مجالس العجمان الرسمي

العودة   مجالس العجمان الرسمي > ~*¤ô ws ô¤*~المجالس العامة~*¤ô ws ô¤*~ > المجلس العــــــام

المجلس العــــــام للمناقشات الجادة والهادفة والطروحـــات العامة والمتنوعة

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 26-01-2015, 09:04 AM
محمود المختار الشنقيطي محمود المختار الشنقيطي غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
المشاركات: 968
معدل تقييم المستوى: 12
محمود المختار الشنقيطي is on a distinguished road
طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"8"

طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"8"
{خلطة كتب}
على طريقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل :
في الحكاية التاسعة والأربعين،تحدثنا (ليز) عن قلقها الوجودي،والذي بدأ مبكرا ..
(49)
(حين كنت في التاسعة من عمري،وقد أوشكت أن أبلغ سنّ العاشرة،عانيت من أزمة ميتافيزيقية حقيقية. قد يبدو ذلك مبكرا،ولكنني كنت طفلة ناضجة قبل الأوان.حدث ذلك صيفا،بين الصف الرابع والخامس الابتدائي.كنت سأبلغ العاشرة في تموز،وكان ثمة شيء ما في الانتقال من الرقم تسعة إلى عشرة – من رقم واحد إلى رقمين – صدمني وسبب لي ذعرا وجوديا فعليا،يشعر به الناس عادة عند بلوغ الخمسين. أذكر أنني فكرت بأن حياتي تمضي بسرعة.وبدا لي وكأنني كنت البارحة في صف الحضانة،وها أنا الآن على وشك أن أبلغ العاشرة. قريبا سأصبح مراهقة،كهلة،عجوزا،ثم أموت. وكان الجميع يتقدمون في السن بسرعة هائلة أيضا. وسرعان ما سيموت الجميع.أبوي،أصدقائي،قطتي. شقيقتي الكبرى أصبحت في الثانوية.بدا لي وكأنها كانت تذهب إلى الصف الأول منذ لحظات،بجواربها الطويلة حتى الركبتين،وها هي الآن في الثانوية!من الواضح أنها سرعان ما ستموت هي أيضا. ما الهدف من كل هذا؟ والغريب في تلك الأزمة أن شيئا لم يتسبب بها. لم يمت أحد الأصدقاء أو الأقارب،ليعطيني الفكرة الأولى عن الموت،كما أنني لم أر أو أقرأ شيئا معينا عن الموت.(..) فنحن نُعتبر،على حد علمنا،النوع الوحيد على هذا الكوكب الذي أعطي نعمة – أو ربما تكون نقمة – الوعي بفنائنا. فكل شيء هنا سينتهي إلى الفناء،غير أننا المحظوظون الذين يمكنهم التفكير في ذلك كل يوم.كيف ستتعامل مع هذه المعلومات؟حين كنت في التاسعة،لم يكن في وسعي سوى البكاء. لا حقا،مع مرور الأعوام،دفعني إحساسي المفرط بمرور الوقت إلى عيش الحياة بالسرعة القصوى. إن كنت هنا في زيارة قصيرة،عليّ القيام بكل ما هو ممكن الآن. ومن هنا أتت كل أسفاري،والعلاقات الرومانسية،والطموح،والباستا. حتى إن إحدى صديقات أختي كانت تعتقد بأن لكاثرين شقيقتين أو ثلاث،لأنها كانت تسمع دوما قصصا عن أختها في أفريقيا،أختها التي تعمل في مزرعة في يونغ،أختها النادلة في نيويورك،أختها التي تكتب رواية،أختها التي ستتزوج،وبالطبع ليس من الممكن أن تكون الشخص ذاته. في الواقع لو أمكنني تقسيم نفسي إلى عدة نساء اسمهن ليز غيلبرت،فما {هكذا}ترددت،لكي لا أفوت لحظة واحدة من هذه الحياة. غير أنني قسمت نفسي بالفعل إلى عدة نساء اسمهن ليز غيلبرت،سقطن منهكات جميعا في الوقت نفسه على ارض حمّام في الضواحي في إحدى الليالي،قريبا من سن الثلاثين.){ص 188 - 190}.
حديث المؤلفة عن أزمتها الوجودية،وتعجبها من عدم وجود سبب لتلك الأزمة،مثل موت أحد الأقرباء،قذف بي نحو مذكرات الأستاذ عزيز ضياء – رحم الله والديّ ورحمه – فقد تحدث عن الموت.
ظننت أن الأمر لا يتجاوز أسطرا – رغم أنني أتذكر أنه ألح على الموضوع أو كرره كثيرا – ولكنني وجدته يتحدث عن الموضوع في الصفحات (28 / 30 / 31 / 79 / 92 / 93 / 108)... على الأقل!
لاشك أن الأستاذ (ضياء) مر بتجارب مريرة،صحيح أنه لم يذكر سنه في تلك الفترة،ولكنه كان صغيرا جدا على كل حال،ربما بين الرابعة والسادسة. وقد رُحل مع أهل المدينة المنورة إبان الحرب العالمية الأولى إلى الشام،حين رحلهم فخري باشا. وهناك رأى الأموات في الشوارع،وفي العربات.
(.. وإلى جانب هذه الرؤوس أقدام زرقاء،أو سود تتدلى وتهتز،معها هذه الرؤوس .. ولا أدري لم ارتعبت،وكدت أصرخ وأنا أشدد من انضمامي إلى صدر جدي الذي رأيته يضع كفه على فمه وأنفه وهو يردد :"إنا لله وإنا إليه راجعون"){ص 28 / الجزء الأول /(حياتي مع الجوع والحب والحرب)، عزيز ضياء / مؤسسة الشرق الأوسط للإعلان والثقافة والنشر }. المؤكد أن العجيب هو عدم إصابته بالرعب!!! وعند سماعه حوارا عن احتمال موت إحدى السيدات :
(ولم أفهم شيئا .. أكثر من أنها قد تموت وأنا أعرف أن التي تموت،لابد أن تؤخذ إلى مكان بعيد،لا أدري أين هو؟ ولكنهم قالوا لي أنه الجنة .. وأن الجنة مكان طيب فيه أشجار،وأزهار،و مياه،وعصافير .. هذا ما سمعته عندما قالوا أن جدتي حميدة قد ماتت،وحملوها إلى ذلك المكان البعيد (..) وسرحت بخيال الأطفال في هذه الجنة التي أسمع عنها كلما طرأت ذكرى الأموات وعجبت في نفسي وتساءلت لم لا يذهب كل الناس إليها؟ لماذا يتركون الموتى هناك وحدهم ويعودون ..){ص 30 – 31 }. وكرر نفس الفكرة :
(ولعلي تصورت هذا الموت،شيء رهيب مخيف إلى أقصى حد .. وطافت بذهني – وأنا مازلت ألتهم الخبز والخيار – ذكرى جدتي – والدة أمي – التي قالوا أنها يوم ماتت،نقلوها إلى "الجنة" .. والجنة كما ظللت أسمع،هي المكان الذي فيه الكثير من الأشجار والينابيع،والطيور،والأزهار .. وحتى الورد،والنغاري التي تغرد وتنادي في تغريدها "خديجة" وتردد "غدا .. خديجة غدا .. غدا .." (..) وتساءلت ربما للمرة الأولى : إذا كان الذين يموتون ينقلون إلى تلك الجنة .. فأين هي؟ ولماذا لا نسافر إليها ما دمنا منذ ذلك اليوم الذي ركبنا فيه "البابور" من المدينة إلى الشام ..){ص 79}. ثم عاد ليكتب :
(ويبدو،أن الأطفال يختارون،أو الأصح أن الله سبحانه يختار لهم أن يموتوا في الليل .. هذا ما حدث يوم مات عبد الغفور (..) كما تذكرت جدتي وهي أول من سمعت أنها ذهبت إلى الجنة،وبعدها عبد الغفور،واليوم عبد المعين (..) أصبحوا في الجنة،بأشجارها وأزهارها وينابيعها وأطيارها .. وقد ينبغي أن لا أخفي،أنني ظللت أتساءل بيني وبين نفسي،كلما سمعت هذا الكلام : كيف؟؟ .. كيف تتم الرحلة أو الانتقال إلى الجنة بعد أن يدفنوا .. (..) كيف يطيق هؤلاء الذين دفنوا في هذه الحفر،ومنهم عبد الغفور وعبد المعين،أن يظلوا مدفونين ويلتزموا الصمت،فلا يطلبون العودة إلى أمهاتهم وذويهم؟؟؟){ص 92 – 93}.
يفترض بي أن أخبركم أن الأستاذ (عزيز) خرج من المدينة برفقة أمه،ووالدها،وشقيقه (عبد الغفور)،وخالته (خديجة)،ومعها صغيرها (عبد المعين ). وهناك توفي (عبد الغفور)،ثم (عبد المعين )،تلته أمه،ثم الجد .. ولم يعد إلى المدينة المنورة سوى عزيز وأمه.
نعود إلى حكايات (ليز)،والتي سوف تحدثنا،في الحكاية الخمسين عن هجوم أفكارها القديمة عليها :
(50)
(صباح اليوم التالي في أثناء جلسة التأمل،عادت جميع أفكاري القديمة الكاوية لتحرقني مجددا.بدأت أجدها مثل إعلانات التلفاز التي تعرض دوما في الأوقات غير المناسبة.(..) وهذا ما بدأ يشعرني بالحرج،بصراحة. أنني ،أنا هنا في مكان دراسة في وسط الهند،وكلّ ما أفكر فيه هو صديقي السابق؟ من أنا؟ ابنة الأربعة عشر ربيعا؟".
هنا تذكرت قصة روتها لي مرة صديقتي ديبورا،العالمة النفسية. ففي الثمانينات،طلبت منها مدينة فيلادلفيا التطوع لتقديم المشورة النفسية لمجموعة من اللاجئين الكمبوديين الهاربين بالقوارب الذين وصلوا حديثا إلى المدينة. ومع أن ديبورا هي عالمة نفس مميزة،إلا أن تلك المهمة أثارت رعبها.فهؤلاء الكمبوديون قد تعرضوا لأسوأ الشرور التي يمكن أن يتسبب بها البشر لبعضهم : قتل،اغتصاب،تعذيب،مجاعة،قتل أقاربهم تحت أنظارهم،ومن ثمّ سنوات طويلة في مخيمات اللاجئين ورحلات القوارب الخطيرة إلى الغرب حيث مات الناس وأطعمت الجثث لأسماك القرش.أيّ مساعدة يمكن لديبورا تقديمها لهؤلاء؟ كيف يمكنها تخفيف عذاباتهم؟
أخبرتني قائلة :"ولكن هل تعرفين ما أراد هؤلاء التحدث عنه،حين أمكنهم رؤية مستشار نفسي؟".
التقيت بذاك الشاب حين كنت أعيش في مخيم اللاجئين،فأغرمنا ببعضنا.ظننته أحبني فعلا،ولكننا افترقنا واستقل كل منا قاربا مختلفا،فأعجب بابنة عمي,وهو متزوج بها الآن،ولكنه يقول بأنه يحبني حقا،وما زال يتصل بي. أعرف أنه ينبغي عليّ أن أطلب منه تركي وشأني،ولكنني ما زلت أحبه ولا يمكنني التوقف عن التفكير فيه.ولا أعرف ما أفعل ..
هذا ما نحن عليه. فبشكل جماعي،كنوع بشري،ذاك هو وضعنا العاطفي.التقيت مرة بامرأة عجوز،تبلغ مئة عام تقريبا،قالت لي : "ثمة مسألتان تحاربَ البشر بسببهما عبر التاريخ : كم تحبني؟ ومن يملك زمام القيادة؟" كل الباقي يمكن تدبّره. ولكن مسألتي الحب والسلطة تشغلاننا جميعا،توقعاننا في الخطأ وتسبّبان الحرب والحزن والعذاب.){ص 194 – 195}.
خبر سيء : الحديث عن الكمبوديين،سوف يقذف بنا إلى كتاب آخر،هو : (الشكل الجديد لمدن العالم الثالث)،و حديث مؤلفه عن (قابلية الإنسان على التحمل ..). يقول تشارلز كوريا :
( قال لي صديق من أمريكا اللاتينية مهتم بالتنظيم العائلي : "كيف تقول لمزارع مكسيكي إنه لو صار لديه عشرة أطفال فستحل الكارثة بالعالم،بينما يعيش هو بالفعل في كارثة." ومما لاشك فيه،أن اهتمامنا بمصير الإنسانية في الطوفان البشري القادم ربما كانت دوافعه أنانية. إننا قلقون : كيف يمكن أن نعيش خلال الكارثة بدون وسائل الحياة التي تعودناها. أما الفقراء فهم يعيشون بدون أي شيء كما يفعلون ذلك الآن.
إن قابلية الإنسان على التحمل والابتكار مدهشة حقا.){"ل" من مقدمة كتاب : (الشكل الجديد لمدن العالم الثالث) من تأليف / تشارلز كوريا،وترجمة الدكتور محمد بن حسين البراهيم،والكتاب من منشورات جامعة الملك سعود،1420 هـ ( 1999م)}.
كما يقول في مكان آخر :
(غالبا ما نعجز عن رؤية الصورة الجديدة،لأن رؤيتنا للعالم الثالث محدودة وضيقة الأفق. خذ مثلا إحدى مزايا العالم الثالث التي يمكن اعتبارها أعجوبة. بالرغم من الفقر والاستغلال وقرون من الاحتياج والعوز،فإن الناس بوصفهم كائنات اجتماعية وإنسانية لا يزالون بخير. إن هذه حقيقة في غاية الأهمية لمن يهتمون بشؤون التنمية. ربما كان سكان الأرصفة في عيون الأثرياء أناسا مزعجين،لكن جهود سكان الأصفة {هكذا } بأي مقياس آخر،هي جهود إيجابية من الناحية الاجتماعية ورائعة مثل جهود الطائر الذي يبني عشا.) { 1 }.
في اعتقادي أن جزء من قدرة الإنسان على (النسيان) - إضافة إلى أن النسيان في حد ذاته نعمة – وما يلي ذلك من قدرته على التمتع بالحياة بالقدر الذي يتاح له مهما كان ضئيلا،أعتقد أن ذلك ينبع في الأصل من (برمجتنا) على وجود حياة أخرى .. ولعل ذلك الاستمتاع يحصل بتحريض من ذلك الجزء منا – أيا كان اسمه : "لا وعي" أو شيئا آخر – الذي حضر في اللازمان واللامكان .. وأقر بربوبية الخالق سبحانه وتعالى :
((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)){الأعراف172}
نعود إلى حكايات (ليز)،وتحديدا إلى الحكاية الحادية والخمسين،فنأخذ لقطة لا تبعد كثيرا عما نتحدث عنه،فسعادة ألئك النسوة الهنديات،رغم الشقاء يصب في نفس السياق الذي مر بنا قريبا :
(51)
(ولدينا زيارتنا المفضلة في البلدة،بحيث نقف دوما لتحية المعبد،,لتحية السيد بانيكار،الخياط،الذي يُلاقينا قائلا : "تهانيّ للقائك!" في كل مرة. فنشاهد الأبقار مستمتعة بمنزلتها العالية (أعتقد بأنها تستغل الامتياز الذي تتمتع به،فتستلقي في وسط الطريق لمجرد لفت النظر إلى منزلتها العالية)،(..) ونرى النساء يعملن على الطرقات،يرفعن الصخور تحت الشمس الحارقة ويؤرجحن المطارق،حافيات،ويبدون جميلات على نحو غريب بأثواب الساري الملوّنة بألوان الأحجار الكريمة وبقلائدهن وأساورهن. كن يبسمن لنا عند مرورنا ما دفعني إلى التساؤل كيف يمكنهن الشعور بهذه السعادة وهن يقمن بهذا العمل الشاق في ظل تلك الظروف الرهيبة؟ لِمَ لا يغمى عليهن ويسقطن ميتات بعد ربع ساعة من العمل بالمطارق في هذا الطقس الحارق؟ سألت السيد بانيكار الخياط عن ذلك وقال إن تلك حياة القرويات،وإن الناس في هذا الجزء من العالم يولدون لهذا النوع من العمل الشاق،وهذا كل ما هم معتادون على القيام به. وأضاف قائلا :"كما أننا لا نعيش طويلا هنا".){ص 198 - 199}.
قدرة المرأة – أو ما يعرف بالكائن الرقيق – على القيام بتلك الأعمال الشاقة،يذكرني بوجهة نظر أحد رؤساء قبيلة (تشبوا) – من الهنود الحمر - فهو يقول :
(( خلق النساء للعمل،فالواحدة منهن في وسعها أن تجر من الأثقال أو تحمل منها ما لا يستطيعه إلا رجلان،وهن كذلك يُقمن لنا الخيام،ويصنعن الملابس ويصلحنها،ويدفئننا في الليل .. إنه يستحيل علينا أن نرحل بغيرهن،فهن يعملن كل شيء،ولا يُكلّفن إلا قليلا،لأنهن ما دمن يقمن بالطهي دائما،فإنهن يقنعن في السنين العجاف بلعق أصابعهن.)) {ص 61 ( قصة الحضارة ) / ول ديورانت / ترجمة : د/ زكي نجيب محمود / طبعة جامعة الدول العربية / 1965م / ط 3 / جـ1 مجلد 1}.
فهل خدعتنا المرأة العربية؟!! على كل حال،نخرج من دائرة هذا السؤال،لنستمع إلى معاناة (بُقول) مع التأمل:
(52)
(في الواقع،لم يكن التأمل هو العقبة الكبرى خلال إقامتي في المعتزل،كان صعبا طبعا،ولكنه لم يكن مهلكا. ما كان أصعب بالنسبة لي هو ما نقوم به كل يوم بعد التأمل وقبل الإفطار (يا الله ما أطول ساعات الصباح)،أنشودة تدعى غوروجيتا.(..) تتألف الغوروجيتا من 182 بيتا،للبكاء بصوت عال (وهذا ما أفعله أحيانا)،وكل بيت هو عبارة عن فقرة سنسكريتية غير مفهومة.{الحمد لله على نعمة الإسلام : سليلة غزاة القمر – إن صدقوا – تستشفي بتكرار عبارات بلغة قديمة غير مفهومة!!} وتستغرق تأدية أغنية المقدمة والكورس والطقس ساعة ونصفا تقريبا. تذكر،هذا قبل الإفطار،وبعد أن نكون قد تأملنا لساعة،وأدينا أنشودة الصباح الأولى الممتدة على عشرين دقيقة.والغوروجيتا هي السبب الأساسي للنهوض عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل هنا.){ص 200}. ساعة ونصف + ساعة + 20 دقيقة + الاستيقاظ عند الثالثة ليلا !!!!!!!! ونحن إذا صلى بنا الإمام ربع ساعة،كتبنا فيه (شكاوى كيدية)!!!!!!!
لا ينتهي الأمر عند تلك الـ(غوروجيتا) بل يتجاوزها إلى (فيباسانا)!!!! وهي لمن لا يعرفها :
(56)
(.. تأمل فيباسانا. والفايباسانا هي تقنية تأمل بوذية تقليدية جدا وبالغة الحدة. وتعتمد أساسا على الجلوس وحسب. (..) هي متعبة جسديا أيضا.فمن الممنوع تحريك الجسد نهائيا متى جلست،مهما كان انزعاجك كبيرا. (..) مع ذكل،أرى بأن شيئا من الاستقلال الذكي في الحياة يشكل أداة قيمة لبلوغ السلام. وبعد أن قرأت عن تأمل الفيباسانا في المكتبة عصر أحد الأيام،رحت أفكر كم قضيت من الوقت في حياتي وأنا أنهار مثل سمكة كبيرة خارج الماء،إما أتلوى من الحزن والأسى أو أتخبط توقا إلى مزيد من اللذة.وتساءلت ما إذا كان سيفيدني (ويُفيد الأشخاص المبتلين بحبي) لو تعلمت أن أهدأ وأتحمل أكثر بقليل من دون الانجرار طيلة الوقت مع سير الأحداث. راودتني كل تلك الأفكار مجددا هذا المساء حين عثرت على مقعد في بقعة هادئة في إحدى حدائق المعتزل وقررت الجلوس والتأمل لساعة من الزمن (..) بلا حراك ولا اهتياج أو حتى ما نترا،بل النظر وحسب. فلنر ما سيحدث.لسوء الحظ،نسيت ما يحدث أثناء غروب شمس الهند : البعوض. فما إن جلست على ذاك المقعد في شمس الغسق الجميلة،حتى سمعت أفواج البعوض تتجه نحوي،تلامس وجهي وتحط في هجوم جماعي على رأسي،كاحليّ وذراعيّ. تبعث لسعاتها الحارقة. لم أحب الأمر،بل فكرت : هذا والوقت من النهار غير مناسب لممارسة الفيباسانا.
ولكن متى هو الوقت المناسب من اليوم أو الحياة للجلوس بسكون تام؟ متى لا يكون ثمة ما يحوم حولك ويحاول إلهاءك والتغلب عليك؟ فاتخذت قرارا (..) فقدمت نفسي للتجربة،ماذا لو جلست على الرغم من ذلك لمرة في حياتي؟ عوضا عن صفع الحشرات والتقاطها،ماذا لو جلست عل الرغم من هذا الانزعاج لساعة واحدة وحسب في حياتي؟
وهكذا كان. جلست ساكنة أشاهد نفسي تلتهمني أفواج البعوض.وللصراحة،كان جزء مني يتساءل إلى ماذا تهدف تجربة تعذيب النفس هذه،ولكن جزءا آخر كان يعرف تماما أنها محاولة أولى للسيطرة على النفس. إن تمكنت من تحمل هذا الانزعاج الجسدي غير القاتل،أي نوع من الانزعاج سأتمكن من تحملها في المستقبل؟ ماذا عن العذابات العاطفية التي أعتبر احتمالها أكثر صعوبة؟ ماذا عن الغيرة،والغضب،والخوف،والخيبة،والوحدة،والعار،والملل ؟
كان الحك مثيرا للجنون في البداية،ولكنه ذوى لاحقا وتحول إلى شعور عام بالحرقة،فحوّلت تلك الحرارة إلى شعور طفيف بالخفة. سمحت للألم بأن يفقد معانيه المحددة ويتحول إلى إحساس صاف – لا جيد،ولا سيء،بل حادّ وحسب – وتلك الحدة هي التي حملتني من نفسي وأخذتني إلى التأمل.جلست هناك لساعتين.ولو أن طيرا حط بالفعل على رأسي،ما كنت لألاحظ. (..) أود توضيح أمر هنا. أعترف بأن هذه التجربة ليست رمزا للصبر في تاريخ الإنسانية،ولست أطلب ميدالية شرف عليها. ولكنني شعرت بشيء من الإثارة وأنا أدرك بأنني لم أتردد يوما خلال سنواتي الأربع والثلاثين بصفع بعوضة تلسعني.فقد كنت ضعيفة أمام جميع أشكال الألم والمتعة الصغيرة والكبيرة خلال حياتي. أتفاعل مع كل ما يحدث لي. ولكن،ها أنا ذا أكبت ردّة فعلي الطبيعي. أفعل ما لم أفعله من قبل. هو شيء صغير،هذا صحيح،ولكن ما الذي أستطيع فعله غدا وأعجز عنه اليوم؟).{ص 214 - 217}.
نحمد الله – سبحانه وتعالى – أننا لا نتعبده بتحمل لسع البعوض .. وإن كانت فكرة أو (مرحلة) الغياب شيء آخر ... نختم هذه الحلقة بالترحم على سلفنا الصالح،وتحديدا على ذلك الذي غاب عني اسمه،أعني ذلك الذي سقط جدار منزله وهو في (الصلاة) فلم يفطن لذلك.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.
س/ محمود المختار الشنقيطي
س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب

 

التوقيع

 

أقول دائما : ((إنما تقوم الحضارات على تدافع الأفكار - مع حفظ مقام"ثوابت الدين" - ففكرة تبين صحة أختها،أو تبين خللا بها .. لا يلغيها ... أو تبين "الفكرة "عوار"الفكرة"))

 
 
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"5" محمود المختار الشنقيطي المجلس العــــــام 0 21-01-2015 09:41 AM
طعام صلاة حب : امرأة تبحث عن كل شيء"خلطة كتب"(10) محمود المختار الشنقيطي المجلس العــــــام 2 30-11-2012 01:50 PM
طعام صلاة حب :امرأة تبحث عن كل شيء "خلطة كتب"(9) محمود المختار الشنقيطي المجلس العــــــام 6 29-11-2012 04:08 PM
طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"4" محمود المختار الشنقيطي المجلس العــــــام 4 24-11-2012 08:37 AM
طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"5" محمود المختار الشنقيطي المجلس العــــــام 2 24-11-2012 08:30 AM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 06:12 PM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع