النساء في الإسلام.. التجربة الغربية
عدد من القضايا الهامة تناولتها دراسة بعنوان (
النساء في الإسلام.. التجربة الغربية) للباحثة النرويجية المسلمة آن صوفي رولد. تلك الدراسة صدرت عن روتلدج بالعاصمة البريطانية لندن عام 2001.
في معرض تعريفها بالدراسة المذكورة كتبت الباحثة عن دراستها بأنها مميزة عن غيرها من الدراسات السابقة لأنها نقطة التقاء بين ثقافتين, وتتوسط بين طرفين: الثقافة الغربية من جهة والثقافة الإسلامية من جهة ثانية.
كما نفت عن نفسها كونها تقدم دراسة (
نسائية) عن المرأة في الإسلام بقدر ما تدرس تغيرات التفسير الإسلامي في خضم الصدام الثقافي بين الإسلام والغرب، وتصوير الإسلام دينا معاديا للمرأة، بينما يرى المسلمون أنه لم تكن هناك البتة قضية اسمها (
قضية ا رصدت رولد في دراستها التغيرات التي يتجه إليها التشريع الإسلامي في تفسير النصوص الإسلامية في ضوء الصراع الثقافي بين الغرب والإسلام، الذي بدأ يؤثر على الطرفين منذ أصبح الإسلام واقعا داخل المشهد الأوروبي، فمن جهة يزداد عدد المسلمين الذين يصبحون مواطنين أوروبيين ويزداد عدد الأوروبيين الذين يتحولون إلى الإسلام، بما يشار إليه في الغرب بالتهديد الإسلامي، ومن جهة ثانية بدأ المسلمون في الغرب يتأثرون بطرق التفكير والحياة الأوروبية مما أحدث بعض التغير في فهم التشريع الإسلامي، وهو تغير يعتمد على عوامل مثل طول المدة التي قضاها المسلمون في أوروبا ودرجة التواصل مع مجتمع الأغلبية:
فالذين ينغلقون ضمن الجاليات الإسلامية يميلون عادة لإنتاج التفسيرات الثقافية الواردة من بلادهم الأصلية، أما من يختلطون بالأغلبية الأوروبية فتميل مواقفهم نحو التكيف مع المجتمع الجديد، ويكون التغير لديهم أسرع في خضم الاتهامات الموجهة ضد الإسلام بأنه دين يعادي المرأة. كما أن ازدياد نسبة التعليم بين أبناء الجيل الثاني والثالث من المسلمين المتشبعين بالثقافة الغربية من خريجي المدارس والجامعات الأوروبية يؤدي إلى وجود مسلمين (جدد) يسألون أسئلة جديدة مختلفة عن أسئلة الجيل السابق وتحتاج لإجابات جديدة ومختلفة يكون للثقافة الغربية دور فيها.
صنفت الباحثة المسلمين المقيمين في الغرب والذين تدرس آراءهم ضمن اتجاهات، اختارت منها أربعة رئيسة هي: اتجاه الإخوان المسلمين والاتجاه السلفي وحزب التحرير الإسلامي، وهي منضوية تحت جناح منظماتها الأم في البلاد الإسلامية، واتجاه ما بعد الإخوان (
كما أسمته الباحثة)، وهو الذي يضم المستقلين والمهتدين للإسلام والجماعات الإسلامية التي نشأت في أوروبا ردا على التأثير الأوروبي وهو الاتجاه الذي ترى الباحثة بأنه سيكون له الأثر في التغيير, لأن أفراده من المتعلمين ومن المهتدين للإسلام من الأوروبيين وأحيانا ذوي سلطة معينة في المجتمع الغربي، على خلاف الجيل الأول من المهاجرين العرب الذين يميلون للاهتمام بالحركات الأم وبسياسات بلادهم الأصلية أكثر من الواقع الذي يعيشونه في المهجر.
وتعريج الباحثة في هذا القسم من الكتاب على بعض المصطلحات البارزة في المشهد الإسلامي وأبرزها الأصولية، وهي تعني في السياق الغربي: المؤمن بعصمة النص الديني، وعند إسقاط هذا المصطلح على الإسلام فربما يضم جميع المسلمين؛ وهذا من المشكلات الأساسية التي تخلقها عملية ترجمة المفاهيم ونقلها من بيئة ثقافية لأخرى.
التصورات حول المرأة المسلمة في الغرب
تظهر المرأة في عدد من الأفكار الشائعة بأنها فتنة وأقل قدرا من الرجل، وهذا يدعو لمناقشة الحديث النبوي أن النساء ناقصات عقل ودين: فالحديث ليس شائعا ولا يشار إليه إلا نادرا بين المسلمين غير العرب، لكنه الحديث الذي يكاد يكون وحيدا في أوساط الإسلاميين العرب عند مناقشة أي موضوع يتعلق بالمرأة، سواء في بلادهم أم في أوروبا، رغم أن بعض علماء المسلمين يؤكدون ضرورة فهم الأحاديث في سياقها الزماني والمكاني، وبعضهم يحاول التشكيك في صحة الأحاديث التي تنتقص من المرأة، التي وإن سلموا بصحة بعضها فإنهم يعدونها دليلا على حث الرجال على معاملة المرأة برقة ولطف وليس أنهن أقل قدرا منهم.
وفي موضوعات كقوامة الرجال تبرز مشكلة ترجمة المصطلحات من جديد ونقل المفاهيم من ثقافة لأخرى، فالقوامة تراها المسلمة من حقوقها، بينما ترى المرأة الغربية أن حقها هو في أن تكون هي قادرة على رعاية نفسها خارج حماية الرجل إياها.
وفي قضايا الميراث وشهادة المرأة تبرز أفكار وأسئلة جديدة لدى اتجاه ما بعد الإخوان، فهل يمكن تغيير نظام الميراث في ضوء تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأسرة المسلمة؟ مع أن البعض في اتجاه الإخوان يلفتون الانتباه إلى أن المرأة لا يطبق عليها "للذكر مثل حظ الأنثيين" في الميراث دائما، بل هي في حالات أخرى تأخذ مقدارا مساويا للذكر. وتلاحظ الباحثة أن المسلمين المنتمين للحركات الإسلامية يميلون عادة لتكرار آراء جماعاتهم في أدبياتها أكثر من تقديمهم رأيا جديدا، بينما يحاول اتجاه ما بعد الإخوان خلق قاعدة جديدة في التفكير الإسلامي.
ويدافع بعض الإسلاميين بأن الوضع الطبيعي للمرأة هو نفسه الوضع الواقعي للمرأة في البلاد الأوروبية (
حيث في الغالب هي المسؤولة عن أعمال البيت والأطفال)، ومن اللطيف الإشارة إلى أن جوانب كثيرة من نظام الأسرة في الإسلام هو المواصفات المثالية التي تشجعها بعض البلدان الأوروبية، ويدرك المسلمون أن الأوروبيين ينظرون بعين الاستغراب للفجوة القائمة بين النظرية الإسلامية والتطبيق في الحياة اليومية. وتتضمن علاقة المرأة بالرجل ويأتي في مقدمتها طاعة الزوجة زوجها وعقوبة المرأة الناشز، فمفهوم الطاعة له تصور سيئ في الغرب الذي يفسره بالضعف وينظر إليه عبر منظار المساواة بين الجنسين، وتعود مشكلة ترجمة المفاهيم لتفتح الباب واسعا لدعم نظرة الغرب عن الإسلام بأنه دين يعادي المرأة.
أما في نشوز المرأة وضربها فالعلماء يلجؤون لتفسير معنى النشوز أولا لئلا يفتح المجال للضرب بلا حدود، وهذا ما تفسره الباحثة بأنه نوع من التأثر بالعولمة التي تعد العقوبة الجسدية شيئا غير مفهوم في حالة الراشدين فضلا عن الأطفال.
المشاركة السياسية للمرأة في الإسلام
هذا الأمر أثير بعد أن ظهرت قيادات نسائية في بعض البلاد الإسلامية مثل بينظير بوتو، وفي هذا الجدل يتم الاتكاء على حديث "
لا يفلح قوم ولوا أمورهم امرأة".
وخلصت الباحثة إلى أن الأفراد المستقلين من اتجاه ما بعد الإخوان وحزب التحرير الإسلامي يقبلون المرأة في مناصب عالية في المجتمع، بينما يرفض السلفيون تماما توليها المناصب العليا فضلا عن رئاسة الدولة، وهي فكرة يمكن قبولها لدى اتجاه ما بعد الإخوان، أما الإخوان فيرفضونها.
ومن المفارقة أن مناصري حقوق المرأة المسلمين يشددون أنهم لا يريدون للمرأة تولي المناصب العليا، بل هم يسعون فقط للحد الأدنى من المشاركة السياسية لها في المجتمع.
كما أن الأفراد المنتمين إلى منظمات معينة يميلون للتقيد بأفكار الجماعة في البلد الأم، في حين أن دوافع كالعولمة والهجوم على الإسلام والتعلم في الغرب والتفاعل مع مجتمع الأغلبية هناك تدفع باتجاه تغيرات أساسية ليصبح بالإمكان تقبل القيادة النسائية المسلمة، وهذا يعني التحول نحو النموذج الثقافي الغربي الذي يدعم المساواة بين الجنسين.
تعدد الزوجات أصل أم استثناء؟
وهي تلك القضية المثيرة للجدل عند غير المسلمين فضلا عن النساء المسلمات اللواتي يفزعهن زواج أزواجهن بأخريات. وفي حين يدافع السلفيون عن التعدد باعتباره الأصل وليس الاستثناء، نجد من بين الصحابة من لا يشجعونه، وبذا تكون أفكارهم أقرب للنموذج الثقافي الغربي في عصرنا الحديث. بينما يرى أصحاب الاتجاهات الأخرى أن التعدد هو الاستثناء وليس القاعدة.
وفي كلتا الحالين ينبغي ملاحظة أن النصوص الإسلامية يمكن تفسيرها بطرق متعددة بتعدد المفسرين وثقافاتهم وظروفهم. أما في أوروبا فإن فكرة التعدد غير مشجَّعَة بين أوساط الإسلاميين العرب، رغم أن التطبيق العملي للفكرة متنوع بتنوع المجتمعات الثقافية، ففي دول منطقة الخليج مثلا كان التعدد أكثر شيوعا في بداية القرن وقبل الثروة النفطية ثم بدأ يتراجع بتأثير العولمة ووسائل الإعلام.
مسألة الحجاب
إن حجاب المرأة المسلمة هو من أبرز المظاهر الدينية التي تثير مشاعر قوية في أوروبا؛ ففي الثقافة الغربية ينظر للدين على أنه أمر شخصي (
غير ظاهر) يستقر في القلب، وبما أن الحجاب أمر ظاهر للعيان فهو شيء مستهجن.
ولا تنسى الباحثة هنا أن تذكّر بمزية أخرى لبحثها وهي أنها مسلمة محجبة تتلقى شخصيا انطباعات سلبية وإيجابية بسبب الحجاب، وهي تتساءل لماذا لا يثير حجاب الراهبة المسيحية ذلك الاستهجان مع أنه يتشابه ظاهريا وحجاب المسلمة فكلاهما يغطيان جسد المرأة ورأسها؟ وتجيب بأن الراهبة في تصور الأوروبيين رمز للنقاء والتدين، بينما المسلمة المحجبة حجابها رمز للقهر ضد المرأة وخطر من أخطار المنظمات الإرهابية على التقليد السائد في أوروبا.
وحتى عند تفسير المسلمين للحجاب على أنه احترام لكيان المرأة وعقلها بغض النظر عن شكلها، فإن مثل هذه التفسيرات تثير جدلا في الثقافة الغربية التي لا تفسر الاغتصاب مثلا بأنه نتيجة لثياب المرأة المثيرة، بل يعزونه إلى حاجة الرجل لممارسة القوة والتعبير عن الظلم الذي قد يتعرض له، وهنا يجدر الانتباه إلى اختلاف تفسير القضايا الاجتماعية من ثقافة لأخرى.
ومع اختلاف المذاهب الإسلامية على كيفية الحجاب إلا أن المسلمين في أوروبا يفضلون تغطية الجسد والرأس فقط دون الوجه، بينما يفضل السلفيون تغطية الوجه أيضا مع إقرارهم بصعوبة ذلك في المجتمعات الأوروبية, لإثارته العدوانية تجاه المسلمة، وكثير من عضوات الإخوان لا يغطين وجوههن في أوروبا بينما يفعلن ذلك في مصر
منقول من موقع
شبكة النبأ المعلوماتيه