الفلسفة التحليلية أضيف في
مقدمة :
الفلسفة حقل للبحث والتفكير تسعى إلى فهم غوامض الوجود والواقع، كما تحاول أن تكتشف ماهية الحقيقة والمعرفة، وأن تدرك ماله قيمة أساسية وأهمية عُُظمى في الحياة. كذلك تنظر الفلسفة في العلاقات القائمة بين الإنسان والطبيعة، وبين الفرد والمجتمع. والفلسفة نابعة من التعجّب وحب الاستطلاع والرغبة في المعرفة والفهم. بل هي عملية تشمل التحليل والنقد والتفسير والتأمل. كلمة فلسفة لا يمـكـن تحديـد معـناهـا بدقـة لأن موضوعها مُعقد جدًا ومثير للجدال. فقد تختلف آراء الفلاسفة حول طبيعتها ومناهجها ومجالها. أما كلمة فلسفة في حد ذاتها فأصلها من الكلمة اليونانية الحكمة أو المعرفة وطلب الحقيقة ,التي تعني حب الحكمة. ( جعنيني,2004).
للفلسفة أيضا تاريخ طويل في بعض الثقافات غير الغربية، خصوصا في الصين والهند. ويرجع عدم التبادل بين الشرق والغرب إلى صعوبات السفر والاتصال بالدرجة الأولى، مما جعل الفلسفة الغربية تتطور على العموم بصورة مستقلة عن الفلسفة الشرقية.
شهد العالم في القرن العشرين تقدماً علمياً كبيراً، والذي كان له التأثير العميق في التيارات الفلسفية المعاصرة، ومن ابرز سمات هذا القرن تظافر التقدم الذي أحرزته العلوم الرياضية والعامة مع هذا التقدم العلمي، فقدمتا للإنسانية أفاقا واسعة من المعرفة والكشوف التي لم تكن تخطر على قلب بشر، وليس أدل على ذلك من تفتيت الذرة، ورد الماديات الموجودة في العالم إلى جزئيات صغيرة، ومن ثم تحطيم هذه التجزيئات الذرية وكشف جوهرها والاستفادة منها. كل هذا أحرزه العلم بمنهجه التجريبي في ارتباطه في الرياضة ومنهجها التحليلي. لذا فقد أصبحت السمة المميزة للقرن العشرين هي أنه عصر التحليل مما حدا بالمفكرين المعاصرين إلى التحول إلى الاتجاه الواقعي غافلين الاتجاه المثالي، إذ ان الأرضية التحليلية لهذا القرن تدعو إلى ان تكون الثمار الفكرية واقعية، سواء أكانت الواقعية مادية أو تحليلية، طبيعية أو إنسانية، على أن هذا لم يمنع من وجود بعض من الاتجاهات المثالية المعاصرة، إلا أنها نادرة . من هنا كان الطابع العام للفلسفة المعاصرة هو الطابع التحليلي الواقعي المتناسق مع روح العصر الرياضية، مسايراً لأحدث الاكتشافات وآخر التطورات الرياضية، ذلك أن الفلسفة تعبير عن العصر الذي تنشأ فيه، كما أنها تعميق نظري للأحداث الخاصة به. من اجل هذا ثار غالبية الفلاسفة المعاصرين على المطلق والمثالي وغيرها من المذاهب المشابهة التي سادت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وذلك لعدم مسايرتها روح القرن الحديث، رغم أن كثيرا من الفلاسفة الواقعيين والتحليليين المعاصرين بدأوا أولاً في مذاهبهم الفلسفية كتلاميذ (لكانط) و (هيجل) لكنهم سرعات ما تحولوا عن مثاليتهما واطلاقيتهما إلى اتجاهات أخرى واقعية ومادية وتحليلية تتفق مع ظروف القرن العشرين. وتعد الفلسفة التحليلية أبرز اتجاه فلسفي معاصر عبر عن الروح العلمية الرياضية، والذي يضم عدداً من المذاهب المتجانسة مثل الواقعية الجديدة، ومؤسسها الفيلسوف الإنجليزي جوج مور والذي سار في طريقها بعد ذلك برتر اند راسل وكذلك الوضعية المنطقية التي ظهرت أولا على يد موريس شليك وحمل لواءها بعد ذلك اير و كارناب , إلا أن أشهر من عبر عن الاتجاه العام للفلسفة التحليلية المعاصرة هو برتر اند راسل إذ انه جمع في فلسفته أحدث التطورات الرياضية وآخر الكشوف العلمية الذرية، مما حدا بالمؤرخين أن يطلقوا على فلسفته اسم "الفلسفة التحليلية أو الرياضية" وكذلك اسم "الواقعية الذرية. (ناصر, 2004) .
ومن خلال الدراسات السابقة التي تناولت تلك الفلسفة , سوف أتناول في هذا البحث : أهمية الفلسفة, ماهية الفلسفة التحليلية , وسماتها , ونظرتها وتطبيقاتها للعملية التربوية, ونسلط الضوء على أهم أعلامها ؟
والله الموفق لكل خير...
أ - فيصل الهاجري
أولا : أهمية الفلسفة :
الفكر الفلسفي جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان , فما من أحد من غير المؤمنين تقريبًا إلا وقد وجد نفسه بين الحين والآخر مُحتارًا أمام أسئلة يغلب عليها الطابع الفلسفي من نوع: ما معنى الحياة؟ هل كان لي وجود قبل ميلادي؟ هل من حياة بعد الموت؟ أما المؤمنون فقد تعرض لهم هذه الأسئلة ذاتها، ولكنهم سرعان ما يجدون الإجابة عنها بما أوتوا من العلم مما أنزله الله في كتبه الناطقة بالحق المنزلة بالصدق وما صح عن الأنبياء صلوات الله عليهم. ولمعظم الناس نوع من الفلسفة من حيث نظرتهم الشخصية إلى الحياة، وحتى الإنسان الذي يعتقد أن الخوض في المسائل الفلسفية مضيعة للوقت، تجده مع ذلك يولي اهتمامه لكل ما هو عظيم وذو شأن وقيمة.
أن توضيح جوانب الغموض في مُعتقداته، فيدفعه ذلك إلى التفكير في المسائل الأساسية، ويصبح قادرا على دراسة آراء الفلاسفة القدامى، لكي يفهم لماذا فكروا على النحو الذي فكروا فيه، وأي أثر يمكن لأفكارهم أن تحدثه في حياته.كما أن العديد من الناس يجدون متعة في قراءة آثار كبار الفلاسفة خصوصًا كبار الكتاب منهم.
للفلسفة تأثير كبير في حياتنا اليومية، وحتى في اللغة التي نتحدث بها نصنف الأمور تصنيفا مستمدًا من الفلسفة، فعلى سبيل المثال فإن تصنيف الكلمة إلى اسم وفعل وحرف، يتضمن فكرة فلسفية مفادها أنه يوجد اختلاف بين الكلمات وما يحدث لها. وعندما نتساءل: ما الفرق بين ذا وذاك؟ فإننا بهذا السؤال نشرع في إجراء تحقيق فلسفي. ما من مؤسسة اجتماعية إلا وهي مرتكزة على أفكار فلسفية، سواء في مجال التشريع أو نظام الحكم أو الدين أو الأسرة أو الزواج أو الصناعة أو المهنة أو التربية. وإن الخلافات الفلسفية قد أدت إلى الإطاحة بالحكومات وإحداث تغييرات جذرية في القوانين وتحويل الأنظمة الاقتصادية بالكامل. إن تلك التغييرات ما كانت لتقع إلا لأن الناس المعنيين بالأمر كانت لهم آراء يؤمنون بها حول ما يعتبرون أنه الأهم والأقرب إلى الحقيقة والواقع والأكثر فائدة، وحول الكيفية التي يجب أن تنظم بها الحياة.( جعنيني,2004).
تسير الأنظمة التربوية بمقتضى الأفكار الفلسفية التي يؤمن بها المجتمع حول ما يجب أن يتعلمه الأطفال، ولأي غرض يتعلمون. وتؤكد الأنظمة الديمقراطية على ضرورة تعليم الإنسان كيف يفكر، وكيف يختار بنفسه ما ينفعه. أما المجتمعات التي تفتقد الشورى والحوار فإنها تثبط أمثال هذه المبادرات، وتريد من المواطنين أن يتنازلوا عن مصالحهم لفائدة الدولة. وهكذا فالقيم والمهارات التي يعلمها النظام التربوي إنما تعبر عن الأفكار الفلسفية التي يؤمن بها المجتمع حول ما يعتبره هو الأهم والأصلح. (أبو ريان,2001).
ثانيا : ما هية الفلسفة التحليلية :
تعني كلمة تحليل: في اللغة الفك والفتح , فيقال "حل –حلل" العقدة, أي فتحها (فانحلت) وذلك بمعنى فك كل ما هو مركب إلى أجزائه. وفي الفلسفة تعني كلمة التحليل فك أو رد الموضوع الذي تتناوله بالبحث إلى مصادره أو عناصره الأولية سواء أكان ذلك الموضوع فكرة أو قضية أو عبارة عن عبارات اللغة. والواقع إن معنى التحليل في الفلسفة المعاصرة أصبح أكثر واشد ارتباطا بالتوضيح فهو يبرز ويوضح ما نعرفه بشكل غامض، فالتوضيح يأتي عن طريق إبراز عناصر الموضوع الذي نحلله، بحيث يصبح إمكانية تحقيق العبارة اللغوية مرتبطاً بمطابقتها لما جاءت ترسمه أو تصوره من وقائع العالم الخارجي. (علي,2001).
وهكذا يمكن تعريف الفلسفة التحليلية بأنها : " عملية يراد بها اكتشاف عناصر موضوع معين , من اجل غرض خاص , وهذا يعني أن الغرض من التحليل هو تقليل درجة الغموض في المركبات بتوجيه الانتباه إلى الأجزاء المتعددة التي تتركب منها ". ( ناصر: 287,2004) .
وفلاسفة التحليل يعتبرون تحليل اللغة هو العمل الأساسي للفلسفة , وتركز الفلسفة التحليلية على الألفاظ والمعاني، فالفيلسوف التحليلي يفحص المعاني مثل (العقل)، و(الحرية الأكاديمية) حتى يقدر المعاني المختلفة التي توصلها هذه الألفاظ في مختلف السياقات، ويبين كيف تنشأ صنوف التضارب أو التناقض الداخلي عندما تستخدم المعاني المتوافقة مع سياقات معينة في سياقات أخرى. ومع بداية السبعينات من القرن العشرين , اتجهت أنظار فلاسفة التحليل إلى التربية , ووجهوا نشاطهم ليبحثوا موضوعاتها ومشكلاتها بمنهجهم التحليلي , ومن هنا يكون من المهام الأساسية للتحليل أن يفك التشابك القائم بين السياقات المختلفة التي تناقش التربية فيها ويتجادل حولها , ودراسة الأفكار الأساسية والمعايير الموضوعية المناسبة لكل منها . ومن اجل هذا ركز الفلاسفة التحليليون نشاطهم على تحليل المقولات التربوية ومفاهيم التربية ومصطلحاتها ,مثل إشباع الحاجات , الاهتمامات , الضبط , النظام , العقاب , القيم , المعرفة , ومفهوم التربية والكثير من المصطلحات . ( ناصر , 2004).
ثالثا : ظهور النزعة التحليلية
لقد نشأت النزعة التحليلية كرد فعل ضد النزعات المثالية بصفة عامة وضد الاتجاه الهيجلي بصفة خاصة.
فهذا الاتجاه (التحليلي) المعاصر عبر عن الروح العلمية الرياضية , ويضم عددا من المذاهب الفلسفية المتجانسة مثل الواقعية الجديدة والوضعية المنطقية , واشهرمن عبر عن الفلسفة التحليلية ( بترا ند راسل ) . فهذا الاتجاه المعاصر رفض الميتافيزيقا قائم على التحليل المنطقي للعبارة واللغة بصورة عامة مع تحليل طبيعة القضايا في العلوم الرياضية، فالاتجاه التحليلي يضع الميتافيزيقا تحت معاول التحليل مبيناً ان قضاياها فارغة لا معنى لها، وانصبت محاولات فلاسفة التحليل على إيجاد مناهج علمية في الفلسفة واتخذوا من طريقة التحليل المنطقي للغة أساسا لهذا الغرض. فهذه الطريقة هي المنهج العلمي الجديد في الفلسفة حيث أثبتت جدارتها في القدرة على التمييز بين مفاهيم وقضايا الميتافيزيقا من جهة وفي إيجاد قواعد علمية تشمل الاستقراء والاستدلال من جهة أخرى.
والمدارس التحليلية هي كل الفلسفات الراهنة التي تؤكد على ان وظيفة الفلسفة تتمثل أساسا في التحليل المنطقي واللغوي، وهي تقوم الى حد كبير على تطبيق طرق التحليل المنطقي للغة والتحليل اللغوي الأكثر دقة وتطوراً على المشكلات الفلسفية التقليدية، وتتضمن المدارس التحليلية:-
أ) التجريبية المنطقية: التي وضع أسسها (شليك) وزملائه، وعرفت فيما بعد باسم الوضعية المنطقية التي يرتبط اسمها بأوجست كونت، وفي القرن العشرين أصبحت الوضعية المنطقية تعرف باسم الفلسفة التحليلية التي تعنى بدقة اللغة وتنظيم الرموز المستخدمة.
ب) التجريبية العلمية: التي يتزعمها (كهلر وليفين). (ناصر,2004).
وكذلك تظم الفلسفة عددا من المذاهب :
الواقعية الجدلية : أسسها ( جورج مور ) (1873-1957) في انجلترا , حيث أول من فتح طريق التحليل المعاصر في الفلسفة .
1- الوضعية المنطقية :أسسها ( موريس شليك فيفا ) (1959) .( ناصر,2004).
رابعا : أهم سمات الفلسفة التحليلية.
2- تعد بمثابة الثورة في تاريخ الفكر الفلسفي، حيث انتقلت الفلسفة على أيدي التحليلين من البحث في مجال الموضوعات والأشياء إلى مجال يبحث في الألفاظ والعبارات، ولذا فقد تطورت الدراسة الخاصة بمنطقة الرياضيات والدراسات المتعلقة بفكرة المعنى.
3- عدم وجود مبحث معين محدد ومشترك بين فلاسفة التحليل بل كان كل ما يجمعهم في إطار واحد مشترك هو استخدام التحليل منهجاً في الفلسفة.
فلاسفة التحليل كانوا من دعاة الدقة والوضوح . اهتموا باللغة وعبروا إن اغلب مشكلات الفلسفة نابعة من عدم فهم منطق اللغة .( ناصر,2004).
خامسا : التربية التحليلية
تنظر الفلسفة التحليلية إلى العملية التربوية كما يلي:-
تنظر إلى التلاميذ بأنهم غايات وليس وسائل , بحيث تكون تربية الأفراد هي الغاية العليا , كما يعتبر فراسل الفرد جوهرا في ذاته وليس غرضا للمجتمع , وكذلك فأن التربية لها هدف مزدوج حيث يتضمن التدريس وتنمية الخلق الحسن .وناد راسل بالديمقراطية وإعطاء الفرص التربوية لجميع الأطفال دون النظر إلى المكانة الاجتماعية للطفل , وكذلك مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال. وطالب أن تكون هناك أهداف عامة وأهداف خاصة. كما يجب العمل على تنمية مخيلة الطفل وتكوين عادة التأمل لديه. يجب خلق قوى ذاتية لدى الشخص (التلميذ) حتى يستطيع أن يصدر بها حكماً مستقلاً. يجب التمييز بين التشبث بالثقافة التقليدية الجامدة مثل اللغات القديمة والثقافة التي تكون الشخصية . الاهتمام باللعب في حياة الأطفال وان الطفل بحاجة إلى اللعب مع الكبار قدر حاجته إلى اللعب مع الرفاق. يجب ربط المعرفة بالحياة مثلاً لماذا يتم تعلم الرياضيات، الهندسة ...الخ . ( ناصر , 2004).
سادسا : التطبيقات التربوية للفلسفة التحليلية
النظرية التربوية , حيث يبدأ فيلسوف التربية أولا بتوضيح المفاهيم والمصطلحات المستخدمة فيها وتحديد معانيها أي تحديدا دقيقا ومعروفا , ثم بعد ذلك ينتقل إلى النظرية نفسها فيستخرج ويبرر افتراضاتها المختلفة والأدلة التي تستند إليها ومدى صدقها واتفاقها مع ما ثبت من حقائق في العلوم المختلفة, بحيث يختبر أهدافها ومدى مقبوليتها وتوافقها مع أهداف المجتمع وقيمة , أو مدى قابليتها . للتحقيق. وكذلك يفحص توصياتها ومدى اتفاقها مع المعتقدات الأخلاقية المتفق عليها , والدينية إن وجدت , ومدى كفايتها لتحقيق ما يتوقع منها , وبعد ذلك ينتقل إلى فحص تساوقها المنطقي وتماسكها الداخلي ومدى تناقض مقوماتها أو تنافر فروضها أو بعضها . وأخيرا , يختبر فيلسوف التربية التبريرات التي تستند إليها النظرية في توجهاتها وإرشاداتها فيما يتعلق بما ينبغي أن يفعل .(علي, 2001).
ونظراً لأن التربية تركز على نقل المعرفة فإن بعض الفلاسفة التحليليين ينظرون إلى فلسفة التربية كفرع ثانوي لنظرية المعرفة. وهدف التربية في نظر الفلسفة التحليلية: هو النمو العقلي والاجتماعي للفرد، وينادي راسل بان يكون التعليم، شركة بين المعلم والتلميذ.
المعلم :
ينبغي على المعلم أن يشجع التلميذ وان ينمي لديه الاتجاه العلمي والانفتاح العقلي والموضوعية وان يعوده على عدم إصدار الأحكام أو اتخاذ قرارات قبل جمع المعلومات الضرورية اللازمة عن الموضوع. ويجب أن تبنى العملية التربوية بصفة عامة على خبرات المتعلم. ويجب على المعلم تشجيع الطفل على التفكير المتحرر والتعبير عن آرائه، كما ان مهمة المعلم يجب أن تكون منصبة على تدريس التفكير. ويجب على المعلم احترام شخصية التلميذ. (ناصر,2004).
المتعلم / التلميذ
التلميذ يجب ان يكون مكتشافا ، وعلى المتعلمين ان يفكروا بوضوح وان يتجنبوا الغموض، وعليهم ان يتأكدوا من أن المعرفة التي يتوصلون إليها موضوعية ومجردة عن التحيز الشخصي والثقافي وقابلة للاختبار من جانب الآخرين. كما ويجب عليهم تطبيق مبادئ الاحتمالية الاستقرائية في اثبات الفروض والتعميمات والنظريات. (ناصر,2004).
المنهاج :
أما بالنسبة لمنهج التحليل , فهو من أنسب المناهج الملائمة لفلسفة التربية , كما إن دور التحليل دورا علاجيا أساسيا , حيث يوضح وينير العقل بالكشف عن مصادر الارتباك أو البلبلة في المفهومات فالتحليل لا يحل المشكلات , بل يزيلها ! .(علي ,2000).
ومن هنا , يجب أن يكون المنهاج ملامساً لاهتمامات الطفل وميوله , وكذلك التعليم يجب أن يهدف إلى استثارة أنواع مفيدة من الاستطلاع والاستعانة بالأنشطة اللاصفية واللامنهجية (مكتبة، بيئة، ..). يجب تدريس الرياضيات والعلوم بمعناها الأكاديمي البحت لا يمكن أن يبدأ قبل سن الثانية عشرة. التخصص في المعرفة يكون بعد الخامسة عشرة، أما قبل هذه السن فتكون المعرفة عامة ويجب على الجميع معرفتها. يجب على المدرسة أن تكتشف الاستعدادات الخاصة لدى الطلاب قبل أن يبلغوا سن الرابعة عشرة حتى يتم اختيارهم للتخصص المناسب لهم. كما أكد على أن المنهج لا يقوم بمضمونه وحده وإنما بالمضمون والطريقة. وكذلك التنافس في التحصيل لأجل الامتحانات يؤدي إلى انحطاط الخيال والذكاء.(ناصر,2004).
الثواب والعقاب.
- ترفض الفلسفة التحليلية استخدام العقوبة الصارمة، وإنما استبدالها بعقوبات خفيفة وأنه يجب استبدال الثواب والعقاب بعمليتي الثناء واللوم.
- العقوبات البد نية غير مجدية وضارة وتؤدي الى القسوة والوحشية.(ناص ,2004).
سابعا : من أعلام الفلسفة التحليلية :
من أعلام الفلسفة التحليلية.
" سوف نبين للقارئ والباحث بعضا من أعلام الفلسفة التحليلية , لتكتمل لدية الصورة , وذلك بالتعرف على تاريخهم الفكري وتناولهم الفلسفة التحليلية , ومؤلفاتهم وأرائهم في الفلسفة التحليلية , مما يزل الغموض لديهم ويدفعهم إلى حب البحث والإطلاع على ما تتناوله تلك الفلسفة .
1- جورج إدوارد مور (1873 – 1958)
فيلسوف إنجليزي، درس بجامعة كامبردج عام 1892، عمل محاضراً في الاخلاف في كامبردج لمدة (28) عاما، ارتحل الى الولايات المتحدة الأمريكية محاضراً فيجامعاتها لمدة عامين، وبعدها استقر في بريطانيا حتى توفي، وقد ألف في الفلسفة عدة مؤلفات أهمها:-
- مبادئ الأخلاق عام( 1903)، علم الأخلاق عام (1921)، دراسات فلسفية عام (1922)، بحوث فلسفية عام (1959).
يعد مور رائد الفلسفة التحليلية وذلك بعد ظهور مقالة المعروف رفض المثالية "Refutation Of Idealism" فهو أول من فتح طريق التحليل المعاصر في الفلسفة. ويعد مور هو أول من خط طريق الفلسفة التحليلية عندما ظهر مقالة "رفض المثالية"، حيث: نقد هذه الفلسفة فكان هذا النقد بشكله وموضوعة بمثابة منهج جديد في تناول مشكلات الفلسفة. كما انحصر الجانب الأكبر من نشاطه الفلسفي في الكشف عن المغالطات والأخطاء وشتى ضروب الخلط التي طالما حفلت بها مذاهب الفلسفة. وكانت المسائل الهامة في فلسفته على نوعين:
1- العمل على بلوغ درجة حقيقية من الوضوح بخصوص ما قاله فيلسوف معين أو ما كان يعنيه حقاً بما قال.
2- الكشف عن الأسباب الحقيقية الكفيلة بإقناعنا بان ما قاله صحيح أو على العكس باطل.
و كذلك عمل (مور) على تحليل وتفحص أداء غيره من الفلاسفة لكي يرى ما قد تعنيه تلك الآراء، فمثلاً: كتب عام (1900) مقالاً عن الأشياء الضرورية أو التحقق مما اذا كانت القضايا التي تحكم فيها بأنها ضرورية صادقة أو كاذبة، بل ان كل ما يعنيه هو – تحديد معنى الضرورة – فالمشكلة لديه ماذا نعني بهذا الذي نقول أننا نعرفه.
والتحليل عند (مور) بمثابة منهج فلسفي أصيل يرمي الى إدراك عناصر (المعاني) التي تنطوي عليها في العادة قضايا الذوق الفطري أو الحس المشترك.
و (مور) في منتهجة التحليل يقر بضرورة معالجة المشكلات الفلسفية من زاوية (اللغة) التي تصاغ فيها تلك المشكلات، فهو أراد دعوة الفلاسفة إلى تجديد ألفاظهم وتحليل عباراتهم من اجل الوصول الى المزيد من الوضوح حول الكثير من قضايا الفكر، و (مور) هو (فيلسوف الفلاسفة) هكذا اعتبره الكثيرون، لأنه لم يوجه كل اهتمامه نحو وقائع العالم، بل قد وجهه نحو أقوال الفلاسفة الآخرين وعباراتهم.
2- برتراند راسل (1872 – 1970)
فيلسوف إنجليزي يعتبر امام التحليل المنطقي، وداعية الفلسفة العلمية ولد من عائلة عريقة النسب، والده مفكر حر، وجده جون رسل "سياسيا ليبرالياً"، رأس الوزارة البريطانية مرتين. توفيت أمه بعد ولادته بعامين ووالده بعد أربع سنوات من ولادته، لم يتلق التعليم في المدارس، وإنما تلقاه في البيت وحصل عام 1890ن على منحة لدراسة الرياضيات بجامعة كامبرج، وكان قارئا نهماً، قرأ كتاب (اقليدس) عن الهندسة وأعجب به، وقرأ كتب جون ستيورت مل واقتنع بمنهجة التجريبي، كما تأثر بالفلسفة الهيجيلية، ثم تحول إعجابه من الفلسفة الهيجيلية إلى الفلسفة التحليلية. وكان (راسل) كثير الأسفار والترحال فزار العديد من البلدان الأوروبية، والتقي بأقطاب الفكر الفلسفي والرياضي. وفي عام 1938 ذهب للولايات المتحدة وعمل أستاذاً بجامعة شيكاغون وفي عام 1939 عمل في جامعة كاليفورنيا. وكان من دعاة السلام والحرية، وبسبها دخل السجن لمدة ستة اشهر، وانشأ عام (1963) مؤسسة السلام العالمي، وهاجم أمريكا في حربها مع الفيتنام كما هاجم إسرائيل في حربها ضد العرب، وهاجم كذلك العدوان الثلاث على مصر، وكان محباً للسلام يدعوى إليه ويبذل المال في سبيل البحث العلمي لإقرار السلام، لقد عاصر الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكان من آخر أعماله رسالة أرسلها إلى المؤتمر البريطاني المنعقد في القاهرة في أول شهر حزيران عام 1970 العام الذي توفي فيه والتي نند فيها بإسرائيل وطلب انسحابها من الأراضي العربية، كما عارض معاملة إسرائيل غير الديمقراطية للعرب.
وقد ألف راسل (71) كتابا منها (9) كتب في الرياضيات والمنطق و (7) كتب في العلوم والفن، (9) كتب في الفلسفة العامة و (10) كتب في السياسة والاجتماع، والباقي في موضوعات أخرى مختلفة مثل الأخلاق، والديمقراطية، والسعادة، وتحليل العقل، والمعرفة،...الخ.
يرى راسل ان الفلسفة تشبه العلم من حيث أنها تحاول حل المشكلات التي تلتقي بها عن طريق المناهج العقلية الصرفة، فالفلسفة العلمية هي جهد عقلي متواضع يرفض كل محاولة لبناء أي نسق فلسفي موحد, فنحن بإزاء فلسفة تحليلية تأبى التورط في إقامة أي مذهب ميتافيزيقي على طريقة الفلاسفة العقلانيين الكلاسيكيين، لأنها تؤمن بضرورة معالجة المشكلات الفلسفية واحدة بعد الأخرى عن طريق اصطناع مناهج التحليل المنطقي.
ويؤكد راسل على أهمية التحليل وانه استمرار لعملية (البحث العلمي) فليس ما يبرر فصل المهمة التحليلية القائمة على توضيح الأفكار عن المهمة التركيبية القائمة على اكتشاف الوقائع وشرحها؛ لأن التحليل معزولاً عن البحث الواقعي عملية قاصرة جوفاء، في حين ان البحث العلمي الذي لا يقوم على فهم حقيقي لمعانية وعملياته لا يزيد عن كونه عملية مختلطة عمياء. فمذهب راسل التحليلي الذي يطرحه لمعالجة المشكلات الفلسفية يرتبط بعقليته الرياضية القائمة على تحليل المشكلة وبيان السبب المباشر في تعقيدها. وكان الهدف الأساسي عند راسل من منهجه التحليلي هو الرجوع إلى العناصر الأولية البسيطة والوحدات الجزئية الأساسية التي يقوم عليها الفكر والوجود والتي يبدأ منها العلم والمعرفة لان هذا التحليل يوضح حقيقة تلك العناصر والجزئيات، كما العلاقات التي تربطها ببعضها البعض. كما يرى راسل انه ليس أجدر بالفيلسوف من المفردات اللغوية, حيث إن الألفاظ المستخدمة عادة في اللغات الطبيعية غامضة وملتبسة ومن هنا فإن على الباحث الفلسفي أن يحدد معانيه، وان يحرص باستمرار على فهم المعاني الدقيقة التي تستخدم فيها الألفاظ حيث ترد على قلم هذا الفيلسوف أو ذاك، ولذا فقد ظل راسل يفرق بين مظهرين مختلفين للغة: مجموع مفرداتها من جهة وتركيبها أو بنائها من جهة أخرى. الجمل والقضايا هي العبارات البسيطة التي لايمكن تجزئتها إلى قضايا أو جمل اصغر منها، أما الذرات في مستوى الكلمات فهي الوحدات البسيطة التي لا يمكن تجزئتها إلى كلمات اصغر منها، فهو يبحث عن الذرات أو الأوليات التي تتألف منها المعرفة ثم يحاول بناء اللغة والمعرفة ". ( ناصر,2004).
رأي الباحث:
إن محور البحث للفلسفة التحليلية هو اللغة دلالة وتركيبها، حيث نجد إن أولى المهام التي تصدت لها هذه الفلسفة التحليلية تتمثل في توضيح الدلالة اللغوية ,وذلك بتجلية جانبها , وإن ما لا يرد إلى الخبرة الحسية يكون بغير معنى، بينما يتوقف المعنى على كل خبرة تمدنا بها الحواس, وتكون متصلة بالواقع الخارجي على نحو محسوس, كما تناولت العملية التربوية , ونجد هذا واضحا من خلال التالي :
1- راعت الفروق الفردية عند الأطفال .
2- ركزت الفلسفة التحليلية على الأطفال .
3- لم تعطي الامتحانات والاختبارات أهمية في منهجها .
4- عدم وجود مبحث معين محدد ومشترك بين فلاسفة التحليل.
5- اهتمت بالمتعلم ووفرت له البيئة المناسبة للتعليم .
6- دعت المعلم إلى احترام المتعلم , وتنمية الاتجاه العلمي والانفتاح العقلي لدية .
7- استخدمت منهج التحليل في إزالة الغموض عن بعض المفاهيم والمصطلحات التربوية .
8- نادت بأن يكون المنهاج ملامسا لاهتمامات الطفل وميوله .
9- اهتمامها بالأنشطة اللاصفية واللامنهجية .
10-قسمت المراحل العمرية لدراسة بعض العلوم .
11-طالبت المدرسة على اكتشاف الاستعدادات الخاصة لدى الطالب ومعرفة ميولهم قبل سن البلوغ .
12-لم تؤمن الفلسفة التحليلية بالعقوبات البد نية , واستبدلتها بالثواب واللوم.
المراجع :
1- أبو ربان، محمد على 0(2001)0الفلسفة ومباحثها،ط4،دار المعرفة الاجتماعية،الاسكندرية0
2- جعنينى، نعيم محمود0(2004)0الفلسفة وتطبيقاتها التربوية،ط1،دار وائل للنشر والتوزيع،عمان0
3-على،سعيد إسماعيل0(2000)0الأصول الفلسفية للتربية،ط1،دار الفكر العربي، القاهرة0
4-على،سعيد إسماعيل0(2001)0فقه التربية مدخل إلى العلوم التربوية ،ط1،دار الفكر العربي،القاهرة0
5-ناصر،ابراهيم0(2004)0فلسفات التربية ،ط2، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان 0
6-ناصر،ابراهيم0(2004)0أصول التربية الوعي الإنساني ، ط1،مكتبة الرائد العلمية،عمان0