عبدالله المخيال.. المخرج والمنتج الذي تجاهله العرب وأنصفه الغرب!!

[راشد العتل]

عبدالله المخيال.. المخرج والمنتج الذي تجاهله العرب وأنصفه الغرب!!



دبي - مكتب «الرياض»، علي القحيص:
ارتحل وسافر واغترب وخاطر بنفسه باحثا عن مكان ما.. أو مكتشفاً مخلوقا، حاملاً الماضي حقيبة سفر، ممتطياً كاميرته وهي تنبض بذاكرة الصحراء في عبق التاريخ، لم يكن المخرج والمنتج الفنان المبدع عبدالله المخيال معروفا في بداية مشواره الفني، بسبب خجله من الفشل، إلا أن ابداعه الفني بإنتاج الأفلام الوثائقية أنصفه وراح البعض يبحث عنه بدلا من أنه يبحث هو عن الشهرة، وقد أهلته هذه الأعمال ليكون ناجحا وبارعا بها، مستفيدا من التراكمات والارث البدوي الذي يتكئ عليه، وارتبط اسمه بالأفلام الوثائقية الخاصة بالبيئة الصحراوية وطبيعة البادية واتساع الصحراء ورياضة الصيد وهواياته.
وقد شكل التقارب البيئي بينه وبين هذه الأعمال تجانساً فنياً ابداعياً تميز وانفرد به، حيث بدأ يدخل عالم النجومية في هذا المجال من خلال عرض أعماله في قنوات فضائية عالمية، وأخذ ينتج أعمالا تلفزيونية عدة عن البيئة والصحراء والعادات والتقاليد، عاملاً بمبدأ أن اكثر ما يبهر في الأعمال الفنية هو مقدار النجاح في الاكتشافات الجديدة، وقد حقق إنتاج مجموعة من الأفلام الوثائقية، لمزيد من توضيح رؤيتة ومنهجه وأفكاره خاصة فيما يتعلق بالبيئة وثقافة الصحراء، التي جذبت العديد من الباحثين والمهتمين (بالأنثروبولوجيا) لندرة مثل هذه الأعمال في عالمنا العربي، وتميزه في كتابه النص وفن الإخراج، حيث عبر وجسّد ورصد بالصوت والصورة عادات وتقاليد بعض الشعوب، ووثّقها بشكل واع ومتقن وراصد من فنان متخصص من أبناء البادية نفسها، وقد أنتج عدة أفلام وحصل على مجموعة من الجوائز، واستطاع أن يقيم علاقة متوازنة بينه وبين الكاميرا والمشاهد العربي، وقدم لنا أعمالاً وثائقية واقعية فريدة المنال، بعيداً عن صخب المدينة وايقاعها السريع، وبحث ما وراء البحار وخلف الغابات وفوق الكثبان الرملية وداخل الكهوف، فقد عرف بتقنيته البارعة في مجال الإخراج، ليقدم أعمالا تتحدث عن التدبر والتفكير واثراء المشاهد بكل معطيات الثقافة والمعرفة والمعلومة في ذاكرة المشاهد.

وقد استطاع المخيال أن يجمع ما بين الهواية والاستفادة، فأعماله ليست للعروض السوقية المبتذلة ولكنها للثقافة الزمنية للبشرية، لما تحتويها من عناصر تشويق وتاريخ مكان، وهي أعمال دقيقة مهمة يدرك مشاهدها بأن هناك وجود حياة وهناك عالم آخر.

وعبدالله المخيال بارع ذكي ويمتلك روحاً أسيرة لذلك المكان، و لابد عليه أن يفلت من القيود الجغرافية، والنمط التقليدي الضيق وبيئته الخليجية ليطلق جناحيه ويرصد بعين ثاقبة وعقل منير ليكتشف ويصور ويسجل في اقصى المعمورة وليأتي بنا بأفق أوسع ورؤية أشمل وفضاء أكبر.

وقد خاض معارك عديدة من التعب والإرهاق والمخاطر ومشقة الطرق الوعرة.

وقد استفاد المخيال من هوايته الشخصية في الصيد والفروسية ليحوّلها إلى مستوى عقلي وسلوكي كالنزعة أو الهواية والعودة الى أنماط السلوك الطفولي وبطريقة تثير المشاهد والمتلقي وتستفزه أحيانا لتفاقمها وربطها بالتراث والطبيعة، وقد استخدم الفنان الصدفة للرصد والمفاجأة كمادة للتوثيق.

والفنان المخرج وكاتب السيناريو عبدالله المخيال لا يستسلم لليأس لأنه فنان لا يستطيع أن يقيد نفسه في إطار تقليدي ضيق، منذ نشر أول فيلم وثائقي أصبح هناك طوفان الترحيب لهذه الأعمال، وقدم لنا (المخيال) خيالا خصباً ومعرفة تامة عن ذاكرة الصحراء الموغلة بالتراث والأصالة والفلكلور، انه بحق مبدع من طراز خاص، وفنان بدوي فريد، فهو مخلص لعمله وأمته وتاريخه، من خلال متابعته وإنجازاته لأعماله الرائعة، وقد أدرك حسن اختيار هذه الأعمال التوثيقية التي انفرد بها وما أحوجنا إليها.

وقد عرف عن براعة عبدالله المخيال في إنجاز أعماله التلفزيونية التوثيقية واستطاع أن يجوب الصحراء ويطوي الفيافي ويعبر البحار ليقدم لنا اضافات حقيقية وإجابات فعالة في مجالات الرصد والتوثيق بالصوت والصورة.

وقد اختار هذا النهج لتحقيقها ليست لنفسه بل ليثري بها ثقافتنا البدوية التي قد نسيناها أو تناسيناها، وقد نال المخيال أعجاب ورضا الأجانب قبل العرب من خلال ما أنتجه من أعمال تنير العقل وتشبع العين وتغذي الروح من أعمال مهمة متخصصة.

وقد استطاع أن يرصد ويصور ويوثق ويسجل من خلال تفرده بأسلوبه النصي والتقني والحسي من خلال تفوقة في أسلوبه على المخيلة الشعبية.

واختزل لنا كماً هائلاً من المشهد الوثائقي المحلي والعربي والعالمي بمجالات التعرف على ثقافة الآخرين، ونحن بدورنا نقدر الجهد الكبير الذي سوف يبقى من المقتنيات الهامة والخاصة في المكاتب والجامعات والمتاحف ومراكز البحوث والمنازل الأرشيفية، وهي أعمال تستحق الاقتناء وليس المشاهدة فقط.