بسم الله الرحمن الرحيم
]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد
اخواني ..
اخواتي ..
مآاحوجنا الى وقفة صادقة متأملة مع حقيقة نغفل أو نتغافل عنها .. انها حقيقة هذه الدنيا .. هذه الدنيا الفانية المشرفة على الانقضاء والزوال .. ومايعقبها من أمور مهولة .. تشيب لها مفارق الولدان .. موت فقبر فحشر .. فحساب فصراط .. فجنة أو نار ..فيامن اغتروا بما هم فيه من شواغل هذه الدنيا .. دعوا التفكير عما انتم مرتحلون عنه .. واصرفوا الفكر الى ماستردون اليه لا محالة .. فانكم على يقين من تلك الموارد .. أما طرق أسماعكم ذلك الخبر الآلهي (يآأيها الناس انما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم الينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعلمون) .. روى الترمذي عن أبن مسعود رضي الله عنه أنه قال : نام رسول الله صلى الله عليه وسلم علي حصير ووسادة أدم حشوها ليف .. فقلت يارسول الله : لو أمرتنا أن نتخذ لك فراشا" ألين من هذا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (مالي وللدنيا .. وما أنا والدنيا الا كراكب أستظل تحت شجرة .. ثم راح وتركها) ! الله أكبر .. في البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال لي : (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) .. وعند أبي داوود عن عبدالله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أنه قال : كنت أطين حائطا" أنا وأمي (اي اصلحه بالطين) فقال : (ماهذا ياعبدالله ؟) فقلت : شيء أصلحه يارسول الله .. فقال : (الأمر أسرع من ذلك) !!! لا اله الا الله .. لما قيل لنوح عليه السلام وقد مكث في قومه ألف سنة الا خمسين : كيف رأيت الدنيا ؟ قال : كداخل من باب وخارج من آخر !! وقال رجل لعلي ابن ابي طالب رضي الله عنه : ياأمير المؤمنين صف لنا الدنيا .. فقال رضي الله عنه : وماأصف لك من دار من صح فيها سقم .. ومن أمن فيها ندم .. ومن أفتقر فيها حزن .. ومن أغتنا فيها أفتتن .. في حلالها الحساب .. وفي حرامها العقاب ..وكان جاسا" ثم قام وقال : ألا واجعلوا هذه الدنيا في أيديكم ولا تجعلوها في قلوبكم .. فالعاقبة والخير والفلاح لأهل الايمان والطاعة والصلاح في الدنيا والآخرة .. وكان رضي الله عنه يقول : ان الدنيا قد أرتحلت مدبرة وان الآخرة قد أرتحلت مقبلة .. ولكل منهما بنون .. فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا .. فان اليوم عمل ولا حساب وغدا" حساب ولا عمل .. لما ذكرت الدنيا عند الحسن البصري رحمه الله أنشد قائلا" :
أحلام نوم أو كظل زائل \ ان اللبيب بمثلها لا يخدع .
يقول احد الحكماء : عجبت ! ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة اليه كيف ينشغل بالمقبلة عن المدبرة ؟؟ وعظ الأمام الشافعي رحمه الله أخا" له فقال له : ياأخي .. ان الدنيا دحض مزلة .. ودار مذلة .. عمرانها الى الخراب صائر .. وساكنها الى القبور زائر .. شملها على الفرقة موقوف .. وغناها الى الفقر مصروف .. الاكثار فيها اعسار .. والاعسار فيها يسار .. ففزع الى الله .. وارضا برزق الله .. وأكثر من عملك .. واقصر من أملك ..
قال يونس ابن عبيد رحمه الله : ماشبهت نفسي في الدنيا الا كرجل نام .. فرأى في منامه مما يحب ومما يكره .. اذ أنتبه ! فكذلك الناس نيام .. فاذا ماتوا أنتبهوا .. فاذا ليس في أيديهم شيء مما ركنوا اليه من الدنيا وفرحوا به !! يقول العبد الزاهد يحيا ابن معاذ رحمه الله : الدنيا خمر الشيطان ! من سكر منها لم يفق الا وهو في عسكر الموتى .. نادما" مع الخاسرين .. وكان العبد الصالح عبدالواحد ابن زيد رحمه الله ينادي اهله كل ليلة ويقول : يآاهل الدار .. انتبهوا انتبهوا .. فما هذه الدنيا دار نوم .. عما قريب يأكلكم الدود .
وجاء في السير .. أن رجلا" طعنت به السن وكان مسرفا" على نفسه .. فلما أدركه الموت واحتضر .. قال له أبنه : يا آبتاه .. أمن شيء توصيني به ؟ قال الأب : نعم يابني .. احذر ان تضحك بك الدنيا كما ضحكت بأبيك ! الله أكبر .. قال جل وعلا : (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) .
ان هذه الدنيا التي تقدم طرف من ذكرها .. على لسان من عرفها وقدرها قدرها .. انما جعلها الله عز وجل دار ممر لا مستقر .. وجعل بعدها الحساب والجزاء .. والعبد وان طال عمره فمئاله الى الموت .. قال جل وعلا : (كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة) . نعم .. انه الموت .. نهاية كل حي في هذه الدنيا .. الموت الذي لايفرق بين صغير وكبير .. وحقير ووزير .. انه هادم اللذات ومفرق الجماعات .. بينا العبد في سرور ولذة وأنس وأجتماع بالأحبة .. اذا بملك الموت يرسل اليه وينتزعه من بين تلك المسرات .. الى دار لا عهد له بها .. وليس ثم رجعة الى الدنيا أبدا" .. انه سفر مخيف .. سفر الى دار الجزاء .. الى دار لا أنيس فيها ولا جليس .. الا العمل الصالح .. ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) .. فياعجبا" من أبن آدم ! يفر من الموت ولا بد منه .. ويهرب منه ولا محيص عنه .. (قل ان الموت الذي تفرون منه فأنه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) ..
ولو أنا اذا متنا تركنا \ لكان الموت راحة كل حي
ولكنا اذا متنا بعثنا \ ونسأل بعدها عن كل شيء
يابن آدم .. من لك اذا عظم الألم ؟ وسكت الصوت وتمكن الندم .. ووقع بك الفوت .. وأقبل لقبض روحك ملك الموت .. وجاءت جنوده وقيل من راق وتيقنت أنه الفراق .. فنزلت بمسكن ليس بمسكون .. فيا آسفا" لك كيف تكون ؟؟؟
عش مابدا لك سالما" \ في ظل شاهقة القصور
يسعى اليك بما اشتهيت \ لدى الرواح وفي البكور
فاذا النفوس تقعقعت \ في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا" \ ماكنت الا في غرور
ياعجبا" .. كيف يأنس في الدنيا مفارقها .. ويأمن النار واردها .. كيف يغفل من لا يغفل عنه .. كيف يفرح في الدنيا من تعد عليه الأنفاس .. وكيف يلهو من يقوده عمره الى أجله .. وحياته الى موته ؟
ان الأمر جد .. ومامن الموت بد .. نزل بساحة من سبقنا .. وله والله منزل بساحتنا .. حتى نقدم على الجبار جل جلاله .. فما ظنك أيها العبد بهذا القدوم ؟ وكيف تجهزت له ؟ انه قدوم على الله عز وجل .. بعد مسير في هذه الدنيا وضرب في أطرافها .. (ياأيها الانسان انك كادح الى ربك كدحا" فملاقيه) . انه الموت الذي غفل عنه كثير من الناس لقلة حديثهم وذكرهم له .. يقول عمر ابن عبدالعزيز : لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد !.. لما نزل الموت بأحد العباد شق عليه ذلك فقيل له : أتحب الحياة وتكره الموت ؟ فقال : ياقومي ان القدوم على الله شديد !. الله أكبر .. نعم اذا قدمنا على أهل الملك والرياسة حسبنا لذلك ألف حساب .. فكيف بالقدوم على الجبار جل جلاله .. ونحن في حال من الزلل والخطأ والمعصية مالله به عليم .. عاد الحسن البصري مريضا" فوافقه وهو في الموت .. ورأى تقلبه وشدة مانزل به .. ولما رجع لداره قدموا له طعاما" فقال : عليكم بطعامكم وشرابكم فاني رأيت مصرعا" لابد لي منه .. ولا أزال أعمل حتى ألقاه .. ونظر يوما" الى ميت يدفن فقال : والله ان أمرا" هذا أوله لحري ان يخاف من آخره .. وان أمرا" هذا آخره لحري أن يزهد في أوله !. قال بعضهم : دخلنا على عطاء السلمي نعوده في مرضه الذي مات فيه .. فقلنا له كيف حالك ؟ فقال : الموت في عنقي والقبر بين يدي والقيامة موقفي وجسر جهنم طريقي .. ثم بكا وقال : اللهم ارحمني وارحم وحشتي في القبر .. ومصرعي عند الموت .. وارحم مقامي بين يديك ياأرحم الراحمين .. ويقول المزني : دخلت على الشافعي بعلته التي مات فيها .. فقلت له : كيف أصبحت ياأباعبدالله ؟ فقال : اصبحت من الدنيا راحلا" .. ولاخواني مفارقا" .. ولكأس المنية شاربا" .. ولسوء عملي ملاقيا" .. وعلى الله واردا" .. فلا أدري روحي تصير الى الجنة فأهنيها ؟ أو الى النار فأعزيها ؟ ثم بكا رحمه الله .. بكا الحسن البصري عند موته فقال : نفس ضعيفة وأمر مهول .. فانا لله وانا اليه راجعون .. كتب زر ابن حبيش الى أحد الأمراء يقول : لا يطمعنك في طول الحياة ماترى من صحة بدنك ! واذكر قول الأولين : اذا الرجال ولدت أولادها .. وبليت من كبر أجسادها .. وجعلت أسقامها تعتادها .. تلك زروع قد دنا حصادها !. قال وهب ابن منبه : قرأت في التوراة أن لله مناديا" ينادي كل ليلة : أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده .. أبناء الخمسين هلموا الى الحساب ماذا قدمتم وماأخرتم ؟؟ أبناء الستين لا عذرتم .. أبناء السبعين عدوا أنفسكم من الموتى !. قال الخليفة عبدالملك ابن مروان وهو يحتضر : ارفعوني .. فرفعوه حتى شم الهواء فقال : يآدنيا ماأطيبك .. ان طويلك لقصير .. وان كثيرك لحقير .. وان كنا بك لفي غرور ..اخواني جدوا فقد سبقتم !. واستعدوا فقد لحقتم !. وانظروا بماذا من الهوى تعلقتم ؟؟ فلا تغفلوا عما له خلقتم !. ذهبت الأيام وماأطعتم !. وكتبت الآثام وماأصغيتم !. كم سكن مثلكم في هذه الدار .. فحام الموت حول حماهم ودار !. الله أكبر .. كان محمد ابن واسع اذا أراد ان ينام قال لأهله قبل ان يأخذ مضجعه : أستودعكم الله فلعلها ان تكون منيتي التي لا أقوم منها !. وعظ اعرابي ابنه فقال له : أي بني .. انه من خاف الموت بادر الفوت !. ومن لم يكبح نفسه عن الشهوات .. أسرعت به التبعات !. والجنة والنار أمامك !. فلا اله الا الله .. يااااساكن اللحد غدا" .. أين الوالدون وماولدوا ؟؟ أين الجبارون وأين ماقصدوا ؟؟ أين أرباب المعاصي وعلى ماذا وردوا ؟؟ أما جنوا ثمرات ماجنوا وحصدوا ؟؟أما قدموا بمآلهم على اعمالهم ووفدوا ؟؟ أما خلوا في ظلمات القبور بكوا والله وانفردوا ؟؟ أما ذلوا ؟؟ أما بدوا وقلوا بعدما عتوا وتمردوا ؟؟ أما أحل الموت عقد ماعقدوا ؟؟ فعاينوا والله ما قدموا ووجدوا ؟؟ فمنهم أقوام شقوا وأقوام سعدوا .
فياغافلا" وياراقدا" .. قد أذن بالرحيل .. فالبدار البدار .. الى دار الأبرار .. بادر بالعمل قبل أنقضاء الأجل .. فلك بموت الأحباب والأصحاب عبرة ..روى الحاكم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أتاني جبريل فقال : يامحمد .. عش ماشئت فانك ميت .. وأحبب من شئت فانك مفارقه .. واعمل ماشئت فانك مجزي به) .
فياأخواني .. انكم تغدون وتروحون في آجال قد غيبت عنكم .. فنظروا في خلاصكم قبل انقضاء آجالكم .. النجاء النجاء .. فالطالب حثيث .. تذكروا تلك الصرعة بين الأهل وهم لا يقدرون على نفع ولا ضر .. (فلولا اذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا ان كنتم غير مدينين * ترجعونها ان كنتم صادقين) .. فعلى المسلم العاقل ان يستعد لما أمامه .. والوقوف بين يدي الله عز وجل .. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مامن أحد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان .. فينظر أيمن منه فلا يرى الا ماقدم .. وينظر أشأم منه فلا يرى الا ماقدم .. وينظر تلقاء وجه فلا يرى الا النار يحضن بعضها بعضا" .. فتقوا النار ولو بشق تمرة .
والله لقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء .. وحرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض .. ان بعضنا يؤثر الظل على الشمس .. ثم هو لا يؤثر الجنة على النار !. فياأيها العبد .. أما تنبهك المزعجات ؟؟ الجنة فوقك تزخرف .. والنار تحتك تتوقد .. والقبر الى جنبك يحفر .. وربما يكون كفنك قد نسج .. أخي .. والله لو رأيت الظلمة العصاة يوم القيامة وهو يساقون بالسلاسل والأغلال الى الجحيم .. عراة مسودة وجوههم .. مزرقة عيونهم .. ذائبة أجسادهم .. ينادون ياويلنا أين يذهب بنا .. والملائكة تسوقهم بمقامع النيران .. فمرة يجرون على وجوههم ويسحبون عليها منكبين .. ومرة يقادون مقرنين .. مابين باك فزع وصارخ طائر القلب مبهوت .. انك والله لو رأيتهم لرأيت منظرا" فظيعا" مخيفا" .. لا يقوى عليه بصرك ولا يثبت له قلبك ولا تستقر لفضاعة هوله على قرار قدمك .. فالى متى أخي ؟ هذه الغفلة الى متى ؟؟ هاأنت تنفق الأيام والليالي فيما لايحب الله ويرضا .. تتمادى في الذنوب وترجو العفو من غير ندامة !. وتتوقع القرب من الله من غير طاعة !. تنتظر زرع الآخرة ببذر النار !. وتطلب دار الأبرار بفعل الفجار !. أخي احذر ولا تغتر .. فان الله قطع اليد في ثلاثة دراهم .. وجلد الحد في شرب قطرة من خمر .. وقد دخلت أمرأة النار بسبب هرة .. واشتعلت الشملة نارا" على من غلها وهو قد خرج مجاهدا" في سبيل الله .. (ليس بأم****م ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا" يجز به ولا يجد له من دون الله وليا" ولا نصيرا") .
فالتوبة التوبة .. والانابة الانابة الى الله عز وجل .. (واتقوا يوما" ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون) .. رحم الله من أناب الى ربه وأقلع عن ذنبه .. وخاف الوقوف بين يدي الجبار .. رحم الله من تاب وحفظ لسانه وبصره وفرجه .. اذا ذكر تذكر .. واذا أذنب استغفر .. فهنيئا" له وطوبى
01-05-2008, 06:53 PM
حقيقة الدنيا وما بعدها
رد: حقيقة الدنيا وما بعدها
العرض العادي
المواضيع المتشابهه
