ضيقة صدر

[فهد بن راشد الشماله]

عندما يحس الإنسان بالضيق الشديد...لا يحس بطعم أي شيء....ويفقد إهتمامه بكل مايهمه

حتى تنجلي ضيقته....حتى إبتسامات الأطفال...لاتحرك في مشاعره أي ساكن...

يقول أحد أصدقائي المقربين جداً, (( إذا أحسست بهذا الشعور أنظر إلى السماء وأبتسم)) لم أسأله لماذا لكنني إستحسنت الفكره.

في أحد الأيام...التي سوف تبقى عالقه في بالي ماحييت وأنا في العاصمه الهولنديه أمستردام

إظطررت للبقاء وحدي يوم واحد بعد سفر زملائي وذلك لظروف الطيران

ذهبت لساحة ((الدام راك)) أشهر ساحه في أمستردام والتي يقصدها أكثر السياح القادمين لهولندا

كان اليوم يوم أحد...وكان معظم السياح قد غادروا...والشمس قد شارفت على المغيب ومنظر الحمام الذي يجوب الساحه كان يغطي قليلاً من خلوها...ووحشتها

جلست على طاولة أحد المقاهي المكشوفه ومعي رفيق دربي كمبيوتري المحمول....لكي أكتب تقريري النهائي عن رحلتي العمليه.

كان الشعور بالوحده والضيق يكاد يخنقني...وأفكاري جداً مشوشه لدرجة أنني بعد عناء طويل إستطعت كتابة سطر واحد فقط. جلس بالقرب مني رجل وامرأه في أواخر الخمسينات من عمرهم وكأني بهما قد تقاعدا من العمل قريباً وأرادوا أخذ جوله أوروبيه تغسل عناء كدحهم سنيناً في مجالهم العملي....كانت سحنتهم الأوروبيه واضحه....وكشفوا عن أنفسهم بلكنتهم البريطانيه حاولت أن أستمع لحديثهم....لكي أخرج من هذا الجو الكئيب....فلم أجد مايشد إنتباهي. عدت إلى فطيرة الجبن التي طلبتها....وكأس الشاي الذي أغلط النادل وأعطاني شاي صيني أخضر وغصبت نفسي على تذوقهما. أجبرني الحمام المتجمهر حولي على إعطائه بعض قطع الخبز مع إدراكي أن إطعام الطيور في هولندا ممنوع. أخذ يتجمع حولي الحمام بشكل غريب ورحت أنظر إليهم وهم يأكلون بنهم....شدتني حمامه من بين الحمام كانت تنظر إلي بشكل غريب!! قذفت لها قطعه صغيره من الخبز فلم تعرها أي إنتباه....واستمرت بالنظر إلي قذفت لها قطعه أخرى....ولم تتغير نظرتها. كان شكلها مميز من بين عشرات الحمام الذي حولي وأخذت تقرب مني أكثر فأكثر بخطا جداً بطيئه.جاء النادل بخطوات شبه سريعه لكي يقدم الطلب للرجل والمرأه اللذان بجانبي فطار جميع الحمام.....إلا هذه الحمامه فلم تتحرك من مكانها, وقفت على بعد نصف متر مني وهي تنظر إلي بشكل غريب....لم أستطع أن أحرك نظري عنها جلست دقائق وأنا أنظر إليها وخطرت على بالي....قصيدة أبو فراس الحمداني

عندما كان مأسوراً...ووقفت على نافذة زنزانته حمامه

أقولُ وقد ناحت بقربي حمامةٌ=أيا جارةَ هل بات حالُكِ حالي
معاذ الهوى ماذقتِ طارقة النوى=ولا خطرت منكِ الهموم ببالي
أيا جارةَ ما أنصف الدهرُ بيننا=تعالي أقاسمك الهموم تعالي
تعالي تري روحاً لدي ضعيفةً=تردد في جسمٍ يُعذّبُ بالي
أيضحكُ مأسورٌ وتبكي طليقةٌ=ويسكتُ محزونٌ ويندبُ سالي
لقد كنتُ أولى منكِ بالدمعِ مقلةً=ولكن دمعي في الحوادثِ غالي

لم أستطع أن أصمد أمام نظرات الحمامه....أشحت بنظري عنها وأنا أضع الكمبيوتر في الحقيبه ونهضت على عجل....وجاراي الكبيران في السن كانت الدهشه على عيونهم مما رأوه......أبتعدت ثلاث خطوات.....والتفت للوراء فإذا بالحمامه تطير مبتعده....زادت ضيقتي بشكل يكاد أن يقطع النفس وكأني لا أجد الهواء لكي أتنفسه وقفت.....ونظرت إلى السماء....وابتسمت....واصلت مسيري وكأن هموم الدنيا كلها إنزاحت عن صدري....ياترى هل تلك الحمامه نظرت إلى السماء وابتسمت؟؟!!

أجاركم الله من ضيقة الصدر