على مرّ العصور .. لم يقدم التيار الانتهازي المنافق حلولا لمشاكل مجتمعاته التي يعيش فيها .. واكتفى بتمثيل حزب ( الخيانة ) لتلك المجتمعات .. والطعن في ثقافتها وثوابتها .. وحبك المؤامرات مع الأعداء المتربصين لزعزعة استقرار تلك المجتمعات وزلزلة نظامها .. للحصول على شهوات آنية ومكتسبات شخصية مؤقتة لأرباب ذلك التيار الخائن .. !
إن القوى التي تحكم العالم تحرص دائما .. على جعل وجودها ونفوذها مصيرا حياتيا لا مفرّ منه .. ولا تدّخر جهدا في سبيل ذلك .. وتعمل على فرض إرادتها وسيطرتها في كل جانب من جوانب الحياة .. وتغرس في قلوب أعدائها قبل أوليائها أنها هي المنقذ الأخير للعالم من جميع مشاكله .. سواء باختياره أو بدونه .. وأن وجودها هو الأبد بعينه ..
في العالم القديم .. لم تكن هذه الصورة واضحة جليّة مثلما هو الآن .. وإن كان السّذج والمنهزمون عبر التاريخ يرضخون لإرادات الأقوياء خوفا أو طمعا .. أما في العصر الحديث فقد ساهمت عوامل القوة التقنية والعسكرية والإعلامية في إبراز هذه الصورة للمستعمر الأمريكي الذي فرض سيطرته على العالم .. وجعل من وجوده وهيمنته وتحكمه بمسار الأحداث حتمية تاريخية لا مفر منها لأحد .. وقمع ونسف أدنى همسة أو حركة تحاول المساس بهذه الهيمنة .. أو تتصدى لهذه السيطرة .. واستخدام جميع الإمكانيات الإعلامية والاقتصادية والسياسية لمدّ نفوذه على كل شئ .. ولعل نظرة واحدة على واقع الإعلام العربي - كمثال - واختراقه بقنوات أمريكية أو تخدم الإرادة الأمريكية .. أو نظرة إلى المؤسسات الاستراتيجية الأمريكية مثل مؤسسة راند وتقاريرها السنوية .. تكفي للقناعة بأن العدو الأمريكي يعمل بدأب لا يتوقف .. ويرسم خططا بعيدة المدى لسياساته .. ويتابع كل شئ بدقة ..
وفيما يتشاغل الضعفاء والمنهزمون ببنيات الطريق .. ويتفاخرون بما لا يستحق أن يفتخر به .. من صغائر الإنجازات .. التي أحسن المتنبي وصفها فقال : وتعظم في عين الصغير صغارها .. يمدّ العدو المستعمر رقعة احتلاله لنفسياتهم ومشاعرهم .. تماما مثلما يمد رقعة احتلاله لأرضهم وإعلامهم وثقافتهم وأخلاقهم .. يساعده في ذلك ذلهم وهوانهم .. واستسلامهم للأمر الواقع .. وفوق ذلك جهود حثيثة متواصلة من شراذم النفاق وقطعان الارتزاق .. المبشرة بدين الحرية الكاذب .. الزاعمة بأن المخرج من أزمة الأمة وهوانها .. هو أن تتخلص من تاريخها وثقافتها وهويتها .. وأن تلحق بركب الأمة العظمى أمريكا .. لأنه لا خيار لها إلا ذلك !!
وفي ظل واقع أليم من انهزام المسلمين وشتات أمرهم أمام هذا المدّ الصليبي الذي يتآمر مع كل شئ للقضاء على جذوة الإسلام .. ويحيك خيوط المؤامرات تلو المؤامرات لسحق أي مظهر من مظاهر الجهاد أو المقاومة ضده .. يبرز دور المنافقين واضحا جليا في نشر مبدأ الإستسلام .. ونفث روح التبعية .. والتسليم للهيمنة الصليبية على نواحي الحياة .. والدعوة لها تحت شعارات الإسلام العصري .. والتحرر من قيود التقليد .. والمعايشة السلمية .. والحوار مع الآخر .. واللحاق بركب الحضارة والتمدن .. ولا يتعرضون ( للآخر ) في هذه اللغة الانهزامية السقيمة بسوء .. فهو المسيطر على العالم .. ولذا فهو صديق حميم .. أخطاؤه إن وجدت مغتفرة .. وجرائمه مبرورة مشكورة .. وإن كانت احتلال دول في قلب بلاد المسلمين .. فهو جاء ليحررها لا ليحتلها .. أو اغتصاب حرائر من بنات المسلمين .. أو قتل عشرات الآلاف .. أو تشريد الملايين .. أو هدم المنازل .. أو أو .. فكل هذه الجرائم ( إن صح التعبير ) لا توازي شيئا أمام انتحاري فلسطيني أو عراقي أو طالباني ( مجرم ) يفجر نفسه في عملية انتحارية ( تشوه ) صورتنا أمام ( أمريكا ) !!
إن ما تسعى له أمريكا والقائمون بأمرها وأذنابها المنافقون في بلاد العالم الإسلامي .. هو أن تجعل من الواقع الحالي حتمية تاريخية أبدية لا مناص منها .. ولا يملك من يقرأ أحداثها ويتأمل في تتابع وقائعها إلا أن يقول ( سمعنا وأطعنا ) .. ثم يدسّ رأسه في الرمال .. ولا يكون مبلغ علمه ( إن كان في قلبه بقية من حياة ) إلا أن يدعو الله أن ينزل على أمريكا صاعقة من السماء .. أو إعصارا من المحيط .. يجعل عاليها سافلها .. .. ثم يتوقف عن العمل للدين .. أو مناوأة العدو .. ولسان حاله في الانهزام والإحباط كحال أتباع طالوت حينما قالوا ( لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ) .. وهذا هو غاية أمنية أعداء الأمة من شياطين الإنس والجن .. ( إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه ) ..!
والقرآن الكريم .. وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .. حذّرت في نصوص كثيرة من الرضوخ لإرادة العدوّ .. أو الانهزام أمام ضغوطه أيا كان نوعها .. وأمرت بإعداد العدة للتصدي له وإرهابه .. ووعدت بالانتصار عليه إن صدق المسلمون في جهادهم وعزيمتهم .. بل وأكّدت أن الإسلام بعقيدته الصحيحة وشريعته الصافية .. هو الدين الذي يجب أن يهيمن على كل شئ .. وسيدخل كل بيت فوق هذه الأرض .. شاء من شاء وأبى من أبى .. وأنه هو حتميّة التاريخ الإلهية العادلة .. التي تفرضها إرادة الله لا إرادة البشر .. والتي سيسقط أمامها الأعداء مهما بلغت قوتهم .. وأيّا كانوا .. منافقين مندسين .. أو أعداء محاربين .. فحالهم أمام امتداد الإسلام يصوّره قول الله عز وجل ..
( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون )