الحرية لفرنسا

[سعد بن ثقل العجمي]

الحرية لفرنسا

وأنا أشاهد الآن نتائج الإنتخابات الفرنسية التاريخية , وفوز مرشح اليمين نيكولا ساركوزي , وأستمع لكلمته المدوّية في أرجاء المعمورة , التي بدأ فيها بأصغر شيء في فرنسا :عائلته , وختمها بأكبر شيء في العالم : النساء المظلومات .
بين تصفيق وضحكات الجماهير الفرنسية الحرّة , التي فرحت بالانجاز الذي حققته : باختيار رئيسها , ويحق لها هذا الفرح .
وأنا أشاهد هذه المنظر الحضاري الراقي , يعتصر قلبي ألماً وتكاد روحي تنخلع , فأنا أعلم أن عمري صغير وتفكيري أصغر , ومن هم حولي كبارٌ فاهمون أتقياء صالحون , لكن ما بال هذا البركان يكاد ينفجر من قلبي , أسائل نفسي وكلي حسرةٌ وأنا أنظر بجانب كمبيوتري مصحفاً سأقرأ منه لاختبار الغد , أسائل نفسي وأسائله فأقول:
ألسنا نجتمع مع الفرنسيين في إطار الإنسانية , أليس عندنا عقول كالتي في رؤوسهم , ألسنا نفكر وننظر فيما حولنا مثلهم , هل هم شعوبٌ نزلت من السماء وخلقت من ذهب , ونحن حقراء أذلاء خرجنا من الأرض كأي نبتةٍ خرقاء لا طيبةً فتؤكل ولا كبيرة فيستظل بها وخلقنا من نار, أليس أبونا آدم , و أمنا حواء , ومما يزيد النفس حنقاً وغيظاً ما يتشدق به المتشدقون : أننا خير أمةٍ أخرجت للناس , كذبَ ورب الناس ! خيرُ أمةٍ أخرجت للناس أمةٌ عزيزة , خير أمة أخرجت للناس أمة منصورة مظفرة , أمة حرة , لذلك قال الله عنها وصدق ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فمن الكذب والغش لمجتمعاتنا أن نمدحها بما ليس فيها , أيظن من ينكرون على الناس أمورَ حياتهم العادية التي لا تتعدى جانب اللمم , وإن تضخمت وتفاحشت كانت من الصغائر وقد تصل في بعض الأحيان إلى الكبائر التي لا يصمد جبلها العظيم أمام التفاتة عفو ورحمة من الرحيم العفو .
إن خير أمة أخرجت للناس : هي التي تنكر على كبرائها سلبها لحريتها في حق اختيار السلطة , أيوجد منكر أعظم من سلب الإنسان حريته وإرادته واختياره , أيوجد أعز وأسمى وأعلى من رجل يضحي بحياته من أجل حريته التي ما أرسل الله الرسل وأنزل الكتب , إلا لتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد , بهذا المبدأ التقدمي الحضاري , دخلت الدنيا في الإسلام , وارتجف الملوك على عروشهم , وثار العبيد على أسيادهم , وما أكثر العبيد في عصرنا وطغاة من أسيادهم , ولما أن تخلى المسلمون عن حريتهم وسلموا حريتهم للسلاطين وعلمائهم الذين زينوا لهم أعمالهم و عبّدوا الشعوب لهم باسم طاعة ولاة الأمر , حتى خرج علينا الزنادقة : يدعون المسلمين في البلاد المحتلة إلى الاستسلام وطاعة ولي الأمر النصراني الكافر .
أيها الشعب الفرنسي الحر , لعلي أدع الحروف تنحني احتراماً لكم , فأنتم أحرار , تستحقون هذا النصر وهذا الإنجاز ,في ميدان الحرية , فالدماء التي سالت منكم في (الثورة الفرنسية) لم تذهب هدراً , والأفكار التي أطلقها فلاسفتكم النجباء , ومفكروكم الأحرار : لم تحبسها زنازين الأوراق , بل لم تحبس أصحابها أصفاد العقول الرجعية المتحجرة التي رضيت واستمرأت الذل والهوان.

إن واقع فرنسا قبل الثورة : المتمثل بحكم ملوكها بمقتضى نظرية (الحكم الإلهي ) التي تقول أن الملوك يمثلون الله في الأرض , وأنهم يستمدون سلطتهم منه , كما هو الحال عند حكام المسلمين في عصرنا وما قبله , غير أن الكلام هذا لم يصدر منهم بل صدر من حجبتهم وسدنتهم , حتى قال أحدهم عن أحد الحكام الظلمة وتابعه أشباهه في عصرنا وإن لم يصرحوا بمثل قوله : (إن هذا الحاكم عذاب الله , فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ) , ونسي قول نبي الحرية عليه الصلاة والسلام ( سيد الشهداء حمزة , ورجلٌ قام إلى إمام جائر , فأمره ونهاه فقتله ) , وقد بلغ الظلم السياسي في فرنسا أشد مراحله والاستبداد السياسي أوجه , وسلب الحريات غايتها , حتى سمّى بعض ملوكها نفسه بــ(الملك الشمس) وحتى قالها أحدهم صريحة : (أنا الدولة) .

من أجل هذا كان لزاماً على أصحاب الفكر الحر ,من أمثال : مونتسكيو وفولتير و جان جاك روسو , أن ينقذوا الأمة , فقاموا وأشعلوا الثورة في عقول الشعب الفرنسي الأبي , وقام فولتير وانتقد الكنيسة البابوية الجائرة , وما أكثر الكنائس الإسلامية الفكرية في هذا العصر فأين فولتيرها , وانظر إلى هذا الحر فمع سجنه في الباستيل ونفيه خارج فرنسا , إلا أنه استمر في كتابته الثورية حتى استحق أن يعتبر وبجدارة ممثل (لعصر التنوير) .
با الله قارن بينه وصبره على فكره وبين من غيّر فكره وتبرأ من أقواله في ظرف بضع سنوات (هل يستويان مثلاً) .
سعد بن ثقل العجمــــــــي

ربيع الفكر

6/5/2007

كاظِمة