"هلكونَ"بـ"كوبرنيكوس"!!
في البداية عذرا لاستعمال هذه اللفظة الدراجة .. رغم نسبها القريب من الفصحى .. حين قرأن المقارنة التي أجراها بيجوفيتش بين "البيروني"و"كوبرنيكوس"تذكرت سيلا من الكتابات الحداثية – اللبراليين / العلمانيين - التي تخرج لنا لسانها بما فعله "كوبرنيكوس"بالدين .. وبعضهم استعمل "الكنسية"ولكن كرمز للدين أيضا ..
لقد كانوا يجلدوننا بأمر لا يخصنا .. إنه يخص دينا آخر .. بعد تحريفه ..
يقول بيجوفتش :
( عرف العالم العربي"البيروني"قبل خمسة قرون من "كوبرنيكوس"أن الأرض تدور حول محورها وحول الشمس،وبسبب برهنته لم يتهم بالهرطقة ولم ير أحدهم أن تعاليمه ضد الدين. لم يتعلق الأمر وقتها بعلاقة لبرالية في ذلك المجتمع. إن نظام"كوبرنيكوس"المركزي كان في تعارض مع المشاعر المسيحية عن العالم،ولم يتعلق الأمر بالأرض ووضعها،وإنما بالإنسان وموقعه من الكون. لم يضع"كوبرنيكوس"مع الأرض والريف في دائرة خارجية وحسب،وإنما معها الإنسان. الأرض لم تعد مركز العالم،ولا حتى الإنسان. وكان على لك،أن يقلق بشدة المسيحية،ولكن ليس الإسلام،والذي لا يحتمل مفهوما خاصا ومميزا عن الإنسان. التعاليم التي كانت مستعدة لتوحيد الله والإنسان "الإله – الإنسان"كان عليها وفقا لتعاليم"كوبرنيكوس"أن تنظر في بدعة غير مشفوعة،وأن تهاجم عرضها المحبب. ومن هنا الاختلاف في القبول،وفي مصير كوبرنيكوس والبيروني){ ص 329 – 330 (هروبي إلى الحرية ) علي عزت بيجوفيتش /ترجمة إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر/ الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م }.
وفي نفس الإطار،أي الفرق بين الإسلام والمسيحية المحرفة .. يقول المؤلف :
(المسيحية والإسلام يعرفان ويعترفان بثنائية العالم.ولكن إذا كانت المسيحية هي المعرفة النهائية المتفاقمة عن تناقضات العالم،فإن الإسلام هو علم حلها) { ص 303}.
بل يذهب المؤلف إلى أبعد من ذلك .. ( إن ما كان يميز محمد عليه السلام كرسول إسلامي هو اجب النجاح. لم يكن له الحق في السقوط،وبغير ذلك لا يكون رسولا للإسلام "فضل الرحمن" يلاحظ بالنسبة لكتاب السيرة الغربيين أن فكرة نضالية الرسول منفرة. كان أولئك محاصرين بالحكايات الحزينة عن السقوط والتعليق على الصليب حتى أصبحت فكرة النجاح بذاتها كريهة.){ص 236}.
كراهية فكرة النجاح هذا .. وسيطرة الكنسية أيضا .. كانا وراء محاولة الخروج على الدين .. والتصادم معه .. ولا علاقة للإسلام لا بكراهية النجاح ولا بسيطرة رجال الدين.
من الأمور التي تثير تعجبي لجوء الباحثين عن (العدالة الاجتماعية) إلى الشيوعية / الاشتراكية .. رغم أن فكرة العادلة الاجتماعية إسلامية بامتياز .. فقط لو نظروا إلى (ليس منا من بات شبعانا وجاره جائع) – أو كما قال صلّ الله عليه وسلم – لأدخلهم ذلك إلى العدالة الاجتماعية من أوسع أبوابها... وفي هذا الإطار يقول بيجوفيتش :
( في هذه العلاقة : المسيحية – الإسلام – الاشتراكية ينفصل الإسلام ،ولكنه يربط هذين العضوين){ ص 241}
أما (التفكير) و(العقل) .. فنقتطف لأهلهما هذه الأسطر .. وما يسميه بيجوفيتش (أفق الإسلام) :
(حض القرآن على "تتفكروا"القرآنية المتواصلة {سبأ 34 / 46} لا يمكن تحليلها بطريقة أخرى إلا باعتبارها إيمانا جازما "ووعد"بألا تقوم شهادة العقل والحواس بخنق إيمان الروح،أي في نقطة معينة وفي أفق معين،العلم المسجد بالنظر،والدين المجسد بالإيمان ليسا في صراع،وإنما قد تتعاونا الواحدة مع الأخرى. وهذا ما أسميه أفق الإسلام) {ص 290}.
بدأنا بـ"كوبرنيكوس" ونختم ب"داروين" .. ودائما حسب بيجوفيتش :
( لا يمكن الحدث عن إنسان"داروين". فإنسانه هو مجرد حيوان مثقف. ويمكن البرهنة على أن داروين لم يتحدث عن الإنسان لأن مخلوق داروين لم يكن مثقلا بالطموحات والشكوك. فهي مصنوعة من قطعة واحدة،وهي التي ستخلق اليوتوبيا،وستعيش مثل السمكة في الماء،طبعا عندما يكون ذلك ممكنا){ص 262}.
وبعد .. لم تكن هذه الأسطر سوى حلقة من سلسلة (ومضة من كتاب) ولكنها تنكرت تحت العنوان الذي يتربع على رأس هذه الأسطر.
تلويحية الوداع :
(تم التعبير عن المسيحية الأمريكية بشكل عنصري في كثير من الكنائس،وفي منتصف هذا القرن،كان يمكن أن تقرأ إعلانا بأن هذا المعبد للبيض فقط){ هروبي إلى الحرية ص 127 }.
س / محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب.