فتنة الحب

[السعيد شويل]

فتنة الحب

************************************************** ************************

هبّ الرجل قائماً ماداً يده لمصافحة الشيخ قائلاً : حفظك الله أيها الشيخ الفاضل والكريم وجعلك الله من

عباده المتقين لقد تعدى الليل المنتصف وإنى أدين لك بنصيحتك وأشكر لك حسن ضيافتك .

قال له الشيخ : أيها الرجل الحزين : أنت لم تخرِج مابداخلك من آلام وأشجان ولم أبدد عنك مايعتريك من

أحزان وما زالت بك حسرة ومرارة سنظل معا حتى يلوح الفجر للآذان .

نظر الرجل إلى الفضاء الفسيح الذى أمامه ثم قال :

أأشق عليك أيها الشيخ إن قلت لك هيا نسير بين هذه الهضاب وتلك التلال .. ؟

رحب الشيخ بما قال .

وما أن تركا الأشجار والنخيل وأصبحا فى العراء فى وادٍ من أودية الصحراء التى ملأ ها القمر

نوراً وضياء إذا بِهما بشابٍ لم يتجاوز من العمر العشرين جالساً على أحد الكثبان متيّمٌ ولْهان

لم يشعر بِحضورهما إلا بعد أن أقبل عليه الرجل مُلقياً السلام قائلا له : أيها الشاب :

أ فاض قلبك بمحبة الله وامتلأ عقلك بذكر الله .. فغاب حسك عنا .. ؟ !!

نظر الشاب إلى الرجل نظرةَ خجلٍ وانكسار .. وارتعدت فرائصه .. وأطبق أوراقه وهو يرمق الشيخ

الذى كان يتأمله ويتفحصه بنظراته .. ثم رد السلام واستدار وترك المكان وولّى مدبراً عنهما .. !!

اتجه الرجل إلى الشيخ بعينيه ينظر إليه .. وقد بدَت عليه علامات الدهشة والإعجاب .. !!

فأزال الشيخ عجبه ودهشته حين قال :

إنها يا أخى : الفتنة والإفتتان التى سرت وتسرى فى هذا الزمان .. الفتنة التى تولدت من اختلاط

الفتيات مع الفِتيان .. والتى هى من هواجم الآراء وشوائب البدع والأهواء .. إنها الفتنة التى

فشت بين الخلائق فى كل مكان والتى نجمت بسبب عدم الإستقامة على شرع الله ونتيجة البعد

وعدم التمسك بمنهج الله ... إنها : فتنة الحب .

لقد رأى فيها الأفاقين والمنافقين وأعداء الدين أنها أعتى سهماً وأمْضى سيفاً يصيبون به

المسلمين فأغرقوهم فى بحارها وأولجوهم فى غياهبها وقِيعانِها وكالوا لهم منها بكل ما هو جديد

وما زالوا يكيلون لنا منها بما ينأى بتعاليم الإسلام ببعيد .. !

عاثوا بعقولنا كما شاءوا وهاموا بفكرنا فيها بالزيغ كما أرادوا ولا من ناصرٍ ولا نصير .

هذا الفتى الذى رأيناه يا أخى .. لا يناجى الله : بل : يناجى محبوبته .

قلبه لم يفِض بحب الله : إنما هام وجداً بها . وتحرّق شوقاً لها .

لم يمتلىء عقله بذكر الله : بل ذاب ولهاً لِلقْياها .. والتمتع برؤياها .

فجلس فى هذا الوادى يتنعم بنعم الله : يسطر ويكتب ويناجى مخلوقاً من عبيد الله .

وليس هذا الشاب فحسب : بل وغيره الكثير من الفتيان .. والفتيات .

جميعهم أحاطوا هذه الفتنة بالعناية والرعاية فترعرعت وأزهرت فى قلوبَهم وأينعت فى عقولهم

حتى ألِفها المسلمون ورسخت فى صدورهم وتربّواْ فيها وشبّوا وشابوا عليها .

لقد أغشتنا حتى عز نظيرنا فى الحديث عنها وقلّما يوجد مثيلنا فى رعايتها .

لقد تغلغلت وتربعت فى نفوسنا وأصبح التخلص منها بعيد المدرك متوعر المسلك .

ألا ترى أيها الرجل : هذا السبق والتسابق فيها بالأبحاث والمجلدات والمجلات والروايات .

ألا ترى : هذا الإبداع الذى أبدعوه بشأنِها فى كتبنا وكتب كتابنا وأدبائنا وشعرائنا .

ألا ترى : الغناء والتمثيل والسفاهةٍ والإنحطاط فى وسائل علمنا وتعليمنا المرئيةَ منها والمقروءة والمسموعة .

**********

الحب فى ذاته يا أخى : من الصفات الحميدة والصفات الجميلة والنبيلة .. ولكن :

إن أصدق الحب هو : حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. وأحسنه : حب الصحابة والتابعين

رضى الله عتهم أجمعين .. وأجمله : هو حب الوالدين والأقارب .. وأنقاه هو : حب الجهاد .

وأروع حب هو : حب التوبة .. وأعظمه هو : حب الفضيلة .. وأحقر حب هو : حب النفاق والمعصية

وأذم وأقبح حب هو : حب الدنيا وفتنتها .

يا أخى : إن غير المسلمين اتخذوا خِدن وأخدان فيما بين الرجال والنساء فانحرفت فطرتهم عن مجراها

والْتوت بِهم سبل النجاة .

فما سند المسلمين وقد هداهم الله إلى هداه ومنّ الله عليهم برضاه .. !!

ألم يعلموا أوامر الدين ونواهيه .. ألم يعوا ما فيه من أصول وأسس وأحكام ..

ألم يدركوا تعاليم الإسلام .. ألسنا بذلك نكون أظلم لديننا من غيرنا .. !!


**********

يا أخى : إن الزلات تجرى مع الأنفاس والنفس بالسوء أمارة تارة وتارة .

أنظر إلى قصة سيدنا يوسف عليه السلام وخذ منها العظة والعبرة :

امرأة عزيز مصر .. أحبت سيدنا يوسف عليه السلام

{ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً }

فتنة الحب .. فتنتها .. فماذا نجم عنها .. ؟

أوْدت بها إلى أن راودت نبى الله إلى الضلال والغواية .. أقدمت على الرزيلة ودفعت بها

إلى البعد عن الفضيلة .. أغلقت الأبواب وجذبته من ثوبه وحاولت إغراءه وإكراهه .. امتنعت

عن قول الحق واتباع الصدق .. كذِبت وادّعت زوراً وبُهتاناً أن سيدنا يوسف أراد بها سوءاً ..

أصدرت حكماً ظالماً وخياراً جائراً أدخلت به نبى الله السجن لبضع سنين .

ثم بماذا عزَت ما اقترفته .. لقد عزَت ما اقترفته من جُرمٍ إلى النفس الأمارة بالسوء فقالت :

[وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي إِن النفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِن رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }


أدركت إثمها وذنبها .. فآبت وتابت إلى الله .


**********

يا أخى : إن المتلصصين والمتربصين لهدم الدين قد وجدوا فى اختلاط الرجال بالنساء ضالّتهم

فبذلوا لها كل غالٍ وثمين وجندوا لها أفاقين ومنافقين يحققون لهم ولكل أعداء الدين ما أرادوه

ويبررون لنا ما أفسدوا به الدين وما به يفسدوه .

ألا ترى : أن غالب النساء قد مزقن من على وجوههن حجب الرشاد وابتذلن بإسدال شعورهن وتفنن

فى إبداء زينتهن وتبذلن فى ارتداء ملابسهن وتبرجن دون عفاف أو حياء وأظهرن مفاتهن

ومفاتن أجسادهن .. لقد صال وجال بِهن الشيطان .

يا أخى : إذا كانت الفتنة والإفتتان قد غلبت على الإنسان .. إلا أن ذو العقل الحكيم يدرك

أن هناك منهج مستقيم ودين قويم أمر به رب العالمين .. ويعلم أنه : وإن كان كل ما يؤول إلى

أصل الدين أولى بالوقاية وأحرى باعتناءِ إمام المسلمين .. إلا أن هناك حسابٌ أمام الله فى تربية

الآباء لأبنائهن والأوصياء للموصى عليهن . وفيما أنعم الله به علينا من العلم والتعليم .


************************************************** ******************************
*****

سعيد شويل

[مليحة العجمان]

جزاك الله خير

[ڠـٍڜـٍڨ پـٍڋۋۑۓ]

الله يــجــزاك خــيــر