أم الهيمان ،،، وللحديث شجون
مقدّر على الشارع السياسي الكويتي ألا تهدأ حالة الغليان فيه ، فمن حرائق إلى كوارث إلى حالات فساد ، ومن تجاهل حكومي لقضايا الشارع إلى تشدد نيابي وتلويحات استجوابية تعيد إلى الذاكرة مواقف متأزمة في علاقة السلطتين والتي عادة ما تنتهي بنقض سريع للنسيج السياسي والنيابي في الكويت.
مصانع أم الهيمان والتلوث البيئي الذي بات مهددًّا لأرواح الكويتيين القاطنين بالمنطقة وما حولها أمر بيّن تعرفه الحكومة وتطالعه ، لكنها تقابله بصمت شديد وتحرك بطيء لا يوازي حجم المشكلة ، والتي لا تمس بعض ملايين من الدينارات وإنما تمس صحة ومستقبل وحياة منطقة سكنية في حجم أم الهيمان ، في المقابل صراخ نيابي لاستنقاذ المنطقة من وطأة التلوث الذي بات يطوّقها من كل جانب ، أكثر من مائة مصنع لك أن تتخيل أن كلّ مصنع يضخ للهواء كل يوم سمومًا جديدة لأن الهدف هو الأرباح ، ولو كان على حساب الأرواح ، والمخالفات أكثر من الإحصاء ، وليست وليدة اليوم ، فالمشكلة تتفاقم وتتصاعد منذ تحرير الكويت ، وميراثها ثقيل تتحمله ظهور كثيرة تنفّعت وتربّحت وغضّت الطرف عامدة متعمدة عن تلك التجاوزات البيئية الجسيمة.
لا أدري هل تصح المقارنة أم لا ، الجمعية البيئية البريطانية ألزمت رئيس الوزراء البريطاني بطرح مخطط عاجل وفعّال لتقليل الإنبعاثات الكربونية الناجمة عن التلوث البيئي للمنشئات الصناعية بنسبة 80 % في العام 2050 ، وحدّدت هدفها " إنقاذ الكرة الأرضية من خطر الانبعاثات الحرارية المسببة في أمراض وسرطانات وفيضانات وكوارث أبادت بالفعل ثلث الكائنات البرية والبحرية على سطح الأرض منذ العام 1970. حيث أن 25 %من الكائنات البرية قد فقدت ، ونحو 28% من الكائنات البحرية ، و قرابة ال30 % من الكائنات النهرية واجهوا نفس المصير.
تخطيط وإلزام للحكومة البريطانية ليس لإنقاذ بريطانيا فقط ، بل لإنقاذ العالم من كارثة التلوث ، أما نحن فمنذ العام 1992 ومشاكل التلوث الصناعي تتفاقم يومًا وراء يوم ، و" التطنيش وتكبير الأدمغة " ما زال سيد الموقف ، هم يفكرون ويلزمون أنفسهم بحماية بيئتهم بل وبيئات غيرهم ممن يشاطرونهم الحياة على الأرض ، ونحن نستثقل أن نحمي بيئتنا المحلية على الأقل ، يفكرون هم في صحة أطفال العالم والحد من الأمراض الصدرية والسرطانات الناجمة عن سموم الهواء ونحن لم نفكر حتى في أبنائنا ومستقبلهم الصحي. ألم أقل لك : مقارنة ظالمة ؟!
نحن الآن أمام تحرك حكومي وتوجيهات من سمو رئيس مجلس الوزراء بتطبيق القانون بحذافيره وعدم التهاون مع أي تجاوز يضر بالبيئة ، ورؤية مستقبلية للحد من طوفان التلوث متمثلة في تشكيل لجنة تتبع مجلس الوزراء لدراسة الظواهر البيئية ووضع الحلول العاجلة لها ، وبحث إمكانية نقل المصانع إلى مواقع بعيدة عن الكتل السكنية ، وتوسعة المكاتب الرقابية للهيئة العامة للبيئة ، من أجل رقابة دائمة على المصانـع .
تدارك لأخطاء الماضي ، وكسر لحاجز الجمود ، وخطوة نحو الاتجاه الصحيح ، أتت بفعل تحرك نيابي نشط ومشكور نقل قضية أم الهيمان من دائرة السكون إلى دائرة الحركة من جديد ، يقابله في قاعة عبد الله السالم تلويحات بالاستجواب تصل إلى الشيخ ناصر المحمد ، أولاً : لا أحد فوق المساءلة حتى ولو كان سمو رئيس مجلس الوزراء ، ولكن مزيد من التؤدة وإتاحة الفرصة للتحرك الحكومي وانتظار لثمرات التحرك النيابي ، كفيل بوضع الأمور على مسارها الصحيح ، وذلك لأن الاستجواب ـ وإن كان ورقة دستورية مكفولة للنواب ـ إلا أنه ليس الحل الأول ، ومن الممكن وقوعه دون الوصول إلى نتائج أو حلول ، فالتفكير الآن يجب أن يكون في حل المشكلة وتحجيم أضرارها والالتفات لشبيهاتها ، وتفعيل دور الهيئات التنفيذية والرقابية لمحاصرة الضمائر المنفلتة من المسئولية الطامعة في الربح والثروة ولو على حساب صحة الناس وأمن المجتمع .
والشىء بالشىء يذكر ، فالتلوث لا يقف عند أم الهيمان ، فهناك التلوث النفطي الذي لا نعيره اهتمامًا ، فقد ترى تسرّب النفط من خطوط الأنابيب البحريـة لتكوين البقع الزيتية ، وقيـام ناقـلات النفط بتفريـغ محتويات صهاريجها من المخلّفات البتروليّة فـي مياه البحر في ضوء غياب الرقابة الحثيثة وتنامي الغفلة عـن الله سبحانه وتعالى الذي حرّم الضرر والإضرار والفساد والإفساد .
ومحطة مشرف وما سببته من أذي بيئي ، وغيرها وغيرها ، يا حكومة اتقي الله في شعبك ، يا نوّاب قبل الاستجواب توصلوا للحلول والأسباب ، يا كويتيون ، اصبروا وصابروا والله يقيكم ويقي أبناءكم من كل سوء.
م/حمد العصيدان ... كاتب وأكاديمي في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي .