بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عنوانا للموضوع :
"بشرى".. فتاة معاقة في خدمة الأطفال المعوزين
كم هو جميل أن يستمد الإنسان سعادته من سعيه لإسعاد الآخرين، وكم هو جميل أن يشعر محتاج بأنه يساعد محتاجين،
إنها أحاسيس تخالج نفس "بشرى" التي شاءت الأقدار أن يصيبها شلل الأطفال وهي بنت الأربع سنوات لتجد نفسها
وهي ابنة 34 سنة ساعية لجلب السعادة للأطفال المرضى المعوزين.
ولدت بشرى لأسرة متوسطة الحال قرب العاصمة المغربية الرباط سنة 1974 ميلادية، وأدت إصابتها بالشلل إلى إعاقة
على مستوى الأرجل حالت دون استكمال دراستها، لكنها لم تحل دون سعيها في العمل الخيري لتكون نموذجا للعطاء.
التقيناء مع بشرى ورحلنا معها نستمع لحكي مسيرة عطائها التي سردتها وهي مفتخرة بكونها
تحدت الإعاقة بمساعدة الأطفال المرضى المعوزين.
مرض وحاجة
ولدت بشرى لوالديها وسط 6 أبناء، سليمة جسديا إلى أن بلغت من العمر أربع سنوات
لتصاب بمرض شلل الأطفال نتيجة عدم التلقيح وارتفاع درجة الحرارة وضعف ذات اليد.
ورغم مرضها على مستوى الأرجل استطاعت بشرى أن تتابع دراستها إلى أن وصلت
السنة النهائية من الثانوية (الباكلوريا حسب النظام التعليمي المغربي)، واشتد عليها
المرض وخضعت لثلاث عمليات جراحية، ولم تستطع إكمال دراستها الجامعية.
وبعد تماثلها للشفاء شيئا ما، لم تقف بشرى مكتوفة الأيدي بل توجهت للخضوع للتكوين
بمؤسسة الحسن الثاني للأشخاص المعاقين بالرباط لمدة 3 سنوات في تخصصات
الإعلاميات، والخياطة والتطريز، لتقوم بدور المساعدة لمدربة بالمؤسسة المذكورة بعد
إنهاء فترة التكوين، وكان عملها متطوعة.
العمل الخيري
وجدت بشرى نفسها مولعة بالعمل الخيري بعد أن كانت هي مستفيدة منه، وقالت في
حديثها "لقد ساعدني المحسنون جزاهم الله خيرا في إجراء العملية الجراحية الأخيرة
والحصول على دراجة نارية خاصة بالمعاقين، لذلك فأنا الآن أسخر هذه الوسيلة التي
سهلت تنقلاتي بين المستشفى والبيت والجمعيات وبيوت المحسنين لتقديم المساعدات
لمرضى يحتاجون هم أيضا لغيرهم".
ومنذ سنة 1998 بدأت بشرى زيارة مستشفى الأطفال بالرباط، بعد إذن إدارة المستشفى
للترويح على الأطفال الذين يخضعون للعلاج، إذ تقوم بتأطير ورشات للرسم والأناشيد
وتنتقل إلى الانخراط في جمعية تعنى بمساعدة الجمعيات الخيرية وأطفال المستشفى.
وعن برنامج الترفيه للأطفال قالت بشرى: "أخصص يومين أو ثلاثة في الأسبوع للرسم
والألعاب للترفيه عن الأطفال الخاضعين للعلاج بمستشفى ابن سينا بالرباط، كما أسعى
لجلب المساعدات المادية للأطفال المعوزين، سواء لشراء الأدوية الباهظة الثمن أو توفير
تكاليف العمليات الجراحية عن طريق الاتصال بالمحسنين، وذلك بلعب دور صلة الوصل
بين المريض والمحسنين، أو بين المريض والجمعية التي تعنى بالمساعدة على خفض
تكاليف الأدوية بنسب قد تصل إلى 30 بالمائة.
وتفاديا لبعض المشاكل التي قد تشوب مثل هذه الأعمال الاجتماعية، تقول بشرى:
"
لا أقبض المبالغ المالية مباشرة بل تتم مرافقة المحسن إلى الصيدلية أو إلى المستشفى لأداء المبلغ المتبرع به".
قدوة حسنة
في جواب لبشرى عن سر إقدامها على خدمة المرضى وهي المريضة، أكدت أن سيدة كانت
صديقة لها تجمع تبرعات للمرضى المعوزين، اتخذت منها قدوة في عمل التبرع للمحتاجين،
ورغم أن سنها في سن والدة بشرى إلا أنها تسعى بكل حيوية إلى مساعدة المرضى.
وأضافت بشرى: "دافع كبير أيضا أجده من الإعاقة التي أعاني منها، فقد كنت في حاجة إلى مساعدة،
وبتوفيق من الله مدت إلي أيادي بيضاء بحكم أن مستوى أسرتي المادي كان ضعيفا ولم
أستطع توفير حاجاتي العلاجية.
لهذا اخترت أنا أيضا مساعدة الآخرين".
وتسعى بشرى أيضا لإثبات أن المعاق يمكنه أن يساعد الآخرين، فهو ليس دائما يأخذ ولا يعطي،
فإن كانت بشرى معاقة من رجلها فإنها قوية اللسان تقنع المحسنين بمساعدة من هم أقل منها صحة،
فمنهم مرضى بالسرطان ومرضى بمرض القلب وآخرون يخضعون لعمليات جراحية على مستويات عدة من أجسامهم.
وأشادت بشرى بالمحسنين مؤكدة:
"
هناك أناس يساعدون غيرهم رغم ما يشاع من كون الأنانية هي سيدة الموقف في عصرنا الحالي".
حنان الأطفال
تعتبر بشرى الأطفال المعوزين المرضى الذين تخفف عنهم آلامهم مصدرا لجلب الحنان بالنسبة لها،
إذن فالعطاء متبادل بينها وبينهم كما تصف ذلك بعظمة لسانها إذ تقول:"
أحب الأطفال
كثيرا لأنهم يعوضونني في أشياء أفتقدها، إنهم يعطونني الحنان وأعتبرهم أبنائي،
وأحاول أن أعطيهم ما افتقدته في صغري بحكم أنني كبرى أخواتي. والعمل مع الأطفال يحقق السعادة".
وأردفت بشرى: "
الأطفال بدورهم يبادلونني شعورهم بالحب والحنان ومنهم من يغادرون
المستشفى ويبقون على اتصال بي سواء بالهاتف أو يسألون عني حين زيارتهم لمدينة الرباط من مدن بعيدة".
أطر المستشفى
بحكم عملها الدؤوب منذ عدة سنوات أصبحت بشرى خبيرة بالتحولات التي شهدها القطاع
الصحي في جانب الأطفال بالخصوص، فهي تتردد على المستشفى منذ سنة 1998 تحتك
بأطر الصحة وأهالي المرضى والمحسنين والجمعيات.
لاحظت بشرى تزايد إقبال أطر الصحة على تشجيع المحسنين مقارنة مع سنوات مضت،
أما مدير المستشفى فشهدت له بأنه يرحب بالمحسنين وبالجمعيات العاملة في المستشفى.
زاد الإيمان
أن يكون الإنسان معاقا وتغمره السعادة فإن وراء ذلك سر يبحث عنه الفاقدون للسعادة وهم أصحاء،
وكلمات بشرى نابعة من إحساسها بالسعادة، تتحدث عن عملها باطمئنان وشعور بالفرح كونها
تساعد الأطفال وترسم البسمة على شفاههم.
وكلما ساعدت شخصا تحس بالحافز أكثر، لهذا تسعى بكل ما في جهدها لمساعدة المرضى والمحتاجين.
والسر الأهم وراء إحساس بشرى بالسعادة وهي تسعى لمساعدة المرضى المحتاجين هو الإيمان بالله.
قالت عن هذا الأخير: "
الإيمان بالله هو الدافع الأول للقيام بمساعدات الآخرين، وأعتبر نفسي
مسخرة من الله للذين أساعدهم، وأعتبر نفسي خطوة في طريق الساعين لجلب المساعدة"،
هكذا بكل تواضع لخصت بشرى دورها في هذه الحياة بعطائها راجية من الله أن يتقبل منها عملها.
ولعل في قصة بشرى درسا أقرب إلى قصة رجل من السلف كان أقرع الرأس أبرص البدن أعمى العينين مشلول القدمين واليدين
وكان يقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا ممن خلق وفضلني تفضيلا"، فمر به رجل
فقال له: "مم عافاك؟ أعمى وأبرص وأقرع ومشلول. فقال: ويحك يا رجل، جعل لي لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وبدنا على البلاء صابرا.
اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر.
وليست بشرى سوى نقطة في واد من أناس أصابتهم مصائب لكنهم يحمدون الله ويسعون لمساعدة غيرهم
في سعادة قد يفتقدها من هم في أتم صحة وعافية.
27-08-2008, 03:21 AM
"بشرى".. فتاة معاقة في خدمة الأطفال المعوزين
العرض العادي
المواضيع المتشابهه
