مجالس العجمان الرسمي


أقـــــــلام المجــــــالــــس مجلس خاص بأقلام المجالس ( يمنع وضع المنقول )

 
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-07-2009, 07:47 PM
AgMi.cOm AgMi.cOm غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 4
معدل تقييم المستوى: 0
AgMi.cOm is on a distinguished road
Smile درس في الخشونة !

كانت خيمتنا منصوبة في العراء..
وكانت بصراحة أول تجربه لي اخرج في رحلة من هذا النوع..
أحمل زمزميه على ظهري وأنام على سرير سفري
وامشي في وهج الظهيرة في الرمل وفي التراب..
أتناول غذائي من التمر والخبز الجاف مع علب الجبن و التونة..
بدون الماء المثلج وزجاجات الصودا..
وبدون فنجان في المرديان..
وبدون الاسترخاء السعيد بعد الحمام الساخن في البيت أمام التلفزيون 30 بوصة..


كان الاسترخاء هذه المرة على ارض مغطاة بالشوك مرصعة بالحصى معطرة بالتراب..
والماء الوحيد الممكن الحصول عليه هو ماء مالح من بئر إردوازية !!

الثوب الوحيد إلي البسه من القماش الأبيض
الذي تستطيع أن تشاهد خريطة أي دولة مرسومة عليه..

الله يجازي الشيطـــــــان :


والشيطان هنا هو صاحبي الذي زين لي هذه الحماقة وظل يغريني بها حتى اقتنعت..
اقتنعت بأني رجل رخو أمارس حياة بليدة مرهفة لا تختلف عن حياة النساء المترفات..
عيشة نواعمي..تنقصها الخشونة والرجولة..


وكنت انظر إلى صاحبي هذا وهو جالس على باب الخيمة يأكل تين..
وأرقبه وهو يلتقط التين ويأكله بترابه وطينه فأشعر بالاشمئزاز من هذه القذارة التي يسميها
خشونة..وأحاول ان ألفت نظره الى :
الميكروبات التي يبتلعها بالملايين مع كل قضمة من هذا التين او الطين ..
فيرد علي وهو ويبتسم (:


وشفيه الطين ؟؟ !!
النبات عايش على الطين..الورد يفطر ويتغذى ويتعشى طين..
الحصان الرشيق يفطر حشيش بالطين..وانت بكبرك مخلوق من طين !!..


واستمر في حديثه مع الابتسامة قائلا :


تدري الحيوانات هذي وش تسوي في الميكروبات إلي تبلعها مع اكلها ..


فقلت بغباء : لاااء


قال :
في معدتها أحماض تذوب كل الميكروبات وتتغذى عليها..
الحياة لها ألف حيلة..المعقمين المحنطين اللي زيك..
إلي يأكلون مطهرات وبرافازات يعطلون حافز الحياة في أجسامهم والنتيجة..
انهم يمرضون وتفقد أجسامهم عنصر الكفاح..


اسمع نصيحتي ..كل طين..أنا جايبك اليوم عشان تاكل طين !!


الله يجازي الــشيطان وسميت وأكلت التين أو الطين .


ورأيته ينزع الخيمة ويجمع المعدات ويحمل المؤونة على ظهره ويذهب الى السيارة الجيب..
فاستبشرت خيراً بأننا عائدان الى المدينة في النهاية بعد هذا اليوم القاسي ..
ولكني رأيته يدير عجلة القيادة الى اتجاه آخر ويدوس على البنزين لينطلق بالجيب في طريق
طويل ومتعرج !..

وبعد ساعة كنا ندخل في طريق صحراوي ونترك الوادي بألوانه الخضراء وراء ظهرنا..


سألته : أنت وين مودينا ؟

قال :

أبغى أطلعك على الواحات

!!


واحات مين الله يهديك..فيه احد يروح الواحات في ذا الشمس والحر !! ..


وتشبثت بيده أحاول ان اثنيه ولكنه كان يزداد عنادا كلما حاولت مقاومته..

واستسلمت في بؤس وأنا اعزي نفسي بأني اكتسب خشونة وأنبه حافز الحياة الخ الخ


ولكني كنت غير مقتنع بقصة حافز الحياة ذي..لأني قلت بعد لحضات :


- نفرض مثلا ان السيارة غرزت في ذا الرمل الناعم ..وش بنسوي ؟ !


قال :

المفروض انها تغرز..وش الفرق بيننا والتلاميذ الي طالعين في رحلة مدرسية..!!
اذا السيارة ماغرزت..منين نكسب وتتربى فينا روح المغامرة..!!
اذا كنا بنطلع رحلة ونرجع زي مارحنا كأنك رايح نادي كل يوم وش الفايدة وش اكتسبنا !!..

كانت الشمس عمودية..والرمال من حولنا تمج اللهب..
والطريق أمامنا وخلفنا يبدو خالياً تماماً من أي مخلوق..
والصحراء المترامية على الجانبين ليس فيها شجرة او حيوان او خيمة او أي اثر للحياة..
بيداء جرداء تشويها الشمس..
وكان صاحبي مازال يتحدث عن حافز الحياة !!..
وأنا لا أرى أمامي ذرة حياة..
وحلقي جاف ولا أجد القوة لأرد عليه..


وأكمل :

الحياة مش في الراحة والأمان..
يا ما بتشبع راحة إذا مت..
ساعتها بترتاح على جنبك مايتحرك فيك شعره بدال السنة ألف..
الحياة مش راحة الحياة تعب وأخطار ومغامرة ومجازفة !! ..

كلام معقول !!..

لكن الحر أقوى من أي معقول..والصداع الذي يدق رأسي..
والعرق والوهج الذي يعمي العين..وأجفاني التي بدأت تثقل..
كل هذا كان يجعلني لا افهم شيئاً..
وألعن اليوم الذي سلمت فيه قيادى لهذا المجنون..
مغامرة ايش واخطاء مين..أنا وش لي في الشقاء ..وش بستفيد من الخشونة ذي..


وكنت أشعر بالندم لهذه الفطنة التي جاءت بعد أوانها..فلم يعد هناك حل..المسافة بيننا وبين المدينة
طالت وأصبحت مايقارب ستمائة كيلو..وأصبح طريق العودة يكلفنا جهد أكبر..

لا يوجد حل..أمري لله..

مضت عشرون ساعة على مغادرتنا المدينة..خلفنا في أسفار متواصلة..
وكنت استعرض في ذهني كل قصص الرحالة الذين تاهو في الصحراء وماتوا من العطش وأكلتهم الذئاب..وأتخيل لــنفسي هذه النهاية التعيسة..

من يدري بأن صاحبي يسير في الطريق الصحيح وأنه لم يضل..والطريق المتعرج الذي لا ينتهي يؤكد لي هذه الظنون..لا أثر لكشك مرور على الأفق..أو إشارة..أو علامة..أو سهم يشير إلى أي مكان على الأرض..

لا يمكن أن يكون هذا الطريق المهجور مؤديا إلى شئ ...!!

وإذا انسدل علينا الظلام ونحن نخبط في هذا الخواء..ماذا نفعل..هل ننام في السيارة..
وإذا طالت الرحلة دون أن نعثر على واحة أو نبع ماء..
وإذا انتهت المؤونة وفرغ الزاد..
وإذا انفجرت اطارات المركبة..
وهي لابُد منفجرة اذا استمر سيرنا بهذه السرعة على هذا الرمل الملتهب ساعة اخرى..

وأدرت بصري في الجهات الأربع باحثاً عن معالم المدينة..
لا شي ولا حتى عمود اتصالات..خواء تام..وعزلة كاملة..

لو حدث لنا شئ في تلك اللحضة علينا العوض..

وبنظرة واحدة إلى تمويننا من الطعام والشراب ..
أيــقنت من الكارثة..انه يكاد يكفينا يومين مع الاقتصاد الشديد..


وبـــعد هذا ؟ !!


نربط الأحزمة على بطوننا..ونموت ببطأ


وطــار عقلي شعاعاً ..


وفكرت ان اكاشف صاحبي بهذه الضنون ولكني أثرت الصمت خشية
ان تكون الضنون في محلها..فأفقد البقية الباقية من شجاعتي.

ولاحضت أن العربة بدأت تبطي في سيرها فحمدت لصاحبي حسن تصرفه
فهو لاشك يخفض من سرعة السيارة حتى لاينفجر العجَل في هذا الحر القاتل..

ولــكن العربة أبطأت أكثر وأكثر ثم وقفت تماماً..!!
واستدار صاحبي ليواجهني وكان وجهه شاحباً بلون الشمع..

وقال بصوت لاهث :


- البنزين خلص . !!.


ظننتُ في البداية انه يمزح..لكن وجهه الذي غاض منه الدم..وأطرافه المثلجة..ونبراته
المتهدجة..اكددت لي ان الكارثة حقيقة وليست مزاحاً

بنزين السيارة خلص..

معنى هذا اننا باقون في مكاننا الى ماشاء الله..رهن القدر ورهن الصدفة التي تسوق لنا من ينقذنا..


لقد سقط قلبي بين ضلوعي ولكنني تمالكت نفسي وقلت في غضب :

- كيف البنزين يخلص..ونت وين طول الوقت ؟ !!


- كنت عامل حسابي ان حنا بنوصل بلدة ام شوشة ومناك نملأ بنزين قد مانبي ونكمل رحلتنا..لكن :

الطريق إلي أخذته طلع فينا طريق ثاني غير طريق ام شوشة..

- وبعدين

-ولا قبلين..ننتظر الفرج..

- قصدك ننتظر الموت..

وكان قد أشعل سيجارة وعاد الى فلسفته وثقل دمة المعتاد :

الموت عمره مايجي في المناسبات الي زي كذا..
انا والدي كان كثير الترحال والسفر..
لقد فُُقد في الصحراء اكثر من مرة وتعرض لحوادث عديدة..
وفي الاخر وجدناه ميتاً على فرشته في غرفة نومه وسط بيته !!..
بدون ضياع وبدون حوادث!


وكان يدخن في هدوء وبلا مبالاة..فشعرت بالخجل..وضغطت على اعصابي كي لا ابدوا ضعيفا..
واشعلت سيجارة ومضيت ادخن في صمت وكأني نسيت الموضوع تماماً..
والحقيقة انه لم يكن لي شاغل طوال هذا الوقت سوى التفكير في الموت..
وفي حلقي وهو جاف كعود الحطب وبطني وهي خاوية تعض على الهواء..
وجثتي وهي ملقاة في العربة تحوم حولها الطيور الجارحة..


أعوذ بالله ..


وأمسح على جبهتي..


هل أنا في حلم..هل أنا في كابوس..أم أننا ضائعان فعلا بين الأرض والسماء ؟


واتلفت حولي..وأحسب في ذهني الطريق التي قطعناها..والمدة التي يمكن ان استغرقها لو قطعت هذا
الطريق عائداً على قدمي..والمؤونة..وأخطار السير في العراء..ثلاثة أيام..اربعة أيام..وعلينا ان
نحمل الخيام لنبيت فيها....غير ممكن


انه يكون جنوناً..فالماء لايكفي..
والسير في مثل هذا الحر القاتل في هذه الصحراء التي ليست بها بقعة ظل..

انتـــــحار..


لايوجد حل سوى انتظار المعجزة ..

وقرأت الشهادتين وأغمضت عيني..ثم فتحتهما على صوت صديقي يتحدث مرة اخرى في تهكٌم :


وش رأيك في التجربة الجميلة ذي ؟...
اراهنك انك بتعيش كل عمرك تسولف عنها..
يوم ماواجهنا الموت وشفنا الاهوال..
وكافحنا الجوع والعطش..

هاذي هي الخشونة اللي بتربي فيك العزم والإحتمال
وبتخلي منك رجال ثاني غير الرجال الطري ايام زمان..

وأراهنك انك بترجعلي يوم تقول يالله نعيد نفس الرحلة مرة ثانية !!

مافيه ألذ من حياة الأخطار..


وكُنت مازلت احاول طمأنة نفسي املاً عزيزاً بأن صاحبي يمزح..

اخطار أيش!!..

وفيه احد مجنون يروح النار برجليه..مش معقول..


وأتلفت حولي في العربة باحثا عن صفيحة بنزين او تنك يخفيه صاحبي عن عيني
ليدخل في روعي أننا مشرفان على الهلاك ..

أبداً ..
لايوجد أثر بنزين..ولا رائحة بنزين..ومؤشر الوقود في العداد ينامُ على الصفر..


وقمت بنفسي افتش العربة وأفحص الخزان..لاتوجد فيه نقطة واحدة..

إن المسألة ليست نكتة ..

إننا معزولان وسط الصحراء..بلا مواصلات وبلا تموين..
على طريق مهجور لايطرقه إنسان أو حيوان..ومصيرنا الهلاك.!!.


وتكومت على الرمل في ظل العربة و وضعت رأسي بين كفى..
وكانت الشمس تنحدر نحو الافق الغربي..وحرارتها تفتر شيئاً فشيئاً..وتوهجها ينطفئ قليلاً قليلاً..
ومع كل انطفاءة من هذا النور كان الأمل ينطفئ في نفسي..

لا فائدة..
الظلام يــــــــزحف..

الــظلام الذي يبتلع في جوفه كل الرؤى وكل الآمال..


وكان الرجل الخشن جالساً في السيارة يدخن بلا مبالاة..
والشمس تهبط رويداً رويداً..
وقلبي يهبط معها بين ضلوعي..وخطر لي ان اصرخ بأعلى صوتي..


ونزل صاحبي من السيارة وجلس الى جوارى..

ونظرت في وجهه ابحث عن الخوف والرعب..


كان يبدوا متماسكاً وإن كانت اصابعه تقبض على السيجارة بعصبية..

قلت له وأنا اشير الى الباقي من الشمس :


وش بنسوي في الليل إلي جاي علينا ؟ !!


- ولاشئ .. نريح وننام شوي..

- ننام كيف !! ..
ولو طلع علينا ذيب وحن نايمين ؟

قال : الذيب امره سهل..ياليت كل مشاكلنا هي الذيب !!


وأخرج من جيبة علبة ثقاب اشعل منها عوداً..


هذا الذيب.!!.

تولع في وجهه عود كبريت يجري زي القطة..مافيه شي يخوف الذيب مثل النار..


- طيب والحية .. لو تلدغنا حية وش بنسوي ؟


- لايجيك هــم ..
أنا معي مصل حيايا وعقارب في شنطة اسعاف السيارة..

وشعرت بالإطمئنان لأني مع رجل يعرف كيف يتصرف في كل مشكلة وسلمت امري لله ..


وانحدرت الشمس خلف الافق..
واصطبغ كل شئ بلون رمادي..
وسرت في جسدي رجفة..
ولم أستطع ان اكتم القلق الذي ساورني فقلت :


وبنجلس الى متى ننتظر ومعقول احد يعدي مع ذا الطريق المخروب !!


وأجاب صاحبي في هدوء :


اجل الطريق ذا معمول ليش..


واشار الى آثار كفر عريض بجوارنا..هذا ايش اجل...وهذا..
ذا طريق عمومي كل ساعة تمر سيارة ..لاتخاف.


وسرى في الشعور بالاطمئنان والهدوء..
ورأيت نفسي اصفر بفمي..وكأني في شارع الكورنيش..


ونزل الظلام..

وشعرت بالائتناس بصوتي وأنا أصفر..


وشيئاً فشيئا بدأت ألاحظ ان هناك صوتاً آخر غير الصفير الذي احدثه بفمي..

وأرهفت السمع..
كان هناك عواء ذئب..عواء مخنوق مسعور..

وحدث كل شئ بعد هذا بسرعة لم تدع لي فرصة للتفكير..


طوقت العربة قافلة من الاشباح كأنها انشقت عنها الأرض..
قافلة من الذئاب..تنبح..وتلهث..وتعوى..


غـطس صاحبي تحت العربة من الذعر..
وقد نسى حكاية عود الثقاب الذي يخيف الذئاب ويحولها إلى قطط !!


وحينما التصقت بهيكل العربة لأواجه هذه الوحوش الشرسة
مقدماً يداي ورجلي ليتم التهامها عسى ان تشبع فتترك وجهي سليما..

فوجئت بأني أمام عدد من الكلاب الأليفة تتشمم اطرافي وتلعقها..
وكان يقف ورائها رجل هو راعي غنم..


ولم يكن بينها ذئب واحد

وناديت على صاحبي في فرحة..


ولكني لم اسمع جواباً ..


واقتضانا الأمر مجهوداً شاقاً...
أنا والراعي حتى نجره من تحت العربة... وكان مغمى عليه !

وحينما أفاق كان يهذي من الرعب..


***


كنا وجه الفجر حينما استطعنا ان نمون العربة بالبنزين ونعود ادراجنا في طريق المدينة...

وكان اسعد جزء في هذه الرحلة هو طريق العودة..
وأنا جالس أمام عجلة القيادة اقود الساعات الطويلة..
وأبتسم من وقت لآخر لنفسي وأنا انظر بجانب عيني الى صاحبي الذي جلس صامتاً كالصنم..
لا يتكلم عن الخشونة..ولا عن حافز الحياة..ولا عن فلسفة الموت والأخطار..
ولا عن الناس الذين يعيشون حياة رخوة طرية كحياة النساء المترفات...


ومع هذا


فقد كان ثمة اعتراف اعترفته بيني وبين نفسي لوجه الحقيقة :


فما أكثر ماغيرتني هذه الرحلة..
وهذه النصائح التي سمعتها من مدرسي الفاشل..

وبالرغم من كل شئ..

مــــــــــا ألذ حياة المخاطر ..


تحياتي
بدر
_________


التعديل الأخير تم بواسطة : AgMi.cOm بتاريخ 26-07-2009 الساعة 08:05 PM.
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 01:47 PM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع