مجالس العجمان الرسمي


المجلس الإســــلامي لطرح كافة القضايا المتعلقة بالدين الاسلامي

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 07-07-2007, 04:13 PM
سمو الرووح سمو الرووح غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 31,712
معدل تقييم المستوى: 49
سمو الرووح is on a distinguished road
Post وأنه هو أضحك وأبكى


قال تعالى( وأنه هو أضحك وأبكى )

للشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين.

الضحك والبكاء صفات في الإنسان، أوجدهما - جل وتعالى - فيه ليؤدي دوره في هذه الحياة، فكما أن الله - عز وجل - خلق الموت والحياة، وخلق الذكر والأنثى، فكذلك - جل شأنه - كما قال: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [(43) سورة النجم]، أي: هو الذي أوجد أسباب الضحك والبكاء، وهو الخير والشر، والفرح والسرور، والهم والحزن، وهو سبحانه له الحكمة البالغة.
فخلق الله - سبحانه وتعالى - الضدين الضحك والبكاء في محل واحد، كما خلق الموت والحياة والذكورة والأنوثة في مادة واحدة، وهذا دليل على قدرة الله - سبحانه وتعالى -، فهو خالق لقوتي الضحك والبكاء، كما أنه سبحانه خالق لفعلي الضحك والبكاء.
الضحك والبكاء أودعهما الله النفس الإنسانية، ضحك لتعبر به عن مرغوب، ورضاها به، وأنسها بما يسر، وبكاء أودعته النفس لتعبر به عن الخشية والفرق، والخوف والوجل. ولربما هجم السرور على النفس فكان من فرط ما سرّها أبكاها.
إن الله أنشأ في الإنسان دواعي الضحك ودواعي البكاء، وجعلها وفق أسرار أودعها فيه، يضحك لهذا ويبكي لذاك، وقد يضحك غداً مما أبكاه اليوم، ويبكي اليوم مما أضحكه بالأمس، في غير جنون ولا ذهول إنما هي حالات جبلية خلقها الله فيه {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [(21) سورة الذاريات]، وقد خص الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوان , وليس في سائر الحيوان من يضحك ويبكي غير الإنسان.
الضحك صفة من صفات الباري جل جلاله، ففي مسند الإمام أحمد - رحمه الله -، عن أبي رزين قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ضحك ربنا - عز وجل - من قنوط عباده وقرب غِيَرِه)) فقال أبو رزين: أو يضحك الرب - عز وجل -؟ قال: نعم، فقال: ((لن نعدم من رب يضحك خيراً)).
فعند أهل السنة والجماعة، أن الضحك صفة حقيقية لله - جل جلاله -، يضحك ربنا لكن ليس كضحك المخلوقين، على حد قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى]، وفي الحديث المتفق عليه: ((يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما في الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله - عز وجل - فيُستشهد، ثم يتوب الله على القاتل فيُسلم فيقاتل في سبيل الله - عز وجل - فيُستشهد)).
الضحك: هو انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، ومبادئ الضحك هو التبسم، وإذا كان مع الضحك صوت يسمع فهو القهقهة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان ضحكه التبسم، وكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه. أخرج الترمذي حديث عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه - أنه قال: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
كيف لا ومن ضمن وصاياه للناس، أنه رفع قدر البسمة إلى مستوى الصدقة عندما قال: ((وتبسمك في وجه أخيك صدقة)) [رواه الترمذي]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط)) [رواه الإمام أحمد]. فهلا تعلمنا هذا الخلق النبوي، فلو أحسنّا استخدامه لتمكنّا من فتح مغاليق قلوب طالما أُقفلت. كما يمكن عن طريق البسمة كسب مودة الناس كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لن تَسَعُوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه))، فينبغي لمن كان عبوساً منقبض الوجه أن يتبسم، ويحسّن خلقه، ويمقت نفسه على رداءة خلقه، فكل انحراف عن الاعتدال مذموم، ولا بد للنفس من مجاهدة وتأديب.
الابتسامة: مفتاح مؤكد النتيجة، ودواء أكيد المفعول، يقرب البعيد، ويَهدأ الغضبان من خلاله، يَدخُل المرءُ إلى قلب صديقه، ومن طريقه تدخل المرأة إلى شغاف قلب زوجها. ومن نعم الله تعالى على الإنسان أن يُعطى وجهاً مبتسماً دائماً، لا يعرف الحزن والهم والغم، يبتسم لكل موقف؛ لأنه يرضى بقضاء الله وقدره. إن الرجل المبتسم يكون دائماً في حالة ارتياح نفس، وهو أقدر من المنفعل والمتشنج على التفكير، واختيار الكلمات المناسبة، التي يتعامل بها مع الناس.
قال الجاحظ في مقدمة كتاب البخلاء، شارحاً بعض فضائل الضحك: "وكيف لا يكون موقعه من سرور النفس عظيماً، ومن مصلحة الطباع كبيراً، وهو شيء من أصل الطباع ومن أساس التركيب؛ لأن الضحك أول خيرٍ يظهر من الصبي، وبه تطيب نفسه، وعليه ينبت شحمه ويكثر دمه الذي هو علّة سروره ومادة قوته".
إن عالم الضحك عالمٌ كالبحر واسع الجنبات، يمتد من جانب حتى يصل بالملحة والنادرة المحبّبة اللطيفة الظريفة إلى عالم الظرف والرّقة، ويمتد من جانب آخر حتى يصل بالتهكم والهجاء والسخرية، إلى عالم المأساة والترويع، ويشتمل فيما بين ذلك على ألوان من الابتسام، وصنوف متفاوتة في درجات الخِفة والثقل، ومقادير الحلاوة والمرارة، ومراتب الرفق والعنف، وأساليب التلميح والتصريح، وما إلى ذلك.
للضحك أسباب: منها ما يكون بسبب التعجب، فإذا تعجب الشخص من أمر ما، فقد يضحك، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [(69) سورة هود]، {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [(70) سورة هود]، {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [(71) سورة هود]، {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [(72) سورة هود]، فضحكها كان للتعجب.
وقد يكون الضحك بسبب الفرح والسرور: قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ} [(33) سورة عبس]، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} [(34) سورة عبس]، {وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [(35) سورة عبس]، {وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [(36) سورة عبس]، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [(37) سورة عبس]، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} [(38) سورة عبس]، {ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ} [(39) سورة عبس]، {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} [(40) سورة عبس]، {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [(41) سورة عبس]، {أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [(42) سورة عبس]. فالمؤمن إذا رأى يوم القيامة، وما وعده الله من النعيم، سر لذلك واستبشر وضحك، وهذا والله الموقف الذي يستحق الضحك، وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة.
وقد يكون الضحك بسبب التهكم والسخرية والإزدراء: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [(29) سورة المطففين]، أين يكون هذا؟ إنه في الدنيا. لقد كان كفار قريش يضحكون على ضعف المؤمنين في أول الإسلام، وقبل أن تقوم لهم دولة كانوا يضحكون منهم، ومن فقرهم وقلتهم، وإذا مروا بهم يتغامزون. ولا يزال المجرمون يضحكون حتى في وقتنا هذا على بعض المسلمين لكن بصور وأشكال أخرى، فهؤلاء ضحكوا هنا وبكوا هناك، وهؤلاء بكوا هنا وسيضحكون هناك، قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [(60) سورة الرحمن].
إن الغرب الكافر، وفي مقدمتها الدول التي تسمي نفسها بالدول العظمى لا يعدّون الدول التي أطلقوا هم عليها دول العالم الثالث شيئاً. لذا فهم يضحكون عليهم علانية، ويسخرون ويتغامزون عليهم جهاراً نهاراً وعبر إعلامهم، بل وعبر إعلام دول العالم الثالث نفسه. إنهم يضحكون على شعوب وقيادات هذه الدول أن جعلوهم حقول تجارب في أشياء كثيرة، فمثلاً: سلع تصنّع لأول مرة، تجرب مدى نجاحها في شعوب هذه الدول، أدوية تصنع لأول مرة، يتم اختبارها على هذه الشعوب الفقيرة المستضعفة، وماذا يضير الغرب لو مات مئة أو ألف من المسلمين من جرّاء هذه التجارب والاختبارات؟.
إنهم يضحكون علينا كما في بعض الإحصائيات، فإن مصانعهم التي تنتج خلال الساعة آلاف السلع والأجهزة والمصنوعات المختلفة، ولاشك من حصول بعض القصور والخلل في بعض الأجهزة، فإنها لا تخرج 100% لكن قد يصل جودة التصنيع إلى 70 أو 80%، هذا الخلل والقصور في بعض الإنتاج، الأصل أنه يتلف لكن هل هذه الأمانة نتوقعها من الكفار، الذين لا يبالون بإبادة شعب بأكمله بنسائه وأطفاله وشيوخه؟ هل يتورع من إرسال عدة آلاف من السيارات أو الثلاجات أو غيرها، لم يتم تصنيعها بالجودة المطلوبة؟! إن دول العالم الثالث سوق عريض لترويج أمثال هذه السلع، لهذا لا تستغرب إذا اشتريت سلعة جديدة ثم تعطلت بعد أيام. نشرت إحدى الجرائد قبل فترة أن هناك 45 طن من لحوم الهمبورجر التي تنتجها إحدى الدول وتصدرها إلى غيرها، قد انتهت مدة صلاحيته، وأنهم يعملون ترتيبات لإتلافه، لقد أصبح الواحد يشك في مصداقياتهم، وهل فعلاً سيتم التخلص من هذه الكمية الضخمة من اللحوم؟! وما يدريك أنها أُكلت في الشهر نفسه وذهبت في بطون إحدى شعوب دول العالم الثالث؟.
إن ما ذكر عبارة عن نماذج فقط من ضحك الغرب على المسلمين، وأما ضحكهم على الدول الضعيفة في المجال السياسي فأمر لا يخفى في هذا الوقت على الصغير قبل الكبير.
في مقابل هذا النوع من الضحك، هناك ضحك آخر، لكنه في هذه المرة يضحكه المؤمنون على الكافرين، وعلى جبابرة وصناديد وزعماء الغرب هذا الضحك يكون في موقفين، موقف في الدنيا وموقف في الآخرة، أما موقف الدنيا، فهو ضحك المؤمن المبني على الثقة بالله جل جلاله في خضم هذا الواقع المر، وفي وسط تسلط الأعداء على كل شيء، وفي أثناء هذه المرارات التي يتجرعها المسلمون في كل مكان، فإن المؤمن يبتسم ثقة بالله تعالى، بأن هذه الغمامة لابد لها أن تنقشع، وأن هذا التسلط لابد أن يقف عند حد، وكل ليل لا بد وأن يعقبه نور الصباح.
إن المؤمن يبتسم ثقة بربه من خلال ما قرأ من نصوص الكتاب والسنة، أن النصر لهذه الأمة، وأن المستقبل لهذا الدين، وأن وعد الله لابد وأن يتحقق {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [(55) سورة النــور]، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير ما حديث أنه ستبقى طائفة من هذه الأمة، ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله.
وأما الموقف الثاني فهو في الآخرة، وهناك سيكون الضحك الحقيقي الذي يضحكه المؤمنون على كل الكفار الذين كانوا يضحكون عليهم في الدنيا بأي نوع من الضحك، سيضحك المؤمنون فرحين بما أنعم الله عليهم، وذلك إذا تلاقوا على الأرائك في الجنة، {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [(34) سورة المطففين]، {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [(35) سورة المطففين]، {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [(36) سورة المطففين]، وعندها سيندم المجرمون، ويتحسر المنافقون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وردت في السنة بعض المواقف ضحك فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وضحكه - صلى الله عليه وسلم - له مقاصد، ضحك نافع، يربى بالبسمة، ويدرّس بالضحك ويعلم بالمزحة. فتعالوا نستمع إلى أحاديثه - عليه الصلاة والسلام - وهو يضحك كما قال الأول:
ضحكت لك الأيام يا علم الهدى *** واستبشرت بقدومك الأعوام
وتوقف التاريخ عندك مذعناً *** تملي عليه وصحبك الأقلام
اضحك لأنك جئت بشرى للورى *** في راحتيك السلم والإسلام
اضحك فبعثتك الصعود وفجرها *** ميلاد جيلٍ ما عليه ظلام
روى البخاري في صحيحه أن عمر - رضي الله عنه - استأذن في الدخول على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه، عالية أصواتهنّ على صوته، فلما استأذن عمر تبادرن بالحجاب، فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فقال: ((عجبت من هؤلاء اللاتي كنّ عندي، لما سمعن صوتك تبادرن الحجاب)) فقال: أنت أحق أن يهبن يا رسول الله، ثم أقبل عليهنّ فقال: يا عدوات أنفسهنّ أتهبنني ولم تهبن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلن: إنك أفظ وأغلظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال - عليه الصلاة والسلام - ((إيه يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك)).
وجاء في البخاري أيضاً من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال يا محمد: مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء.
وروى الترمذي وأبو داود بأسانيد صحيحة، عن علي بن ربيعة قال: شهدت علياً، وأتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [(13) سورة الزخرف]، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [(14) سورة الزخرف)]، ثم قال: الحمد ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل كما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله، من أي شيء ضحكت؟ قال: ((إن ربك يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلمُ أنه لا يغفر الذنوب غيري)) فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يضحك؛ لأن هذه الأمة تعرف ربها، وتتوجه إليه بالدعاء ليغفر ذنوبها، فيضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمةً لهذه الأمة، وفرحاً؛ لأن الله - عز وجل - يغفر الذنوب لكل من استغفر وتاب.
ويذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة فيدخل على أم حرام بنت مِلحان فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ وهو يضحك، قالت فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أمتي، عُرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج البحر، ملوكاً على الأسِرّة، أو مثل الملوك على الأسرة)) يضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك؛ لأنه رأى البشرى، رأى تلامذته وأتباعه وكتيبته، سيركبون البحار والمحيطات، غزاة في سبيل الله ينشرون لا إله إلا الله في الآفاق، ويعبرون بها حدود الزمان والمكان. يضحك - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الإسلام سوف ينتشر ويظهر، وينفذ إلى القفار والصحاري، ويصل إلى عباد البقر والشجر والنار والطوطم والصنم.
فقالت المرأة: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك قالت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أمتي عُرضوا علي غزاة في سبيل الله)) كما قال في الأولى قالت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنتِ من الأولين))، فركبت أم حرام بنت مِلحان البحر في زمن معاوية - رضي الله عنه - فصُرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فماتت، ماتت هذه المرأة الصالحة، وهي تجاهد في سبيل الله، فكانت شهيدة، ودفنت هناك في أرض غريبة.
وجاء في سنن ابن ماجة عن أم سلمة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: خرج أبو بكر في تجارة إلى بصرى قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعام، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكانا شهدا بدراً، وكان نعيمان على الزاد وكان سويبط رجلاً مزّاحاً، فقال للنعيمان: أطعمني، قال: حتى يجيء أبو بكر، قال: فلأغيظنّك، قال: فمروا بقوم فقال لهم سويبط: تشترون مني عبداً لي؟ قالوا نعم، قال إنه عبد له كلام، وهو قائل لكم إني حر، فإن كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا عليّ عبدي، قالوا: لا، بل نشتريه منك، فاشتروه منه بعشرة نوق ثم أتوه فوضعوا في عنقه عمامة أو حبلاً، فقال نعيمان، إن هذا يستهزئ بكم وإني حر، ولست بعبد، فقالوا: قد أخبرنا خبرك، فانطلقوا به، فجاء أبو بكر، فأخبروه بذلك، قال فتبع القوم ورد عليهم النوق وأخذ نعيمان، قال: فلما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه قال: فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه منه حولاً.
هذه بعض المواقف، رأينا فيها رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ضاحكاً، والضحك في حياته - صلى الله عليه وسلم - كان له مغزى وهدف، لا كضحك السفهاء الفارغين، الذين يعيشون على هامش الحياة، ولكنه ضحك المعلم الحكيم، الذي يريد الخير للناس، ولو عن طريق الضحكة والبسمة. هذه المواطن نعيشها مع إمامنا - صلى الله عليه وسلم -، حتى يعرف الناس، أن من صفحاته - عليه الصلاة والسلام -، صفحة فيها الضحك، وفيها الدعابة، وفيها المزاح، ومسامرة الأهل وملاطفة الناس، وهذه الصفحة لا بد أن يعرفها الناس، وأن يتكلم عنها العلماء والدعاة حتى تعرف البشرية أن في ديننا فسحة.
ومع ذلك كله فلا ينبغي الإكثار منه خصوصاً لمن لهم شأن، قال الإمام الماوردي - رحمه الله -: "أما الضحك فإن اعتياده شاغل عن النظر في الأمور المهمة، مُذْهِبٌ عن الفكر في النوائب الملمة، وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار، ولا لمن وُسِمَ به خطر ولا مقدار".
وأما البكاء: فيظن البعض أن البكاء لا يصدر إلا من ضعيف، وأن الرجل القوي الشجاع لا يبكي، وهذا غير صحيح، قال الله تعالى مادحاً بعض عباده المؤمنين، وهم أولئك الذين يتأثرون إذا تليت عليهم آيات الرحمن، فبكوا من خشية الله: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [(107) سورة الإسراء]، {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} [(108) سورة الإسراء]، {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [(109) سورة الإسراء]. وقال - عز وجل -: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [(58) سورة مريم].
ولقد كان أقوى الناس وأشجع الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبكي في بعض المواطن، وكانت عيناه تهملان بالدموع أحياناً، ويُسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل.
فكان أحياناً يبكي في الصلاة كما في سنن أبي داود بسند صحيح عن عبد الله بن الشَّخيّر - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
وتارة كان يبكي رحمة للميت، فعن عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبَّل عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكي وعيناه تهرقان.
ولما مات ولده إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال: ((تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون)). وشهد - عليه الصلاة والسلام - جنازة أحدى بناته فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حافة القبر، يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه - راوي الحديث فرأيت عينيه تدمعان، ثم قال - عليه الصلاة والسلام -: ((أفيكم رجل لم يقارف الليلة)) يعني الجماع، فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله، فقال: ((انزل))، فنزل إلى قبرها.
وتارة كان بكاءه - عليه السلام - خوفاً على أمته وشفقة عليها، كما في الصحيح أنه انكسفت الشمس فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكي في صلاته وينفُخ ويقول: ((رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم، رب ألم تعدني ألا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك)).
وتارة كان بكاؤه إذا سمع القرآن، وذلك لما طلب من عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن يقرأ عليه القرآن، فقال له عبد الله: أقرأ عليك وعليك أنزل، قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) يقول عبد الله بن مسعود: فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} [(41) سورة النساء]، قال: فرأيت عيني رسول الله تهملان.
وعُرف عن صدّيق هذه الأمة أنه كان رجلاً بكّاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن. بل قد يبكي الرجل في موطن يكون فيه هو أذكى الناس، كما بكى أبو بكر - رضي الله عنه - عندما خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال في خطبته، بأن الله خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله، يقول راوي الحديث، فعجبنا لبكائه، فالصدّيق لم تخرج دموعه هنا إلا عندما استشعر حقيقة فقدان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه قد قرُب أجله، فخرجت تلك الدمعة الصادقة تعبر عن نفسها، وكأن لسان حاله يقول:
فليس البكا أن تسفع العين إنما *** أحرَّ البكائين البكاء المولج
أتمنعني عيني عليك بدمعة *** وأنت لأذيال الروامس تدرج
عفاءُ على دار رحلت لغيرها *** فليس بها للصالحين مُعرّج
لمن تستجد الأرض بعدك زينةً *** فتصبح في أثوابها تتبرج
سلام وريحان وروح ورحمة *** عليك وممدود من الظل سجسج
البكاء نعمة تستحق الشكر! إذ كيف تتفاعل النفس مع الأحداث والمواقف؟ وبماذا يُترجم عن الحزن والأسى؟ وبماذا يُعبّر عن الخوف والخشية من الله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا يستجاب لها)). فالبكاء من خشية الله وصفٌ كريم ومسعىً حميد به وصف الله أنبياءه، والذين أوتوا العلم من عباده.
نزف البكاء دموع عينك فاستعر*** عين لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها *** أرأيت عيناً للدموع تعار
لا بد من البكاء، إما في زاوية التعبد والطاعة، أو في هاوية الطرد والإبعاد، فإما أن تحرق قلبك بنار الدمع على التقصير، والشوق إلى لقاء العلي القدير، وإلا فاعلم أن نار جهنم أشد حراً، {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [(82) سورة التوبة]، فانظر إلى البكّائين الخاشعين تراهم على شواطئ أنهار الدموع نزول، فلو سرت عن هواك خطوات، لاحت لك الخيام.
ونحن نبكي أحياناً، ويمر بنا جميعاً بعض المواقف، تخرج الدمعة من عين أحدنا، لكن الحق أن غالب بكائنا إنما على أحوالنا الشخصية، يبكي أحدنا لو توفي أبوه، أو ولده، أو لو جاءه خبر مفرح فمن شدة الفرح يبكي، وكل هذا ليس بعيب، بل من الطبيعي أن البشر يبكون في مثل هذه الحالات.
يقال بأن رجلاً توفي له ولد في زمن الإمام ابن القيم - رحمه الله -، فصار هذا الرجل يوزع الحلوى على الناس ويضحك وهو مسرور، فجاؤوا يسألون ابن القيم عن حال هذا الرجل، وأنه كيف بلغ به قمة الإيمان وكمال التسليم، أنه لم يتأثر بموت ولده، وصار يوزع الحلوى على الناس، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما مات ولده إبراهيم بكى، يقول ابن القيم فاستشكل ذلك عليّ، فسألت شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، فقال شيخ الإسلام: "إن حال الرسول أكمل وأعلى؛ لأنه جمع بين الرحمة، وهي الدمعة التي خرجت منه، وبين التسليم للقضاء والقدر، أما هذا فعمله تصنّع ولم تظهر عليه آثار الرحمة".
فالمقصود بأن البكاء الطبيعي في مثل هذه المواطن ليس بعيب وليست منقصة، لكن البكاء في المواطن التي جاء الشرع بالثناء والمدح لأهلها قليل، ومع الأسف بين الرجال والشباب المؤمنين الأتقياء، الذين يحملون راية الإسلام. نعم نبكي عند وفاة قريب وفقدان حبيب، لكن أين شباب الإسلام، وأين شباب الدعوة الذين يبكون من خشية الله.
قال البخاري - رحمه الله -: باب البكاء من خشية الله، ثم ساق حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: ذلك الرجل الذي ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.
وروى الترمذي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله)).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله تعالى ودخان جهنم)).
أين الشباب الذين يبكون وتنهمر دموعهم عند سماع آيات الله، {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [(2) سورة الأنفال]، {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [(23) سورة الزمر].
أين حملة الإسلام الذين إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين.
أين الرجال الذين يُسمع لصدورهم أزيز كأزيز المرجل إذا ما وقفوا بين يدي الله في الصلاة، من منا يبكي إذا سمع بآلام وجراحات المسلمين في أي مكان من الأرض. كم سمعنا وربما شاهدنا عبر الصور مجازر للمسلمين، ومذابح للأبرياء شيوخاً وأطفالاً ونساءً، تدمر على رؤوسهم أحياناً بيوت الله - عز وجل -، وقليل منا المتأثر وأقل من القليل الذي يبكي على هؤلاء.
من منا بكى فرحاً لله - عز وجل - عندما سمع بنصر للإسلام حُقق هنا أو هناك، إما نصراً مادياً أو معنوياً. من الذي يبكي لو فقدت الأمة أحد علمائها أو مصلحيها، وتأثر حقيقة كما يتأثر لو فقد أحد أهله وأقربائه.
أين الذي يبكي ويتأثر ويتقطع قلبه عندما يرى أو يسمع بأن شريعة الله تحارب، وأن دين الله يقاوم، وأن المسلمين يضيّق حتى على أنفاسهم الذي يتنفسون، وطعامهم الذي يأكلون، وشرابهم الذي يشربون، وثيابهم الذي يلبسون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وعندما نطالب الناس بشكل عام، وشباب المسلمين والدعاة منهم بشكل خاص، أن يبكوا أو حتى يتباكوا على ما مضى من أمثلة، فإنا لا نعني ولا نقصد ولا نريد أن يفهم أحد أنه البكاء فقط، أو البكاء لأجل البكاء أن نجلس في بيوتنا ونبكي على مذبحة تحصل للمسلمين، أو نبكي على فقد وخسارة عالم أو مصلح، أو نبكي على تضييق على الدعوة.
فإن هذا غير مقصود، بل إن هذا لا يجدي ولا يغير من الأمر شيئاً، لكن نريد أولاً تأثر القلب، وتحرك الشعور وأن يصاحب ذلك تفاعل مع أحوال المسلمين، أياً كان هذا التفاعل، وكل بحسب طاقته وما أعطاه الله من قدرات وإمكانات.
فهذا يقدم مالاً ويتبرع، وآخر يساهم بنفسه ووقته، وثالث يرفع يديه بالدعاء وهكذا، لكن البكاء وحده، والبكاء من أجل البكاء فإن هذا لا يفيد ولا يجدي وغير مقصود.
قال الإمام العلامة شمس الدين ابن القيم - رحمه الله - والبكاء أنواع:
الأول: بكاء الرحمة والرقة.
والثاني: بكاء الخوف والخشية.
والثالث: بكاء المحبة والشوق.
والرابع: بكاء الفرح والسرور.
والخامس: بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله.
والسادس: بكاء الحزن، والفرق بينه وبين بكاء الخوف أن بكاء الحزن يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب، وبكاء الخوف يكون لما يتوقع من المستقبل من ذلك. والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن، أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان، ودمعة الحزن حارة والقلب حزين.
والسابع: بكاء الخور والضعف.
والثامن: بكاء النفاق وهو أن تدمع العين والقلب قاسٍ، فيُظهر صاحبه الخشوع وهو من أقسى الناس قلباً.
والتاسع: البكاء المستعار، والمستأجر عليه، كبكاء النائحة بالأجرة، فإنها كما قال عمر بن الخطاب: "تبيع عبرتها وتبكي شكو غيرها".
والعاشر: بكاء الموافقة، وهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر ورد عليهم فيبكي معهم.
وما كان منه مستدعىً متكلفاً فهو التباكي، وهو نوعان: محمود ومذموم، فالمحمود: أن يُستجلب لرقة القلب ولخشية الله، لا للرياء والسمعة. والمذموم: أن يجتلب لأجل الخلق.
وقال عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر: أخبرني ما يبكيك يا رسول الله، فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما. ولم ينكر عليه - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وقد قال بعض السلف: ابكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا.
إن بكاء الشخص أحياناً لا يكون دليلاً على صدق حاله أو مقاله، ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة يوسف: {وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ} [(16) سورة يوسف]، فإن أخوة يوسف تصنعوا البكاء ليصدقهم أبوهم، مع أنهم كانوا كاذبين فيما يقولون.
وهناك من الناس من يقدر على ذلك، وهو إخراج الدمعة كذباً ودجلاً، وقليل من الناس من يميز صِدق هذا من كذبه، بل إن الغالب في العامة من تخدعه هذه الدموع.
كم في الأمة الآن من يتباكى أمام الناس على الإسلام، ويتكلم باسم الإسلام، وهي في حقيقتها دموع التماسيح، لكن نقول بأن هذه الدموع وإن انطلت على العوام، فإن هناك من يتبين هذه الأشياء، كما قال حكيم:
إذا اشتبكت دموع في خدود *** تبين من بكى ممن تباكى
يذكر أن رجلاً كان يصطاد العصافير والطيور، ثم يمسكها ويكسر أرجلها وأجنحتها ثم يتركها، وكان هذا عمله دائماً، وفي إحدى المرات اصطاد مجموعة من هذه العصافير وكان يوماً بارداً، ومن شدة البرودة وشدة الرياح كانت عيناه تدمعان، وهو يكسر الأرجل والأجنحة. فتقول إحدى العصافير لزميلتها وهما ينتظران دورهما في الكسر، انظري إلى رحمة هذا الرجل ورقة قلبه علينا وكيف أنه يبكي وعيناه تدمعان، فتجيب الأخرى، لا تنظري إلى دمعة عيناه، ولكن انظري إلى ما تفعل يداه.
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
والله من وراء القصد.

محبكم في الله / أبو عبدالرحمن غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات.


للأمانه منقووووول للفائدة العامة للجميع
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-07-2007, 06:17 PM
الصورة الرمزية زبيدة احمد
زبيدة احمد زبيدة احمد غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
الدولة: حمى ربي ونصيري
العمر: 43
المشاركات: 3,612
معدل تقييم المستوى: 20
زبيدة احمد is on a distinguished road
رد: وأنه هو أضحك وأبكى

ماشاء الله تبارك الله
موضوع في غاية الروعة
الله يجزاك خير اختي فضة على هدا النقل المبارك وهده الموعظة العظيمة
جعلنا الله واياكم من عباده المخلصين الخاشعين
اللهم ااامين
((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا يستجاب لها)).


ارجو الله ان تعم الفائدة

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-07-2007, 01:21 AM
سمو الرووح سمو الرووح غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 31,712
معدل تقييم المستوى: 49
سمو الرووح is on a distinguished road
رد: وأنه هو أضحك وأبكى

ارجو الله ان تعم الفائدة اللهم .. آمــــين يـارب
وجزاكِ الله بالمثل أختي .. زبيدة أحمد وشكرا لكِ على مروركِ الكريم وردودكِ الطيبة .. ولاحرمتي الأجر والثواب الحسن

دمتي مؤمنةً بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا اللهم: آمين يارب

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-07-2007, 01:50 AM
فريج المرر فريج المرر غير متصل
Banned
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
الدولة: دبــي وبس
المشاركات: 4,022
معدل تقييم المستوى: 0
فريج المرر is on a distinguished road
رد: وأنه هو أضحك وأبكى

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا يستجاب لها)). فالبكاء من خشية الله وصفٌ كريم ومسعىً حميد به وصف الله أنبياءه، والذين أوتوا العلم من عباده.


يعطيج العافيه اختي فضه انشاءالله في ميزان حسناتج .,.,.
وتحياتي لج.,.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-07-2007, 08:59 AM
سمو الرووح سمو الرووح غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 31,712
معدل تقييم المستوى: 49
سمو الرووح is on a distinguished road
رد: وأنه هو أضحك وأبكى

حياك الله .. أخي فريج المرر

جزاك الله خير على مرورك الكريم والله يجعلنا في من يبكي من خشية الله اللهم: آمين يارب

دمت في رحاب الله مؤمن برضى الله .. آمين يارب

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08-07-2007, 12:45 PM
الصورة الرمزية ~ورد~
~ورد~ ~ورد~ غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
الدولة: (^_^)
المشاركات: 1,415
معدل تقييم المستوى: 19
~ورد~ is on a distinguished road
رد: وأنه هو أضحك وأبكى

الف شكر
تحياتي

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 08-07-2007, 02:46 PM
سمو الرووح سمو الرووح غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 31,712
معدل تقييم المستوى: 49
سمو الرووح is on a distinguished road
رد: وأنه هو أضحك وأبكى

حياك الله .. أخوي راكان فلاح بن حثلين

وشكرا لك على مرورك الكريم طال عمرك

ودمت طيب وبخير إن شاء الله

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 09-07-2007, 03:53 AM
الاحرش الاحرش غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 490
معدل تقييم المستوى: 18
الاحرش is on a distinguished road
رد: وأنه هو أضحك وأبكى

جزاك الله خير

وجعله الله في ميزان حسناتك

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 09-07-2007, 09:22 AM
سمو الرووح سمو الرووح غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 31,712
معدل تقييم المستوى: 49
سمو الرووح is on a distinguished road
رد: وأنه هو أضحك وأبكى

أخي الكريم : الاحرش

وجزاك الله بالمثل ولأجر والأحسان بارك الله فيك .. وحياك الله

دمت طيب وبخير.. آمين يارب

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12-07-2007, 01:15 PM
الصورة الرمزية &آهــــات الحــــزن&
&آهــــات الحــــزن& &آهــــات الحــــزن& غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2007
المشاركات: 9,348
معدل تقييم المستوى: 26
&آهــــات الحــــزن& is on a distinguished road
رد: وأنه هو أضحك وأبكى

جزاش الله الف الف الف خير يا فضه

رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يا ليت تفيدوني عن ال زمانان .. علي العرام مجلس أنسـاب قبيلة العجمـــــان 58 06-08-2012 03:06 PM
من هم ال زمانان فتى يام مجلس أنسـاب قبيلة العجمـــــان 70 05-08-2012 11:48 PM
الا قتصاد العالمي في بقرتين........مضحك ابوحميد المجلس العــــــام 3 21-07-2006 09:55 AM
رباط الخيل عند قبائل الجزيرة العربية محمد بن دويش مجلس البادية والاحوال الجوية 2 04-03-2006 04:27 PM
عروس سعودية خلعت حجابها في المطار أمام إخوانها!!... ((قصة مؤثرة saad بوح المشاعر 10 24-08-2005 03:54 PM

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 10:58 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع