التجربة الغربية بين"التوسل" و"التسول"

[محمود المختار الشنقيطي]

جيرمين غرير .. تراجعت يا خلق الله!!
إنه لمن عجيب المصادفات .. أنني كنت أجيل التفكير في كتابة مقالة ختامية .. لأنني تعبت .. وأتعبت .. وكنت أفكر في أن تكون مقالتي الختامية عن المرأة .. فأنا – وعذرا لغضة الضاد – "زعلان"جدا من المرأة .. وكنت سوف أضع ذلك "الزعل"في إطار حديث عن"عاملات النظافة" - على رؤوسنا كل مهنة شريفة،والمشكلة في الأسئلة الخاطئة التي أحيطت بها القضية - بينما كنت أجيل التفكير .. إذا بالرسالة رقم (2357) من رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية،تصلني وهي تحمل تعقيبا كتبته الأستاذة الدكتورة رقية نياز،وهو منشور تحت عنوان (قراءة لمقال "الكذبة الكبرى" بين د.نوال العيد،والأستاذ حمزة المزيني).
أعادني التعقيب إلى هذا الصراع الأزلي بين فئة تحاول أن تستفيد المرأة السعودية من تجربة المرأة الغربية،فلا تكرر أخطاءها،فتأخذ النافع فقط،وبين فئة .. لنقل لا ترى ذلك .. أو تغض بصرها عن الفكرة الرئيسة.
عموما .. لن أعيدكم إلى حوار دار حول أهمية بقاء المرأة في منزلها،كما ذهب إلى ذلك عالم النفس الإنجليزي جون بوولبي،وعلى العكس منه دعا الأمريكي بن جامين سبوك إلى (عتق الأم من ارتباطاتها)،لن أعيدكم إلى ذلك الحوار ولكن من أراد أن ينظر في ذلك فأعيده إلى مقالة : (عن التربية الغربية .. سبوك يتراجع لصالح بوولبي ) بمجلة (الثقافة النفسية) العدد الحادي عشر / المجلد 3 ، تموز 1992م.
قلت أنني لن أعيدكم لتراجع (سبوك) .. لأنه رجل،بينما لدينا تراجع آخر .. لامرأة .. أو لرأس من رؤوس (الأنثويات / النسويات)،كما أن فكرتها أقرب إلى محل الحوار أي (عدم المساواة التامة بين الرجل والمرأة)،وهو موضوع مقالة الدكتورة نوال العيد ..
يقول الأستاذ خلدون الشمعة :
(الكاتبة البريطانية،الأسترالية الأصل،جيرمين غرير،تعتبر أشهر اللواتي أسهمن في بلورة اتجاهات الحركة النسوية في الغرب،وذلك عندما أصدرت في الستينات كتابها الشهير"الأنثى الخصي"،الذي ما لبثت أن تراجعت الآن عن معظم أفكاره،مؤكدة أنها تعتقد بوجود فروق جوهرية بين الأنوثة والذكورة،وأن الحصول عل حقوق المرأة ليس معناه التضحية بأنوثتها أو بالعلامات الفارقة التي تميزها عن الرجل){جريدة الشرق الأوسط العدد 5562 في 9/9/1414هـ = 19/2/1994م.}
ليس هذا فقط .. بل إن (غرير) تمنت كذلك – يا للهول – أن تنجب طفلا!! وهي التي كانت ترى أن "الأطفال" من القيود التي وضعها الرجل في طريق تقدم المرأة !!
هذا هو الجزء الأول من التعقيب .. أما الجزء الثاني .. فهو كُليمة كتبتها من قبل – في نفس السياق – تحت عنوان (التجربة الغربية بين "التوسل"و"التسول" : )
التجربة الغربية بين"التوسل" و"التسول"
رسالة مفتوحة إلى الأستاذة أمل زاهد
الأستاذة أمل زاهد .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
قرأت مقالتكم المنشورة تحت عنوان (التوسل بالغرب لحبس المرأة)،والتي افتتحت بقولك :
(.. العجيب أن الحجة الحاضرة أبدا على أسنة بعض الأقلام للحديث عن هضم حقوق المرأة في ثقافتنا،أو الحث على إشراكها في التنمية والنهضة هو مقولات بعض الأقلام الغربية!وهنا ستحضر فرانسوا ساجان القائلة إن حركة تحرير المرأة أكذوبة اخترعها الرجل ليضحك على المرأة،وستستدعي {هكذا بالياء،لا بالألف المقصورة} مقولة القاضية السويدية بريجيت أوف هارهر القائلة إن المرأة السويدية اكتشفت وهما هائلا – الحرية – التي أعطيت لها بثمن مفزع وهو سعادتها الحقيقية! ولا باس من التوسل بأي رأي غربي يتوافق مع تصفيد المرأة داخل قضبان البيت،وهكذا يصبح الغرب (العدو) هو المرجعية في حال النقد أو التقييم أو دراسة الإشكاليات الاجتماعية الثقافية التي تواجهنا ..){جريدة الوطن عدد يوم الأحد 12/4/1431هـ}
حين قرأت هذه العبارات ،ظننت أن الكلام موجه لي شخصيا – لكثرة استشهادي بتجربة الغرب – ثم وجدت أن الأمر،بالنسبة لي أقرب إلى (مين شافك ياللي في الظلام تغمز). ومع ذلك فقد وجدت نفسي أخط لك هذه الرسالة.
قبل كل شيء : لا أمل من إلحاح على استحضار قول الحق سبحانه وتعالى في سورة طه،مخاطبا أبانا آدم - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام – (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) .. الخطاب بالخروج – أو التحذير منه – للمثنى،و(الشقاء) للمفرد!! ما دلالة ذلك؟ ثم ما دلالة إلزام الشريعة الإسلامية للرجل بالنفقة؟! أيكون ذلك هكذا اعتباطا دون دلالة؟!! طبعا في السؤالين السابقين لم أتوسل بالغرب – ولن أفعل – ومع ذلك فإنني أتعجب من الحالات التي يمنح فهيا الغرب للمرأة – التي تحمل نفس مؤهلات الرجل – راتبا أقل من راتب الرجل!! وهي صورة كانت بارزة في الغرب،وقد خفتت ولكنها لم تختف كليا!!
أختي الكريمة .. حقيقة يحتاج الإنسان إلى جهد كبير ليفصل بين (الخلط) الذي جاء في هذه المقالة!! من (التوسل بالغرب) إلى (رفض الحديث عن هضم الحقوق) إلى إشراك المرأة (في التنمية والنهضة)،وكل قضية من هذه القضايا لها مسارها الخاص،و(خلطها) معا لن يؤدي إلا إلى مزيد من تشعب القضية وضياع الحوار .. لمن يبحث عنه!!!
أختي الكريمة ..بعيدا عن العبارات التي شحنت بها مقالتك من (التوسل بالغرب) و(أسنة الأقلام) و (التصفيد) و (قضبان البيت) .. كنت أظن – ربما لفرط سذاجتي – أن هناك مسلمة هي ضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين،في الغرب كما في الشرق،وكنت أزعم أن المرأة السعودية بما أنها على وشك الدخول إلى (عالم جديد) فإن أفضل ما نقدمه لها،هو دراسة تجربة عمل المرأة - الغربية والشرقية – خارج المنزل،إذ أن (الحضارة) قائمة على تراكم (المعرفة) .. ولكن يبدو أنني كنت على خطأ!!!
أختي الكريمة .. قبل ما يدنو من عشرين سنة شاهدت كتابا من تأليفك .. ولك زاويتك الصحفية،وكاتبة بهذه القامة لا يُقبل منها أن تتجاهل ظل حركة تحرر المرأة الغربية على نساء العالم!!!! فنحن لا نعرف أن هدى شعراوي،ونبوية موسى كانتا من خريجات الأزهر الحافظات للقرآن الكريم وللسنة المطهرة .. ولقد كانت حركة تحرير المرأة العربية مجرد امتداد لحركات التحرر في الغرب. فنحن نجد قاسم أمين (1863 – 1908م) يقول في كتابه (المرأة الجديدة) – الصادر سنة 1900م - :
(والذي أراه أن تمسكنا بالماضي – إلى هذا الحد – من الأهواء التي يجب أن ننهض جميعا لمحاربتها،لأنه ميل إلى التدني والتقهقر،هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه،وليس من دواء إلا أننا نربي أولادنا على أن يعرفوا شؤون المدنية الغربية،ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها.){ نقلا عن : ص 114 ( تاكسي الكلام) / صافيناز كاظم / الدار المصرية اللبنانية / الطبعة الأولى / 1422هـ}. وهذا هدى محمد سلطان ( 1879 – 1947م) الشهيرة بهدى شعراوي (نسبة إلى زوجها علي باشا شعراوي) تخاطب المؤتمر النسائي الدولي بروما سنة 1923 :
(ولنا عظيم الرجاء في أن نصل بفضل نصائحكن الغالية التي نعتبرها السبيل الهادي والنسج على منوالكن الذي نجد فيه خير كفيل إلى تحقيق آمالنا ورغائبنا،ونضع تحت تصرفكن أنفسنا في خدمة مبادئكن ونشر آرائكن){ ص 66 (المرأة المسلمة)/ نذير حمدان/ الطبعة الأولى / 1410هـ / 1990م}. فإذا قفزنا فوق سنة 1900،وفوق سنة 1923،وجدنا مجلة (طبية) رصينة – أو هكذا يُفترض – تقدم لنا المرأة – أو الفتاة – الغربية كأنموذج،يُفترض على المرأة (الشرقية) أن تسير على خطاها :
(غشاء البكارة هو الشغل الشاغل لكل بنت شرقية ويسمى باللغة الإنجليزية (..) ويعني زهرة رمزا لجمال المرأة وشبابها المزدهر (..) رغم هذه التسمية الجميلة فقد سقطت أهمية هذا الغشاء في نظر الغرب من مدة وأصبحت الفتاة التي تحتفظ به فتاة متخلفة غير مرغوية تحتاج للعلاج النفسي){مجلة طبيبك الخاص العدد 319 يوليو 1995م}.
أختي الكريمة .. من منطلق سريان تجربة الغرب في شرايين تجربة حركة تحرر المرأة المسلمة،رأينا أنه من (الواجب) أن نقول للمرأة المسلمة – والسعودية خصوصا – إن (المُصنع) الأصلي قد أعلن وجود خطا .. بل أخطاء في (التجربة) فكوني على حذر من استعمال بضاعة فاسدة،اكتشف صاحبها فسادها .. وأعلن ذلك على رؤوس (الكتب والمجلات والصحف والأفلام). أم ترى أختنا الكاتبة أن نعمل على طريقة (وكلاء السيارات عندنا) حين تسحب الشركات المصنعة بعض سياراتها لوجود أخطاء بها .. بينما نكتفي نحن بقراءة أخبار سحب السيارات في الصحف؟!!!!!!!
أختي الكريمة ... طالما أنك فتحت باب الحديث عن عمل المرأة خارج بيتها .. فلا باس – فيما أظن – من إلقاء الضوء على ذلك الموضوع،مع معرفتنا الأكيدة من وجهة (عجلة التأريخ) وإلى أين تقود المرأة السعودية .. ولكن ذلك لا يلغي أمانة أن نذكر ببعض التجارب،ولن (نتوسل الغرب)،ولا تجربته .. ولن نستشهد بـ(..) ولا بــ(..). فهذه الأستاذة زينب الكردي،تقول :
(أمنوا المرأة ضد غدر الرجل وأنا أراهنكم أن 80% من النساء سيخترن البيت ويتركن العمل وهن في منتهى السعادة،وبقرارها هي لان من حقها بعدما تعلمت وتساوت بالرجل أنها تختار مجالها الحقيقي وليس من حق أحد أن يفرض عليها هذا القرار عليها حتى لو كان قراره هو الصح،عمل المرأة في البيت وتفرغها له ليس سبة ولا عقابا – بالعكس – عملها داخل بيتها قمة العظمة والمجد لأنها تصنع أجيالا .. هل من الممكن أن ندعي ان طبيب الباطنة أحسن من طبيب العظام .. طبعا لأ،لأن الاثنين على نفس الدرجة من الندية والأهمية .. كذلك عمل المرأة،هي داخل البيت،والرجل خارجه،كلاهما وظيفته ودروه مهم جدا وكلاهما بد للآخر وعون للآخر){مجلة "كاريكاتير" المصرية العدد 138 في 28/7/1993م = 7/2/1414هـ}.
كما تقول الأستاذة صافيناز كاظم،في كتابها (رومانتيكيات)الصادر عن دار الهلال سنة 1970 :
(أنا لا أطالب بعودة المرأة للبيت،ولكنني أطالب بعودتها إلى إنسانيتها،أنا مستاءة بشدة من حالة المرأة في العالم الآن،مستاءة من العبودية الشديدة الغارقة فيها لأذنيها،متمثلة بالذات في المرأة العربية،مستاءة من العلاقة الثلجية التي تربطها بأطفالها وعالمها البيتي (..) هل تعرف ما الذي يهيج حزني هذه الأيام؟ إدراكي أن تعليم المرأة لم يحولها كنا يجب إلى إنسان قادر على الفهم – مسخها إلى غول يلتهم أطفاله ولم يكترث حتى أن يمسح فمه المدهون بالدم – المرأة تعلمت ولم تتثقف ولم تتحضر. أضاف التعليم سمكا عطل حساسيتها الطبيعية وضلل العلاقة بينها وبين طفلها){ نقلا عن : ص 85 ( هموم المرأة العربية في القصة والرواية ) / أحمد محمد عطية / القاهرة / هيئة الكتاب / 1992م} . وقد اقتراح أحد نواب مجلس الشعب المصري – الفريق سعد الدين الشريف – سنة 1977 ،كما نشرت جريدة أخبار اليوم المصرية في 23/4/1977م:
(اقترح النائب تشجيع الموظفات بالبقاء في بيوتهن مع تعويضهن بصرف نصف مرتبهن. ومن الغريب أن كل مؤيدين اقتراح النائب من السيدات أنفسهن،وأن أغلب المعارضين للاقتراح من الرجال. ){ص 104 – 105 ( المرأة العربية المعاصرة إلى أين؟) / د. صلاح الدين جوهر / الطبعة الأولى / 1402هـ / 1982م}. وهذه الأستاذة سوزان أغا،تطالب المرأة العربية :
( بالوقوف بجانب الرجل وأن تحققي ذاتك من داخل صرحك العظيم وهو المنزل ) ثم تضيف :
(وليست هذه الدعوة ضربا من التخلف أو الردة الفكرية،ولكنها محاولة لتوخي الحيطة وإمعان النظر في النتائج التي وصلت فيها المرأة إلى طريق مسدود.){ص 4 ( المرأة العاملة بين النظرية والتطبيق ) / سوزان أغا}.
وماذا عن المرأة السعودية،صاحبة التجربة الحديثة – نسبيا – في الخروج للعمل خارج المنزل؟ خذي لديك :
( كشفت دراسة ميدانية استطلاعية أن خمسين في بالمائة من المواطنات اللواتي يعملن يرغبن في ترك العمل والتفرغ لشؤون الأسرة والبيت لو سمحت الظروف لهن بذلك. وبينت الدراسة التي أعدها الدكتور إبراهيم مبارك الجوير أن 45% من عينة النساء العاملات يعتريهن شعور بالتقصير إزاء الأسرة والأطفال نتيجة خروجهن للعمل في حين أن 67 بالمائة منهن أكدن أن العمل يمثل لهن مجهودا مزدوجا أو إضافيا.){المجلة العربية العدد 245 / جمادى الآخرة 1418هـ}.
أختي الكريمة ... عود على بدأ .. كيف نسيت أننا في زمن (العولمة)،وأن العالم كله أصبح (قرية صغيرة)،ومن الطبيعي في هذه الحالة،أن يستفيد الجميع من تجربة الجميع .. ولا يقع الأمر تحت (التوسل) ولا حتى (التسول)!!!
تلويحة الوداع :
قبل سنوات أقيمة – في إحدى العواصم الغربية - : (ندوة عن الإبداع النسائي الشرقي)، شاركت فيها كل من :
د.نوال السعداوي وآسيا جبار وحنان الشيخ،ولم يتركن نقيصة لم يلصقنها بمجتمعاتنا،من التخلف وعقم التقاليد .. إلخ. فتصدت لهن (ماريا كادرينال ) فقالت :
(حسنا لقد تحدثتن عن الحجاب والاختلاط والقيود المفروضة على النساء وغير ذلك من القضايا التي يعرفها الغرب جيدا .. ولكن لماذا لم نسمع عن الوجه الآخر للمجتمع العرب؟ لماذا لم تتحدثن عن تكامل الأسرة العربية وتضامنها وعن دفء وحميمية العلاقات بين البشر؟ ){جريدة الندوة العدد 10326 في 13/6/1413ه (مقال الأستاذ محمد المفرجي – رحمه الله – "ثلاث عربيات وغربية")}.
عذرا لإقحام هذه الغريبة – ماريا – في حديثي .. وإن كنت أعتقد أن الآية هنا معكوسة فهي التي .. بدأت كأنها (تتوسل) دفء الأسرة العربية .. واحترامنا لكبار السن ..إلخ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة

[سمو الرووح]

جهد تشكر عليه ولاهنت.

[محمود المختار الشنقيطي]

السلام عليكم أختي الكريمة (سمو الروح) .. وتعليق تشكلين!! عليه .. بل تشكرين عليه
دمت بخير.