلى ازدياد الاحتكاك والمنافسة بين الطرفين، خاصة وأن المناطق التي أصبح فخر الدين يسيطر عليها كانت تمر فيها الطرق الرئيسية التي تربط بين دمشق والساحل، وبين دمشق وفلسطين ومصر؛ وبالتالي تتحكّم في سلامة قافلة الحج الشامي، ومن ثمّ بدأت المشاحنات والصراعات بين فخر الدين وولاة دمشق(45).

ورويداً رويداً، رسّخ فخر الدين موقعه السياسي باللعب بمهارة على وتر جشع وخلافات نُخب الحكم العثماني. وكانت سياسة "فرّق تسُد" إحدى السياسات التي مارسها بدقة فائقة، بل وأكثر انتظاماً مما مارسها العثمانيون أنفسهم، حيث كان أعوانه ووكلاؤه في الآستانة يسارعون في إحباط وتفادي أية معارضة من جانب مسئولي الدولة بالرشاوى الباهظة(46)، كما أنه عمد إلى تكوين جيشٍ خاصٍ من السكّبان(47) المرتزقة، إضافة إلى أتباعه من الدروز والقيسية، وحصّن القلاع في منطقته، وأجرى اتصالات مع آل مديتشي Midici حكّام دوقية توسكانيا Tuscany في فلورنسا(48) الإيطالية للحصول منهم على مساعدة عسكرية وفنية، إضافة إلى تنشيط التبادل التجاري بين إمارته معهم، خاصة تجارة الحرير، التي كانت مزدهرة في منطقة الشوف(49).

وفي ظل هذه الظروف تعرّض شمال فلسطين عند مطلع القرن السابع عشر لنفوذ الأسرة المعنية إلى حدٍ كبير، فقد كان من أهم أهداف سياسة فخر الدين توسيع مجال نفوذه إلى ما وراء جبل لبنان ليشمل أراضٍ جبلية أخرى، خاصة حوران في سوريا ونابلس وعجلون في فلسطين وشرقي نهر الأردن، وكانت هذه المناطق شأنها شأن لبنان نفسه تسكنها أقوام مضطربة ومتمردة وسلطة العثمانيين عليها هشّة، وتمكن فخر الدين من اصطناع أعوان له بين رؤساء ووجهاء تلك المناطق ودعمهم ضد منافسيهم، مما شكّل تحدٍ مباشر للولاة العثمانيين المتعاقبين في دمشق بعدما أصبح بمقدوره تهديد طريق الحج إلى الحجاز، وقد واصل فخر الدين بوجه عام سياسته الشمالية بثبات بحيث لم يجعل من نفسه شخصاً غير مرغوب فيه لدى السلطات العثمانية، لكنه تحرّك في الجنوب بصعوبة محاولاً قدر الإمكان عدم الإثارة ولفت الانتباه لما يقوم به من توسّع(50).

ومهما يكن من أمر، فقد نجح فخر الدين في استرضاء الباب العالي وانتزع ببراعته وحنكته السياسية فرماناً سلطانياً عام 1012هـ/1603م يقضي بتوليه على كل لبنان، وعلى الأجزاء الشمالية من فلسطين وتملكه على بلاد صفد، في مقابل تعهده للباب العالي بتقديم المستحقات المالية المترتبة عليه، بالإضافة إلى وعده للسلطان العثماني بمقاسمته في كل ما يحصل عليه من أموالٍ وغنائمٍ في حروبه المقبلة(51).

ويرى البعض أن هذا الاتفاق قد أباح لفخر الدين ولو بصورة غير مباشرة بسط نفوذه على القوى المجاورة في فلسطين، حتى وان كانت هذه القوى معينة من قبل الباب العالي وموالية له(52)، غير أن هذا الرأي ينافي تماماً صحة ما سبق أن ذكرناه آنفاً، من أن تقدم فخر الدين نحو فلسطين واصطناعه للأعوان بين زعمائها، قد أثار حفيظة ولاة دمشق العثمانيين، نظراً للتهديد المباشر الذي سيشكّله فخر الدين في حال نجاحه في مشروعه التوسعي من تهديد لطريق قافلة الحج الشامي، ناهيك عن مصلحة السلطان العثماني في ذاك الوقت، التي تقتضي استقرار الأوضاع الأمنية في منطقة حساسة بالنسبة لإمبراطوريته وتعتبر من أهم مفاصلها الرئيسية، خاصة وأن الصراع العثماني ـ الصفوي مازال مستعراً، من هنا، فإن مصلحة العثمانيين اقتضت دعم أعوانهم في فلسطين لا إثارة قوى جديدة ضدهم، وهو ما حدث بالفعل كما قررت المصادر التاريخية، الأمر الذي سوف نفصله لاحقاً.

وسرعان ما توترت العلاقات بين فخر الدين والدولة العثمانية بعد صلحها مع النمسا عام 1015هـ/1606م، وقضائها على تمرد علي باشا جنبلاط ـ الذي كان متحالفاً مع فخر الدين ـ في شمال سوريا في العام التالي، فكلّفت ولاة دمشق بالتصدي له خوفاً من استشراء نفوذه، وتهديده للطرق الرئيسية، بالإضافة لخشية الدولة من طعنه لها في الخلف في أثناء انشغالها في حروب الصفويين(53).

والظاهر أن الأمير أحمد بن طراباي الحارثي حاكم اللجون أقحم نفسه في الصراع الذي دار بين العثمانيين ومعهم يوسف باشا سيفا والي طرابلس وعلي باشا جنبلاط؛ فبعد هزيمة يوسف باشا أمام قوات ابن جنبلاط قرب حماة 1015هـ/ 1606م استقبله الأمير أحمد بكل حفاوة وإكرام، ورفض تسليمه لابن جنبلاط، لأن ابن سيفا كان حليفه الطبيعي تجاه مطامع فخر الدين في الأجزاء الشمالية من سورية الجنوبية، وبصفة خاصة بعدما استولى فخر الدين على سنجق صفد، وأظهر طمعه بسنجق عجلون، إضافة إلى أن هذا التصرف من جانب ابن طراباي كان منسجماً مع ميوله اليمنية مقابل ميول فخر الدين القيسية، وأخيراً موالاته للسلطة العثمانية مقابل تمرد فخر الدين عليها(54).

وبناءً على ما سبق؛ فإن الصراع في بلاد الشام عامة وفي لبنان وفلسطين خاصة لم يكن وقتذاك ذا نعرة طائفية بقدر ما كان تنافس على الإقطاع والسلطة والنفوذ والمطامع التوسعيّة بين القوى المحلية المنقسمة إلى حزبي القيسية واليمنية.

ويبدو أن الأمير أحمد بن طراباي رغم مناصرته للعثمانيين في حربهم ضد ابن جنبلاط، قد آثر عدم الانضمام إلى حملة مراد باشا والي دمشق على الأخير، معتذراً عن السفر ومكتفياً بإرسال رسول وهدية، بعدما رأى أن لا مصلحة له في حرب بعيدة عن حدوده، خاصة وأن خطر فخر الدين محدق به وأطماعه مجاورة له، بعد أن مدّ الأخير نفوذه على سناجق صيدا وبيروت وغزير(55).

ولمواجهة الخطر الذي شكله فخر الدين على نفوذ العثمانيين في فلسطين، وللحد من نفوذه المتصاعد، عيّن الباب العالي والياً جديداً على دمشق عام 1018هـ/1609م هو أحمد باشا الحافظ، الذي جعل كل همّه مقاومة فخر الدين، وقد بدأ أحمد باشا عهده بإثارة الأمراء المحليين المعادين لفخر الدين ضده(56)، مع العلم أنه نادراً ما كان يحدث اتفاق وإجماع بين مناوئ فخر الدين المحليين ووالي دمشق والحكومة المركزية في الآستانة، وقد أدّى هذا الاتفاق إلى إمكانية وجود عمل جماعي مؤثر ضد فخر الدين(57).

عمد أحمد باشا الحافظ إلى تشجيع آل سيفا حكّام طرابلس وأثار الاضطرابات على فخر الدين في منطقتي البقاع وعجلون الخاضعتين لسيطرته ونفوذه، كما حاول القضاء على حلفاء فخر الدين مثل الأمير يونس الحرفوش حاكم بعلبك والأمير أحمد الشهابي حاكم وادي التيم؛ لكنه فشل في مسعاه بعدما أرسل فخر الدين النجدة لهما. هذا الفشل الذي لقيه أحمد باشا دعاه إلى طلب مقابلة الصدر الأعظم نصوح باشا في حلب ـ الذي كان بدوره معادياً لفخر الدين ـ والاشتكاء له من تصرفات فخر الدين، وممن رافق الوالي في المقابلة المذكورة الأمير فرّوخ بن عبد الله الذي أنعم عليه نصوح باشا بسنجقية نابلس وعجلون والكرك عوضاً عن حمدان بن قانصوه(58)، كما عزل الصدر الأعظم الشيخ عمرو شيخ عرب المفارجة عن بلاد حوران وأعطاها للشيخ رشيد شيخ عرب السرديّة، ما دعا الزعيمين المعزولين لطلب النجدة والمساعدة من فخر الدين، لكنه تلكّأ في نجدتهما وطلب منهما إمهاله بعض الوقت لتسوية الأمر مع الصدر الأعظم(59).

ويبدو أن الأمير فخر الدين واجه ضغوطاً من جانب رجال حاشيته، فاضطر لتجريد حملة عسكرية جعل قيادتها لولده الأمير علي ذو الخمسة عشر عاما ً، فتمكن من إلحاق الهزيمة بفرّوخ وعرب السرديّة في المزيريب بأرض حوران في غرة ربيع الثاني 1022هـ/1613م، ونجح الأمير علي وأعوانه من دخول عين جالوت في بلاد عجلون، فأعاد الأمير حمدان بن قانصوه إلى عمله السابق في سنجقية عجلون(60).

ولما كان الوقت في غير صالح فخر الدين بعدما تكالبت القوى المعادية له لا للحد من نفوذه فحسب، بل للقضاء المبرم عليه وعلى إمارته، فقد أصدرت السلطات العثمانية الأوامر لأحمد باشا الحافظ بالزحف على فخر الدين، وانضم إليه الأمراء المحليون كالأمير فرّوخ، والأمير أحمد بن طراباي، وآل سيفا، ومدّه السلطان بقواتٍ من حلب والأناضول، كما أُرسلت مجموعة من السفن الحربية إلى الساحل اللبناني، فاكتسحت القوات العثمانية فخر الدين.

ولما رأى فخر الدين ألاَّ طاقة له بالتصدّي لقوة والي الشام وحزبه، ورأى شدة حصاره لقلعة الشقيف في جنوب لبنان المحصنة، وإلى إرساله لقوات أخرى ضد الشوف نفسه معقل فخر الدين، إضافة إلى تيقّن الأخير من عجز حلفائه وعدم اكتراثهم به وبمصيره، عند ذاك اضطر إلى التوجه إلى صيدا، ومنها سافر بحراً إلى ليغهورن Leghorn أحد مرافئ دوقية توسكانيا الإيطالية في غرة شعبان 1022هـ/أيلول (سبتمبر) 1613م، حيث ظل فيها مدة خمسة أعوام عند أصدقائه من آل مديتشي، وخلفه ابنه الأمير علي في إمارة الشوف بمساعدة عمه الأمير يونس المعني، وبهذا التصرف أنقذ فخر الدين الإمارة المعنية من الانهيار لتبقى تحت تصرف عائلته(61).

ترتب على فرار فخر الدين إلي إيطاليا أن ولّت الدولة العثمانية على صفد بستانجي حسن باشا، بالإضافة إلى صيدا وبيروت وغزير في جمادى الأول 1023هـ/1614م، كما حاولت الدولة في العام نفسه إجراء تنظيم إداري جديد في ولاية دمشق، فاقتطعت ناحيتي صيدا وبيروت ولواء صفد وشكّلت منهم ولاية جديدة عُرفت باسم "ولاية صيدا"، لكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح، فصرفت الدولة العثمانية النظر عنها وأعادت الولاية الجديدة إلى ما كانت عليه في السابق من حيث تبعيتها لولاية دمشق(62).

لم يؤدِ اختفاء فخر الدين المؤقت عن الساحة اللبنانية إلي خفت وميض المعنيين السياسي، فقد واصل الأمير علي بن فخر الدين سياسة والده التوسعية لاستعادة ما تم فقدانه، وانتهز فرصة تعيين والٍ جديد على دمشق نشانجي أحمد باشا عام 1027هـ/1617م، فطلب منه سنجقية صفد كما كانت قبل سفر والده إلى أوروبا، فصدر فرماناً سلطانياً بتقرير سنجق صفد وصيدا وبيروت وغزير للأمير علي(63).

ويبدو أن حكّام فلسطين المحليين قد تنفسوا الصعداء خلال فترة الخمس سنوات التي قضاها فخر الدين في أوروبا، فاستراحوا خلالها من الضغوط التي كان يمارسها عليهم، كما أن ابنه الأمير علي كان مشغولاً بترتيب بيته من الداخل. وعلى أية حال، فخلال الفترة التي أمضاها فخر الدين في أوروبا، كان الوضع في الدولة العثمانية قد بدأ يتغيّر لصالحه، فعدوه اللدود نصوح باشا عُزل عن الصدارة العظمى، وأحمد باشا الحافظ والي دمشق ترك منصبه، والدولة نفسها منهمكة في حروبها مع الصفويين، وبوساطة مستشاره والأمير يونس الحرفوش أمير البقاع حصل من الدولة العثمانية على عفو، وعاد إلى لبنان عام 1027هـ/1618م(64).

وتجدر الإشارة إلى أن عودة فخر الدين من أوروبا لم تكن مباشرة إلى أحد المرافئ اللبنانية كصيدا أو بيروت، وإنما رست السفينة التي أقلته في مرفأ عكا(65) الفلسطيني، وقد يحتار المرء لهكذا تصرف من جانب فخر الدين، فيقيناً هو يعلم مسبقاً بأن بيروت وصيدا تخضعان لنفوذ ابنه "علي"، وبالتالي فبإمكانه النزول في إحدى هاتين المدينتين، ويرى الباحث أن اختيار فخر الدين لعكا لتكون أول بقعة تطأها قدمه بعد عودته من منفاه الاختياري، لها رمزية خاصة لديه، تبيّن أهمية فلسطين في مشروعه التوسعي سواء كان قبل مغادرته إلى أوروبا أو في مخطّطاته اللاحقة التي نوى أن يشرع في تنفيذها، هذا من جانب، أما من جانب آخر، فهي توضح بجلاء أن عكا وقتذاك كانت تحت سيطرة ابنه الأمير علي، وفخر الدين يقيناً على علمٍ بذلك مسبقاً.

وللتدليل على صحة ما سبق الإشارة إليه، فقد أوردت بعض المصادر التاريخية، أن فخر الدين لما نزل عكا سأل عمن يحكم في تلك المنطقة، فأخبره مستقبلوه بأن ولده عليّاً هو الحاكم فيها، وأنه يقوم الآن بجولة في قرية أبي سنان الفلسطينية ليجمع المال منها، فأرسل فخر الدين في استدعائه(66).

والحقيقة أنه رغم التأكيد بأن المرفأ الذي نزل فيه فخر الدين هو عكا، لكن من غير المعقول هو تصديق ما أورده كلٌ من الخالدي الصفدي وحيدر الشهابي من عدم معرفة فخر الدين لحاكم عكا وقتذاك، الأمر الذي يدعو للحيرة واللبس، فالمنطق يحتم علينا الجزم بمعرفته المسبقة لهذا الحاكم قبل أن تطأ قدماه منطقة نفوذه لسببين اثنين هما:

يُفترض أن عودة فخر الدين من منفاه الاختياري إلى الشرق قد تمت بتنسيق مسبق مع أعوانه وعلى رأسهم ولده "عليّاً.
لو لم يكن يعلم أن ابنه "عليّاً" هو الحاكم الفعلي لعكا، لِما أقدم على هذا الأمر خشية وقوعه في أيدي أعدائه من زعماء فلسطين المحليين.
وما أورده الخالدي الصفدي وحيدر الشهابي لا يعدو أكثر من مبالغة لإظهار فخر الدين بمظهر الزعيم القوي الذي لا يخشى بأس أعدائه، والعائد لاسترداد ممتلكاته التي افتقدها من قبل.

ومهما يكن من أمر، فقد بدأ فخر الدين إثر عودته من أوروبا بتوطيد سلطته من جديد، فاهتم بتطوير اقتصاديات بلاده، خاصة في مجال الزراعة، واستخدم عائدات الجمارك في بيروت وصيدا لتمويل جيشه(67)، وعمد بعض مناوئيه إلى استرضائه، فأرسلوا له الهدايا كالأمير أحمد بن طراباي، والأمير أحمد بن حمدان بن قانصوه، والأمير أحمد بن الحرفوش، ويوسف باشا سيفا، وقد قبل فخر الدين جميع الهدايا المقدمة له من الأمراء عدا هدية يوسف باشا التي ردّها عليه(68)، تعبيراً عما يكّن في صدره من عداوة له.

ويؤخذ على فخر الدين أنه بدأ العمل بنشاطٍ وهمّةٍ لتحقيق أهدافه القديمة متبعاً الأسلوب القديم الذي كان قد اتبعه من قبل(69)، ففي غرة رجب 1028هـ/1618م عزل العثمانيون الأمير أحمد بن حمدان بن قانصوه عن سنجق عجلون، كما عزلوا الشيخ عمرو عن مشيخة حوران، وولوا مكانهما ابن قلاوون وهو من أصل تركي والشيخ رشيد، واضطر الأميران المعزولين لطلب النجدة من فخر الدين لإعادتهما إلى منصبيهما السابق، فنجح في استصدار فرمان من الباب العالي بهذا الشأن في شوال من العام نفسه(70).

ويبدو أن الأمير أحمد بن طراباي قد شعر في تلك الأثناء بأن موازين القوى آخذة في التغيير لصالح فخر الدين، فبعد نجاح الأخير في مسعاه السابق بإعادة أعوانه إلى مناصبهم، انتهز فرصة وجود فخر الدين في تل الهريج بالقرب من صفد، وأرسل إليه ابنه الأمير طراباي ومعه هدية قبلها فخر الدين، فازدادت بينهما أواصر الأُلفة والمودة(71).

وفي عام 1030هـ/1620م وفي أثناء وجود الأمير فرّوخ أمير الحج الشامي في الآستانة بدعوة من السلطان عثمان الثاني، كلّفه السلطان المذكور ببناء قلعة في الطريق الذي تسلكه قافلة الحج يُسمى "المُعظّم"، ورصد لذلك المشروع خمسين ألف غرش، وانتهز فرّوخ باشا تلك المناسبة والتمس من السلطان تعيين الأمير بشير عم الأمير أحمد بن قانصوه حاكماً على سنجق عجلون لكونه أحد مرافقيه وحلفائه، ليساعده في بناء القلعة، وتعيين الشيخ رشيد لمشيخة حوران، فتم له ذلك.

ومرة أخرى استنجد الأمير أحمد بن قانصوه والشيخ عمرو بالأمير فخر الدين لمساعدتهما على العودة إلي منصبيهما، لكنه هذه المرة كان حازماً في رفضه لطلبهما خشية اتهامه بتعطيل بناء القلعة التي أُوكل لفرّوخ باشا بإنجازها من جهة، وللبرود الذي كان قد اكتنف علاقته بالأمير أحمد والشيخ عمرو بسبب قتل فخر الدين لسلطان كتخدا الأمير أحمد، فاضطرا للتوجه إلى بلاد الأمير أحمد بن طراباي حيث توفى الشيخ عمرو في دياره، ثم توجه ابن قانصوه للآستانة في محاولة لاستعادة سنجقه(72).

وتلاحقت الأحداث فيما بعد بصورة دراماتيكية بين مدٍ وجزر بين القوى المحلية في ادعاء كلاً منها بملكيته للسناجق، فالأمير أحمد بن قانصوه نجح في الحصول على قرارٍ بعودته إلى سنجق عجلون، لكن باشا دمشق لم ينفذه لحلول موعد خروج قافلة الحج الشامي، وخشيته من عزل الأمير بشير والشيخ رشيد في ذلك الوقت حتى لا يعطّلا سير القافلة، وهو الموقف نفسه الذي سلكه فخر الدين معه عندما استنجد به، وكان فخر الدين يحاول قدر الإمكان تعطيل تسلّم الأمير أحمد بن قانصوه لسنجق عجلون طمعاً منه بمنحها لابنه الأمير حسين(73).

توجه الأمير أحمد بن قانصوه إلى ديار الأمير أحمد بن طراباي مرة أخرى طلباً للاستقرار فيها، وخلال إقامته عند ابن طراباي تعرّض لهجومٍ من جانب عمه الأمير بشير، فتضايق ابن طراباي من تلك الفعلة وكتب لفخر الدين ملتمساً منه مساعدة أحمد بن قانصوه في استعادة سنجقه، ويبدو أن فخر الدين قد يئس من وصول فرمان من الآستانة بمنحه سنجقية عجلون لابنه حسين، فخشي من وجود أعداء مجاورين لمناطق نفوذه، وقرّر بالفعل مساعدة أحمد بن قانصوه وجرّد حملة في ذي القعدة 1031هـ/1621م على الأمير بشير، ضمت الأمير قاسم ابن الأمير علي الشهابي، والأمير طراباي ابن الأمير أحمد بن طراباي، فلما سمع الأمير بشير بوصول التحالف المذكور إلى جسر المجامع هرب مع الشيخ رشيد، واستعاد أحمد بن قانصوه سنجقية عجلون الذي قام فيما بعد ـ اعترافاً منه بالجميل ـ بتأجير منطقة الغور الغربي نواحي بيسان للأمير علي بن فخر الدين(74).

أضحت قوة فخر الدين طاغية لدرجة أن والي دمشق في العام التالي التمس منه تقديم إعانة مالية لقافلة الحج والخروج لملاقاتها في طريق عودتها، كما منحه سنجقية عجلون باسم ابنه الأمير حسين بعد أن كان قد قنط تماماً من حصوله عليها. ويبدو أن الأمير أحمد بن قانصوه قد قبِل هذا الأمر مُكرهاً، وفي ذلك يقول الخالدي الصفدي: "وكان جواب الأمير أحمد السمع والطاعة لله ولرسوله ولولي أمره، ولكن كأنما في قلبه الجمر. وقال: أنا أولاً وآخراً منك وإليك وبسنجق وغير سنجق محسوب عليك". ثم غادر عجلون وتوجه بـأهله إلى بلاد حوران في ضيافة الشيخ حسين بن عمرو(75).

ولما كان الأمير فرّوخ حاكم نابلس قد تُوفي في مكة أثناء قيادته لقافلة الحج الشامي في 1030هـ/1621م، أصدر الصدر الأعظم "مرّه حسين" أحكاماً بتعيين محمد بن فرّوخ محل أبيه، لكن مصطفى باشا والي الشام رفض التصديق على تلك الأحكام، ما دعا ابن فرّوخ للتوجه للآستانة للمطالبة بحقه بسنجقية نابلس حتى تمكن من الحصول عليها، لكنه لم يهنأ طويلاً بمنصبه الجديد، فسرعان ما سيحصل الأمير حسين بن فخر الدين على فرمانٍ بتوليه سنجقي نابلس وعجلون. ومرة أخرى توجه ابن فرّوخ للآستانة وحصل من الصدر الأعظم على قرارٍ بتوليه إمارة الحج وتقرير سنجق نابلس عليه، كما تم منح سنجق عجلون للأمير بشير بن قانصوه، وصفد لبوستانجي باشا رغم محاولات فخر الدين الحثيثة للحصول على حكم هذه السناجق(76).

استمر فخر الدين في مناصرة أعوانه في فلسطين وشرقي نهر الأردن، خاصة وأن الخلافات قد عادت إلى السطح بين الأمير أحمد بن طراباي وفخر الدين عام 1032هـ/1622م عندما ساند الأول الأمير يونس الحرفوش في صراعه ضد فخر الدين، وعندما شعر ابن طراباي بأطماع فخر الدين التوسعيّة، رغم محاولات ابن طراباي الإصلاحية بين الشيخ عاصي أحد مشايخ نابلس ومصطفى كتخدا أحد أعوان فخر الدين، ونجاحه في إيقاف الاقتتال بينهما، كما مدّ ابن طراباي حكمه على بلاد عجلون واربد ونابلس وأعطى الحكم فيها لمشايخ موالين له في المناطق المجاورة، فاضطر فخر الدين لمهاجمة الأراضي الخاضعة لحكم أحمد بن طراباي واستولى على برج حيفا، وأمر بإحراق قرى الكرمل، وإزاء هذا الاجتياح المدمّر رحل ابن طراباي والأمير بشير بن قانصوه باتجاه نهر العوجا على حدود غزّة(77).

حاول فخر الدين التوغّل جنوباً للحاق بابن طراباي، وتمكن من إحراز نصراً مؤقتاً، إلى أن دارت رحى معركة عنيفة اشترك فيها عرب المفارجة إلى جانب فخر الدين، وعرب السوالمة إلى جانب ابن طراباي، حقق الأخير فيها نصراً مدوّياً، واسترجع وحلفاؤه ما سبق أن فقدوه، بل ولاحقوا فلول جيش فخر الدين، وألحقوا به الكثير من الإصابات رغم محاولات المؤرخ الخالدي الصفدي التقليل من شأن هذا الانتصار بقوله: "وصارت هزيمة من جانب الحق سبحانه وتعالى، وليس هذا ما يعيب الأمير فخر الدين لأن الحرب سجال تارة وتارة والرجال في الحرب لم تزل غدارة…"(78).

وفي الوقت الذي كانت فيه ممتلكات فخر الدين في لبنان مهددة من جانب يوسف باشا سيفا والأمير يونس الحرفوش اللذان بدأا بمهاجمتها مستغلين فرصة عدم وجود فخر الدين فيها، قرر الأخير العودة لمواجهة الموقف الجديد، وفي أثناء ذلك أغار الأمير علي بن طراباي شقيق الأمير أحمد، على ساحل عكا، وفي طريق عودته إلى بلاده مرّ بحيفا واصطدم بأحد أعوان فخر الدين، نصوح بلوكباشي وسكمانيته، فقتله ولجأ أعوانه الباقون إلى برج حيفا ثم فرّوا بحراً إلى عكا، كما تلاحقت اغارات أحمد بن طراباي ضد أتباع فخر الدين، خاصة في قرية كفر كنّا(79).

تلاحقت الأحداث وبدأت الأمور تتجه نحو أزمة جديدة، فالعداوات القديمة بين فخر الدين والأمير يونس الحرفوش زعيم البقاع اندلعت من جديد، وكان الأمير يونس في وضعٍ سيئ، وتمكن فخر الدين من الاستيلاء على بلدة قب الياس الاستراتيجية التي من خلالها بسط تحكمه على الطريق الرئيسي المهم الذي يربط دمشق ببيروت، علماً بأن الأمير يونس هذا كان حليفاً لفخر الدين من قبل وساعده في العودة إلى لبنان بعد توسطه لدى الباب العالي، ولكنها السياسة بكل تقلباتها.

أدى ازدياد قوة فخر الدين إلى تنبيه مصطفى باشا والي دمشق الذي عمل على التحالف مع الأمير يونس الحرفوش ويوسف باشا سيفا للإطاحة بغريمهم، ومهما يكن من أمر، فقد نجح فخر الدين في بادئ الأمر عن طريق إغداق الرشاوى الباهظة على حاشية الباب العالي في الآستانة، في الحيلــول دون تدخّل الحكومة المركزية، كما تمكن كذلك من تثبيت امتلاكه لصفد ونابلس وعجلون(80).

غير أن سياسة الباب العالي المعتدلة تجاه فخر الدين لم تستمر طويلاً لصالحه فقد أعاد الأخير صلاته بحكومة توسكانيا وسمح لتجارها بالنزول في موانيه، وأعاد جيش السكّبان الذي بلغ مائة ألف من شعوبٍ شتى، عندئذ منح الباب العالي الإذن لوالي دمشق وحلفائه بمهاجمة فخر الدين لتحجيم دوره، وفي هذا السياق دارت معركة شهيرة في تاريخ لبنان الحديث، هي موقعة عنجر عام 1033هـ/1623م هُزم خلالها مصطفى باشا وتم أسره، أما حلفاؤه فقد دُحروا وتشتت فلولهم تماماً، ثم أُطلق سراح الباشا ـ بوساطة وفدٍ من علماء دمشق ـ الذي اضطر فيما بعد للاعتراف بسلطة فخر الدين وممتلكاته، وبذلك بلغ نفوذه الذروة(81).

كانت موقعة عنجر علامة فارقة في تاريخ فخر الدين الثاني، فآل سيفا قبِلوا أخيراً الخضوع المطلق لسلطته وتقديم المال إليه بعد استيلائه على عكار وهدم قلعتها، ومدّ نفوذه شمالاً حتى حدود إنطاكية(82)، أما الوضع في فلسطين فكان مختلفاً تماماً، فالأمراء المحليون فيها رفضوا الانصياع والرضوخ لسلطته، فهاجم أحمد بن طراباي في العام نفسه أعوان فخر الدين الذين يتولون السناجق الفلسطينية وشرقي نهر الأردن وحوران، واستولى على ممتلكات الأمير أحمد بن قانصوه حاكم عجلون والشيخ حسين بن عمرو حاكم حوران ومنح سناجقهما للأمير بشير عم أحمد بن قانصوه والشيخ رشيد، غير أن فخر الدين لم يُسلّم للأمر الواقع بل ساعد أعوانه في استرداد أملاكهم فيما بعد(83).

وتمكن فخر الدين من الحصول على قلعة الصلت (السلط) وعيّن فيها نائباً عنه، كما استولى على نابلس وعزل محمد بن فرّوخ عنها، وبلغ الأمر بفخر الدين مداه بعدما حصل لابنه الأمير منصور على سنجق اللجون بما فيه مدينة جنين مركز آل طراباي الرئيسي، الأمر الذي لم يتقبله الأمير أحمد بن طراباي فكانت ردة فعله أن شكّل تحالفاً من عرب السوالمة وخيالة نابلس وبلاد عجلون والغور بقيادة محمد بن فرّوخ وعرب غزّة الخاضعين لسلطة حسن باشا رضوان حاكم غزّة، لمهاجمة حلفاء فخر الدين من عرب المفارجة، كما هاجم سواحل عكا وأعمل فيها النهب والتخريب، واستمرت المعارك بين الطرفين سجالاً، وأثبتت القبائل العربية بإمرة ابن طراباي ومؤيديه صلابة في المقاومة تجاه فخر الدين وقواته من السكمانية المرتزقة، خاصة في الموقعة التي دارت عند نهر العوجا قرب يافا عام 1033هـ/1623م، التي انتصر فيها ابن طراباي واسترجع مدينة جنين، وألحق الكثير من الخسائر في جيش خصمه، وقد أشار المؤرخ المحبي لهذه الموقعة بقوله:"أشهر وقعاته (أي أحمد بن طراباي) وقعة يافا، ومعه حسن باشا (رضوان) حاكم غزة، والأمير محمد بن فرّوخ أمير نابلس، فقتل من جماعة معن مقتلة عظيمة"(84).

وتوالت هجمات أحمد بن طراباي على ممتلكات الأمير فخر الدين وتخريبها، واستولى على قرية أبي سنان التابعة لسنجق عكا، وحقق عدة انتصارات أذهلت فخر الدين وولده الأمير علي، ولما كانت تكاليف القتال باهظة على الطرفين المتحاربين فقررا التعايش وفتح صفحة جديدة من الوفاق السلمي أو ما يُصطلح على تسميته في التاريخ المعاصر بالحرب الباردة، وقامت بين الطرفين مفاوضات أسفرت عن صلحٍ في شوال من العام نفسه، من أهم شروطه أن تنسحب قوات فخر الدين من حيفا وبرجها بعد هدمه، وأن يمنع ابن طراباي عربانه عن تخريب بلاد صفد التابعة لفخر الدين، كما يتعهد أيضاً بتأمين الطريق بين بلاد صفد وبلاد حارثة، وتخلّى فخر الدين عن جبل نابلس لابن طراباي، واعترف بامتداد حدود سلطته إلى حيفا، وبذلك لم يعُد أي من الطرفين يتعرض للطرف الآخر(85).

ويبدو أن المتاعب التي واجهت فخر الدين في فلسطين وشرقها قد ازدادت فيما بعد، ففي العام نفسه تعرضت قلعتي الصلت وعجلون لخطر داهم من جانب الأمير بشير بن قانصوه بعدما فرض عليهما حصاراً خانقاً، دعا القائمين على أمرها لتسليمهما له، ولما كان الأمير بشير يدرك أن فخر الدين لن يدعه يهنأ بما حصل عليه من مكاسب أرسل في طلب الصلح معه، وبعد المباحثات التي تمت بين الطرفين، اتفقا على أن يكون الأمير بشير حاكماً على سنجق عجلون نائباً عن الأمير حسين بن فخر الدين(86).

وبحلول عام 1034هـ/1624م استتب الأمر لفخر الدين في فلسطين وما جاورها بعد تيقنه من استمرار أواصر المودة وعلاقته الحسنة بالأمير أحمد بن طراباي، وبشير بن قانصوه، واحتفاظ ابنه الأمير علي بسنجق صفد الاستراتيجي، ووفاة منافسه التقليدي يوسف باشا سيفا(87)، هذا الأمر جعل العثمانيين في موقفٍ صعب لا قِبل لهم بمواجهته بسبب انشغالهم آنذاك بمحاربة الصفويين، لذلك اضطر السلطان مراد الرابع للاعتراف بسلطة فخر الدين ومنحه فرماناً ولاه بموجبه على بلاد عربستان(88) من حدود حلب إلى القدس، كما منحه لقب سلطان البرـ الذي حمله جدّه فخر الدين الأول من قبل ـ شريطة أن يقوم بتقديم مال الميري لخزينة الدولة، وأن يحافظ على الأمن في منطقته، هذا الفرمان المهم حصل عليه فخر الدين مقابل ما دفعه من ثمنٍ غالِ ومرتفع(89).

استمرت سياسة الوفاق بين فخر الدين وأحمد بن طراباي حوالي عشرة سنوات، لكن التوتر عاد بينهما عام 1043هـ/1633م عندما حرّض الأمير علي بن فخر الدين عرب الوحيدات ضد آل طراباي، ويبدو أن فخر الدين كان على دراية بما قام به ولده، فرّد آل طراباي بمساعدة الأمير محمد بن فرّوخ بمهاجمة بلاد صفد التابعة للأمير علي ونهبها، وكان والي دمشق أحمد باشا كوجك قد لعب دوراً مشبوهاً في تأجيج التوتر بين القوى المحلية من جديد، مما أدى إلى مقتل الأمير علي بن فخر الدين(90)، والظاهر أن المهمة التي قام بها والي دمشق جاءت كرد فعل من جانب الباب العالي لعدم سماح فخر الدين لفرقة عسكرية عثمانية كانت متجهة لحرب الصفويين عام 1041هـ/1631م من قضاء فصل الشتاء في دياره، بل وصل الأمر لحد طرده لهذه الفرقة بقوة السلاح(91).

شعر فخر الدين أن ساعة الحسم بينه وبين السلطات العثمانية قد حانت، فبدأ بتعزيز دفاعاته، فبنى حصناً في المنطقة الواقعة بين حلب وإنطاكية، وحُصناً اُخر في قب الياس في البقاع، وبانياس في الجنوب، وتدمر ما زال يُعرف باسمه، وإذا كان السلطان مراد الرابع قد اضطر في بداية عهده لمنح فخر الدين سلطات واسعة في بلاد الشام، لِصغر سنه؛ لكنه عمد فيما بعد إلى إحكام سيطرة الدولة وإبراز هيبتها بعدما بدت عليها بعض الإشارات التي تنمُّ عن تجديد حيويتها، وبعدما خشي من الترتيبات الدفاعية التي قام بها فخر الدين، واستمرار اتصالاته مع الأوروبيين. تلك الأمور مجتمعة دعت السلطان مراد الرابع إلى توجيه أمرٍ لأحمد باشا كوجك عام 1043هـ/1633م بالتوجه لقتال فخر الدين على رأس جيشٍ كبير من جنود الأناضول ومصر، كما أرسل أسطولاً بحرياً لمهاجمة المرافئ والحصون الساحلية، مما أدى لهزيمة فخر الدين واختبائه في قلعة نيحا بضعة أشهر ثم انتقاله إلى كهفٍ حصين قرب جزّين، حتى تمكن العثمانيون أخيراً من إلقاء القبض عليه وإرساله إلى الآستانة أسيراً، ثم إعدامه فيها في 13 نيسان (أبريل) 1635م/1045هـ(92).

أدّى القضاء على فخر الدين وحركته الانفصالية الطموحة لإقامة كيان مستقل عن الدولة العثمانية إلى حدوث فوضى شاملة في لبنان وفلسطين؛ ففي لبنان تجددت العداوات القديمة بين الأُسر الإقطاعية التي كانت تخضع لسلطة المعنيين(93)، كما عمد العثمانيون إلى فصل صيدا عن دمشق، وجعلوا منها ولاية مستقلة عام 1071هـ/1660م لمراقبة شؤون لبنان، وتم فصل بيروت كذلك وألحقوها بدمشق، ولم يظهر في البيت المعني شخصية قوية من طراز فخر الدين الثاني تواصل سياسته(94)، أما في فلسطين، فقد كان فخر الدين قد أضعف في أثناء فترة حكمه بطريقٍ مباشر أو غير مباشر، الأمراءَ المحليين فيها، وبعد مقتله كانت بعض هذه الأُسر الحاكمة قد تلاشت على يديه، بينما بعضها الآخر كان في طريقه للانحلال بفعل تأثيره(95).

وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأُسر الحاكمة في فلسطين تصرّفت طوال فترة حكم فخر الدين تصرف الندّ له، خاصة الأمير أحمد بن طراباي الذي كانت ممتلكاته مجاورة لمناطق نفوذ فخر الدين من ناحية، ولأنه هو الآخر كانت له مطامحه في السيادة على الجزء الشمالي من فلسطين كله؛ فكان بذلك شوكة في خاصرة فخر الدين ومنافساً له(96).

وبمقتل فخر الدين الثاني انتبهت الدولة العثمانية لجنوب الشام ولطريق الحج التي تعطّلت بسببه، فأرسلت حملة بقيادة عبد الله باشا النمر أحد قادة منطقة نابلس، حيث تمكن هو وأولاده وأحفاده فيما بعد من إقامة إمارة مستقرة، موالية للحكم العثماني(97).

وفي هذا المضمار تجدر الإشارة أيضاً إلى عدة عوامل دفعت الأمراء المحليين في فلسطين من سيطرة فخر الدين عليهم، منها:

إحساسهم العميق بأنه ينافسهم على السيادة أو الزعامة القبلية، ويريد أن يفرض سيادة قبيلته عليهم، في الوقت الذي كانوا يشعرون فيه أنهم ليسوا أقل منه كفاءة ولا أضعف منه عصبية قبلية.
أنهم كانوا يدركون حقيقة أطماعه ونواياه التوسعية تجاه سناجقهم من ضم وسيطرة.
أن ولاة دمشق المتعاقبين لم يرغبوا في الاستسلام لرغبات فخر الدين وأطماعه في ولايتهم بسهولة، وقد دفعهم هذا الموقف للتنسيق مع حكّام الألوية الخاضعة لنفوذهم، للقيام بعمل عسكري بهدف الحد من نفوذه وتغيير الوضع السياسي الذي فرضه عليهم(98).
بقي أن نشير إلى الوجه الحضاري الذي خلفه فخر الدين في فلسطين، على قلته، فقد اهتم بتشجيع التجارة مع أوروبا، ولهذا الغرض ابتنى في عكا حصناً وخاناً لإقامة التجار الأجانب بعد أن اتخذ عدداً من التجار الفرنسيين والإنكليز والهولنديين من عكا مركزاً لتجارة القطن. فقد أشار حيدر الشهابي في حوادث سنة 1032هـ/1622م إلى وصول مركبين تجاريين فرنسيين إلي عكا لشحن القطن(99)، كما كانت فرنسا تستورد في السنوات التي بها جفاف كميات كبيرة من القمح والأرز من عكا وحيفا، حيث شوهدت في ميناء عكا 32 مركباً حمولة أصغرها 150 طناً، وحمولة أكبرها 600 طن، قدمت لشحن القمح(100)، كما سمح فخر الدين لمجموعة من التجار الفرنسيين باستيطان عكا في الفترة ما بين 1034ـ1043هـ/1624ـ1633م(101).

وفي صفد شيّد فخر الدين مغارة الحمام سنة 1022هـ/1613م، وسُميت قلعة ابن معن، كما أنجز سور تل الهريج بالقرب من صفد(102)، أما يافا فلم تشهد في عهد فخر الدين سِوى أثراً عمرانياً وحيداً هو القلعة وعمل على ترميم أسوارها(103).

وتحسنت أحوال المسيحيين في الناصرة زمن فخر الدين نتيجة لسياسة التسامح الديني التي انتهجها؛ ففي عام 1030هـ/1620م سمح للرهبان الفرنسيسكان بترميم كنيستها القديمة المعروفة بالسانتا، وبناء ديرٍ بالقرب منها؛ ولكن في عام 1040هـ/1630م قبيل القضاء على فخر الدين، بدأت أحوال المسيحيين في الناصرة بالتدهور نتيجة لاستيلاء آل طراباي على جزءٍ كبير من الجليل، حيث شرعوا في مضايقة الرهبان نكاية بفخر الدين(104).

خاتمة الدراسة

نستطيع القول، أن طموح فخر الدين المعني الثاني لإقامة إمارة إقليمية يكون هو زعيمها، لم تكن وليدة الصدفة أو نتاج التراكمات السياسية التي جعلت من بلاد الشام عامة ولبنان وفلسطين خاصة مرتعاً للكثير من الحكّام المحليين الذين كان كلٌ منهم يحكم منطقة بعينها، لكن هذا الطموح كان بالدرجة الأولى يعود لخططٍ طموحة من جانب أسلافه، كجده فخر الدين المعني الأول ثم والده قرقماز، ورغم أن أسلافه فشلوا مبكراً في تحقيق أي من أهدافهم، إلا أن فخر الدين الثاني تمكن من تحقيق كل النجاح في لبنان، وقضى على منافسيه الأقوياء، وحقق بعض النجاحات المؤقتة في فلسطين، لكنه لم يستطع فرض كامل سلطته عليها.

والسبب المباشر والرئيسي لاهتمام فخر الدين الثاني بالتوسع في فلسطين لا يعود في المقام الأول لدوافع طائفية كما ذكر البعض، وإنما لأسباب حزبية بحتة، ولا سيما الصراع بين الحزبين الرئيسيين في بلاد الشام، القيسي واليمني، حيث اشتعلت أوار الحروب والمنازعات بين هذين الحزبين من أجل سيادة النظام القبلي، خاصة في لبنان وفلسطين.

وأثبتت الدراسة أن تدخل فخر الدين الثاني في شؤون فلسطين العثمانية، كان لأهدافٍ شخصيةٍ بحتة لا لمصلحة قومية عليا كقمع ثائر متمرد على السلطة المركزية على سبيل المثال، فجلّ حكّام فلسطين المحليين كانوا من الموالين للسلطات العثمانية سواء في دمشق أو في الآستانة نفسها، وكان هدف فخر الدين هو منح السناجق الفلسطينية سواء في شرقي نهر الأردن أو في غربه إما لأبنائه أو لأعوانه الموالين له.

وشخصية فخر الدين الثاني لم تكن تصرفاتها تنم عن اتجاه مغامر كما يحلو للبعض وصفه بذلك، ولكنها تصرفات رجل طموح شابت أفعاله الكثير من الأطماع لبناء مجدٍ ذاتي يخلده في المدونات التاريخية، ورجل بمثل تلك المواصفات يصعب عليه المقامرة بمستقبله ومشروعه السياسي التوسعي في خضم مغامرة قد تنجح وغالباً ما ستفشل، وما يحُسب لفخر الدين أنه كان متأنياً في اتخاذ القرارات فحقق الكثير من النجاحات.

كما أثبتت الدراسة أن عودة فخر الدين من أوروبا ـ منفاه الاختياري ـ واختياره لمرفأ عكا لتكون أول بقعة في الشرق تطأه قدماه، لها رمزية خاصة لديه، تبيّن أهمية فلسطين في مشروعه التوسعي سواء كان قبل مغادرته إلى أوروبا أو في مخططاته اللاحقة التي نوى الشروع في تنفيذها.

ومما يجدر ذكره أن موقعة عنجر عام 1033هـ/1623م كانت علامة فارقة في تاريخ فخر الدين، فحكّام لبنان المحليون والموالون للسلطات العثمانية خضعوا بعدها لنفوذه، وازدادت محاولاته للحصول على أكبر قدر ممكن من الكاسب في السناجق الفلسطينية، وأكثر من ذلك اضطرت الدولة العثمانية للاعتراف بسلطته بعد أربعة وثلاثين عاماً من صراعه الطويل مع ممثليها، ومنحته فرماناً يكون بموجبه حاكماً على بلاد عربستان من حدود حلب إلى القدس، كما منحته لقب سلطان البر وهو اللقب نفسه الذي منحته من قبل لجده فخر الدين الأول.

ولم تسِرْ العلاقة بين فخر الدين والزعامات المحلية الفلسطينية على وتيرة واحدة، فهي دوماً صدامية بين الطرفين تتجاذبها حالتي المد والجزر؛ وان كانت هذه الزعامات قد حققت الكثير من الانتصارات على فخر الدين، أما بعض المكاسب التي حققها الأخير في فلسطين؛ فإنما تعود لسياسته الحكيمة في بعض الأحيان لا لقوته العسكرية وذلك من خلال وكلائه في الآستانة حيث أغدق عليهم الأموال الطائلة ليسهّلوا له مهمة شراء المناصب وتعيينه على بعض السناجق في فلسطين وشرقي نهر الأردن، وأحياناً قليلة كانت سياسة الوفاق ترجح بين فخر الدين من ناحية والأمير أحمد بن طراباي حاكم اللجون من ناحية أخرى، لكنها فشلت في النهاية لعدم وجود دعائم ترسّخها، وأُخذ على فخر الدين أنه فشل في الاحتفاظ بفلسطين بسبب عدم محاولته رأب الصدع بين الحزبين المتنافسين وقتذاك، وكان هو شخصياً زعيماً لإحداهما ولم ينجح في التقريب بين وجهات نظرهما، وبالتالي فشل في أن يطوي زعماء فلسطين بين جناحيه.


--------------------------------------------------------------------------------

الحواشي

(1) علي، محمد كرد: خطط الشام.ج3، دمشق 1343هـ (1925م). ص236. والعابدي، محمود: صفد في التاريخ. عمان1977، ص64-65.

(2) الشهابي، حيدر (الأمير): تاريخ الأمير حيدر الشهابي. علق على حواشيه: د.مارون رعد، 4 أجزاء، ج3، دار نظير عبود، بيروت 1993، ص738.

(3) تشرشل، تشارلز: جبل لبنان (عشر سنوات إقامة) 1842-1852. ترجمة: فندي الشعار، دار المروج للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1985، ص56.

(4) حتي، فيليب: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين. ترجمة: د.كمال اليازجي، جزءان، ج 2، دار الثقافة، بيروت1959، ص279.

(5) الشهابي، حيدر: نفس الصفحة.

واستطراداً لما ذهبنا إليه من ذكاء فخر الدين الأول؛ أنه لما دخل على السلطان سليم في دمشق، دعا له دعاءً بليغاً. وقد أدهشت بلاغته سليماً فكرّمه ومنحه شرف الأولوية على كل أمراء الشام، ومنحه لقب سلطان البر.

نفس المرجع، ص740-741.

(6) Ismail,Adel,Histoire du Liban du xvII siècle a nos jours, vol.1,Le Liban au temps de Fakhr-eddin II (1590-1633), Paris1955,p.54.

(7) Ibid.

(8) بازيلي، قسطنطين: سورية وفلسطين تحت الحكم العثماني. ترجمة: طارق معصراني، دار التقدم، موسكو1989، ص28. ولوتسكي، فلاديمير: تاريخ الأقطار العربية الحديث. ترجمة: د.عفيفة البستاني، مراجعة: يوري روشين، ط8، دار الفارابي، بيروت 1985، ص14.

(9) السنجق أو الصنجق: لفظ تركي استعمل بمعنى العَلَم، أو الراية، وبمعنى الرمح، أو اللواء. والسنجق وحدة إدارية ضمن الولاية، عُرف حاكمه بلقب سنجق بك بالتركية وأمير لواء بالعربية، وعُرفت المنطقة التي يحكمها بالسنجق أو اللواء. وكان السنجق يُقّسم إلى عددٍ من النواحي، ويُسمى السنجق أو اللواء عادة باسم عاصمته وهي أكبر مدنه مثل سنجق القدس وغزّة…الخ. أما لواء اللجون فلم يُسمَّ نسبة إلى مدينة؛ لأنه استحُدث بخاصة لأسرة طراباي الحارثية وأبناؤها من زعماء بني حارثة التي كانت تتصرف بالمنطقة كإقطاع.

انظر: دهمان، محمد أحمد: معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي. ط1، دار الفكر، دمشق1410هـ (1990م)، ص93. ورافق، عبد الكريم: فلسطين في عهد العثمانيين (1). الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني-الدراسات الخاصة، المجلد الثاني، الدراسات التاريخية، ط1، بيروت 1990، ص699.

(10) رافق: المرجع السابق، ص698-699.

(11) لمزيد من التفاصيل عن طريق الحج الغزّاوي، أنظر:هيئة الموسوعة الفلسطينية: الموسوعة الفلسطينية. القسم العام، 4 أجزاء، ج3، ط1، دمشق 1984، ص112-113.

(12) رافق: المرجع السابق، ص700-702.

(13) عبد الكريم، أحمد عزت: "التقسيم الإداري لسورية في العهد العثماني". حوليات كلية الآداب، جامعة عين شمس، المجلد الأول، مايو 1951، ص134، 173-175. وبولياك: الإقطاعية في مصر وسورية وفلسطين ولبنان. ترجمة: عاطف كرم ، بيروت1948، ص137-146.

(14) وُلد فخر الدين المعني الثاني عام 980هـ/1572م في بعقلين عاصمة الإمارة المعنية آنذاك، من أم تنوخية ذات شخصية فذّة وصيت نبيل هي "الست نسب" شقيقة الأمير سيف الدين التنوخي. وكان والده الأمير قرقماز قد ورث الإمارة عن أبيه الأمير فخر الدين الأول ، فترعرع فخر الدين الثاني مع أخيه يونس في كنف والديه حتى بلغ الثانية عشرة من عمره عام 992هـ/1584م. وبعد موت أبيهما احتضنتهما أمهما الست نسب وخالهما الأمير سيف الدين التنوخي. ولما بلغ فخر الدين الثامنة عشرة من عمره عام 999هـ/1590م ولاه خاله المذكور إمارة أبيه، فأصبح فخر الدين أميراً للدروز والشوف.

انظر: الشهابي ، حيدر: نفس المرجع ، ج3، ص807. وسويد، ياسين: التاريخ العسكري للمقاطعات اللبنانية في عهد الإمارتين. جزءان، ج1، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت1985، ص153.

بينما يذكر تشارلز تشرشل، أن الأمير فخر الدين وأخوه الأمير يونس كانا بعد وفاة أبيهما تحت رعاية الشيخ أبو نادر الخازن الماروني، الذي أسندت إليه أمهما العناية بهما لإنقاذهما من أعوان العثمانيين.

جبل لبنان، ص61.

(15) مجهول المؤلف: نزهة الزمان في حوادث لبنان. مخطوط في المكتبة الوطنية بباريس، رقم Arabe 1684 ، ورقة 17أ-17ب. والشهابي، حيدر: المرجع السابق، ص806. والحتّوني، منصور طنوس: نبذة تاريخية في المقاطعة الكسروانية. بدون بيانات نشر، بدون تاريخ، ص60-61.

(16) سويد: المرجع السابق، ص153. و:

-Holt (P.M.),Egypt and the Fertile Crescent1516-1922,Cornell University press, New York 1966,p.115.

(17) لوتسكي: المرجع السابق، ص35-36.

(18)Ibid.

(19) المعلوف، عيسى اسكندر: "الأمراء الحرفشيون". مجلة العرفان، مجلد9 (من ربيع الأول إلى ذي الحجة 1342هـ )، ص291-297.

(20) العورة، إبراهيم: تاريخ ولاية سليمان باشا العادل. نشره وعلق عليه: قسطنطين الباشا المخلصي، صيدا 1936، ص111. و:

-Charles-Roux (F.), Les Echelles des Syrie et de Palestine au XV III siècle, Paris 1928, p207.

(21) Lammens (S.J.), La Syrie précis Historique, vol.II, Beyrouth 1921, pp.71-72.

-Holt,op.cit,p.115.

(22) الصليبي، كمال: تاريخ لبنان الحديث. ط2، دار النهار للنشر، بيروت 1969، ص34-35. والمعلوف، عيسى اسكندر: تاريخ الأمير فخر الدين المعني الثاني. ط2، منشورات المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1966، ص56.

ويبدو أن السبب الذي دعا المعنيون للتخلي عن الحزب اليمني والتحالف مع الحزب القيسي، يعود لخلاف حصل بين فخر الدين الأول والأمير جمال الدين الأرسلاني، وكلاهما من اليمنية بسبب التنازع على حكم الشوف والغرب وغير ذلك من الأمور، فانحاز فخر الدين الأول إلى القيسية ومعه كامل أسرته ومن خلفه منها في الحكم بعده.

المعلوف: المرجع السابق والصفحة نفسها.

(23) الحتّوني: المرجع السابق، ص63. و:Holt, op.cit, p.115.

.(24) الموسوعة الفلسطينية، ج1، ص100.

ولمزيد من التفاصيل عن أسرة طراباي الحارثية. أنظر:

كرمل ، ألكس: تاريخ حيفا في عهد الأتراك العثمانيين. ترجمة: تيسير الياس، دار المشرق، حيفا1979، ص47-48. ومناع، عادل: تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700-1918 (قراءة جديدة). ط1، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1999، ص11-12. والصباغ، ليلى: فلسطين في مذكرات الفارس دارفيو. ط1، مؤسسة المصادر للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، بيروت 1416هـ (1996م)، ص172-173. والبوريني، الحسن بن محمد: تراجم الأعيان من أبناء الزمان. تحقيق: د.صلاح الدين المنجد، جزءان، ج2، دمشق 1959، 1966، ص273. والمحبي، محمد الأمين: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر. 4 أجزاء، ج1، القاهرة 1284هـ (1869م)، ص221. وابن طولون، محمد: مفاكهة الخلاّن في حوادث الزمان. نشر: محمد مصطفى، جزءان، ج1، ص22 وج2، ص43، 72، 79، 145، القاهرة62-1964.

(25) المحبي: المرجع السابق، ج1، ص187 وج2، ص417 وج3، ص271. والخالدي الصفدي: المرجع السابق، ص102. والبوريني: ج1، ص202 وج2، ص289. ومناع: المرجع السابق، ص13.

ولمزيد من التفاصيل عن فرّوخ بن عبد الله الشركسي. أنظر:

المحبي: ج3، ص271. والخالدي الصفدي: ص7. والمقاري، محمد بن جمعة: الباشات والقضاة في العهد العثماني. جمعها وحققها ونشرها: د. صلاح الدين المنجد ، في كتاب: ولاة دمشق في العهد العثماني ، دمشق1949، ص18. والدباغ، مصطفى مراد: بلادنا فلسطين. القسم الثاني، ج2، في الديار النابلسية (1)، دار الهدى، كفر قرع 1991، ص145.

(26) الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص460. والمبيض، سليم عرفات: وقفية موسى باشا آل رضوان سنة1081 هـ، مكتبة ابن سينا للنشر والتوزيع والتصدير، القاهرة2000، ص19.

(27) الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص460-461. ومناع: المرجع السابق، ص9-10.

ولمزيد من التفاصيل عن أسرة آل رضوان. أنظر:

البوريني: ج1، ص 112، 191. ورافق، عبد الكريم: بلاد الشام ومصر من الفتح العثماني إلى حملة نابليون بونابرت (1516-1798). ط1، دمشق 1967، ص164.

(28) حتي: تاريخ سورية، ج2، ص327.

(29) تشرشل: المرجع السابق، ص61.

(30) رافق، عبد الكريم: العرب والعثمانيون 1516-1916. ط1، دمشق 1974، ص148. وعوض، عبد العزيز محمد: الإدارة العثمانية في ولاية سورية1864-1914. تقديم: د.أحمد عزت عبد الكريم، دار المعارف، القاهرة1969، ص13.

(31) دي سان بيير، بيجيه: الدولة الدرزية. ترجمة: حافظ أبو مصلح، ط1، المكتبة الحديثة للطباعة والنشر، بيروت 1983، ص39.

استخدم فخر الدين الثاني عدة وسائل لتحقيق طموحاته منها: التزاوج والدس والرشوة وإقامة التحالفات والتورط في القتال وتحريض الأهالي بالتمرد على موظفي الدولة العثمانية وآل سيفا.

حتي: المرجع السابق والصفحة نفسها. وتشرشل: المرجع السابق والصفحة نفسها.

(32) المحبي: ج4، ص426-428. والغزّي، نجم الدين محمد بن بدر الدين: لطف السحر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر، أو ذيل الكواكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة، مخطوط موجود في مكتبة الأسد بدمشق، رقم 3406، ورقة 212أ -212ب. والأنصاري، شرف الدين بن موسى: نزهة الخاطر وبهجة الناظر. مخطوط في مكتبة الأسد بدمشق، رقم 7814، ورقة 117ب-119ب. والنمر، إحسان: تاريخ جبل نابلس والبلقاء. ج1، ط2، نابلس1395هـ (1975م)، ص32-33.

(33) حتي: المرجع السابق، ص327. والدبس، يوسف: تاريخ سورية. راجعه ودققه: د.مارون رعد، 10 أجزاء ، ج7، دار نظير عبود، بيروت، بدون تاريخ، ص152.

(34) تقطن هذه الأسرة الكردية الأصل الآن في لبنان بعدما تم القضاء على ثورة علي باشا جنبلاط ومقتله. وقد تحولت إلى العقيدة الدرزية بعدما كان أفرادها مسلمون سُنَّة.

لمزيد من التفاصيل عن تمرد آل جنبلاط في شمال سورية. أنظر:

رافق: العرب، ص156-162.

(35) الغزّي: المرجع السابق، ورقة 211أ-211ب. وحتي: المرجع السابق والصفحة نفسها. وHolt,op.Cit, p.116.

(36) سويد: المرجع السابق، ص77. ورافق: المرجع السابق، ص151.

(37) رافق: المرجع السابق والصفحة نفسها.

(38) المحبي: ج1، ص187-189. والبوريني: ج1، ص191-192.

(39) المحبي: ج1، ص221. والبوريني: ج2، ص273-289.

(40) المحبي: ج2، ص127. والبوريني: ج1، ص202 وج2، ص289.

(41) رافق: المرجع السابق، ص154.

(42) الأسطل، رياض محمود: تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر. ط2، غزة 2000، ص39.

(43) نفس المرجع، ص44.

(44) رافق: المرجع السابق، ص153.

(45) نفسه.

(46) Holt, op.cit, p.116.

(47) السكَّبان أو السجَّمان: لفظة من أصل فارسي بمعنى (سكّ) الكلب و(بان) الحافظ والصاحب، والسكَّبان هو المتولّي أمر كلاب الصيد. فالسكبانية في الدولة العثمانية بعد عام 1350م كانوا مستقلين عن الإنكشارية، ويرافقون السلطان في الحرب والصيد.

دهمان: معجم الألفاظ التاريخية، ص89.

(48) في النصف الأول من القرن الخامس عشر تمكنت أسرة من التجار وأصحاب البنوك تُدعى أسرة مديتشي Midici من الاستيلاء على الحكم عندما تمكن أحد رؤسائها ويُسمى كوزيمو دي مديتشي في عام 1434م أن يقوم بثورة ضد الحاكم ويؤسس جمهورية توالى على حكمها رؤساء من تلك الأسرة.

طهبوب، فائق وحمدان، محمد سعيد: تاريخ العالم الحديث والمعاصر. ط2، منشورات جامعة القدس المفتوحة، عمان 1998، ص100. والنمر: المرجع السابق، ج1، ص33.

(49) Ismail, op.cit, pp.77-78.

(50) Holt, op.cit, p.116.

(51) الأسطل: المرجع السابق، ص48. والشهابي، حيدر: المرجع السابق، ص812. وبروكلمان، كارل: تاريخ الشعوب الإسلامية. ترجمة: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، ط13، دار العلم للملايين، بيروت 1998، ص513.

(52) الأسطل: نفس الصفحة.

(53) رافق: العرب، ص163.

(54) الشهابي، حيدر: المرجع السابق، ص816-817. والموسوعة الفلسطينية، ج1، ص100. والدباغ: بلادنا فلسطين، القسم الثاني، ج3، في الديار النابلسية (2)، ص38-39.

(55) الخالدي الصفدي: المرجع السابق، ص6. والشهابي، حيدر: ص817. والموسوعة الفلسطينية، ج1، ص100.

(56) رافق: المرجع السابق، ص163. والمقاري، محمد بن جمعة: المرجع السابق، ص29.

(57) Ibid.

(58) الخالدي: ص7-8. والشهابي: نفس الصفحة. والدبس: المرجع السابق، ج7، ص153.

تضارب الخالدي الصفدي وحيدر الشهابي في ذكرهما ابن قانصوه الذي تم عزله عن عجلون والكرك، فتارة يذكرون أنه حمدان بن قانصوه وتارة أخرى يذكرون أنه أحمد بن قانصوه، والأرجح أن يكون حمدان؛ لأن المصدرين نفسيهما قد استقرا فيما بعد على حمدان.

(59) الخالدي: ص8-9. والشهابي: ص817-818. و Holt, op.Cit, p.117.

(60) لمزيد من التفاصيل. أنظر:

الخالدي: ص9-10. والشهابي: ص818-820.

(61) لمزيد من التفاصيل.انظر:

الخالدي: ص15-16. والشهابي: ص820-823. والمحبي: ج1، ص380-382 وج3، ص266-267. والدبس: المرجع السابق ، ج7، ص154. والبوريني: ج1، ص201-210. والحتّوني: المرجع السابق، ص67-68. والمعلوف: المرجع السابق، ص90-110. و Holt, op.Cit, p.117.

(62) الخالدي: ص33. والشهابي: ص829. والبخيت، محمد عدنان: "من تاريخ حيفا العثمانية: دراسة في أحوال الساحل الشامي". مجلة شؤون فلسطينية (94)، أيلول (سبتمبر) 1979، ص100.

(63) لمزيد من التفاصيل حول جهود الأمير علي لاسترداد أملاك أبيه فخر الدين. أنظر:

الخالدي: ص19-65. والشهابي: ص823-851.

(64) رافق: العرب، ص164. و Ibid.

يذكر إحسان النمر أن الصدر الأعظم محمد باشا الخازندار الذي خلف نصوح باشا، كان مرتشياً من حكومة توسكانيا، فكان له دور في إصدار عفو عن فخر الدين وغيره من الثائرين على الدولة العثمانية.

جبل نابلس، ج1، ص39.

ويبدو أن فخر الدين قد قام في عام 1615م بزيارة قصيرة للبنان ثم عاد بعدها إلى أوروبا. وفترة الخمس سنوات التي قضاها المذكور في أوروبا زار خلالها ليغهورن وفلورنسا حيث أعدّ له البلاط الفلورنسي استقبالاً حافلاً، ونابولي وبالرمو ومسينا ومالطة وغيرها من المدن. وقد أثار ظهور فخر الدين أمير الدروز فضول أوروبا التي كانت لا تزال تجهل أية معلومات عنهم. كما شاعت في الغرب أسطورة تزعم أن اسم الدروز نفسه مشتقاً من اسم كونت صليبي يُدعى دي ديريه Dreux، أي أن الدروز هم أعقاب الصليبيين الذين تاهوا في جبال لبنان. ويبدو أن فخر الدين كان يؤكد هذه الأسطورة التي جعلته محط الأنظار والاهتمام الشديد في الغرب.

وبالإضافة إلى ما سبق؛ فإن فخر الدين رغم أنه أُصيب بخيبة أمل في فشل مساعيه للعودة من أوروبا مصحوباً بحملة من الدول الأوروبية والبابا لمساعدته في حرب العثمانيين، غير أنه استفاد من الغرب كثيراً حيث تشرّب فيها من الأفكار ما قوّى اعتقاده بصحة المبادئ التي عمل في السابق بوحيها، بدلاً من أن يِضعفه بشأنها ويحوله عنها. حتي: تاريخ سورية، ج2، ص329. وبازيلي: تاريخ سورية، ص31.

(65) الخالدي: ص69. والشهابي: ص855. والحتّوني: ص71.

(66) الخالدي: نفس الصفحة. والشهابي: ص856.

(67) رافق: العرب، ص164.

(68) الخالدي: ص69-70.

(69) Holt, p.117.

(70) الخالدي: ص84-87. والشهابي: ص863-864.

(71) الخالدي: ص87.

(72) نفس المرجع ، ص95-96 ، 104-105.

(73) نفس المرجع ، ص112.

(74) نفس المرجع ، ص113-116. والشهابي: ص877-878.

(75) الخالدي: ص117-120. و Ibid.

(76) نفس المرجع، ص124-125، 130-133. والدباغ: القسم الثاني، ج2، في الديار النابلسية (1)، ص146.

(77) لمزيد من التفاصيل. أنظر:

الخالدي: ص129-139. والشهابي: ص885-890. والدباغ: ق2، ج3، ص40.

(78) الخالدي: ص139-141. والشهابي: ص890-892.

(79) الخالدي: ص142.

(80) Holt, op.cit, pp.117-118.

(81) Ibid. والنمر: المرجع السابق، ج1، ص39- 40.

(82) رافق: العرب، ص165. وتشرشل: المرجع السابق، ص77.

(83) الخالدي: ص177،183-184. والشهابي: ص910-911.

(84) لمزيد من التفاصيل عن حروب أحمد بن طراباي مع فخر الدين. أنظر:

الخالدي: ص184-194. والمحبي: ج1، ص221-222 وج3، ص267 وج 4، ص295. والشهابي: ص912 - 915. والدباغ: المرجع السابق، ق 2، ج2، في الديار النابلسية (1)، ص147.

(85) الخالدي: ص196-198. والشهابي: ص916-917.

(86) لمزيد من التفاصيل. أنظر:

الخالدي: ص201-204. والشهابي: ص918-920.

(87) الخالدي: ص205-206.

(88) بلاد عربستان: هي المنطقة التي تقع من حدود حلب شمال سورية إلى حدود القدس، أي المناطق القبلية الواقعة خارج نطاق المقاطعات والمدن التي يديرها الولاة العثمانيين.

Holt, p.118.

(89) الخالدي: ص242. والحتّوني: ص76. و Ibid.

(90) الخالدي: ص245-247.

(91) بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية، ص514. والنمر: المرجع السابق، ج1، ص40.

(92) لمزيد من التفاصيل. أنظر:

المحبي: ج1، ص385-388 وج 3، ص267-268. والمقاري ، محمد بن جمعة: المرجع السابق ، ص32. والمعلوف: المرجع السابق، ص188-243، 247، 302. ومجهول المؤلف: نزهة الزمان، ورقة 23ب. وتشرشل: جبل لبنان، ص89-90. وحتي: المرجع السابق، ص332-333. و Holt, pp.118-119.

(93) حتي، فيليب: مختصر تاريخ لبنان. ترجمة: فؤاد جرجس نصار، ط1، دار الثقافة، بيروت1968، ص188.

(94) نفسه. وأنيس، محمد: الدولة العثمانية والشرق العربي (1514-1914). القاهرة 1977، ص156. والبخيت: من تاريخ حيفا، ص100. و Lammens, op.Cit, p.60.

(95) رافق: العرب، ص168.

(96) الموسوعة الفلسطينية، ج1، ص101 (بتصرف).

(97) النمر: تاريخ جبل نابلس، ج1، ص40-41.

(98) الأسطل: المرجع السابق، ص48-50.

(99) الشهابي: ص822. وغنايم، زهير: لواء عكا في عهد التنظيمات العثمانية 1281-1337هـ/1864-1918م. ط 1، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1999، ص20.

(100) الصباغ، ليلى: الجاليات الأوروبية في بلاد الشام في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ج1، بيروت 1409هـ (1989م)، ص291.

(101) الكردي، فايز: عكا بين الماضي والحاضر. دار البشير، عكا 1972، ص66.

(102) الخالدي: ص87. والعابدي: المرجع السابق، ص66.

(103) الموسوعة الفلسطينية، ج4، ص611-612.

(104) منصور أسعد: تاريخ الناصرة. القاهرة 1924 ، ص45-46. والمعلوف، عيسى اسكندر: دواني القطوف في تاريخ آل المعلوف، زحلة1908، ص129.


--------------------------------------------------------------------------------

مصادر ومراجع الدراسة

أولاً- المخطوطات:-

(1) الأنصاري، شرف الدين بن موسى: نزهة الخاطر وبهجة الناظر. موجود في مكتبة الأسد بدمشق، رقم 7814.

(2) الغزّي، نجم الدين محمد بن بدر الدين: لطف السحر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر، أو ذيل الكواكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة، موجود في مكتبة الأسد بدمشق، رقم 3406.

(3) مجهول المؤلف: نزهة الزمان في حوادث جبل لبنان. موجود في المكتبة الوطنية بباريس. رقم Arabe1684 .

ثانياً- المصادر الأوليّة:-

(1) البوريني، الحسن بن محمد: تراجم الأعيان من أبناء الزمان. تحقيق: د.صلاح الدين المنجد، جزءان، دمشق 1959، 1966.

(2) الحتّوني، منصور طنوس: نبذة تاريخية في المقاطعة الكسروانية. بدون بيانات نشر، بدون تاريخ.

(3) الخالدي الصفدي، أحمد بن محمد: لبنان في عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني. نشره: د.أسد رستم وفؤاد افرام البستاني، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت 1969.

(4) الدبس، يوسف (المطران): تاريخ سورية. راجعه وحققه: د.مارون رعد ، عشرة أجزاء، ج7، دار نظير عبود، بيروت، بدون تاريخ.

(5) الشهابي، حيدر أحمد (الأمير): تاريخ الأمير حيدر الشهابي. علق على حواشيه: د.مارون رعد، 4 أجزاء، ج 3، دار نظير عبود، بيروت 1993.

(6) ابن طولون، محمد: مفاكهة الخلاّن في حوادث الزمان. نشره: محمد مصطفى، جزءان، القاهرة 62-1964.

(7) العورة، إبراهيم (المعلم): تاريخ ولاية سليمان باشا العادل. نشره وعلق عليه: قسطنطين الباشا المخلصي، صيدا 1936.

(8) المحبي، محمد الأمين: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر. 4 أجزاء، القاهرة 1284هـ (1869م).

(9) المقاري، محمد بن جمعة: الباشات والقضاة. جمعها وحققها ونشرها: د.صلاح الدين المنجد، في كتاب: ولاة دمشق في العهد العثماني، دمشق 1949.

ثالثاً-المراجع العربية الثانوية والمترجمة:-

(1) الأسطل، رياض محمود (الدكتور): تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر. ط2، غزة 2000.

(2) أنيس، محمد (الدكتور): الدولة العثمانية والشرق العربي (1514-1914). القاهرة 1977.

(3) بازيلي، قسطنطين: سورية وفلسطين تحت الحكم العثماني. ترجمة: طارق معصراني، دار التقدم، موسكو 1989.

(4) بروكلمان، كارل: تاريخ الشعوب الإسلامية. ترجمة: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، ط13، دار العلم للملايين، بيروت 1998.

(5) بولياك: الإقطاعية في مصر وسورية وفلسطين ولبنان. ترجمة: عاطف كرم، بيروت 1948.

(6) تشرشل، تشارلز: جبل لبنان (عشر سنوات إقامة) 1842-1852، دراسة لديانة وعادات وتقاليد أهل الجبل. ترجمة: فندي الشعار، دار المروج للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1985.

(7) حتي، فيليب (الدكتور): تاريخ سورية ولبنان وفلسطين. ترجمة: د.كمال اليازجي، أشرف على مراجعته وتحريره: د.جبرائيل جبور، جزءان، ج 2، دار الثقافة، بيروت 1959.

(8) ـــــــ: مختصر تاريخ لبنان. ترجمة: فؤاد جرجس نصار، ط1، دار الثقافة، بيروت 1968.

(9) الدباغ، مصطفى مراد: بلادنا فلسطين. القسم الثاني، ج2، 3، في الديار النابلسية (1)، (2)، دار الهدى، كفر قرع 1991.

(10) دي سان بيير، بيجيه: الدولة الدرزية. ترجمة: حافظ أبو مصلح، ط1، المكتبة الحديثة للطباعة والنشر، بيروت 1983.

(11) رافق، عبد الكريم (الدكتور): العرب والعثمانيون1516-1916. ط1، دمشق 1974.

(12) ـــــــــ: بلاد الشام ومصر من الفتح العثماني إلى حملة نابليون0 بونابرت (1516-1798). ط1، دمشق 1967.

(13) سويد، ياسين (الدكتور): التاريخ العسكري للمقاطعات اللبنانية في عهد الإمارتين. جزءان، ج1، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت 1985.

(14) الصباغ، ليلى (الدكتورة): الجاليات الأوروبية في بلاد السام في القرنين السادس عشر والسابع عشر. جزءان، ج1، بيروت 1409هـ (1989م).

(15) ـــــــــ : فلسطين في مذكرات الفارس دارفيو. ط1، مؤسسة المصادر للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، بيروت 1416هـ (1996).

(16) الصليبي، كمال (الدكتور): تاريخ لبنان الحديث. ط2، دار النهار للنشر، بيروت 1969.

(17) طهبوب، فائق وحمدان، محمد سعيد (الدكتور): تاريخ العالم الحديث والمعاصر. ط2، منشورات جامعة القدس المفتوحة، عمان 1998.

(18) العابدي، محمود: صفد في التاريخ. عمان 1977.

(19) علي، محمد كرد: خطط الشام. ج3، دمشق 1343هـ (1925م).

(20) عوض، عبد العزيز محمد (الدكتور): الإدارة العثمانية في ولاية سورية1864-1914. تقديم: د.أحمد عزت عبد الكريم، دار المعارف، القاهرة 1969.

(21) غنايم، زهير: لواء عكا في عهد التنظيمات العثمانية1281-1337هـ/1864-1918م. ط1، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1999.

(22) الكردي، فايز: عكا بين الماضي والحاضر. دار البشير، عكا 1972.

(23) كرمل، ألكس (الدكتور): تاريخ حيفا في عهد الأتراك العثمانيين. ترجمة: تيسير الياس، مراجعة: د.بطرس أبو منه، دار المشرق، حيفا 1979.

(24) لوتسكي، فلاديمير: تاريخ الأقطار العربية الحديث. ترجمة: د.عفيفة البستاني، مراجعة: يوري روشين، ط8، دار الفارابي، بيروت 1985.

(25) المبيض، سليم عرفات: وقفية موسى باشا آل رضوان سنة 1081هـ (الأسرة التي حكمت غزة ومعظم فلسطين قرن ونصف 1530-1681م). مكتبة ابن سينا للنشر والتوزيع والتصدير، القاهرة 2000.

(26) المعلوف، عيسى اسكندر: تاريخ الأمير فخر الدين المعني الثاني. ط2، منشورات المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1966.

(27) ـــــــــ : دواني القطوف في تاريخ آل المعلوف. زحلة 1908.

(28) مناع، عادل (الدكتور): تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700-1918(قراءة جديدة). ط1، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1999.

(29) منصور، أسعد (القس): تاريخ الناصرة. القاهرة 1924.

(30) النمر، إحسان: تاريخ جبل نابلس والبلقاء. ج1، ط2، نابلس 1395هـ (1975م).

رابعاً-الدوريات والمعاجم والموسوعات:-

(1) البخيت، محمد عدنان: "من تاريخ حيفا العثمانية: دراسة في أحوال الساحل الشامي". مجلة شؤون فلسطينية (94)، أيلول (سبتمبر) 1979.

(2) دهمان، محمد أحمد: معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي. ط1، دار الفكر، دمشق 1410هـ (1990).

(3) رافق، عبد الكريم (الدكتور): فلسطين في عهد العثمانيين(1). الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني-الدراسات الخاصة، المجلد الثاني، الدراسات التاريخية، ط1، بيروت 1990.

(4)عبد الكريم، أحمد عزت (الدكتور): "التقسيم الإداري لسورية في العهد العثماني". حوليات كلية الآداب، جامعة عين شمس، المجلد الأول، مايو 1951.

(5) المعلوف، عيسى اسكندر: "الأمراء الحرفشيون". مجلة العرفان، مجلد 9، (من ربيع الأول إلى ذي الحجة 1342هـ).

(6) هيئة الموسوعة الفلسطينية: الموسوعة الفلسطينية. القسم العام، 4 أجزاء، ط1، دمشق 1984.

خامساً- المراجع الأجنبية:-

1. Charles-Roux (F.), Les Echelles des Syrie et de Palestine au XV III siècle, Paris 1928.

2. Holt (P.M.), Egypt and the Fertile Crescent 1516-1922,Cornell University press, New York 1966.

3. Ismail (Adel),Histoire du Liban du XV II siècle a nos jours, vol.1,Le Liban au temps de Fakhr-eddin II (1590-1633),Paris 1955.

4. Lammens (S.J.), La Syrie précis Historique, vol.II, Beyrouth 1921.



رد مع اقتباس
  #44  
قديم 28-09-2006, 05:32 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

جان بردي الغزالي المملوكي والدولة العثمانية
رؤية تاريخية جديدة


د. أسامة محمد أبو نحل

الأستاذ المساعد في التاريخ الحديث

ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية

جامعة الأزهر – غزة



1423هـ/2002م




--------------------------------------------------------------------------------



ملخص

تتناول هذه الدراسة شخصية مملوكية مهمة نسجت حولها العديد من الروايات التاريخية التي تلصق بها تهمة الخيانة والتواطؤ لحساب الدولة العثمانية وقد أسميت هذه الدراسة: "جان بردي الغزالي المملوكي والدولة العثمانية: رؤية تاريخية جديدة".

وأهمية هذه الدراسة تنبع من قصور بعض الباحثين في إظهار الحقيقة، وتسليمهم المطلق بما أورده المؤرخون القدامى دون تتبع لأهواءهم الشخصية، وإلقاء تلك التهمة الصعبة على شخص الأمير جان بردي الغزالي يدخل ضمن نطاق هذا القصور، فالباحثون نقلوا عن هؤلاء المؤرخين دون التحقق من أصل الروايات التي يتناقلونها، حتى غدت حقيقة واقعة مسلم بها ودون إدراك أن أصلها واحد.

وقد حاولت بهذا العمل أن أكون موضوعياً لكشف اللثام عن شخصية جان بردي الغزالي، متقصّياً الدوافع التي دعت المؤرخين لإلصاق تهمة الخيانة والتواطؤ به، لذلك فهذه الدراسة تعتبر رؤية تاريخية جديدة لقضية اعتاد الباحثون على جعلها أمراً مسلماً به غير قابلة للتغيير والدراسة.

المقدمة
دأبت المصادر والمراجع التاريخية على إلصاق تهمة "الخيانة" بالأمير المملوكي جان بردي الغزالي وغيره من أفراد المماليك، وأول من رمى الغزالي بتلك التهمة محمد ابن إياس وأحمد بن زنبل في محاولة منهما لإلقاء تبعة هزيمة المماليك في موقعة مرج دابق عام 922هـ/1516م، إلى عنصر الخيانة الذي كان موجوداً بالفعل داخل البيت المملوكي، وصبّا جام غضبهما على الغزالي وخاير بك على أساس أنهما كانا أكثر المتواطئين لحساب العثمانيين، علماً بأن العوامل والأسباب التي أدت إلى هذه الهزيمة عديدة ولا تقتصر على الخيانة.

وما فتأ بقيمة المؤرخين اللاحقين لابن إياس وابن زنبل حتى أخذوا في نقل تلك الروايات بعضهم عن بعض أو من الغير دون التحقق من صحة أصل الروايات التي يتناقلونها، حتى غدت حقيقة واقعة مسلماً بها دون إدراك أن أصلها واحد.

وأهمية هذه الدراسة تنبع من قصور بعض الباحثين في إظهار الحقيقة، وتسليمهم بما أورده المؤرخون القدامى دون تتبع لأهواءهم الشخصية، وإلقاء تهمة الخيانة والتواطؤ على شخص الأمير جان بردي الغزالي يدخل ضمن نطاق هذا القصور الذي ذهبنا إليه، فالباحثون تجاهلوا في كتابات ابن إياس وابن زنبل تعاطفهما مع السلطات المملوكية التي حكمت في مصر والشام.

وهذه الدراسة مجرد محاولة متواضعة لكشف اللثام عن شخصية الغزالي لإعطائه ما له وما عليه، كما أنها رؤية جديدة لأحداث تلك الفترة المهمة في تاريخ العالم الإسلامي الحديث.

وفيما يخص منهج البحث في هذه الدراسة، فقد جمع أساساً بين المنهجين الوصفي والتحليلي، مع عدم إهمال سرد الأحداث الذي يساعد عملية التحليل التاريخي.

أما مراجع البحث، فهي عديدة وكان جلّ الاعتماد على مؤلف ابن إياس المسمى بدائع الزهور في وقائع الدهور ومخطوط ابن زنبل المسمى تاريخ مصر، إضافة إلى عدد من المراجع الثانوية أهمها كتاب الفتح العثماني للشام ومصر لأحمد فؤاد متولي، حيث أفادت تلك المراجع البحث في كثير من جزئيا ته.

الأوضاع السياسية في عصر جان بردي الغزالي (توطئة لتحليل حالة):

قبل أن نُحمّل جان بردي الغزالي أو نحمِل عليه فيما يتعلق بهزيمة المماليك في موقعة مرج دابق، ينبغي أن نتعرّف على الظروف السياسية والعسكرية المحيطة والتي شكّلت عناصر النصر والهزيمة، عناصر النصر العثماني وعناصر الهزيمة المملوكية، لأن ذلك يساهم إلى حدٍ كبير في كشف الحقيقة التاريخية ويُلقي الضوء على ما يرمي إليه هذا البحث من تجلية موقف الغزالي، وبيان حقيقة دوره التاريخي.

وكانت السلطنة المملوكية قد أصابها في أواخر أيامها ما أصاب غيرها من الدول السابقة لها، فتخلى الأمراء والمماليك عن روح الشجاعة والوفاء والطاعة التي تحلى بها أسلافهم، وغدت روح التمرد والعصيان تغلب عليهم، كما أخذ الكثير من كبار الأمراء بالتطلع للفوز بمنصب السلطنة، فاتصل بعضهم بخصوم السلطان وأعدائه أحياناً، مما سبب لدولتهم تصدعاً شديداً(1).

وثمة عوامل عدة أدت إلى تصدّع الدولة المملوكية وتقويضها، ليس بالإمكان إيرادها هنا، لكن سنكتفي بإبراز أهمها، ومنها فرار فلاحي قرى مصرية بكاملها من الأرياف إلى المدن الرئيسة مخلّفين وراءهم المحاصيل التي لم يجمعوها، وإقفال الخياطين في القاهرة ورشهم، ونفس الشيء قام به صانعو الأسلحة، كما تعالت في الشوارع التهديدات والشتائم الموجهة ضد شخص السلطان المملوكي(2)، بينما كان الوضع في الشام أشد سوءاً لبعد الإدارة المركزية عنها، حيث كره الأهلون المماليك وعمد الفلاحون للقيام بأعمال معادية للسلطنة المملوكية بصورة مباشرة، وخرجت قرى عدة ومناطق بأسرها عن الطاعة، ما دعا أمراء المماليك فيها إلى الكتابة للسلطان قانصوه الغوري وإبلاغه بخطورة الموقف في الشام قائلين: "أيها السلطان، أرض حلب أفلتت من أيدينا وانتقلت إلى أيدي ابن عثمان (السلطان سليم الأول) فاسمه يذكر هناك في خطبة الجمعة وينُقش على النقود"(3).

لم تنتشر المشاعر المعادية للحكومة المملوكية بين أوساط السكان فحسب، بل انتقلت إلى صفوف الجيش، فانخفضت درجة الانضباط به بصورة لم يسبق لها مثيل، وارتفعت أصوات الجند تطالب السلطان بالمال والمكافآت، وبدأوا بالتمرد وعاثوا في الشوارع العامة فساداً، وصرخوا في وجه السلطان قبل معركة مرج دابق بأشهر قليلة:"ليش ما تمشي (لماذا لا تسير) على طريقة الملوك السالفة تقلّ(تقلل) من هذا الظلم؟"(4).

وازداد التفسخ واستشرت المشاكل الداخلية وتفاقمت في أوساط المماليك، ويؤكد البعض ذلك التفسخ بأن البطل عند المماليك أصبح من يستطيع تدبير مؤامرة ناجحة لا الذي يكسب معركة حامية، ومما عمق هذا النهج في نفوسهم، عدم اشتباكهم في حرب خارجية لعدة سنوات طويلة، باستثناء تلك الحرب القصيرة التي وقعت بين المماليك والعثمانيين في أواخر القرن الخامس عشر(5) . وبذلك تحولت هذه الكتل المملوكية المترابطة إلى التنافس المميت فيما بينها، ولجأ السلطان لدعم سلطته إلى الاعتماد أكثر فأكثر على مشترواته أو ما يطلق عليها الجلبان(6)، وإلى ضرب الكتل الأخرى ببعضها لإضعافها، وزاد في العداء بين طوائف المماليك تكتّل كل طائفة على نفسها بفعل رابطة الخشداشية، أو ما يُعرف بولاء المملوك لزميله المباشر، الذي شُري ودرس وأعُتق معه(7)

والأهم من كل ذلك، أن السلطنة المملوكية باتت تواجه دولاً متطورة من طراز جديد تقوم إما على أساس الفكر المذهبي مثل الدولة الصفوية الشيعية في بلاد فارس، أو على أساس الجهاد الديني مثل الدولة العثمانية في الأناضول والبلقان، أو على أساس اقتصادي مثل البرتغاليين(8). ذلك في الوقت الذي أخذت فيه السلطنة المملوكية بالانحطاط -كما أسلفنا الذكر. كما أن العثمانيين نجحوا في تقويض طاقة تلك السلطنة العسكرية، بعد ما وضعوا العراقيل على طريق شراء المماليك الفتيان من أسواق البحر الأسود لنقلهم إلى مصر(9).

في الوقت الذي كان فيه المماليك يطوون آخر صفحات دولتهم، كانت الفتوحات العثمانية تتوسع في أوروبا من إقليم إلى آخر، من البلقان إلى أوروبا الوسطى إلى شمال نهر الدانوب، غير أن أبصار العثمانيين اتجهت فيما بعد نحو البلاد الإسلامية المتاخمة لحدودهم في آسيا الصغرى، وراحوا يمنّون أنفسهم بالسيادة على العالم الإسلامي، بعدما انتشرت بينهم أواخر القرن الخامس عشر حماسة دينية، توجهت أولاً لقتال الصفويين الشيعة في فارس، واشتد العداء في ذلك الوقت بين الشاه إسماعيل الصفوي(10) و الدولة العثمانية، بعد وفاة السلطان العثماني محمد الثاني، حيث انتهز الشاه النزاع الذي نشب حول السلطة بين أبناء البيت العثماني، وحرّض الشيعة بآسيا الصغرى على الثورة والتمرد على العثمانيين السنيين، كما أغرى أمراء الأطراف المجاورين لدولته بالخروج على السلطنة العثمانية(11).

وعندما اعتلى السلطان سليم الأول عرش الدولة العثمانية عام 1512م، تدهورت علاقته بالشاه إسماعيل الذي احتضن أبناء البيت العثماني المناوئين لسليم، فبدأ الأخير عهده بإخماد ثورة الشيعة في آسيا الصغرى واضطهادهم فهجم الشاه على آسيا الصغرى دفاعاً عن الشيعة، وأصبح العداء سافراً بين الطرفين، مما أدى إلى مهاجمة سليم لممتلكات الشاه سنة 920هـ/1514 م، والاستيلاء على ديار بكر وكُردستان، والتوغل شرقاً في فارس، وملاقاة الجيش الصفوي أخيراً عند تشالديران بالقرب من تبريز، ودارت رحى معركة انتهت بهزيمة الشاه إسماعيل في 23 آب (أغسطس)1514م، ودخول سليم تبريز وإقامة صلاة الجمعة والخطبة له فيها(12).

ويبدو أن السلطان سليم كان قبل حربه مع الصفويين قد طلب المساعدة في قتالهم من السلطان قانصوه الغوري، ومع أنه كان بإمكان السلطنة المملوكية تقديم يد العون للعثمانيين، وكان بإمكان السلطان الغوري بصفته زعيماً للمسلمين السنّة، شنّ حملة ضد الحكام الصفويين، غير أنه فضّل اتخاذ موقف المراقب من بعيد للأمور، وترك العثمانيين السنيّين وحيدين في مواجهة الصفويين(13).

يتضح مما سبق الإشارة إليه، أن المماليك أرادوا بموقفهم الحيادي هذا استفزاز العثمانيين لإثارة الصدام بينهم وبين الصفويين، لكي يتحطم أحد العدوين بيد الآخر، ويسهل لهم فيما بعد التدخل والقيام بدور المنقذين للسُنّة، وربما وراثة ممتلكات الدولة العثمانية نفسها.

مهما يكن من أمر، فقد أدى التوسع العثماني في أجزاء من بلاد فارس إلى امتداد أملاك الدولة العثمانية إلى منطقة الأطراف التابعة للسلطنة المملوكية وهي المنطقة الممتدة من جبال طوروس في الشمال الغربي من الشام إلى مدينة ملطّية بآسيا الصغرى والخاضعة لحكم الأمير علاء الدولة دلغاضر المشمول بحماية المماليك والذي وقف من الجيش العثماني المتوجه لحرب الصفويين موقف الحياد المسلح، فاتهمه سليم بالعداء واستولى على بلاده سنة 1515م(14). وبذلك أضحى العثمانيون على مقربة من الأراضي المملوكية في الشام.

أحسّ السلطان الغوري بالخطر المحدق بدولته بعد الاعتداءات العثمانية واستخفاف العثمانيين بحماية المماليك على إمارة دلغاضر (ألبستان) وضمها إلى أملاكهم دون مجاملة، كما بدأ سليم يسيء الظن بالمماليك بعدما رفضوا مساندته في حربه ضد الصفويين(15).

وفي أوائل عام 1516م /922هـ، وصلت الأخبار إلى القاهرة باستعدادات العثمانيين في أستا نبول للحرب، وأدرك الغوري أن دولته هي المقصودة بهذه الاستعدادات، فأعدّ جيشه وخرج به إلى حلب بالشام في 15 بيع الآخر 922هـ / تموز (يوليه) 1516م، وأردف هذا العمل بإرسال رسولٍ إلى سليم يؤكد رغبته بالصلح وعدم الحرب، لكن سليماً رفض الحديث في أمر الصلح وقال للرسول: "قل لأُستاذك يلاقيني على مرج دابق"(16) داخل الأراضي الشامية الخاضعة لسلطنة المماليك.

ويبدو أن سليماً قد عقد العزم على تسوية حساب قديم مع المماليك الذين هزموا من قبل جيوش العثمانيين داخل الأراضي العثمانية أواخر القرن الخامس عشر- كما أسلفنا القول.

جان بردي الغزالي ومصلحته الشخصية:

شاءت الظروف أن ترتبط الصفحة الأخيرة في تاريخ السلطنة المملوكية بعددٍ من الأمراء مثل خاير بك(17) وجان بردي الغزالي اللذين اتهمتهما المصادر والمراجع بالخيانة والتواطؤ لحساب العثمانيين عند دخولهم بلاد الشام ومصر بين عامي 16-1517م / 22 – 923هـ.

وتشمل هذه الدراسة تتبعاً لحياة جان بردي الغزالي في محاولة جادة لإلقاء الضوء عليها من خلال المصادر والمراجع التاريخية التي تناولت شخصيته سواء من قريب أو من بعيد، لكشف اللثام عن حقيقة هذا الاتهام الخطير وجذوره.

لم يُعرف للأمير جان بردي الغزالي تاريخٌ لميلاده، وهو أصلاً من مماليك السلطان الأشرف قايتباي، وكان قد اشتراه ثم اعتقه، وأخذ في الارتقاء في المناصب في سلّم السلطنة المملوكية، وعُيّن فيما بعد كاشفاً(18) لمنطقة في الشرقية تسمى "منية غزال"، فنُسب إليها(19)، ثم جعله الأشرف قايتباي جمداراً(20) وقرره في كشف الشرقية(21).

وفي أواخر أيام حكم قايتباي رُقيَّ الغزالي إلى أمير عشرة(22). وفي بداية حكم السلطان قانصوه الغوري عُينّ محتسباً للقاهرة عوضاً عن الأمير قرقماس المقري، ثم حاجباً(23) لحلب في الشام، فنائباً لصفد عام 917هـ ، ثم حماة بعد ذلك بعام، واستمر بهذا المنصب حتى هزيمة المماليك في موقعة مرج دابق عام 922هـ/1516م(24).

وصف ابن إياس، الأمير جان بردي الغزالي بالرعونة "وكان الغزالي عنده رهج وخفة زائدة، أهوج الطبع ليس له رأي سديد، رهّاج في الأمور، ليس له تأمل في العواقب"(25). هذا الوصف يبدو أنه يناقض تماماً ما ذهب إليه ابن إياس نفسه عندما تكلم عن فترة حكم الغزالي للشام بعدما ولاه السلطان العثماني سليم الأول عليها، إذ قال: "وكان لما ولي نيابة الشام في غاية العظمة من الحرمة الوافرة والكلمة النافذة، وقد أصلح (أي الغزالي) الجهات الشامية في أيامه حتى مشى فيها الذئب والغنم سواء"(26) وهذا إن دلّ إنما يدل على العدل الذي اتصف به الغزالي أثناء فترة حكمه للشام قبل تمرده على الحكم العثماني فيما بعد.

وقبيل موقعة مرج دابق التي أنهى فيها العثمانيون نفوذ دولة المماليك تماماً من الشام، اختلفت آراء الأمراء المماليك حول كيفية مواجهة العثمانيين فرأى الغزالي نائب حماة ضرورة التقهقر إلى دمشق وحرق المحاصيل الزراعية التي في الطريق حتى لا تستفيد منها القوات العثمانية، فيطول عليهم الطريق ولا يجدوا طعاماً لهم أو لدوابهم، وبالتالي يتمكن الصفويون المتربصون بالعثمانيين من مهاجمتهم والإطباق عليهم، وإفنائهم عن آخرهم، لكن بعض الأمراء لم يقتنعوا على ما يبدو بهذا الرأي لشكّهم في ولاء الغزالي، فتم رفضه(27).

والواقع، أن أيُ من المصادر والمراجع التاريخية لم تعطِ دليلاً ملموساً للشك في ولاء الغزالي وخيانته لسلطانه الغوري، فكل ما ذُكر حول التشكيك في ولاء الغزالي أو خيانته، كان في مجمله كلاماً مبهماً يعوزه التوضيح، الأمر الذي سوف نتطرق إليه خلال هذه الدراسة.

ومهما يكن من أمر، فقد دارت موقعة مرج دابق عام 922هـ/1516م، وهّزم المماليك وقتل السلطان الغوري(28). وزال الحكم المملوكي نهائياً عن الشام، وشرع المؤرخون يرصدون العوامل والأسباب التي أدت إلى تلك النتيجة، فعزا كل من ابن إياس وابن زنبل الرمال المعاصرين لتلك الفترة، الهزيمة إلى عنصر الخيانة الذي كان متواجداً داخل البيت المملوكي، وصبّا جام غضبهما على جان بردي الغزالي وخاير بك على أساس أنهما كانا أكثر المتواطئين لحساب السلطان العثماني سليم الأول، وما فتأ بقية المؤرخين اللاحقين لابن إياس وابن زنبل أن أخذوا في نقل تلك الروايات بعضهم عن بعض أو من الغير دون إعمال جهدهم في التثبت من صحة أصل الرواية، حتى غدت تلك الروايات التي اقتبسوها حقيقة واقعة دون إدراك أن أصلها واحد.

لم يشر كل من ابن إياس وابن زنبل للدور الذي لعبه الأمراء اللبنانيون، خاصة الأمير فخر الدين المعني الأول في موقعة مرج دابق، فقد وقف هؤلاء الأمراء أثناء المعركة موقف المتفرج انتظاراً لما ستسفر عنه من نتائج لينضمّوا للفريق المنتصر. ويؤكد هذا الموقف حيدر الشهابي بقوله: "فقال الأمير فخر الدين لمن معه من رجاله وقومه دعونا لننظر لمن تكون النصرة فنقاتل معه"(29). أو بمعنى آخر كان هناك عوامل أخرى لهزيمة المماليك في مرج دابق غير عنصر الخيانة الذي كان موجوداً في الصف المملوكي.

وفي هذه الدراسة لن نتوقف فيها بإسهاب لما قيل حول خيانة الأمير خاير بك، إلاّ إذا اقتضت الدراسة التوقف عنده من خلال علاقته بالأمير جان بردي الغزالي.

إن أول اتهام تم توجيهه للغزالي بالخيانة والتواطؤ ما ذكره ابن زنبل، عندما اكتشف الأمير سيباي نائب دمشق تخابر الأمير خاير بك نائب حلب مع السلطان سليم قبل وقعة مرج دابق، فألقى القبض عليه وسلمه للسلطان الغوري الذي صمم على قتله(30). ولكن الغزالي تدخل لمصلحة زميله خاير بك ودافع عنه، وأظهر أن قتله في هذا الوقت وفي ظل الموقف العصيب الذي يمر به المماليك سوف يشعل فتنة بين الجند "فقام الأمير جان بردي الغزالي وقال: يا مولانا السلطان لا تفتنوا العسكر وتبدوا (وتبدأوا) في قتال بعضكم بعضاً وتذهب أخباركم إلى عدوكم، فيزداد طمعاً فيكم وتضعف شوكتكم، والرأي لكم، وتأخر من مكانه، وكانت هذه مكيدة من الغزالي، وإلاَّ كان خاير بكل قد هلك"(31)، وهذا يعني أن الغوري قد تراجع عن قراره وأبقى على خاير بك.

وبصرف النظر عن حقيقة خيانة خاير بك وتخابره مع العثمانيين، إلاّ أننا لا نستطيع إثبات صحة تدخل الغزالي لصالح زميله خاير بك، فربما كان تدخل الغزالي في هذا الموقف كان للمصلحة العامة، خشية أن ينتشر التمرد داخل الجيش المملوكي، خاصة بين أعوان خاير بك نفسه لو تم قتله بالفعل. وبما أن السلطان الغوري في موقف لا يحسد عليه ومقبل على الحرب، فلو صحت رواية خيانة خاير بك هذه، لكان بإمكان السلطان عزل خاير بك من منصبه، وإلقاء القبض عليه لحين الانتهاء من أمر القتال مع العثمانيين.

ومن خلال ما سطره ابن زنبل في مجمل ما كتبه عن تاريخ دولة المماليك وانحيازه الواضح لسلاطين المماليك، نستنتج أنه ذكر تلك الرواية وكأن عنصر الخيانة هو المسبب الوحيد لهزيمة المماليك وليس أي شيء أخر، ودون أن يؤكد بالقرائن صحة تواطؤ الغزالي لمصلحة زميله خاير بك.

وتشير بعض المصادر إلى دور الغزالي وغيره في خيانة الجيش المملوكي أثناء القتال في موقعة مرج دابق، فيشير ابن زنبل إلى أن النصر كان لصالح المماليك حتى تقهقر خاير بك الذي كان يقود الميسرة والغزالي مع الفلول المنهزمة من الجيش، ودخلوا وطاق(32) السلطان الغوري، فنادى خاير بك بأعلى صوته بضرورة الفرار لأن السلطان قد قُتل، وأن العثمانيين قد هجموا، فصدقوه، وفرّ إلى حلب برفقة أغلب المماليك الجلبان وما كان ذلك إلاَّ مكيدة منه لتشتيت شمل الجيش المملوكي(33).

ويؤكد أنور زقلمة أن الغزالي سار على درب خاير بك وانسحب من المعركة بجزء آخر من الجيش، فاختلّ نظام المماليك بعدما استخدم العثمانيون المدفعية التي لم يكونوا قد بدأوا باستعمالها قبل ذلك، فحصدت الكثير من القوات المملوكية(34).

إن المتمعن في رواية ابن زنبل السالفة الذكر لا يجد بها دليلاً على خيانة الغزالي وفراره من المعركة، بل كل ما ذكره يخص خاير بك بمفرده، أما رواية أنور زقلمة فهي ضعيفة لأنه لم يحدد الوقت الصحيح الذي انسحب فيه الغزالي من ساحة القتال، وأغلب الظن أن هذا الانسحاب أو التقهقر قد تم بالفعل، لكن بعد مقتل السلطان الغوري واختلال نظام الجيش المملوكي بالكامل، والتيقّن من حتمية الهزيمة، فخشي على نفسه وعلى جنده، فقرّر الفرار.

وبالإمكان التدليل على صحة ما ذهبنا إليه، بأن الغزالي لم يكن الوحيد الذي فرّ بعد التحقق من الهزيمة، إنما تبعه محمد ابن السلطان الغوري نفسه، الذي توجه إلى دمشق برفقة الغزالي(35). إذ لا يُعقل أن يهرب ابن السلطان من ساحة القتال تاركاً أبيه لمصيره دون الدفاع عنه، إلاّ إذا كان بالفعل قد تحقق من مقتل والده.

وإذا كان الأمير خاير بك قد انضم للعثمانيين بعد المعركة وتوجه إلى حماة وسار بركبهم(36)، فإن الأمير جان بردى الغزالي لم يقم بالشيء ذاته، وهذا ما يدل على أنه لم يكن بعد قد انضم للعثمانيين، فقد أكدت المصادر التاريخية أن الغزالي تم تعيينه نائباً على دمشق بموافقة المماليك المنهزمين(37). في حين أن البعض ذكر أن الغزالي أراد التسلطن في دمشق، لكن رفاقه من المماليك المهزومين اعترضوا على ذلك وقالوا بأن الأولى أن تكون السلطنة لمحمد ابن السلطان الغوري، ثم أجمعوا رأيهم على العودة إلى مصر مقر السلطنة وهناك يتم اختيار السلطان من أحد الأمراء الأكفاء المتسمين بالشجاعة، وأوكلوا حكم دمشق لأحد الأعيان من شيوخ العربان هو الأمير ناصر الدين بن الحنش بإيعاز من الغزالي الذي قال للحاكم الجديد: "البلاد بلادك، تسلم حفظها حتى ننظر الأمر كيف يكون"(38).

بينما يذكر ابن إياس في مدوناته أنه بعد وقعة مرج دابق انقطعت أخبار الشام عن مصر لمدة أربعين يوماً "لم يرد فيها خير صحيح، وكثر القال والقيل في ذلك على أنواع شتى ، ومن جملة ما أُشيع أن جان بردي الغزالي نائب الشام منع الأخبار أن لا تصل (أن تصل) إلى مصر وعوّق العسكر بالشام"(39).

بالإمكان أن نستنتج من رواية ابن إياس عدة أمور جديرة بالملاحظة منها:

1- أن الغزالي حسب ابن إياس وابن طولون تم تعيينه نائباً للمماليك في دمشق، بينما يناقضهما ابن زنبل ولم يذكر إطلاقاً أن الغزالي تولى هذا المنصب، بل حاول التسلطن بها، وفشل لاعتراض زملائه على تلك الفكرة – كما أسلفنا الإشارة.

2- أن ابن إياس يقول "ومن جملة ما أُشيع" أن الغزالي نائب الشام منع الأخبار من الوصول إلى مصر، وعمل على إعاقة عودة المماليك إلى مصر، ويلاحظ هنا قوله "ومن جملة ما أُشيع …" أي أن ابن إياس لم يجزم بتواطؤ الغزالي، وإنما اعتمد فحسب على الشائعات التي ترددت بهذا الصدد، بينما رواية ابن زنبل – الذي كانت رواياته وروايات ابن إياس المصدر الرئيسي لما قيل عن خيانة وتواطؤ الغزالي – تناقض ذلك، بدلالة أنه ذكر أن الأخير قد نزل عند رغبة رفاقه المماليك ونزلوا جميعاً إلى مصر دون إبطاء.

3- أن ابن إياس في روايته السابقة بخصوص ما أُشيع عن إعاقة الغزالي للمماليك الفارين من العودة إلى مصر يناقض نفسه في رواية أخرى مفادها أن أهل الشام لما تأكدوا من مقتل السلطان الغوري لم يعد هناك ما يردعهم عن مهاجمة بعضهم البعض، وقيام زُعّر(40) الشام بنهب حارة السمرة، واضطراب الوضع الأمني في دمشق(41). فإذا كانت الأوضاع الأمنية في الشام هكذا سيئة للغاية، فالأولى بالغزالي العودة وزملائه إلى مصر لا البقاء في هذه الأجواء المضطربة.

4- إن ما ذكره ابن إياس عن منع الغزالي لوصول الأخبار التي تحدث في الشام إلى مصر أمر مبالغ به، فالظروف الصعبة التي مرّ بها المماليك الفارون من وجه العثمانيين جعلتهم في شغل شاغل عن مكاتبة حكومتهم في القاهرة، خاصة وأنه لم يصلهم أي مساعدة منها يستطيعون بها إعادة ترتيب أمورهم من جديد لمواجهة الخطر العثماني الداهم.

وثمة رواية ضعيفة لم تقم أيٌ من المصادر التاريخية بإيرادها، تذكر أنه بعد انتصار السلطان سليم في مرج دابق بمساعدة خاير بك والغزالي وعدهما بتوليتهما مصر والشام. وتضيف تلك الرواية أن سليماً عندما قرر التوجه إلى دمشق، أخلى الأميران المذكوران تلك المدينة له، وخرجا لملاقاته ثم دعوا له فأكرمهم(42).

والضعف في الرواية السابقة واضح للعيان ولا يحتاج إلى ردٍ عليها، لأن خاير بك ببساطة لم يذهب إلى دمشق كما فعل الغزالي وغيره، بل اتجه إلى حماة – كما أسلفنا القول.

على أية حال عادت الفلول المملوكية التي نجت من وقعة مرج دابق إلى مصر في رمضان 922هـ/1516م، وهم في أسوأ حال، واتفق رأي جميع الأمراء المماليك على تعيين طومان باي(43) الدوادار(44) سلطاناً عليهم رغم اعتراضه الشديد لهذا التعيين(45)، ويبدو أن اعتراض طومان باي يعود للظروف الصعبة التي مرت بها السلطنة المملوكية في ذاك الوقت، وإحساسه بأنه لن يستطيع القيام بدورٍ ما لصد الخطر العثماني على مصر.

وبناءً على ما أورده ابن زنبل، فإن الغزالي عندما رفض زملاؤه تعيينه سلطاناً عليهم في دمشق، اشتاط غضباً، وأضمر لبنى جنسه الغدر، وبالتالي مال قلبه إلى رأى زميله خاير بك في تحريض السلطان سليم بالاستيلاء على مصر، بعدما كان السلطان العثماني قد نوى عدم الاستيلاء عليها والعودة إلى استانبول، والهدف من هذا التحريض كما يقول ابن زنبل هو أن يمنح سليم مصر لخاير بك والغزالي معاً(46).

ويؤكد ابن زنبل ذلك بقوله: "وكذلك السلطان سليم لما اخذ بر الشام وحلب قصد الرجوع إلى بلاده، فأغواه خاير بك وقنبردي (جان بردي) الغزالي وناصر الدين بن الحنش بالتوجه إلى مصر، وضمن له خاير بك أخذ مصر وذلك مكراً منه، فإنه علم إن رجع السلطان سليم إلى بلاده فلم (فلن) تُبقى الجراكسة على خاير بك ولو ذهب في تخوم الأرض…"(47).

بالإمكان القول أن جان بردى الغزالي قد حنق لرفض زملائه تعيينه سلطاناً عليهم، لكن ابن زنبل أو غيره من المؤرخين لم يعطِ دليلاً ملموساً على ميل الغزالي لرأي خاير بك، ولا كيف اتصل به ليعطيه الموافقة على تحريض السلطان العثماني، فكل ما ذكره ابن زنبل كلام عام يعوزه الإثبات للتثبت من تواطؤ الغزالي – كما أسلفنا الإشارة.

أما قوله أن كلاً من خاير بك والغزالي وناصر الدين بن الحنش قد أقنعوا السلطان سليم بالتوجه لمصر والاستيلاء عليها، فهو عار عن الصحة لأن ابن الحنش هذا لم تكن تربطه بالسلطان العثماني أية علاقة حميمة، مما سوف يؤدي إلى قتله – كما سيتم التطرق إليه لاحقاً.

ويبدو أن سليماً لم يكن بالفعل في تلك الأثناء، مهتماً كثيراً بفتح مصر بعدما حطم إمكانية قيام تحالف صفوي مملوكي، وأصبحت بلاد الشام تحت سيطرته المباشرة، ناهيك عن اعتقاده بأن حملته على مصر سوف تعرضه لمخاطر اجتياز صحراء سيناء، وبالتالي إمكانية تعرض قواته لهجمات القبائل البدوية فيها، إضافة إلى طول خطوط مواصلاته. وكان المماليك في مصر قد حشدوا قواتهم تحت زعامة السلطان طومان باي، الذي حصل على البيعة من والد الخليفة العباسي، بعدما احتجز العثمانيون الخليفة نفسه بعد وقعة مرج دابق(48).

وثمة أسباب أخرى دعت السلطان سليم للتريث في اتخاذ قرار بالزحف إلى مصر، منها: أن توجه العثمانيين إلى مصر من شأنه تشجيع الصفويين على استغلال ذلك والعمل على مهاجمة أملاكهم، وربما قطع الطريق على قواته التي سوف تتجه إلى مصر. كما أن استيلائه على مصر سترتب عليه مسئوليات دفاعية كبيرة، مثل التصادم بالبرتغاليين المتواجدين في البحر الأحمر والمحيط الهندي.

لكل هذه الأسباب مجتمعة ارتأى سليم المتواجد في دمشق، ضرورة مراسلة طومان باي لإقناعه بالبقاء في حكم مصر شريطة أن يُذكر اسمه في خطبة الجمعة وأن يُصك اسمه على النقود. لكن طومان باي رفض هذا العرض بضغطٍ من الأمراء المماليك، لأنه يعني تبعيتهم التامة للحكم العثماني، فاضطر سليم لإكمال مشروعه التوسعي بعدما ألحّ عليه خاير بك بالقيام به، بعدما خشي الأخير على حياته من بقاء السلطنة المملوكية(49).

ويبدو أن سليماً قد راسل طومان باي، عندما عيّن الأخير جان بردي الغزالي على رأس الحملة المملوكية المتجهة إلى غزة للدفاع عن حدود مصر الشرقية. وهذا ما يتضح من نص رسالة سليم لطومان باي، حيث جاء على لسان سليم: "ولما سمعنا ما يقال عن شخص جركسي يدعى جان بردي في ولاية غزة القريبة من مصر القاهرة اعتاد إفساد أشخاص كثيرين، صدر الفرمان إلى الوزير الأعظم سنان باشا بالاستعداد للتحرك بعددٍ من العساكر المنصورة. كذلك صدر حكم عالي الشأن بهذا الخصوص من العتبة العليا وأرسل إلى جان بردي المذكور"(50).

إن ما سبق الإشارة إليه دليل على أن الغزالي لم يكون له بعد أية صلة أو علاقة بالسلطان العثماني بدلالة طلب السلطان سليم من طومان باي بأن يرسل للغزالي بعدم الإفساد ضد العثمانيين في غزة. كما أن اختيار طومان باي لترأس الغزالي لحملة غزة دليل إضافي على أن الأخير كان عند حُسن ظن سلطانه به. فلو كانت هناك شائعات بتواطؤ الغزالي مع العثمانيين من قبل، لما أقبل طومان باي على اختياره لتلك المهمة التي سوف يتوقف عليها مصير السلطنة المملوكية في مصر فيما بعد.

وللتدليل على عدم صحة تخابر الغزالي بأي شكل من الأشكال مع العثمانيين قبل ذلك التاريخ، أن بعض الوزراء العثمانيين قاموا بإرسال عدة رسائل إلى جان بردي الغزالي وبعض الأمراء الجراكسة لحثهم على تقديم الطاعة والولاء للعثمانيين. وكانت هذه المراسلات تنفيذاً لأوامر السلطان سليم نفسه وبإيعاز من خاير بك الذي أرسل بدوره عدة رسائل إلى بعض أمراء الجراكسة حثهم فيها أن يحذوا حذوه، ورغبّهم في الدخول تحت طاعة السلطان العثماني الذي أطنب في وصف محاسنه وعدله(51).

لم يردّ الغزالي على جميع هذه الرسائل ولم يكترث بها، ونظراً لأهمية دور الغزالي في النظام الحاكم في مصر، قرر سليم نفسه أن يكتب إليه. وفي تلك الرسالة يذكر سليم أنه سمع من خاير بك ومن محمد أغا بن قرقماس أمير حماة السابق مدحاً كثيراً فيه (أي في الغزالي) لهذا يدعوه لتسليم نفسه ومن معه من الأمراء وتقديم الولاء له. يقول السلطان سليم في كتابه للغزالي: "عندما يصل في هذه المرة حكمي الشريف واجب الطاعة عجلوا بالمجيء نظراً لما سمعناه عنكم من كمال إخلاصكم وتمام اختصاصكم، ومرغوا الوجه عند موطئ سرير مصير العالم عندي. ولتسعوا سعياً جميلاً وتجدّوا جدّاً جزيلاً لكي تتشرفوا بتقبيل أناملي الكريمة. إذا جئتم إن شاء الله الكريم فعند لقاءكم تشملكم رعايتنا ويتم قبولكم بأنواع العناية السلطانية الجميلة وأصناف الرعاية العلية الشاهانية أكثر مما في تصوركم"(52) .

نستنتج من نص كتاب السلطان العثماني لجان بردي الغزالي عدة أمور حريٌ بنا إيرادها:

1- أن هذا الكتاب يختلف في أسلوب صياغته عن الكتاب الذي أُرسل من قبل إلى السلطان طومان باي، فهو رقيق التعبير يخاطب فيه الغزالي بضمير المخاطبين على الدوام، على الرغم من أن مرسله هو السلطان العثماني نفسه ومتلقيها هو أمير غزة جان بردي(53) .

2- أن هذا الكتاب يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن انضمام الغزالي للعثمانيين لم يكن قد حدث بعد، وهو ما ينفي صحة تعامل الغزالي مع العثمانيين في مرج دابق.

3- رغبة السلطان سليم المُلحة في ضم الغزالي إلى صفوفه، لأهمية موقعه في الساحة المملوكية من جهة، ولشق صفوف الأمراء المماليك وإثارة نوع من البلبلة تؤدي إلى سهولة تحركاته فيما بعد من جهة أخرى.

4- أن هدف سليم الأساسي هو مجيء الغزالي بنفسه لتقديم الطاعة له، وليس كما ذكر البعض أن الغزالي كان بالفعل قد قّدم ولائه للعثمانيين خلال وقعة مرج دابق.

ومهما يكن من أمر، فطومان باي والغزالي لم يعيرا كتب سليم لهما أي أهمية، ولم يردا عليها. بل صمم طومان باي على تصعيد الموقف وملاقاة العثمانيين مهما كانت النتائج. فلم يجد سليم مفراً أمامه سوى إكمال مهمته بالاستيلاء على مصر، فأمر الصدر الأعظم سنان باشا في 3 ذي القعدة 922هـ/ 27 تشرين ثاني (نوفمبر) 1516م، بالتحرك على رأس جيش قوامه أربعة آلاف جندي للاستيلاء على غزة(54).

وفي القاهرة، تم الاتفاق بين الأمراء المماليك على تعيين الغزالي قائداً للحملة المتجهة إلى غزة لمقاتلة العثمانيين ومنحه صلاحيات حكم تلك المنطقة، وكان يرافقه عشرة آلاف عسكري(55). ذلك في الوقت الذي وصلت فيه الأخبار من الشام بسوء أحوال العثمانيين نتيجة لتزايد الاضطرابات ضدهم ومن أهمها ثورة ناصر الدين بن الحنش الذي "ضيق عليه (أي على السلطان سليم) في الطرقات وصارت العربان تقتل كل من انفرد من عسكره في الضياع"(56).

ويروى ابن إياس أن ناصر الدين بن الحنش أرسل للسلطان طومان باي يستحثه على إرسال حملة عسكرية في أسرع وقت إلى الشام لمنع السلطان سليم من الوصول إلى غزة(57).

وفي 2 ذي الحجة / 26 كانون أول (ديسمبر) من العام نفسه، تلاقي سنان باشا مع جيش الغزالي داخل الأراضي الفلسطينية بالقرب من غزة، ودارت بينهما معركة حامية بدأت من الصباح وانتهت ساعة العصر بانتصار العثمانيين وهزيمة الغزالي. واستيلائهم على غزة وتعيين محمد بك بن عيسى حاكماً عليها بعد فتحها. وتؤكد المصادر العثمانية المعاصرة للأحداث أن الغزالي هرب بعد هزيمته في غزة(58)، وبذلك باتت الطريق إلى مصر أمام السلطان سليم مشرعة الأبواب لا تمنعه أي مقاومة.

وإذا كانت المصادر العثمانية قد أكدت هرب الغزالي بعد هزيمته، نجد المصادر العربية المعاصرة لنفس الفترة تذكر أن الغزالي بعد هزيمته تم أسره ثم تمكن من الفرار بمساعدة غلمانه بعد أن قتلوا من العثمانيين أعداداً كبيرة(59) .

رغم أن المصادر العربية لم تذكر شيئاً عن خيانة الغزالي في غزة، بل أكدت أنه قاتل قتال المستميت، وأبلى بلاءً حسناً في قتاله، إلاّ أننا نستغرب مما تسطره المراجع الحديثة التي تحاول إلصاق تلك الهزيمة في غزة للغزالي متهمة إياه بالتواطؤ عن عمد، مصممة على أنه قد بدأ تواطؤه لا في مرج دابق بل قبلها، وأنه قابل العثمانيين بقوة صغيرة هزمته قبل وصوله لغزة لأنه لم يقاتل قتالاً جدياً(60). وهذا غير مطابق للواقع التاريخي فالمصادر التركية ذكرت أن المعركة دارت في جلجولية بالقرب من غزة، بينما ابن إياس أكد أن المعركة بين الطرفين دارت نواحي بيسان، أي داخل الأراضي الفلسطينية لا في مصر.

ويزيد البعض أن الغزالي بعد عودته إلى مصر مهزوماً، لعب دوراً مزدوجاً، فهو إلى جانب السلطان طومان باي بالظاهر، وعلى اتصال خفي بالسلطان سليم وخاير بك في الباطن كما أنه زوّد العثمانيين عشية معركة الريدانية عام 1517م، بمعلومات مفصلة عن تنظيم الجيش المملوكي(61).

والواقع أنه لا يوجد مصدر معاصر لتلك الفترة عربياً كان أم عثمانياً أكد تلك الرواية، أي أن الغزالي كان حتى ذلك الوقت لا تربطه بالعثمانيين أي صلة لا من قريب ولا من بعيد.

ويذكر مصدر تركي – اعتمد عليه أحمد فؤاد متولي في دراسته- أن السلطان سليم قال في رسالة الفتوح التي بعثها إلى ابنه الأمير سليمان متناولاً معركة غزة: "أبدى جان بردى المذكور بعض مظاهر الإخلاص في هذه النواحي (غزة)، ثم تراجع وهرب إلى مصر، والتقى بطومان باي"(62).

ويستنتج أحمد فؤاد متولي من سياق كلام السلطان سليم، أن الغزالي ساعد على انتصار العثمانيين في غزة، ثم تراجع بعد أن تحقق النصر لهم وهرب إلى مصر. وربما رجع إلى مصر ليعمل من وراء خطوط المماليك لصالح العثمانيين(63).

لكن المتمعن في كلام السلطان سليم لا يجد تسليماً بتواطؤ الغزالي لحسابه فقوله أن الغزالي أبدى بعض مظاهر الإخلاص في غزة ربما يفهمها البعض على أن الغزالي قد أخلص في القتال ضد الجيش العثماني بدلالة قول السلطان سليم نفسه في رسالة الفتوح: "ذكر طومان باي أنه أعطى إيالة الشام لجان بردي الغزالي المهزوم. ولما علمنا أنه أرسله إلى غزة، بعثت إليه بوزيري سنان باشا … على رأس الجيوش لكي يلاقيه. دارت المعارك وانتصر الوزير المشار إليه بعناية الله تعالى. وهُزمت الطائفة المذكورة وتشتت"(64). ولم يُشر سليم على الإطلاق لعودة الغزالي إلى مصر ليعمل من وراء خطوط المماليك لحسابه.

ومهما يكن من أمر، فقد التحم العثمانيون بالجيش المملوكي في معركة فاصلة في صحراء الريدانية على أطراف القاهرة في 22 كانون الثاني (يناير) 1517م، انتهت بهزيمة المماليك ودخول العثمانيين للقاهرة، وخُطب للسلطان سليم في جوامعها، وفرَّ طومان باي إلى خارج القاهرة(65).

لم يكن دخول العثمانيين القاهرة معناه نهاية الحرب، وأن الأمور سُويت لصالحهم، فقد استمرت المعارك في الشوارع لعدة أيام، مما اضطر السلطان سليم لمنح العفو للمماليك سواء كانوا في القاهرة أم خارجها ومنهم بطبيعة الحال جان بردي الغزالي(66)، الذي أكرمه سليم بحُسن الاستقبال، لما أبداه من البسالة في مقاتلة العثمانيين في الريدانية(67).

وفي رسالة الفتوح التي أرسلها السلطان سليم لابنه سليمان تأكيد لنفس المعنى، إذ يقول سليم: "… تحققنا في هذه الأثناء من مصطفى باشا أمير الرملي (الرومللي) السابق ومن الجراكسة، أن جان بردي الغزالي جاء في ذلك الوقت، وأدى فروض الطاعة وأظهر العبودية والخضوع بإخلاص"(68).

ويبدو أن سليماً أراد بمنحه العفو عن مقاتلي المماليك بصفة عامة وجان بردي الغزالي بصفة خاصة، التفرغ فيما بعد للقضاء على آخر مقاومة لطومان باي خارج القاهرة الذي تسلح بالقبائل البدوية، وندلل على ذلك بما أورده ابن زنبل من قوله:"وأما ما كان من السلطان سليم فإنه ضاق صدره وندم على دخوله مصر، وخشي أن يطول عليه المطال ويدخل عليه الشتاء وينقطع عنه خبر بلاده من أمر النصارى (أي القوى المسيحية في أوروبا) ليلا (لكي لا) يدبروا أمراً في غيبته على أخذ القسطنطينية، فاشتغل فكره"(69).

إذن، دخل جان بردي الغزالي أخيراً في طاعة السلطان العثماني سليم الأول بعد نهاية موقعة الريدانية، بعدما بات مقتنعاً بأن آخر صفحة من صفحات تاريخ دولة المماليك في مصر قد طُويت، وانفرط عقد سلطنتها. ولم يعد أمامه من حيلة سوى تسليم نفسه للسلطة الجديدة الحاكمة في القاهرة، محاولاً أن يُنقذ نفسه من التصفية الجسدية التي كانت في انتظاره لو تأخر أكثر من ذلك. أو بتعبير آخر، فإن الغزالي آثر تبدية مصلحته الشخصية في ذاك الوقت، وتلك سمة تختلج أغوار الكثير من القادة والجند بعد هزيمتهم وإيثارهم السلامة علّهم يحصلون على منصبٍ جديد في الدولة الجديدة.

إن تصرف الغزالي هذا لا يمكن اعتباره بأي حالٍ من الأحوال تصرفاً انتهازياً. فلو كان الغزالي انتهازياً بالفعل، لانضم قبل ذلك التاريخ للعثمانيين للاستفادة والحصول على منصب في الدولة العثمانية، لكن نظراً لحاجة العثمانيين إليه ولمهارته، قبلوا العفو عنه وأسندوا له بعض المهام العسكرية في مصر لسببين: أولهما لاختبار صدقه في طاعة دولتهم. وثانيهما لمعرفته بأحوال مصر.

ونظراً لازدياد إحساس السلطان سليم بتورطه في المستنقع المصري، بعدما خرجت الكثير من المناطق المصرية عن طاعة العثمانيين، خاصة القبائل البدوية التي تعاطفت مع طومان باي، قرر إرسال حملة عسكرية إلى منطقة أطفيح وغيرها في دلتا مصر للقضاء على تمردها. وعيّن عليها جان بردي الغزالي لمعرفته بأحوال تلك المنطقة، ولخبرته السابقة في محاربة العربان. وتمكن الغزالي بالفعل من إلحاق هزيمة قاسية بتلك القبائل، وشتت شملهم، وأمر بنهب نجوعهم، وأسر نساءهم وأولادهم، وأرسلهم إلى السلطان سليم الذي أمر ببيعهم بالقاهرة بأبخس الأثمان(70).

أمر السلطان سليم، الغزالي بشن الهجمات على طومان باي وأعوانه، فأخذ يلاحقه من مكان لآخر، وألحق بقواته الكثير من الخسائر بمساعدة قبيلة بدوية تُسمى عرب غزالة، إلى أن تمكن طومان باي من إلقاء القبض عليه، لكنه سرعان ما عفا عنه بعد أن أخذ عليه عهداً بعدم محاربة مماليكه، "فقام الغزالي وهو ينفض التراب من على رأسه وجا{ء} إلى رجل السلطان (طومان باي) وقبلها في الركاب وهو يبكي ونادم على ما فعل، وسار إلى فرسه وركبه وأشار إلى جماعته ارجعوا عن القتال فقد حلفت له أني لا أقاتله"(71).

لكن الغزالي حنث بيمينه فيما بعد، وأشار على سليم بخطة حربية يستطيع بموجبها تحقيق النصر بسهولة على طومان باي ومن تبقى معه، وهي خطة تسمى في التعبير العسكري المعاصر فكي كماشة. وقد استطاعوا من خلال تطبيقها إلحاق الكثير من الخسائر بفلول طومان باي في منطقة الوردان التي تبعد 50 كيلو متراً إلى الشمال من القاهرة، وذلك في 2 نيسان 1517م، ما دعا ابن زنبل للقول: "وافترقوا على هذا الحال وقد قلت الجراكسة عن بعضها ورجعوا وهم لا يعرفون بعضهم بعضاً من شدة ما حصل من ذلك اليوم" (72).

أدت كثرة الضربات التي وجهت لطومان باي إلى اقتناعه بأن نهاية الحرب مع العثمانيين باتت وشيكة، فلم يجد مناصاً سوى اللجوء إلى الشيخ حسن بن مرعي شيخ بدو البحيرة، وأخذ منه عهداً بعدم خيانته وتسليمه للسلطات العثمانية، لكن الشيخ المذكور خشي على نفسه وسلّمه للعثمانيين الذين شنقوه على باب زويلة بالقاهرة في ربيع الأول 923هـ/ 13 نيسان(أبريل) 1517م(73).

وكانت نية السلطان سليم ترمى إلى عدم قتل طومان باي إعجاباً به، لما أبداه من صنوف الشجاعة، كما كان في نيته كذلك أخذه معه إلى أستا نبول بعد أن يأخذ منه تعهّداً بعدم الخروج عن طاعته، لكن خاير بك والغزالي خشيا على نفسيهما فيما لو تحسنت العلاقات بين سليم وطومان باي، فألحّا على السلطان سليم في قتله(74).

جان بردي الغزالي وطموحه الانفصالي:

بعد أن استتبت الأمور في مصر لصالح العثمانيين، عيّن السلطان سليم الأمير خاير بك المملوكي نائباً عنه فيها مكافأة له على وقوفه معه ومساعدته في الاستيلاء عليها، ثم بدأ رحلة العودة إلى أستا نبول في 23 شعبان 923هـ/10 أيلول (سبتمبر) 1517م، وأبقى مع خاير بك خمسة آلاف جندي انكشاري، إضافة إلى العسكر الخيالة لحفظ النظام(75).

أما الأمير جان بردي الغزالي الذي أثبت للسلطان العثماني ولائه وإخلاصه، فقد رافقه في رحلة العودة، وعندما وصل الركب السلطاني إلى غزة في 9 رمضان / 25 أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، منح السلطان سليم حكم ولايات صفد والقدس وغزة والكرك ونابلس للغزالي(76).

وقبيل وصول سليم إلى دمشق في 6 شوال /22 تشرين أول (أكتوبر)، كانت الثورات في بلاد الشام قد اشتعلت بسبب الإجراءات العثمانية الجديدة كإبطال العملة القديمة وإصدار عملة جديدة وتشديد الإجراءات لضمان الأمن(77). وأعقب العثمانيون تلك الإجراءات بإجراء آخر شقّ على سكان دمشق قبوله وهو تخفيض سعر العملة العثمانية الجديدة بمقدار النصف، مما أدى إلى تضرر السكان. كما اتخذوا إجراءات أمن مشددة لردع الزُعّر الذين نشطوا في دمشق في أعقاب الأنباء المتضاربة عن مصير العثمانيين في مصر(78).

ويبدو أن تلك الاضطرابات قد أقنعت السلطان سليم عند دخوله دمشق بضرورة تعيين والٍ جديد عليها، يكون بإمكانه إخمادها، ووجد ضالته المنشودة في شخص جان بردي الغزالي. وشرع الاثنان معاً في القضاء على المناوئين للحكم العثماني في الشام، فتوجها في 26 ذي الحجة 923هـ/8 كانون ثاني (يناير) 1518م، إلى الأمير ناصر الدين بن الحنش للقبض عليه، ولكنهما فشلا في مهمتهما وعادا إلى دمشق وأصدر السلطان سليم قراراً بعزل ابن الحنش حاكم البقاع اللبناني وحماة وصيدا وتولية محمد أغا بن قرقماس الجركسي مكانه(79).

غادر السلطان سليم دمشق في 27 محرم 924هـ/8 شباط (فبراير)1518م، تاركاً فيها الغزالي والياً عليها مع منحه إياها إقطاعاً له حتى وفاته، ولم يفرض عليه دفع أي مال لخزينة الدولة العثمانية، بعد أن آنس فيه الإخلاص والولاء(80). وسمح له بتملك قوات عسكرية خاصة به(81).

ومهما يكن من أمر، فإن الغزالي في بداية عهده طبق السياسة العثمانية بحذافيرها، وظل على ولائه التام للسلطان سليم، وسرعان ما قضى على تمرد ناصر الدين بن الحنش وحليفه ابن الحرفوش – الذي لم تذكر له المصادر التاريخية اسماً- قرب بعلبك في 26 ربيع الأول 924هـ /7 نيسان (إبريل) 1518م، وقطع رأسيهما ، وأرسل بهما إلى السلطان في حلب الذي عجز من قبل من قتله. وهذا ما دعا ابن إياس للقول: "ولولا تحيّل الغزالي على ابن الحنش وقتله بحيلة صعدت من يده لما قدر على قتل ابن الحنش أبداً، وقد عجزت عن ذلك سلاطين مصر والأمراء" (82).

وبطش الغزالي أيضاً ببعض الأمراء المحليين في نابلس وغيرها منهم قراجا بن طراباي الحارثي، وأخضعهم للسلطة العثمانية(83). وشن عدة حملات ضد القبائل البدوية في حوران وعجلون، الذين دأبوا دوماً على التعرض لقافلة الحج الشامي عند طريق غزة، وانتصر عليهم وقتل الكثير منهم، وغنم أموالهم، وأعاد ما كانوا قد سلبوه من قافلة الحج(84). وبذلك امتدت ولاية الغزالي من معرّة النعمان إلى العريش بمصر(85).

ويُحسب للغزالي أيضاً، تمكنه من هزيمة القراصنة الإفرنج الذين نزلوا ساحل بيروت عام 926هـ/1520م، ومكثوا بها ثلاثة أيام، حيث استولى منهم على عدة مغانم وأسر ثلاثمائة من رجالهم إضافة إلى ثلاث سفن كبيرة(86). ويبدو أن هؤلاء الإفرنج هم فرسان القديس يوحنا الأورشليمي، الذين كانوا وقتذاك يستقرون في جزيرة رودس بالبحر المتوسط قبل أن يستولي عليها السلطان سليمان القانوني فيما بعد ويطردهم إلى جزيرة مالطة.

إن هذه الانتصارات التي حققها الغزالي، أدت إلى إعجاب السلطان سليم به، وسروره منه خاصة فيما يتعلق بحمايته لقافلة الحج الشامي. وأغدق عليه الخلع، فازداد نفوذه في دمشق واكتملت هيبته في كافة أنحاء الولاية الخاضعة لحكمه(87).

لكن وفاة السلطان سليم في 9 شوال 926هـ/ 22 أيلول (سبتمبر) 1520م، أدت إلى استيقاظ الحلم الدفين داخل أعماق جان بردي الغزالي، المتمثل في إقامة دولة مستقلة في الشام تحت قيادته، بعيدة عن السيادة العثمانية(88). ذلك الحلم الذي راوده يوماً بعد مرج دابق وفشل في تحقيقه – كما أسلفنا الإشارة. وقد فتحت وفاة سليم الباب على مصراعيه لاحتمالات مغرية من جهة وكذلك وخيمة العواقب من جهة أخرى بالنسبة للغزالي(89).

ويبدو أن الغزالي كان قد بدأ قبل وفاة السلطان سليم في إعادة بعض العادات المملوكية، التي كان العثمانيون قد أبطلوها، مثل دق الطبل في القلعة وعلى أبواب مدينة دمشق، وأعاد الشهود إلى المحاكم كالسابق. واستقطب السكان من حوله، وذلك بمعاقبة الجنود العثمانيين الذين تعرضوا لهم، كما قوّى الدفاع عن دمشق بتحصينه أبواب المدينة(90)، وازدادت علاقته سوءاً بقاضي دمشق الحنفي ولي الدين بن الفرفور المعروف بولائه للسلطات العثمانية، واضطره للهروب إلى حلب(91).

استضعف الغزالي، السلطان العثماني الجديد سليمان الملقب بالقانوني لصغر سنه، وبدأ يُمنّي نفسه بالتسلطن في الشام. ويبدو أنه قد كشف عما يجول في سويداء قلبه من تلك الأماني أمام المقربين إليه، فعارضوه لقلة قواته العسكرية التي يمكن أن تصمد في وجه أي رد فعل عثماني مذكرّين إياه بانتصارات العثمانيين السابقة في مرج دابق والريدانية، وأشاروا عليه بالكتابة لنائب مصر خاير بك، ليساعده فيما نوى القيام به(92).

لكن الغزالي قلّل من شأن الانتصارات العثمانية السابقة فقد أورد ابن زنبل رد الغزالي للمقربين إليه: "إنما كان ذلك من السلطان سليم، وإنما هذا (أي السلطان سليمان) ولد صغير، وليس له قدرة على فعل شيء من ذلك ولا أظنه يتم سنته في المملكة"(93).

إن هكذا تصرف من جانب الغزالي إن دلّ، إنما يدل على مدى رعونته التي أشار إليها ابن إياس سابقاً، ولعدم تقديره للمعطيات السياسية والعسكرية التي كانت موجودة وقتذاك في المنطقة. فقد اعتقد الغزالي أنه بإمكانه تحقيق نتائج عجزت قوى كبرى عنها. والواضح من رواية ابن زنبل أن الغزالي رهن مستقبله السياسي في الشام، على أن السلطان الجديد للدولة العثمانية صغير السن لن يكون له حول ولا قوة. وقد نسى أو تناسى أن هذا السلطان له مستشارون وقياديون يسيّرون أمور الدولة نيابة عنه .

قرر الغزالي بالفعل مراسلة نائب مصر خاير بك ليحثه على الانضمام إليه في تمرده ضد السلطات العثمانية. ويبدو أن المصادر التاريخية تباينت في إيرادها لمضمون الخطابات المتبادلة بين الغزالي وخاير بك. فابن زنبل على سبيل المثال يقرر أن خاير بك حاول إثناء الغزالي عن عزمه، غير أن الأخير كرر المراسلة مع نائب مصر وهدده بأنه في حالة عدم إطاعته، فسوف يجّرد عليه جيشاً لقتاله. ويقرر ابن زنبل أيضاً، أن خاير بك لما رأى إصرار الغزالي على رأيه "أرسل يخادعه ويقول له إن كان وإلاّ … اذهب إلى حلب وخذها، فإن ملكتها، كنت أنا مساعدك فيما تريد وموافق لك على ما تقول"(94) .

والواضح أن خاير بك كان من الخُبث والدهاء في رده على ما طلبه منه الغزالي، فاشتراطه للانضمام إلى التمرد مرهون باستيلاء الغزالي على مدينة حلب المهمة والتي تعتبر مفتاح الشام. وخاير بك يبدو أنه كان متأكداً من عدم قدرة الغزالي في الاستيلاء عليها بسب تحصيناتها – كما سيرد بيانه .

والرواية الأخرى، فقد تبناها ابن إياس الذي ذكر أن جان بردي الغزالي أرسل كتاباً إلى خاير بك مع رسول يسمى خشقدم اليحياوي يعلمه فيه بنيته للخروج عن طاعة السلطان العثماني الجديد سليمان. وحسب ما ذكره ابن إياس، فإن مزاج خاير بك قد تبدل بعد قراءته للكتاب، وأمر باعتقال رسول الغزالي، وشرع في تحصين قلعة القاهرة، ثم بعث رسول الغزالي وصحبته الكتاب المذكور إلى استانبول، ليُعلم السلطان سليمان بتمرد الغزالي بالشام(95).

من خلال ما أورده ابن إياس بالإمكان أن نستنتج أنه بالفعل قد حصل من الغزالي مراسلات مع خاير بك، لكن ابن إياس يختلف في روايته عن ابن زنبل في عملية التعاطي بين الأميرين، فالأول لم يُورد مطلقاً أن خاير بك قد ردّ على كتاب الغزالي له بل أرسل هذا الكتاب إلى السلطان العثماني ليطلعه على تمرد الغزالي.

ومهما يكن من أمر، فمن الممكن التوفيق بين الروايتين السابقتين، بأن خاير بك كان يود بالفعل لو أنحسر الحكم العثماني عن الشام ومصر، ويوّد أيضاً لو نجح الغزالي في تمرده، أو إن جاز التعبير لو نجح في حركته الانفصالية، ليقوم هو بدوره بثورة في مصر يتخلص بها من الحكم العثماني أيضاً. ويبدو أنه انتظر ليرى ما سوف تسفر عنه الأحداث حتى يجرؤ على إعلان الثورة(96)، خشية أن يورّط نفسه في أمرٍ من الصعب عليه تداركه فيما بعد، فيخسر بدوره مقاليد الحكم في مصر أهم الولايات العثمانية في المشرق الإسلامي.

والظاهر، أن خاير بك لم يكن يساوره أدنى شك، أن محاولة زميله الغزالي الانفصالية سوف يكون مصيرها الفشل، لذلك أرسل له موافقته المشروطة للانضمام إلى تلك المحاولة، بالاستيلاء على حلب. علماً بأنه كان قد نصحه من قبل من مغبة القيام بهذا الأمر –كما أسلفنا الإشارة. ثم نراه يرسل كتاب الغزالي الذي أعلن فيه عزمه عن الانفصال إلى السلطان سليمان.

ويبدو أن الغزالي اغتنم فرصة الخلاف الناشب بين العثمانيين والصفويين، واستعداد الأخيرين على الحدود لمهاجمة الدولة العثمانية بعد وفاة السلطان سليم، فأعلن الثورة على الحكم العثماني وشرع بمحاصرة قلعة دمشق التي كانت تحت سيطرة الانكشارية واحتلها وارتكب مذبحة مروعة بحق الجنود العثمانيين. ومنع خطباء المساجد من ذكر اسم السلطان سليمان على المنابر، وأمر بالدعاء له شخصياً في خطبة الجمعة، ونقش اسمه على النقود المصكوكة في دمشق(97). واتخذ لنفسه لقباً مملوكياً هو "الملك الأشرف"(98).

وفي محاولة من الغزالي لجمع المؤيدين حوله، أعاد آل الحنش إلى حكم البقاع وولى أحمد بن الحنش مكان الأمير سنان باشا. والتف من حوله في دمشق بقايا المماليك وشبان الحارات من الزُعّر، الذين اغتنموا الفرصة كعادتهم لإبراز قوتهم(99)، كما تمكن من الاستيلاء على طرابلس وحمص وحماة وغير ذلك من المدن(100).وثمة وثيقة عثمانية تبيّن استعداد الشاه إسماعيل الصفوي لمساندة حركة الغزالي الانفصالية، ومده بالجنود بعد اتصالات تمت بين الطرفين، فقد ورد على لسان الغزالي في إحدى رسائله للشاه إسماعيل: "تعال يا ابن أردبيل (أي الشاه إسماعيل) بنفسك أو أرسل إلينا عسكراً، إننا نفتح هذه الولاية (الشام)، ولتعلم أن من بمصر (أي نائبها خاير بك) معنا أيضاً"، وتذكر الوثيقة أن الشاه إسماعيل تمكن من جمع حوالي اثني عشر ألف جندي لمساعدة الغزالي في تمرده(101).

وعلى أية حال، لم تذكر المصادر التاريخية المعاصرة للأحداث شيئاً عن رد الفعل لدى الشاه إسماعيل الصفوي فيما يخص تمرد الغزالي في دمشق. ومن المحتمل أن يكون الشاه قد جمع هذا العدد الكبير من الجند انتظاراً لما ستسفر عنه حركة الغزالي، فإذا ما تأكد من نجاحها دخل المعركة مناصراً له ضد العثمانيين، لأنه كان يعلم جيداً منذ هزيمته في تشالديران قوة بأس الجنود العثمانيين ويخشى جانبهم(102).

ويظهر من خلال ما ورد في الوثيقة السابقة، رغبة الشاه الصفوي الجامحة في تحطيم قوة العثمانيين في الشام، لاستعادة مجده الغابر في بلاد فارس والمناطق الأخرى التي كانت تحت سيطرته قبل وقعة تشالديران بعد أن مرّغ العثمانيون سمعته في التراب، وبالتالي يكون بمقدوره التغلب عليهم بسهولة، وربما يكون بإمكانه القضاء على نفوذهم في آسيا الصغرى.

لم يبق في الشام من الحصون القوية أمام جان بردي الغزالي سوى قلعة حلب، فجهز حملة كبيرة من الدروز وبدو جبل نابلس ومن الأكراد وبعض القبائل الأخرى(103). كما أن فرسان القديس يوحنا في جزيرة رودس أرسلوا له بعض قطع المدفعية لمساندته، وحشد الغزالي قرابة 23 ألف مقاتل لتلك الحملة(104).

وفي 14 ذي الحجة 926هـ/25 تشرين ثاني (نوفمبر) 1520م، توجه الغزالي بنفسه من دمشق صوب حلب للاستيلاء عليها. وشرع والي حلب قراجا باشا العثماني الأصل بالاستعداد للدفاع عن مدينته، وأرسل للسلطان سليمان يطلب منه المساعدة. وفرض الغزالي حصاراً حولها استمر لمدة اثني عشر يوماً، وتمكن من إحراز النصر، لكنه لم يتمكن من الاستيلاء عليها، على الرغم من أنه قطع القناة التي تدخل الماء إلى المدينة. لكنه اضطر فيما بعد لرفع الحصار عن حلب بسبب دخول فصل الشتاء القارص وخشيته من وصول إمدادات عثمانية لدعم الحماية العثمانية في حلب، ولفشله في الحصول على دعم كان يتوقعه من نائب مصر خاير بك، وعاد إلى دمشق(105).

ويورد ابن إياس في مدوناته، أن نية خاير بك اتجهت إلى تجريد حملة عسكرية على جان بردي الغزالي في ذي الحجة 926هـ، أي في ذات الوقت الذي بدأ فيه الغزالي حصاره لمدينة حلب، غير أن خلافاً نشب بينه وبين الجنود العثمانيين المتواجدين في مصر، جعله يعدل عن رأيه، بعدما قالوا له: "نحن ما نخرج إلى قتال نائب الشام (أي الغزالي) إلاّ بمرسوم من عند السلطان سليمان بن عثمان، ونحن ما علينا إلاّ حفظ القلعة والمدينة(106) (أي القاهرة).

إن ما أورده ابن إياس يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن خاير بك بعدما أيقن بفشل استيلاء الغزالي على حلب، أراد أن يثبت للسلطان العثماني سليمان مدى إخلاصه وصدقه في مساعدة الدولة العثمانية، فقرر إرسال تلك الحملة دون إذنٍ مسبق من السلطان نفسه، وبالتالي لإبعاد أي شبهة ممكن أن تحوم حول نيته في مساعدة الغزالي في تمرده.

على أية حال، وصل تمرد الغزالي إلى نهايته المحتومة، فقد أرسل السلطان سليمان حملة ضخمة لرسم السيناريو المنتظر لهذه النهاية، وإن اختلفت الروايات التاريخية حول القائد العثماني الذي ترأس تلك الحملة، فبينما يجعله ابن زنبل، إياس باشا(107)، يجعله محمد بن جمعة المقاري، فرهاد (فرحات) باشا(108)، وهو ما يميل إليه المؤرخون المحدثون. ويذكر ابن إياس أن السلطان سليمان كتب لخاير بك في مصر يوصيه بعدم إرسال أي تجريدة إلى الشام لثقته بأن الحملة التي أرسلها سوق تحقق أهدافها دون الحاجة لمساعدة خاير بك(109).

ومع وصول الحشود العثمانية إلى الشام، بدأت أطراف مقاطعات الغزالي بالتفتت، فقد فرّ نوابه من طرابلس وبيروت وغيرهما من المدن(110). وذلك في الوقت الذي طلب فيه الغزالي من أهالي دمشق مساندته ضد الهجوم العثماني، حيث قال لهم: "لا تقاتلوا الأروام (العثمانيين) لأجلي، وإنما قاتلوهم خوفاً على حريمكم"(111).

وفي 26 صفر 927هـ/27 كانون ثاني (يناير)1521م، نشبت معركة عند قرية الدوير شرقي قرية برزة بالقرب من دمشق، انتهت بهزيمة قوات الغزالي الذي تنّكر فيما بعد في زي درويش وحاول الهرب، لكنه وقع في الأسر وأعُدم في 6 شباط (فبراير) من العام نفسه، وأرسلت رأسه إلى استانبول، وأحتل العثمانيون دمشق. وكانت هذه الثورة آخر ثورة قام بها المماليك في بلاد الشام(112). وكانت مدة ولاية الغزالي على الشام ثلاث سنين وسبعة أشهر(113).

وقد نتج عن فشل حركة الغزالي الانفصالية تلك عدة نتائج أهمها:

1- ألغى العثمانيون الحكم الذاتي في الشام، وتم تقسيمها إلى ثلاث ولايات هي: دمشق وحلب وطرابلس، ووضعت منذ ذلك الحين تحت إدارة الولاة العثمانيين وخضعت لسلطة الباب العالي مباشرة(114).

2- أقرّ السلطان سليمان، إياس باشا في نيابة دمشق عوضاً عن الغزالي، وفرهاد (فرحات) باشا في ولاية طرابلس(115).

3- ألقى خاير بك نائب مصر القبض على المماليك الذين كانوا عند الغزالي وأمر بقتل بعضهم(116).

خاتمة الدراسة

بعد الانتهاء من هذه الدراسة بالإمكان تدوين عدد من النتائج والملاحظات الجديرة بالذكر منها:

أنه يَصعُب على أي باحث اتهام الأمير المملوكي جان بردي الغزالي بخيانة السلطنة المملوكية والتواطؤ لحساب السلطان العثماني سليم الأول، دون إيراد دليل ملموس على هذا التواطؤ. فقد أثبتت الدراسة أنه لم يكن للغزالي يد في هزيمة المماليك في مرج دابق، وإنما ترك ساحة القتال بعد أن تأكد من مقتل السلطان المملوكي قانصوه الغوري.

كما أن الغزالي ظل يعمل بإخلاص لحساب السلطان المملوكي الجديد طومان باي، بعدما اختاره الأخير ليقود الحملة العسكرية المتجهة إلى غزة لصد التقدم العثماني في اتجاه مصر. إذ لا يُعقل أن يختار طومان باي، الغزالي لهذه المهمة الصعبة، وهو يعلم بخيانته لبني جنسه من قبل في مرج دابق.

ثم أن دخول الغزالي في خدمة السلطان العثماني سليم الأول، تم بعد نهاية معركة الريدانية الفاصلة بين المماليك والعثمانيين، وبعد ما بات مقتنعاً بأن آخر صفحة من صفحات دولة المماليك في مصر قد طُويت، وانفرط عقد سلطنتها، فلم يعد أمامه من حيلة سوى تسليم نفسه للسلطة الحاكمة الجديدة في القاهرة لينقذ نفسه من التصفية الجسدية التي كانت في انتظاره فيما لو تأخر أكثر من ذلك. أو بتعبير آخر، فإن الغزالي آثر تبدية مصلحته الشخصية، لذلك فقد أثبت البحث، أن ما قام به الغزالي لم يكن من قبيل الخيانة أو التواطؤ مع أعداء قومه الذين هم في الأساس مسلمون سُنيّون.

وكان لإخلاص الغزالي لولي نعمته الجديد، السلطان سليم، أن دعاه لتعيينه نائباً عنه في دمشق ليخلصه من أعدائه في بلاد الشام.

لكن ما قام به الغزالي فيما بعد بإعلان الثورة والتمرد على حكم الدولة العثمانية بعد وفاة السلطان سليم وتعيين ابنه السلطان سليمان مكانه، لم يكن أيضاً من باب الخيانة، بل المغامرة الانفصالية، التي لم يحسب الغزالي عواقبها، مغتراً بقوته المحدودة التي سرعان ما سوف تنهار بعد فشله في الحصول على حلب. وعلى أية حال، فإن تلك المغامرات الانفصالية ستكون فيما بعد سمة عامة من سمات المماليك بمصر في ظل حكم الدولة العثمانية، مثل الحركات التي قام بها جانم السيفي، وأينال السيفي، وعلي بك الكبير.



--------------------------------------------------------------------------------

(1) حمزة، عادل عبد الحافظ: "دور خاير بك المملوكي في موقعة مرج دابق 922هـ/1516م: رؤية تاريخية". المجلة التاريخية المصرية، مج36 ، 1989، ص241-242.

(2) ابن إياس، محمد بن أحمد: بدائع الزهور في وقائع الدهور، ط3، 5 أجزاء، تحقيق: محمد مصطفى، ج5، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 1404هـ (1984م)، ص 28، 31.

(3) نفس المرجع، ج4، ص 463.

(4) نفس المرجع، ج4، ص 485.

(5) لمزيد من التفاصيل. أنظر:

ابن طولون، محمد: مفاكهة الخلان في حوادث الزمان. جزءان، نشر: محمد مصطفى، ج1، القاهرة 1962-1964، ص43-53. ونوار، عبد العزيز سليمان: تاريخ الشعوب الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة بدون تاريخ، ص 79. ومتولي، أحمد فؤاد: الفتح العثماني للشام ومصر، ط1، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة 1414هـ(1995م)، ص45-51.

(6) الجُلبان: هم المماليك الذين جُلبوا حديثاً.

دهمان، محمد أحمد: معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي. ط1، دار الفكر، دمشق 1410هـ (1990م)، ص53.

(7) رافق، عبد الكريم: العرب والعثمانيون (1516-1916). ط1، دمشق 1974، ص6.

(8) نوار: المرجع السابق، ص77.

(9) إيفانوف، نيقولاي: الفتح العثماني للأقطار العربية 1516-1574. ط1، نقله إلى العربية: يوسف عطا الله. راجعه وقدّم له: د. مسعود ضاهر، دار الفارابي، بيروت 1988، ص55-56.

(10) بعد أن وجد الشاه إسماعيل الصفوي نفسه سيد بغداد والعراق دون أن تتحرّك ضدّه أي من الدولتين الكبيرتين السُنتين (العثمانية والمملوكية)، منّى نفسه بتوسيع رقعة دولته إلى ما وراء العراق لعلّه يستطيع تحقيق آمال الشيعة في إقامة دولة كبرى في المنطقة. وحاول الشاه إسماعيل إيجاد حلفاء له في أوروبا، فكتب إلى البنادقة والبرتغاليين وفاوضهم في طلب المساعدة والاشتراك معاً في مقاتلة السلطنة المملوكية في مصر واقتسام ممتلكاتها، بحيث يأخذ هو الشام ليطلّ على البحر المتوسط، بينما يستحوذ البنادقة على مصر.

الحنبلي، مرعى بن يوسف: نزهة الناظرين فيمن ولى مصر من الأمراء والسلاطين، مخطوط موجود في المكتبة الوطنية بميونخ رقم Cod.Arab.889، ورقة 206أ. وابن طولون: مفاكهة الخلان، ج1، ص 343. وابن إياس: بدائع الزهور، ج4، ص191، 205. والعدوي، إبراهيم: مصر والشرق العربي درع الإسلام. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1985، ص183. ونوار: المرجع السابق ، ص68.

(11) العدوي: المرجع السابق، ص175.

(12) نفس المرجع، ص175- 176. والحلاق، محمد بن يوسف: تحفة الأحباب بمن ملك مصر من الملوك والنواب، مخطوط موجود في مكتبة The Beinecke Rare Book and manuscript Library، بجامعةYale بالولايات المتحدة الأمريكية، رقم 229 Land berg ، ورقة 73ب.

(13) ابن إياس: المرجع السابق، ج4، ص372-373. وإيفانوف: المرجع السابق، ص57.

(14) لمزيد من التفاصيل أنظر:

ابن إياس: المرجع السابق، ص 435 –438، 446، 462-463.

كان سليم عندما بدأ بالتقدم عبر الأناضول في اتجاه المقاطعات الصفوية، يأمل من علاء الدولة أمير "ألبستان" تقديم المساعدة للجيش العثماني- وكان علاء الدولة جداً لسليم من أمه – لكن علاء الدولة على ما يبدو تعرض إلى قوافل المؤن والإمدادات الحربية العثمانية المتجهة نحو الجبهة الصفوية، كما سمح لتركمانه بالإغارة على القوات العثمانية.

Holt (p.m.), Egypt and the Fertile Crescent, 1516-1922, Cornell University press, New York 1966, p.36.

وزقلمة، أنور: المماليك في مصر، ط1، مكتبة مدبولي، القاهرة 1415هـ (1995م) ص 100.

(15) العدوي: المرجع السابق، ص176.

(16) لمزيد من التفاصيل أنظر:

ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 22-34، 38-39، 45، 53، 60-68.

(17) ولُد خاير بك عام 868هـ/1463م، في قرية "صمصوم" بالقرب من بلاد الكرج، وهو من أصل جركسي، وكان أبوه يُدعى مال باي أو ملباي الجركسي، قدّمه إلى السلطان الأشرف قايتباي. ثم تولى خاير بك عدّة وظائف في دولة المماليك فغدا صاحب نفوذ وكلمة مسموعة في البلاط المملوكي.

وقد واكبت فترة ترقّي خاير بك السابقة، الصدامات التي وقعت بين المماليك والعثمانيين على أطراف الحدود الشمالية للسلطنة المملوكية، وتواجد جواسيس للعثمانيين بمصر سنة 894هـ/1489م، خاصة من أهالي حلب يراسلون السلطان العثماني.

ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 483، 265.

(18) الكاشف: هو وكيل السنجق حيث يحكم أحد الأقاليم المصرية الصغيرة. وكان الكاشف يتم اختياره من بين المماليك ويعينه الوالي بموافقة الديوان.

يحيي، جلال: المجمل في تاريخ مصر الحديثة. المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، بدون تاريخ، ص60.

(19) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص383.

وجان بردي الغزالي سلافي الأصل من كُرواتيا، كان قد وقع في أسر العثمانيين في عهد السلطان بايزيد الثاني والد السلطان سليم الأول عند فتح منطقة البلُقان (الروملي). ثم أُرسل ضمن مجموعة من الأسرى هديةً إلى السلطان المملوكي الأشرف قايتباي في القاهرة الذي أعتقه حتى وصل إلى درجة الأمارة في عهد السلطان قانصوه الغوري وطومان باي. وجان بمعنى: الروح، وبردي: تعني أعطى.

حرب، محمد: العثمانيون في التاريخ والحضارة. ط1، دار القلم، دمشق 1409هـ (1989م)، ص143-144.

(20) الجمدار: من الجمدارية وهو الذي يتولى إلباس السلطان أو الأمير ثيابه وأصل اللفظة جاما دار، فارسية، بمعنى اللباس داخل البيت ومنها البيجاما.

دهمان: المرجع السابق، ص54. وعاشور: المرجع السابق، ص427.

(21) ابن إياس: المرجع السابق، نفس الصفحة. وهيئة الموسوعة الفلسطينية: الموسوعة الفلسطينية. القسم العام، 4 أجزاء، ج2، دمشق 1984، ص6.

(22) أمير عشرة: رتبة عسكرية في الجيش المملوكي، يكون في خدمة صاحبها عشرة فرسان، ومن هذه الطبقة يتم تعيين صغار الولاة.

دهمان: المرجع السابق، ص22. وعاشور: المرجع السابق، ص415.

(23) حاجب الحجاب: منصب مملوكي، كان صاحبه يقوم مقام النائب في الولايات، وإليه يشير السلطان، وإليه يرجع عرض الجند وما شابه ذلك، وإليه تُقدّم العروض.

دهمان: المرجع السابق، ص59.

(24) ابن إياس: المرجع السابق، نفس الصفحة.

(25) نفس المرجع، ص 382.

(26) نفسه.

(27) حمزة: دور خاير بك، ص 247-248.

(28) لمزيد من التفاصيل حول موقعة مرج دابق، أنظر:

ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 68 – 73، 86-87. و ابن طولون: إعلام الورى بمن ولى نائباً من الأتراك بدمشق الشام الكبرى. تحقيق وتقديم: عبد العظيم حامد خطاب، القاهرة 1973م، ص240-241.

(29) الشهابي، حيدر أحمد (الأمير): تاريخ الأمير حيدر أحمد الشهابي، 4 أجزاء، ج3 علقّ على حواشيه: د.مارون رعد، إشراف: نظير عبود، دار نظير عبود، بيروت 1993، ص738.

(30) ابن زنبل، أحمد: تاريخ مصر، مخطوط موجود في المكتبة الوطنية بميونخ، رقم Cod. Arab.411 ، ورقة 14 أ.

(31) نفسه.

(32) الوطاق: لفظ تركي بمعنى الخيمة الكبيرة أو المخيم التي يستقر بها السلطان.

دهمان: المرجع السابق، ص 155.

(33) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 19أ-19ب.

(34) زقلمة: المرجع السابق: ص 104.

(35) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 25أ. وابن طولون: إعلام الورى، ص241.

(36) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 76.

(37) نفس المرجع، ص 82. و ابن طولون:المرجع السابق، ص 241-242.

(38) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 25 أ – 26ب.

(39) ابن إياس: المرجع السابق، ص 82.

(40) مصطلح الزُعّر الذي يستخدم في بلاد الشام يقابله مصطلح الفتوات في مصر والقبضايات في لبنان.

(41) ابن إياس: المرجع السابق، ص 84.

(42) الحنبلي: المرجع السابق، ورقة 206 ب.

(43) طومان باي: أصله من كتابيّة السلطان الأشرف قايتباي، اشتراه السلطان قانصوه الغوري وكان بينهما قرابة. ثم قدمه لقايتباي، وطومان باي يعتبر السلطان السابع والأربعون من سلاطين المماليك في مصر وأخرهم.

ابن إياس: المرجع السابق: ج5، ص 102.

(44) الدوادار: هو الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير، ويتولى أمرها مع ما ينضم لذلك من الأمور اللازمة لهذا المعنى من حكم وتنفيذ أمور وغير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال.

دهمان: المرجع السابق، ص 77.

(45) ابن إياس: المرجع السابق، ص 85-86.

(46) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 26 ب.

(47) نفس المرجع، ورقة 31 أ – 31ب.

(48) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص102-105. و الصديقي، محمد بن محمد أبي السرور البكري: التحفة البهية في تملك آل عثمان الديار المصرية. مخطوط موجود في المكتبة الوطنية في فيينا، رقم Cod. Arab. 925. A.F. 283 ، ورقة 21 أ – 23 أ.

(49) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 124 – 125. وابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 31 ب – 34أ. وابن أبي السرور: المرجع السابق، ورقة 29 أ –33ب.

(50) أنظر ترجمة نص رسالة السلطان سليم لطومان باي كاملة في:

متولي: الفتح العثماني للشام ومصر، ص 176 – 178 (الذي اعتمد على مخطوط لجلال زاده قوجه نشانجي مصطفى بعنوان: مآثر سليم خاني طاب ثراه. وهذا المخطوط موجود في مكتبة طوبقبو سرايي، رقم 415، ورقة 133 أ – 134ب).

(51) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 125.

(52) أنظر ترجمة نص رسالة السلطان سليم لجان بردى الغزالي كاملة في:

متولي: المرجع السابق، ص 179 – 181 (اعتماداً على نفس المصدر التركي السابق ورقة 134ب – 135ب).

(53) متولي: المرجع السابق، ص 181.

(54) نفس المرجع، ص 182.

(55) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 34 أ – 34 ب. وابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 108.

(56) ابن إياس: المرجع السابق، ص 116 – 117.

(57) نفس المرجع، ص 117.

(58) متولي: المرجع السابق، ص 185، اعتماداً على المصادر التركية التي رجع إليها.

(59) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 35. وابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 128 – 131.

(60) العدوي: المرجع السابق، ص 177 –178. وزقلمة: المماليك في مصر، ص 106.

(61) هيئة الموسوعة الفلسطينية: الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص6.

وإيفانوف: المرجع السابق، ص 69.

(62) متولي: المرجع السابق، ص 186 (الذي اعتمد على مخطوط لأحمد فريدون بعنوان: منشآت الملوك والسلاطين، موجود بمكتبة طوبقبو سرايي، رقمR 1960، ورقة 594ب – 598ب).

(63) متولي: نفس المرجع، ص 186.

(64) نفس المرجع، ص 204–205 (الذي أورد ترجمة كاملة لنص رسالة الفتوح، ص 204 - 209).

(65) أنظر تفاصيل معركة الريدانية:

ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 144 – 148.

(66) نفس المرجع، ص 159 – 160.

(67) زقلمة: المرجع السابق، ص 108.

(68) أنظر رسالة الفتوح في: متولي: المرجع السابق، ص 208.

(69) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 69 أ.

(70) نفس المرجع، ورقة 69 أ – 73 ب. وابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 168.

(71) أنظر تفاصيل تلك الهجمات في: ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 93 ب –100ب.

(72) نفس المرجع، ورقة 102 ب – 103ب. وإيفانوف: المرجع السابق، ص 70.

(73) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 174 – 177.

وابن أبى السرور البكري الصديقي: المرجع السابق، ورقة 29 أ – 33ب.

(74) أنظر ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 122 أ – 123 أ. والحنبلي: المرجع السابق، ورقة 206 ب.

(75) أنظر: ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 128 ب. وابن إياس: المرجع السابق، ص 203. ومتولي: المرجع السابق، ص 234.

(76) متولي: المرجع السابق، نفس الصفحة.

(77) ابن طولون: مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، ج2، ص 43-47، 58 -59.

(78) نفس المرجع، ج2، ص 41 – 43.

(79) متولي: المرجع السابق، ص 234 (اعتماداً على المصادر التركية).

وابن جمعة، محمد: الباشات والقضاة في دمشق في: صلاح الدين المنجد: ولاة دمشق في العهد العثماني، دمشق 1949، ص1.

ولمزيد من التفاصيل عن المعركة التي دارت بين الغزالي وناصر الدين بن الحنش.

أنظر:

سويد، ياسين: التاريخ العسكري للمقاطعات اللبنانية في عهد الإمارتين. جزءان، ج1، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت 1985، ص129 – 130.

(80) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 130 ب. وابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 244.

(81) إيفانوف: المرجع السابق، ص 77.

(82) أنظر: ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 252 – 253. وابن طولون: إعلام الورى: ص 255 – 256. وسويد: المرجع السابق، ص130. و Lammens (S.J.), La Syrie precis Historique, vol.II, Beyrouth 1921, p.56.

(83) ابن طولون: مفاكهة الخلان، ج2، ص 119 – 121. وابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 295.

(84) ابن طولون: إعلام الورى، ص 258. وابن إياس: ص 293.

(85) ابن طولون: إعلام الورى، ص 255. والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 6.

(86) ابن إياس: ص 359 – 360. وابن طولون: المرجع السابق، ص 259.

(87) رافق: المرجع السابق، ص 65.

(88) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 130 ب. ومتولي: المرجع السابق، ص244.

(89) Holt, op.cit,p. 43.

(90) ابن طولون: إعلام الورى، ص 260. ورافق: المرجع السابق، ص 83 – 84.

(91) ابن طولون، محمد: الثغر البسام في ذكر من ولي قضاء الشام، تحقيق: د.صلاح الدين المنجد، دمشق 1956، ص 309.

(92) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 130 ب – 131أ.

(93) نفس المرجع، ورقة 131 أ.

(94) نفس المرجع، ورقة 131 أ – 131 ب.

(95) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 367 – 368.

(96) متولي: المرجع السابق، ص 244.

(97) أنظر: ابن جمعة: المرجع السابق، ص 1. وابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 133 أ – 133ب. وابن طولون: إعلام الورى، ص 260. وإيفانوف: المرجع السابق، ص 78.

(98)ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 370.

(99) متولي: المرجع السابق، ص 247. ورافق: المرجع السابق، ص 84.

(100) ابن جمعة: المرجع السابق، نفس الصفحة.

(101) أنظر نص الوثيقة في:

متولي: المرجع السابق، ص 244 – 246.

(102) نفس المرجع، ص 246.

(103) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 131 ب.

(104) إيفانوف: المرجع السابق، ص 78.

(105) أنظر: ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 131ب – 132ب. وابن طولون: إعلام الورى، ص 262 – 265. ومتولي: المرجع السابق، ص 251.

(106) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 373-375.

(107) ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 133ب.

(108) ابن جمعة: المرجع السابق، ص 3.

(109) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 376 – 377.

(110) إيفانوف: المرجع السابق، ص 78. و Holt, op.cit, p.47.

(111) ابن جمعة: المرجع السابق، ص 2.

(112) أنظر تفاصيل الحملة العثمانية على الغزالي في:

ابن زنبل: المرجع السابق، ورقة 133ب – 136 أ. وابن جمعة: المرجع السابق، ص 3 – 4.

(113) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 382.

(114) إيفانوف: المرجع السابق: ص 78 – 79.

(115) ابن إياس: المرجع السابق، ج5، ص 391.

(116) نفس المرجع، ص 387 – 388.



مراجع البحث



أولاً: المخطوطات:

1- الحلاق، محمد بن يوسف: تحفة الأحباب بمن ملك مصر من الملوك والنواب. موجود في The Beinecke Rare Book and Manuscript Libraryبجامعة Yale بالولايات المتحدة الأمريكية رقم Landberg 229.

2- الحنبلي، مرعى بن يوسف: نزهة الناظرين فيمن ولى مصر من الأمراء والسلاطين. موجود في المكتبة الوطنية بميونخ، رقم Cod. Arab. 889.

3- ابن زنبل، أحمد: تاريخ مصر، موجود في المكتبة الوطنية بميونخ رقم Cod. .Arab. 411

4- الصديقي، محمد بن محمد أبي السرور البكري: التحفة البهية في تملك آل عثمان الديار المصرية. موجود في المكتبة الوطنية في فيينا، رقمCod Arab.925, A.F. 283 .

ثانياً: المصادر الأوّلية:

1ـ ابن إياس، محمد بن أحمد: بدائع الزهور في وقائع الدهور، ط3، 5 أجزاء، تحقيق: محمد مصطفى، ج4،5، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 1404هـ (1984م).

2ـ ابن جمعة، محمد: الباشات والقضاة في دمشق في د.صلاح الدين المنجد: ولاة دمشق في العهد العثماني، دمشق 1949.

3ـ الشهابي، حيدر أحمد (الأمير): تاريخ الأمير حيدر أحمد الشهابي، 4 أجزاء، ج3، علقّ على حواشيه: د.مارون رعد، إشراف: نظير عبود، دار نظير عبود، بيروت 1993.

4ـ ابن طولون، محمد: إعلام الورى بمن ولى نائباً من الأتراك بدمشق الشام الكبرى، تحقيق وتقديم: عبد العظيم حامد خطاب، القاهرة 1973.

5ـ ابن طولون، محمد: الثغر البسام في ذكر من ولى قضاء الشام، تحقيق : د.صلاح الدين المنجد، دمشق 1956.

6ـ ابن طولون، محمد: مفاكهة الخلاّن في حوادث الزمان، جزءان، نشر: محمد مصطفى، ج2، القاهرة 62 – 1964.

ثالثاً: المراجع الثانوية والدوريات والموسوعات:

1ـ إيفانوف، نيقولاي: الفتح العثماني للأقطار العربية 1516- 1574. ط1، ترجمة: يوسف عطا الله، راجعه وقدّم له: د.مسعود ضاهر، دار الفارابي، بيروت 1988.

2ـ حرب، محمد (الدكتور): العثمانيون في التاريخ والحضارة. ط1، دار القلم، دمشق 1409 هـ (1989م).

3ـ حمزة، عادل عبد الحافظ (الدكتور): "دور خاير بك المملوكي في موقعة مرج دابق 922هـ/1516م. رؤية جديدة ". المجلة التاريخية المصرية، مج 36، 1989، ص 241 – 257.

4ـ دهمان، محمد أحمد: معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي. ط1، دار الفكر، دمشق 1410هـ (1990م).

5ـ رافق، عبد الكريم (الدكتور): العرب والعثمانيون (1516-1916)، ط1، دمشق 1974.

6ـ زقلمة، أنور: المماليك في مصر. ط1 مكتبة مدبولي، القاهرة 1415هـ (1995م).

7ـ سويد، ياسين (الدكتور): التاريخ العسكري للمقاطعات اللبنانية في عهد الإمارتين. جزءان، ج1، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1985.

8ـ عاشور، سعيد عبد الفتاح (الدكتور): العصر المماليكي في مصر والشام. ط2، دار النهضة العربية، القاهرة 1976.

9ـ العدوي، إبراهيم (الدكتور): مصر والشرق العربي درع الإسلام. مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة 1985.

10ـ نوار، عبد العزيز سليمان (الدكتور): تاريخ الشعوب الإسلامية. دار الفكر العربي، القاهرة، بدون تاريخ.

11ـ هيئة الموسوعة الفلسطينية: الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، 4 أجزاء، ج2، دمشق 1984.

12ـ يحيي، جلال (الدكتور): المجمل في تاريخ مصر الحديثة. المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، بدون تاريخ.

رابعاً: المراجع الأجنبية:

1. Holt (P.M.), Egypt and the Fertile Crescent, 1516- 1922, Cornell university press, New York 1966.

2. Lammens (S.J.), La Syrie, Precis Historique, vol.11, Beyrouth 1921.
رد مع اقتباس
  #45  
قديم 28-09-2006, 05:34 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

أيها المؤرخون: لا تظلموا العثمانيين المسلمين!

بقلم: زياد محمود أبو غنيمة


--------------------------------------------------------------------------------

قبل أن يدخل الأتراك العثمانيون في الإسلام، لم يكونوا موضع اهتمام جاد من المؤرخين لم يكونوا موضع اهتمام جاد من المؤرخين المسلمين وغير المسلمين، فلم يردْ ذكرهم إلا من خلال إشارات عابرة.

وحين دخل الأتراك العثمانيون في الإسلام انقلبت الصورة وأصبحوا محط أنظار المؤرخين المسلمين وغير المسلمين، بيد أن المؤرخين من غير المسلمين أبدوا اهتماماً ملحوظاً بدراسة تاريخ الأتراك العثمانيين المسلمين.

ولأول وهلة يخيل للمرء أن اندفاع المؤرخين من غير المسلمين في دراسة تاريخ العثمانيين المسلمين كان ينطلق من منطلق علمي سليم، هدفه تتبع العثمانيين المسلمين بأمانة علمية منصفة، ولكن ما أن يطلع المرء على ما أفرزته جهود المؤرخين من غير المسلمين من دراسات عن تاريخ العثمانيين المسلمين، حتى يكتشف أن الغالبية العظمى منهم قد تجاهلوا، وتناسوا مقتضيات الأمانة العلمية والإنصاف، بل أطلقوا العنان لأحقادهم الظاهرة والباطنة، لتكون هي المنطلق الذي ينطلقون من خلاله في تشويه تاريخ العثمانيين المسلمين وإلصاق عشرات الافتراءات التي لا تسندها أية بينات تاريخية بالأتراك العثمانيين المسلمين.

ولئن كنا لا نستغرب أن تصدر مثل تلك الافتراءات عن أقوام فضح الله عز وجل نواياهم تجاه الإسلام والمسلمين في قوله تعالى جل شأنه: (يا أيها الذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتُّم قد بدتِ البغضاءُ من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر قد بيّنا لكم الآياتِ إن كنتم تعقلونَ) [آل عمران: 118].

***

ولئن كنا لا نستغرب أن يحمل الحقد الأسود أولئك المؤرخين على تجاهل وتناسي أبسط قواعد مقتضيات الأمانة العلمية في عملية التاريخ للأتراك العثمانيين المسلمين، فإن الذي نستغربه أشد الاستغراب، بل ونستهجنه بشدة أن ينزلق الكثير من المؤرخين المسلمين، في حمأة عملية التزوير والتشويه والبهتان التي ألصقت بتاريخ العثمانيين المسلمين..

من ذلك مثلاً، تلك الفرية اللئيمة التي لا يكاد يخلو منها إلا النذر اليسير من الكتب التي تؤرخ للعثمانيين المسلمين، والتي تزعم أن السلاطين العثمانيين كانوا يملكون الحق، بموجب فتوى شرعية إسلامية، في قتل من يشاؤون من إخوانهم أو بني رحمهم، أو أقاربهم، بحجة الحفاظ على وحدة المسلمين، ولقطع الطريق على أية فتنة يمكن أن تبرز إذا حاول أحدهم المطالبة بالسلطة لنفسه.

وكان آخر ما وقع عليه نظري من ترديد لهذه الفرية ما جاء في مقال للأستاذ إبراهيم محمد الفحام في عدد المحرم 1402 هـ تشرين الثاني (نوفمبر) 1981م من مجلة العربي التي تصدر في الكويت، حيث ذهب إلى القول بأن السلاطين العثمانيين الجدد اعتادوا عند توليهم مقاليد السلطة أن يقتلوا إخوانهم جميعاً، ليأمنوا محاولات اغتصاب الملك، وأن هذه الظاهرة تكررت مراراً في تاريخ الدولة العثمانية حتى شمل القتل الإخوة الأصاغر سناً.

وإن كنتُ لا أنفي ولا أنكر وقوع العديد من حوادث التصارع بين بعض السلاطين العثمانيين وبين بعض إخوانهم، بل وأحياناً بينهم وبين أبنائهم، وأن بعض هذه الصراعات كانت تنتهي بمقتل أحد الأطراف المتصارعة، إلا أنني أنفي، وبكل شدة، وبإصرار، ما يزعمه الزاعمون من وجود فتوى شرعية إسلامية تبيح لكل سلطان عثماني جديد أن يقتل من يشاء من إخوانه، أو بني رحمه، بحجة المحافظة على وحدة المسلمين منعاً لوقوع الفتنة.

أقول هذا.. وأتساءل:

أليس من مقتضيات أمانة التوثيق العلمي والتاريخي أن يقدَّم بين يدي أية رواية تاريخية بالبينات التي تدعم صحتها، من تحديد للأسماء والأمكنة والأزمنة، وتبيين سلسلة الرواة الذين تناقلوا الرواية، إلى أن وصلت إلى راويها الأخير؟

ثم أليس من مقتضيات أمانة التوثيق العلمي والتاريخي، أن لا يُكتَفى بالتعميم المبهم، بعبارات مبهمة، في رواية تحمل تهمة خطيرة لشعب بأسره هو الشعب التركي المسلم، بل الأمة بأسرها، هي أمة الإسلام، بل للإسلام ذاته الذي كان العثمانيون يحملون لواءة ويمثلونه آنذاك..؟

أين نص الفتوى الشرعية التي يزعم الزاعمون أنها تبيح للسلاطين العثمانيين قتْل بني رحمهم من غير أي مسوغ شرعي؟

أين أسماء العلماء المسلمين الذين أفتوا الفتوى المزعومة هذه؟

وفي زمن أي من سلاطين بني عثمان على التحديد صدرت؟

لقد قرأت بضعة وعشرين مرجعاً، عربياً وتركياً وإنجليزياً، تؤرخ للعثمانيين المسلمين، فما وجدت من بينها مرجعاً واحداً يذكر نص الفتوى المزعومة، أو يذكر اسماً لعالم واحد تنسب الفتوى إليه، بل لقد اكتفى كل مرجع عند ذكر هذه الفرية بسردها وكأنها يقين لا يرقى إليه شك، فلا يحتاج إلى توثيق.

وقبل أن أتحدث بشيء من التفصيل عن تلك الأحداث التي تشبث بها الزاعمون ليرفدوا بها فريتهم، يجدر بي أن أؤكد أن الإسلام يرفض رفضاً قاطعاً هذا الهراء، ولا يقبل مطلقاً أن تهون حياة المسلم، أي مسلم، إلى درجة تباح فيها حياته لمجرد شبهة، أو من أجل وساوس وأوهام تتستر وراء الزعم بالغيرة على جماعة المسلمين من أن تقع فتنة مزعومة لم يقم على وقوعها، أو على مجرد الشك بوقوعها دليل شرعي.

إن طبيعة الإسلام، وأخلاق الإسلام، وإنسانية الإسلام، ترفض رفضاً قاطعاً أن تصدر باسم الإسلام فتوى تبيح لأي إنسان مهما بلغ شأنه، أن يقتل مسلماً إلا في الحالات التي نصّ عليها الشرع : الثيّب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة (المرتد)، والقاتل عمداً (النفس بالنفس).

ألا، وإن كل مسلم مهما كان مستوى علم، يعلم أن قتل النفس، أي نفس، محرّم في شرع الله عز وجل إلا ضمن الحدود التي حددها الله عز وجل.

ولقد ندد الله عز وجل أيما تنديد، بتلك الجريمة التي اقترفها قابيل ابن سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام، يوم طوّعت له نفسُه قتلَ أخيه هابيل فقتله:

(واتل عليهم نبأَ ابنيْ آدمَ إذْ قرّبا قرباناً فتقبِّل من أحدهما ولم يُتَقَبَّلْ من الآخر قال لأقتلنكَ قال إنما يتقبّلُ اللهُ من المتقين. لئنْ بسطتَ يديَ لأقتلكَ ما أنا بباسطٍ يديَ إليكَ لأقتلكَ إني أخافُ اللهَ ربَّ العالمين. إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمكَ فتكونَ من أصحابِ النار وذلك جزاء الظالمين. فطوّعتْ له نفسُه قتلَ أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين. فبعثَ اللهُ غراباً يبحثُ في الأرض لِيُريَهُ كيف يواري سوأةَ أخيه قال يا ويلتا أعجزتُ أن أكونَ مثلَ هذا الغرابِ فأواريَ سوأةَ أخي فأصبح من النادمين) [المائدة: 27-31].

بل إن الله عز وجل لم يكتفِ بالتنديد بجريمة قابيل، بل جعلها منطلقاً لحكم رباني يؤكد حرمة النفس البشرية تأكيداً قاطعاً لا لبس فيه ولا غموض:

(من أجل ذلكَ كتبنا على بني إسرائيلَ أنه مَن قتلَ نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتلَ الناسَ جميعاً) [المائدة: 32].

تلك هي الحقيقة، حقيقة تؤكد براءة الإسلام من تلك الفتوى المزعومة، وتؤكد رفض الإسلام لهذا الهراء.

فمن أين جاءت هذه الفرية إذن؟

وما هي دوافعها، وماذا يقصد مروجوها من ورائها..؟

أما الدوافع التي تكمن وراء ترويج هذه الفريةة، فلا أملك إلا أن أقول: إنها نابعة من الحقد الأسود الذي تمتلئ به قلوب العديد من المؤرخين الصليبيين من أعداء الإسلام، ضد الإسلام والمسلمين..

فلقد انتهز بعض المؤرخين الصليبيين الحاقدين، وقلدهم في ذلك عن قصد أو عن غير قصد، بعضُ المؤرخين الذي يحملون أسماء إسلامية، وقوع بعض حوادث الصراع الدموي على السلطة في الدولة العثمانية، وهو أمر لم تسلم منه أمة ن الأمم على مدار التاريخ، فوجدوا في تلك الأحداث متنفساً لينفثوا من خلاله أحقادهم الدفينة ضد الإسلام والمسلمين، فوجهوا سهام افتراءاتهم ضد العثمانيين المسلمين، وهم في حقيقة الأمر يوجهونها إلى الإسلام الذي كان العثمانيون يمثلونه آنذاك.

أقول هذا، وبين يدي أكثر من دليل.

أبدأ بحادثة مقتل الأمير «دوندار» عمّ السلطان «عثمان»، وهي حادثة أرودها المؤرخ التركي المعاصر إسماعيل حامي دنشمند في كتابه «موسوعة التاريخ العثماني»، الذي ألفه عام 1945م، أي في الوقت الذي كانت فيه أنواء الردة الأتاتوركية في أصخب حالات هبوبها على تركيا، بكل ما تحمله من مشاعر العداء للعثمانيين المسلمين، وزعم فيها أن عثمان بن أرطغرل استشار عمه دوندار البالغ من العمر تسعين عاماً في أمر عزمه على محاربة البيزنطيين، فعارضه عمه في الرأي، فلم يتحمل عثمان معارضة عمه فقام بإعدامه بيده برميه بسهم انتقاماً منه بسبب هذه المعارضة.

ولئن كانت هذه الرواية بنصها هذا من الضعف بحيث خلت منها معظم المراجع التي تؤرخ لعثمان بن أرطغرل، ولئن كان من أجلة ضعفها أن إسماعيل حامي دنشمند لم يؤثق روايته لهذه الحادثة بإيراد اسم المرجع، أو اسم المؤرخ الذي نقل عنه الرواية، فإن الحاقدين على العثمانيين المسلمين، بل على الإسلام الذي يمثله العثمانيون، تلقفوا هذه الحادثة، ونسجوا من حولها من سواد حقدهم ما لا تحتمل، فزعموا، وبئس ما زعموا، أن عثمان قتل عمه دوندار بناءً على فتوى شرعية تبيح له قتله خشية أن يزاحمه على السلطنة، مما قد يؤدي إلى وقوع الفتنة بين المسلمين.

ولئن كان من الإنصاف أن نشير إلى أن ما نقلته معظم المراجع الموثوقة التي أرّخت لعثمان بن أرطغرل، عن شدة تعلّق عثمان بأحكام الشريعة الإسلامية، وعن التزامه الصادق بالإسلام، عبادةً، وخلقاً، وتواضعاً، وما نقلته عن توقيره الشديد لعمه الشيخ الكبير دوندار، يجلعنا نستبعد تصديق مقولة أن عثمان قتل عمه لمجرد معارضته له في الرأي، ويجعلنا نستبعد تصديق مقولة أن عثمان قتل عمه لمجرد معارضته له في الرأي، ويجعلنا على يقين أنه ما فعل ذلك إلا لسبب جلل، أكبر من مجرد الاختلاف في الرأي.

ويرسخ قناعتنا ما أورده المؤرخ التركي المعاصر قادر مصر أوغلو في كتابه «مأساة بني عثمان» المطبوع في إستانبول عام 1979م، في وقت كانت المشاعر الإسلامية في تركيا تشهد فيه شيئاً من أشكال الحرية التي تستطيع معها أن تعبر عن حقيقة رفضها لمشاعر العداء التي حاولت الردة الأتاتوركية ترسيخها ضد العثمانيين المسلمين في نفوس الأتراك.

ففي كتابه ذلك ينقل قادر مصر أوغلو، عن المؤرخ التركي خير الله الهندي الذي عاصر عثمان بن أرطغرل، أن دوندار كان طرفاً في مؤامرة اتفق على تدبيرها بالتعاون مع حاكم مدينة «بيله جك» البيزنطي، تستهدف اغتيال عثمان، تمهيداً لوثوب دوندار إلى الزعامةخلفاً لعثمان، فلما انفضح أمر المؤامرة أصرّ عثمان، وهو الحريص علىتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، على تنفيذ حكم الله في عمه جزاء افترافه لجريمةموالاة أعداء الإسلام، والتآمر معهم ضد جماعة المسلمين.

وتلك لعمري نقطة بيضاء ووقفة شماء شامخة تسجَّل في حسنات عثمان بن أرطغرل، إذ أكّد من خلال حرصه على تطبيق شرع الله في عمه على صدق التزامه بالإسلام، وصدق خضوعه لحكمه، وصدق تفضيله لوشيجة العقيدة وارتباطه بها فوق وشيجة الدم والقرابة.

تلك هي حقيقة السلطان عثمان بن أرطغرل مع عمه دوندار تتهاوى أمامها أباطيل الحاقدين وأراجيف المرجفين.

أما قصة السطان مراد بن أورخان مع ولده الأمير «ساجي» فهي أيضاً علامة بارزة تؤكد صدق التزام مراد بالإسلام، وصدق خضوعه لأحكام شريعته.

ففي الوقت الذي كان السلطان مراد يواجه أشرس الحملات المتلاحقة التي تمثلت في العديد من الأحلاف الصليبية التي تجمع تحت ألويتها ملوك وأمراء المجر والصرب والبلغار والأرناؤوط (ألبانيا)، بمباركة من بابا روما أوربيان الخامس، وبتحريض سافر منه [766هـ/1365م].

وفي الوقت الذي كان فيه السلطان مراد يواجه فيه خطراً تمثل في قيام الأمير الإيطالي آميديو بتجميع جيش من الإيطاليين تحت شعار الانتقام للصليب من العثمانيين المسلمين [770هـ/1368م].

وفي الوقت الذي ازداد فيه الخطر ضد الدولة العثمانية المسلمة، بقيام إمبراطور بيزنطة يوانيس الخامس بزيارة روما عام [771هـ/1369م] مستنجداً بالبابا ضد العثمانيين المسلمين، ومعلناً تحوله عن مذهبه الأرثوذكسي إلى المذهب الكاثوليكي في محاولة لاسترضاء بابا روما لإقناعه بعده بالنجدة التي يطلبها ضد العثمانيين المسلمين.

وفي الوقت الذي كان السلطان مراد يواجه خطراً داهماً جديداً تمثّل في نجاح البابا بتجنيد أكثر من ستين ألف مقاتل صليبي بقيادة ملك بلاد الصرب الجديد ووقاشتين [773هـ/1370م].

وفي الوقت الذي كان السلطان مراد لا يكاد ينجح في التغلب على إحدى مكائد الأعداء، حتى يواجه مكيدة أخرى، كان ولده الأمير ساوجي يتآمر سراً مع الأمير البيزنطي أندرونيقوس، الابن الثاني للإمبراطور يوانيس، لتدبير مؤامرة للإطاحة بالسلطان مراد، وتسليم السلطة للأمير ساوجي، وسرعان ما انتقلت المؤامرة من مرحلة التدبير إلى مرحلة التنفيذ، فسار الأميران ساوجي وأندرونيقوس على رأس جيش كانت غالبية جنوده من البيزنطيين، وتمركزا بجيشهما في منطقة لا تبعد كثيراً عن القسطنطينية، فسارع السلطان مراد لملاقاتهما، فما كاد يقترب منهما حتى خارت معنويات المتآمرين ففر الجنود البيزنطيون من أنصار أندرونيقوس، ولجأ الجنود العثمانيون من أنصار الأمير ساوجي إلى جيش أبيه السلطان مراد، فأصبح ساوجي وأندرونيقوس من غير جيش، فلم يجدا أمامهما مفراً من الهرب، ففرا إلى مدينة »ديمومة«، فلحق بهما السلطان مراد واضطرهما إلى الاستسلام.

وجمع السلطان نخبة من القادة والعلماء والقضاة لمحاكمة ولده ساوجي، فحكوا عليه بالموت جزاء خروجه على طاعة ولي الأمر وجزاء موالاته للكفار أعداء الإسلام والتحالف معهم قولاً وفعلاً في محاربة المسلمين.

وأمر السلطان مراد بتنفيذ حكم الشرع في ولده مسجلاً في ذلك صدق ولائه لحكم الشريعة، وصدق التزامه بالإسلام، ولكأني به وهو يفعل ذلك، كان يستشعر قوله تعالى عز وجل: (لا تجدُ قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخر يوادّون من حادّ اللهَ ورسولَه ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئكَ كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي اللهُ عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألاَ إنّ حزبَ الله هم الغالبون) [المجادلة: 22].

ولقد كان من الطبيعي أن يستغل الحاقدون حادثة مقتل ساوجي، فتلقفوها وطفقوا ينسجون من حولها الأقاويل والافتراءات ليرفدوا من خلالها فريتهم عن الفتوى الشرعية المزعومة التي تبيح للسطان العثماني المسلم قتل من يشاء من بني رحمه.

وكان من الطبيعي أن يشتط الحقد بأعداء الإسلام، فينفثوا حقدهم ضد السلطان مراد ويتهمونه بالوحشية، وتحجُّر عاطفة الأبوة في قلبه، وما دروا أن صدق الالتزام بالإسلام يجعل وشيجة العقيدة فوق كل وشيجة. وصلوات الله وسلامه على نبينا محمد الذي علّم المسلمين هذه الحقيقة الإيمانية حين قال: »واللهِ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها.«

وأنتقلُ إلى حادثة قتل السلطان بايزيد بن مراد (الصاعقة) لأخيه الصغير يعقوب، فلا أجد غضاضة في تأكيد وقوعها، ولا أجد حاجة إلى محاولة تبريرها. فقد استهل يايزيد عهده فعلاً بارتكاب جريمة بشعة حيث أقدم على قتل أخيه الصغير يعقوب بتحريض من بعض أنصاره الذين طفقوا يوغرون صدره ضد أخيه، الذي كان شجاعاً، قوي الشخصية، ووجدتْ وشايةُ المغرضين هوى في نفس بايزيد الذي خشي أن يزاحمه يعقوب على السلطنة، واشتطت به وساوسه حين أخذ الوشاةُ يذكرونه بأن جده أورخان بن عثمان ولي السلطنة رغم كونه الأصغر سناً من أخيه الأمير علاء الدين.

ولئن كنت أنكر أن بايزيد قد ارتكب جريمته البشعة فعلاً، بعد أن غلبه هواه، وزينت له وساوسه أن يقترف تلك الجريمة، وطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله. فالجريمة يتحمل وزرها بايزيد وحده، وليس من العدل ولا من المنطق أن يزجّ بالإسلام في عملية تبريرها.

وينبغي أن أشير هنا إلى أن الجفاء كان مستحكماً بين العلماء والسلطان بايزيد، لدرجة أستبعد معها أن يجد بايزيد عالماً واحداً يستجيب له فيصدر تلك الفتوى التي ينسب استصدارها في بعض المراجع إلى بايزيد.

ولقد بلغ من حدة ذلك الجفاء أن العالم المؤمن القاضي شمس الدين محمد حمزة الفناري ردّ شهادة السلطان بايزيد في إحدى القضايا، فلما راجعه بايزيد في ذلك، أجابه القاضي المؤمن بأنه ردّ شهادته لأنه تارك لصلاة الجماعة.

بل لقد بلغ الجفاء بين العلماء والسلطان بايزيد إلى حد أقرب ما يكون إلى القطيعة بسبب استنكارهم لوقوعه تحت سيطرة وتأثير زوجته النصرانية الأميرة أوليفيرا شقيقة ملك الصرب لازار، ونماديه بتحريض منه على إدمان شرب الخمر، وإقامة حفلات اللهو، ويذكر المؤرخ التركي المعاصر إسماعيل حامي دنشمند في كتابه »موسوعة التاريخ العثماني« أن بايزيد ذهب ليتفقد العمل في بناء مسجد »أولو جامع« في بورصة، وكان قد أوشك بناؤه على الانتهاء، فالتقى خلال تجواله في المسجد بالعالم المؤمن محمد شمس الدين البخاري، فسأله على مسمع من الناس عن رأيه في نابء المسجد، وهل يرى في البناء أي نقص..؟ فأجابه العالم المؤمن بجواب ساخر يحمل بين طياته مشاعر عدم الرضى عن سيرة بايزيد المنافية للإسلام، فقال له: بالنسبة لنا نحن المسلمين، فإننا لا نجد أي نقص في بناء المسجد، أما بالنسبة إليك يا بايزيد، فإني أخشى أن تكون قد نسيت أن تضع خزانة تحفظ بها خمورك بجانب المحراب.

أفيعقل بعد هذا أن يجد بايزيد عالماً واحداً يفتي بقتل أخيه من غير مسوّغ شرعي؟

ولقد وجد الحاقدون رافداً جديداً يدعمون به فريتهم فيما وقع من صراع دموي بين أبناء بايزيد الصاعقة، حين قتل محمد بن بايزيد إخوته عيسى ثم سليمان ثم موسى ليتفرد بحكم السلطنة.

ولئن اشتط المغرضون في حقدهم فزعموا أن محمد بن بايزيد قد قتل إخوته بموجب تلك الفتوى الشرعية المزعومة، فإن الحقائق التاريخية تؤكد أن ما جرى بين أبناء بايزيد من اقتتال دموي كان اقتتالاً مصلحياً من أجل الطموحات الشخصية بكل واحد منهم للجلوس على عرش السلطنة، وليس من العدل والإنصاف إن يزج بالإسلام في هذا المقام.

وينبغي أن أشير إلى أن شهوة الجلوس على عرش السلطنة قد اشتطت بأبناء بايزيد لدرجة لم يجدوا معها غضاضة في الاستعانة بأعداء الإسلام من البيزنطيين ضد بعضهم بعضاً، كما فعل سليمان بن بايزيد حين تنازل لملك الروم »إيمانويل الثاني« عن مدينة سلانيك وسواحل البحر الأسود مقابل الوقوف إلى جانبه ضد أخويه الآخرين عيسى ومحمد.

هذا، وينبغي أن أشير إلى أن بعض المؤرخين المغرضي زعموا أن الفتوى الشرعية المزعومة التي تبيح للسلطان قتل بني رحمه من غير مسوغ شرعي هي تلك الفتوى التي أصدرها الشيخ سعيد أحد تلاميذ الشيخ التفتازاني، والتي ورد نصّها على النحو التالي: »من أتاكم وأمركم جميعاً على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، ويفرق جمعكم، فاقتلوه.«

والحقيقة أن هذه الفتوى قد صدرت عام [823هـ/1420م] كما يورد المؤرخ التركي عبد القادر داده أوغلو في كتابه »التاريخ العثماني المصوّر« ضد أحد قضاة العسكر وهو الشيخ بدر الدين الذي ثار على السلطان وتزعم حركة تنادي بإلغاء التفرقة بين الأديان، وبتوزيع الأموال سواسية بين الناس، وقد اندس في حركة الشيخ بدر الين، كما يروي الأستاذ محمد فريد في كتابه «تاريخ الدولة العلية العثمانية»عدد من اليهود والنصارى، وعندما وقع بدر الدين في الأسر بعد معركة حامية الوطيس، حوكم أمام هيئة من كبار العلماء والقضاة، فصدرت بحقه الفتوى بنصها الذي أوردته آنفاً، وبتوقيع الشيخ شعيد، ويروي المؤرخ التركي المعاصر إسماعيل حامي دنشمند في كتابه «موسوعة التاريخ العثماني» أن الشيخ بدر الدين قد وقع بنفسه أيضاً على الفتوى اعترافاً بذنبه، وتم إعدامه شنقاً على ملأ من الناس في السوق الرئيسي في مدينة سراز.

ولقد وجد المغرضون مبرراً آخر لرفد بهتانهم بخصوص الفتوى المزعومة في حادثة إعدام السلطان مراد الثاني لعمه مصطفى بن بايزيد.

وحقيقة الأمر أن مصطفى بن بايزيد كان قد اختفى وانقطعت أخباره بعد هزيمة بايزيد (الصاعقة) في معركة أنقرة أمام تيمورلنك، ثم ظهر فجأة في زمن أخيه السلطان محمد جلبي بن بايزيد مطالباً بالسلطنة لنفسه، واستنجد بأعداء الإسلام من البيزنطيين فأمدوه المساعدات، وأوعزوا لأمير بلاد الفلاخ بإمداده بجيش كبير، ولكن مصطفى فشل في تحقيق أي نجاح، واضطر إلى اللجوء إلى سلانيك التي كان الأمير سليمان بن بايزيد قد أعادها إلى السيطرة البيزنطية مقابل وعدهم له بمساعدته ضد إخوته، كما أسلفت قبل قليل، واتفق السلطان محمد جلبي مع إمبراطور بيزنطة على إبقاء أخيه مصطفى في سلانيك تحت مراقبة الإمبراطور، مقابل مبلغ من المالن استمر الأمر على هذا النحو إلى أن ولي السلطنةمراد الثاني بن جلبي فتحرش به الإمبراطور «إيمانويل الثاني» في محاولة منه لإعادة هيبة الإمبراطورية، وطلب منه عقد معاهدة يتعهد مراد بموجبها بعدم القيام بأية محاولة لغزو القسطنطينية، فلما وقف السلطان مراد موقفاً حازماً في وجه إيمانويل ورفض مطالبه عمد عمانويل إلى استدعاء الأمير مصطفى وأمده بعشر سفن حربية مدججة بالجنود والسلاح، فتمكن مصطفى من الإستيلاء على مدينة وميناء غاليبولي، ثم تمكن من التغلب على الجيش العثماني الذي أرسله السلطان مراد لمحاربته بقيادة وزيره بايزيد باشا، فسار السلطان مراد الثاني بنفسه لملاقاة عمه مصطفى الذي لم يلبث أن وقع في أسر مراد، ليواجه عقوبة الإعدام شنقاً، جزاء خيانته لله ولرسوله وللمؤمنين، وهل من خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين أعظم من موالاة في جماعة المسلمين، ينبري هؤلاء ليزعموا أن الإسلام يبيح للسلطان قتل بني رحمه كيفما يشاء..؟

فرية باطلة ... وبهتان عظيم..

وأجدني هنا مضطراً للتوقف وقفة أردّ بها فرية خبيثة ألصقت بالسلطان محمد الفاتح، فقد درج بعض المؤرخين، وهم يؤرخون لحياته، على الزعم بأنه قام بقتل أخيه الرضيع أحمد جلبي بعد أيام قليلة من تسلمه مسؤولية السلطنة بعد وفاة أبيه السلطان مراد، خشية أن يزاحمه على السلطنة، ومن المؤسف أن هذا الزعم لم يقتصر على المؤرخين غير المسلمين، وإنما وقع في أحبولته عدد من المؤرخين المسلمين.

ولئن كانت هذه الفرية التي ألصقت بالسلطان محمد الفاتح تكون أوهمن من بيت العنكبوت، إلا أنني أجد من الواجب التوقف عندما وتفنيدها، لكي لا يبقى بعد ذلك عذر لأي مؤرخ يحترم نفسه، ويحترم شرف الكلمة التي يؤرخ بها، أن يستمر في ترديد هذا البهتان العظيم ضد السلطان محمد الفاتح.

هل يعقل أن سلطاناً ولي السلطنة في عهد أبيه، وتحت كنفه، ثم وليها من بعد وفاة أبيه، وقد اشتدّ ساعده، ونضجت خبرته، والتفت الأمة من حوله تحوطه بالحب والطاعة، هل يعقل أن هذا السلطان يغار من أخ له رضيع، فيخشى أن ينازعه على السلطة..؟ وكيف يتسنّى لطفل رضيع، وأنى له، أن ينازع على السلطنة، وهو الرضيع الذي إن تأخرت أمه عليه بالحليب يوماً مات جوعاً.

ثم هل يصدق إنسان عاقل، أن محمداً الفاتح، الذي تربى على مائدة القرآن، على يد خيرة علماء عصره، أمثال الشيخ أحمد بن إسماعيل الكوراني الذي كان الفاتح يسميه «أبا حنيفة زمانه»، والشيخ تمجيد أوغلو، والشيخ محمد جلبي زاده، والشيخ مولا إياش، والشيخ الغوراني، والشيخ سراج الدين الحلبي، والشيخ آق شمس الدين، ويمكن أن يفكر بمثل هذا الأمر الفظيع..؟

بل، لنفرض جدلاً أن محمداً الفاتح كان يوجس خيفة أن ينازعه أخوه الرضيع على السلطنة، أفما كان يستطيع أن يحتويه تحت كنفه، ويربيه على الإخلاص له، بدل أن يقتله؟

ولماذ يستبق محمد الفاتح الأمور فيقتل أخاه الرضيع، وقد كان بإمكانه أن ينتظر وهو مطمئن البال بضعة عشر عاماً حتى يكبر أخوه، فيتحقق من نوازعه ونواياه؟

من هنا نستطيع أن نتبين انتفاء المصلحة الشخصية للسلطان محمد الفاتح من قتل أخيه الرضيع.

ولننتقل الآن إلى مناقشة الطريقة التي تمت بها عملية القتل المزعومة، فقد زعم مروّجو هذه الفرية أن السلطان محمداً الفاتح أرسل أحد قواده، واسمه علي بك، إلى جناح النساء لقتل أخيه الرضيع، فلما علم علي بك أن الطفل موجود في حمام النساء حيث تقوم مربيته بغسله، اقتحم الحمام وأمسك بالطفل الرضيع وغطسه تحت الماء حتى مات مختنقاً غرقاً..

هل يصدق عاقل أن محمد الفاتح، وهو الذكي المحنك، يقدم على قتل أخيه الرضيع بهذه الصورة المكشوفة الساذجة؟ وهل كان عاجزاً عن تكليف إحدى النساء، كزوجته، أو إحدى خادماتها، بتنفيذ عملية القتل دون إثارة انتباه أحد، بدل من أن يرسل رجلاً إلى جناح النساء، وهو أمر غير مألوف، بله أن يسمح له بأن يقتحم هذا الرجل حمام النساء، حيث يكنّ فيه متحللات من حجابهن، ومتخففات من كثير من ملابسهن، وفي ذلك ما فيه من خروج مستهجن عن المألوف، من شأنه لو تحقق فعلاً أن يثير من هياج النساء، وضجيجهن، وصخبهن، ما يضطر ذلك الرجل إلى الفرار قبل أن ينفذ مأربه، مهما بلغت به الجرأة والنذالة؟

إذن، ما هي حقيقة هذه الفرية؟

الحقيقة أن المربية التي كان موكلاً إليها أمر العناية بالطفل الرضيع أحمد، انشغلت عنه لبعض شأنها بينما كانت تغسله، فوقع في حوض الماء، فمات مختنقاً غرقاً قبل أن تتداركه الأيدي التي امتدت لإنقاذه بعد فوات الأوان.

وتصادف بعد غرق الطفل بأيام قليلة أن أحد ضباط الجيش، واسمه علي بك، ارتكب جريمة عقابها الإعدام، فلما أعدم، وجد الحاقدون مادة جديدة خيّل إليهم أنهاتدعم بهتانهم، فطفقوا يزعمون أن علي بك هو الذي أغرق الطفل الرضيع أحمد، وأن السلطان محمد الفاتح خشي أن يفشي هذا الرجل سره فقتله، ومن هنا جاءت الفرية على النحو الذي أشرت إليه، وينبغي الإشارة إلى أن «إدوارد سي كريسي» يتبنى هذا الزعم في كتابه «تاريخ العثمانيين الأتراك» المطبوع بالإنجليزية في بيروت في عام 1961م، ويدّعي أن السطان الفاتح أقدم على قتل الضابط علي بك متهماً إياه بقتل أخيه الرضيع دون أن يكون للسلطان علم بذلك.

ولو أنهم توقفوا عند هذه الفرية وحدها لهانَ الأمر، ولكنهم ما برحوا أن بدأوا ينسجون من حولها المزيد من الافتراءات، فزعموا أن محمداً الفاتح، لم يكتف بقتل أخيه، بل أصدر قانوناً أعطى للسلطان الحق في قتل من يشاء من إخوته وأبنائه وأبناء عمومته وخؤولته، لقطع الطريق على أي منهم أن ينافسه على السلطة.

ولقد أوضح المؤرخ التركي المعاصر إسماعيل حامي دنشمند في كتابه «موسوعة التاريخ العثماني» الدافع الذي جعل السلطان محمد الفاتح يصدر هذا القانون فقال:

«حين وجد السلطان محمد الفاتح أن أكبر خطر يهدد الدولة العثمانية في الفترة التي سبقت توليه مقاليد السلطنة، نجم عن تكرار حوادث الانشقاق التي كانت تقع بين الأمراء العثمانيين، والتي كانت تصل في أكثر الأحيان إلى درجة الاقتتال، وتؤدي إلى انقسام الدولة إلى فريقين أو أكثر، مما كان يؤثر على وحدة الدولة، ويغري خصوم الإسلام بها، فقد رأى السلطان محمد الفاتح أن يضع قانوناً أسماه «قانون حفظ النظام للرعية» أكد بموجبه أن الموت سيكون مصير كل من يعلن العصيان المسلح ضد السلطان، ويتعاون مع أعداء الإسلام ضد المسلمين.»

ويردف إسماعيل حامي دنشمند أن هذا القانون كان سبباً في انحسار، أو على الأقل، في تقليص حوادث العصيان المسلح، التي كادت أن تصبح أمراً شائعاً في الدولة العثمانية قبل صدور هذا القانون.

وإن المرء لتتملكه الدهشة، حين يرى أن كل دول الدنيا، قديمها وحديثها، لا تخلو قوانينها من مثل هذا القانون، ومع ذلك لا تجد أحداً يعترض عليها أو يشوه مقاصدها، كما كان يفعل المغرضون تجاه الدولة العثمانية!

وبعد:

فإني أحسب أن القارئ الفطن، يدرك من خلال ما أوردتُ من حقائق، أن الحاقدين إنما يهدفون من وراء التركيز على تحريف تاريخ الأتراك العثمانيين المسلمين إلى الإساءة إلى الإسلام ذاته، ومن خلال الإساءة إلى الأتراك العثمانيين المسلمين، حين يظهرونهم بمظهر القوم المتوحشين الذين انعدمت الرحمة من قلوبهم، ومن خلال الإيحاء بأن مسألة قتل السلاطين لإخوانهم كانت أمراً عادياً مألوفاً عندهم.

أقول هذا، ولا أنفي أن يكون في تاريخ بني عثمان، وخاصة في عصورهم المتأخرة، بعض الأمور التي لا تنسجم مع الإسلام، وتتعارض مع أحكامه، وليس الذنب في ذلك ذنب الإسلام، وإنما ذنب المسيء نفسه.


--------------------------------------------------------------------------------

مجلة الأمة، العدد 53، جمادى الأولى، 1405 هـ
رد مع اقتباس
  #46  
قديم 29-09-2006, 02:52 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

عبد الحميد الثاني
(لن يستطيعوا أخذ فلسطين إلا عند تشريح جثتي وساعتها يأخذونها بلا ثمن، أما وأنا على قيد الحياة فلا).
في سنة 1258هـ-1842م ولد السلطان عبد الحميد ونشأ وترعرع في دار الخلافة العثمانية التي كانت محط أنظار المسلمين، كانت لهم نعم العون والسند، يجتمعون تحت رايتها، ويحتمون بها من شرور أعداء الإسلام.
ومرت الأيام، وآن لـ(عبد الحميد الثاني) أن يتحمل المسئولية في وقت كانت تحيط فيه الأخطار بالدولة من كل جانب، بعد أن أصدر شيخ الإسلام في دار الخلافة العثمانية فتواه التاريخية بعزل السلطان (مراد الخامس) وتعيين شقيقه الأصغر
عبد الحميد الثاني خليفة على المسلمين.
وقبل أن يباشر السلطان مهامه الجديدة صلى لله تعالى ركعتين شكرًا في جامع
(أبي أيوب الأنصاري) وهناك تسلم من شيخ الإسلام سيف عمر بن الخطاب
-رضي الله عنه- وهو سيف الخلافة، وبدأ موكب السلطان الجديد يسير في شوارع العاصمة (استنبول).. تنثر الزهور، وتنشر الرياحين من شرفات المنازل ابتهاجًا بالسلطان الجديد، حتى إذا مرَّ الموكب بقبر والد السلطان ومقابر أجداده
الفاتحين، نزل السلطان عبد الحميد ليدعو لهم بالرحمة والمغفرة وفاء وعرفانًا.
وبدأ السلطان عبد الحميد الثاني بداية طيبة تدل على اعتزازه بدينه الإسلامي وفخره بتعاليمه، فكان أول ما أصدره من قرارات أن أقرَّ الدستور الذي يكفل المساواة بين جميع الناس من خلال المجالس الشرعية، كما أصدر أوامره بحرية القضاء لتكون كلها نافذة من خلال النظام الإسلامي للدولة، فظل الإسلام في عهده منبع القوانين ودستورها، كما عرف السلطان للعلماء حقهم، فكان لا يقطع أمرًا دونهم، ويحرص على استشارتهم والأخذ بآرائهم.
وقد حاول اليهود عن طريق زعيمهم الماكر (هرتزل) استمالة السلطان عبد الحميد الثاني، حتى يسمح لهم بإقامة وطن لليهود في فلسطين (بيت المقدس)، فعرضوا عليه مبلغًا ضخمًا في ذلك الزمان البعيد يقدر بثلاثة ملايين من الجنيهات بالإضافة إلى دفع مبلغ كبير للدولة العثمانية -سنويًّا- مقابل أن يصدر السلطان عبد الحميد قرارًا يسمح فيه لليهود بالهجرة إلى فلسطين والتوطن فيها، وهنا قال السلطان عبد الحميد قولته الخالدة التي سجلها التاريخ بمداد من ذهب: (لست مستعدًّا لأن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلاد، فهي ليست ملكي بل هي ملك لشعبي، روي ترابها
بدمه، وليحتفظ اليهود بأموالهم، ولن يستطيعوا أخذ فلسطين إلا عند تشريح
جثتي، وساعتها يأخذونها بلا ثمن، أما وأنا على قيد الحياة.. فلا).
واستمرت مكائد اليهود، فحاول هرتزل، أن يقدم عرضًا مغريًّا جديدًا
للسلطان، فلقد كانت الدولة العثمانية مدينة لأوروبا بمبلغ كبير من المال، وعرض اليهود تسديد هذه الديون مقابل تحقيق طلبهم، ولكن السلطان كان أثبت جأشًا وأقوى عزيمة عندما قال: (إن الديون ليست عارًا، ولكن العار أن أبيع أرضًا
لليهود، فليحتفظ اليهود بأموالهم، فالدولة العثمانية لا يمكن أن تحتمي وراء حصون بنيت بأموال أعداء المسلمين).
واستمرت الدسائس والحيل الخبيثة، ففي عام 1902م طلب هرتزل من السلطان أن يسمح له بإنشاء جامعة عبرية في فلسطين يديرها أساتذة من بني صهيون، فرفض السلطان هذا العرض أيضًا، لأنه يعلم أن هذه الجامعة سوف تكون بداية لاحتلال الأرض، فأنكر جميع رسائلهم ورفض قبول هداياهم.
وعند ذلك عمل اليهود على تأليب أوروبا وروسيا ضد السلطان عبد الحميد، فقامت الثورات على الحدود، وأعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية، وتنكرت أوروبا للمعاهدات المعقودة معها، فوقفت إلى جوار روسيا في حربها ضد السلطان
عبد الحميد.
وفي نفس العام ثار المسيحيون في (تكريت) بتحريض من البابا، وكان السلطان يحارب ومن ورائه قلوب المسلمين تدعو له، ورغم هزيمته فإن القادة والجنود العثمانيين أظهروا شجاعة فائقة شهد بها الأعداء الأوربيون، ولكن لم تشغل هذه الأحداث السلطان عبد الحميد عن الإصلاحات الداخلية في شتى أنحاء الدول العثمانية؛ فنشر التعليم المدني بجميع مراحله وأنواعه، وأنشأ جامعة (استنبول)
سنة 1885م والتي كانت تعرف أولا باسم (دار الفنون) كما أنشأ دورًا للمعلمين ومعاهد فنية ومدارس ابتدائية وثانوية مدنية، واهتم بالتعليم العسكري، وأنشأ المكتبات ومدرسة خاصة لتخريج الدعاة.
كما توسع في إنشاء الخطوط الحديدية ليسهل الحج وذلك بتقصير مدة الرحلة وليجعله في متناول الجميع، واستخدم البرق كوسيلة جديدة للمراسلة، وتبنى مشروع الجامعة الإسلامية، وسار فيه سيرًا مباركًا، وعمل على إعادة الهيبة إلى الخلافة كما كانت في عهودها الأولى، وكان دائمًا يدعو المسلمين إلى الاتحاد، كما كان حريصًا كل الحرص على نشر هذا الأمر بين المسلمين جميعًا في كل البلاد الإسلامية.
لكن اليهود ظلوا يعملون ضده في الخفاء، فسلطوا عليه إعلامهم، واتهموه في حياته الخاصة، وشهروا به وبأسرته، وساهموا في إنشاء جمعية (الاتحاد والترقي العثمانية) التي قامت بثورة عسكرية استمرت عامًا كاملاً من سنة 1908 حتى سنة 1909 ونجحت بعدها في سلب الخلافة من السلطان عبد الحميد، وقررت نفيه إلى (سالونيك) في إبريل سنة 1909م.
وظل عبد الحميد الثاني في منفاه حتى لقي ربه سنة 1918م بعد أن أدار شئون الدولة العثمانية لمدة أربعة وثلاثين عامًا، فكان من أطول سلاطين الدولة العثمانية
حكمًا، كما كان من أكثر السلاطين الذين تمَّ الافتراء عليهم زورًا وبهتانًا.
1
رد مع اقتباس
  #47  
قديم 04-12-2006, 10:44 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road


صور حكام الأسرة
أدرجنا في هذه الفقرة كل المواد المصورة التي يمكن أن تصف لنا هيئة حكام الأسرة أو السلالة، اقتصرنا على المواد التي يمكن أن ترتقي إلى قيمة تاريخية (وليس الصور أو الرسومات الخيالية)، يمكن العثور على هذه المواد على العملات و النقود القديمة، الزخارف على القصور، الكتب والمخطوطات المعاصرة لفترة الحاكم، و بعض اللوحات الشخصية أو الصور الشمسية بالنسبة للفترة الحديثة (بعد القرن الـ15 م). من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر هذه المواد هي معاصرتها للشخص الذي تصوره لنا.









تاريخ الشعارات و الرايات المستعملة أثناء عهد الأسرة
أدرجنا في هذه الفقرة كل الأشياء التي اتخذتها الأسرة أو السلالة أو مجموعة من الحكام حتى تميز نفسها. الشعارات: وقد تتخذ على الأختام، الدروع، الألبسة، الأواني...وغيرها. الرايات: وتتخذ أثناء الحروب، و هي أهم مايمكن أن يميز السلالات عن بعضها



رد مع اقتباس
  #48  
قديم 04-12-2006, 12:49 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الصفويون، آل صفويان: سلالة تركمانية من الشاهات حكمت في بلاد فارس (إيران) سنوات 1501-1722 م.

المقر: تبريز: حتى 1548 م، قزوين: 1548-1598 م، أصفهان: منذ 1598 م.

أسس الشيخ صفي الدين الحلي (1252-1334 م) طريقته الصوفية في أردبيل (شمال شرق إيران، وجنوب أذربيجان) سنة 1300 م. أصبحت أردبيل عاصمة دينية ثم سياسية لأتباعه (مع تحولها إلى حركة سياسية). تحول أبناء هذه الطائفة منذ منتصف القرن الـ15 م إلى المذهب الشيعي. نجح الصفويون في الوصول إلى الحكم (على بعض المناطق) أثناء زعامة جنيد (1447-1450 م) ثم حيدر (1460-1488 م)، والذين استطاعا إنشاء تنظيم سياسي وتكوين وحدات خاصة من الجيش، أو القزلباش (كزلباشي أو الرؤوس الحمراء نسبة إلى التاج أو العمامة الحمراء التي يرتديها أتباع الطريقة الصفوية، وتربط العمامة بإثني عشرة لفة تلميحا للأئمة الإثنا عشر).

تولى شاه إسماعيل (1501-1524 م) منذ سنة 1494 م زعامة التنظيم وقام بالدعوة إلى المذهب الشيعي. استولى على مناطق غيلان (گيلان)، واصل سنوات 1499-1501 في توسعه حتى شمل كامل بلاد فارس (إيران). قام بطرد القراقويونلو سنة 1507 م واستولى العراق. أقر المذهب الشيعي الإثني عشري مذهبا رسميا للدولة. حاول أن يسوي بين الفئات التركمانية في الجيش (القزلباشي) والفئات من أصول إيرانية (الإدارة). انهزم أمام العثمانيين في موقعة خلدران (جيلدران) سنة 1514 م. توالت الحروب بينهم وبين العثمانيين على الحدود الغربية من البلاد من جهة، و بين الأوزبك (الشيبانيون في بخارى) على الحدود الشرقية من جهة أخرى. استطاع طهماسب (1524-1576 م) أن يحيَّد أعدائه عن طريق سياسته المتوازنة وتسويته للمشاكل الدينية. كما بدأ في عهده تشجيع حركتي الآداب والفنون. بعد مرحلة اضطرابات عديدة استقر حال الدولة أثناء عهد عباس الأول (1587-1629 م). قام الأخير سنة 1601 بضم البحرين (كامل الساحل الشرقي من جزيرة العرب). استولى على أذربيجان سنة 1603 م، ثم شيراز، أرمينية وأجزاء من أفغانستان سنة 1608 م. سنة 23/1624 م قام بضم العراق وكردستان مرة أخرى. داخليا قام بإصلاحات شاملة في الجيش واستعان ببعض من العبيد المسيحيين لقيادة هذا الجيش. عَمر مدينة أصفهان وجعل منها أهم مدن العالم في تلك الفترة. استطاع عن طريق سيطرته على الخليج الفارسي أن ينظم التجارة فانتعش اقتصاد البلاد. بعد موته خلفه على العرش حكام كانوا في الأغلب ضعيفي الشخصية. تم في الفترة إقرار العديد من المراسيم الخاصة بالقصور والتي تتعرض لواجبات الحاشية تجاه الشاه.

عاشت الدولة مجدها الأخير أثناء عهد عباس (الثاني) (1642-1666 م)، والذي كثف من التبادل التجاري مع الدول الأوروبية عن الشركات التجارية العاملة في المنطقة، كما قام ببعض الإصلاحات الداخلية. قام عام 1648 م بضم أجزء جديدة من أفغانستان إلى دولته. عرفت اقتصاد البلاد مرحلة تقهقر متسارعة أثناء عهد شاه حسين (1694-1722 م) والذي تسبب في إثارة الطائفة السنية بعدما أظهر عدم التسامح في تعامله معهم وتعصبه الشديد للمذهب الشيعي. منذ سنة 1719 م بدأ زحف الأفغان (سنيين) والذين كان يحكمهم الغلزاي (گلزاي) على مملكة الصفويين. استولى هؤلاء على أصفهان سنة 1722 م، قاموا بخلع شاه حسين ثم أعدموه سنة 1726 م. حتى سنة 1736 قام الغلزاي (گلزاي) بإنشاء حكومة ظل صفوية (يمثلها شاه مجرد من السلطة). كانت السلطة الحقيقية في بلاد فارس يتقاسمها الزند والأفشريين حتى انتقلت بعدها إلى القاجاريين.

المصادر:
- الفنون والهندسة الإسلامية (Islam: Kunst und Architektur) لـ"ماركوس هاتشتاين" (Markus Hattstein)




صور حكام الأسرة
أدرجنا في هذه الفقرة كل المواد المصورة التي يمكن أن تصف لنا هيئة حكام الأسرة أو السلالة، اقتصرنا على المواد التي يمكن أن ترتقي إلى قيمة تاريخية (وليس الصور أو الرسومات الخيالية)، يمكن العثور على هذه المواد على العملات و النقود القديمة، الزخارف على القصور، الكتب والمخطوطات المعاصرة لفترة الحاكم، و بعض اللوحات الشخصية أو الصور الشمسية بالنسبة للفترة الحديثة (بعد القرن الـ15 م). من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر هذه المواد هي معاصرتها للشخص الذي تصوره لنا.







تاريخ الشعارات و الرايات المستعملة أثناء عهد الأسرة
أدرجنا في هذه الفقرة كل الأشياء التي اتخذتها الأسرة أو السلالة أو مجموعة من الحكام حتى تميز نفسها. الشعارات: وقد تتخذ على الأختام، الدروع، الألبسة، الأواني...وغيرها. الرايات: وتتخذ أثناء الحروب، و هي أهم مايمكن أن يميز السلالات عن بعضها



رد مع اقتباس
  #49  
قديم 04-12-2006, 11:39 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الدايات في الجزائر: سلالة حكمت في الجزائر تحت السلطة الاسمية للعثمانيين مابين 1671-1830 م

المقر: الجزائر.

تولى الدايات حكم الجزائر، كان أغلبهم من القادة العسكريين العاملين في الجزائر. انحصرت نشاطات الدولة في عهدهم على القرصنة و تجارة العبيد. يعزوا البعض هذه النشاطات إلى رغبة الأندلسيين والذين استقروا في مدن الشمال الإفريقي في الثأر من المسيحيين الذين سلبوهم أملاكهم و أراضيهم. عرفت رقعة أعمالهم توسعا كبيرا لتشمل كل الضفة الغربية من حوض البحر المتوسط. كانت أغلب هذه الحملات تنتهي بقيام القوى الأوروبية بشن غارات بحرية على المدن الجزائرية. توصل العديد ممن كان يقع في الأسر إلى أن يصبحوا دايات على الجزائر.

قسم الدايات البلاد إلى ثلاث مناطق (بايليك) يحكم كل منها باي، التيتري: عاصمته المدية، الشرق: عاصمته قسنطينة، الغرب: عاصمته وهران (على فترات). برغم الإدارة التركية للبلاد تمتعت أغلب المناطق باستقلالية تامة. كان نشاط البايات يقتصر على جباية الضرائب. أنهى الفرنسيون حكمهم سنة 1830 م.

المصدر:
- الفنون والهندسة الإسلامية (Islam: Kunst und Architektur) لـ"ماركوس هاتشتاين" (’Markus Hattstein)


--------------------------------------------------------------------------------
تاريخ المغرب من قبيل الفتح الإسلامي إلى الغزو الفرنسي للجزائر
المؤلف: حسين مؤنس








صور حكام الأسرة
أدرجنا في هذه الفقرة كل المواد المصورة التي يمكن أن تصف لنا هيئة حكام الأسرة أو السلالة، اقتصرنا على المواد التي يمكن أن ترتقي إلى قيمة تاريخية (وليس الصور أو الرسومات الخيالية)، يمكن العثور على هذه المواد على العملات و النقود القديمة، الزخارف على القصور، الكتب والمخطوطات المعاصرة لفترة الحاكم، و بعض اللوحات الشخصية أو الصور الشمسية بالنسبة للفترة الحديثة (بعد القرن الـ15 م). من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر هذه المواد هي معاصرتها للشخص الذي تصوره لنا.








تاريخ الشعارات و الرايات المستعملة أثناء عهد الأسرة
أدرجنا في هذه الفقرة كل الأشياء التي اتخذتها الأسرة أو السلالة أو مجموعة من الحكام حتى تميز نفسها. الشعارات: وقد تتخذ على الأختام، الدروع، الألبسة، الأواني...وغيرها. الرايات: وتتخذ أثناء الحروب، و هي أهم مايمكن أن يميز السلالات عن بعضها








الأعلام و الرايات




رد مع اقتباس
  #50  
قديم 05-12-2006, 12:00 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

الحسينون: سلالة من البايات حكمت في تونس سنوات 1705-1957 م.

المقر: تونس (قصر الباردو).

كان مؤسس السلالة الحسين بن علي (1705-1735 م) قائدا على فرقة الخيالة في الجيش العثماني. بعد اضطراب الأوضاع السياسية في تونس، استولى على الحكم على حساب المراديين ثم أخذ يستقل بالأمر حتى أصبحت دولته كيانا قائما بذاته (على حساب الأتراك العثمانيين). أدت الحروب العائلية التي عرفتها دولة الحسينيين في تونس في عهد (ابن أخ المؤسس) علي باشا (1735-1756 م) إلى غزو البلاد سنة 1756 م، ثم قيام وصاية على تونس من طرف حكام الجزائر (الدايات).

استعادت الدولة عافيتها أثناء عهد علي باي (1759-1782 م) ثم حمودة باي (1782-1814 م)، سميت هذه الفترة بالفترة الذهبية. اكتمل استقلال تونس سنة 1807 م وأصبحت دولة كاملة السيادة. بدأت في نفس الفترة عملية تعريب البلاد، من خلال إحياء الثقافة، كما تم إدخال نظام تعليمي أشرفت عليه الدولة. بعد أن قامت فرنسا باحتلال الجزائر سنة 1830 م، أصبحت تونس تحت رحمة القوى الأوروبية، كما أصبح اقتصادها مرتبطا بها أكثر. حاول أحمد باي (1837-1855 م) ثم محمد الصديق (1859-1882 م) القيام بإصلاحات على الطريقة الأوروبية.

ابتداء من سنة 1869 أصبحت الدول الأوروبية تتدخل مباشرة في تدبير الشؤون المالية الدول (الخزينة) كما تم تعطيل الإصلاحات السابقة. سنة 1881 م وبموجب اتفاقية باردو، أصبحت تونس تحت الحماية الفرنسية. تأرجحت سياسة البايات بين الإملاءات الفرنسية ورغبتهم في دعم المطلب الشعبي والمتمثل في الاستقلال، كان الحزب الدستورى يزعم القوى الشعبية. قام الفرنسيون سنة 1943 م بخلع الباي محمد منصف، بعد أن أبدى نزعة وطنية. مع قيام الجمهورية سنة 1957 م، قام الحبيب بورقيبة بدوره بخلع آخر البايات الحسينيين محمد الأمين باي (1943-1947م).

المصادر:
- الفنون والهندسة الإسلامية (Islam: Kunst und Architektur) لـ"ماركوس هاتشتاين" (’Markus Hattstein)




صور حكام الأسرة
أدرجنا في هذه الفقرة كل المواد المصورة التي يمكن أن تصف لنا هيئة حكام الأسرة أو السلالة، اقتصرنا على المواد التي يمكن أن ترتقي إلى قيمة تاريخية (وليس الصور أو الرسومات الخيالية)، يمكن العثور على هذه المواد على العملات و النقود القديمة، الزخارف على القصور، الكتب والمخطوطات المعاصرة لفترة الحاكم، و بعض اللوحات الشخصية أو الصور الشمسية بالنسبة للفترة الحديثة (بعد القرن الـ15 م). من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر هذه المواد هي معاصرتها للشخص الذي تصوره لنا.





تاريخ الشعارات و الرايات المستعملة أثناء عهد الأسرة
أدرجنا في هذه الفقرة كل الأشياء التي اتخذتها الأسرة أو السلالة أو مجموعة من الحكام حتى تميز نفسها. الشعارات: وقد تتخذ على الأختام، الدروع، الألبسة، الأواني...وغيرها. الرايات: وتتخذ أثناء الحروب، و هي أهم مايمكن أن يميز السلالات عن بعضها








الأعلام و الرايات






رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قلبى اليا قالو فهد يضربونه = ياكن يضرب لاهج الديد فهاد(قصه وقصيده) راكان اليامي مجلس عيون الشعر النبطي 16 14-05-2005 10:38 AM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 09:32 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع