الأدبُ نعمة ٌ عظيمة ٌ من نعم ِ اللهِ تعالى ، وبلا شكٍّ أنّ من أعطيها فقد أعطيَ خيراً كثيراً ، وقد قالَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ : " إنَّ من البيان ِ لسحراً " ، ولا زالَ النّاسُ يعرفونَ للأديبِ والناثر ِ والشاعر ِ أقدراهم ، ويُعلونَ ذكرهم ، ويحفظونَ مكانتهم ، وقديماً قالوا في الأمثالِ : الشعرُ ديوانُ العربِ .
والكلامُ عن أصول ِ الكتابةِ ، وتقويةِ الأسلوبِ طويلٌ ذو فصول ٍ ، ويحتاجُ إلى وقتٍ ذي فُسحةٍ ، إلا أنّهُ باتفاق ِ علماءِ الأدبِ ، يأتي بالقراءةِ الواسعةِ ، وبالممارسةِ وكثرةِ الكتابةِ ، إضافة ً إلى مُحاكاةِ أساليبِ الكتّابِ الأقدمينَ ، والسير ِ على طريقتهم ، وانتهاجِ نهجهم ، إلى أن تختصّ بأسلوبٍ خاصٍّ بكَ .
ومن الناس ِ من لا يكونُ عندهُ ذلكَ الأسلوبُ الحسنُ ، ولا الموهبةُ الكتابيّةُ ، ولا الحسُّ الأدبيُّ ، ولا تكونُ لديهِ ذخيرة ٌ من المعلوماتِ حاضرة ٌ لديهِ ، ولكنّهُ مع كثرةِ البحثِ والقراءةِ وممارسةِ الكتابةِ ، يصبحُ شخصاً مطبوعاً على الأدبِ وحسن ِ الإنشاءِ .
وهناكَ العديدُ من الكتبِ النافعةِ في مجال ِ النثر ِ وأصولهِ .
منها على سبيل ِ المثالِ :
كتابُ المثلِ السائرِ في أدبِ الكاتبِ والشاعرِ ، لابن الأثير ِ ، وهو كتابٌ عظيمُ النفع ِ جدّاً ، وفيهِ من الفوائدِ وحُسن ِ الترتيبِ ما يجعلُ قارئهُ لا يملُّ أبداً ، بل لا أبالغُ لو قلتُ أنّهُ الكتابُ الأوحدُ في هذا البابِ ، وعنهُ تتشعبُ بقيّة ُ الكتبِ ، ومن فهمهُ فقد فُتحَ عليهِ خيرٌ عظيمٌ في الأدبِ والكتابةِ والنقدِ .
كتابُ : الصناعتينِ ، لأبي هلال العسكري ، وهو كتابٌ ممتعٌ جداً ، وفيهِ الكثيرُ من طرق ِ الكتّابِ وطُرقِ استخراج ِ المعاني ، وكذلكَ كيفيّةُ ممارسةِ النقدِ ، والتف ضيلِ بينَ المعاني والألفاظِ .
كتابُ : البيان ِ والتبيين ِ ، لأبي عثمان الجاحظِ ، وهو كتابٌ فريدٌ في بابهِ ، وقد جمعَ أصولاً هامّةً في البلاغةِ والأساليبِ ، ولكنّهُ غيرُ مرتّبٍ ، ومع ذلكَ فهو مهمٌّ للغايةِ .
أدبُ الكاتبِ ، لابن قتيبة َ ، وهو كتابٌ جليلُ القدر ِ ، وأحدُ أربعةِ كتبٍ هي أركانُ الأدبِ العربيِّ ، ثانيها الكاملُ لابن ِ المبرّدِ ، وثالثها البيانُ والتبيينُ - المتقدّم ِ ذكرهُ - ، ورابعها النوادرُ لأبي علي القالي ، وذلكَ بحسبِ كلام ِ ابن ِ خلدونَ في المقدّمةِ .
وهناك كتبُ الناثرينَ والكُتّابِ ، والتي اعتنوا فيها بذكرِ مقالاتِهم وكُتاباتهم ، وكانتْ لهم فيها أساليبُ خاصّة ٌ ، فالقراءة ُ في كتبهم تُثري القاريءَ ، وتجعلهُ مع مرور ِ الوقتِ يكتسبُ من المهارةِ ما يمكنُ تطويرهُ إلى أن يُصبحَ إبداعاً منقطعاً النظيرِ .
ومن أمثلةِ تلكَ الكتبِ :
الإمتاعُ والمؤانسة ُ لأبي حيّانَ التوحيديِّ .
العقدُ الفريدُ لابن عبدربّهِ .
عيونُ الأخبار ِ لابن قتيبة .
زهرُ الآدابِ وثمرُ الألبابِ للحصريِّ القيروانيِّ .
رسائلُ الجاحظِ المختلفة ولا سيّما كتابُ الحيوان ِ فهو ماتعٌ جداً .
وحي القلم لمصطفى صادق ٍ الرافعيِّ ، وكذلكَ رسائلهُ إلى أبي ريّةَ ، وهو كتابٌ مهمٌّ .
النظراتُ للمنفلوطي ، وهو أحدُ العجائبِ في النثرِ ، والقارىء فيها يقضي لهُ بالفضلِ والتقديمِ على غيرهِ .
من وحي الرّسالةِ لمحمّد حسن الزيّات .
مقالاتُ محمود الطناحي .
ذكرياتُ علي الطنطاوي ، وكذلكَ بقيّةُ رسائلهِ ومؤلفاتهِ ، ففيها من المتعةِ والأسلوبِ ما لا مزيدَ عليهِ .
في ظلال القرءان ِ لسيّد قطب ، وكذلكَ جميعُ مؤلفاتهِ وكتبهِ .
فالقراءة ُ في هذه الكتبِ تنمّي في الشخص ِ المهارة َ ، ولا بدَّ في البدايةِ من محاكاةِ أساليبهم ، ومجاراتهم ، ومن ثمَّ سوفَ يُصبحُ لديكَ ملكة ٌ خاصّة ٌ ، وأسلوبٌ واضحٌ ، وتظهرُ بصمتكَ في جميع ِ المواضيع ، وحتّى لو كانتْ بدايتُكَ ضعيفة ً ، فإنّكَ مع مرورِ الوقتِ سوفَ تتطوّرُ ، وتزدادُ موهبتُكَ ، ويوشكُ - عمّا قريبٍ - أن يجعلَ اللهُ لكَ شأناً ومكانةً .
وخذْ نصيحة َ الرّافعيِّ لطلاّبهِ : إقرأ كلّ شيءٍ يقعُ تحتَ يدكَ .
وزدْ على ذلكَ حفظَ ما تستطيعهُ من أبياتِ شعر ٍ ومن حكم ٍ ومن أمثال ٍ ، وإن قدرتَ على حفظ القرءان ِ أو كثير ٍ منهُ ، وكذلكَ أحاديثُ النبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ فهو جميلٌ وحسنٌ .
ومن أفضلِ كُتبِ الشعرِ : كتبُ المختاراتِ ، مثلُ الحماسةِ لأبي تمّامٍ ، وللبحتريِّ ، وكذلكَ ديوانُ المعاني لأبي هلال العسكريِّ ، وكذلكَ مختاراتُ البارودي ، وهي من أنفسِ وأجودِ المختاراتِ ، وقد كانَ يمدحها الرافعيَّ كثيراً ، بل فضّلها على جميعِ كتبِ المختاراتِ الأخرى .
وهناكَ طريقة ٌ لطيفة ٌ ، كانَ يصنعها ابنُ الأثير ِ ، وسارَ على طريقتها الرافعيُّ والطنطاويُّ ، وهي أن تأخذَ قطعة ً صغيرة ً ، أو بيتَ شعر ٍ ، وتقرأهُ ، ثمّ تحاولَ أن تعبّرَ عنهُ بعباراتكَ الخاصّةِ بكَ ، وهكذا حتى تحذقَ الكتابة َ .
الكلامُ طويلٌ وذو شجون ٍ ، وحسبُكَ من القلادةِ ما يُحيطُ بالعنق ِ ، ولعلّكَ مع مرورِ الوقتِ ، والصبر ِ ، والتحمّل ِ ، سوفَ تُصبحُ كاتباً ذا شأن ٍ ، ولكَ أسلوبٌ تحرصُ النّاسُ على احتذاءهِ والاقتداءِ بهِ ، ولكن ما عليكَ سوى الصبر ِ والجلدِ والتحمّل :
وقلَّ من جدَّ في أمر ٍ يؤملهُ = واستعملَ الصبرَ إلا فازَ بالظفرِ
وفّقني اللهُ وإياكَ ، وغفرَ لي ولكَ .