مجالس العجمان الرسمي


مجلس الدراسات والبحوث العلمية يعنى بالدراسات والبحوث العلمية وفي جميع التخصصات النظرية والتطبيقية.

 
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 02-04-2005, 03:02 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road
نمو الشخصيه


Personality Development

نمو الشخصية
تمهيد
تقدم الاتجاه النمائي لنظرية الشخصية منظورا زمنيا ، طالما أنه يهتم بمراحل نمو الشخصية منذ لحظة الميلاد وحتى الوفاة . ويشير مفهوم الارتقاء أو النمو في نظرية الشخصية إلى المتغيرات البنائية التى تطرأ على الشخصية منذ المهد إلى الرشد وبالطبع تؤثر عملية الارتقاء بالعوامل الوراثية والاجتماعية والفيزيولوجية والبيئية التى تحدد مظاهر ومطالب النمو لكل مرحلة نمائية . ونتيجة التعدد النظرى في دراسة الشخصية ، إن يدرك المنظرون مراحل نمو الشخصية بصور مختلفة . وعلى ذلك ، ترجع بعض الاختلافات بين نظريات النمو إلى الظواهر النمائية المختلفة وإلى غير ذلك من الظروف التى تتصل بفترات الحياة التى تهتم بدراستها ولذلك ، فإن المعالجة المختصرة التى نقدمها هنا لا يمكن أن تعطي كل الخلافات النظرية العامة . وسوف نبدأ بعرض طبيعة النمو وتعريفه ثم مراحل نمو الشخصية وطرق البحث في نمو الشخصية ثم نعرض نماذج مختصره للنظريات الأكثر ذيوعاً في تفسير مراحل نمو الشخصية ، وأخيرا نخصص بقية العرض لموضوع ثبات الشخصية .
مفهوم النمو
إن اصطلاح "النمو" يشير إلى كافة التغييرات والتطورات التى تعترى الفرد خلال مراحل نموه المختلفة ، فالنمو يتعلق بالتغيير في الحجم والتعقد والتناسب وسائر التغيرات الكيفية التى تطرأ على العضلات والعظام ولون الشعر ولون البشرة وما إليها .
وإن النمو يتضمن كافة التغييرات العضوية والوظيفية التى تسير بالكائن البشرى إلى الارتقاء حتى ينضج .
ويشير "جيزيل "Gesell " عام 1958إلى أن "النمو يعني سلسلة متصلة من التغييرات ذات نمط منتظم ومترابط ".
ومما هو جدير بالذكر أن كلمة "النمو" في معناها الخاص والضيق تتضمن كافة التغييرات الجسمية والفسيولوجية كالطول والوزن والحجم ، نتيجة التفاعلات البيوكيميائية التى تحدث في الجسم (كتأثير الغدد الصماء) .
ولكن معناها العام تشمل بالإضافة إلى ما سبق كافة التغييرات في السلوك والمهارات والنواحي العقلية والانفعالية والاجتماعية (السلوك الوظيفي ) . ومما هو جدير بالذكر أن النضج Maturation والتعلم Learning من العوامل المؤثرة في شكل النمو ومحتواه ، فالنضج يمكن اعتباره الأساس المكون الداخلي لمصطلح "النمو" الأكثر شمولاً واتساعاً .
أما التعلم فإنه يتضمن حدوث التغير في السلوك نتيجة للممارسة أو التدريب أو الخبرة .
والنمو بمعناه النفسي يتضمن كافة التغيرات العضوية والفسيولوجية (التغييرات التكوينية ) والتغيرات الانفعالية والعقلية والاجتماعية (التغيرات السلوكية ) التى تحدث للفرد ويمر بها خلال دورة حياته .
يعتبر علم نفس النمو Developmental Psychology فرعاً من فروع علم النفس يهتم بدراسة كافة التغييرات السلوكية النمائية التى تطرأ على الفرد خلال مراحل نموه المختلفة ابتداء من لحظة الأخصاب حتى الممات ، ويهدف هذا العلم إلى اكتشاف المبادئ التى تفسر جوانب السلوك خلال مراحل العمر المختلفة (طلعت عبد الرحيم ، 1983: 14) .
وعلم نفس النمو هو الدراسة العلمية لنمو سلوك الفرد وتطوره ونضجه خلال دورة الحياة life cycle أى من لحظة الاخصاب مرحلة ما قبل الميلاد حتى الوفاة ، بهدف كشف القوانين والمبادئ التى تفسر جوانب السلوك في مراحل العمر المختلفة .

مراحل نمو الشخصية
إذا استعرضنا التراث السيكولوجي في علم نفس النمو ، نجد هناك اتجاهات متعددة نحو تقسيم مراحل نمو الشخصية على أسس مختلفة بعضها يرتكز على الأسس التربوية (التعليمية) والآخر يرتكز على الأسس العضوية.
وفي السطور التالية سوف نستعرض أهم الأسس في تقسيم مراحل النمو (نقلا عن المرجع نفسه ).
1- المراحل الأساسية العامة للنمو الإنساني :
إن الكائن البشرى يمر خلال مراحل نموه المختلفة ابتداء من لحظة الاخصاب حتى مماته بمراحل أساسية عامة هى :
1- مرحلة ما قبل الميلاد (الجنينية).
2- مرحلة الطفولة .
3- مرحلة المراهقة .
4- مرحلة الرشد والنضج .
5- مرحلة وسط العمر .
6- مرحلة الشيخوخة .
فالانسان كوحدة بشرية ينتقل من مرحلة إلى أخرى ومن طور إلى آخر خلال مراحله النمائية المختلفة ، ومما هو جدير بالذكر أن طول مدى الحياة life span المتوقع للفرد يتأثر بعوامل عديدة منها : الحالة الصحية العامة للفرد ، النظام الغذائي الذى يتبعه الفرد في حياته ، المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد ، الظروف الثقافية والحضارية المحيطة بالفرد، الرعاية الصحية والاجتماعية للفرد .




جدول (6) : مراحل النمو على الأساس العضوى
اسم المرحلة السن بالتقريب (العمر الزمنى)
ما قبل الميلاد (الجنينية) من لحظة الاخصاب -الميلاد(280يوماً).
المهد الميلاد - أسبوعين.
الرضاعة أسبوعين - عامين .
الطفولة المبكرة 2-5 سنوات .
الطفولة الوسطى 6-8 سنوات .
الطفولة المتأخرة 9-12سنة .
المراهقة المبكرة 13-15 سنة .
المراهقة الوسطى 16-18 سنة .
المراهقة المتأخرة 19-21 سنة .
الرشد والنضج 22-40 سنة .
وسط العمر 41-60 .
الشيخوخة 60 حتى الممات .
ومما هو جدير بالذكر أن التصنيف السابق يرتكز على الأساس العضوى والخصائص الجسمية للفرد خلال مراحل نموه المختلفة .
جدول (7) : مراحل النمو على الأساس التربوى
اسم المرحلة السن بالتقريب(العمر الزمنى)
مرحلة ما قبل الميلاد مدة الحمل .
الوليد الميلاد - أسبوعين .
الرضيع أسبوعين - عامين .
مرحلة ما قبل المدرسة(الحضانة) 2-5 سنوات .
مرحلة المدرسة الابتدائية 6-12 سنة .
مرحلة المدرسة الاعدادية 12-15 سنة .
مرحلة المدرسة الثانوية 15-18 سنة .
مرحلة التعليم الجامعي 18-22 سنة .
مرحلة العمل 22-60سنة .
مرحلة المعاش 60 حتى الوفاة .



إن التصنيف السابق يستند استناداً كبيراً على الأساس التعليمي فهو مرتبط بالسلم التعليمى (الابتدائي- الاعدادي الثانوى- التعليم الجامعي "العالي") وهو تصنيف يهتم به المشتغلون بالنظام التعليمى أو التربوى بمعناه الواسع .
طرق البحث في نمو الشخصية
يستخدم علماء النفس المهتمين بدراسة نموالشخصية مجموعة من المناهج وطرق البحث (نقلا عن طلعت عبد الرحيم ، 1983: 71-88) من أهمها ما يلى :
1- المنهج التاريخي : Historical Method
يعتمد هذا المنهج على البعد التاريخي في دراسة بعض مظاهر النمو في الماضي ، ويمد هذا المنهج "الدراسات النمائية المقارنة" بالعديد من المعلومات عن حقائق النمو في الماضي .
وعلى سبيل المثال يمكن أن يقارن الباحث المهتم في نمو الشخصية بين أطوال وأوزان بعض الأجيال السابقة وذلك للتحقق من صدق الفرض القائل بأن الأجسام الانسانية لديها استعداد فطرى ووراثي للزيادة في الطول والوزن جيلاً بعد جيل ، وخاصة أن هذا الفرض مازال يثير جدلاً بين علماء التاريخ .
2- المنهج الوصفى : Descriptive Method
يركز هذا الأسلوب على وصف السلوك خلال مراحل النمو المختلفة للشخصية ، وفي مرحلة من مراحل نمو الشخصية ، وفي مرحلة عمرية محددة من مراحل نمو الفرد ، وفي ظروف ثقافية واجتماعية وحضارية مختلفة .
والطريقة الوصفية لا تهتم فقط بوصف خصائص النمو المختلفة للفرد (الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والحسية والحركية ... الخ) عند كل سن ، ولكنها تهتم أيضاً بكيفية تغير هذه الخصائص مع مرور الزمن.
فالباحث في النمو العقلي للطفل مثلاً لا يهتم فقط بوصف نوع العملية وخصائصها عند كل سن معينة ، بل يتعدى ذلك إلى محاولة التعرف على الطريقة التي يتم بها تتابع هذا النمو العقلي في مراحله المختلفة .
وعلى هذا فالطريقة الوصفية في دراسة نمو الشخصية لا تتناول الوضع القائم لأى مظهر من مظاهر النمو والعلاقات المتبادلة بين هذه المظاهر فحسب ، بل يتناول أيضاً التغييرات التى تحدث لهذه المظاهر النمائية نتيجة لمرور الزمن فهى تصف هذه المظاهر في مجرى تطورها عبر فترة تمتد شهوراً أو سنوات عديدة .
ومن أهم طرق المنهج الوصفى المستخدمة في دراسة نمو الشخصية ما يلى :
(1) الملاحظة العلمية المنظمة Systematic observation
تعتبر الملاحظة العلمية المنظمة وسيلة هامة من وسائل جمع المعلومات ، وقد استخدمت في الماضى كما تستخدم في الحاضر لما لها من أهمية في الدراسة والبحث .
وتعتبر الملاحظة مورداً خصباً للحصول على المعلومات الحقيقية عن وقائع السلوك ، فهي تعتمد على المعاينة المباشرة لأشكال السلوك الذى ندرسه ، فإذا أردنا أن ندرس سلوك عينة من الأطفال أثناء اللعب في جماعات ، فما على الباحث إلا أن يقصد احدى دور الحضانة أو المدارس الابتدائية لجمع الملاحظات العلمية عن طريق معاينتهم أثناء اللعب معاً .
ومما يزيد من أهمية الملاحظة أن الباحث يستطيع أن يستخدمها في الدراسات الاستطلاعية والوصفية والتجريبية .
وهذا ما استخدمه عالم النفس الشهير "أرنولد جيزيل" Gesell ومعاونوه ، وقد استخدم "جان بياجيه "- عالم النفس السويسرى الشهير - وسائل عديدة لتسجيل وقائع السلوك الملاحظ ولرصد حركات الأطفال ومظاهر سلوكهم في مواقف مختلفة .
وقد استعمل "فريمان" Freeman هذه الطريقة في دراساته عن القوائم، حيث كان يدرس مدى تأثير كل من البيئة والوراثة في نمو وارتقاء السلوك البشرى .
(ب) الطريقة المستعرضة Cross- Sectional Method:
وفي هذه الطريقة يركز الباحث على دراسة مجموعة من الأفراد في مرحلة عمرية معينة حتى يحيط مرة واحدة بمظاهر النمو (الجسمية ، الفيزيولوجية ، الاجتماعية ، الانفعالية ، العقلية ، الحسية الحركية) وخصائصه في هذه المرحلة العمرية . أو دراسة مجموعة من الأفراد في مستويات عمرية مختلفة لدراسة خصائصهم النمائية ، وعادة ما تصف الدراسات المستعرضة عوامل النمو ومظاهره في صورة أقل كفاءة من الدراسات الطولية ، ولكنها تتضمن مفحوصين أكثر من الدراسات الطولية .
ومما هو جدير بالذكر أن هذه الطريقة تستخدم وسائل القياس النفسيى المقننة كالاستخبارات ومقاييس الشخصية والاختبارات وغيرها من وسائل القياس السيكولوجي .
(ج) الطريقة الطولية Longitudinal Method :
وفي هذه الطريقة يركز الباحث على فرد أو مجموعة من الأفراد فيدرس ويتتبع ويلاحظ ويصف نموهم من شهر إلى آخر ومن سنة إلى سنة أو من مرحلة نمائية إلى أخرى وهكذا .
ويطلق بعض علماء نفس النمو على هذه الطريقة مفهوم الوصف المستمر أو طويل المدى حيث يتناول هذا المنهج الدراسة التتبعية التى تتناول مراحل النمو وخاصة عند الأطفال وذلك باختيار مجموعة من الأطفال والقيام بملاحظتهم وتتبعهم شهراً بعد شهر وعاماً بعد الآخر ويطلق على هذه الطريقة أحياناً الدراسة التتبعية .
3- المنهج التجريبي : Experimental Method
يعتبر المنهج التجريبى من الأساليب الهامة في مناهج البحث في علم النفس بوجه عام وعلم نفس النمو بوجه خاص ، ذلك أن الباحث الذى يستخدم المنهج التجريبي في بحثه لا يقتصر على مجرد وصف الظواهر التى يتناولها بالدراسة ، كما يحدث عادة في البحوث الوصفية بل يسعى إلى ضبط وتغيير متعمد للشروط المحددة لظاهرة ما وملاحظة التغييرات الناتجة في الظاهرة ذاتها وتفسيرها .
خطوات المنهج التجريبي :
(أ ) الملاحظة المنظمة والعلمية لأفعال تجرى تحت ظروف محددة ومضبوطة ضبطاً تجريبياً .
(ب) يتم وضع فرض أو فروض (الفرض هو حكم أولى بوجود علاقة بين ظاهرتين أو محاولة مبدئية لتفسير ظاهرة من الظواهر أو رأي يضعه الباحث على سبيل التخمين ) وتكون هذه الفروض في صياغتها قابلة للاختبار والقياس .
(جـ) يغير عادة العامل المسبب لوقوع الظاهرة لمعرفة تأثيره على الفعل أو السلوك المراد دراسته أو قياسه ، مع ثبات المتغيرات الأخرى التى قد تكون ذات تأثير في النتيجة .
(د) تسجيل كافة التغييرات التى تحدث .
هذا ويتميز المنهج التجريبي بخصائص أساسية أهمها :
1- يستطيع الباحث أن يحدد الوقت الذى تحدث فيه الظاهرة فيستعد له ويرسم خطة لملاحظته الدقيقة .
2- حصر الظروف وتحديد العوامل التى يكون لها أثر في حدوث الظاهرة النفسية .
3- من الممكن للباحث أن يغير التجربة ليرى الآثار المترتبة على الظروف المتغيرة .
4- التحكم في كل المتغيرات الدخيلة في الظاهرة المراد دراستها .
5- إمكانية إعادة التجربة تحت نفس الشروط والظروف .
4- المنهج المعملى : Laboratorial research
يعتبر البحث المعملى من أهم الأساليب العلمية التى استخدمت بنجاح في مجال علم نفس النمو ، وقد تم عن طريق المعمل (LAB.) دراسة العديد من أنماط السلوك .
ويعتبر البحث المعملي هو الوجه المخالف أو العكسي للبحث المبداني أو الحقلي (Field research ) ، ذلك أن الدراسة الحقلية أو الميدانية تتعامل مع الأفراد الحقيقيين (موضع البحث) تعاملا حقيقياً وتحت ظروف طبيعية حقيقية وليست مصطنعة ، أما الأسلوب المعملى فيسعى إلى دراسة السلوك تحت ظروف مصطنعة داخل المعمل ومحاولة ضبط المواقف (Situations) التى تعرض على المفحوصين داخل المعمل .
5- المنهج الانثروبولوجى : Anthropological Approach
يعتبر الأسلوب الأنثروبولوجى من الأساليب الهامة لدراسة السلوك الإنساني في ثقافات مختلفة ، ويهتم هذا الأسلوب بالدراسات عبر الثقافية ويقوم المنهج الانثروبولوجى على الملاحظة الميدانية التى يقوم بها الباحث شخصياً أو الاعتماد على "إخباري" أو أكثر في تزويده بالمعلومات التى تلزمه ، ويقوم في نفس الوقت بإجراء ملاحظات مباشرة لعادات الأفراد وتقاليدهم وسلوكهم الاجتماعي والثقافي والتربوي وكافة أوجه نشاطهم ويدون هذه الملاحظات دون تحيز .
وحيث أن الانثروبولوجيا " Anthropology " هى علم دراسة الانسان، فهي تهتم بدراسة حضارة الانسان وثقافته عبر ثقافات مختلفة وترتبط "الانثروبولوجيا الثقافية " " Culture Anthropology" بدراسة ثقافة الانسان وحضارته وأساليب تطبيعه الاجتماعي في ثقافات متباينة .

6- الطريقة عبر الثقافية : Cross- Cultural Method
يهتم أسلوب الدراسات عبر الثقافية بمقارنة أساليب "التربية الأسرية" وأساليب "التنشئة الاجتماعية" في ثقافات مختلفة ، ويستخدم علماء نفس النمو هذه الحقائق والمعلومات التى تفيدهم في دراساتهم وابحاثهم عن حقائق النمو الانساني والتى تزودهم بها علماء الأنثروبولوجيا الحضارية .
7- طريقة القياس النفسي والتربوى :
Psychological & Educational Testing Method
تعتبر الطريقة القياسية من الأساليب الهامة في مجال التشخيص الاكلينيكي والتربوى في الدراسات النمائية. وتستخدم هذه الطريقة كافة أدوات القياس السيكولوجي في دراسة المتغيرات السلوكية مثل الذكاء والميول والاستعدادات والدافعية والاتجاهات الشخصية . وقد استخدمت هذه الطريقة بنجاح فى دراسات نمو الطفل والمراهقة والمسنين .
ويفيد هذا المنهج في " الدراسات المقارنة " لنمو قدرات الأطفال أو سمات شخصياتهم في المراحل المختلفة للنمو ، وفي بيئات ثقافية مختلفة ، وفي تتبع قدرات معينة خلال مراحل النمو المختلفة .
8- الطريقة الاكلينيكية (العيادية) : Clinical Approach
يستخدم الأسلوب الاكلينيكي أو العيادى في دراسة وتشخيص السلوك الفردي للأطفال والمراهقين وخاصة عندما ينحرف النمو عن معاييره الطبيعية كما حددها علماء النمو النفسي .
ويستخدم الأسلوب الاكلينيكي (العيادى) مع الحالات المرضية (الباثولوجية ) التى تعانى من سوء التوافق ، والاضطرابات الانفعالية والنفسية والاجتماعية في الطفولة والمراهقة والشيخوخة .
وكذلك تهتم الطريقة الاكلينيكية بحالات التوافق المدرسي ومشكلات التعلم والتوافق المهني في مرحلة المراهقة وعلاجها .
ويستخدم الأسلوب الاكلينيكي في عيادات توجيه الأطفال والعيادات النفسية والتربوية ، وعيادات الارشاد النفسي ، والعيادات النفسية .
هذا وقد استخدمت هذه الطريقة بنجاح في مجال دراسات الأطفال والمراهقين وفي علاج كثير من الاضطرابات السلوكية في هذه المراحل النمائية وعلاجها .
نظريات نمو الشخصية
سوف نعرض نماذج فكرية مختلفة تعتبر الأكثر ذيوعاً وقبولاً في التراث النفسي وهى ( نظرية فرويد - ونظرية أريكسون - ونظرية بياجيه- ونظرية كولبرج - والنظرية التكاملية ) مع نظره نقدية لكل نموذج منها . وفيما يلى عرض لهذه النماذج .
أولا : النظرية الفرويدية (نظرية التحليل النفسي )
ترتبط النظرية الفرويدية بمؤسسها العالم النمساوى الشهير "سيجموند فرويد " ( 1856- 1939) ، وتكتسب مدرسة التحليل النفسي اتجاها خاصا في مجال سيكولوجية النمو ذلك أنه في الحقيقة تجمع بين نظرية في الشخصية ونظرية في النمو ، ذلك أن الشخصية في نموها تمر عبر سلسلة من المراحل ( من الطفولة إلى النضج) ويختلف الأفراد في درجة نجاحهم وتوافقهم في اجتياز هذه المراحل المختلفة .
ربما كان فرويد أول صاحب نظرية سيكولوجية يؤكد الجوانب التطورية في الشخصية ويؤكد - بخاصة - الدور الحاسم لسنوات الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة ، في إرساء الخصائص الأساسية لبناء الشخصية والحقيقة أن فرويد يرى أن الشخصية يكتمل القدر الأكبر منها عند نهاية السنة الخامسة من العمر ، وأن ما يلى ذلك من نمو يقوم في معظمه على صياغة البناء الأساسي .
إن الشخصية تتطور استجابة لأربعة مصادر رئيسية للتوتر :
1- عمليات النمو الفسيولوجي .
2- الاحباطات .
3- الصراعات .
4- التهديدات .
وكنتيجة مباشرة لتزايد التوتر الناتج من هذه المصادر يجد الشخص نفسه ملزما بتعلم أساليب جديدة لخفض التوتر . وهذا التعدد هو المقصود بتطور الشخصية .
إن التعيين والازاحة طريقتان رئيسيتان يتعلم الشخص عن طريقها حل احباطاته وصراعاته وما يعانيه من ضروب الحصر .
التعيين :
فيمكننا تعريف التعيين بوصفه الطريقة التى يتمثل بوساطتها الشخص سمات شخص آخر ويجعلها جزءا مكونا لشخصيته ذاتها ، فهو يتعلم خفض التوتر بصياغة سلوكه على غرار سلوك شخص آخر .
وليس من الضرورى أن يتعين شخص بشخص آخر من جميع الجوانب . بل انه عادة ما يختار ويستدمج ، فحسب تلك السمات التى يعتقد أنها ستساعده في بلوغ الهدف الذى يرغب فيه وثمة قدر كبير من المحاولة والخطأ في عملية التعيين لأن المرء لا يكون عادة على ثقة كبيرة بذلك الذى يتسم به الآخر بحيث يتحقق له النجاح . ان الاختبار النهائي هو : هل التعيين يساعد على خفض التوتر ؟ فإذا فعل ذلك استدمجت الصفة ، وإذا لم يفعل نبذت الصفة ( هول ، لندرى ، 1971: 69) .
ويمثل البناء النهائي للشخصية تراكم العديد من التعيينات وهو تراكم يحدث في فترات متباينة من حياة الشخص ، وإن كان الاحتمال أن الأب والأم هما أهم الشخصيات التى يتعين بهما الطفل في حياته .
الأزاحة :
عندما يصبح اختيار موضوع أصلى للغريزة غير ممكن بفعل عوائق خارجية أو داخلية ( الشحنات - المضادة) فأن شحنة جديدة تتكون ما لم يحدث كبت قوى . فإذا ما أعيقت هذه الشحنة الجديدة كذلك ، حدثت ازاحة أخرى ، وهكذا ، حتى يتم العثور على موضوع يحقق قدرا من التخفف للتوتر المحتبس . وعندئذ يشحن هذا الموضوع حتى يفقد قدرته على خفض التوتر ، وإذ ذاك يبدأ بحث آخر عن موضوع هدف مناسب . وخلال هذه السلسلة من الازاحات التى تشكل بدرجة كبيرة تطور الشخصية يظل مصدر الغريزة وهدفها ثابتين على حين يتغير الموضوع فقط (المرجع نفسه: 71) .
ويرى " فرويد " أن تطور الشخصية - كما يبدو في الطاقة النفسية (اللبيدو) - يمر بثلاث مراحل نفسية جنسية Psychoua أساسية هى : قبل التناسلية أو الجنسية الطفلية ( وتضم ثلاث مراحل فرعية) مرحلة الكمون ، المرحلة التناسلية (انظر الجدول8 ) :
جدول (8) : مراحل النمو النفسي الجنسي تبعا لمفاهيم "فرويد"
المرحلة العمرية المرحلة النفسية الجنسية
الشهور الستة الأولى الفمية - الاتكالية
من الستة شهور حتى نهاية السنة الثانية الشرجية - السادية
من 3-6 سنوات القضيبية : عقدة أوديب وعقدة اليكترا
من 6-12 سنة الكمون
المراهقة والرشد التناسلية
وتتحدد كل مرحلة من النمو خلال السنوات الخمس الأولى من حيث أساليب الاستجابة من جانب منطقة محددة من الجسم . ففي خلال المرحلة الأولى التى تستمر قرابة العام يكون الفم هو المنطقة الرئيسية للنشاط الدينامي . ويلى المرحلة الفمية نمو الشحنات والشحنات المضادة حول وظائف الاخراج ويطلق على ذلك اصطلاح المرحلة الشرجية . ويستمر ذلك خلال العام الثاني ثم يتبعه المرحلة القضيبية حيث تصبح الأعضاء الجنسية المناطق الشهوية الأساسية . ويطلق على هذه المراحل الثلاث الفمية ، والشرجية ، والقضيبية المراحل قبل التناسلية . ثم يمر الطفل بعد ذلك بفترة الكمون التى تطول ، وهى المسماة بسنوات الهدوء من الناحية الدينامية . وتميل الدفعات في هذه الفترة إلى البقاء في حالة كبت . وتؤدي عودة النشاط الدينامي في المراهقة إلى تنشيط الدفعات قبل التناسلية فإذا أتم الأنا بنجاح ازاحة هذه الدفعات والتسامى بها فأن الشخص ينتقل إلى مرحلة النضج الأخيرة ، المرحلة التناسلية .
أولا : مراحل النمو النفسي الجنسي في الطفولة :
كل مرحلة من المراحل الطفيلية الثلاث (قبل التناسلية ) خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل تتركز في منطقة محددة من الجسم ينتج عنها أكبر استثارة ، وتعد أعظم مصدر لللذة خلال هذه المرحلة . ونعرض لهذه المراحل بشيء من التفصيل ، وهى المراحل الفمية والشرجية والقضيبية .
أ - المرحلة الفمية Oral Stage
لا أحد ينكر أهمية الفم بالنسبة للوليد في عامه الأول ، فهو مصدر الطعام والحب ، إذ يتضمن تناول الطعام تنبيها لمسيا حسيا للشفتين وللتجويف الفمي ، ومن ثم يعد الفم مصدر أشباع ولذة . وبعد ظهور الأسنان يستخدم الفم في العض والمضغ . وتجد لذة عن طريق التنبيه اللمسي للفم والشفتين واللسان بوساطة المص والبلع على حين يحدث العض لذة فمية عدوانية .
ولاشك أن فهم الوليد وسيلة الاتصال المهمة بالعالم وهو يستخدمه بهدفين : سحب الطعام ليخفف من توتر أحشائه ، والاستمتاع بحنان أمه وهى تقدمه له ، ويصبح للشخص الذى يقدم للطفل الطعام (الأم غالبا) ويحتضنه أهمية الطعام ذاته .
ويؤدى اعتماد الطفل التام على أمه فى المرحلة الفمية إلى تكوين مشاعر الاعتماد لديه في هذه الفترة ، وهى مشاعر تميل إلى الاستمرار والبقاء طوال الحياة . ويعتقد "فرويد" أن أكثر أعراض الأعتماد تطرفا هى الرغبة في العودة إلى الرحم .
وللفم عدة وظائف هي : البلع ، الامساك ، الاصرار ـ العض ، اللفظ ، الاطباق . ويمثل كل من هذه الوظائف نموذجا لسمات في الشخصية، ويميل الطفل إلى اتباع الأسلوب ذاته عندما يواجه بعض المواقف المشابهة فيما يأتي من أيام حياته . فإذا كان البلع مؤديا إلى الشعور باللذة ، فإن الفرد ينغمس في أنشطة مثل الأكل والشرب والتدخين والادمان ، والتهام المعرفة والحب والقوة عندما يحس الفرد بالخواء .
ب - المرحلة الشرجية Anal Stage
عندما تضغط مخلفات عمليات الهضم على العضلات العاصرة للشرج ، يحدث لدى طفل فعل منعكس يطرد هذه الفضلات التى تسبب الضيق له ، فيحدث شعور بالراحة بعد طردها والتخلص منها .
وتقوم الأم عادة في السنة الثانية تقريبا من عمر الطفل بتدريبه على النظافة ، وعلى أن يقضى حاجته في مكان خاص . ولعل هذه أول خبرة يمر بها الطفل ، وتكون متصلة بالتنظيم الخارجي لدفعة غريزية إذ يتعين عليه أن يرجئ أفراغ أمعائه تبعا لما تعلمه أياه أمه ، على الرغم من أن التخلص من هذه النفايات يسبب للطفل التخلص من الضيق وانهاء التوتر إذ يزيل مصدرهما ، ومن ثم تتحقق الراحة له .
ويترتب على الأسلوب الذى تتبعه الأم في تدريب طفلها على ضبط أمعائه وقضاء حاجته في المكان المحدد نتائج غاية في الأهمية بالنسبة لشخصية الطفل ، فإذا تميزت طريقة الأم بالصرامة والشدة فقد يقبض الطفل على فضلاته ويصاب الأمساك ، وقد يلتمس مخرجا لغضبه باخراج فضلاته في أوقات غير مناسبة . ويقوم الطفل بتعميم هذه الاستجابة فيما سيأتي من أيام إلى مجالات أخرى للسلوك ، فينمو لديه شخصية تتسم بالبخل والشح والعناد والقسوة والانغماس في الشهوات والميل إلى التدمير ونوبات الغضب والفوضى وعدم النظام (أحمد عبد الخالق ، 1993 -ج : 258) .
ومن ناحية أخرى فإذا كانت الأم تتودد إلى الطفل ليخرج فضلاته وتسرف في مديحه عند استجابته لذلك ، فأن الطفل تتكون لديه فكرة مؤداها أن عملية الاخراج ذات أهمية بالغة ، وقد تكون هذه الفكرة أساس الانتاج والابتكار والابداع . أن الطفل عندما يتعلم أن يطيع رغبة أمه بخصوص عملية الاخراج ، فإنه سيحصل على الحب وسيحظى بالاطراء والثناء .
جـ - المرحلة القضيبية Phallic
بعبور الطفل المرحلتين : الفمية والشرجية - أن قدر له أن يعبرهما - فإنه يصل إلى المرحلة القضيبية . وتجدر ملاحظة أن ما يقوم بدور مهم في هذه المرحلة ليس هو الأعضاء التناسلية لدى الجنسين ، بل هو العضو التناسلى الذكر فحسب ، ومن هنا أتى اسم هذه المرحلة . وتبلغ الجنسية الطفلية الأولي - خلال المرحلة القضيبية - ذروتها حيث يستمد الطفل اللذة من العبث بالأعضاء التناسلية ، ثم تقترب هذه المرحلة أيضا من أضمحلالها.
وتبدأ هذه المرحلة حوالي الثالثة من العمر ، حيث تتفجر لدى الطفل رغبة في استطلاع أمور الجنس ، مع قدر من الاستثارة الجنسية ، تصاحبها أخيلة متصلة بالنشاط الجنسي ، تصل إلى حد النشاط الشهوى الذاتي أو الاستثارة اليدوية والاستمناء واللعب الجنسي كالاستعراض أو لعبة "الدكتور". ومن هنا يمكن القول بأن المشاعر الجنسية والعدوانية المرتبطة بوظائف أعضاء التناسل تحتل مركز الاهتمام في هذه المرحلة من نمو الشخصية . فمشاعر اللذة المرتبطة بالاستمناء وبحياة التخييل لدى الطفل والتى تصاحب نشاطه الشهوى الذاتي تهيئ السبيل لظهور عقدة أوديب . وقد أعتبر فرويد كشف عقدة أوديب واحد من أكبر اكتشافاته .
وتستمد عقدة أوديب اسمها من ملك طيبة الذى قتل أباه وتزوج بأمه.
وعقدة أوديب في إيجاز هى شحنة جنسية تستهدف الوالد من الجنس المقابل وشحنة عدوانية تستهدف الوالد من نفس الجنس .‎ فالصبى يرغب في امتلاك أمه واستبعاد أبيه على حين ترغب الفتاة في امتلاك أبيها وأبعاد أمها . وتعرب هذه المشاعر عن نفسها في تخيلات الطفل أثناء الاستمناء وفي التذبذب بين الأفعال الدالة على الحب والأفعال المعربة عن التمرد والثورة ازاء والديه .
ويحدث عكس ذلك لدى الطفلة ، حيث تدعى في هذه الحالة " عقدة الكترا " Electra : ابنة " أجاممنون" في الأسطورة التى كتبها " سوفوكليس" ، حيث تدفع "الكترا " أخاها ليقتل أمها جزاء قتلها لأبيها ، وتظل الكترا مخلصة وفية لأبيها بعد موته ، بالرغم من أن أمها جعلت منها رقيقة جارية.
ولكن هذا التعلق بالوالد من الجنس الآخر يتناوله الكبت بسبب الصراع الذى ينشأ من اصطدام هذا التعلق بمشاعر الحب والكره والخوف التى يشعر بها الطفل تجاه الوالد من الجنس نفسه ، ويتوقع أن يوقع به الأذى والعقاب ، ويتركز هذا العقاب على أعضائه التناسلية فهى مصدر مشاعره الشهوية ، فيخشى أن يستأصل والده الغيور هذه الأعضاء المسيئة ، ويتحول هذا الخوف ليصبح قلق الخصاء . ويؤذى قلق الخصاء إلى كبت الرغبة الجنسية في الأم والعدوان على الأب ، ويتوحد الأبن بأبيه ويتقمص شخصيته أى يتوحد بها ، ويحقق بذلك أشباعا بديلا لمشاعره نحو الأم ، وتتحول هذه المشاعر الشهوية نحوها إلى مشاعر رقيقة حانيه . وبذلك يحقق الحل السليم لعقدة أوديب ، حيث ينمو الطفل الذكر ليبحث عن زوجة تشبه أمه . ويرى "فرويد" أن الأنا الأعلى هو وريث عقدة أوديب لدى الذكر ، إذ يعد الأنا الأعلى حائلا دون رغبة الفرد في المحارم والعدوان . وعلى الرغم من حل عقدة أوديب فأنها تظل قوة فعالة في الشخصية طوال الحياة ، إذ يؤثر في اتجاه الفرد نحو الجنس المقابل والعلاقات الأسرية والزوجية ونحو الرؤساء والسلطة .
تتحول طاقة اللبيدو في الجنسية الطفلية عبر مراحل الفم والشرج والقضيب ، ولكن لا يتبادر إلى الذهن أن هذه المراحل الثلاث تتمايز عن بعضها تمايزا تاما ، فقد تظهر واحدة منها إلى جانب الأخرى أو تتداخل معها.
وحتى ينتقل الطفل انتقالا سلسا من مرحلة نفسية جنسية إلى التى تليها فيجب أن يتسم أشباعه لحاجاته في تلك المرحلة بالاعتدال ، فلا زيادة ولا نقصان ، لأن كلا منهما يؤدي إلى تثبيت الطفل على هذه المرحلة . وعندما تواجه الفرد مشكلة في الكبر فأنه ينكص إلى المرحلة التى حدث فيها تثبيت . ويشير تثبيت اللبيدو إلى تثبيت اللبيدو بمرحلة من مراحل التطور النفسي الجنسي ، مما يقلل فيما بعد مقدار اللبيدو المهيأ للتوافق مع الواقع . وإذا اعترض طريق الاشباع الحالي عقبات عجز الفرد عن تذليلها ساعد ذلك على حدوث نكوص إلى احدى النقط التى تثبت اللبيدو عليها . ومن هنا فأن التثبيت أساس لتعرض الفرد - في مستقبل أيامة - للأصابة بالمرض النفسي أو العقلي .
ثانيا : مرحلة الكمون Latency Stage
تلى مرحلة الكمون المراحل الفمية والشرجية والقضيبية ، وتمتد هذه المرحلة من سن السادسة عشرة عاما تقريبا . والكمون هنا معناه خمود وركود وقعود للنزعات الجنسية ، وتناقص للاهتمام بها ، مع اهتمام الطفل عندئد بأمور أخرى غير الجنس ، حيث يتم اعلاء الطاقة الجنسية وتوجيهها إلى اللعب والعمل المدرسي والاهتمامات العقلية والرياضية (البدنية) والاندفاع إلى تكوين صداقات وعلاقات مع الأتراب والأنداد .
ولاشك أن لعوامل التنشئة دورا في هذا الصدد ، إذ تبنى سدود تقف كما لو كانت عقبات فى طريق الغريزة الجنسية وتحد من تدفقها ومنها الخجل والاشمئزاز ومطالب المثل العليا الجمالية والأخلاقية .



ثالثا : المرحلة التناسلية Genital Stage
والمرحلة التناسلية أطول المراحل جميعا ، إذ تبدأ من البلوغ وتستمر حتى الشيخوخة . والمتوقع أن يصاحب الانتقال من الطفولة إلى البلوغ خلال المرحلة التناسلية - في الحالات السوية - تحول من الأثرة إلى الايثار ، ومن عشق الذات إلى عشق فرد من الجنس الآخر من الجنسية الذاتية إلى الجنسية الغيرية مما يترتب عليها من تناسل وانجاب وتكوين أسرة، هذا فضلا عن العمل والاضطلاع بمهام الراشد ومسئولياته .
في هذه المرحلة يزيد مستوى الدافع الجنسي وذلك نتيجة لنمو الغدد الجنسية في مرحلة البلوغ ويحطم الدافع الجنسي حواجز الكبت ويعاود الفرد النظر إلى الجنس الآخر نظرة جنسية مشبعة باللذة وتكون بعيدة عن الوالدين وتميل إلى رفيق (رفيقة) من نفس السن ، وتعتبر هذه المرحلة علامة بارزة في سلم النضج ، وارتقاء الأنا الأعلى (سلطة الضمير) وللجنس في هذه المرحلة يتضمن فكرة الحصول على اللذة باعطائها للجنس الآخر بمنأى عن الأنانية المطلقة والتمركز حول الذات ( اللبيدو النرجسية) التي تميز المراحل السابقة للنمو الجنسي للفرد .
نقد نظرية التحليل النفسي :
1- التركيز على الدوافع البيولوجية
أكد " فرويد " على الأساس البيولوجي لكل من الجنس والعدوان (الهو) إلى الدرجة التى أهمل فيها الآثار الاجتماعية والثقافية في التعبير عن هذه الغرائز البيولوجية . وعلى الرغم من أنه قد بين في بعض الأحيان أن الانسان يتعلم عن طريق الأنا كيف يتصرف بطريقة عدوانية أو جنسية ، فقد كانت غالبية التركيز على الغرائز (الدوافع البيولوجية) أكثر من التعلم الاجتماعي . كما افترض "فرويد" أن عقدة أوديب وعقدة اليكترا عامة شائعة، وأن الصراع الأساسي يشتق دائما من الدوافع الجنسية ( أحمد عبد الخالق ، 1993 -ج :264).
2- ضعف البيانات المتاحة :
اعتمد "فرويد" بصورة أساسية - على ما أدل به الراشدون عن طفولتهم في تكوين استنتاجات عن دور كل من الصراع والقلق والاحباط في تحديد نمو الشخصية وظهور الأمراض النفسية . ومن الواضح أن هناك خطرا ومأزقا في هذا المنهج الاسترجاعي ، حيث أن هذه البيانات لا تعكس بالضرورة ما الذى حدث فعلا خلال مرحلة الطفولة .
3- ضعف المنهج :
نقد " فرويد " بوجه عام فيما يتعلق بمنهجه في اختيار فروضه ، حيث عد هذا المنهج مشكوكا فيه ، فلم تضبط ملاحظاته ضبطا كافيا . فعلى سبيل المثال لم يترك أية ملاحظات دقيقة عن الحديث الذى كان يدور بينه وبين المرضى أثناء جلسات التحليل النفسي . كما كان يكتب وصفه للحالة بعد انتهاء الجلسة بساعات ، ومن ثم قد يتأثر استرجاعه بما كان يريده أن يحدث بالفعل .
قام "ايزنك ، وويلسون ) ( Eysenck & Wilson, 1973 بتحليل بعض الدراسات ذاتها التى قام "كلاين" بعرضها ، وبخاصة تلك التى تتعلق بالنمو النفسي الجنسي أثناء المرحلتين الفمية والشرجية ، وعقدة أدويب وعقدة الخصاء ، وطبيعة العصاب والذهان . وقد توصلا - بوجه عام - إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بنتائج الدراسات وهى على النحو التالي :
1- تقسيم مراحل النمو النفسية الجنسية لدى الأطفال إلى المراحل الفمية والشرجية والقضيبية عليها شك . وقد أجريت دراسة على العلاقة بين خبرات التغذية المبكرة في الطفولة لدى الأطفال الذين تغذوا من الثدى مقابل من تلقوا تغذية صناعية ، العلاقة بينهما وبين عادة مص الصابع وعمر الفطام . وقد استخرجت بعض النتائج الايجابية من الباحث المتحيز الذى أجرى الدراسة ، ولكن التصميم التجريبي يوجه عليه جوانب نقد أساسية .
2- أجريت دراسة أخرى على العلاقة بين سمات شخصية الراشد وعمر الفطام المبكر مقابل المتاخر ، ولكن يوجه إليه النقد ويمكن أن تفسر نتائجها تفسيرات بديلة على أسس أخرى كالوراثة مثلا أو غيرها .
3- درست العلاقة بين الشخصية الوسواسية والتدريب المتشدد على "التواليت " ، ولم تؤديها الدراسات التجريبية .
نظرية أريكسون (النظرية النفسية الاجتماعية )
يشير أريك "أريكسون" Erikson في نظريته النفسية الاجتماعية إلى أن الإنسان يمر خلال مراحل نمـــوه وتطــــوره بــثمانية مراحل أساسية هى ( مرحلة الرضاعة - مرحلة الطفولة المبكرة - مرحلة سن اللعب - مرحلة سن المدرسة - مرحلة المراهقة - مرحلة الشباب المبكر 0 مرحلة الرجولة - مرحلة النضج والكهولة ).
وإن الفرد يواجة خلال كل مرحلة من مراحل نموه بعض المشكلات التى يطلق عليها "أريسكون" الأزمات (Crisis) وذلك نتيجة مواجهتة لمواقف البيئة التى يتفاعل معها ، ومما هو جدير بالذكر أن "أريسكون" لا يعنى باصطلاح أزمات كما ورد في نظريته - الكوارث والنكسات إنما يعتبرها نقطة تحول في حياة الفرد النفسية . ولهذا حاولت نظرية "أريكسون" التأكيد على النمو النفسي للفرد في علاقته بالمحيط الاجتماعي ومن ثم أطلق على نظرية "أريكسون" ( النظرية النفسية الاجتماعية ).
ويشير "أريكسون" إلى أن مراحل النمو الثمانية متداخلة فكلما سعى الفرد إلى حل مشكلة من هذه المشكلات خلال مرحلة من مراحل نموه نجد أن آثار هذه الأزمات تنعكس بصورة ما على مراحل النمو الأخرى .
ويشير "أريكسون" إلى أن الصراع ينشأ بين حاجات الفرد ومطالب المجتمع ولهذا يسعى الفرد خلال مراحل نموه إلى تطوير وتنمية بعض الكفايات والمهارات الأساسية لديه مثل الثقة والاستقلال والمبادأة والكفاية لمجابهة هذه الأزمات .
جدول (9) مراحل النمو النفسي في نظرية أريكسون
المرحلة والسن بالتقريب مظاهر الصراع النفسي الاجتماعي (الأزمات) مجالات العلاقات الانسانية المتضمنة في المرحلة
مرحلة الرضاعة (من الميلاد حتى عامين ) الثقة في مقابل عدم الثقة الأم
الطفولة المبكرة (من 3-4 سنوات) الاستقلال الذاتي في مقابل الخجل والشك . الوالدين
مرحلة سن اللعب (من5-8 سنوات) المباداة في مقابل الذنب الأسرة
مرحلة سن المدرسة (من 9-12سنة) الانجاز (التمكن) في مقابل النقص الجيران والمدرسة
مرحلة المراهقة (من 13-19سنة) الذاتية في مقابل اضطراب الذات. جماعات الأصدقاء ونماذج القادة .
مرحلة الشباب المبكر الألفة في مقابل العزلة الأصدقاء والزوج (الزوجة)
مرحلة الرجولة الاندماج(المشاركة) في مقابل الانطواء على الذات التفاعلات الأسرية وأصدقاء العمل .
مرحلة النضج والكهولة التكامل في مقابل اليأس كل الأفراد والجماعات
* المصدر " طلعت عبد الرحيم ، 1983.
1- الثقة مقابل عدم الثقة : Trust Versus mistrust
أثناء السنوات الأولى من الحياة ، يعتمد الرضع على الآخرين في الرعاية والعناية . إذ أن الآخرين هم الذين يقومون بأطعامهم والباسهم ، وتعريفهم لمثيرات جديدة . الآباء والأمهات هم الذين يحتضنوهم ويمسكونهم، ويتحدثون إليهم ، ويلعبون معهم . هذه التفاعلات الاجتماعية تحدد اتجاهاتهم فيما بعد . لو تمت العناية بالأطفال بهدف المحبة وسد احتياجاتهم البدنية وتمت مواجهة الحاجات على نحو كاف ، فإن الأطفال سينمون أحساسا أساسيا بالثقة . وإن لم يعتني بهم الوالدان كما ينبغي أو قوبلوا بمعاملة متنافرة ومتقلبة ، فمن المحتمل أن يصبح الأطفال خائفين وغير واثقين أو مرتابين في أنفسهم وأيضا في الآخرين .
2- الاستقلال مقابل الخجل والريبة :Autonomy Versus shame and doubt
ويتعلم الأطفال المشى والكلام فيما بين السنة الأولى والثالثة من العمر ، ويبدأون في تنمية نسبة من الاستقلال . في هذه الحالة يصبح الأطفال قادرين على تعلم واكتشاف العالم من حولهم تربيتهم واستقلاليتهم وبطريقتهم الخاصة ، لو كان الوالدان متذبذبين في اساليبهم التأديبية ، لو هما أسرفا في حماية الآطفال ، لو أظهر عدم الموافقة عند محاولة أطفالهم التصرف بحرية سيصبح هؤلاء الأطفال متقلبين شكاكين وخجولين من أنفسهم ومن سلوكهم ، ومع ذلك ، لو تصرف الوالدان بثبات وشجعوا نسبة محددة من الاستقلال عند أطفالهم ، سيتمتع الأطفال بقدرة أفضل من التعامل مع المواقف .
3- روح المبادأة مقابل الشعور بالذنب : Initiative versus guilt
اثناء السنة الرابعة والخامسة من العمر ، يواجه الأطفال مجموعة متنوعة ومتزايدة من الخبرات والتجارب ، تشمل علاقات بالأصدقاء والجيران . لو شجع الوالدان الانشطة والاسئلة والاستفسارات ، واللعب الابتكارى بصفة عامة ، فإن الأطفال سيجدون أنه من الأسهل الاستمرار في التصرف بحرية والتفاعل مع الناس الآخرين ، لو قيدت أنشطتهم وإستطلاعاتهم وحبهم للبحث والتحقيق من حقل الوالدين ، فأن الأطفال سينمون الشعور بالذنب والذى سيحملونه بين طياتهم طوال حياتهم في المستقبل .


4- المثابرة مقابل الشعور بالنقص : Industry versus inferiority
يصبح الأطفال فيما بين السادسة والحادية عشرة من العمر ، مقتدرين تماما على استهلال انشطتهم الخاصة بهم . ويكونوا قادرين على تعلم كيفية تعبئة وتحريك طاقاتهم بطرق بنائه ، والاستذكار ، والقراءة ، والتعلم عن أى شىء يثير انتباههم . لو شجعهم الوالدان ، والمعلمون ، سينموا احساسا بالمثابرة والكد وحب الاستطلاع والمعلمين بنفاذ الصبر لجهود ومحاولات الأطفال سينمى هؤلاء الأطفال احساسا بالنقص والدونية وانخفاض الدافع للانجاز .
5- الشعور بالهوية مقابل فوضى الدور :Identity versus role confusion
المراهقة ، هى الفترة ما بين الثانية عشرة والثامنة عشرة ، وقد اعتبرت تقليديا فترة الأزمة لأنها تتميز ببزوغ جنسية الرشد وبداية الدخول في مرحلة الرشد عموماً . إذا يجب على المراهقين دمج وتوحيد تجاربهم وخبراتهم السابقة مع الضغوط والمتطلبات الجديدة التي يواجهوها كي يقرروا ويحددوا ما يريدونه من حياتهم ، ما يعتقدونه وما يؤمنون به ، ومن هم. إن لم يستطيعوا دمج خبراتهم المبكرة وتوحيدها مع بعضها ، سيكونوا عاجزين عن تنمية الاحساس بالهوية .
6- الشعور بالألفة والمودة مقابل الشعور بالاغتراب والعزلة :
Intimacy versus isolation
الزواج والوالدية هى جميعها جزء من الخبرة السوية لمرحلة الرشد المبكرة ، لو اكتسب الراشدون الصغار الاحساس بالهوية ، سيكونوا قادرين على تكوين علاقات حميمة ومشاركة أنفسهم وايضا ممتلكاتهم مع الآخرين . لو عجزوا عن الاتصال بودية ودفء بالآخرين أو لم يكتسبوا الاحساس الكامل بالهوية ، ربما ينمو الاحساس بالعزلة ويشعرون بأنهم لا ينتمون إلى أى شىء في العالم سوى الانتماء لأنفهسم فقط .

7- الشعور بالانتاجية مقابل الاستغراق الذاتي :
Generativity versus self-absorption
مرحلة وسط العمر هى الفترة التي يجب على الناس أن يحلوا فيها صراعاتهم مع العالم ويعدون لأنفسهم ولمستقبل أسرهم . ويقصد ايركسن بالانتاجية القدرة على النظر خارج ذات الفرد أو خارج نفسه المرء والتعاون مع الآخرين ، الأفراد العاجزين عن عمل هذا يميلون إلى أن يصبحوا متمركزين حول ذاتهم أكثر من كونهم منتجين في تلك المرحلة .
8- الاندماجية مقابل الشعور باليأس Integrity versus despaire
هناك نقطة يدرك عندها الناس الأكبر سنا أن عملهم في الحياة تقريبا قد اكتمل . وأن مهمة حياتهم قد تمت تقريبا وأن معظم مساعيهم النشطة والجادة تقترب إلى النهاية . هؤلاء ممن يستطيعوا أن يعكسوا على حياتهم التمتع بالاحساس بالسعادة في تحقيق انجازاتهم ، شاعرين بمودة وإطمئنان مع أنفسهم ومع الآخرين وسيعيشون في سلام مع أنفسهم والآخرين ، من ناحية أخرى ، هؤلاء من يشعرون بأن حياتهم كانت سلسلة من الفشل والاحباطات وخيبة الأمل وكمون الاحساس باليأس والقنوط بسبب فوات الآوان على بداية الانطلاق ومواصلته .
اسهامات أريكسون في نظرية النمو النفسي :
لقد أدخل "أريكسون" تعديلا على نظرية "فرويد" فى عدة نواحى :
الأولى : بالتوكيد على التفاعل المتبادل بين الجانبين الاجتماعي والجانب البيولوجي .
والثانية : بالتوسع في المراحل من ثلاث إلى ثمان مراحل . والثالثة يؤكد "أريكسون" على استمرارية تغير الشخصية مع التقدم بالسن على حين يصر فرويد على ثبات الشخصية في سن البلوغ . ولنبحث فيما يلى عن هذه الاسهامات .
وباختصار ، يرى "أريكسون" أن ثمة توازنا بين الاتجاهات الاجتماعية أو الشخصية المتبادلة للعمليات البيولوجية في المراحل النفسية المختلفة ، ويشير إلى توقف كل منهما على الآخر . والأسلوب الأساسي للاستجابة تحدده العمليات البيولوجية المميزة للمرحلة المعينة ، كما أن التعبير الجسمى والاجتماعي يتأثر أيضا بالظروف الشخصية المتبادلة التي يجد الطفل فيها نفسه . ولقد اهتم "أريكسون" بصورة أكثر بالمظاهر الشخصية المتبادلة لكل مرحلة نفسية ( لازاروس ، 1989 :84) .
أما بالنسبة لتوسع "أريكسون" في النظرية النفسية ، وإضافة مراحل أخرى ، فإن أحسن إضافة معروفة هي ما يعبر عنه المصطلح " هوية الأنا " Ego-Identity الذى هو نتاج الصراع الذى حدث اثناء البلوغ للوصول إلى حل عقدتي أوديب وإلكترا في المرحلة القضيبية . ولقد أعطى اريكسون ، عند توكيده للجهد الذى يبذله الفرد من أجل اكتشاف مكانة في العالم والوصول للنجاح إلى طبيعته الموحدة ، أعنى بلوغ هوية الأنا ، أهمية لمرحلة المراهقة المتأخرة والرشد المبكر .
وختاما ، اثرت النظرية النفسية تأثيرا هائلا على الفكر السيكولوجي، وبخاصة علم النفس الاكلينيكي حيث نظر إلى العديد من صور الأمراض النفسية على أنها اضطرابات في النمو النفسي الجنسي .
ثالثا : نظرية بياجيه في النمو المعرفي
تعد نظرية "بياجيه" ( Piaget, 1936) للنمو المعرفي القائمة على المنهج الوصفى التحليلى في تناول النمو المعرفي ، مدخلا يتوسط كلا من المنحنى السيكومترى والمنحى المعرفى في تناول النشاط المعرفي فقد استخدم "بياجيه" في نظريته عددا من المفاهيم التى تعد من المفاهيم الأساسية التى يستخدمها علماء النفس المعرفي ومن هذه المفاهيم الأساسية التى يستخدمها علماء علم النفس المعرفي ومن هذه المفاهيم : مفهوم العمليات ، ومفهوم الاستراتيجيات المعرفية ، ومفهوم البنية المعرفية . النمو العقلي عند "بياجيه" لا ينفصل عن النمو الجسمى ، ويرى أن علم نفس الطفل لا يستطيع في بحثه عن عوامل النمو أن يقتصر على دراسة النضج البيولوجي ، فهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية ، وهي التدريب أو اكتساب الخبرة والتفاعل الاجتماعي . والنمو العقلي للطفل عند "بياحيه" يمر بثلاث مراحل متتالية ، ولكل مرحلة منها هي امتداد للمرحلة التي سبقتها وإعادة بناء أو صياغة لها على مستوى جديد ، ثم تخطاها بعد ذلك إلى مستوى أعلى وأعظم . وهذه المراحل الثلاث هي : المرحلة الحسية الحركية ، مرحلة العمليات المحسوسة أو العيانية ، ثم مرحلة العمليات الصورية والشكلية قمة التفكير المنطقي .
يرى "بياجيه " أن أى نمط سلوكي مهما كان نمطيا يتضمن عوامل وجدانية كبواعث أو محركات ، وأنه لا توجد حالات وجدانية دون تدخل من المدركات أو المفاهيم التى تكون البنيان المعرفي ، ولذلك فإن السلوك وحدة لا تتجزأ ، فأحيانا يعمل الانفعال على تنظيم طاقات الأفعال ويقوم التركيب العقلي بتحديد الوسائل ، وأحيانا أخرى تقوم العمليات العقلية بتحديد قدرة الاستقبال الانفعالي . ومن هنا فهو يرى أن الشخصية الانسانية تنبع من تراكب الوظائف العقلية والانفعالية ، وكذلك من الصلة الداخلية بين الذكاء والانفعال (مدحت الكناني ، أحمد الكندرى ، 1992 : 611) .
ووحدة السلوك هذه هى التي تجعل عوامل النمو مشتركة بين الجانبين المعرفي والوجداني ، فالعواطف والانفعالات تخضع للنضج ، وتستمد من التفاعل الاجتماعي والشخصي ، كما تتضمن صراعات أو أزمات حيث إن بناء الشخصية يحكمه البحث عن التماسك وتنظيم القيم التى تمنع الصراعات الداخلية .
يرى "بياجيه" ان نمو الكائن يتم من أبنية ذات طبيعة بيولوجية ، وهذه الأبنية التى يرثها الطفل تتأزر مع بعضها لتصبح بنى جديدة بعد فترة من التفاعل مع البيئة خلال عمليات التمثل والمواءمة وهذا التفاعل يؤدي إلى التنسيق والتآزر فيما يظهر من افعال حسية حركية .
ويرى "بياجيه" أن الإنسان يولد مزودا باستعدادات معينة وإمكانات موروثة تساعده على بدء النمو . ويرى بياجيه أن هناك نوعين من البنية الوراثية التى تنـتـقل إلى الطفل حلال الوسائط الوراثية ، هما :
(أ) الأبنية الفيزيولوجية مثل العين واليدين والجهاز العصبى والحواس بشكل عام . وهذه الأبنية تساعد الفرد على التكيف مع البيئة المحيطة له .
(ب) ردود الفعل السلوكية اللإرادية . مثل انعكاسات المص وصراخ الطفل الرضيع عند الجوع . وحينما يحدث التفاعل بين هذه الانعكاسات وبين البيئة المحيطة يحدث تعديل لهذه الانعكاسات ، بحيث تتحول إلى ابنية عقلية ونفسية .
لكى نفهم تصور "بياحيه" عن النمو المعرفي يجب أن نفهم تصوره عن المعرفة حيث يفترض بياجيه أن المعارف أبنية أو تراكيب عقلية ، هى كليات منتظمة داخليا أو أنظمة ذات علاقات داخلية . هذه البنية والتراكيب هي قواعد للتعامل مع المعلومات أو الأحداث ويتم عن طريقها تنظيم الأحداث بصورة إيجابية . والنمو المعرفي ما هو إلا تغير في هذه الأبنية المعرفية ، ويعتمد في حدوثه على الخبرة . ( المرجع نفسه : 613) .
ويرى "بياجيه" أن هذه الأبنية العقلية تتحكم في تفكير الفرد وفي توجيه سلوكه وهى تمثل بصورة فعلية الحصيلة المعرفية للفرد ، وأن بناء وإعادة بناء هذه الأبنية العقلية هو ما يسمى بعملية النمو العقلي ، وتتكون هذه البنية العقلية منذ الميلاد أى أنها تنتقل للطفل وراثيا ، ولكن تطور هذه الأبنية ونموها ينتج من التفاعل الديناميكي بين الكائن الحي والبيئة التى يعيش فيها .
كما أن النمو المعرفي عند "بياجيه" هو تغيرات في الأبنية المعرفية تحدث من خلال عمليتى التمثيل والمواءمة ، وهما من العمليات التى يستطيع الأطفال بموجبها بناء أو فهم أكثر ذكاء للعالم الذي يعيشون فيه . والنمو المعرفي عند "بياجيه" هو تحسن ارتقائي منظم للأشكال المعرفية التى تنشأ من تاريخ خبرات الفرد . وهدفه تحقيق نوع من التوازن بين عمليتي التمثيل والمواءمة .
وتسمى عملية الاستجابة للتنبيه طبقا للبناء المعرفي للفرد عملية "التمثيل" والتى تعتمد على نوع التفاعل بين البنية المعرفية والبيئة الطبيعية، والبنية المعرفية المماثلة في أى لحظة إنما تشمل ما أمكن للكائن استيعابه وتمثله . وكمثال عندما يكتسب الطفل استراتيجية الرضاعة والرؤيا والتناول ومسك الأشياء تكون بنيته المعرفية ممثلة في هذه الاستراتيجيات ، ومع تغير البنية المعرفية فإنه يمكن للطفل أن يتمثل المظاهر المختلفة للبيئة الطبيعية .
والمواءمة هى العملية التي بواسطتها تتكيف أو تتعدل البنية المعرفية، ويحدث من خلالها النمو المعرفي .
ونظريا فإن أى خبرة يكتسبها الفرد تعتمد على كلتا العمليتين : التمثيل والمواءمة . فما يتفق مع البنية المعرفية لدى الكائن الحى يسهل استيعابه أو تمثله ، أما الخبرات التى لا تتفق مع البنية المعرفية لدى الكائن الحي يحدث لها تكيف أو مواءمه .
ويفترض "بياجيه" أن جميع الكائنات الحية لديها قابلية فطرية لإيجاد علاقة توافق أو تكيف مع البيئة من خلال ما يسمى بالتوازن ، وهذا التوازن هو القابلية الفطية لتهيئة قدرات الفرد وخبراته لتحقيق أكبر قدر ممكن من التكيف .
ويمكن تعريف التوازن بأنه نجاح الفرد في توظيف إمكاناته مع متطلبات البيئة حوله ، ويكاد يتسق مفهوم ( التوازن) لدى "بياجيه" مع مفهوم اللذة عند فرويد التى تتوازى مع عمليتي التمثيل والمواءمة والتى تستخدم لتفسير النمو العقلي (فتحى الزيات، 1995) ومع زيادة النمو المعرفي لدى الطفل يصبح قادرا على استقبال المواقف الأكثر تعقيدا والتفاعل معها . كما يصبح أقل اعتمادا على غيره . وهذا التناقض التدريجي في الاعتماد على البيئة الطبيعية والزيادة في استخدام القدرات أو البناء المعرفي إنما يسمى بالاستدخال . ومع نمو الأبنيةالمعرفية تزداد أهميتها في عملية التكيف فمثلا مع تزايد البناء المعرفي وتكامله يكون حل المشاكل الأكثر تعقيدا ممكنا ، ومع استدخال قدر أكبر من الخبرات يصبح التفكير أداة للتكيف مع البيئة .
مراحل النمو المعرفي عند بياجيه :
قدم "بياجيه" أربع مراحل أساسية للنمو المعرفي هي :
المرحلة الأولى : مرحلة النمو العقلي الحسى الحركي ، وتبدأ من الولادة حتى نهاية السنة الثانية .
المرحة الثانية : مرحل ماقبل العمليات وهى من سن 2 إلى 6 أو 7 سنوات.
المرحلة الثالثة : مرحلة العمليات العينية أو الملموسة وهى من 6 أو 7 سنوات إلى 11 أو 12 سنة .
المرحلة الرابعة : مرحة العمليات المجردة وهى من سن 12 إلى 15 حيث يتم اكتمالها .
وفيما يلى وصف موجز لمراحل النمو المعرفي عند "بياجيه " .
المرحلةالأولى - مرحلة النمو المعرفي الحسي الحركي :
Sensory- Motor Stage
لا يستطيع الطفل فى هذه المرحلة أن يفكر ، وإنما يستطيع القيام بأنشطة حسية حركية ، وهذه المرحلة تبدأ من الولادة حتى نهاية السنة الثانية وتتميز هذه المرحلة بعدة خصائص ( نقلاً عن فتحى الزيات ، 1995) من أهمها ما يلى :
1- اكتساب الطفل للمهارات والتوافقات البسيطة ذات الطابع السلوكي الحركي ، وهو مزود بمجموعة من الأفعال المنعكسة الفطرية وعن طريق التعلم تتعدل تلك الأفعال وتصبح أكثر اتساقا مع البيئة التى يعايشها الطفل .
2- تمركز الطفل حول ذاته بمعنى أن يكون تفكير الطفل واهتمامه منصبا على ذاته وأقل اهتماما بالآخرين .
3- عندما يتعلم الطفل الكلام يبتكر أنماطا جديدة من السلوك ويتحول تفكيره نحو التمثلات العقلية الداخلية .
4- يحدث تحسن في الترابطات المتعلقة بالنشاط الحسي كما يحدث هذا التحسن في الترابطات المتعلقة بالنشاط الحركى ويبدأ الكلام والتفكير الرمزى في هذه المرحلة .
ويقسم بياجيه هذه المرحلة إلى ستة فترات ، تأخذ الحركات الحسية الحركية مظهرا معينا في كل فترة منها ولها دلالات معينة في كل فترة من هذه الفترات :
1- فترة الأفعال المنعكسة : وهى تستغرق من الميلاد حتى نهاية الشهر الأول عقب الولادة ومن أمثلتها حركة المص وحركة قبض الأصابع عند ملامسة باطن الكف وتتميز الحركة في هذا الشهر بأنها غير متعلمة ولا إرادية ، وهذه الحركات تحقق للطفل تكيفاً مع بيئته ذلك لأنه لا يستطيع أن ينمو أو يعيش بدون هذه الحركات .
2- فترة ردود الأفعال الدائرية الأولية : وهى تستغرق الشهرين الثاني والثالث ومن أمثلتها تكرار قبض الصابع ، العبث بالأصابع في الفراش. وهى حركات غير مقصودة وأن الحركات فيها متتالية ، ومتجه نحو الذات.
3- فترة ردود الأفعال الدائرية الثانوية ، وتنحصر بين الشهرين 4-6 أو من الشهر 4 - الشهر 8 وفيها يكرر الطفل الاستجابات التي يجد أنها تسلية كركل الوسادة برجليه وربما يؤدي هذا الركل إلى تحريك بعض الأشياء التى تحدث صوتاً له ، ومن ثم يكررها بقصد التسلية ، ولذلك فإن الحركات مقصودة في هذه الفترة وتمكن الطفل من التعرف على الأشياء المحيطة به .
4- فترة المواءمة بين ردود الأفعال الدائرية الثانوية : وتنحصر بين الشهرين (7-10 ) أو من (8-12) وحركة الطفل في هذه الفترة وسيلة للحصول على شىء أو إزالة عقبة من طريق الوصول إلى شىء . فالحركة في هذه الفترة تختلف عما قبلها في أنها وسيلة أكثر منها مجرد تسلية ، ويزداد فيها التآزر بين رؤيته لشيء ومحاولة وصول يد إلى هذا الشيء ( مدحت الكناني ، أحمدالكندرى ، 1992 :628).
5- فترة ردود الأفعال من الدرجة الثالثة : وتنحصر بين شهري (12-18)، وفي هذه الفترة يميز الطفل بين الاستجابة ونتائج الاستجابة ، كما تتعدد الاستجابة للوصول إلى الهدف الواحد ، ولذلك يطلق على هذه المرحلة مرحلة الردود من الدرجة الثالثة ، كما يطلق عليها فترة التجريب حيث يحاول الطفل التعرف على أكثر الاستجابات فاعلية في تحقيق الهدف والوصول إليه .
6- فترة التأليف والمزاج : وتنحصر بين شهري (18-24) أى حتى نهاية السنة الثانية ، وفي هذه الفترة يبدع الطفل ويكتشف ويخترع الأساليب الجديدة من خلال التراكيب العقلية .
المرحلة الثانية - مرحلة ما قبل العمليات أو التفكير التصورى :
Preoperational Stage
وتمتد من سن السنتين إلى نهاية سن السادسة أو السابعة ويقسمها البعض إلى :
أ - ما قبل المفاهيم ( من سنتين حتى نهاية السنة الرابعة ).
ب- التفكير الحدسي ( من سن الرابعة حتى بداية السابعة ).
وتتصف هذه المرحلة بما يلى :
- أن هذه المرحلة هى مرحلة انتقالية بين مرحلتين الأولى والثالثة ( أى لا تتميز بحدوث أى توازن أو ثبات ).
- يعوز الطفل في بداية هذه المرحلة استخدام المفاهيم وخاصة مفهوم الفئة والعلاقة العضوية للمفهوم في فئة معينة . ( أى أن تفكير هذه المرحلة يعد في منزلة متوسطة بين مفهوم الشيء ومفهوم الفئة وهو نوع من التفكير التحولي من الخاص إلى الخاص ).
- أهم ما يميز هذه المرحلة هو النمو اللغوي السريع والقدرة على تكوين جمل كاملة وفي نهاية المرحلة يكون قد الم بمفردات لغوية كثيرة .
- يعتقد الطفل في الحقيقة كما يراها ولا يقتنع بوجهة النظر التى تقال له بعكس البالغين .
- يتجه تفكير الطفل إلى التركيز حول ظاهرة واحدة ولا يعطى اهتمامه ظاهرة أخرى .
- من الخصائص التى تميز هذه المرحلة أيضا فشل الطفل في إدراك العدد الكمية ، الطول ، الوزن ، وخواص أخرى للأشياء ، فالطفل لا يستطيع أن يدرك أن قطعة من الصلصال لها نفس الوزن سواء شكلت على هيئة مكعب أو شكل دائرى مسطح أو في شكل كرة ، كما أنه لا يدرك أن لتر الماء هو نفس الكمية سواء تم صبه في أنبوبة طويلة ورفيعة أو أنبوبة عريضة وقصيرة .
وهذه المرحلة تنقسم إلى فترتين : الفترة الأولى هي فترة نمو اللغة ذات الوظيفة الرمزية ، اللعب الرمزى ، اللعب الخيالي ، وهى تقع ما بين 2-4 سنوات ، والفترة الثانية هى فترة التفكير الحدثي ، أو الذاتي البعد ، بمعنى أنه يرى الأشياء من بعد واحد ، وهى تقع ما بين 4-7 سنوات .
الفترة الأولى :
فترة نمو اللغة ذات الوظيفة الرمزية أو مرحلة اللعب الخيالي:
في هذه الفترة تنمو اللغة بسرعة مما يساعد على نمو التفكير ، ويميز "بياجيه" في النمو اللغوي بين عدة أنواع من التفكير اللغوى هي :
(أ ) التفكير اللغوى غير الواقعي :
وهو لفظى ، ولا شعوري ، وغير هادف ، ولا يعبر عنه باللغة ولكن يعبر عنه بالخيالات والأحلام والصور الذهنية ، فهو عمل بدون فكر ، ويقع هذا النوع من التفكير في المرحلة الحسية الحركية .

(ب) التفكير اللغوي الذاتي :
وهو مرحلة انتقالية بين التفكير اللغوي اللاواقعي والتفكير اللغوي الاجتماعي . واللغة هنا لغة اجتماعية تهدف إلى الاتصال بالآخرين ، ويمتد هذا التفكير المتمركز حول الذات في الفترة ما بين 4 إلى 6 أو 7 سنوات ، والتفكير الذاتي يشبع الحاجات الذاتية . أما التفكير اللغوي الاجتماعي يهدف إلى الاتصال الاجتماعي بالآخرين والتفاعل معهم ويظهر بعد السابق .
الفترة الثانية : فترة التفكير الحدسي أو الذاتي :
وتبدأ من سن 4 إلى 6 أو 7 سنوات ، ويكون التفكير في هذه الفترة غير منطقي ومتمركز حول بعد واحد أو حول علاقة واحدة في الوقت الواحد. مثال ذلك إذا أخذت إحدى زجاجتين متساويتين في الحجم والشكل وكمية المائ الموضوع بهما ، ووضعت ما بها في زجاجة أطول أو أوسع ، فإنه أيضا يحكم بأنه أكبر أو أصغر فإن ذلك يحدث بسبب ظاهرة التمركز حول بعد واحد في هذه المرحلة ، حيث لا يدرك الطفل مفهوم احتفاظ المادة بخصائصها ، مهما اختلف شكلها أو مكانها ، فهو يدرك الأشياء من بعد واحد وليس من أكثر من بعد . تقل ذاتية التفكير كلما كبر في السن ، ويسمى التفكير أيضا في هذه الفترة بالتفكير الحدسي أو التخميني ، لأن الطفل لا يستطيع أن يفسر الجوانب تفسيرا منطقيا وهذا يعني أن الطفل يستخلص فقط تعميمات .
المرحلة الثالثة : مرحلة العمليات العينية أو المحسوسة : Concrete Operational Stage
وتسمى بمرحلة التفكير المنطقي المحسوس ، وهى تمتد من 7 سنوات إلى نهاية 11 سنة . ومن خصائصها :
1- يتحول تفكير الطفل إلى الاستدلال بدلا من تناول الأشياء بمظهرها السطحى والتمركز حول الآخرين بدلا من التمركز حول الذات وتنمو لديه القدرة على إدراك القابلية العكسية واستخدام الأرقام والترابطات العددية ويظهر نمط التفكير الرمزى .
2- تنمو لدى الطفل القدرة على تنفيذ العمليات المعكوسة ويدرك أن عمليات الطرح هى عمليات جمع سالب وتبدو واضحة قدرة الطفل على التعامل مع الكميات وإدراك قيمة الأرقام العددية وترتيبها وتصنيف الأشياء في فئاتها وإدراك بعض أسس هذا التصنيف.
3- يتحول سلوك الطفل إلى السلوك الاجتماعي الذى يحترم فيه الطفل وجهة نظر الآخرين ويبدو حديثه أكثر اجتماعية وأكثر تقديرا للسياق الاجتماعي السائد حوله .
ويعتمد التحرر من التمركز في التفكير حول بعد واحد ، ومن ثم نمو عمليات الاحتفاظ والتصنيف والتسلسل أو الترتيب والعد والجمع والطرح والضرب والقسمة ويستطيع إدراك مفاهيم الزمان والمكان والمسافة وإدراك العلاقات الهندسية الأولية ، وإدراك عمليات الفيزياء الأولية ( كل ذلك بصورة تدريجية وفي إطار الأشياء المحسوسة وليس في نطاق الفروض النظرية - على عمليات أخرى أشار إليها بياجيه . منها عمليات الاغلاق (أى عمليتين يمكن الربط بينها بتكوين عملية ثالثة 2+3 = 5 ( كل الرجال + كل النساء = كل البشر) ، ونمو المعكسية ( كل عملية يمكن عكسها ، مثال 2+3= 5 ، (5-3= 2 " وعملية الدمج ( إذا ارتبطت ثلاث عمليات مع بعضها فمن الممكن أن نبدأ بأى عمليتين منها أولا ) مثال ذلك (2+3)+4=2+(3+4) .
وأهم منجزات هذه المرحلة هى أن تراكيبها المعرفية تتألف من أنظمة كليات متماسكة من العمليات القابلة للانعكاس والتى تمكنه من ايجاد التنظيم والثبات بين الأشياء والأحداث في العالم المحيط ، وحين تنتظم وتثبت الأعمال المعرفية العقلية في وحدات تامة متماسكة وتركيب محدد قوى ، يطلق عليها اسم العمليات العقلية .


المرحلة الرابعة : مرحلة التفكير المنطقي أو الصوري أو العمليات
الشكلية: Formal Operational Stage
وهى مرحلة العمليات المجردة أو العمليات الصورية أو الاستنتاج الفرضى ، وهى تقع بعد سن 12 وتصل إلى حالة التوازن في سن 15 سنة ويتم في هذه المرحلة أدراك ونمو المفاهيم التي سبق الاشارة إليها في المرحلة السابقة ، سواء كانت في نطاق المحسوس أو المجرد ، ونمو القدرات في هذه المرحلة مبني على أساس نمو القدرة على التفكير المجرد. فالتفكير المجرد في المجال اللغوي يعنى القدرة اللغوية ، والتفكير المجرد في مجال التصور المكاني هو القدرة المكانية ، والتفكير المجرد في المجال العددى هو القدرة الحسابية وهكذا .
وفي هذه المرحلة يتم ادراك المفاهيم السابقة في مرحلة التفكير العيني بصورة مجردة وهذا هو الفرق بين المرحلتين ، فالمفاهيم موجودة لكن الصورة التى يتم التفكير بها في هذه المفاهيم تكون مختلفة . فنمو مفاهيم المساحة والمسافة والحرارة والسرعة ، والحجم والكثافة والعدل والحرية ونحوها يتم تصورها وفهمها بعد سن 12 سنة ، ويستطيع المراهق القيام بالعمليات الفرضيةواستيعاب المعادلات الرياضية والهندسية . وفي هذه المرحلة يمكن للمراهق أن يضع 3 أو 4 فروض محتملة ويبدأ بالتجريب .
العوامل التى يتأثر بها النمو العقلي للأطفال في نظرية بياجيه :
يمكن تلخيص هذه العوامل فيما يلى :
1- العوامل البيولوجية التى تتفاعل مع البيئة الفيزيقية عندما يتعامل الطفل معها أثناء الميلاد والنمو .
2- عوامل تحقيق التوازن التى تنشأ عندما يتفاعل الطفل مع بيئته الفيزيقية التى تحيط به مباشرة .
3- العوامل الاجتماعية اللازمة لتحقيق التعاون بين الطفل والآخرين وتظهر هذه العوامل عندما يتبادل الطفل المعلومات مع الراشدين ويحاول أن يوائم سلوكه لأنشطة الآخرين الذين يحتلون مكانه هامة في حياته .
4- عوامل النقل الثقافي والتربوى التى تعد انواعا من الضغوط على الطفل عندما يتعلم ويكتسب الخصائص الثقافية المميزة للبيئة التي يعيش فيها .
وبالنسبة للعامل الرابع السالف الذكر فإن بياجيه يرى أن نمط الحضارة الذى يعيش فيه الطفل وكذلك نوعية الدراسة التى يتلقاها يؤثران على مدى العمر الزمنى الذى تظهر فيه العمليات الشكلية (فتحى الزيات، 1995) .
نقد نظرية بياجيه :
إن نظرية بياجيه شأنها في ذلك شأن كثير من نظريات علم النفس ، تعرضت لكثير من النقد . فنظرية بياجيه نظرية معرفية ، والنظرية المعرفية تهتم بشكل خاص بعمليات التنظيم التي يقوم بها الفرد ، وفي هذا تشبه نظيرة الجشتالت - كما أنها تعترف بوجود استقلال جزئي لهذه العمليات ، كما أنها تهتم أساسا بالتركيب أو البناء بدلا من المحتوى ، كما انها تهتم بـ " كيف يعمل العقل " بدلا من " ماذا يعمل " كما تهتم النظرية أكثر بالفهم بدلا من التنبؤ والسيطرة على السلوك وهذا يعني اهتمامه بالاتجاه الكيفي في دراسة نوعية التفكير وخصائصه في كل مرحلة من مراحل النمو العقلى ( مدحت الكناني، أحمد الكندري ،1992) .
إن المراحل المقترحة لم تعد تربط بالعمر ربطا شديدا ، كما كان الحال من قبل ، في أعمال بياجيه المتأخرة . إن الاحتفاظ بمادة التكوين ، مثلاً ، يظهر عند الأطفال في أعمال مختلفة ، أضف إلى ذلك أن ظهور القدرة على الاحتفاظ عند الطفل بشكل متدرج وهى تختلف من خاصية إلى أخرى . إن الفروق الفردية في نمو المفاهيم عند الأطفال يجب أن تؤثر تأثراُ كبيراً على تصميم المنهج من قبل المعلم الذي يعرف مراحل النمو العامة للأطفال .
ربما يكون أكثر إدعاءات "بياحيه" إثارة للجدل هو أن النمو عملية تلقائية ، فالأطفال كما يقول ينمون بنيا معرفية على مسئوليتهم دونما تعليم من الكبار وأكثر الأمثلة غير القابلة للنقاش حول التعلم التلقائي تأتي من ملاحظات "بياجيه" للأطفال الذين حققوا تقدما عقليا ضخما ببساطة من خلال إستكشافاتهم للبيئة قبل أن يتحمل أي فرد عنا تعليمهم ، وما أن تبدأ تعليمهم إلا ويبدو أننا نخنق حبهم للإستطلاع . في المدرسة يكون الأطفال غير مهتمين وكسولين ومتمردين وخائفين من الفشل ، المهمة الرئيسية للتعليم كما يبدو وهى أن يطلق جسارة حب الاستطلاع التي تدخل الأطفال للحياة .
عندما قال "بياجيه" أن الأطفال يتعلمون بمعرفتهم لم يقصد أنهم يتعلمون في فراغ فالاطفال الآخرون يمكن أن يستثيروا ويتحدوا تفكيرهم ويبدوا أن الكبار بإمكانهم أن يفعلوا الشىء نفسه ، لأن بياجيه لم يعتقد أن الإنتاجية الأفضل تأتي عن طريق محاولة تعليم الأطفال الإجابات الصحيحة، وبدلا من ذلك فإنه إعتقد أن التعليم الحقيقي يأتي عن طريق الخبرات التى ترفع من فضولية الطفل وتوفر له فرصة العمل من أجل الوصول إلى الحلول على مسئوليتة ومع ذلك فإن كثيرا من علماء النفس خصوصا علماء النفس الأمريكين من أصحاب الإتجاه الخاص بنظريات التعلم يعتقدون أن تعليم الكبار أهم مما إعتقد "بياجيه" .
أضاف "بياجيه" (Piaget, 1970) ، بعض الأفكار المرتبطة بالموضوع فنحن أحيانا نفترض أن النمو التلقائي غير مرغوب لبطئه ، في حين يبدو التعليم المباشر أفضل بسرعته اشار "بياجيه" إلى تجارب جروبر على صغار القطط للأحتفاظ بالأشياء والتى وجد فيها أن هذه القطط تحقق تتابع بقاء الأشياء بمعدل أسرع بكثير من أطفال الإنسان ثم لا يحدث أى تقدم بعدها وتساءل "بياجيه" عما إذا كان البطء في التقدم ... يمهد لتقدم أكبر في النهاية لاحظ "بياجيه" أيضا أن دارون إستغرق وقتا طويلا بشكل ملحوظ ليكون افكاره الأساسية وتساءل "بياجيه" عما إذا كان البطء أحيانا يعتبر شرطا للتوصل إلى نتائج مثمرة ، وهكذا تساءل "بياجيه" عن الإفتراض بأن البطء غير مرغوب فيه ، وفكرنا بالإضافة إلى ذلك في أن كل طفل ينبغي أن يكون له معدله الأمثل الخاص به ‎لتحقيق الإنتقال عبر المراحل . (وليام كرين، 1996:172) .
خلال العقدين الأخيرين ، عدد من علماء النفس الذين أجرى كثير منهم دراسات التدريب مثل ( Gelman, 1969) ركبوا موجة هجوم آخر ، يقولون فيه بأن "بياجيه" جعل الطفل الصغير يبدو أحمقا من الناحية المعرفية، إن وصف "بياجيه" لطفل ما قبل العمليات بصفة خاصة ركز على نواقص أو عيوب هذا الطفل ، مثلا فشله في الإحتفاظ ، التصنيف ، تمركزه حول الذات وغيرها ، هذه الصورة كما يقول النقاد تذهب بعيدا في سلبيتها وتشاؤمها وهم يعتقدون أننا لو بسطنا مهام "بياجيه" أو جعلناها أكثر مألوفية للأطفال أو قدمنا للأطفال الأنواع المختلفة من التدريب المسبق عليها ، فإن هؤلاء الأطفال يظهرون الكثير من الإمكانات العقلية للأطفال الأكبر وكذلك البالغين .
وقد رد "بياجيه" على هذه الاتهامات باختصار في أواخر أعماله ، واشار (Piaget, 1970) إلى أن تفكير طفل ما قبل العمليات يحتوى على بعض العناصر الإيجابية ، على سبيل المثال ، الأطفال في هذه الفترة يتعرفون على الهوية وبطريقة كيفية مثلا يتعرفون على حقيقة أنهم هم نفس الأشخاص الذين كانوا صغارا ومع ذلك فلقد إستمر "بياجيه" في القول بأن تفكير طفل ما قبل العمليات بصفة عامة ما قبل منطقي - جامد - مرتبط بالمدركات - غير قابل للإنعكاسية - مملوءة بالأخطاء ، وهكذا فإنه لم يصدر أي إستجابة قوية على ما اتهم به من أن وجهة نظره حول تفكير ما قبل العمليات كان سلبية ومتشائمة ( وليام كرين ، 1996: 175).
وباختصار لقد صور "بياجيه" أطفال ماقبل العمليات بشكل سلبى مركزا على نواقص المنطق لديهم ومع ذلك فإن أفضل طريقة لتعديل الصورة ليست بالضرورة من خلال تتبع منتقديه ومحاولة بيان أن تفكير هؤلاء الأطفال هو اقرب إلى المنطق مثلنا ، بل إننا في حاجة إلى أن نضع في إعتبارنا إمكانية أن يكون تفكير هؤلاء الأطفال له صفاته الخاصة وفعالياته المميزة .
وإذا كان "فرويد " يؤكد على نمو العمليات الدافعية والانفعالية كالدوافع الجنسية والمشاعر المتصلة بها ، فإن بياجيه يركز على النمو المعرفي ، أى على العمليات العقلية المميزة للنمو من الطفولة حتى المراهقة والرشد . وتتسق وجهة نظر بياجيه وفرويد مع اتجاه داروين في التكيف. فهو ينظر إلى السلوك كعملية تكيف مع الحياة ، يؤكد الفرد عن طريقها حالة التوازن بين نفسه وبين البيئة . فالتغيرات التي تحدث في البيئة تؤدي باستمرار إلى اضطراب هذا التوازن . ومن الممكن أن يعود الفرد إلى حالة التكيف فقط من خلال تغييره لنفسه (أي المواءمة مع البيئة ) أو معالجة البيئة (التمثل) وينمو التفكير من خلال عملية التغير التكيفي المستمر بين الفرد والبيئة . ويشترك بياجيه مع نظرية التحليل النفسي في محاولة تفسير السلوك الإنسانى داخل نظام واحد وتجنب المعطيات الكمية (المرجع نفسه :626).
ومن الواضح أن التركيز المطلق على النمو المعرفي في شأنه أن يغفل عناصر أساسية في الشخصية تكون متضمنة في موضوعات الدافعية والانفعال أو في السلوك الاجتماعي . وبالمثل فأن الاهتمام المطلق بنمو العمليات الدافعية والوجدانية الاجتماعية من شأنه أن يغفل النشاط المعرفي . أن ما تتطلبه هو قيام نظام في التفكير يحتوى على جميع المظاهر الأساسية للشخصية في اطار نمائي (لازاروس ،1989).


رابعاً : نظرية كولبرج في النمو الأخلاقي
بينما كان "كولبرج" Kolhlberg, 1958- a) ( يواصل دراساته العليا ، تأثر بعمق بدراسات بياجيه حول النمو الأخلاقي ، حيث كان يرى أن بياجيه وجه حديثه للأطفال نحو أمور أساسية في فلسفة الأخلاق ، كما كان يعبر بصدق عن تفكيرهم الحقيقى ، وفي نفس الوقت فقد بدا له أن عمل بياجيه لم يكتمل، حيث يمكن وضع النتائج الأساسية لبياجيه حول الحكم الأخلاقي لدى الأطفال في نظرية ذات مرحلتين . الأطفال الأصغر من العاشرة أو الحادية عشر يفكرون في القضايا الأخلاقية في اتجاه واحد ، الأطفال الأكبر من ذلك يأخذون في اعتبارهم أمورا مختلفة . الأطفال الصغار يعتبرون قواعد الأخلاق أشياء ثابته ومطلقة ، أنهم يعتقدون أن القواعد تصلهم من الكبار أو من الله وهم لا يملكون لها تغييرا ، الأطفال الأكبر نظرتهم أكثر واقعية ونسبية ، إنهم يتفهمون أنه من الممكن أو قد يكون من المسموح به تغيير القواعد لو حظي التغيير بموافقة الجميع ، فالقواعد ليست مقدسة ولا مطلقة ولكنها وسيلة يستعملها الكبار للتعاون فيما بينهم .
وفي نفس الوقت تقريبا أي في حدود العاشرة والحادية عشر من العمر يتعرض التفكير الأخلاقي للأطفال لتحولات أخرى ، فالأطفال الأصغر يبنون أحكامهم الأخلاقية على النتائج في حين أن الأطفال الأكبر يبنون أحكامهم الأخلاقية على النوايا والأهداف .
مراحل كولبرج في النمو الأخلاقي :
المرحلة الأولى : التوجه نحو الطاعة والعقاب :
فالطفل يفترض أن هناك سلطات قوية تفترض عليه مجموعة ثابتة من القواعد التي يجب أن يطيعها دون نقاش الطفل عادة يستجيب في إطار النتائج المتضمنة شارحا أن السرقة عمل سيء لأنه يتلوها أن تنال عقابك (Kohlberg, 1958 b) إنه من الممكن أن تجد طفلا يدعم هذا الحدث لكنه لايزال يستخدم تفكير المستوى الأول مثل هذا الطفل قد يقول يمكن أن يسرق دون أن يعاقب ويسمى "كولبرج" المرحلة الأولى "ماقبل الإتفاق" لأن الأطفال لا يتكلمون حتى الآن كأعضاء في المجتمع ، بل لأنهم يرون الأخلاق كشئ خارجي عن أنفسهم ، شئ كبير يقول الكبار أن عليهم إتباعه.
المرحلة الثانية : التفرد والتبادل
في هذه المرحلة يتعرف الأطفال على أنه ليست هناك وجهة نظر واحدة صحيحة تأتيهم من سلطة ما ، لكن هناك وجهات نظر مختلفة لأفراد مختلفين فقد يشيرون إلى أنه من الصحيح أخذ الدواء في حين أن موقف الصيدلى ليس صحيحا ، وطالما أن كل شيء نسبي فإن كل فرد حر في أن يتابع تحقيق إهتمامه .
لعلك قد لاحظت أن الأطفال في المرحلتين الأولى والثانية ليتكلمون حول العقاب ومع ذلك فإنهم يدركونه بشكل مختلف ففي المرحلة الأولى يرتبط العقاب بالخطأ ، العقاب يثبت أن عدم الطاعة خطأ . على العكس في المرحلة الثانية ، العقاب ببساطة مخاطرة ، على الإنسان أن يتجنبها بطبيعته. وعلى الرغم من أن المستجيبين في المرحلة الثانية يبدون وكأنهم غير أخلاقيين ، إلا أننا نجد لديهم إحساس بما هو صحيح ، هناك فكرة عن التبادل العادل ، هذه الفلسفة تقوم على المصالح المتبادلة " لو ضربتني على ظهري أضربك على ظهرك ".
المرحلة الثالثة : العلاقات الجيدة بين الأشخاص
في هذه المرحلة يكون الأطفال على وشك الدخول إلى المراهقة عادة ، ويرون الأخلاق أكثر من كونها تعامل بسيط ، إنهم يعتقدون أن الناس ينبغي أن يعيشوا لتحقيق توقعات الأسرة والمجتمع وأن يسلكون بشكل صحيح . السلوك الصحيح يعني دوافع صحيحة ومشاعر متبادلة بين الأشخاص مثل الحب والتعاطف والثقة والاهتمام وغيرها .


المرحلة الرابعة : الاحتفاظ بنظام اجتماعي
في المرحلة الرابعة على العكس يصبح المستجيب أكثر إهتماما بالمجتمع ككل بمعناه الواسع ، الآن التأكيد على طاعة القوانين واحترام السلطة والقيام بالواجبات تحقيقا للنظام الإجتماعي . وعند الإستماع لقصة هينز قال كثير من الأفراد أن دوافعه طيبه ، لكنهم لا يستطيعون أن يغفروا له سرقته، ، ما الذي يمكن أن يحدث لو أننا جميعا بدأنا خرق القوانين حالماً توفر لدينا الشعور بأن هناك أسبابا جيدة لذلك ؟ إن النتيجة سوف تكون الفوضى وسوف تضيع فكرة قيام المجتمع .
في تلك المرحلة يرغب الأفراد في المحافظة على المجتمع ، ومع ذلك فإن مجتمعا يعمل وفق نظام ما ليس بالضرورة مجتمعا جيدا ، إذ قد يكون المجتمع الديكتاتوري جيد التنظيم لكنه ليس بالضرورة المجتمع المثالي أخلاقيا ، في المرحلة الخامسة يبدأ الأفراد بالتساؤل عن ماذا يحقق المجتمع الصحيح ، إنهم يبدأون التفكير في المجتمع بطريقة نظرية بحته متخطين خلفهم مجتمعهم الخاص واضعين في اعتبارهم القيم والحقوق التي ينبغي أن يقوم المجتمع عليها ، ثم يحكمون بعدئذ على المجتمع القائم في ضوء هذه الإعتبارات المسبقة ، حيث يقال أن نظرتهم للمجتمع تعتمد على افكارهم المسبقة ( وليام كرين ، 1996) .
المرحلة الخامسة : العقد الاجتماعي وحقوق الإنسان
يتكلم افراد المرحلة الخامسة إذن عن الأخلاق وعن الحقوق التي تأخذ بعض الأسبقية على قوانين معينة لكن "كولبرج" أصر على أننا لا نحكم على الناس أنهم أصبحوا في المرحلة الخامسة إعتمادا على تعبيراتهم اللفظية المجردة فقط ، إننا في حاجة إلى أن ندقق في منظورهم الإجتماعي وفي أسلوبهم في التفكير ، ففي المرحلة الرابعة أيضا يتحدث الأفراد أحيانا عن حق الحياة لكن هذا الحق بالنسبة لهم يكتسب شرعية من سلطة جماعتهم الدينية والإجتماعية ، فعلى إفتراض أن جماعتهم تقدر حق الملكية أكثر من حق الحياة فإنهم سوف يفعلون ذلك أيضا . في المرحلة الخامسة ، على العكس ، يصدر الناس أحكامهم باستقلالية أكثر ، بالتفكير فيما ينبغي على المجتمع أن يفعله .
المرحلة السادسة : المبادئ العامة
يفكر أفراد المرحلة الخامسة في مفهوم المجتمع الصحيح ، أنهم يقترحون أننا نحتاج إلى حماية حقوق معينة للإنسان وإلى حل النزاعات بالأساليب الديمقراطية ، ومع ذلك فإن الديمقراطية وحدها قد لا تؤدي دائما للنتائج التى نحس أنها صحيحة ، فالأغلبية قد تصوت لصالح قانون يعيق تحقيق مصالح الأقلية ولهذا أعتقد "كولبرج" أنه لابد من وجود مرحلة سادسة تتحدد فيها المبادئ المحققة للعدالة .
وقد إنهمك " كولبرج" في رصد بعض أفراد المرحلة السادسة ، لكنه توقف عندئذ من مواصلة هذا العمل بسبب أنه وباحثين آخرين ، وجدوا أفرادا قلائل هم الذين يفكرون بثبات بهذا الشكل (أي طبقا لمفهوم المرحلة السادسة )، وأيضا لأن "كولبرج" إنتهى إلى أن مقابلته لم تكشف عن فروق بين تفكير أفراد المرحلة الخامسة أو السادسة ، نظريا المرحلة السادسة يظهر فيها مفاهيم أوسع وأوضح حول المبادئ العامة ( مثل العدالة وحقوق الإنسان) لكن المقابلات لم تكشف عن وجود هذا الفهم الواسع ، لذا فقد أسقط المرحلة السادسة من تقسيمه وأطلق عليها " المرحلة النظرية " ورصد إستجابات " ما بعد الإتفاق" جميعا في المرحلة الخامسة (وليام كرين ،1996: 186) أحد القضايا التي يمكن أن تميز المرحلة الخامسة عن السادسة هى العصيان المدني . أفراد المرحلة الخامسة قد يكونون أكثر ترددا في الإنخراط في العصيان المدني بسبب تمسكهم بالعقد الاجتماعي وبتغيير القوانين خلال الأساليب الديمقراطية ، فقط عندما تتعرض حقوق الإنسان للإنتهاك الصريح يصبح خرق القانون مبررا . في المرحلة السادسة على العكس من ذلك فإن التمسك بالعدالة يوفر مبررا أقوى وأوسع للعصيان المدني . لقد أكد "مارتن لوتركنج" على أن القوانين تكون صادقة طالما أنها نابعة من العدل وأن التمسك بالعدالة يحمل في طياته ضرورة عصيان القوانين غير العادلة .
نقد نظرية كولبرج :
أثارت نظرية " كولبرج " كماً كبيرا من النقد ، فليس كل واحد ، بداية ، مقتنع أو متعاطف مع مفهوم المابعد إتفاق الأخلاقي ، شعر هوجان (Hogan, 1973) ، على سبيل المثال بأنه من الخطورة للناس أن يضع الفرد مبادئه الخاصة فوق المجتمع وفوق القانون . وقد تبدو المسألة كما لو أن كثيرا من علماء النفس كان رد فعلهم شبيها بذلك ، حيث تبدو أفعالهم وراء الكثير من الجدل حول الحقوق العلمية لبحوث "كولبرج" . آخرون تحدثوا عن أن مراحل "كولبرج" مضللة ثقافيا .
ثم نقد آخر تمثل في أن نظرية " كولبرج" مضللة أيضاً من ناحية الجنس ، وهي وجهة نظر عبرت عنها بعد تفكير مطول إحدى مساعدات كولبرج وهى "كارول جيليان " (Gillian, 1982) حيث لاحظت أن مراحل "بياجيه" قد سيقت بشكل شامل من خلال مقابلات مع الذكور وهي تتحدى أن هذه المراحل تقرر توجهات الذكور ، وبالنسبة للذكور فإن افكارهم الأخلاقية المتقدمة تدور حول القواعد والحقوق والمبادئ المجردة والعدالة المطلقة التي يقيم فيها كل طرف إدعاءات الطرف الآخر بطريقة غير منحازة ، هذا المفهوم للأخلاق حسب جيليان يفشل في تمييز صوت النساء في الأمور الأخلاقية ، لأن المتبادلة وعلى خلق التعاطف والرعاية والمثال ليس العدالة المطلقة بل الأساليب المفعمة بالمشاعر للحياة . خلق النساء بالإضافة إلى ذلك أكثر إتفاقا مع السياق ، مربوط بواقع للعلاقات القائمة أكثر من الحلول المجردة للقضايا الإفتراضية (وليام كرين، 1996: 200) .
هناك إنتقادات أخرى لأعمال " كولبرج " ، كثير منها يتعلق بأمور تجريبية مثل مشكلة ثبات تتابع المراحل ، وسيطرة النكوص أو التراجع والعلاقة بين الفكر والسلوك .
ولكن مهما كانت الإنتقادات والاسئلة التي وجهت "لكولبرج" ، فمما لاشك فيه أن إنجازه كان عظيما وأنه لم يتوسع فقط في مراحل النمو الأخلاقي عند "بياجيه" ، لكنه فعل ذلك بطريقة ملهمة ، لقد درس نمو التفكير الأخلاقي كما خطه فلاسفة الأخلاق العظام وبالرغم من كل شىء فإن نظرية مراحل النمو الخلقي "لكولبرج" تزودنا برؤية ملهمة حول " إلى أين يقودنا نمونا الأخلاقي.
خامسا : النظرية التكاملية
بادئ ذى بدء لابد أن نشير إلى أن الاتجاه التكاملي (المتعدد المداخل (Multidisciplinary Approach ) في دراسة النمو الإنساني من الاتجاهات الحديثة والمعاصرة ، ذلك أن هذا الاتجاه يؤكد على حقيقة علمية فحواها، أن الفرد يعتبر وحدة بشرية على درجة عالية من التعقيد والتكامل ، وان أى مؤثر في جانب من جوانب هذه الوحدة تتأثر به الجوانب الأخرى (مبدأ التكامل) ولذلك يجب دراسة أبعاد هذه الوحدة البشرية من خلال علوم التخصص المختلفة .
وعلى هذا فدراسة ظاهرة النمو الانساني تحتاج إلى تكاتف جهود العديد من العلماء على اختلاف شاكلتهم وتخصصاتهم واتجاهاتهم ومدارسهم العلمية المختلفة .
فدراسة النمو الإنساني (Human development) تحتاج إلى جهود ودراسات وأبحاث علماء البيولوجي (Biology) وعلم الأجنة (Embryology) وعلم الطب (Medicine) لابراز الجوانب الوراثية والتكوينية والباثولوجية في جوانب النمو البيولوجي للانسان ، وجهود علماء النفس (Psychology) والتحليل النفسي (Psychoanalysis) لابراز المبادئ العامة التى تحكم السلوك الإنساني وتفسره ، ومعرفة أبعاد وأغوار النفس الانسانية وأسباب اضطراباتها ، وجهود علماء الاجتماع ( Sociology) والانثروبولوجيا (Anthropology) لمعرفة أبعاد العلاقات الاجتماعية للفرد والمؤسسات الاجتماعية التى لها تأثير في أبعاد تطبيعه الاجتماعي (Socialization) وتشكيل سلوكه الاجتماعي بوجه عام ، وجهود علماء التربية ( Education) في إلقاء الضوء على عملية التعلم ودور المؤسسات التربوية التى تهتم بعملية التعليم والتعلم الانساني .
ثبات الشخصية
تفترض معظم نظريات الشخصية وبخاصة نظرية السمات أن الأشخاص يسلكون بصورة ثابتة Consistent من موقف إلى آخر عبر الزمن ، كما يرى أصحاب هذه النظرية أن هناك سمات شخصية أساسية معينة تميز الفرد عبر مواقف مختلفة من يوم إلى آخر - وإلى حد ما - خلال حياته بأسرها ، ومن ثم فاذا ظهر فرد يتصرف بأمانة وبضمير حى في مواقف عديدة ، فأننا نفترض أنه يمكننا التنبؤ بكيفية أدائه في مواقف مختلفة .
وعلى المستوى الشخصى فأن الشعور بالثبات Consistency في أفكارنا وسلوكنا يعد أساسيا لسعادتنا ومما يميز الشخصية غير المتكاملة فقدان الأحساس بالثبات . ومع ذلك فقد فشلت البحوث - في كثير من الحالات - في أن تؤكد ثبات الشخصية كما تذكر بعض النظريات أو كما تبين توقعاتنا وحدسنا . ويعد ثبات الشخصية موضوعا جدليا خلافيا بين علماء النفس .
أ - الثبات عبر الزمن :
بينت الدراسات الطولية للأفراد ثباتا كبيرا في خصائص الشخصية ، ففي أحد هذه الدراسات الطولية التى قام بها "بلوك " Block تم تتبع أكثر من مائة مفحوص خلال فترة خمس وثلاثين عاما . وكان أول قياس لهم في المدرسة الاعدادية ، وأنجزه علماء النفس الذين قاموا بتقدير كل فرد على عدد من سمات الشخصية ، مستخدمين اجراءاً مقننا للتقدير . وتم تقدير المفحوصين أنفسهم مرة أخرى في المدرسة الثانوية ، وفي منتصف الثلاثينات وفى منتصف الأربعينات من العمر بالنسبة لهم . وأجرى كل تقدير عن طريق مجموعة مختلفة من المحكمين . وعبر فترة السنوات الثلاث من المدرسة الاعدادية إلى المدرسة الثانوية أظهر 0.58 من متغيرات الشخصية ارتباطا ايجابيا جوهريا . وعبر فترة الأعوام الثلاثين من المدرسة الاعدادية إلى منتصف الأربعينات من العمر بالنسبة إلى المفحوصين كشف 31, من البنود عن ارتباط جوهري . ويبين جدول (10) بعض خصائص الشخصية التى تبرز أكبر ثبات عبر الزمن :
جدول (10) : ثبات الشخصية عبر الزمن
الارتباط بين المدرستين الاعدادية والثانوية الارتباط بين المدرسة الثانوية والرشد البنود التى تم قياسها عن طريق التقديرات
الذكور
58, 53, شخص يعتمد عليه ومسئول.
57, 59, الميل نحو عدم التحكم في الحاجات والاندفاعات وعدم القدرة على تأجيل الاشباع .
50, 42, الانهزامية واحباط الذات .
35, 58, الاستمتاع بالتعبيرات الجمالية ، يستجيب للجمال .
الاناث
50, 46, خاضع تماما.
39, 43, الاهتمام بأن يكون مع الآخرين ، اجتماعي .

تابع جدول (10)
48, 49, الميل إلى التمرد والاستقلال وعدم التطابق .
45, 42, الاهتمام بالمشاكل الفلسفية (مثل الدين والقيم ومعنى الحياة ).
المصدر أحمد عبد الخالق ، 1993- أ: 490).
وتشير هذه الدراسة إلى أن الملاحظين المدربين عندما ينظرون إلى الفرد فانهم يجدون ثباتا مرتفعا لديه عبر الزمن . وعندما ينظر الأشخاص إلى أنفسهم فانهم يميلون إلى التأكيد على ثبات شخصيتهم عبر السنين على الأقل عندما يصلون إلى الرشد . ولقد ظهر الاتساق في بنود عديدة قيست بقائمة " كاليفورنيا" النفسية والتى أخذت بفاصل قدره عشر سنوات لمجموعة تتراوح أعمارهم من 30-40 ومجموعة أخرى من 40-50 عاما .
كما تشير نتائج دراسة "كوستا ، ماكرى " ( Costa & McCrae, 1988) التى أجريت على عينة قوامها (127) من الذكور والاناث الأمريكيين وذلك بعد تتبعهم على مدى 6 سنوات إلى ثبات نسبى في سمات الشخصية مقاسة بقائمة العوامل الخمسة الكبرى للشخصية كما هو موضح في الجدول التالي
جدول (11) : الثبات عبر المقاييس المتفرعة من قائمة العوامل
الخمسة المعدلة ( NEO-PI) على عينة قوامها (127) من الذكور
والاناث بعد إعادة التطبيق بفاصل زمنى (6) أعوام .
من 57-84 عاما من 25 -56 عاما الكلية
المقاييس ذكور إناث ذكور إناث
العصابية 78, 85, 82, 81, 83,
القلق 74, 72, 72, 75, 75,
العداوة 74, 74, 75, 72, 74,
تابع جدول (11)
الاكتئاب 62, 77, 71, 66, 70,
الوعى بالذات 74, 81, 79, 78, 79,
الاندفاع 66, 65, 70, 67, 70,
سرعة الاستثارة 73, 76, 60, 75, 73,
الانبساط 84, 75, 86, 73, 82,
الدفء 74, 66, 74, 66, 72,
الاجتماعية 76, 69, 76, 68, 73,
توكيد الذات 73, 75, 84, 79, 79,
النشاط 72, 74, 77, 74, 75,
البحث عن الأثارة 69, 61, 79, 63, 73,
الانفعالات الايجابية 80, 65, 69, 69, 73,
الصفاوه 87, 84, 81, 73, 83,
الخيال 77, 74, 69, 63, 73,
الفن 75, 83, 81, 67, 79,
الشعور 72, 61, 64, 62, 68,
الأفعال 72, 61, 64, 62, 68,
الافكار 75, 73, 66, 58, 70,
القيم 78, 84, 78, 75, 79,
الطيبه 77, 69, 70, 67, 71,
يقظة الضمير 82, 84, 67, 71, 79,
المصدر : ( Costa & McCrae , 1988) .
وفي دراسة أخرى أجراها كل من " كوستا ، ماكرى " (Costa & McCrae, 1989) على مجموعتين وبمنهجين مختلفين لكل مجموعة (التقرير الذاتي وتقدير الآخرين ) مستخدمين قائمة العوامل الخمسة الكبرى للشخصية NEO وبعد تتبع المجموعتين بعد (6) سنوات ، تشير معاملات الارتباط بين التطبيق الأول والتطبيق الثاني إلى ثبات في عوامل الشخصية عبر الزمن كما هو موضح في الجدول التالي :
جدول (12) : الثبات عبر قائمة العوامل الخمسة للشخصية
على عينات بعد إعادة التطبيق بفاصل زمنى 6 سنوات مع الاشارة إلى مدى التغير في الشخصية خلال تلك السنوات
المقاييس تغير كبير تغير بسيط لا يوجد أى تغير
العصابية 77, 79, 86,
التقرير الانبساط 66, 80, 86,
الذاتي الصفاوة 86, 83, 82,
ت =182 الطيبة 70, 56, 62,
يقظة الضمير 80, 71, 81,
تقرير العصابية 86, 79, 84,
الآخرين الانبساط 79, 79, 72,
ت =71 الصفاوه 90, 88, 71,
المصدر : ( Costa & McCrae, 1989 )
كما أجرى أيضا " ماكرى ، كوستا " ( McCrae & Costa, 1990) دراسة أحدث على عينة من الذكور قوامها (114) مستخدمين "مسح جيلفورد- زيمرمان للأمزجة " وبعد تتبع المفحوصين بعد مايقارب (12) عاما ، كشفت النتائج عن وجود ثبات في سمات الشخصية كما هو موضح في الجدول التالي .



جدول (13) : معاملات الارتباط على مسح جيلفورد - زيمرمان
للأمزجة لدى عينه من الذكور قوامها (114) بطريقة اعادة التطبيق
بعد 12 عاما.
متغيرات الشخصية معامل الارتباط بعد مضى 12 عاما
النشاط العام 80,
الكبت 71,
السيطرة 85,
الاجتماعية 75,
الاتزان الانفعالي 71,
الموضوعية 74,
الصداقه 77,
التخطيط 71,
العلاقات الشخصية 68,
الذكورة 73,
المصدر : ( McCrae & Costa , 1990) .
ب - الثبات والتغير :
على الرغم من أن بعض الأفراد قد كشفوا عن ثبات شخصياتهم إلى درجة مرتفعة عبر حياتهم فقد كشف آخرون عن تغيرات كبيرة في الشخصية، وفي عالم اليوم الذى يتسم بالتغير الاجتماعي والتكنولوجي السريع يواجه كثير من الأشخاص صراعا بين تأكيد شخصيتهم (تظل ثابتة) ووعيهم بقدراتهم الكاملة (استكشاف أدوار وسلوك جديد ) . ويتضمن نمو الشخصية كلا من الثبات والتغير .
ومع أن التغيرات في الشخصية يمكن أن تحدث فى أى وقت من الحياة فأنها أكثر عرضة للحدوث أثناء فترة المراهقة والرشد المبكر . وقد كشفت دراسة " بلوك " (نقلا عن أحمد عبد الخالق ، 1993-أ: 491) الطولية عن فروق فردية كبيرة في درجة ثبات الشخصية عبر الفترة التى درست كما بينا ، فكشف بعض الأفراد عن ثبات في شخصيتهم منذ فترة مبكرة جداً من حياتهم ، على حين تغير الآخرون بدرجة ملحوظة عبر السنين من المدرسة الثانوية إلى منتصف الرشد . وبوجه عام فان الأشخاص المتغيرين هم أولئك الذين اتسمت فترة مراهقتهم بالصراع والتوتر داخل ذواتهم وفى علاقاتهم بكل من المجتمع وقيم الراشدين ، ومثال ذلك أن المتغيرين من الذكور قد اتصفوا خلال فترة الدراسة الثانوية بعدم الشعور بالأمان والحساسية والضياع وعدم النضج والتوجه إلى ثقافة الآقران ، كما اتسمت الاناث المتغيرات بالشعور بعدم الأمان والتمرد كما وضعن قيمة كبيرة للاستقلال ، ونظرن إلى والديهن على أنهم من طراز عتيق .
وعلى العكس من ذلك فقد اتصف غير المتغيرين بالاسترخاء والفعالية والسعي بارتياح نحو الأهداف التى تحددها الثقافة ، كما يتقبلون أنفسهم ويستوعبون الأدوار التقليدية وقيم ثقافتهم . واتسم الذكور غير المتغيرين بالثقة في الذات والنضج والتكيف والانتاجية . على حين مالت الاناث غير المتغيرات إلى أن تكون علاقتهن ايجابية مع والديهم وغيرهما من الراشدين ، كما اتسمن بالخضوع والانتاجية وتقبل الأدوار الجنسية التقليدية . ومع أن هناك كثيرا من الأسباب الفردية التى تحدو بنا إلى البحث عن التغير ، فمن الممكن أن نستنتج أن المتغيرين من كلا الجنسين ينظرون إلى الحياة على أنها نضال وصراع كما يكرهون التغير ، ومن ناحية أخرى ينظر غير المتغيرين إلى الحياة بوصفها عملية سلسلة هادئة .
كما تشير نتائج عدد من الدراسات التى يلخصها "كوستا ، ماكرى " (Costa & McCrae, 1989) على أن هناك تغير نسبى في سمات الشخصية مع التقدم بالسن (انظر جدول 14) .


جدول (14) : معامل الثبات لدراسات طولية وباستخدام مقاييس
التقرير الذاتى
الدراسات الأدوات ن الجنس العمر اعادة التطبيق بالسنة وسيط معامل الارتباط
"بلوك"(Block,1977) قائمة كاليفورنيا النفسية CPI
219 ذكور واناث 13-38 10 71و
ليؤن"وصحــــــــــبه (Leon,et.al. 1979) قائمة منيسوتا متعددة الأوجه MMPI 71 ذكور 45-67 13 50,

"مورتيمير" وصحبه Mortimer,et,al.,1981 مقياس مفهوم الذات 368 ذكور طلاب الجامعة 20-40 10 55,
"كونلى"(Conley, 1985) عوامل كيللى KLS 378 ذكور واناث 18-35 20 46,
"هاورد وبراى" (Haward & Bray, 1988) جداول ادوارد للتفضيل الشخصي EPPS
اقائمة جيلفورد مارتن GAMIN 266


264

ذكور
صغار
المدراء 20

20 42,

57,
"ستيفنس وتوراس (Stevens & Truss, 1985). جداول ادوارد للتفضيل الشخصي EPPS 85
92 ذكوروإناث
ذكورواناث طلاب
جامعة 12
20 34,
44,
"فين" Finn,1986)) قائمة منيسوتا متعدده الأوجه MMPI 96
78 ذكور
ذكور 17-25
43-53 30
30 35,
56,
"هيلسن، مونى" (Helson & Moane, 1987) . قائمة كاليفورنيا النفسية CPF
قائمة الصفات الشخصية ACL 81

78 اناث

اناث 21

27 22

16 37,

61,
المصدر : ( Costa & McCrae, 1989) .
جـ – الثبات عبر المواقف :
هناك أدلة قليلة على ثبات الشخصية عندماننظر إلى مقاييس السلوك عبر مواقف مختلفة ، مثال ذلك السلوك العدواني في المنزل والسلوك العدواني في المدرسة . وبإستثناء القدرات العقلية والمعرفية فأن أغلب خصائص الشخصية تكشف عن ثبات بسيط عبر المواقف . وتستخرج دائما دراسات سمات مثل الأمانة وضبط الذات والتبعية والعدوان ارتباطات منخفضة بين قياسات السمة في موقف واحد والقياسات في موقف آخر كما بين "ميشيل" . ومثال ذلك الدراسات التى أظهرت أن درجة الأمانة التى توجد لدى طفل في موقف مغر ( مثل فرصة الغش في امتحان) لا ترتبط كثيرا بدرجة الأمانة التى يظهرها ذلك الطفل في الاستجابة لمغريات من أنواع مختلفة (مثلا سرقة نقود أو الكذب لكسب أحد الزملاء ).
لقد كانت محاولات ربط الاستجابات على اختبارات الشخصية بالسلوك في الحياة الواقعية أيضا مخيبة للآمال ، وتعد الارتباطات بين المقاييس المشتقة من قوائم الشخصية أو الطرق الاسقاطية والمقاييس المستقلة للسلوك أقل من 0.3 ويمكن أن تكون الارتباطات من هذا الحجم مفيدة في تحديد تقدير كلى للشخصية (كتقرير إذا كان شخص ما غير مناسب لمنصب دبلوماسي حساس) ، ولكنها ذات قيمة محدودة في التنبؤ بسلوك معين (أحمد عبد الخالق، 1993- أ : 493) .
كما أشار أصحاب نظرية التعلم الاجتماعي إلى البيانات التى تظهر ثباتا منخفضا لسمات الشخصية عبر المواقف بوصفها دليلا على أن السلوك محدد بالموقف Situation - specific ، أى أنه يعتمد اعتمادا كبيرا على طبيعة الموقف المعين الذي يحدث فيه ، أكثر من اعتماده على السمات الثابتة أو نزعات الاستجابة لدى الفرد ، فهم يؤكدون أنه ليس من المفيد كثيرا أن نميز الأشخاص اعتمادا على مصطلحات السمة العريضة (كالاندفاعية، التبعية، الخضوع ... الخ) لأن الأفراد يظهرون كثيرا من التغير والتميز في سلوكهم. ان تصرف الشخص باندفاع يعتمد - إلى حد كبير - على الظروف الخاصة التى تواجهه .
وتبعا لأصحاب نظرية التعلم الاجتماعي فان السمات تكون دائما "في أعين الملاحظ " أكثر منها في الشخص الى يلاحظه ، ونحن نميل إلى أن نلحق ثباتا أكبر بسلوك الشخص أكثر مما يوجد فعلا . وهناك أسباب عديدة لقيامنا بذلك ، نذكر أربعة منها ( نقلا عن أحمد عبد الخالق ، 1993- أ: 494) كما يلى :
1- تظل كثير من الصفات الشخصية ثابتة إلى حد ما ، كالمظهر الجسمى وطريقة الكلام والايماءات التعبيرية ، وتساعد هذه الثوابت على تكوين انطباع عن ثبات الشخصية .
2- يمكن أن تقودنا أفكارنا المسبقة عن كيفية تصرف الأشخاص إلى التعميم إلى ما وراء ملاحظاتنا الفعلية ، ويمكن أن نسد الثغرات ونملأ البيانات المفقودة تبعا لنظرتنا المضمرة عن كيفية اتساق السمات والتصرفات بعضها مع بعض ، فيمكن أن تجعلنا النماذج النمطية عمن لديهم "جنسية مثلية" نعتقد أنهم يعيشون حياة النساء ، ويمكن أن يتسبب ذلك في أن نلحق ثباتا كبيرا بأفعال الشخص أكثر مما تسمح به الملاحظات .
3- أن وجودنا يمكن أن يجعل بعض الناس يتصرفون بطرق معينة ، ومن ثم فأن أقاربنا يمكن أن يظهروا على أنهم يسلكون بشكل ثابت لأننا نكون موجودين بصفتنا منبها لهم أثناء كل ملاحظة نقوم بها . وقد يتصرفون بطريقة مختلفة تماما في غير وجودنا .
4- حيث أن أفعال أى شخص ظاهرة بارزة في أى موقف ، فاننا نميل إلى زيادة تقدير جوانب السلوك الناتجة عن خصائص الشخصية ، وننقص من قدر أهمية القوى الموقفية التى تؤدي بالشخص إلى أن يتصرف بالطريقة التى تصرف بها ، فاذا لاحظنا أن شخصا يتصرف بعدوانية فأننا نفترض أن لديه استعدادا عدوانيا ، وأنه سوف يتصرف بالطريقة ذاتها في مواقف أخرى حتى إذا كانت العوامل الموقفية مختلفة تماما .
أما أصحاب نظريات الشخصية الذين يعتقدون أن السلوك يتحدد عن طريق استعدادات دائمة أو دوافع كنظريات السمة والتحليل النفسي فيؤكدون أن الشخصية أكثر ثباتا عما تبين البحوث الموقفية المقارنة ، فهم يشيرون إلى العيوب المنهجية في كثير من دراسات الشخصية ، ويؤكدون الحاجة إلى كل من :
1- الملاحظات المتكررة .
2- الاهتمام بالفروق الفردية في ثبات الشخصية .
3- تعريف السمات بمصطلحات أكثر تحديدا .
تعتمد معظم الدراسات التى كشفت عن انخفاض الاتساق بين المواقف على عينة صغيرة من السلوك ، فقد تربط تلك الدراسات مثلا بين درجات الفرد على مقياس للعدوانية بسلوك عدواني له في تجربة معملية ، أو قد تحاول الربط بين سلوك المساعدة في موقف (اعطاء النقود للأعمال الخيرية ) بالمساعدة في موقف آخر (المسارعة إلى مساعدة شخص مكروب) . ويمكن أن نجد قدرا أكبر من الثبات عندما نلاحظ السلوك في عدد من المواقف . وتظهر ميزة المقاييس المتكررة في دراسة أجريت على طلاب جامعة قاموا يوميا ولعدة أسابيع بتدوين تجاربهم السارة وغير السارة كل يوم ، والمشاعر المرتبطة بكل خيرة ، ودوافعهم للتصرف (ماذا كان شعورهم أثناء استجابتهم للموقف ؟) وسلوكهم الفعلي .
وعندما قورن سلوك المفحوص أو انفعالاته في أى يومين كانت الارتباطات منخفضة تماما (ودائما تكون أقل من 0.30 ) ، ولكن استخراج متوسط سلوك المفحوص عبر فترة 14 أو 28 يوما جعل الارتباطات ترتفع (دائما تكون أعلى من 0.80) . وكلما زاد عدد الأيام في العينة زادت معاملات الثبات بين المقاييس المختلفة (الانفعالات والاندفاعات والتصرفات).
وكشفت دراسات أخرى عن نتائج متشابهة عندما يلاحظ السلوك عبر فترة من الزمن ، ففي دراسة أجراها "ليون Leon " تتبع الملاحظون الأشخاص لمدة اربع اسابيع ، وقاموا بتقدير درجات لهم على متغيرات الاجتماعية والاندفاعية . وعلى الرغم من أن الارتباطات بين أى يومين كانت منخفضة تماما فقد ارتبطت التقديرات المقيسة عبر الأربعة عشر يوما الأولى بدرجة 0.81 مع التقديرات المقيسة عبر الأربعة عشر يوما الثانية . ومن ثم يتضح أننا يمكن أن تجد اتساقا مرتفعا في السمات عبر المواقف بشرط أن نسمح بوقت كاف . والتطبيق العملى لذلك هو أننا إذا رغبنا في أن نكون دقيقين في أحكامنا عى الآخرين ، كأن نقرر إذا كانوا زملاء عمل يوثق بهم ، أو أصدقاء يعتمد عليهم أو شريك زواج مناسب فاننا نحتاج إلى ملاحظتهم في مواقف عديدة ، ويمكن أن تثبت العينة الصغيرة جدا للسلوك (الانطباع الأول ) أنها غير ملائمة .
ويذكر عالم النفس " ابستاين" أنه كان يعد المرأة التى يجب أن يتزوجها شخصية دافئة وتراعي مشاعر الآخرين ، ولكن ذلك لا يعني - في رأيه - أنه كان يعتقد أنها لا تغضب أبدا ولا تسيئ فهمه ، لأن سلوكها إذا كان غير متغير من موقف إلى آخر فأنها يمكن أن تكون متصلبة صارمة وآلية كالانسان الالى (روبوت).

د - الفروق الفردية في الثبات :
تفترض معظم البحوث في سمات الشخصية أن الناس يمكن أن توصف على كل سمة على أساس مدى اختلافهم بعضهم عن بعض في الكمية التى يمتلكونها منها . ومع أن بعض الأشخاص يمكن أن يكونوا متسقين في بعض السمات فان قلة قليلة فقط منهم يكونون ثابتين في جميع السمات . ففى أحد الدراسات طلب من مجموعة من الطلاب الجامعيين أن يقدروا مدى تغيرهم من موقف إلى آخر على مجموعة من السمات ، فظهر أن الطلاب الذين حكموا على أنفسهم بأنهم ثابتون على سمة معينة يميلون إلى أظهار ثبات أكبر من موقف إلى أخر بالمقارنة إلى الطلاب الذين حكموا على أنفسهم بأنهم متغيرون على هذه السمة ، مثال ذلك أن الطلبة الذين قالوا:انهم ودودون بدرجة ثابتة كانوا يميلون إلى اظهار مستوى ثابت من الصداقة إلى حد معقول ، وذلك تبعا للتقديرات التى قام بها آباؤهم وأندادهم وتبعا كذلك للملاحظة المباشرة لهم في مواقف عديدة ( كان الارتباط بين المواقف المختلفة 0.57 ) ، ويميل الطلاب الذين وصفوا أنفسهم على أنهم متغيرون في درجة "الود" إلى أن يكونوا أقل ثباتا (كان الارتباط بين المواقف 0.27 ) ( أحمد عبد الخالق ، 1993- أ : 495) .

بينت هذه الدراسة إذن أن الأشخاص مختلفون فى ثبات السمات المختلفة لديهم ، فسوف يضم الاختيار العشوائي للمحفوصين نتيجة لذلك بعض الأفراد الذين أظهروا ثباتا ، وبعض الأفراد الذين كشفوا عن تغير في سمه معينه كالأمان . وأن محاولة الكشف عن الثبات من موقف إلى آخر مع مثل هذه المجموعة المختلطة من المفحوصين سيؤدي إلى نتائج ضعيفة .

كما كشفت الدراسات التالية أن الأشخاص الذين يظهرون ثباتا سلوكيا يقعون في مجموعتين : تلك الثابتة عبر أبعاد سلوكية متعددة بحيث يمكن أن يكون الثبات - بالنسبة لهم - سمة لديهم . وتضم المجموعة الثانية أولئك الأفراد الثابتين في سمة واحدة أو سمتين (كالعدوان أو الاجتماعية مثلا). وتتوافر الأدلة على أن المجموعة التى كشفت عن ثبات سلوكي مرتفع تعد أكثر انتباها ووعيا بمشاعرها الداخلية بالمقارنة إلى المجموعة منخفضة الثبات (المرجع نفسه ).

هـ - تفاعل السمات مع المواقف :
وحتى يمكن فهم السلوك والتنبؤ به فان الحاجة ماسة إلى معرفة خصائص الأفراد والمواقف معا ، وليس من المفيد التحدث عن سمات عامة مثل العدوان أو القلق دون دراسة الظروف البيئية ، فيمكن أن يحصل شخصان على درجة مرتفعة على اختبار للقلق ، ولكن الموقف الذى يمكن أن يشعرا فيه بالقلق يمكن أن يختلف ، فقد يصبح أحدهما قلقا في مواجهة الخطر المادى كتسلق جبل عال ، على حين يشعر الآخر بقلق في المواقف الشخصية التي يمكن أن تكون مصدر تهديد لتقديره ذاته وتوقيره لها كالدخول إلى امتحان أو القاء خطبة . وقد أثبتت استخبارات الشخصية التى صممت لتحديد أنواع المواقف التى تثير مشاعر القلق نجاحا أكبر في التنبؤ بالسلوك الفعلي (المرجع نفسه: 496) .

وعند قياسنا للسمات فإننا نحتاج إلى اختبار الفروق الفردية في تفاعلها مع ظروف بيئية معينة ، إذ تتفاعل الاستعدادات الداخلية مع المواقف الخارجية بطرق معقدة ، ويستجيب الأفراد للمواقف على ضوء استعداداتهم ومعتقداتهم ، ولكنهم يمكن أن يبحثوا عن مواقف معينة أو يتجنبوها بسبب خصائص شخصياتهم .

***




















الفصل السادس
ديناميات الشخصية
Personality Dynamic
الفصل السادس
ديناميات الشخصية
تمهيد
يشير مصطلح " دينامى " أو دينامي نفسى " Psychodynamic إلى طائفة من النظريات التى تركز على أهمية الدوافع والعمليات النفسية المتغيرة أو المسببة للتغير ، أى القوى الداخلية اللاشعورية التى تتسبب في إصدار السلوك ، وتسمى كذلك أحيانا بسيكولوجية الأعمال أو اللاشعور ، والمقصود هنا النظريات التحليلية التقليدية والمحدثة والمنشقة . ولكن أول هذه النظريات وأكثرها أهمية نظرية التحليل النفسي التي وضعها "سيجموند فرويد " (S. Freud- 1939- 1856 ) والذى يمثل التحليليون التقليديون ، ثم نظرية "سوليفان" (Sullivan, 1968) والذى يمثل التحليليون المحدثون ، ونعرض فيما يلى ملخص لتلك النظريتين .
نظرية فرويد
وتتكون الشخصية من ثلاث مكونات نفسية هى : الهو ، الأنا ، الأنا الأعلى ، وفيما يلى بيان موجز لكل منها :
أ - الهو Id
هو مستودع الطاقة النفسية ، يتكون من كل ما هو موروث وكائن منذ الولادة بما في ذلك الغرائز الجنسية والعدوانية القوية الهائجة والرغبات المكبوته ، والنزعات المستهجنة ، أنه طبيعة الإنسان الحيوانية قبل أن يلحقها التهذيب ، ومن ثم فهو النفس الأمارة . والهو جانب لا شعوري عميق منقطع الصلة عن العامل الخارجي ، لا يتغير بمضى الزمن أو بمرور الخبرة ، ولا علاقة له بالمعايير أو القيم أو الأخلاق والمثل العليا والصواب والخطأ أو الخير والشر ، ولا يخضع لقوانين أو قواعد أو منطق ، فهو يسير وفق مبدأ اللذة ويبحث عنها ، ولا تراعى حاجاته مبدأ الواقع ، ولا يهمه الواقع الموضوعي . ويسيطر هذا الجانب على سلوك الطفل الصغير والمنحرف والمريض النفسي والعقلي (أحمد عبد الخالق ، 1993-ج ) .

ب - الأنا Ego
الأنا مشتق من الهو بوصفه منظمة بدائية ، ذلك أن الهو يسير وفق مبدأ اللذة ، ولكن احتكاك الطفل بالواقع ، وبتأثير من مواجهة الهو للعالم الخارجي ، ينسلخ من الهو جزء يسير وفقا لمبدأ الواقع ، وهو الأنا الذى يفكر تفكيرا موضوعيا معقولا ويتمشى مع الظروف الاجتماعية المتعارف عليها . والجزء الكبير في الأنا شعوري . والجانب الأصغر منه لا شعورى. والأنا هو الجانب المنظم من الهو .
ومن ثم يعمل الأنا على التخفيف من مطالب الهو واندفاعه ، ويعمل على ضبطه وتوجيهه ، فله إذن وظيفة توفيقية مهمة بين مطالب الهو ومتطلبات الواقع ، وبين مطالب الهو والأنا الأعلى . وتنشأ الأمراض النفسية غالبا عن الصراع بين الأنا والهو .

جـ -الأنا الأعلى Super- ego
وعلى الرغم من أن الأنا الأعلى جزء منفصل عن الأنا منسلخ منه تكون نتيجة نمو وتعديل له ، أنه مسيطر على الأنا ، والناقد الخلقى له ، والضمير اللاشعورى الذى يتحكم فيه ، والمراقب له . ووظائف الأنا الأعلى ثلاث هى : كف دفعات الهو ، اقناع الأنا باحلال الأهداف الخلقية محل الأهداف الواقعية ، العمل على بلوغ الكمال وتحقيق المثال . وتغير الأنا الأعلى أو الضمير أو الدرع الأخلاقي للشخصية أو النفس اللواحة .
ويمكننا النظر إلى الأنا على أنه المكون النفسي للشخصية ، والهو المكون البيولوجي الحيوى ، والأنا الأعلى المكون الاجتماعي الأخلاقي . وإن نجاح الأنا في التوفيق بين القوى الثلاث : الهو ، الأنا الأعلى ، الواقع ، بما يفرضه كل منها على الانسان من مطالب وضغوط ، هو السبيل إلى الصحة النفسية .
يشير لفظ " ديناميات الشخصية " إلى الطريقة التى تتغير بها الشخصية وتنمو ، كما يشير إلى الطريقة التى تتوزع بها الطاقة النفسية وتستخدم بوساطة الهو والأنا الأعلى . ذلك أن المنظمات النفسية الثلاث : الهو ، الأنا ، الأنا الأعلى - من وجهة نظر " فرويد " - تتحرك تبعا لطاقة محركة لها أو قوى تعمل على تنشيطها هى الغرائز ، فالسلوك ناتج قوى متفاعلة متحركة دافعة ، ولد الإنسان مزودا بها وهى الغرائز Instincts . وهى مفهوم يقع على الحدود بين الظواهر البيولوجية والظواهر النفسية ، فهى لا تدل على ميل بيولوجي مجاله الجسم ، بل على هذا الميل من حيث هو موضوع خبرة نفسية .
وتكون جميع الغرائز المجموع الكلي للطاقة النفسية المتاحة للشخصية ، ويختزن الهو هذه الطاقة ، كما أنه مركز الغرائز ومستقرها . وتستمد هذه الطاقة من عمليات الأيض . الغرائز إذن هى الاثارة العصبية الفيزيولوجية . ويفترض فرويد وجود مجموعتين متعارضتين من الغرائز : الحياة والموت . تهدف غرائز الحياة أو الحب إلى تحقيق البقاء : الذات والنوع وتدفع الإنسان إلى البناء والحب ، والحب هنا ليس الحب الجنسي فقط بل هو " كل الحياة الحبية للأفراد " من حب الذات والزوج والأطفال والوالدين ، وحب مبادئ وأنشطة معينة ، بل حتى الصداقة والولاء للموضوعات الحسية والأفكار المجردة ، وحب الإنسانية جمعاء . وتدفع غرائز الموت إلى التدمير والعدوان والحرب وإلى كل ما من شأنه أن يقربنا من الموت والفناء ، وحيث أن الهدف الأخير لكل كائن حى هو الرجوع إلى الحالة غير العضوية ذلك يفترض فرويد وجود دافع غريزي لدى الكائن الحي للرجوع إلى المادة الأولى الجامدة وغير الحية . وبما أن كل حي يموت نتيجة لأسباب داخلية ، أى يعود إلى المادة الجامدة ، إذن " فالموت غاية كل حى ".
ولما كانت الغرائز تتضمن جميع الطاقة التى تستخدمها أنظمة الشخصية الثلاث في القيام بعملها تقوم ديناميات الشخصية على كيفية توزيع واستخدام الهو والأنا والأنا الأعلى للطاقة النفسية . ولما كان مقدار الطاقة محدود الكمية فأن الأنظمة الثلاث تتنافس فيما بينها على الطاقة الموجودة . ويتحكم واحد منها في كمية الطاقة الموجودة ويسيطر عليها على حساب النظامين الآخرين . وما أن تتزايد قوة أحد هذه الأنظمة حتى يصبح النظامان الآخــران - بالضرورة - أضعف ما لم يضف إلى النظام الكلى طاقة جديدة ( هول ، لندزى : 1971 -63) .
والأصل أن يمتلك الهو الطاقة كلها وأن يستخدمها في الفعل المنعكس وفي تحقيق الرغبة بوساطة العملية الأولى . ويعمل هذان النوعان من النشاط في خدمة مبدأ اللذة الذى يعمل الهو بمقتضاه بصورة مباشرة . ويطلق على استثمار الطاقة في فعل أو في صورة من شأنها اشباع الغريزة اصطلاح " اختيار غريزى للموضوع ".
ولما كان الأنا يفتقر إلى أى مصدر للقوة خاص به ، فان عليه أن يستعيرها من الهو . ويصاحب انتقال الطاقة من الهو إلى العمليات التى تكون الأنا ميكانيزم يعرف بأسم التعيين . ونستطيع أن نتذكر مما سبق . فشحن صورة موضوع ما بالطاقة مماثل لشحن الموضوع ذاته . ولكن طالما أن الصورة الذهنية لا تستطيع اشباع الحاجة فأن الشخص يصبح مضطرا إلى التفرقة بين عالم العقل والعالم الخارجي . وعلى ذلك فلكي يستطيع الشخص أشباع حاجته يجب عليه أن يتعلم المضاهات بين ما في ذهنه وما يقابله فى العالم الخارجي بوساطة العملية الثانوية . وهذه المضاهاة بين تصور ذهنى وواقع مادى ، بين شىء في الذهن وشىء فى العالم الخارجي هو ما يقصد بالتعيين .
ولما كان الهو لا يفرق بين أى محتويات العقل ، فقد تكون شحنة خاصة بادراك واقعي بنفس السهولة التى تتكون بها شحنة صورة من ذاكرة مشبعة لرغبة ما . وبهذه الطريقة تتحول الطاقة من العمليات السيكولوجية الاجترارية الذاتية الخالصة التى تميز الهو ، إلى العمليات الواقعية الموضوعية الفكرية التى تميز الأنا ، وفي كلتا الحالتين يكون استخدام الطاقة مقصورا على الأغراض السيكولوجية الخالصة فقط . أما في حالة الأنا فتحدث هذه التفرقة .
إن الأنا ما أن يستحوذ على قدر كاف من الطاقة ، حتى يستطيع استخدامها في أغراض أخرى غير أشباع الغرائز بوساطة العملية الثانوية فبعض هذه الطاقة يستخدم في تحقيق مستوى أعلى من التنمية لمختلف العمليات السيكولوجية كالادراك والتذكر والحكم والتمييز ، والتجريد ، والتعميم والاستدلال المنطقي . كما يستخدم الأنا قدراً من الطاقة لكبح جماح الهو كى لا يتصرف باندفاع ودون مراعاة للتعقل .
إن العمل الذى يقو به الأنا الأعلى يتعارض كثيراً ، ولكن ليس دائما بصورة مباشرة ودفعات الهو وسبب هذا الأمر إن المعايير الاخلاقية تمثل محاولة المجتمع التحكم ، بل وربما كف ، التعبير عن الدفعات البدائية . وبخاصة العدوانية والجنسية منها . فعادة ما يعنى كون المرء طيبا ، أنه مطيع لا يقول ولا يفعل أشياء "قذرة " كما يعنى كونه شريرا أنه غير مطيع ومستسلم لشهواته . إن الشخص الفاضل يكف دفعاته أما الآثم فيسرف فيها . الا أن الأنا الأعلى قد يفسده الهو أحيانا ويحدث هذا ، مثلا ، عندما يندفع الشخص فى نوبة من الحماس الأخلاقي . في أعمال عدوانية حيال من يعتبرهم أشرار آثمين .
وما أن تتحول طاقات الغرائز إلى مسارات الأنا والأنا الأعلى بوساطة عملية التعيين حتى يصبح ممكنا التشابك والتفاعل المركب بين القوى المحركة والقوى الكابحة ، المقيدة . ونستطيع أن نتذكر أن الهو يحتوى فقط على قوى محركة أو شحنات ، أما طاقة الأنا والأنا الأعلى فأنها تستخدم لاثابة أهداف الغرائز كما تستخدم لاحباطها ، إن على الأنا أن يضبط كلا من الهو والأنا الأعلى .
إن ديناميات الشخصية تقوم في نهاية المطاف إلى تفاعل وتشابك القوى الدافعة والشحنات والقوى المقيدة الكابحة والشحنات المضادة وجميع الصراعات في الشخصية يمكن إرجاعها إلى تعارض هاتين المجموعتين من القوى . فكل توتر يطول يجرع إلى فعل مضاد لقوى دافعة من جانب وقوى كابحة . وسواء كانت هذه القوى شحنات الأنا المضادة المعارضة لشحنات الهو أو الشحنات المضادة للأنا الأعلى المعارضة لشحنات الأنا فإن النتيجة فيما يتعلق بالتوتر تظل واحدة .
ويقوم نظام عمل الشخصية على الفكرة القائلة بأن لدى الفرد دوافع فطرية دائمة العمل والنشاط الاجتماعي لتحقيق حاجات (الهو) ورغباتها ومحاولة أرضائها بطريقة عملية في اطار الوسط الاجتماعي . ولا تعمل البيئة كمصدر لتحقيق تلك الحاجات فقط ، ولكنها قد تعمل أحيانا كمصدر ألم وتهديد للفرد أيضا عن طريق بعض مثيراتها التى لا يمكن للفرد مقاومتها والتحكم فيها أو التغلب عليها ، مما قد ينتج عنه بعض الاضطرابات النفسية مما يجعل الفرد فى حالة خوف وقلق دائمين . وقد أشار فرويد إلى ثلاثة أنواع من القلق هى : القلق الواقعي ، والقلق العصابي ، والقلق الأخلاقي .
أولا - القلق الواقعي :
ويشير إلى الخوف من أخطار واقعية وحقيقية يمكن توقع حدوثها في أى وقت من مصدر من مصادر البيئة المحيطة بالفرد ، مثل الخوف من عقاب الأهل ، أو الخوف من الاقتراب من بعض الطيور أو الحيوانات أو الأشياء الأخرى ، وما شابه ذلك وهذا النوع من القلق الطبيعي يظهر كاستجابة طبيعية ومتوقعة للتعبير عن المخاوف التى تتهدد الفرد ، كما يعتبر هو مصدر القلق العصابي والقلق الخلقي .

ثانيا : القلق العصابي :
ويتمثل هذا النوع من القلق في خوف الفرد من فقدان السيطرة على دوافعه ورغباته التى قد توقعه في الأخطاء وتؤدي به إما إلى تلقي العقاب أو الشعور بالالم فضلا عن الخوف الدائم دون وجود مبرر ومثال على ذلك القلق الشديد المرتبط بالخوف من عبور الشارع على انفراد ، والخوف من الأماكن العالية ، والخوف من ركوب وسائل نقل معينة ، والخوف من ممارسة عمل معين أو الاقتراب من جهاز أو آلة بشكل غير معقول . ويعتبر هذا النوع من القلق سببا أساسيا لمعظم الأمراض النفسية .

ثالثا : القلق الأخلاقي :
ويتمثل في الشعور بتأنيب الضمير بدرجة عالية ، وبخاصة حينما يفكر الشخص في أمر يخالف قيم المجتمع وتعاليمه أو حينما يقدم على ارتكاب فعل يتعارض مع مبادئه الدينية أو الاجتماعية أو التربوية . ويعمل القلق فى هذه الحالة على تحذير الفرد من المخاطر المقدم عليها والنتائج التى سوف تترتب على سلوكه حتى يقوم (الأنا) بتدارك الأمر ومعالجة الموقف بما يستحقه من اهتمام قبل أن يفلت منها الزمام . وفي حالة ارتفاع حدة الشعور بالقلق إلى المستوى الذى لا يمكن احتماله بحيث يصبح خطرا على الصحة النفسية ، فقد تقوم الأنا إما بتدبير أمر الهروب من الموقف وعدم مواجهته عن طريق وسائل الدفاع النفسية ، أو العمل على كف الأفكار المسببة للقلق بطريقة أو آخرى . وقد يخضع الأنا للأمر الواقع متمشية في ذلك مع مبدأ الواقعية ، فتحقق ما يمليه عليها الضمير وما تفرضه القيم والمبادئ والمتطلبات الاجتماعية (رمضان القذافي ، 1993 :92) .
إن وظيفة القلق هى تحذير الشخص من خطر وشيك الوقوع إنها إشارة للأنا مؤداها أنه ما لم تتخذ اجراءات مناسبة فأن الخطر قد يتزايد حتى يقهر الأنا . إن القلق حالة من التوتر ينشأ أساسا بفعل أسباب خارجة ويدفع الشخص إلى القيام بشيء ما ، فقد يهرب من المنطقة التى تهدده ، أو يكف الدفعة الخطرة ، أو يطيع صوت الضمير .
ويطلق على القلق الذى لا يمكن معالجته بالطرق المجدية اصطلاح "صدمى" فهو يؤدي بالشخص إلى حالة عجز طفلى .. والحقيقة أن النمط الأول لكل الأنواع اللاحقة من القلق هو صدمة الميلاد . إن الوليد في حاجة إلى بيئة تتولى حمايته حتى يجد أمامه فرصة النمو إلى الدرجة التى يستطيع معها السيطرة على المنبهات القوية الصادرة من البيئة . وعندما يعجز الأنا عن معالجة القلق بالطرق المنطقية فأن عليه أن يرتد إلى طرق غير واقعية . وهذه هى ما يطلق عليها اسم ميكانيزمات الدفاع ووسائل الدفاع النفسي التى يستخدمها الأنا والتى سنناقشها في الجزء التالي .

وسائل الدفاع النفسية :
وتصنف إلى ثلاثة أنواع كما يلى :
1- حيل خداعية : كالكبت ، التبرير ، الاسقاط ، التكوين العكسي ، العزل.
2- حيل هروبية : مثل أحلام اليقظة ، النكوص .
3- حيل إستبدالية : كالتعويض ، التحويل ، التوحد .
ونعرض فيما يلى لأهم هذه الوسائل التى تعد متداخلة .
1- الكبت Repression
الكبت استبعاد مادة ما مثيرة للقلق كالدوافع والانفعالات والأفكار الشعورية المؤلمة والمخيفة والمخزية ، وطردها إلى حيز اللاشعور ، وللكبت وظيفتين : وقائية إذ يدفع مسببات الألم والخجل وجرح الكبرياء . اما الوظيفة الثانية للكبت فهى صد الدوافع الجنسية والعدوانية الثائرة والمحظورة ، وذلك بأن ينكر الفرد وجود تهديد لسلامة الأنا .
والمادة المكبوته في اللاشعور ليس مادة ميتة ، بل أنها تتحين الفرص للظهور ، وتنجح أحيانا في التعبير عن نفسها بصورة رمزية كالأحلام وفلتات اللسان وزلات القلم والنسيان الهادف . ويهدف التحليل النفسي إلى الكشف عن المادة المكبوتة وبيان كيفية تأثيرها على الشخصية .
ويعتبر الكبت من الأمور الطبيعية الضرورية لتطور الشخصية ، ويلجأ إليه الفرد يوميا لحماية الأنا من طغيان الهو ومنع اندفاعها في طلب اللذات ، مما يؤدي إلى توفير فرص النمو الطبيعي للفرد دون معوقات ، الا أن الاعتماد على الكبت كاسلوب أساسي للتوافق قد يؤدي إلى تجميد القوى النفسية وترك الشخص كالتمثال بلا روح أو حراك ، كما قد يؤدي الكبت أيضا إلى تعطيل قيام بعض أجهزة الجسم بوظائفها .
2- الاسقاط Projection
الاسقاط هو أن ينسب الشخص إلى غيره من الناس أو الأشياء دفعاته غير المقبولة ، ويعزو إليهم رغباته الكريهة وعيوبه ، ويلحق بهم أفكاره التى تسبب له الألم ، وتثير لديه مشاعر الذنب . ففى الاسقاط يقول الفرد " " إنه يحبنى " بدلا من أن يقول : " أنا أحبه ، كما نجد الشخص الذى يتسم بالبخل أو الغرور أو الخيانة ينسب صفاته إلى غيره من الناس وهم براء منها .
كما يظهر الاسقاط بوصفه حيلة دفاعية لا شعورية في صور شديدة التنوع وبدرجات متفاوتة . ويهدف الاسقاط إلى تحقيق هدفين هما :
1- تغيير طبيعة الخطر من داخلى يصعب التعامل معه ، وهو موجة من الهو أو الأنا الأعلى باتجاه الأنا ، إلى خطر خارجي يمكن التعامل معه، مما يؤدى إلى زوال القلق .
2- منح الفرصة للشخص للتعبير عن مشاعره . فالشخص الذى يشعر بمضايقة الآخرين له ، كما في الأمثلة السابقة ، يعطى لنفسه الحق في توجيه ما يريده من اهانات أو شتائم للأخرين ، في الوقت الذى لا يستطيع توجيهها في حالة استواء سلوكه ، ويشعر الشخص ، في هذه الحالة ، بالراحة والمتعة بسبب حقه المشروع في الدفاع عن نفسه .

3- التكوين العكسي أو ردود الفعل Reaction Formation
هو تقبل الاتجاهات وأنواع السلوك المخالفة لأفكار الشخص ومشاعره ، أنه محاولة لا شعورية للتمويه على دافع بغيض بأن يظهر الشخص على عكس ما يبطن ، كالطفل الذى يرفض العطف وهو يحن بشدة إليه، ومن يهاجم الخرافات ويؤمن بها ، أو كشخص يكره آخر فيغدق الحب عليه . وتهدف هذه الحيلة الدفاعية إلى اخفاء الأفكار والمشاعر التى تثير القلق .

4- التثبيت Fixation
يعرف التثبيت بأنه التركيز على اهتمامات مرحلة ما من مراحل النمو مدة طويلة بعد الفترة التي كان يجب أن ينتقل فيها إلى المرحلة التالية . ويهدف إلى تجنب الاحباط والأخطاء الكامنة في المواقف الجديدة . ويؤدي التثبيت إلى أن يواصل الفرد الاحتفاظ بالطرق القديمة المعتادة للحياة ، والتثبيت بما هو مألوف ، نظرا للخوف من الفشل أو عدم التمكن من مواجهة مطالب المواقف الجديدة .

5- النكوص Regression
النكوص عودة إلى السلوك الذى كان مناسبا لمرحلة مبكرة من النمو، أو هو تقهقر النشاط النفسي إلى مرحلة سابقة من مراحل تطور اللبيدو. ويحدث النكوص إن واجه الفرد موقفا عصبيا فاذا به يستبدل بالأساليب الواقعية لحل الموقف طرقا فجة يغلفها الانفعال والصياح والصراخ وغير ذلك من الأساليب الطفلية التى لا تحل مشكلة ولا ترأب صدعا ، وكالطفل الذى ولد له أخ يصبح مركز الأسرة ، يعود يمص أصابعه ويقضم أظافره ويتبول على نفسه بعد أن يكون قد توقف عن هذه الأفعال .
والهدف من النكوص أن يحصل الفرد على المساعدة في مواجهة الحوادث الصدمية ، ويتيح النكوص للفرد خلاصا مؤقتا من القلق الذى تسببه المشكلة التى يواجهها .

6- التوحد أو التقمص Identification
هو تمثل شخص وامتصاصه سمة أو سمات شخص آخر ، ويجعل الأخيرة من مكونات شخصيته ، مندمجة فيها ، أى أن الشخص يتعلم - دون شعور منه - أن يخفض التوتر لديه بصياغة سلوكه على غرار سلوك شخص آخر ، كأن يقلد الأخ زميلة دون أن يشعر بذلك ومن الأسباب المؤدية إلى التقمص كما يذكرها "رمضان القذافي" (1993) هى :
1- يتعلق التقمص بالنرجسية ، وهو ما يعني حب الشخص لنفسه أو ذاته . ويعمل الشخص في هذه الحالة على توجيه حبه لذاته نحو تلك الصفات الممتازة التي يتميز بها شخص آخر ، وهو مايسمى بالتقمص النرجسي.
2- وقد يحدث التقمص لسبب آخر في حالة شعور الشخص (أ) بأن (س) من الناس محبوب من الآخرين ، بينما هو معزول عنهم وليس له أصدقاء . ولذا يتجه (أ) إلى تقليد (س) للحصول على حب الآخرين واهتمامهم ، ويمكن أن يقال نفس الشىء عن الطفل الذى يتقمص شخصية أبيه لأنها تمثل فى نظره جميع الصفات التى يحبها ذلك الطفل.
3- كما قد يحدث التقمص بسبب عوامل الحرمان ، وهو ما يشاهد عادة بين الأطفال الذين يقابلون بالرفض وعدم التقبل من طرف والديهم . ويعمل هؤلاء على الحصول على حب وأهتمام الوالدين عن طريق التصرف بشكل يتوافق وتوقعات الوالدين .
4- وهناك نوع من التقمص يحدث عن طريق امتناع الشخص (أ) عن القيام بأى سلوك أو عمل مخالف لما يقر طرف آخر ، وهو (ب) . ويهدف ذلك إلى تحاشي (أ) للعقاب المنتظر من (ب) .
ونقلاً عن "أحمد عبد الخالق" (1993-ج ) أنه يجب التفرقة بين التوحد والمحاكاة أو التقليد Imitation ، فالأخيرة عملية شعورية قصدية، يضع بها الفرد نفسه مكان آخر وضعا مؤقتا ، ولا يترتب على ذلك تغيير أساسي في شخصيته . ومن ناحية أخرى فأن التوحد عملية لا شعورية بعيدة المدى ، ذات نتائج دائمة يكتسب بها الشخص خصائص شخص آخر تربطه به روابط انفعالية قوية .
7- النقل أو الابدال Displacement
ويعرف النقل بأنه عملية نفسية لا شعورية تنحصر في زحزحة دافع معين أو انفعال ما من موضوعه الأصيل إلى موضوع بديل . ويقوم النقل بدور مهم في كل من الوسواس القهري والخوف الشاذ ، وذلك للتحكم في القلق المرضي . والحالة النموذجية هنا هى حالة الطفل "هانز" الذى كان يخاف خوفا مرضيا من عضة الحصان ، وكيف أن خوفه هذا انفعال منقول من شخص الوالد كما يتخيله الطفل لا شعوريا ، أى من حيث أنه يهدد الطفل بالخصاء لرغبته المحرمة في الأم وفقا للموقف الأوديبي ، إلى الحيوان موضوع الخوف ( أحمد عبد الخالق ، 1993- ج :253) .
ونقلا عن "رمضان القذافي" (1993: 102) تتولى بعض القوى مسئولية توجيه الابدال واختيار البدائل ، ومنها :
1- المجتمع : ويعمل المجتمع من خلال أدواته المختلفة مثل الأسرة ، على سبيل المثال ، على التأثير في الطريقة التي يتم بها الابدال . فهناك طرق ممنوعة أو محرمة أو غير مرغوبة ومحظورة ، بينما توجد طرق أخرى مسموح بها ولا اعتراض عليها .
2- مدى تقارب البديل مع السلوك أو الهدف الأصلى : فكلما ازاد التقارب أدى ذلك إلى زيادة فرص استخدام ذلك البديل . فالشخص الذى فشل في حبه قد يتجه إلى مصادقة أقرب الناس شبها بالحبيبة التى هجرته . أما إذا تعذر ذلك فقد يتجه إلى كتابة القصة أو الشعر حيث يسمح له المجال بالتعبير عن مشاعره تجاهها على لسان ابطال قصصه أو شخوص قصائده ، إذا ما توفرت لديه الملكة الفنية والموهبة .
ونفس الشىء يمكن قوله عن المدرس الذى يتعامل مع طلبة كبار السن حين يضطر إلى كبت مشاعر الغضب وعدم الرضا نحوهم ويوجهها تجاه طلاب من صغار السن في فصل آخر .

8- التبرير Rationalization
هو تعليل السلوك بأسباب تبدو منطقية ، ولكنها انفعالية في الحقيقة ، أو هو انتحال أسباب تبدو معقولة لما يصدر عن الفرد من سلوك خاطئ ، أو تقديم اعذار يهيأ للآخرين أنها مقنعة ولكنها ليست الأسباب الحقيقية ، كتبرير كراهيتنا لشخص بأنه سيء الخلق ، وقد يكون سبب ذلك أنه أنجح منا أو أقوى .
ويجب التمييز بين التبرير والكذب ، ففى الأخير يدرك الفرد السبب الحقيقي لفشله لكنه يتعمد التحريف ، فهو محاولة مقصودة لخداع الغير لا تتضمن خداع الذات ، على حين أن التبرير خداع للذات في المقام الأول ، وظيفته ايصال الأنا إلى حالة ارتياح عن طريق خداعها .

9- التعويض Compensation
هو الظهور بصفة معينة بقصد تغطية صفة أخرى ، ومن المتوقع أن تكون الصفة التى يظهر الفرد بها صفة حسنة محببة ، على حين أن الصفة المستترة غير طيبة وغير مقبولة ، وتحدث عادة مبالغة واسراف وتكلف في الصفة الظاهرة . مثال ذلك الطفل الذى يضربه أبوه ضربا مبرحا، ولكن الطفل في حاجة إلى هذا الأب ، وقد جرت العادة على أن يحب الطفل أباه ، ومن ثم يكبت كراهيته له ، ويبالغ في حبه ويعوض عن هذه الكراهية ويغطيها . ولذلك يشك بعض الناس فيما يبدو على غيرهم من كرم حاتمى أو أدب جم أو ورع شديد أو غرور يخفى ضعفا .

10- التسامي Sublimation
يتعذر أحيانا تصريف الطاقة النفسية بشكل مباشر لأن طبيعة الهدف قد تكون غير اخلاقية أو غير اجتماعية ، وفي هذه الحالة يمكن اعلاؤها عن طريق توجيهها ، إلى هدف آخر مقبول اجتماعيا . ويعتبر التسامي نوعا من الابدال يتم من خلاله التعبير عن الحوافز التى لا يمكن ارضاؤها بأسلوب اجتماعي .

11- الانكار Denial
وتتعلق هذه العملية النفسية بأنكار الحوافز غير المقبولة وما يرتبط بها ، حيث يرفض الفرد تصديق أن لديه مثل تلك الدوافع أو الحوافز . فبعض الناس لا يستطيع أن يبدى مظاهر الغضب تجاه والديه أو زوجته مثلا مما يجعله يعمل على انكار وجودها وتحاشى القيام بأى سلوك بسيط يمكن تفسيره على أنه علامة من علامات الغضب تجاههم . ويحدث هذا الأمر في حياتنا اليومية ، حيث ينكر الموظف أو المنتج في بعض المواقف شعوره بالتعب أو الارهاق ويدعى النشاط والصحة والحيوية لإن الشكوى من التعب والارهاق قد تعرضه لفقدان تلك الوظيفة بالذات أو الحرمان من منحة أو علاوة ، وهو ما يسبب الضيق والألم . ولهذا فهو ينكر مشاعره حتى يشعر بالراحه .
يرى أصحاب نظرية التحليل النفسي أن وسائل الدفاع النفسية هى أساليب مؤقته لحل الصراعات ، وأن وسيلة الدفاع الرئيسية هي الكبت . فمن المعروف أن الأنا هى ذات أصل اجتماعي ، وأنها تأخذ في النمو مع بداية عملية التطبيع الاجتماعي للطفل .
غير أن الأنا تكون ضعيفة في بدايتها وغير قادرة على التعامل مع جميع المواقف ، مما يجعلها تلجأ إلى مجموعة من الحيل لحماية نفسها عن طريق عملية (الكبت) من أجل التعبير عن انكارها لوجود الأخطار ، أو عن طريق (الاسقاط) الذى يعنى الصاق الخطر بهدف آخر خارجي ، وعن طريق (التثبيت) الذى يعتبر عن الجمود وعدم القدرة على الحركة لعمل شئ ما ، وعن طريق (النكوص) الذى يعبر عن الرجوع أو الهروب إلى مكان آخر أكثر أمنا ، وغير ذلك من وسائل متنوعة أخرى . ويؤدي إستخدام هذه الأساليب لفترات مؤقتة إلى الشعور بالراحة ، الا أن استخدامها بشكل دائم يؤدي إلى التعود عليها وإلى انحراف الشخصية عن مسارها السوى (رمضان القذافي ، 1993 :113) .
من المعروف أن وسائل الدفاع النفسية هى أساليب غير منطقية للتعامل مع التوتر والقلق . ورغم أن العلماء لا ينعون في استخدامها مؤقتا الا أنهم يشيرون إلى بعض المساوئ المرتبطة بها وباستخدامها ، وهى :
1- أنها تتغاضى عن القلق وتتجاهله . ولكنها لا تقضى عليه ولا تتعامل مع مسبباته .
2- أنها تعمل على اخفاء الحقيقة وتزييفها أو انكارها ، وبالتالي فهى ليست وسيلة واقعية وإنما تعتمد على الحيل والخداع .
3- أنها تعطل النمو النفسي والتطور لأنها تؤدي إلى الاستحواذ على معظم الطاقة النفسية اللازمة لأداء النشاطات الآخرى .
4- أنه فى حالة استحواذ تلك الوسائل على معظم مصادر الطاقة وعدم قدرة الأنا على النمو ، فانه قد تضعف وتفشل مما يؤدي إلى ما يسمى بالانهيار العصبي .
5- أنها تعمل على مستوى اللاشعور بعيدا عن سيطرة الأنا ، وهو ما يجعل نشاطها بعيدا عن الوعي والادراك الشخصي (رمضان القذافي، 1993: 114) .

نظرية سوليفان
أن "سوليفان" (Sallivan, 1968) - وهو من التحليليون الجدد - يرى أن الشخصية هى مجموعة العمليات الدينامية ، تتصف بحالة من التدفق الثابت لهذه العمليات يفضل أن يعرض مثل هذه التحولات في الطاقة بالديناميات Dynamisms . والديناميات هى عملية فطرية ومألوفة ، ولها علاقة بالصورة النهائية التى تكون عليها الشخصية ، وهى شائعة بشكل قليل أو كثير في كل الأفراد ، وبما تأخذ بعض الصور المختلفة من السلوك كالكلام أو الحركة ، وربما تشمل أحداث غير ظاهرة وخيالية أو كافية كالعمليات العقلية ، أو ربما تكون لا شعورية جزئيا أو كلياً . وعلى سبيل المثال فدينامية الكراهية hate تتكون من تحول أو إعادة تشكيل الطاقة الفزيقية إلى تفكير خفي ، أو سلوك ظاهر يختزل التوتر من خلال العدوان ، أما دينامية الاتصال الجنسي فتتضمن استخدام الطاقة في إشباع الحاجة للجنس ، وتتعدل أو تتغير الديناميات بشكل ثابت في سلم الرقى أو التطور النمائي للفرد من خلال التعلم أو النضج ، ومع ذلك فالسلوك الناتج عادة لا يكون متطابق مع مختلف المواقف (أو كما يعبر عنه مختلف الأفراد) . فإظهار الكراهية ربما يختلف إلى حد ما في الشدة أو الخواص النوعية والسلوكيات المصاحبة من فرد لآخر ومن موقف لآخر لدى نفس الفرد ، ولكنها رغم ذلك تمثل نفس الديناميات (نقلا عن محمد عبد الرحمن ، 1998: 241).
ويوضح ذلك "سوليفان" بقوله ليس مجرد أن يختلف برتقالتين عن بعضهما البعض في الحجم أو الشكل أو حتى الطعم يجعلهم لا ينتمون إلى نفس النوع من الفاكهة ، أو أن كلمة ما قد تترجم بمعنيين مختلفين تماماً من قبل اثنين من الناس ، ولكنها تبقى في النهاية ذات معنى واحد ، ولكن الكراهية والشهوة hare and lust تختلف في دينامياتها كما يختلف الليمون عن البرتقال " ، فالدينامية تتكون من نمط أو غشاء من تحول الطاقة إلى نوع آخر يختلف محتواها فقط بدرجة واضحة .. " فالدينامية هى النمط الثابت نسبياً من تحول الطاقة إلى إحدى الصور الأخرى ، وتتميز بتوجيهها للكائن العضوى ككائن حى ، كما يعرف النمط Pattern بانه خلاف من الاختلافات الجزئية غير الواضحة ، ولذلك أفضل مصطلح الدينامية لأنه يشير إلى الميكانزمات العقلية والنظام النفسي وما شابه ذلك ، ويدل على القدرة النسبية المحتمله للفرد أن يكون بمنأى عن أى تغيرات .
وينظر "سوليفان " بالفعل إلى الكائن العضوى الإنساني ككل كديناميات أولية تتكون من ديناميات ثانوية متنوعة ، كالخلايا والأعضاء ، فيناقش مثلا الخصائص الدينامية لقرنية العين أو القلب ، وهو ما يعكس أن هذه المكونات يمكن أن تسهم في الحياة ، وفي نجاح عملية زراعة الأعضاء، بعد موت الفرد ، وبشكل أساسي فإن سوليفان يركز على ثلاث أنواع أساسية من الديناميات .
النوع الأول : يتضمن هذا التحول في الطاقة التى تتركز مباشرة على التوترات الناتجة عن اختلال عملية الإحساس بالنشاط والخفة (الايوفوريا) ، والعلاقات البينشخصية الموزعة أو المركزة مثل الرغبة الجنسية ، الخوف ، الغضب ، الكراهية ، الشعور بالذنب ، التكبر . وتتضمن كذلك في هذه الفئة ديناميات الأمان وعدم فتور الشعور والانعزالية التى تفيد في حالة التوترات الزائدة عن الحد دون أن يكون هناك من يحد و يخفض منها عندما تكون على وشك الظهور ، وعلى سبيل المثال إذا كان هناك طفل جائع لم يأكل منذ فترة ، فإن التوتر الزائد والخوف يميلان لانتاج أنماط سلوكية مثل تحطيم الذات والتقلص العضلى وزرقة الوجه الناتجة عن نقص الاكسجين في الدم ، ولذلك فإن دينامية التخلى عنه باللامبالاة تدفعه لأن يسلك بطريقة ما مثل تبليل الفراش ، وطالما أن هذا الطفل لا يستطيع أن ينهى هذا التوتر فإنه يلجأ إلى النوم ، وبالمثل فإن دينامية الارق المستمر يمكن أن تؤدي إلى القلق الزائد واللامبالاة الزائدة أو المحدودة ، ويمكن أن يكون ذلك مؤذيا أو حتى ممتعاً.
النوع الثاني : يتكون من تحولات الطاقة المميزة والتى تحدث بصفة خاصة في النهايات الموقفية للجسم Bodily end-station في اثناء التعامل مع العالم من خلال مناطق التفاعل مثل الفم ، والشرج، والقناة البولية ، والأعضاء التناسلية ، والغدد اللبنية في ثدى الأم ، وعلى سبيل المثال فالمنطقية الفمية لا تفيد في حالة الحاجة للطعام والشراب ، ولكنه كدينامية لها فإنها توضح الحاجة إلى المص والرضاعة ، ونفس الأمر بالنسبة لليدين لا تسعى فقط إلى معالجة الأشياء ولكن أيضا لمسها .. وماشابه ذلك ويتضمن السلوك الطبيعي الملاحظ كل من التفاعل البينشخصي وديناميات المناطق الشبقية . حيث انها تتضمن بعض صور العلاقات مع الآخرين والتى يتم التعبير عنها من خلال منطقة واحدة على الأقل من مناطق التفاعل .
النوع الثالث : ويعد ذات أهمية جزئية لا ترقى لمستوى النوعين الآخرين وهو نظام الذات Self-System والذى يخدم حاجتنا للتحرر من توتر القلق ، وحيث ان هذا النوع جاء مطابقاً لما اقترحه سوليفان حول تركيب الشخصية.
أساليب وأنماط الخبرة :
أوضح "سوليفان" أن الخبرة الإنسانية تتكون بالتحديد من التوترات المختلفة والديناميات وإشباع الحاجة ، ويحدث ذلك من خلال واحده أو أكثر من النماذج أو الأساليب الآتية :
الأسلوب الأول : النظام الأولى أو التناسق الأولى Protataxic وهو أولها في الظهور ، ويمثل القدرة الكاملة للطفل حديث الولادة على فهم وإدراك البيئة ، وهذه الصوره المحدده وغير المتمايزه من الخبره تتشابه مع ما يحدث في حالة الانفصال السريع ويصبح الفرد غير قادر على هذا الاختلاف بين ما كان وما أصبح عليه ، أو بين ذاته والآخرين ، انها تشمل بعض المؤشرات لمناطق معينة في التفاعل مع المثيرات التى تصطدم بالشروط الخارجية ، فالمنطقة الفمية مثلاً يمكن تشكيلها أو ربطها بأى نوع من الرموز من خلال خبرات النظام الأولى. ولذلك فإنه من السهل كما يرى "سوليفان" تخمين العمليات الداخلية للطفل حديث الولادة ، ولا يعد هذا النمط مقصوراً على مرحلة الطفولة المبكرة ، ولكنه يمتد خلال حياة الفرد ، وكلما تقدم الطفل في النمو فإن ذلك الكم المتراكم من الخبرات المتداخلة تأخذ في التصنيف إلى وحدات أكثر ترابطاً وهكذا يبدأ الطفل الدخول في المحور الثاني .
ويعرفها "كمال دسوقي" (1990) عن "سوليفان" بانها وصف مميز لمنوال به الاحوال الوقتية غير مفرق بينها وغير مترابطة ، فتلك هى الخبرة الأولى لوليد ، أو هى صفة لما يتصل بمنوالات خبرة فيها الوقائع أو الاحداث يحاط علماً بها في غير ترابط . والأحداث الخارجية لا تدرك إلا باهته أو خافته ولا تنظم إلا بطريقة بدائية ، فهى خاصية عقليات صغار الاطفال ، وعقول الكبار الراسخين في الذهان .
الاسلوب الثاني : أو ما يسمى بالمحور الجانبي أو الاردافي Parataxic: والذى يتميز باستخدام الرموز الذاتيه مثل استخدام الكلمات التى لا معنى لها إلا عند من يستخدمها ، كما تتميز بالقدرة على إدراك الاختلافات أو الفروق الزمنية . ورغم ذلك تعد خبرة هذه المرحلة خبرة غير منطقية ، كما أنها تتم عن نقص فى فهم علاقة العلة أو السببية ، كالاعتقاد بأن المصائب تأتى من المشى تحت سلم خشبى أو المرور بجوار قطة سوداء وتتحول التوحدات اللاعقلانية للمريض إلى المعالج وأشخاص آخرين كالأباء . والمريض نفسياً الذى يتوقع هطول المطر في يوم صاف ، ويستنتج أن التفكير الاجتراري بالفعل يسبب انهمار المطر الذى قد يحدث أحيانا فيما بعد ، "والطفل أو الذهاني الذى يستخدم هذا الأسلوب يتصف بشذوذات في السلوك الانفعالي، كما يتميز بتملك استعدادات وأفكار واتجاهات لا تتكامل أو هى توجد في غرف محكمة المنطق ، كما يتميز بعدم التوافق فيما يتصل بالانفعالات والرغبات وهى عند "سوليفان" صفه لنمو المهارات والاتجاهات والافكار من غير أن تجلب كلها في علاقة بجانب شخصية المرء الآخرى " ( كمال دسوقي ، 1990) .
الاسلوب الثالث : هو المحرر أو النمط الاسنادى أو المرجعي Syntaxic ، وهو أكثر صور الخبرة تعقيداً وتبدأ في الظهور في الشهر الثاني عشر حتى الشهر الثامن عشر من العمر فالخبرات المرجعية يمكن نقلها عن طريق رموز مقبولة ومفهومه لدى المجتمع . مثل هذا التطور في التقييم ، والاسناد أو المرجع يتضمن كذلك إدراك المفاهيم المرتبطه بالفعل والأثر أو السبب والنتيجة (Sullivan, 1968) . " وعند "سوليفان" هى مايتعلق بتلك الخبرات التى يمكن تناقلها عن طريق مفاهيم تكون لها مراجع موضوعية محددة ، هو وصف مميز لمنوال خبرة يمكن تناقله عن طريق مفاهيم مرجعها بيانات متفق عليها " ( كمال دسوقي ، 1990).

الغائبة أو القصدية :
يرى "سوليفان" أن السلوك الإنساني يجب أن يفهم في ضوء السببية والقصدية . إن قدرتنا على تحقيق عملية تخفيف التوتر تنمو في الطفولة المبكرة ، ولكنها تمثل واحدة فقط من الصفات الأساسية في الجنس البشرى ، ويختلف "سوليفان" عن "يونج" في انه يرى أن الظواهر النفسية يمكن أن تتحول بالتدريج إلى أحداث نفسية ، وتتضمن كتاباته عدداً من الإشارات إلى دور الجوانب التشريحية والعضوية في الوظائف الإنسانية .

وفي ختام هذا الفصل يجب أن يدرك القارئ أننا قد اخترنا نظرية "فرويد" "وسوليفان" من أجل أن نعطى مثال توضيحي لدينامية الشخصية . على الرغم من أن هناك نظريات مختلفة تنظر نظرات مختلفة تماما إلى الدوافع التى تكمن وراء السلوك الإنساني . ومع ذلك لم يستطيع المنظرين استخدام المنهج العلمي للكشف عن ديناميات الشخصية وربما قد يعود ذلك إلى اهتمام علماء النفس الشخصية الحديثة وإنشغالهم بالبحث بموضوع بناء أو مكونات الشخصية ولايزال الجدل موصولا بذلك الموضوع ولربما يعتبر أنه من السابق لأوانه البحث حاليا في موضوع دينامية الشخصية .


***

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى

 


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 10:44 PM .


مجالس العجمان الرسمي

تصميم شركة سبيس زوون للأستضافة و التصميم و حلول الويب و دعم المواقع