هل ألعاب الفيديو العنيفة تجعل الأطفال أكثر عدوانية ؟

[عباس سبتي]

هل ألعاب الفيديو العنيفة تجعل الأطفال أكثر عدوانية ؟
Do violent video games really make children more aggressive?
بقلم / TIBI PUIU
19/8/2015
ترجمة وتعليق الباحث/ عباس سبتي
ديسمبر 2015
قبل أيام قليلة تمت مراجعة (300) دراسة بشأن ألعاب الفيديو العنيفة وسلوك الأطفال من قبل فريق العمل لوسائل الإعلام العنيفة (APA ) ، ويتلخص التقرير إلى أن ألعاب الفيديو العنيفة تمثل " عامل خطر" لتصاعد العدوان لدى الأطفال ، والدعوة إلى تصنيف ألعاب الفيديو العنيفة أنها عنيفة وتلائم أعمار اللاعبين ونموهم النفسي ، وفي نفس الوقت على الرغم من أن هناك علاقة بين الألعاب العنيفة والعدوان فقد اعترف الباحثون أن بعض الدراسات غير متناسقة وغير كافية لمعرفة ما إذا كانت الألعاب تؤدي إلى العنف الإجرامي أو الانحراف.
توضح دراسة وجود علاقة ثابتة بين ممارسة الألعاب العنيفة وزيادة سلوك العدوان وانخفاض سلوك التعاطف مع الناس ورفض العدوان لدى الأطفال بشكل واضح عليهم ، ويشير تقرير الدراسة إلى أن ليس هناك عامل خطر واحد فقط باستمرار يؤدي بالشخص أن يتصرف عدوانياً ، وإنما هناك تراكم عوامل خطر كثيرة يؤدي إلى العنف والعدوان ، فألعاب الفيديو العنيفة هي أحد هذه العوامل .
أطفال هذه الأيام :
تأسست فرقة جمعية علم النفس الأمريكية ( APA) في يناير 2013 بهدف مراجعة الأدبيات والدراسات من أجل إيجاد رابط وعلاقة أو عدم وجود بين ممارسة الألعاب الالكترونية العنيفة والسلوك المعادي لأفراد المجتمع وقد اتخذ هذا القرار في ديسمبر 2012 بعد إطلاق النار في مدرسة " Sandy Hook " بولاية " Connecticut " الذي أسفر عن قتل (20) تلميذاً و(6) العاملين بالمدرسة .
اسم القاتل " Adam Lanza, " الذي قضى معظم وقته في ممارسة الألعاب العنيفة وغير العنيفة لوحده في المنزل ، وبعض ألعابه المفضلة هي لعبة : Supermario Bros and Dance Dance Revolution التي رغيته وهو في حالة الهياج في قتل وشوه العشرات من الأطفال ، " اعتقد أن هناك سؤالاً حول ما إذا دفع وزج في سيارة والدته في البداية بدلاً من الحصول على السلاح الناري الذي رآه في الألعاب الالكترونية التي منحته شعورا زائفا على القتل " هذا ما ذكره السيناتور " Christopher Murphy " في يناير 2013 ، والذي ألقى اللوم على السلاح غير المراقب وعلى الألعاب الالكترونية العنيفة .
قال رئيس فرقة (APA ) " Dr Mark Appelbaum " : درس الباحثون أثر استخدام الألعاب العنيفة على الأطفال خلال العقدين الماضيين ولكن إلى الآن توجد دراسات قليلة التي تتناول الأثر السلبي لهذه الألعاب وهل تجعل الأطفال يرتكبون أعمال عنف وعدوان على غيرهم ؟ ومع ذلك فأن العلاقة بين هذه الألعاب وزيادة سلوك العدوان لدى اللاعب هي من أكثر الدراسات في هذا المجال ، ونحن نعلم أن هناك العديد من عوامل الخطر للسلوك العدواني ، وما يحتاجه الباحثون إلى القيام به الآن هو إجراء الدراسات التي تتناول الآثار السلبية لهذه الألعاب على الذين يمارسونها ، على سبيل المثال كيف تؤثر هذه الألعاب العنيفة على الإصابة بالاكتئاب أو الانحراف ؟
نموذج من العنف :
حوالي (300) دراسة قد أجريت ما بين عامي 2005و2013 ، بما في ذلك أربعة تحليلات تكميلية ووصفية ، مراجعة واستعراض الدراسات الأخرى التي تحاول التعرف على نموذج العنف ، تقرير ( APA ) هو عبارة عن تحليل موسع لاكتشاف نموذج عام للعنف خلال الدراسات ، وفي هذه الحالة يتم تعريف العدوان بصفة عامة هو الميل إلى إلحاق الأذى والضرر على الآخرين ، وبعض الأساليب التي استخدمت في هذه الدراسات التي جاء في التقرير الأسلوب التجريبي أو القصصي ، على سبيل المثال بعض استخدم الاستبانات التي تقيس الميول العدوانية بين المشاركين الذين مارسوا الألعاب العنيفة للتو مثل لعبة " Grand Theft Auto " ولعبة " Mortal Kombat " بعض الدراسات استخدمت الاختبارات التجريبية المختلفة مثل ملأ الفراغ :
(سيارة اصطدمت بسيارة " بوب" ، خرج " بوب" من سيارته ، و...........) واختبارات الضوضاء ( طلب من المشاركين الضغط على زر يصدر منه ضوضاء ضد شخص آخر في غرفة بعيدة ، وكلما استمر الضغط على الزر يعلو صوت الضوضاء ) واختبار الماء ( المشاركون يضعون أيديهم في مياه باردة تسبب لهم ألماً ، وتبقى الأيدي في الماء طالما بقي مشارك سابق جالساً ) أو اختبار صلصة حارة ( يطلب من مشارك رش صلصة حارة على طعام مشارك آخر لمعرفة كيف يكون مذاق الطعام ؟ )
قال Dr Appelbaum : " في حين أن هناك بعض الاختلاف بين الدراسات إلا أن هناك نمط عام وثابت قد برز منذ سنوات من خلال البحث ويوفر الثقة في النتائج العامة لدينا " ، " وكما هو الحال في مجالات العلوم ، فأن هذه الدراسة تقدم صورة أكثر تعقيداً من عادة تضمينها في التغطية الإخبارية وغيرها من المعلومات التي أعدت للجمهور العام " ، كما هو متوقع رفضت الجمعيات المؤيدة للألعاب نتائج الدراسات ومنهجيتها ، والخطأ الرئيس أن معظم الدراسات تستخدم نظرة التحليل التكميلي في الآثار قصيرة المدة لممارسة هذه الألعاب وليس المدة الطويلة وكما يقال أنها منافسة كما في الألعاب الرياضية في الظاهر وقد يؤدي إلى السلوك العدواني على المدى القصير بعد ممارسة هذه الألعاب .
في السابق ذكرت مجلة العلوم " ZME " أن الألعاب العنيفة قد تؤدي إلى الإحباط وليس إلى العنف ، ووجدت الدراسة إلى عدم اتقان اللعبة والمكث الطويل أمام الشاشة وتكرار اللعبة يؤدي إلى الإحباط والعنف بغض النظر إذا كانت اللعبة عنيفة أو لا .
قال المؤلف " Andrew Przybylski " الباحث في معهد الانترنت بجامعة " Oxford " : أي لاعب يخسر في اللعبة فأنه يلقي بجهاز " التحكم ، remote control " ويشعر بالإحباط والغضب والفشل ، وهذا الإحباط معروف بين اللاعبين بحالة " الإقلاع عن التدخين " .
أضاف " Richard Ryan " طبيب نفسي في جامعة " Rochester " أن النباهة الهادرة مع شعور الناس عدم السيطرة على نتيجة المباراة فان ذلك يؤدي إلى العدوان ، وقد رأينا في تجاربنا ، إذا ضغطت على أحد فانه يصبح أكثر عدوانية سواء أكانت اللعبة عنيفة أو لا .
" وجدنا أن ممارسة نوعين من الألعاب التنافسية لأكثر من ساعة في اليوم تؤدي إلى صفة العدوانية ، و قال الباحث في جامعة " Paul Adachi " : في حين ممارسة الألعاب غير العنيفة وغير التنافسية أو عدم الممارسة فأنها نفس النتيجة وقد لا يكون من العنف وإنما من التنافس في اللعبة المسئول عن وجود العلاقة بين الألعاب والعدوان ".
النقد الآخر هو أن العديد من الدراسات لتحليل الارتباط بين العنف واللعبة لا تعرض الأدلة لدعم هذا الارتباط ، على سبيل المثال مع تزايد مبيعات الألعاب تتزامن مع انخفاض نشاط العنف دلى الشباب ، وفقاً لنتائج الدراسات التي وردت في جريدة " The New York Times " ، لكن هذه الدراسات لا ترقى إلى المستوى المطلوب .
ورداً على التقرير عبر أكثر من (200) باحث نفسي عن مخاوفهم أحدهم وهو " Chris Ferguson " من جامعة " Stetson " كتب رسالة مفتوحة إلى " APA " ينتقد فريق العمل في هذه المنظمة بأنه منحاز .
" كباحث في هذا المجال ، أعتقد أنه من الغريب أن تعرف أن في الواقع توجد مشكلات عديدة في التقرير ، كيف تم تشكيل فرقة العمل وأساس استنتاجاتها للبحوث ، والواقع أن الأدلة التي تربط بين الألعاب العنيفة والعدوان أقل كثيراً ما في التقرير ، وتوجد دراسات عديدة تشير إلى عدم وجود صلة بين هذه الألعاب والعدوان ، وعلاوة على ذلك يبدو أن فرقة العمل تم اختيار أفرادها من ضمن الذين ينتقدون مشاهد العنف في وسائل الأعلام " .
يشير " Ferguson " أن سبعة من فرقة العمل تتراوح أعمارهم فوق سن (50) وهذا يحمل دلالة في هذا السياق ، " أنا أشير إلى وجود دليل قوي على أن العمر له علاقة بالاتجاهات بشأن ألعاب الفيديو وحتى بين الباحثين ، العمر والمواقف السلبية اتجاه الشباب ينبأ بالاتجاهات ضد هذه الألعاب ".
هذه ليست المرة الأولى التي تطلق " APA" النار ، في عام 2013 أطلقت مجموعة ( عددهم 228) من الأكاديميين والباحثين باستخدام عبارة " عملية علمية موضوعية " في إشارة إلى البيان السياسي الذي صدر عام 2005 بشأن وسائل الأعلام والعنف .
" نحن نعرب عن قلقنا بأن بيان " APA " عام 2005 رسم استنتاجات قوية على أساس أدلة غير متناسقة وضعيفة ، قدمت البحوث اللاحقة بعد عام 2005 دليلاً قوياً من أن بعض التأكيدات في البيان لا يمكن دعمها ، وكفرع علمي مهم الذي يساعد على تشكيل بيانات عامة على قضايا السلوك ، فأن هذه البيانات جامدة أو أيدلوجية تخدم في خنق الابتكار العلمي والنظريات الجديدة وقد تؤدي إلى زيادة التحيز من غير قصد ولا سيما في النظر بالمخاوف بشأن تجاهل النتائج وحرية الباحث في البحث " .
من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الدراسات التي استعرضتها " APA " وغيرها من الأمور تشير إلى أن ممارسة الألعاب ( العنيفة أو غير العنيفة ) تقدم مهارات معرفية مثل مهارة حل المشكلات ، إدارة الفريق والمهارات الاجتماعية ، وهذه بعض النتائج التي نشرت من مجلة " ZME " العلمية في عام 2013 :
- ممارسة ألعاب الفيديو تنمي التنسيق المكاني ، تقوية الذاكرة والتخطيط الاستراتيجي .
- اللاعب لديه ترابط أفضل في الدماغ ( المادة الرمادية ) كما أشارت الدراسات الجديدة .
ماذا يفعل الآباء إزاء هذه الفوضى والإرباك ؟ فكرة أن الأطفال أكثر تأثراً ويعملون ما يرونه مناسباً في ممارسة الألعاب الالكترونية العنيفة فأنها متأصلة في التفكير المنطقي ، ومع ذلك فأن نرى عبر دليل ذي مغزى أن العنف يأتي من خلال هذه الألعاب العنيفة ( كما ذكر سابقاً ، فأن أية لعبة فيديو ، رياضة أو فعل تحدي صعب ينمي الفكر العدواني المؤقت وربما هذا السلوك يؤدي إلى الإحباط وعدم اتقان العمل ) والعمل الإجرامي ، نعم صحيح أن مسئولية إطلاق النار في المدرسة من اللاعبين لألعاب الفيديو . مع ذلك فأن (90%) من الذكور و(40%) من الإناث يمارسون هذه الألعاب ، لا يمكن استبعاد مطلقي النار أنهم لم يمارسوا هذه الألعاب ، إلقاء اللوم على ألعاب الفيديو جهد ضائع ومجرد محاولة يائسة لإيجاد كبش الفداء عندما يحدث عمل إرهابي شنيع ، أنت لا تستطيع أن تلقي اللوم على ألعاب الفيديو وابنك قد ضرب ابنتك أثناء تناول الإفطار إذ تقع المسئولية عليك .
تعليق :
لقد انتقد الباحث النتائج التي توصل إليها الباحثون في منظمة " APA" ولو أنه لا يرفض أثر ممارسة الألعاب الالكترونية باستمرار على سلوك العنف والعدوان على الأطفال والمراهقين والشباب ، ونحن نذكر ذلك ليس أنا نرفض هذه النتائج طالما توصل إليها الباحثون .
أقول أيضا ليست هذه الألعاب العنيفة السبب الوحيد في زرع العنف والعدوانية لدى نفوس الأطفال والمراهقين وإنما هناك أسباب أخرى مكافأة الطفل على سلوكه العدواني في هذه الألعاب وما يرى ويسمع من نشرات الأخبار في التلفاز ، كذلك عدم توجيه الطفل من قبل والديه أثناء اللعب بهذه الألعاب إلى الفرق والتمييز بين عالم الخيال وعالم الواقع ، وتوجيهه إلى أنشطة أخرى تنمي تفكيره وتعاطفه مع الآخرين