مسطرة حدس..

[ma7fo9'y]

مسطرة حدس !

كتب:د. خالد القحص

شخصياً أحب نقد الشخصيات العامة لكي نشعرها بالمسؤولية وبأنها اذا كانت تأكل التمر، فاننا نعد الطعام، ولذا تجدني أنتقد القريب قبل البعيد لأن هذا يعكس ـ في ظنيـ مصداقية وحيادية مطلوبتين، فكلما كان الشخص قريباً منك، يزداد الحرج، ولذا بعد انتهاء استجواب نورية الصبيح كتبت مقالاً بعنوان »خاب حدسي في حدس« منتقداً وبشدة على موقف حدس من الاستجواب، وكنت بذلك أمارس حقي ومنسجماً مع قناعاتي السابقة بضرورة نقد القريب قبل البعيد. وهذا المقال لقي صدى كبيراً وواسعاً بين التأييد والمعارضة وبين التشفي والتصيد بالماء العكر، لكن موقف حدس مني (والتي أفخر بأني أحد كوادرها) كان راقياً معي كونها تفهم طبيعة العمل السياسي، وبأنه من الطبيعي أن يأتيها النقد في عملها السياسي، والأمر فيه سعة، ونريد بالمكث ما تريد بالحث!

حدس ـ كغيرها من التكتلات السياسية ـ فيها صفة البشرية وبالتالي يعتريها ما يعتري البشر من خلل وقصور، وعليه فهي ليست حركة منزهة أو مبرأة من العيوب، بل نتفق ونختلف معها في المواقف، ولكن في النهاية نتقبل موقفها ونحترمه ونؤيده.. هذه هي طبيعة العمل السياسي الصحيح.. ننتقد ونختلف ولكن في النهاية نلتزم بالموقف المعلن وندافع عنه.

ومن حق أي انسان أن يختلف مع من يريد وأن يصوت لمن يريد ولا أحد يحجر على أحد، ولو قال لي صديق أنه لا يحب حدس ولن يصوت لها، فهذا حقه وسأدافع عنه لكي يمارس حقه، ولا يمنعني هذا من أن أكون أكيله وشريبه وقعيده!
ولكن حدس تتعرض هذه الأيام (وتحديداً في الدائرة الرابعة والخامسة) الى هجوم شديد يصل إلى حد التجريح الشخصي لمرشحي حدس، ويطال ذممهم المالية وأخلاقهم ويحاكم نياتهم وكل هذا يحدث بدون أي بينة أو دليل. مرة أخرى لا مانع لدي من انتقاد حدس، ولكن ينبغي أن نحاسب جميع الحركات والتكتلات السياسية الفاعلة وجميع المرشحين بنفس المسطرة التي نحاسب بها حدس! الذي يحصل حالياً هو تخصيص مسطرة خاصة ومفصلة على حدس وانتقادها بشدة، ولكن يتم غض النظر ـبتعمد أو بجهلـ عن مواقف باقي الكتل الأخرى والتي وقفت نفس موقف حدس أو أشد!

فعندما يتم ذكر اسقاط القروض، فانه يتم التغاضي عن جميع أعضاء المجلس (44 عضواً) والحديث فقط عن حدس (ستة أعضاء)، وكأن حدس هي من تقود المجلس وتتحكم فيه! ناهيك عن أن مسألة اسقاط القروض فيها ظلم كبير لشرائح كثيرة، وفيها اشكالات شرعية وأخلاقية واجتماعية متداخلة، كما أن التجمع السلفي رفضها ونصف أعضاء التكتل الشعبي رفضها وكتلة العمل الوطني وقسم كبير من المستقلين رفضها، ولكن هذا لا يهم، لأن المطلوب رأس حدس!

مع أن حدس طرحت مشروعاً آخر تقدم به عبدالله راعي الفحماء لانشاء صندوق المعسرين والذي سقط بفضل أصوات التكتل الشعبي! مشكلتنا أننا لا نقرأ أو أننا نقرأ بتحيز ونفهم بتحيز ونتذكر بتحيز!

تتحدثون عن المواقف، اذن لنتحدث عن الكتلة الزئبقية (العمل الشعبي) حيث لا لون أو طعم أو رائحة، ولا تعرف هل هم مستقلون أم تكتل سياسي، أم أنهم تكتل قبلي، وهل هم مع المال العام أو ضد المال العام، وهل هم معارضة أم حكوميون بامتياز! مشكلة حدس في ظني أن تنتهج العمل السياسي الصحيح في مجتمع لا يؤمن بالعمل السياسي الصحيح!

يعيبون على حدس أنها تتصرف كبلوك واحد في المواقف، وما علموا أن هذا هو سر قوتها، لأن مواقفها لا يحددها شخص واحد، بل هو تفكير جماعي ويخرج بموقف واحد (نتفق أو نختلف معه)، هذا ما ينبغي فعله، وليس كتلة متميعة تحدد مواقفها بناء على عناوين بيوت أعضائها، فالسعدون مع نورية الصبيح لأن البطاقة المدنية تقول ذلك، ومسلم البراك ضدها لأن عنوان منزله يحتم عليه ذلك!

يقولون ان نواب الحركة أثروا من العمل السياسي وأن البصيري والحربش وخضير من أصحاب الملايين، ولكن لا أحد يجرؤ أن يقدم الدليل، مع أن حدس هي الحركة السياسية الوحيدة التي قدمت كشوفاً للذمة لأعضائها، في حين لم يجرؤ التجمع السلفي أو التكتل الشعبي أو الوطني أو النواب القبليون أو المستقلون على فعل ذلك، وأبشركم بأنهم لن يفعلوا!

يقولون أنتم حركة اسلامية، فنقول وأين انتقادكم للتجمع السلفي مع أن أحمد باقر في أغلب مواقفه كان مع الحكومة وضد المكتسبات الشعبية، وما موقفه من القضية الانسانية »البدون« عنا ببعيد! وأين أنتم من النائب الصرعاوي وفيصل المسلم وخالد العدوة وعكاش وجابر المحيلبي، بيوتنا ـيا سادةـ كلها من زجاج، فلتوجهوا حجارتكم على الجميع، وما دمنا نتحدث عن الحجارة، فمن كان منكم بلا خطيئة، فليرم حدس بحجر!
.....