لقد دأب الخوارج «وهي فِرقةٌ من فِرق الضلال» على طريقة اتخذوها منهجاً لهم ومسلكاً ألا وهي «الغدر والاغتيال والخيانة»، لقد قتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه الخليفة الراشد وهو يقرأ القرآن، فلم يمنعهم كبر سِنِّه أو قراءته للقرآن، أو كونه أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين مات وهو عنهم راض وقد بشرهم بالجنة عدة مرات فلم يمنعهم ذلك من استحلال دمه والغدر به، ثم توجهوا بعده إلى الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو خارج للصلاة، فلم يمنعهم خروجه لصلاة الفجر وحضوره للجماعة وإمامته للناس وكونه صحابياً جليلاً أن يغدروا به، وتوجهوا لمعاوية بن أبي سفيان خال المؤمنين رضي الله عنه لقتله أيضاً غدرا وخيانة، ولعمرو بن العاص... وهكذا في سلسلة طويلة من غدر بولاة أمر المسلمين وأئمتهم.
إن الغدر والخيانة ليسا من دين المسلمين، وأهل العلم والدِّين يُفتون بحرمة مثل هذه الأفعال المنكرة التي لا تمت للإسلام بصلة، كما أفتى به سماحة شيخنا إمام الدنيا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وفقيه الأمة شيخنا ابن عثيمين رحمه الله وهذا هو منهج علمائنا الباقين المباركين كالألباني، والفوزان، واللحيدان وغيرهم.
يقول الإمام أبو بكر الإسماعيلـي (ت:371 هـ) في بيان عقيدة أهل السنة : «ويرون مجانبة البدعة، والآثام، والخيانة والاغتيال» .وذلك لأن الخيانة ليست من الدين بل هي دأب الخوارج المارقين.
ولعل الحدث الأخير الذي وقع مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف آل سعود فـي منزله حينما حاول غِرٌّ صغير في عمره وعقله ليقتل نفسه ويقتل الأمير معه، بعد أن أعطاه الأمان وحادثه الأمير محادثة الوالد الرحيم بابنه إلا أن طباع اللؤم والغدر التي ربي عليها بعض الشباب لم تمنعهم من مقابلة الإحسان بالإساءة، ويُلاحظ المستمع للمحادثة فقه الأمير ومعرفته ببعض أحكام الشريعة وجهل الشاب الخارجي بأبسط أحكام الشَّرع، وسوء نيته، ويظهر في المحادثة أنه قد لُقِّن أكثر الكلام في إشارات ظاهره لمحاولة الاغتيال!!
فقوله «نقلة نوعية»، و«رمضان شهر الخير» أكثر من مرة إشارة إلى أن شيئا غريباً على المجتمع السعودي سيحدث، وهو محاولة الاغتيال الفاشلة والتي هي مفتاح لما بعده من هذه الأحداث.
لقد ظهر الفكر الخارجي من جديد، وذلك على يد «سيد قطب» الذي أثر تأثيرا بالغاً في نفوس الشباب المعاصر الذين تربى كثير منهم على كتبه، فهل سألنا أنفسنا من أين لشاب صغير له أقل من (25) سنة الفقه في الدين ومعرفة الأحكام الشرعية مما يجعله يُرْخِص نفسه ويقتلها، ويسعى في قتل أنفس أخرى، من الذي رَبَّاه على إباحة هذا الأمر، بل على أهميته وسنيته ومكانته من الدين، وإلا فإن النفس غالية، فلا يمكن أن يضحي بها إنسان إلا لأمر أهم منها.
نعم، هو يريد الجنة بسفك الدم الحرام في شهر رمضان، لكن لا بد أن لهذا الغر أُناساً غرروا به ودفعوه إلى الموت والهلكة واستحلال دماء المسلمين ودماء ولاة أمرهم على وجه الخصوص.
إن استنكارنا للحادث فقط، وإنكارنا على الذي مات منتحراً لا يكفي ولا يحل المشكلة ولا يعالج الفكر، كما تفعله كثير من الجماعات الإسلامية؟!، بل الواجب فضح شيوخ الضلال الذين ربوا الشباب على هذا الفكر المنحرف الضال.
يجب كشف مناهجهم وطرائقهم في تغذية الشباب بهذا الفكر المنحرف.
يجب كشف الموارد الثقافية التي استقوا منها هذا الفكر الضال.
وهذا مما لا يمكن أن يحدث على أيدي الجماعات الحزبية الإسلامية السياسية؟!
أتعرف لماذا؟ لأنهم كتبوا بالأمس في كتبهم ومجلاتهم ومقالاتهم حول شرعية الاغتيال، وشرعية عمليات الانتحار، وشرعيَّة قتل الطواغيت فكيف برؤوسهم، وكتبوا أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر الكفر المخرج عن المِلَّة كل هذا كُتِبَ في مجلَّاتهم ومقالاتهم وكتبهم هنا في «الكويت»، كما كتب في السعودية وغيرها وألقيت كمحاضرات في المساجد !!
والآن يُطَبِّق الشباب ما كتبه شيوخ الضلالة وقالوه، يوجد في «السعودية» كما يوجد في «الكويت» وفي كل مكان أناس يحركون الشباب نحو أفعال الغدر والخيانة على أنها جهاد، ويرسلونه إلى ساحات الموت، ثم هم يختبئون في السراديب لا يمسهم السوء!
لقد أُنشِئت لجان للوسطية وأقيمت مؤتمرات ولكن أكثرها لحماية التكفيرين لا لحربهم وتحذير الناس والشباب -على وجه الخصوص- من شرهم، وإليك هذا المثال وهو «سيد قطب» ومؤلفاته، فقد غصَّت المؤلفات والمحاضرات والمقالات بالثناء عليه وتمجيده، مع أنه بشهادة جماعته أحد المؤسسين للفكر التكفيري المعاصر كما شهد ذلك البهنساوي والقرضاوي!!
وتأمل معي هذه العبارات من تفسيره «في ظلال القرآن» لتقف على صحة ما أقول.
يقول في كتابه »ظلال القرآن« (2/1057) : «لقد استدار الزمان كهيئة يوم جاء هذا الدِّين إلى البشرية بـ«لا إله إلا الله»؛ فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد».
فهو لم يستثن أحداً من هذه الردة الجماعية!!
وقال في (4/2122) : «إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي».
وها هو في موضع آخر يدعو لتطبيق هذه الأفكار فيقول في «ظلال القرآن» (3/1451) : «لعلَّك تبينت مما أسلفنا آنفا أن غاية الجهاد في الإسلام هي هدم بنيان النظم المناقضة لمبادئه وإقامة حكومة مؤسسة على قواعد الإسلام في مكانها واستبدالها بها، وهذه المهمة مهمة إحداث انقلاب إسلامي عام غير منحصر في قطر دون قطر بل مما يريده الإسلام ويضعه في نصب عينيه أن يحدث هذا الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة هذه غايته العليا ومقصده الأسمى الذي يطمح إليه ببصره، إلا أنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها»اهـ.
فهل يحتاج هذا الكلام إلى توضيح؟!
فهو يدعو إلى الانقلاب على كل الأنظمة بلا استثناء؛ لأنها عنده مُرْتَدَّة كما في النصِّ الذي قبله، ثم يُبيِّن أنه لا عذر لأحد في كل الأقطار عن النكول عن هذا الواجب. لهذا خرج من شبابنا من يقوم على ولاة أمره بالتكفير والسعي في قلب نظام الحكم بالخروج عليهم.
إن كتب سيد قطب على العموم تشتمل على مثل هذه الأفكار وهي التي أخرجت الظواهري وابن دلان وغيرهما ممن يستحلون دماء المسلمين باسم الجهاد.
ولَـمَّـا نكص الدُّعاة الحزبيون على أعقابهم فلم نسمع منهم كلمة في «قطب» كان الكلام في غيره كذلك، بل أصبحت كثير من المكتبات والمساجد ودور النشر تشتمل على كتبه فتباع وتوزع وتنشر على مرأى ومسمع من الجميع، وحينها نعود بالسؤال : لماذا نُعاتب الشاب الصغير المغرر به ونترك الكبار الذين يحملون السم الذي يغذونه به؟!
هل من العقل أن نحارب شخصاً ونترك فكراً ومنهجاً!!
من مقالات الكاتب / دغش بن شبيب العجمي