مجالس العجمان الرسمي

العودة   مجالس العجمان الرسمي > ~*¤ô ws ô¤*~المجالس العامة~*¤ô ws ô¤*~ > مجلس الدراسات والبحوث العلمية

مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 03-04-2005, 01:26 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road
المرأة المسلمة.. نحو تفعيل الأداء في عصر العولمة (1/2)


فريدة صادق زوزو






إنه منذ مجيء الإسلام والمرأة والرجل يشكلان ركيزة المجتمع الإسلامي مع اختلاف دور كل واحد منهما عن الآخر، وباستقراء التاريخ الإسلامي منذ نزول الوحي نجد أن المساهمة في البناء الحضاري لأمتنا كانت تتم بالتعاون بين كل مكونات المجتمع الإسلامي رجالاً ونساء، ولم تطرح قضية المرأة بشكل منفرد عن الرجل أو بصورة نقيضة أبداً إلا عندما حدث الاختلال في ثقافة الأمة، فبرزت إلى الوجود دعوات تحرير المرأة بمعناها الغربي العلماني، ودخلنا في دوامة الصراع مع أنفسنا من خلال النقاش الحاد حول حقوق المرأة ودورها في المجتمع وما يمكن لها القيام به وما لا يمكن.

غير أن العصر الذي نعيشه يدفعنا إلى طرح السؤال بشكل مختلف، ويدفعنا أيضاً لنتساءل عن دور المرأة المسلمة من أجل إنجاز وعد الله تعالى في تحقيق الريادة والشهادة، ولهذا فقد خصصت حديثي في هذا البحث عن كيفية تفعيل أداء المرأة المسلمة من أجل مساهمتها في وحدة الأمة وازدهارها.

وتعتمد هذه الورقة في طرحها على تحديد المعوقات أو التحديات الأساسية التي تواجه المرأة، ثم ما هي الحلول التي ينبغي أن تسلكها لتواجه هذه التحديات من أجل أن يكون لها دور فاعل إلى جنب أخيها الرجل المسلم من أجل أمتنا الموحدة القوية.

ومن أجل تناول هذا الموضوع بنوع من المنهجية التي تمكن من تحليل المشكلة وتقديم العلاج لها والخروج بنتائج نظرية وعملية ممكنة فإني قسمته إلى مبحثين وخاتمة.

ففي المبحث الأول تناولت أهم التحديات التي تواجه المرأة المسلمة؛ وقوعها في النظرة الحريمية، وغلبة التقاليد على القيم الإسلامية، وحالة الاستحمار الثقافي الذي تعيشه المرأة في العالم، ووقوع المرأة في النظرة التناقضية بين خصائص شخصيتها وطبيعة دورها بفعل التركيب الثقافي العلماني المهيمن.

أما في المبحث الثاني فتناولت آفاق مساهمة المرأة المسلمة في تفعيل الأداء الرسالي من أجل أن تستعيد أمتنا مكانتها موحدة رائدة، وذلك من خلال؛ بناء رؤية جديدة متحررة من التقاليد البالية ومستقلة عن النماذج المشوهة الموجودة، وتحريرها من النظرة الحريمية، وحل تناقضية مشكلة الرجل ومشكلة المرأة والتحول إلى النظر إلى مشكلة الإنسان المسلم ذاته سواء أكان رجلاً أو امرأة، والاندماج في المجتمع المدني المعاصر ببدائل فكرية واجتماعية وثقافية وقيمية أصيلة ومنفتحة على التجربة الإنسانية جميعاً.

أما الخاتمة فإني أجملت فيها أهم النتائج والتوصيات التي رأيت أن بها تستطيع المرأة المسلمة استعادة المبادرة وتسجيل دورها الرائد في التوحيد الفكري والتجديد وبناء أمتنا الإسلامية القوية الرائدة.

المبحث الأول: التحديات التي تواجه المرأة المسلمة
العولمة سمة واقعنا المعاصر الذي تتشابك فيه الظواهر وتتعقد وتتصل بعضها بعض بشكل يصعب معه فصلها عن بعضها البعض، وتطرح العولمة مجموعة من التحديات في وجه الأمة الإسلامية وفي وجه الفرد المسلم سواء أكان رجلاً أم امرأة. وعلينا أن نكون على وعي بهذه التحديات حتى نتمكن من التعامل معها بإيجابية تمنحنا القدرة ليس على البقاء فقط في عالم لا يقبل بالضعاف، ولكن يؤهلنا لأن نقوم بدور إيجابي في صياغة مفردات العالم الجديد من أجل أن تبقى أمتنا موحدة وقادرة على المبادرة الحضارية الإسلامية المتميزة.

وفي سياق الورقة المقدمة لهذا الملتقى فإن تركيزي يتجه إلى النظر في التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في عصر العولمة، وهي في تصوري تحديات ليست وليدة عصر العولمة فقط وإنما هي امتداد لثقافة التخلف التي تهيمن على أمتنا منذ قرون ثم زادت تكريساً مع موجة العولمة المعاصرة، ونحتاج أن نتخلص منها لنصوغ ثقافة جديدة قادرة على رفع التحدي.

والتحديات التي سأذكرها لا تبدو ذات صلة مباشرة بعصر العولمة، ولكن في جوهرها هي أساس التحدي الذي ينبغي رفعه.. فهي من القضايا الجوهرية التي ينبغي إعادة صياغتها، لأنها بوجودها تجد العولمة في جانبها السلبي مجالاً فسيحاً لأن تزيد من تعميق الأزمة، ولذا رأيت أن أتناولها دون غيرها بالتحليل لمركزيتها.

وإن التحديات التي تواجهها المرأة في هذا العصر، ورأيت التركيز عليها، تتمثل في العناصر الآتية:

1. النظرة الحريمية للمرأة (الاتجاه الاستبدادي).

2. عدم وعي المرأة نفسها بدورها المنوط بها.

3. السقوط في النظرة الغربية للمرأة (الاتجاه التغريبي).

وسنحاول أن نقف عند كل عنصر من العناصر المذكورة، من أجل محاولة بسط هذا الموضوع الشائك والمثير في ذات الوقت.

1. النظرة الحريمية للمرأة (الاتجاه الاستبدادي):

بنظرة سريعة وخاطفة على حال المرأة المسلمة في البلاد الإسلامية خصوصاً، نجد أن حالتها ووضعيتها أقرب إلى الجارية والأمة من الأم أو الأخت أو الابنة، وكأن عجلة التاريخ دارت بها مرة أخرى نحو الجاهلية الأولى، وكأن المسلمين لم يرضوا بدين الإسلام في مجال تعامله وتكريمه للمرأة، وأبوا إلا العودة إلى تقاليد وأعراف اجتماعية زائفة بالية، فحال المرأة المسلمة يرثى له، ومقامها بين أهلها وأسرتها أمر مزرٍ، يستبشعه الإنسان المسلم الواعي لأمر دينه، فالإسلام أعطى للمرأة حقوقها، وأكرمها إكرام الرجل نفسه، فهما شقي الحياة، وخلفاء الله في أرضه، ولم ترد أي إشارة إلى أن الله تبارك وتعالى استخلف الرجل وحده في الأرض دون المرأة، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ﴾ [التوبة: 71]، أو أن المرأة تابع للرجل في التفكير، وصنع القرار، والاستخلاف، وحاشا للإسلام أن يستحمر المرأة، أو يغفل عنها وعن أمورها، وهو الذي قرر مقومات تكريمها، قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء:124].

وإن المتأمل في واقع حال المسلمين اليوم وحال المجتمع خصوصاً يلحظ التناقض الصارخ بين مبادئ التعاليم الإسلامية التي أُمروا بها، وبين واقع حالهم حقيقة؛ فالتناقض جلي، والتعارض واضح، المسلمون تركوا جانباً تعاليم دينهم واتجهوا اتجاهين لا ثالث لهما؛ إما الاتجاه نحو العرف وتقاليده البالية، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع المرأة سواء أكانت أختاً أم زوجة أم ابنة أم أماً، فإن التقاليد هي المهيمن والفيصل في كل المسائل الأسرية، ولن تجد الاحتكام إلى الإسلام إلا في المسائل التي لا تتعارض حقيقة وأصالة مع العادات في شيء ما، لذا فإن الاتجاه إليها من هذا الباب وليس من باب الأخذ بتعاليم الإسلام.

فالانتقاص من مكانة المرأة داخل الأسرة أولاً، والعائلة ثانياً، والمجتمع ثالثاً، والدولة رابعاً، أمر لا مناص منه؛ ويتمثل الأول في النظرة التي تُعامل بها المرأة داخل أسرتها الضيقة، أي بين أولادها وزوجها، وهي نظرة استعبادية حريمية، تنظر للمرأة باعتبارها خادماً قيماً على شؤون البيت، المتمثلة في التنظيف والترتيب، ثم الطبخ، ورعاية الأطفال، وقبل هذا وذاك الإنجاب لزيادة عدد أفراد الأسرة، بغرض التباهي أمام الأسر الأخرى، خاصة في الأرياف والقرى. وإما هي زوجة تقوم بواجبات الزوج بدءًا من تحضير الجورب إلى القيام بواجب المعاشرة راضية أم كارهة، فهي إما جسد ناشط في العمل البيتي، وإما جسد ناشط في المعاشرة الجنسية، وبين هذا وذاك فهي حريم البيت وحرمته، التي لا يجب أن تخطئ مهما كلفها الأمر، ولا تنطق بآهة التعب والإرهاق... وإذا ما سئل الرجل عن هذه المعاملة فإنه لن يتوانى مستدلاً بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).

أما الثاني فهو مكانة المرأة داخل العائلة الكبيرة، فهي التي تنصاع أمام حديث الحماة اللاذع في أكثر الأحيان، وأسلوب أخت الزوج الذي ينتقص من قيمة المرأة الدخيلة عليهم، والتي أخذت ابنهم إلى جانبها، وبين رغبات العائلات اللا متناهية...

وأما ثالثاً ورابعاً: فالمجتمع والدولة عموماً، تريد من المرأة أن تكون عضواً نشطاً في تنمية البلاد، بحيث تُستهلك المرأة في وظائف إما ثانوية بأجر قليل وجهد كثير، وإما في وظائف مقبولة نوعاً ما تأخذ الجهد كله غير تاركة للمرأة وقتاً لتلبية رغبات البيت، فهي إن خرجت من بيتها فإن دور الأمومة يجب أن يُلغى، وهنا الخطر المحدق بالمجتمع!

وفي هذا الاتجاه، وإن كان اللوم كل اللوم يُلقى على نظرة المجتمع السيئة للمرأة، فإنه لا يمكن تجاهل ما للمرأة نفسها من دور في تقبل هذه النظرة وهذه المكانة، والشعور بالسعادة تجاه تأدية دورها على أكمل وجه لأنها وباختصار أرضت سيد بيتها، وأرضت أمه وعائلته، وبيّضت وجه أسرتها في المجتمع!

وتجد المرأة تطبق آية القوامة في قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء:34]، في كل مجالات حياتها وهنا يكمن الاتجاه الثاني، في الاحتكام إلى الإسلام بصورة خاطئة إلى أبعد الحدود. فالمرأة تقبل وصاية الرجل على حياتها الأسرية، كونها أماً وزوجة وأختاً على الخصوص، وتقبل هذه الوصاية على حياتها الفكرية، فلا يكون لها أي رأي في شؤون حياتها!

فالرجل بنص الآية قيّم ولكن هل هذه القوامة تستوعب كل ما يمكن للإنسان أن يدخله ضمنها؟ أم هي تتضمن مسؤولية الرجال عن توفير الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للعائلة كما تدل عليه الآية نفسها ﴿وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾؟

إن الفهم أو التفسير الخاطئ للآية جعل الكثير من رجال المسلمين يتسلطون على نسائهم، تسلطاً اجتماعياً وفكرياً وتربوياً، مدّعين أن هذا هو حكم الله تعالى في شأنهن مع الرجال!

ومن البيّن أن هناك تعارضاً واضحاً بين ما تمليه النصوص الشرعية والقيم الإسلامية من أهمية، بل وضرورة إشراك المرأة مع الرجل في مسؤوليات الحياة، وبين التمييز المخل بين المرأة والرجل، المصطنع من قطاع عريض من المسلمين، وبصفة تكاد تكون غالبة، بالرغم من أن نصوص القرآن والسنة تؤكد التكامل الفطري بينهما. يقول تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾ [آل عمران: 195]، وقوله عز وجل: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:71]، من حيث إنهما يشتركان ويتكاملان في القيام بالمسؤوليات والواجبات التي فرضها الله عليهما في هذه الدنيا [i]. وليس هناك فرق بين المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والعلمية والفكرية وغيرها إلا استثناءات حددها الشرع بدقة.

والتكامل والاشتراك في أداء الواجبات التي فرضها الشرع عليهما لم يجعل الشرع يهمل الفصل بين الاثنين فيما يتعلق بوظائفهما الفطرية والكونية [ii]، باعتبار ما ركب الله تعالى في كل منهما من فطرة تتضمن إمكانات واستعدادات بدنية وعقلية ونفسية تميز أحدهما على الآخر.

ولهذا كان في شرع الله أحكام مشتركة بينهما تتعلق بالواجبات التي يؤديانها ويشتركان فيها، كما أن في الشرع أحكاماً خاصة بكل واحد منهما مما ينسجم مع فطرته ويحافظ عليها [iii]. ولقد أدى الخلط بين الجانبين في ثقافتنا إلى انحصار دور المرأة وحظها من المشاركة الاجتماعية والفكرية والسياسية بشكل ملحوظ.

ووقعت المرأة في النظرة الحريمية بفعل هيمنة ثقافة القبيلة والرجولة، بدل ثقافة التحضر والمدنية والإنسانية التي جاء بها الشرع الحنيف منذ بداية التنزيل، وحتى في الدوائر التي من المفروض أن تقتحمها المرأة وتقوم على شؤونها، فإن هذه النظرة الحريمية حرمتها منها، وبالتالي رأينا كيف وقعت المرأة تحت الوصاية الرجالية حتى في التعليم والطب والتمريض والخدمات الاجتماعية الخاصة بالنساء، إذ صار معلم البنات رجلاً، وطبيب النساء رجلاً، ومدير النساء رجلاً، وحلاق النساء رجلاً، ومحامي النساء رجلاً، وخياط النساء رجلاً، وهكذا.

ففقدت المرأة كثيراً من أدوارها، وفقد المجتمع نصف طاقته، بل إن المرأة فقدت شخصيتها الرسالية بتضاؤل دورها في المجتمع، ولا يغني عن ذلك محاولة الرجل أن يتولى رعايتها بدعوى حرصه على كرامتها، وإن كان الغالب على ذلك الحرص في الحقيقة النظرة الحريمية من الرجل تجاه المرأة، فهي بالنسبة له شرفه وحرمته وغير ذلك، وبالتالي شاع فقه حصار المرأة وأن المرأة "لا تخرج إلا ثلاث مرات؛ عند ولادتها تخرج من بطن أمها، وعند زواجها تخرج من بيت أبيها إلى بيت زوجها، وعند موتها تخرج إلى القبر".

فسادت هذه النظرة الحريمية القاتلة لجهد المرأة وإنسانيتها، ونسينا التجربة الإسلامية القدوة التي جعلت المرأة تقتحم ميادين الحياة بكل اقتدار جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل دون أن تفقد بذلك موقعها كامرأة أو تتخلى عن قيمها، بل إن تلك القيم هي التي بعثت بها طاقة حيوية متحركة وموجهة بعد أن كانت لا تساوي شيئاً في الجاهلية الأولى[iv].

2. عدم وعي المرأة نفسها بدورها المنوط بها:


الأمر الثاني الذي يواجه المرأة المسلمة ويشكل تحدياً في وجهها هو عدم وعي المرأة نفسها بذاتها.. إذ يحلو للمرأة المسلمة أن تسمع الكلام الرنان حول الحقوق التي أعطاها لها وقررها المولى تبارك وتعالى، وتحس بالزهو وهي تعدد هذه الحقوق [v]، أو يعددونها لها، في الوقت الذي تغيب فيه عن المشاركة في الواجبات المطلوبة منها مقابل الحقوق التي حظيت بها كفرد في مجتمع ينحو نحو الرقي والتحضر، وفي أمة تحاول النهضة من جديد.

وتُستغفل المسلمة بأقوال وكلمات لتحس بالانتصار على الذين يروّجون للفساد الاجتماعي، في حين أنها في واقع الأمر منهزمة أو بالأحرى غافلة عن إثبات وجودها الحقيقي، الوجود الذي تتحقق به مناطات التكريم الإلهي للمرأة، عن إثبات ذاتها أولاً كإنسان مكرم، وعن ممارسة "دورها الأساسي في ارتقاء النوع... وليس (حفظ النوع) فقط" [vi].

فالمسلمة اليوم ومع اعترافها بالحقوق المكرمة بها، تعيش لاهثة وراء مسرات الحياة وزخرفها الفاتن، وتجري وراء تلبية رغباتها كامرأة فارغة من أي مسؤولية سوى مسؤولية إنجاب الأولاد، وخدمة البيت، وفي ظل التسهيلات التكنولوجية، والمالية فإنها قد ابتعدت إلى حد بعيد عن ممارسة هذه الأدوار أيضاً واستعاضت بالخادمة أو دور الحضانة لأجل التفرغ الكامل لاهتماماتها وانشغالاتها النسوية التافهة أو الفارغة من أي معنى.

ومما يزيد في هذه الحال، الإغراءات الخارجية، المتمثلة في قنوات التلفزيون، أو الأسواق الاستهلاكية، أو المجلات والجرائد النسوية التافهة، أو المجالس النسوية اليومية أو الأسبوعية التي تُنظم لأجل ملء الكروش، وهز البطون، والقيل والقال، وختامها قهوة أو شاي.

إن التخلف الحضاري الذي تعاني منه أمتنا يحتاج إلى تكاتف الجهود بين شقي المجتمع؛ الرجل والمرأة، وطالما بقيت المرأة غير واعية بدورها الرسالي، فإن المجتمع والأمة تبقى عرجاء متعثرة لا تقوى على السير الصحيح نحو هدفها في النهوض الحضاري.

إن عدم وعي المرأة بذاتها يعتبر معول هدم لجهود البناء الحضاري لأمتنا، ولا يكفي أن نعلم المرأة تعليماً يمحو الأمية، بل على المرأة أن تعي أن علمها ينبغي أن يقودها إلى الوعي بمسؤولياتها الشرعية ودورها الاجتماعي والحضاري، سواء أكانت بنتاً أم أختاً أم زوجة أم أمّـاً أم معلمة أم طبيبة، أم أمراً آخر…إلخ.

إن مسألة وعي المرأة نفسها بدورها هو المحور الذي ينبغي الانطلاق منه، ذلك أن غياب وعي المرأة بدورها وبذاتها جعلها تقف سلبية من كثير من المواقف والتغيرات، وتصورت المرأة أنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً بحجة أن ذلك من شأن الرجال.

ولا شك أن المرأة تشاهد يومياً مظاهر الفساد والتخلف في أوساط النساء، وتلحظ بعينيها المعاصي ترتكب في الوسط النسائي، وفي الأسر وبين الأولاد، بل من المعاصي والمشكلات ما يصل حد القاصمة مثل ترك الصلاة، والتعدي على حرمات الله، وإضاعة الوقت في اللهو الفارغ أو الماجن، والعقم الفكري والضحالة التي تسود تجمعات النساء، ومع ذلك فإن المرأة لا ترى في ذلك أن لها دور المنبه على الخطأ، والمتحسس لمكامن الزلل، والحارس على القيم.

وكثير من النساء تغيب عنهن مقاصد التكريم لهن ومقاصد خلقهم كنساء، وتغيب عن كثير من النساء أيضاً بدايات الانحراف عن دورهن والوعي بالمطلوب منهن، كما تغيب عنهن معرفة مصادر الأفكار الوافدة، كما في تجدد الأزياء – الموضة – الفاضحة الهابطة، فإنها من لدن البغايا اللائي خسرن أغراضهن، فأخذن بعرض أنفسهن بأزياء متجددة، هي غاية في العري والسفالة، وقد شُحنت بها الأسواق، وتبارى النساء في السبق إلى شرائها، ولو علمن مصدرها المتعفن، لتباعدت عنها من كانت عندها بقية من حياء.

إن ما يطبع حياة المرأة المسلمة اليوم من ألوان اللهو والخروج عن الجادة كثير جداً بداية من الفراغ القاتل إلى مجالس -القيل والقال- حيث النميمة والغيبة إلى إدمان أفلام التلفزيون الاستهلاكية فضلاً عن المريبة أو المحرمة شرعاً، إلى تتبع نهايات الموضة في اللباس والزينة وغيرها، دون الوقوف عند الأحكام الشرعية ومقاصدها.

وهذا في تصوري هو الأمر الذي ينبغي على المرأة أن تعيه، فإن غفلة المرأة المسلمة عن دورها هو أساس انحصار دورها وهامشيته.

وما دامت المرأة لا تعي الدور الحقيقي لها في الحياة، فإن أخاها الرجل سيبقى يرى فيها محط نزواته العابرة، وهذا ما جعل الرجال دون وعي منهم يساهمون في تكريس التخلف؛ تخلف المرأة عن الوعي العام في المجتمع، وتخلفها عن إدراك أهمية دورها وما يمكن أن تساهم به في وحدة الأمة وقوتها وتنميتها واستنهاضها.

3. السقوط في النظرة الغربية للمرأة (الاتجاه التغريبي):


تتجه اليوم بعض النساء المسلمات إلى تقليد النساء الغربيات، أو بالأحرى تقليد النموذج الغربي في نظرته للمرأة، والتي تبدو في ظاهرها حرية ومساواة وتحضراً وانتصاراً لها، إلى غيرها من الأوصاف الرنانة الأخرى التي تستغفل نساءنا، والمتأمل في باطن هذه الدعوات أو هذه النماذج يرى السر الكامن وراءها، ووراء هذه الدعاوى، فإن المرأة الغربية هي المروج للجنس والشذوذ، وهي المروج للسلع التجارية، وهي الوجه الباسم الذي يلقاه صاحب العمل كل صباح عند دخوله مقر عمله، وهي المرأة التي تتخطى بمشيتها بين زملائها في العمل، ضاحكة، أو باسمة، فهي الوجه البشوش المرح الذي يزيح هم العمل وكدره [vii]. فلا "يطالبون إلا بخروج المرأة في زينة فاتنة، إذ في ذلك ما يوقظ غرائزهم، أو يرضي شهواتهم" [viii].

أين نحن من تحريم الإسلام للسفور، وتحريم استغلال جسد المرأة في المهازل والمتارع؟

ودعاة التغريب كتبوا في كل ما يتعلق بالمرأة وتحريرها [ix]، ولم يكتبوا عن شيء واحد، تناسياً واستغفالاً، وهو الحديث عن فطرتها عن أمومتها، انتصاراً منهم للرذيلة، ولإخراج المرأة من بيتها كارهة له غير راغبة في العود إلا للنوم، انتصاراً منهم لإفساد المجتمع الإسلامي، بالدخول في غوره، وأساسه، ألا وهو الأسرة، والتي يبدأ انهدامها بهدم اللبنة الأساس وهي الأم والزوجة!

وباتت النساء المسلمات تنافسن الغربيات في الأزياء والموضة، والتحلل والتبرج[x].

فماذا أعقب هذا؟

أعقبه عدد العوانس، والمطلقات، وازدياد فاحش في عدد اللقطاء، والمشردين.

فأين المسلمة من دعوات التغريب والانحلال؟

أين نحن في وسائل الإعلام ننشر الفضيلة بدلاً عن الرذيلة، ننشر حرية المرأة التي أعطاها لها الإسلام، لا الحرية التي يريدونها منا؟

أين نساؤنا أمام هجمات الصليبيين الخفية والمستبطنة في أفلام التلفزيون، وفي الأغاني الهابطة، وبين طيات المواقع الشبكية (الإنترنت)؟ أين موقع النساء المسلمات في الإنترنت تنادين: لا للاستغراب؟ لا للتحلل والرذيلة؟ وأخيراً: لا للهجمة على الأمة الإسلامية التي تُستباح كرامتها كل يوم؟

أين نحن من الوقوف ضد العولمة التي تفرض علينا قسراً، عبر الأمم المتحدة في مؤتمرات السكان، ومؤتمرات المرأة العالمية؟ أين نحن من الوقوف في وجه عولمة المرأة، فهي الجانب الاجتماعي المقصود من العولمة؟

ونحن على مشارف عام 2004م أين سيعقد مؤتمر السكان الدولي بعد مؤتمر السكان عام 1996م بالقاهرة، كما سيعقد عام 2005م مؤتمر المرأة، وقد عقد قبله مؤتمر المرأة ببكين عام 1995م؛ وهكذا تتوالى مؤتمرات الأمم المتحدة التي تفرض علينا نسقاً متتابعاً من التخطيطات للأسرة والمرأة على الخصوص، والتي يجري مناقشة ومتابعة سير عملها مدة عشر سنوات كاملة إلى حين انعقاد مؤتمر جديد، ليأتي بالجديد وفق ما تمت مناقشته ونُجح تطبيقه واقعاً، وأما الذي فشلت خطط تطبيقه فيعاد له سياق جديد، بطرق مستحدثة حسب الزمن الذي وجد فيه!

فأي عولمة يريدونها للمرأة؟ وأي انحلال؟ وأي معول هدم يحاولون تصديره إلينا لنحطم أنفسنا بأيدينا؟

إن الذي يغيب عن أذهان المسلمات أن النظرة الغربية للمرأة والتي تريد تقديم أحسن ما يمكن خدمة المرأة به إنما هو لأن المجتمع الغربي عموماً يعيش بلا هدف، ولا ينشد أي غاية سماوية، ولا ينشد الاستخلاف، أو العمل لما بعد الموت.

يغيب عن أذهان المسلمين هذه النقطة الجوهرية في التفريق بين المسلم وغيره من الناس.

يعيش المسلم حياته كمطية للآخرة، يعيش المسلم دنياه وهو يدخر للآخرة أين العيش الأبدي، يعيش المسلم في الحياة الدنيا، وهو يعمل لآخرته؛ لا يعيش المسلم لأجل العيش والاستمتاع في الدنيا، بل يعيش ويحلو له العيش والعمل في الدنيا لأنه يعتقد ويؤمن في قرارة نفسه إنما هو يدخر ويحضر ويهيئ للعيش الهنيء في الآخرة، في جنة الخلد، في جنة عدن.

أين غير المسلم من هذا التفكير، ومن هذه المبادئ، ومن هذه الغايات، ومن هذه الأهداف السامية التي ترنو الشهادة في سبيل الله لأجل لقاء الله تعالى سريعاً لكن فالحاً وناجحاً؟

المجتمع الغربي يقدم لنسائه أبدع وأفضل سبل العيش للحياة الرغيدة، يقدم لنسائه أحسن ما يمكن للمرأة الغربية أن تحقق به ذاتها في حياتها وبين مجتمعها، فالحياة عندهم هي دار الوجود ودار الفناء، فإذا ما أحسنوا فقد عاشوا أمجادهم وبطولاتهم، وخلدوا أسماءهم عالية في سمائهم، ووقعوا بأحرف من ذهب أنهم خطوا أعظم الأمجاد.

فهل تتبع نساؤنا المسلمات الطريق نفسه لأجل اللا شيء أم تبحث عما هو خالد في الآخرة؟

وهل يمكن أن تستوعب المرأة المسلمة النقطة الجوهرية التي تميزها عن المرأة الغربية؟

فإذا ما استوعبت، فهل تعمل لأجل تفعيل دورها الرسالي المنوط بها، كأم أولاً، وزوجة وأخت وابنة ثانياً، وكمسلمة مستخلفة في هذه الحياة ثالثاً، ولا فرق بين الصفات الثلاث؟

لقد فهم خصوم الإسلام المسألة بوضوح، وصاروا يتربصون بأمتنا، وكانت المرأة محط اهتمامهم، لا لشيء إلا لكونها لم تتحصن بما يكفي من الوعي الشرعي والواقعي وبما يلزم من العلم والخبرة كي تدافع عن نفسها، أو تتصدى لما يستهدف كيانها وشخصيتها، من برامج الغزو الثقافي والفكري والتربوي ذلك أن أغلب النساء في مجتمعاتنا الإسلامية أميات أو نصف متعلمات أو شبه مثقفات، وهو ما جعل المرأة عرضة للإغواء والتدمير، والتأثـر السريع بالغير، وجعلها مدخلاً للتغريب والانحلال.

هذه الأمية خاصة كانت ولا تزال المدخل للفهم المغلوط من أن التحضر والتقدم هو التقليد الأعمى لما يعرضه الغرب في السوق من سلع استهلاكية باسم شرعية العولمة، أو عبر وسائل الإعلام وشبكات المعلومات العالمية، من أفكار وأفلام وأغانٍ وبرامج تعبق في جلها برائحة الجنس والشذوذ وفساد الأخلاق والمروق من الدين، إلا أنها تتخذ لها عنوان الموضة والفن أو الثقافة غطاء من أجل إقناع المغفلين من الناس ببريقها وبراءتها المزيفين.

إن إفرازات الحضارة الغربية المادية انتشرت في العالم بفعل هيمنة الحضارة الغربية على مصائر الأمم، وهي الآن تسلك آلية العولمة إستراتيجية واضحة من أجل إحكام القبضة على مصائر الأمم وثقافاتها وحضاراتها.

وما من شك أن المرأة المسلمة -مثل أخيها الرجل- قد تأثرت بشيء من ذلك، وانساقت كثير من النساء وراء أفكار غربية ما أنزل الله بها من سلطان، بل وتتعارض جهاراً مع الإسلام، من مثل تسوية المرأة بالرجل في الميراث والشهادة والنكاح وسائر الحقوق.

حتى أن بعضاً من النساء اللاّئي يحسبن على المجتمع الإسلامي، بلغت بهن الوقاحة وقلة الحياء والشذوذ، إلى حد المطالبة بإلغاء تعاليم وأحكام قانون الأسرة وتسوية المرأة بالرجل في حق تعدد الأزواج؛ مما يدل على جهل سافر أو تطاول غير مسؤول على الله تعالى وعلى قيم أمتنا الإسلامية.

وهو عين التغريب الفاضح الذي يمحو التميز الحضاري والديني للمرأة المسلمة، ويذيبها في نموذج غربي معادٍ تماماً للقيم الدينية العليا التي يدعو إليها الإسلام وتسعى أمتنا إلى الاحتكام إليها والتحصن بها في عصر العولمة الذي تجتاح رياحه كل مجتمع لا يملك مقومات وقيم قادرة على المقاومة والتحصين.





--------------------------------------------------------------------------------

[i] أحمد الخمليشي، وجهة نظر، (الرباط: دار المعرفة، 1998)، ج2/ ص105.

[ii] بكر بن عبد الله أبو زيد، حراسة الفضيلة، ط1، (الرياض: دار العاصمة، 1421هـ/2000م)، ص15-25.

[iii] إن آيات وأحاديث الأحكام كثيرة وكلها تقوم على تنظيم هذه الشؤون التي ينفرد بها كل من الرجل والمرأة على حدة.

[iv] محمد بن عبد الله الدويش، "وقفات حول الخطاب الدعوي في قضية المرأة"، البيان، السنة 15/ عدد 150، ص57.

[v] رحمة بن نبي، "تأملات حول المرأة"، الرشاد، العدد 11/ السنة 6، ذو الحجة 1421هـ/ مارس 2001، ص56-57.

[vi] حنان لحام، "وأدرك شهرزاد الصباح"، ط1، (دمشق: مركز العلم والسلام للدراسات والنشر، 1423هـ/ 2002م)، ص6.

[vii] براق البياتي وعبد السلام عبد اللطيف، "واقع المرأة في الغرب"، البيان، السنة 15/ عدد 150، ص 78.

[viii] مالك بن نبي، شروط النهضة، ص 115.

[ix] علياء بنت عبد الله، "المرأة .. وخطوات نحو التربية"، البيان، السنة 15/ عدد 150، ص69.

[x] حنان لحام، ميلاد جديد، ط1، (دمشق: دار الحنان، 1423هـ/ 2002م)، ص120-123.


 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-04-2005, 01:28 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

المرأة المسلمة؛ نحو تفعيل الأداء في عصر العولمة (2/2)
فريدة صادق زوزو






يتحدد دور المرأة الريادي في مواجهة تحديات العولمة؛ من خلال الانطلاق من النظرة الإسلامية للمرأة، واستلهام النماذج الواقعية من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والعهد الراشدي، إذ أن المجتمع الإسلامي آنذاك كان يشهد انتقالا جوهريا من مرحلة إلى مرحلة، وبالتالي فإن التحديات التي واجهت المرأة أشبه بحالها اليوم. ومنه فإن دور المرأة المنشود يُستلهم من النماذج الرائدة للصحابيات.
المبحث الثاني: آفاق مساهمة المرأة المسلمة في تفعيل الأداء الرسالي
وفي هذا السياق فإن مما ينبغي للمرأة المسلمة التركيز عليه من أجل المساهمة في أداء دورها الرسالي لتتحقق وحدة الأمة فكريا وثقافيا وسياسيا وحضاريا هو أن تضطلع بمجموعة من المسؤوليات أراها ضرورية من أجل أفق زاهر لها؛ أولها أن تستوعب دورها الحيوي في بيتها كأم وقيّم على البيت، وثانيها القيام بدورها الاجتماعي، وثالثها القيام بدورها الحضاري في دفع أسباب التخلف بها وبالأمة الإسلامية جمعاء.

1. دور المرأة في بيتها كأم وقيِّم على البيت:
لا يمكن بحال من الأحوال تغييب دور المرأة الحيوي في هذه الحياة، ألا وهو إنجاب الأطفال، ولا يعني هذا أن وظيفة المرأة هي التوليد والاستيلاد أي أن تكون مصنعا لتوليد الأطفال، بل إن المطلوب منها كمسلمة تعي وظيفتها الوجودية التي وجدت لأجلها في الحياة الدنيا وهي الاستخلاف، المطلوب منها لتحقيق الاستخلاف أن تنجب لنا خلائف آخرين، جيل المستقبل، ومعنى هذا أن تنجب لنا طيارين لا أن تطير بنفسها فقط، كما قال أحد العلماء الجزائريين" الشيخ عبد الحميد بن باديس" :" لا نريد المرأة التي تطير بنفسها بل التي تنجب لنا طيارين".

فالمرأة أو بالأحرى الأم وهي تؤدي دورها الحيوي في الحياة "الأمومة" أن تستغل هذه الأمومة ومشاعرها، التي لا يمكن بأي حال الاستيعاض عنها بالخادمة أو بيت الحضانة، تستغلها في إعداد جيل المستقبل، خليفة الله في الأرض، بالرعاية الطبيعية الحياتية (المأكل والملبس والنظافة)، ثم بالتربية والتنشئة الاجتماعية الدينية، فتكون الأم هي القيّم على نشر مبادئ وقيم وتعاليم الإسلام بين أولادها، من خلال التدريب اليومي على الأخلاق الإسلامية، والتنشئة الإسلامية.

والوقت الذي تقضيه الأم بين أولادها يجب أن يستثمر لصالح الإسلام والأمة المسلمة وليس فقط في بث الحب بين الأولاد، وتضييع الوقت معهم في اللاشيء! لتمر الأيام والأم غافلة عن دورها، فهي ليست أما فقط بالمعنى البيولوجي ولكنها داعية وراعية على إنشاء جيل الاستخلاف، كما أنشأت الفلسطينيات جيل الانتفاضة بدءً من 1982م إلى يومنا هذا، وأنشأت قبلهن الجزائريات جيل الثورة الجزائرية، عام 1954م.

وإن التحديات التي تواجهها الأم وهي في عقر دارها، مثل تحدي التلفزيون وهو ينشر سمومه بين أطفالها، وهي عن هذا لاهية، وتحدي القيم الغربية التي تشاع في مجتمعاتنا الإسلامية، ناهيك عن أخلاق أطفال بعض الأسر المسلمة التي لا تعرف عن الإسلام إلا الصلاة والصوم!

إن هذه التحديات لا يمكن التغلب عليها بكلمات قليلة عابرة، بل بالمراقبة الدائمة لما يدخل إلى بيوتنا عبر شاشات التلفزيون، أو استعمال أجهزة الفيديو من أجل اختيار حسن لما يرد السوق من أفلام وبرامج ترفيهية للأطفال.

ولا يمكن بحال أن ندع شركة (والت دينزني) هي المهيمن على برامج الأطفال في شاشة التلفزيون، وعلى السوق أيضا، من خلال تصديرها لصور مشاهير أبطالها في ألعاب، وحقائب دراسة أطفالنا، ومقلماتهم، وكراريسهم، وأغلفة كتبهم، ناهيك عن أغطية أسرتهم ووسائدهم، ثم ملابسهم الخارجية والداخلية، فهل تجد غزوا أكثر من هذا ، يتحداك وأنت لا تقدر على فعل أي شيء؟ فما الحل؟

هل الحل بيد الأم وحدها؟ أم بمساعدة جهات كثيرة متخصصة؟

سيكون جوابك سهلا وبدهيا: ليس الحل بيد الأم فقط.

أعرف هذا، ولكن إذا ما قويت إرادة الأمهات المسلمات لمواجهة هذا الغزو الغربي، فإن الجهات الأخرى ستساهم بدورها في الجانب الذي يعنيها.

ليس هذا كلاما مثاليا ؟؟ وأصدق القول أن تكاتف الجهود، وقوة إرادة الأمهات هي الكفيلة بغلق الباب أمام الغزو الغربي ثقافيا كان أم صناعيا؟

أين هي الرموز الإسلامية؟ أين هي في كلامنا؟ في شاشاتنا؟ في قصص أطفالنا؟ في سلوكنا اليومي؟ هل ستقول أن التصوير حرام؟

أين هي إذن في أغاني الأطفال الإسلامية الحلوة البسيطة؟

أين هي في بساطة "الأقصى يا الجنة" لإيمان البحر درويش في استيعاب أطفالنا لحربنا الضروس مع اليهود؟ أين هي سلاسة كلمات" طائر النورس"، و"نبع الحب" لشركة" سنا في إشاعة الأخلاق الإسلامية الصافية: حب مخلوقات الله، حب أفراد الأسرة، حب الحياة لأجل الآخرة؟ أين هي أناشيد "الريحان" رياحين ماليزيا، في "25 رسول"، و" أشهد أن لا إله إلا الله" في إلمام أطفالنا بأصول وأركان عقيدتهم؟ وغيرها كثير كثير.

هاهنا دور الأم في قيامها بوظيفتها الوجودية، في استخلافها هي لله تعالى، وفي إنجابها لمستخلفي الله تعالى من بعدها...

إن الأم وهي تقوم بأشغالها اليومية ستمثل نموذجا حيا لطفلها، نموذج المسلم العامل، المسلم الفاعل، الكل يؤدي دوره بصبر وصدق وقوة عزيمة على التغيير؛ سواء أكان تغيير جو البيت من بيت وسخ غير مرتب إلى بيت نظيف مرتب تعبق منه رائحة النظام والهدوء والصحة؛ أو كان تغيير وجه المجتمع من بعض المظاهر والسلوكات غير الإسلامية، مثل الأكل في الأماكن العامة، أو الجلوس غير المحتشم أمام مرأى الناس، أو الصراخ والعراك، وغيرها كثير.

إن الطفل الذي يولد وهو صفحة بيضاء، للأم الدور المهم والأساسي في ملئها، والكتابة عليها بما تريده من طفلها وهي في ذلك تنطلق من وعيها لدورها كإنسان مسلم مستخلف في هذه الأرض على أطفالها، وعلى بيتها، وعلى مجتمعها، وعلى أمور دينها.

إن كل ما تخطه الأم في ذهن ابنها ليدل عليها أصالة، لأنه يدل على مدى وعيها، ومدى علمها، ومدى ثقافتها، وأخيرا مدى استيعابها لدورها الاستخلافي.

ثم إنها لا تنتظر حتى تُواجه بالبدايات المضلة والمنحرفة لأولادها على مشارف سن المراهقة، أين يكون الطفل والذي أصبح الآن شابا قد خرج عن طوعها، وأضحت توعيته وإرجاعه إلى جادة الصواب من الأمور الصعبة نوعا ما؛ فإن المعالم التربوية، وفضائل الأعمال التي تصقلها في أبنائها وهم رضع، هي الكفيلة بالمحافظة عليهم من قرناء السوء، ومن الانحدار نحو السلوكيات المريبة التي تتفشى في الأوساط الشبابية حيث يجد الشيطان ضالته معهم وبينهم.

وإن من أخطر هذه الغوائل، الفراغ، هذه الكلمة التي تطيح بأسر كثيرة نتيجة اتجاه أبنائها نحو المجهول، لا لشيئ إلا لأن الفراغ ملأ حياتهم، فأين كانت الأسرة، وأين كانت الأم في القديم وهي تقدم لابنها طعاما أو شرابا، أو تلبسه فاخر اللباس أو بسيطه، ولم تكن تملأ الصفحة البيضاء فيه بفضائل الأخلاق ومحاسن الآداب؟

الأبناء أمانة عند آبائهم، فكيف نحافظ على هذه الأمانة لتحقق الاستخلاف في الأرض؟

هل ندع هؤلاء الأبناء، وفي هذا العصر بالذات (عصر العولمة) أين الانفتاح على العالم بأسره، على ثقافاته، وتقاليده، وعاداته، الحسن منها والقبيح، على الانفتاح على وسائل الترفيه والتسلية، في يسر الحصول عليها، وعلى مواقعها، في سهولة تلبية رغبات وشهوات النفس بما لذ وطاب، من دون خوف أو حرج، إلا الخوف منه تبارك وتعالى إذا وجد الأبناء هذا الخوف وهذه الخشية منقوشة ومصقولة في قلوبهم قبل عقولهم التي تميز النافع من الضار.

والتحكم في الأبناء وهم صغار أيسر بكثير من التحكم فيهم وهم شباب، وتعليمهم وتربيتهم وهم صغار أيسر من تعليمهم وهم كبار، وصدق من قال: التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.

ومن جهة أخرى عندما تضطلع المرأة بدور القوامة على بيتها فإنها بذلك تحقق ذاتها. إنها بذلك تتخلص من عبوديتها للنماذج المشوهة المستوردة عن المرأة والأم. وبذلك تستطيع أن تسد الثغرة التي ينبغي أن ترابط عليها فلا يؤتى الإسلام من قبلها.

وعي المرأة بذاتها وبدورها كقيم على الأسرة وحارس على القيم والمبادئ يعني في ميزان القيم أنها تعي تماما دورها وحقيقتها، وأنها تعرف معرفة حقيقة وجودها ووظيفتها وأنها خليفة الله في الأرض، عابدة له وحده دون سواه، وبالتالي تتميز عمن يخالف سلوكها وأخلاقها واعتقادها، وتحاول التأثير فيه لا التأثر به.

إنها بذلك يمكنها أن تواجه تحديات العصر بكل ثبات وأهلية وجدارة، وتستطيع القيام بسد الثغرات التي لا يمكن أن يسدها الرجل لأنها من فطرتها لا من فطرته. فلا يحدث بينها وبين أخيها الرجل تزاحم على أدوار غير مخصصة له أصلا أو مخصصة لها وشاركها فيها، بل تتمكن بوعيها من معرفة مواقع التفاضل بينها وبين الرجل فتتقد في المواقع التي تفضله فيها وتتأخر في المواقع التي يفضلها فيها. كما تدرك مواقع التكامل بينها وبين الرجل فيتقدم كلاهما مدركين أن تلك المواقع مما يحتاج إليهما معا، فلا يقع تزاحم على مواقع وفراغ في مواقع أخرى.

وفي هذا السياق، فإن تزاحم المرأة والرجل في الأسواق والمعامل والإدارات، بدعوى الحق في العمل وتحقيق الذات فيه خلط بين مواقع التفاضل ومواقع التكامل. لأن ذاتها لا يمكن أن تتحقق في أماكن فيها انتهاك لحرمات الله من جراء الاختلاط ونزع الحجاب والتزين للغير دون الزوج والتبرج وغيرها، بل إن ذاتها ودورها يتحققان بشكل أفضل في بيتها وعند أولادها وليس في التخلي عن البيت وترك الأولاد للفراغ والخدم وأنواع البرامج الإعلامية غير المحروسة سواء في التلفاز أو في الحاسوب وشبكة الإنترنت.

إن المرأة المسلمة المثقفة الواعية بدورها الرسالي كقيم على البيت تدرك تماما أن ثغر البيت لا يمكن أن يسده الرجل، بل أنها هي المسؤولة الأولى عنه؛ أين ستقوم برعاية أبنائها وزوجها ، وبالتالي تساهم في بناء مجتمعها والحفاظ على استقراره وأمنه؛ فهي بالتزامها بنداء الفطرة تكون قد أمنت المرابطة على ثغر من الثغور الحساسة ألا وهو القيام بشؤون البيت وتربية الأبناء التربية التي تؤمِّن جانبهم من تأثير الأفكار الفاسدة التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة.

ولا يعني ذلك أن مسؤولية المرأة المسلمة تنتهي عند قيامها على بيتها، بل لها دور اجتماعي مهم ودور حضاري أيضا، غير أنهما لا يلغيان دورها الأساس والجوهري في التنشئة الأسرية.

2. الدور الاجتماعي للمرأة :
لا يقتصر دور المرأة على بيتها فقط كما قلنا، وإن كان هو الدور الحيوي لها؛ إنما دورها في الأوساط النسائية يتسع ويزداد كل حين بازدياد المنكرات والمفاسد التي تتفشى في هذه الأوساط؛ فإن النساء وهن يجلس مجالسهن ينسين نهائيا أنهن مسلمات، ويتناسين الآداب الإسلامية، فيلغى الجو الإسلامي تماما، فينشر بينهن شياطين الجن والإنس...

والمسلمة الفاعلة لا تغفل في أي مجلس تجلسه، أو أي مكان تلجه أنها المسلمة الداعية، التي اصطفاها الله لتذكر اسمه كل حين وكل مجلس، فتذكر أخواتها وجليساتها بأن الأفضل لهن أن يكون مجلسهن مجلس ذكر تحفهن الملائكة إلى حين تغادر كل واحدة منهن إلى المقصد الذي ترنو إليه.

والمسلمة وهي تلفت النظر إلى تبرج سافر، أو نمص حاجب، أو تفليج سن، أو لبس بنت لما لا يتماشى وإسلامنا، أو هي تدير الحديث من غيبة في جارة تغافلت عن دعوة إحداهن لحفلة شاي إلى التماس العذر حتى المرة السبعين كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو أن الجارة الفلانية ظنت بها سوءً، أو أنها لبست فستانا ثمنه يوازي راتب الزوج، أو إن إحداهن قالت في زوجها كلاما ما... وهكذا فإن حديث النساء يملأه الشيطان بما لذ وطاب من الغيبة والنميمة وقول السوء، وكفران العشير، وهذا واقع كائن، وإلا فلم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء! تصدقن وأكثرن الاستغفار. فإني رأيتكن أكثر أهل النار» [i].

والحديث عن تربية الأولاد ووسائله حديث شيق ومثير، ويتنوع بتنوع الثقافات النسوية وتحديات المجتمع، وهو مجال خصب لتفعيل دور النساء فيما بينهن.

أو حلقة ذكر أسبوعية أو نصف شهرية لشرح آية أو حديث، أو قراءة القرآن يُفَعل دور المرأة في بيتها وأمام أخواتها وصديقاتها وليس أسهل من هذا.

أو تنظيم زيارة لصديقة، أو عيادة مريض... مما يعود بالنفع على السيدات وعلى المجتمع.

فالمرأة وهي تؤدي دورها الاجتماعي بعيدا عن التقييدات وعن الإلزام ستحس أنها عنصر فاعل، حقيقة وواقعا، فهي لم تؤد هذا الدور مثلا قصرا أو إلزاما أو للضرورة، وبذلك ستقدم نموذجا حيا لتفعيل دور المسلمة. والبدء بالأمور اليسيرة البسيطة والمداومة عليها أحسن وأفضل من ارتباطها بأعمال لا تقدر عليها إلا بعد جهد أو مما يحتاج إلى ترتيبات وتهييئ طويل معقد.

ثم إن ما ينتظره المجتمع من المرأة هو ألا تتخلى عن دورها الحيوي في تربية وتنشئة الأولاد، وكذا المشاركة الفعالة والإيجابية مع أخيها الرجل في أدوار الحياة المختلفة داخل المجتمع، وذلك من دون إلغاء للفروق الخلقية والوظائف الفطرية المنوطة بكل منهما، ولا يفهم من هذا الكلام أنه دعوة لإلغاء أنوثة المرأة بمعنى ترجيلها، ولا ترهيل الرجل أو تأنيثه على مذهب دعاة التحرر والتعري والتبدل. بل بمنطق التكامل الذي سبق الحديث عنه.

وعلى المرأة من جهة أخرى أن تتخذ خطوات إيجابية شجاعة من أجل مراجعة النفس وإعادة الأمور إلى نصابها، والتفكير بجدية في تصحيح مسار وطرق تعليم المرأة وتثقيفها بالمعنى الذي يخول لها القيام بدورها الكامل في المجتمع وبحسب متطلبات العصر، لأنها أساس أي بناء للمجتمع. ذلك أن نجاح المرأة في هذا يُفعل دورها في المساهمة في ازدهار المجتمع والأمة، أما إن بقيت سلبية اجتماعيا فإنه ستكرس التخلف والفرقة.

3. دور المرأة الحضاري في دفع أسباب تخلف الأمة:
إن دور المرأة في النهوض الحضاري للأمة الإسلامية دور مكمل لأدوارها السابقة الذكر؛ في قيامها بواجبها الحيوي "واجب الأمومة"، وفي قيامها بدورها الاجتماعي الذي تحاول من خلاله استنهاض وإفاقة شرائح كبيرة من المجتمع وهي شريحة النساء، ولأنهن شق المجتمع فبنهوضهن ووعيهن بدورهن الحضاري، هو النهوض الحضاري نفسه للأمة جمعاء. ومن الواجب أن توضع المرأة هنا وهناك حيث تؤدي دورها خادمة للحضارة [ii].

وبعبارة أخرى فإن الدور الحضاري للمرأة يكمن أساسا في مساهمتها في توجيه وحماية القيم الحضارية الإسلامية، وفي صناعة الأجيال الحاملة للفكرة الإسلامية والعاملة على إحياء وبعث الحضارة الإسلامية من جديد قوة مساهمة في صناعة مصير الإنسانية.

والحضور النسائي له مجالاته المتعددة مثل التطبيب والتمريض، والتعليم، وغيرها من المجالات التي يمكن للمرأة المساهمة فيها بحسب تخصصها، وبحسب قدراتها التي لا يمكن أن تتعارض مع أداء وظيفتها الطبيعية "الأمومة"، وهذا الأمر لا يتأتى إلا من خلال " تهيئة المناخ الملائم لإقامة مجتمع ديني مثقف يفتح المجال أمام المرأة للمسامة مع أخيها الرجل في بناء الحضارة الإسلامية" [iii]، مراعية في ذلك قدراتها، و(كل ميسر لما خلق له) [iv] فلا نطالبها بما لا يليق بها، وهي التي أكرمها العلي القدير من فوق سبع سموات، فلا تخوض النساء فيما لا داعي له مطالبة بالمساواة الكاملة والتامة بدعوى قيامها بواجبها اتجاه أمتها في النهوض الحضاري.. إلى غيرها من الدعاوى الباطلة التي لا تستند إلى أي دليل راجح، والتي في معظمها تُفقِدها دورها الأساس، وهي مخزن العواطف الإنسانية، الشعور بالعاطفة نحو الأسرة، وبذلك تكون قد فقدت وظيفتها من حيث هي وسيلة لحفظ الأسرة، وبقاء المجتمع، فهي شق الفرد، كما أن الرجل شقه الآخر، قال صلى الله عليه وسلم إنما النساء شقائق الرجال) [v]، "فالمرأة والرجل يكونان الفرد في المجتمع" [vi].

وإن للمرأة حضور كبير ومهم أو بالأحرى قوي في المدارس، حيث تتم تنشئة النشء تنشئة اجتماعية تربوية ثقافية، وتحصينه بالتعاليم الإسلامية من التحديات الخارجية للغزو الفكري التغريبي، وخاصة في المراحل التعليمية الأولى، إذ أن النشء يحس وكأنه يتلقى من أمه تماما وإن التلقي منها أيسر من التلقي من الرجال في هذا المجال، فتبقى عاطفة الأمومة هي المحرك والموجه لقدرات النشء العقلية .

وبما أن تحدي العولمة تحدٍ كبير وله آثاره الاجتماعية الكثيرة على الأفراد قبل المجتمعات، وللمرأة أن تقوم بدورها الرسالي "دور المرأة المسلمة الرسالية" في مواجهة هذه التحديات حفظا للكرامة الإسلامية، وحفظا للثقافة الإسلامية، والأخلاق الإسلامية، وأخيرا حفظا للأمة جمعاء من الانصهار في هذه البوتقة بفعل الانبهار وسلوكيات بعض المستغربين من جهة، أو بفعل التدين الخادع المزيف الذي جرف المرأة إلى عقود التقليد وعصور الجاهلية؛ وبين هذا وذاك يضيع الشق الثاني للفرد المسلم .

وللخروج من هذه الثنائية المتناقضة وإعادة صياغة دور المرأة الرسالي، وتفعيل آدائها يجب أن يقوم عمل كبير وكبير جدا يتولاه المثقفون الحقيقيون وفي مقدمتهم المرأة المثقفة، وقد لا يتأتى هذا الأمر ولا يتيسر إلا من خلال العمل المؤسساتي المتخصص، الذي تشترك فيه النساء كل بحسب تخصصها ووقتها، والذي يجب أن يقوم على أساس نظرة شمولية في النهوض بالمجتمع والأمة الإسلامية من خلال تفعيل " دور المرأة الغائب"، لا الانطلاق من أزمة أو مشكلة المرأة كما يتصور الكثيرون. هذا العمل الذي يوجه عمله لعلاج مشكلات المرأة على وجه الخصوص في مناحي الحياة المختلفة والمتعلقة بها، ومشكلات الطفولة والشباب بخاصة، وذلك من خلال تنظيم جمعيات ودورات توعية، بغرض توفير الحصانة الفكرية والعقدية، وفي البناء التربوي الإيماني والدعوي للمرأة [vii]، وخاصة في الأرياف والمناطق النائية أين تخمد عشرات الطاقات النسائية الكامنة، والتي تُواجه بتقاليد وعادات اجتماعية قاتلة للإنسانية قبل أن تكون قاتلة ومدمرة للمرأة نفسها، وريفنا اليوم لا ينشط فيه إلا الجمعيات النسوية العلمانية، أو الجمعيات ذات الأفكار والمعتقدات الشاذة عن مجتمعاتنا وأمتنا الإسلامية، والتي تنشط على نطاق واسع يساعدها في ذلك الإعلام المشوه الذي يفتح لها الباب على مصراعيه، في تلقي الدعم والسند المادي والمعنوي من خلال الإشهار المكثف والدعاية المجانية، ناهيك عن المبشرين من النصارى واليهود وعبدة الشيطان، فهم يتكبدون المعيشة القاسية لأجل تحقيق أغراضهم الدنيوية؛ فكيف بالمسلم لا يتحرك في هذه الدائرة ابتغاء وجه الله ومرضاته في تفعيل المسلمين الذين يعيشون سباتا طويلا، لا يفيقون منه إلا لطلب لقمة العيش وجريا وراء طلب الرزق!!.

خاتمة ومقترحات:
وفي الأخير يمكن القول إنه لا يعقل أن نتحدث عن دور المرأة المسلمة في مواجهة تحديات العولمة، إلا إذا استطاعت أن تحقق نقلة نوعية وجذرية في رؤيتها للأمور، وذلك من خلال التحول:





--------------------------------------------------------------------------------

* ورقة مقدمة إلى المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية في القرن الواحد والعشرين: آفاق وتحديات"، كوالالمبور، ماليزيا، وتنشر بإذن خاص من المؤلفة.

** دكتوراه في الفقه وأصوله، محاضرة بكلية الشريعة والقانون، جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا (Kuim).

[i] متفق عليه.

[ii] مالك بن نبي، شروط النهضة، ص 118.

[iii] من توصيات ونتائج فعاليات ملتقى العلماء العالمي، بترا جايا، ماليزيا: 11-12 يوليو 2003، ص4.

[iv] متفق عليه.

[v] رواه أحمد وأبو داود.

[vi] شروط النهضة، ص 115.

[vii] د. رقية بنت محمد المحارب، "المؤسسات النسائية الدعوية"، البيان، السنة 15، العدد150، ص61.

رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 01:55 AM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع