مجالس العجمان الرسمي

العودة   مجالس العجمان الرسمي > ~*¤ô ws ô¤*~المجالس العامة~*¤ô ws ô¤*~ > المجلس العــــــام

المجلس العــــــام للمناقشات الجادة والهادفة والطروحـــات العامة والمتنوعة

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 23-06-2019, 07:14 AM
محمود المختار الشنقيطي محمود المختار الشنقيطي غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
المشاركات: 968
معدل تقييم المستوى: 12
محمود المختار الشنقيطي is on a distinguished road
حياة أميرة عثمانية في المنفى"22 - 23"

حياة أميرة عثمانية في المنفى"22 - 23"
وتبقى سلمى وحيدة في بلاد تركب الأفيال ... (هاهو النهار قد أدبر إلا قليلا ،والشمس الموشكة على المغيب تذهّب ماء البحيرات. وهذه سلمى متمددة على الرخام الأبيض،لتسعد بلحظات الجو اللطيف. ولم تعد الخادمات بعد الآن لتزعجها في هذه الحديقة الداخلية،الأخيرة بعد أفنية النساء. فجعلت لنفسها منها معبدا. فهنا تحلم،وهنا تبكي،وأحيانا تكتب الرسائل إلى أمها،تتحدث لها فيها عن سعادتها.
واليوم،هو الذكرى الشهرية لزواجها : فلقد مضى شهران،شهران فقط! .. وعندما أخذت الكآبة تستبد بها،انتصبت واقفة. لتتساءل فجأة عما تعمله هنا،وما تعمل بحياتها ... هنالك شاي ... ثم شاي. وعشرات من النساء اللطيفات،ممن لا ترغب في أن تحدثهن بشيء،وهناك بسمة زهراء،ولعبة الورق مع الراني،ثم ... أمير،أمير في النهار،وأمير في الليل،وهذا الراجا المغري،الجنتلمان الكامل،المنشغل بالسياسة،وبإدارة شؤون دولته،وهذا الجسم القاتم،الصامت،الشره،اللامبالي ... فمنذ صدمة الليلة الأولى تعودت،تلك الكلمة الفظيعة ... ولكن ماذا تستطيع أن تفعل،إذا كان زوجها أصما،وأخرسا وأعمى.
وهاهي تسمع وقع خطوات على البلاط. من يجرؤ؟
- آه زينل،يا زينل الطيب،لم هذه السحنة الحزينة؟
- الهم،يا أميرة. فالسلطانة وحدها في بيروت .. وصحتها ..
مسكين هذا الزينل. كم هو قلق! إن لدى أينديجم،كالفتين تحيطانها بكل حب،ولكن منذ بدأ مرضها،أصبحت وكأنها ولده. ولكن المرأة الشابة لا تملك أن تكبت رغبتها في مناكاته.
- أتريد أن تتخلى عني؟ ألم تعد تحب سلماك؟
فيحمر خجلا،ويعض شفتيه. فتأسف هي.
- ولكن لم أنت هكذا،كنت أمزح. فأنا أيضا أريد أن تعود إلى بيروت. وأكون أكثر اطمئنانا إذا عرفت أنك بقرب أمي. (..) وضحكت ضحكة كأنها خارجة من حنجرتها.
- أفلا ترى كم أنا محاطة،ومدللة. فقل لأيندجيم أني زوجة تغمرها السعادة. (..) - كنت على وشك أن أنسى. إن السيدة غزاوي تريد أن تكلمك.
- هل تريد هي أيضا،أن تسافر .. لها الحق،فليس لديها هنا ما تعمله.
ذلك أن هذه اللبنانية أتعبت سلمى بنقدها،وشكاواها المتتابعة.){ص 425 - 427}.
بينما كانت سلمى في السوق،بدأ الاقتتال .. وتسأل :
(ولكن لم يقتتلون؟
- إنهم السنة الذين بدءوا،فقد هاجموا مظاهرة دينية شيعية،مدعين أنها تشتم حظرة{هكذا - محمود} عمر،الخليفة الثاني. (..) {وبينما يتحدث النساء في المجلس،عن رواية حب إنجليزية} فتنفجر :
وماذا يهمنا من هذه التفاهات! فانظرن إلى ما حولكم{هكذا - محمود} وفي مدينتكم،وتحت نوافذكم : فالناس يقتتلون فيما بينهم،وأنا عائدة من أميناباد،حيث كنت أكاد أشنق.
وتخونها أعصابها فجأة. وهي تكاد تختنق،فتحيطها النسوة من كل جانب،وتؤتى بالماء البارد،والأملاح ... وتندهش النسوة،ويستنكرن. إذ أن مثل هذا الأمر لم يحدث منذ ثلاثين سنة،أو منذ منعت في عام 1908 القراءة العاملة لتاريخ الصحابة،وهي نصوص سنية،تحكي فضائل ومزايا الخلفاء الأول{رضي الله عنهم - محمود} "مما تعتبره الطائفة الشيعية إساءة لشهدائها،وترد عليه بقراءة التبارة Tabarrah التي توضح أن هؤلاء الخلفاء كانوا مغتصبين"ولكن ماذا يجري الآن؟ ولِمَ هذه الاضطرابات من جديد؟
غير أن البيجوم ياسمين تنظر إلى راني خامبور الجديدة نظرة قاسية،وتقول :
- وهذه لعبة أخرى للإنكليز،على ما أفترض : وهي أن يثيروا الانقسام بين الهنود لكي يقولوا لنا،عندما نطالب بالاستقلال،إنهم يريدون أن يقدموه لنا،ولكن شريطة أن نتفق أولا فيما بيننا.){ص 435 - 437 }.
وتذهب سلمى لزيارة جدة الراجا،وهناك تجد راحتها بعيدا عن الراني عزيزة،ويأتيها وفد من النساء يطالبن بفتح مدرسة للبنات،مثل تلك التي ستفتح للذكور،ويطلبن منها ألا تخبر زوجا بأنهن وراء الطلب،لكي لا يعرف أزوجهن،فيعاقبن بالضرب!!!!! ويردن للأمر أن يصدر عن الراجا. ولكن الرجال يعلمون بالخبر قبل أن تخبر سلمى الراجا،فينفي وجود الفكرة،ثم يغضب حين يعرف أنها لم تخبره ... وكأنه آخر من يعلم .. ويتخوف من عصيان الرعية!!!
ثم يتفشى الطاعون .. (وبعد أن زرق { الطبيب} سلمى بمصل – موثوق بنسبة 95% - طلب منها،كما لو كان الأمر طبيعي تماما،ما إذا كانت تريد أن تسعاده.
- وإلا فإنني سأجد الكثير من العناء في الدخول على الفلاحات : فأكثريتهن ترضى بالموت،وتفضله على أن يقوم رجل بفحصها. ولم أجد زميلة من الزميلات ترضى بأن ترافقني ..
وينبغي أن يكون الذهول قد ظهر على سلمى. فابتسم،وقال بصوت عذب :
- وعلى كل حال،فأنت رانيتهن،وكما يقول المسيحيون عندما يتزوجون : "للخير كما للشر".
وقالت سلمى،على الرغم من أن جسدها يتأبى هذه الفكرة : بلى.
وخلال أيام وأيام،كانت تتبع الطبيب،كآلة أوتوماتيكية،ويداها مغطاتان بالقفازات. وأدنى الوجه مستور بالقطن. وكانا يدخلان البيوت. ولسوء الحظ كان الأضعف مقاومة،من الأطفال والنساء،قد أصيبوا. وكانت وجوههم مصبوغة بلون قريب من البنفسجي. ويكادون يختنقون،ويتبرزون برازا سائلا أسود. أما الرائحة فهي لا تحتمل. وتقف سلمى عن التنفس،من شدة الهلع. وبهدوء يلمس الطبيب النبض،ويفحص الحنجرة،والإبطين،والأعين،ويشق الغدد التي ينفجر منها القيح،ويطهر الجرح،ويجفف العرق،ويشجع،ويطمئن. وعرضت كانيز فاطمة وامرأتان أخريان أن تساعداها. فتنظر سلمى إليهما،يمسكن الأحواض،,يغلين الماء،ويغسلن الصديد والبراز. أما هي فإنها تعجز عن القيام بأي حركة،فتتذكر إستانبول،ومستشفى هاسيكي،حيث كانت أمها تأخذها معها لزيارة الجنود الجرحى. وتتذكر خوفها وغثيانها.
ولكن الدكتور رضا لا يراعيها.
- إني بحاجة إلى مساعدتك،فأعطيني الضمادات.
وينتظر. فتقترب من السرير شبه مرغمة،وتقدم القطن ولفائف التضميد.
- تفضلي بالبقاء إلى جانبي،وإعطائي الأدوية.
فتنقاد لما يطلبه منها،وكأنها مسحورة. وخلال دقائق تبدو وكأنها لا تنتهي،تراه يقبل على عمله برقة ونعومة. ثم إنه ينتصب،ولأول مرة تبتسم عيناه عندما يرى سلمى،ويقول :
- .. شكرا.
فتهز رأسها،وقد فوجئت بهذا الطبيب،وهذا الذكاء.
- كلا،إن عليّ أنا أن أشكرك.
وفي الأيام التالية،يراها تبقى إلى جانبه. وما من مرة طلب منها أن تمس المرضى،بل اكتفى منها بأن تكون هنا،حيث هو،للحديث معهم،والابتسام لهم.
وعندما مضى أسبوعان،كان الوباء قد أوقف. ومن ألفي قرية مات خمسون : إنها أعجوبة. فيقرر أمير عندئذ أن يعود إلى لوكنوف. أما الدكتور رضا فيبقى بضعة أيام أخرى في القرية لمزيد من الاطمئنان.
وفي صباح يوم السفر،جاء لتحية سلمى. فقالت له :
- أيمكن أن تصدقني. إني حزينة تقريبا أني أسافر.
- وأنا إذن! إنني أفقد أفضل ممرضة عندي!
ويتمازحان. لكن ضحكتهما تبدو مزيفة. فلقد كانا قريبين جدا،بصورة يندر أن توجد. ولكن كل واحد الآن مضطر للعودة إلى العالم الذي يخصه. وعلى الأرجح فإنهما لن يلتقيا أبدا.
وهو الأفضل – إذ ما عسى الراني والطبيب الصغير،أن يقول أحدهما للآخر؟
وكان المطر يسقط مدرار،عندما تركت السيارة القصر. ومن خلال الستائر تنظر سلمى،والقلب منها منقبض،إلى الزول الساكن الواقف تحت هذه الأمطار. ){ص 469 - 470}.
ويقيم الراجا حفلا لصديق قديم .. اللورد ستيلتلتون ..
(وهاهي الآن تتجه ببطء إلى البيانو،الملجأ المبارك الذي تستطيع أن تعزل نفسها فيه دون أن يظهر عليها أنها تهرب. وهذا البيانو،إنما هو مدينة به إلى تدخل رشيد خان،على الرغم من ثورة الراني عزيزة.
أيها العزيز خان! لقد حظيت هذا المساء بمفاجأة سعيدة،هي أنها رأته للمرة الأولى منذ وصولها إلى لوكنوف. وعلى الرغم من أنه أكبر عمرا،فإنه هو الآخر صديقا لضيفها اللورد،الذي لم يكن من مبرر لغيابه عن العشاء. وكذلك فإن أمير لم يشعر بالشجاعة الكافية لكي يشرح لرفيقه القديم أنه هو ذو الفكر القوي،العقلاني المتحرر من المستبقات،كان يحتفظ بامرأته في البرداه. {في الهامش : كثيرا ما كان الهنود يحرصون على أن لا تظهر زوجاتهم بلا برداه أمام الهنود مع التسامح بذلك أمام الأجانب}.
وبدأت تداعب بأصابعها،أصابع البيانو العاجية وأخذت تعزف الضربات الأولى من إحدى ليليات (سمر) شوبان. فمن اكتئاب إلى أمل،إلى هوى يتحطم ويعود فيولد من جديد،مرتجفا،عاصفا،ثم من جديد يتجلى في شهقة بكاء،في شكوى مرهفة،كخد وردة،أو كنقطة ندى تموت.
وكانت تحس على يديها،وعنقها،نظرة رشيد،الحارة الرقيقة إلى ما لا نهاية. وكانا خلال تلك السهرة يتجافيان،والآن فقط،الآن إذ يظنها ضائعة في أحلامها المنسجمة،يجرؤ أن ينظر إليها. وهي تقطع أنفاسها،لكي تتلقى كل جزئ من هذا الهيجان،وهذه العبادة،التي تجعلها تتفتح،وتُعطّر،وتحيا مرة أخرى،كشعاعات الشمس على زهرة الحقل.){ص 495 - 496}.

التي تليها ..


حياة أميرة عثمانية في المنفى"23"
وتتلقى سلمى نصيحة من عجوز من أصل إنجليزي .. اهربي من الهند. وتلك العجوز،هي أم الراني شاهينا،وتحكي القصة :
(- الماما كانت شابة إنكليزية،بسيطة جدا،ومن البورجوازية اللندنية. وكانت وقعت في غرام أبي الذي كان يتابع دراسته في الجامعة. وكان جميلا،غنيا،ساحرا. فتزوجا. وبعد سنة من ذلك،عاد بها إلى لوكنوف،وإلى أسرة لم تقبلها قط،من حيث أنها رأت أن من واجب الابن الأكبر أن يتزوج هندية.
وأخال أنها في البداية،ظنت أنها بشدة اللطف،والطاعة،يمكنها أن تقضي على عواطفها العدائية. ولكن سرعان ما أدركت أن ذلك مستحيل. وأنها ستعتبر دوما تلك الدخيلة. (..) والأسوأ من ذلك،أنهم كانوا يأخذون منها الأولاد،ساعة ولادتهم. وكانت جدتي تأبى أن تربى واحدة إنكليزية،أحفادها.){ص 507 - 508}.
وتصاب سلمى بالحمى ... :
(- هل أصيب الإنكليز ليلة البارحة،بالحمى؟
هكذا طرحت السيدة الوصيفة السؤال،وعليها سيماء القلق : فنظرت إليها سلمى مذهولة وقالت لنفسها : "وماذا تريد مني هذه المجنونة؟ وكيف أعرف أنا،أن الإنكليز أصيبوا بالحمى؟ إن هذا،رغم كل شيء،مبالغة،ولعل من الأفضل أن تسألني عن أخبار صحتي!".
وكانت سلمى،منذ البارحة،مريضة. ذلك أن هيجانات الأسابيع الأخيرة قد نالت من صحتها. فهي تسبح في العرق،وكان رأسها،على وشك الانفجار.
وعادت الوصيفة إلى الكلام،فقالت :
- إن للإنكليز دوما خدودا حمرا. فلقد سمعتهم يسعلون.
وانفجرت سلمى،تقول :
- آه،ولكن دعيني مرتاحة من هؤلاء الإنكليز! وماذا يهمني من هذا الأمر؟
فانفجرت زهراء الجالسة بجانبها،ضاحكة.
- هدّئي نفسك يا أبا. فهذه المرأة تتبع التقاليد : فهم يظنون أن الجمع بين الشر وبين اسم الأشخاص الذين نحبهم،يجلب لهم الشر. ولهذا فإنهم لا يقولون : "هل أنت مريضة؟" ولكن يقولون : "هل أعداؤك مرضى؟" والنساء اللواتي يكرهن الإنكليز في لوكنوف،اعتدن على وضع كلمة الإنكليز،مكان كلمة"العدو". ولهذا،فبدلا من القول : هل أصابتك الحمى؟ يقولون : "هل أصابت الحمى الإنكليز ..".
ويقرع الباب : ذلك أن الحكيم صاحب ،قد وصل. وهذا الرجل طبيب الأسرة. وفيما ترى فإن له من العمر ما لا يقل عن ثمانين سنة. (..) وكانت الخادمات يصخبن،حول سلمى. وكانت اثنتان منهما قد أمسكتا بغطاء ثقباه،بعناية،ثقبين مختلفي القطر. وبسطتاه بصورة عمودية على السرير،فأخفيتا سلمى،وزهراء،كما أخفتا نفسيهما،إخفاء تاما.
وسألت سلمى المذهولة :
- ماذا تفعل هاتان؟
- أرجوك يا أبا. ولكن يجب أن تستبقي البرداه.
- أبرداه،من أجل رجل بهذا العمر؟
وأجابت زهراء مذهولة من دهشة زوجة أخيها :
- إنه رجل على كل حال!
- وكيف يستطيع إذا أن يفحصني؟
إن الأمر بسيط جدا. إذ تعطيه يدك من الثقب الكبير لقياس نبضك،والتحقق من ردود فعلك. أما الثقب الصغير فإنه يستطيع من خلاله فحص لسانك،وفحص حنجرتك.
وعندئذ تدع سلمى نفسها تستريح على وسائدها.
- حسنا،أرجو مع مثل هذا الفحص ألا يكون لدي شيء خطير ...){ص 519 - 520 }.
هنا لابد من القفزة،قفزة كبيرة،لتخطى حديث طويل عن الشذوذ،والخوف من الوقوع في براثنه ... ثم إقناع سلمى لأمير بتزويج زهراء من رشيد خان ... عبر هذه القفزة،نصل إلى حفلة حضرتها سلمى،وفيها قابلت شابا إنكليزيا،حديث عهد بالقدوم إلى الهند،ولا يعرف أحدا،فيعرض على الشابة أن ترقص معه ... وهناك يتدخل أمير،ليعرض على الشاب (المبارزة) بـ(السلاح الذي يختاره) .. وبعد كثير من الاعتذار،وإظهار حسن النية ... تصبح سلمى هي المذنبة .. (اعتبارا من اليوم لن تخرجي من غرفتك. وسيحمل إليك طعامك هنا. وممنوع عليك أيضا أن تتنزهي في حديقة القصر،أو أن تستقبلي صديقاتك : إذ ستعرفين كيف تقنعيهن بإيصال الرسائل. ومنذ الآن ستضعين البرداه الأكثر احتشاما. (..) من ذو تلك الليلة المشؤومة لم تر سلمى زوجها،إذ لقد نقل حاجاته الشخصية،وعاد إلى جناحه الذي كان فيه أيام العزوبية. ولو استطاعت أن تكلمه،إذن لأمكنها أن تثنيه عن هذا كله،لأنه يحبها،رغم كل شيء،لكن الاتصالات الوحيدة،تمر بطريق الراني عزيزة،فأخت الراجاه التي تراقب الأخبار التي تخرج من الزينانا. وهنا يكمن الخطر. وربما تركت سلمى نفسها تموت،وأمير لا يعرف شيئا عن ذلك.
(..) وعندما طلب الراجاه من أخته،أن تزوده بأخبار زوجته،أجابت هذه بأن العزلة الإرغامية ستكون طيبة النتائج (..) ويجيب أمير : وماذا لو أنني كلمتها،وقلت لها إنني أعفوا عنها هذه المرة وأنها إذا أعادت الكرة،فسوف أطلقها؟
وإنه لبعيد عن التخيل ضحك سلمى،إذ هي سمعته يقول ذلك. فهو لا يعلم أن الأميرات،في الأسرة العثمانية،هن اللواتي يطلقن أزواجهن،إذا سمح السلطان بذلك. وما من مرة سمح لدامادا بالانفصال عن زوجته ذات الدم الملكي. إذ كان ذلك يعتبر إهانة للسلطان نفسه.
وليست سلمى من هؤلاء الزوجات الهنديات اللواتي إذا هن طُلقن،فإن هذا يعني الموت،ذلك أن أسرة الزوجة لن تقبل بعودتها إليها. والبنت المطلقة،هي العار بالنسبة إلى كل الأقرباء،والبرهان على أنها خالفت القواعد التي تنظم الحياة الاجتماعية : وإذن لم يعد لها مكان،في أي مكان. وإذن فمن الأفضل للفتاة أن تقبل بشرط العبودية،والخنوع،لا لزوجها فقط،بل لأسرته كلها،بدلا من أن تكون منبوذة.
والراني عزيزة أكثر فطنة،فلقد أدركت مدى الزهو الذي لا يقدر،لدى هذه الغريبة. (..) وبنظرة الأخت العطوف،تداعب وجه أخيها،المعذب.
- لا تخف. فأنا سأهتم بها على أفضل الصور. فإذا تدخلت أنت،فعلينا أن نستأنف بعد ذلك عملنا،كأننا لم نفعل من قبل شيئا. (..) ومن يوم لآخر،كانت سلمى تضعف جسديا. ولقد حاولت قسر نفسها على الطعام،ولكن معدتها لم تعد تتحمل شيئا،وحتى الشاي نفسها،فإنها تسبب لها الغثيان (..) و راسّولان،الخادمة الصبية،التي جاءت ذات يوم،ورأت سلمى تعاني أزمة مرهقة بشكل خاص،هي التي أوحت لها بأن الطعام الذي يقدم لها،هو الذي لا يناسبها،على ما تقدّر ... ولم تزد على ذلك شيئا. ورأت سلمى أنها مجنونة إن هي تخيلت .. ولكنها على مدى يومين،كانت ترد الطعام كما جاء،وانقطع التقيؤ.
ومنذ الآن تكتفي سلمى بشرب الماء من الصنبور،وببعض اللوز الذي تحمله راسّولان إليها،خفية. فتشعر أنها أفضل مما كانت. ولكن تعوزها القوة التي تساعدها على النهوض،أو حتى على إصلاح زينتها.(..) – إن هذه جريمة! فمن أمر بهذا؟
وفي وضع متوسط بين النوم واليقظة،تدرك سلمى أن حولها صخبا،وتسمع بعض الأصوات التي تكاد ترهق طبلة أذنيها. ولكن لماذا لا يدعونها تنام؟ فتئن،وتتحرك قليلا،ثم تعود إلى الصمت،الذي هو الشرنقة الدافئة التي تتكور داخل متعتها.
وتقف زهراء الخجول أمام الراني عزيزة،متهمة!
- لو أننا لم نختصر رحلتنا،لعدنا ووجدناها ميتة!
وحقا،فإن طبيبا شابا استدعي على عجل لزيارتها،وأكد أن وضعها خطير : فعدة أيام أخرى بلا طعام،والقلب عندئذ يتوقف.
ووقف الراجاه،ممتقع الوجه أمام أخته عزيزة التي تقابل أسئلة زهراء بالصمت الذي ينطوي على الاحتقار. ولكن أيهما هو المجرم؟ أهو أم هي؟ إنه يعرف أنها تكره سلمى،ومع ذلك فقد وكل إليها السهر عليها،وصدق كلماتها المطمئنة،دون أن يحاول التحقق منها. (..) وبشيء من الضيق،ينظر إلى هذا الجسد الهزيل،والوجه الذي يشبه العصفور،ويتخيلها ميتة،ويجرب أن يتصور الألم الذي كان سيسحقه،لو ... ولكنه رغم جهوده هذه،فإنه لا يشعر إلا باللامبالاة. فهو مستاء من ذلك : وإذ هو لم يشعر قط بهذا المرض المسمى باسم"الحب"فإنه،على الأقل،شعر بحنان تجاه زوجته.(..) وتنظر زهراء بشيء من العتاب إلى أخيها الذي يبتسم لها باغتباط.
- يقول الطبيب إن أبا بحاجة إلى ممرضة تبقى دائما معها (..) ولكن ينبغي أن تغير المنظر أمام عينيها،وأن يكون لها نشاط يخرجها من اكتئابها (..) - إن زوجتي سعيدة هنا تماما! فإذا انتهينا من هذا،قلنا إن هواء الريف سيفيدها،بلا ريب. سنسافر إلى بادلبور،متى أمكن ذلك.){ص 572 - 579}.
وذهبا إلى بادلبور ... وقابلت سلمى جدة أمير ... وتحسنت صحتها .. ولكنها قابلت أيضا مواقف صعبة ... إحراق زوجة هندوسية شابة – كانت تحت رعاية سلمى - ،مع زوجها الميت،المسن ... ولم تستطع إنقاذها،ولا يستطيع أمير أن يغير عادات رعاياه من الهندوس .... ومات (ملك تركيا) .

إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
س / محمود المختار الشنقيطي
س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب.

 

التوقيع

 

أقول دائما : ((إنما تقوم الحضارات على تدافع الأفكار - مع حفظ مقام"ثوابت الدين" - ففكرة تبين صحة أختها،أو تبين خللا بها .. لا يلغيها ... أو تبين "الفكرة "عوار"الفكرة"))

 
 
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حياة أميرة عثمانية في المنفى : كينيزي مراد"17" محمود المختار الشنقيطي المجلس العــــــام 0 19-06-2019 07:14 AM
حياة أميرة عثمانية في المنفى"15" محمود المختار الشنقيطي المجلس العــــــام 0 17-06-2019 05:22 PM
حياة أميرة عثمانية في المنفى"24" : (الأخيرة) محمود المختار الشنقيطي المجلس العــــــام 0 19-05-2015 09:56 PM
حياة أميرة عثمانية في المنفى"24" : (الأخيرة) محمود المختار الشنقيطي المجلس العــــــام 0 19-05-2015 09:56 PM
حياة أميرة عثمانية في المنفى"7" محمود المختار الشنقيطي المجلس العــــــام 0 13-05-2015 07:45 AM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 11:31 PM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع